أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف0%

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 150

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف: الصفحات: 150
المشاهدات: 25481
تحميل: 8520

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 150 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25481 / تحميل: 8520
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١٣ - دور الأئمّةعليهم‌السلام

أُريد في هذا الحديث ، أنْ اعبّر عن اتجاه معيّن من دراسة حياة الأئمّة ، وسوف لنْ يتّسع الحديث في حدود هذه الفرصة أنْ نرسم اتجاهاً معيّناً ، وإنّما كل ما أُحاوله ، هو إثارة التفكير حول هذا الاتجاه ، وإعطاء بعض الملامح العامّة عن حياة الأئمّةعليهم‌السلام .

وهذا الاتجاه الذي أُريد أنْ أتحدّث إليكم عنه هو الذي يتناول حياة كل إمام ، ويدرس تاريخه على أساس النظرة الكلية ، بدلاً عن النظرة الجزئية ، أي ينظر إلى الأئمّةعليهم‌السلام ككل مترابط ويدرس هذا الكل ، ويكشف ملامحه العامّة ، وأهدافه المشتركة ، ومزاجه الأصيل ، ويتفهّم الترابط بين خطواته ، وبالتالي الدور الذي مارسه الأئمّة جميعاً في الحياة الإسلامية .

ولا أُريد بهذا أنْ لا ندرس حياة الأئمّةعليهم‌السلام على أساس النظرة الجزئية ، دراسة كل إمام بصورة مستقلّة ، بل إن هذه الدراسة الجزئية نفسها ضرورية لانجاز دراسة شاملة كاملة ملائمة ككل ؛ إذ لا بدّ لنا أوّلاً أنْ ندرس الأئمّة بصورة مجزّئة تستوعب إلى أوسع مدى ممكن حياة كل إمام ، بكل ما تزخر به من ملامح وأهداف ونشاط ، حتى نتمكّن بعد هذا أنْ ندرسه ككل ونستخلص الدور المشترك للائمّةعليهم‌السلام جميعاً ، وما يعبرون عنه من ملامح وأهداف وترابط .

وإذا قمنا بدراسة أحوال الأئمةعليهم‌السلام على هذين المستويين ، فسوف نواجه على المستوى الأول اختلافاً في الحالات ، وتبايناً في السلوك وتناقضاً من الناحية الشخصية بين الأدوار التي مارسها الأئمةعليهم‌السلام .

فالحسن مثلاً هادَن معاوية ، بينما حارب الحسين يزيد حتى قُتل ، وحياة السجّاد قائمة على الدعاء بينما كانت حياة الباقر قائمة على الحديث والفقه ، وهكذا .

وأمّا على المستوى الثاني ، حينما نحاول اكتشاف الخصائص العامّة والأدوار

١٤١

المشتركة بالأئمّةعليهم‌السلام ككل ، فسوف تزول كلّ تلك الخلافات والاختلافات والتناقضات ؛ لأنّها تبدو على هذا المستوى مجرّد تعابير مختلفة عن حقيقة واحدة ، وإنّما اختلف التعبير عنها وفقاً لاختلاف الظروف والملابسات التي مرّ بها كل إمام ، وعاشتها القضية الإسلامية والشيعة منحصرة على الظروف والملابسات التي مرّت بالرسالة في عهد إمامٍ آخر ، ويمكننا عن طريق دراسة الأئمةعليهم‌السلام على أساس النظرة الكلية أنْ نخرج بنتائج أزخر من مجموع النتائج التي تتمخّض عنها الدراسات الجزئية ؛ لأنّنا سوف نكشف الترابط بين أعمالهم ، وسوف نتّخذ مثالاً لتوضيح الفكرة .

فنحن نقرأ في حياة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه جمَع الصحابة في خلافته واستشهدهم على نصوص الإمامة ، وشهِد بذلك عدد كبير من التابعين ، وطلَب منهم أنْ يُحدّثوا بنصوص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام ، ونقرأ في حياة الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قام بنفس العملية واستشهد التابعين وتابعي التابعين .

وحين ندرس الأئمّة ككل ونربط بين هذه النشاطات ، وبعضها ببعض ونلاحظ أنّ العمليات وضِعت على مدى ثلاثة أجيال ، نجد أنفسنا أمام تخطيط مترابط يكمل بعضه بعضاً ، ويستهدف الحفاظ على تواتر النصوص عبر أجيال عديدة حتى تصبح في مستوى الوضوح والاشتهار ، تتحدّى كل مؤامرات الإخفاء والتحديد .

وفي عقيدتي ، أنّ وجود دور مشترك مارسه الأئمّة جميعاً ، ليس مجرّد افتراض نبحث عن مبرراته التاريخية ، وإنّما هو ممّا تفرضه العقيدة نفسها وفكرة الإمامة بالذات ؛ لأنّ الإمامة واحدة في الجميع بمسؤولياتها وشروطها ، فيجب أنْ تنعكس انعكاساً واحداً في شروط الأئمّةعليهم‌السلام وأدوارهم مهما اختلفت أدوارها الطارئة بسبب الظروف والملابسات ، ويجب أنْ يشكل الأئمّة بمجموعهم وحدة مترابطة الأجزاء ، ليواصل كلُّ جزءٍ من تلك الوحدة الدور للجزء الآخر ويكمله .

١٤٢

الدور المشترك للائمّةعليهم‌السلام :

هذا هو السؤال كلّه الذي يقتبس على ضوء ما تقدم وقد لا نحتاج إلى شيء من البحث لكي نتّفق بسرعة على نوعية الدور المشترك الذي أُسند إلى الأئمّةعليهم‌السلام في تخطيط الرسالة .

فكلّنا يعلم أنّ الرسالة الإسلامية ، بوصفها رسالة عقائدية ، قد خطّطت لحماية نفسها من الانحراف ، وضمان نجاح التجربة خلال تطبيقها على مرّ الزمن ، فأوكل أمر صيانة التجربة وتحويلها وتوجيهها سياسياً إلى الأئمّةعليهم‌السلام بوصفهم أشخاصاً عقائديّين ، بلغوا في مستواهم العقائدي درجة العصمة من الانحراف والزلَل والخطأ ، غير أنّنا حينما نحاول أنْ نحدّد الدور المشترك الذي مارسه الأئمّةعليهم‌السلام ككل في تاريخهم المجيد ، لا نعني هذا الدور الخيالي من تزعم التجربة الإسلامية ؛ لأنّنا نعلم أنّ الأحداث المؤلمة وقعت بعد وفاة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأُقصي الأئمّة عن القيام بدورهم القيادي في تزعّم التجربة ، وسلّمت مقاليد الرسالة ومسؤولية تطبيقها إلى أشخاص آخرين ، انحرف معهم التخطيط واشتدّ الانحراف على مرّ الزمن ، وإنّما نريد بالدور المشترك من تاريخ الأئمّةعليهم‌السلام ، الموقف العام الذي وقفوه في خضَمّ الأحداث والمشاكل التي اكتنفت الرسالة بعد انحراف التجربة واقصائهم عن مناصبهم .

وهنا نجد تصوّراً شائعاً لدى كثيرين من الناس ، الذين احتاجوا أنْ يقيّموا الأئمّة بوصفهم أُناساً مظلومين فقط قد أُقصوا عن مركز القيادة ، وذاقوا بسبب ذلك ألوان الاضطهاد والحرمان ، فهؤلاء الناس يعتقدون ، أنّ دور الأئمّة في حياتهم ، كان دوراً سلبياً على الأغلب ، نتيجة لإِقصائهم عن مجال الحكم ، فحالهم حال من يملك داراً فيغصب منه ، وينحصر أمله في إمكان استرجاعها ، وهذا التفكير بالرغم من أنّه خاطئ ، فإنّه يُعتبر خطأ من الناحية العملية وأنّه يحبّب إلى الإنسان السلبية والانكماش والابتعاد عن مشاكل الأُمّة ومجالات قيادتها ، ولهذا أعتقد ضرورة أنْ نثبت خطأ ذلك التفكير ، وندرس حياة الأئمّة على أساس نظرة كلّية لتتبيّن ايجابيتهم الرسالية على طول الخط ، ودورهم المشترك الفعال في حفظ الرسالة وحمايتها .

١٤٣

إنّ الأئمّةعليهم‌السلام بالرغم من إقصائهم عن مجال الحكم ، كانوا يتحمّلون باستمرار مسؤوليتهم والحفاظ على الرسالة وعلى التجربة الإسلامية وتحصينها ضدّ التردّي إلى الهاوية ، هاوية الانحراف والانزلاق عن مبادئها وقيمها .

فكلّما كان الانحراف يقوى ويشتد ، وينذر بخطر التردّي إلى الهاوية ، كان الأئمّةعليهم‌السلام يتّخذون التدابير اللازمة ضدّ ذلك ، وكلّما وقع في التجربة الإسلامية والعقيدة من المحنة والمشكلة ، وعجَزت الزعامات المنحرفة من علاجها بحكم عدم كفاءتها ، بادر الأئمّةعليهم‌السلام إلى تقويم الحل ، ووقاية الأُمّة من الأخطار التي كانت تحدّدها بكلمة مختصرة ، كان الأئمّةعليهم‌السلام يحافظون على المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع الإسلامي ، ويحافظون على أنْ لا يحبط إلى درجة تُشكّل خطراً ماحقاً .

وهذا يقدّر ممارستهم جميعاً دوراً إيجابياً فعّالاً في حماية العقيدة ، وتبنّي مصالح الرسالة والأُمّة ، وتمثَّل هذا الدور الايجابي ، في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف كما عبّر الإمامعليه‌السلام حين صعد عمر بن الخطّاب المنبر ، وتساءل عن ردّ الفعل لو صرف الناس عمّا يعرفون إلى ما ينكرون ، فردّ عليه الإمامعليه‌السلام بكل وضوح وصراحة : إذن لقوّمناك بسيوفنا ، وتمثّل في إيقاف الزعامة المنحرفة إذ أصبحت تشكّل خطراً ماحقاً ولو عن طريق الاصطدام المسلّح ، والشهادة في سبيل كشف زيفها وسلب تخطيطها كما صنَع الإمامعليه‌السلام الحسين مع يزيد في مجابهة المشاكل التي تهدّد كرامة الدولة الإسلامية ، وتعجز الزعامات المنحرفة عن حلّها كما في المشكلة التي أشار إليها ملك الروم ، إلى عبد الملك بن مروان ، إذ عجز عبد الملك عن الجواب ، فبادر الإمام السجادعليه‌السلام وأجاب بالشكل الذي يحفظ للدولة كرامتها وللأُمة الإسلامية هيبتها ، وتمثّل أيضاً ، في إنقاذ الدولة الإسلامية من تحدّي الكافرين الذين هدّدوا سيادتها ، كالذي واجهه هشام من الروم وعجَز عن الرد عليه ، فكان الإمام الباقرعليه‌السلام في مستوى الردّ على هذا التحدّي فخطّط للاستقلال النقدي .

وتمثّل الدور الإيجابي في تلك المعارضة العميقة التي كان الأئمّةعليهم‌السلام يواجهون بها الزعامات المنحرفة بإرادةٍ سليمة لا تلين ، وقوّة نفسية صامدة لا تتزعزع .

١٤٤

فإذن ، هذه المعارضة ، بالرغم من أنّها اتخذت مظهراً سلبياً بدلاً عن مظهر الاصطدام الايجابي ، والمقابلة المسلحة ، غير أنّ المعارضة حتى بصيغتها السلبية كانت عمَلاً ايجابياً عظيماً في حماية الإسلام والحفاظ على مُثُله وقيمه ؛ لأنّ انحراف الزعامات القائمة ، كان يعكس الوجه المشوّه للرسالة ، فكان لابدّ للقادة من أهل البيتعليهم‌السلام ، أنْ يعكسوا الوجه النقي المشرق والمشرف لها ، وأنْ يؤكّدوا عملياً بالاستمرار المطابق بين الرسالة والحكم الواقع ، وهكذا خرج الإسلام على مستوى النظرية سليماً من الانحراف ، وإنْ تشوّهت معالم التطبيق ، ويمكنني أنْ أُؤكّد بهذا الصدد مثالاً جزئياً ، ولكنّه يعبّر عن مدى الجهود التي بذلها الأئمّةعليهم‌السلام في سبيل الحصول على هذا المكسب ، مكسب خروج الإسلام على المستوى النظري سليماً من الانحراف ، تصوّروا أنّ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام قد هدّ السجن صحّته ، وأذاب جسمه ، حتى أصبح حين يسجد لربّه كالثوب المطروح على وجه الأرض ، فيدخل عليه رسول الزعامة المنحرفة فيقول له : إنّ الخليفة يعتذر إليك ، ويأمر بإطلاق سراحك ، على أنْ تزوره وتعتذر إليه وتطلب رضاه ، فيشمخ الإمامعليه‌السلام ويجيب بالنفي بكلّ صراحة ، يتحمّل مرارة الكأس لا لشيء إلاّ لكي لا يحقّق للزعامة المنحرفة هدفَها من أنْ يبارك خطّها ، فتعكس معالم التشويه من التطبيق المنحرف على الرسالة نفسها .

وتمثَّل الدور الايجابي بالأئمّةعليهم‌السلام ، في تحويل الأُمّة العقائدية بشخصيّتها الرسالية والفكرية من ناحية.. ومقاومة التيّارات الفكرية التي تشكّل خطراً على الرسالة وضربها في بدايات تكونها من ناحية أُخرى ...

والإمامعليه‌السلام في علمه المحيط المستوعب ، بما يجعله قادراً على الإحساس بهذه البدايات الخطرة ، وتقديراً لأهميّتها ومضاعفاتها والتخطيط للقضاء عليها ، وقد يُمكن أنْ يفسّر على هذا الضوء ، اهتمام الإمام العسكريعليه‌السلام وهو في المدينة بمشروع كتاب يضعه الكندي وهو في العراق ، حول متناقضات القرآن إذ اتصل به عن طريق بعض المنتسبين إلى مدرسته ، وأحبَط محاولته ، وأقنع مدرسة الكندي بأنّها على خطأ .

١٤٥

الايجابية تنكشف في علاقات الأئمّة بالأُمّة .

في الواقع أنّ حياة الأئمّة ، ذاكرة كلّها للشواهد الايجابية ، الدور المشترك الذي كانوا يمارسونه ، من ذلك علاقات الأئمّة بالأُمّة والزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق ، الذي كان إمام أهل البيت يتمتّع بها على طول الخط ، فلأنّ هذه الزعامة لم يكن إمام أهل البيت يحصل عليها صدفة ، أو على أساس مجرّد الانتماء إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل على أساس العطاء للدور الايجابي الذي يمارسه الإمام في الأُمّة ، بالرغم من إقصائه عن منصب الحكم .

فإنّ الأُمّة لا تمنح على الأغلب الزعامة مجّاناً ، ولا يملك الفرد قيادتها وميل قلوبها من دون عطاء سخي منه تستنصره الأمة في مختلف عباداتها ، تستفيد منه في حلّ مشكلاتها والحفاظ على رسالتها ، إنّ تلك الزعامة الواسعة التي كانت نتيجة لإيجابية الأئمّةعليهم‌السلام في الحياة الإسلامية ، هي التي جعلت عليّ بن أبي طالب المثَل الأعلى للثوّار الذين قضوا على عثمان بن عفّان وهي التي كانت تتمثّل بمختلف العلاقات التي عاشها الأئمّةعليهم‌السلام مع الأُمّة .

انظروا إلى الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام كيف يقول لهارون الرشيد : أنت إمام الأجسام وأنا إمام القلوب ، انظروا إلى عبد اللّه بن الحسن ، حين أراد أنْ يأخذ البيعة لابنه محمّد ، كيف يقول للإمام الصادقعليه‌السلام مرتبكاً : إنّك إذا أجبت لم يختلف عن ابني أحد من أصحابك ولم يختلف عليه اثنان من قريش ولا من غيرهم ، ولاحظوا مدى ثقة الأُمّة بقيادة أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام نتيجة لما يعيشونه من دور إيجابي من حماية الإسلام ومصالح الأُمّة ، لاحظوا المناسبة الشهيرة التي أنشَد فيها الفرزدق قصيدته في الإمام السجّادعليه‌السلام ، كيف أنّ هيبة الحكم وجلال السلطان ، لم يستطيعا أنْ يشقّا لهشام طريقاً لاستلام الحجَر ، بين الجموع المحتشدة من أفراد الأُمّة في موسم الحج ، بينما استطاعت زعامة أهل البيتعليهم‌السلام ، أنْ تكهرب تلك الجماهير في لحظة ، وهي تحسّ بمقدم الإمام القائد ، فتشق الطريق بين يديه نحو الحجَر ، ولاحظوا قصة الهجوم الشيعي الهائل الذي تعرّض له قصر المأمون ، نتيجة لإغضاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، فلم يكن مناص من الالتجاء إلى الإمام لحمايته من غضب الأُمّة ، وقال له الإمامعليه‌السلام :( اتقِ اللّه في أُمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وما ولّي لك من

١٤٦

هذا الأمر وخصّك به ، إنّك قد ضيّعت أُمور المسلمين ، وتعرّضت في ذلك إلى غيرك ليحكم بغير حكم اللّه سُبحانه وتعالى ).

إنّ كل هذه النماذج والمظاهر للزعامة الشيعية التي عاشها أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على طول الخط تبرهن على إيجابيّتهم ، وشعور الأُمّة بدورهم الفعال في حماية الرسالة ، الإيجابية تنكشف في علاقات الأئمة بالحكام ويمكننا أنْ نتطرّق لزاوية جديدة ، لنصل إلى نفس هذا النتيجة من زاوية علاقات الزعامات المنحرفة من أمام أهل البيتعليهم‌السلام على طول الخط ، فإنّ هذه العلاقات كانت تقوم على أساس الخوف الشديد من نشاط الأئمةعليهم‌السلام ، ودورهم في الحياة الإسلامية ، حتى يصل الخوف لدى الزعامات المنحرفة أحياناً إلى درجة الرعب ، وكان محصول ذلك الاستمرار بتطويق أمام ذلك الوقت ووضع رقابة محكمة عليه ، ومحاولة فصله عن قواعده الشعبية ، ثمّ التآمر على حياته ووفاته شهيداً ، بقصد التخلّص من خطره ، فهل كان من الصدفة أو لمجرّد تسلية ، أنْ تتّخذ الزعامات المنحرفة كلّ هذه الإجراءات تجاه أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، بالرغم من أنّها تكلّفها ثمناً باهظاً من سمعتها وكرامتها ، أو كان ذلك نتيجة شعور الحكّام المنحرفين ، بخطورة الدور الايجابي الذي يمارسه الأئمّة ؟ وإلاّ فلماذا كل هذا القتل والتشريد والسجن والتبعيد ، هل كان الأئمّة يُحاولون تسلّم الحكم .

قد يتبادر إلى الذهن هذا السؤال : وهو أنّ إيجابية الأئمّةعليهم‌السلام ، هل كانت تصل إلى مستوى العمل لتسلّم زمام الحكم من الزعامات المنحرفة ، أو تقتصر على حماية الإسلام والرسالة الإسلامية ومصالح الأمة من التردّي إلى الهاوية وتفاقم الانحراف ؟

وجواب ذلك : يحتاج إلى توسّع في الحديث يضيق عنه المجال هنا ، غير أنّ الفكرة الأساسية للجواب المستخلص من بعض النصوص والأحاديث المتعدّدة ، أنّ الأئمّةعليهم‌السلام لم يكونوا يرون الظهور بالسيف ، والانتصار المسلح آنياً ، كافياً لإقامة دعائم الحكم على يد الإمام ، أنّ إقامة هذا الحكم وترسيخه ، لا يتوقّفان في نظرهم ، على مجرّد تهيئة حملة عسكرية ، بل يتوقّف

١٤٧

قبل ذلك على إعداد جيش عقائدي ، يؤمن بالإمام وعصمته إيماناً مطلقاً ، ويعيش أهدافه الكبيرة ويدعم تخطيطه في مجال الحكم ، ويحرس ما يحقّقه للأُمّة من مصالح ، وكلّكم تعرفون قصد الخراساني الذي جاء إلى الإمام الصادقعليه‌السلام ، يعرض عليه تبنّي حركة الثوّار الخراسانيين ، فأجّل جوابه ، ثمّ أمره بدخول النار فرفَض ، وجاء أبو بصير ، فأمره بذلك ، فسارع إلى الامتثال ، فالتفت الإمام إلى ثوّار خراسان وقال : لو كان بينكم أربعون مثل هذا لخرجتُ لهم .

وعلى هذا الأساس تسلّم أمير المؤمنين زِمام الحكم ، في وقتٍ توفّر فيه ذاك الجيش العقائدي متمثّلاً في الصفوة المختارة من المهاجرين والأنصار والتابعين .

عرفنا أنّ الدور المشترك الذي كان الأئمّةعليهم‌السلام يُمارسونه في الحياة الإسلامية ، كدورٍ لإيقاف المزيد من الانحراف ، وإمساك المقياس عن التردّي إلى الحضيض ، والهبوط إلى الهاوية غير أنّ هذا في الحقيقة ، يُعبّر عن بعض ملامح الدور المشترك ، وهناك جانب آخر في هذا الدور المشترك لم نشر إليه حتى الآن ، وهو جانب رعاية الشيعة ، بوصفهم الكتلة المؤمنة بالإمامعليه‌السلام ، والإشراف عليها بوصفها المجموعة المرتبطة به والتخطيط لسلوكها وحمايتها ، وتنمية وعيها ، وإسعافها بكل الأساليب التي تساعد على صمودها في خضم المِحَن ، وارتفاعها إلى مستوى الحاجة الإصلاحية ، إلى جيش عقائدي وطبَقة واعية ، ولدينا عدد كبير من الشواهد في حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، على أنّهم كانوا يباشرون نشاطاً واسعاً في سبيل الإشراف على الكتلة المرتبطة بهم والمؤمنة بإمامتهم ، حتى إنّ الإشراف كان يصل أحياناً إلى درجة تنظيم أساليب الحل للخلافات الشخصية بين أفراد الكتلة ، ورصد الأموال لها ، كما يحدّث بذلك المعلّى بن خنيس ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

وعلى هذا الأساس ، يمكننا أنْ نفهم عدداً من النصوص عن الأئمّةعليهم‌السلام ، بوصفها تعليم أساليب الجماعة التي يشرفون على سلوكها ، وقد تختلف هذه الأساليب باختلاف ظروف الشيعة والملابسات التي يمرون بها .

هذه نقاط أحببت إثارتها عن دراسات الأئمّة .

١٤٨

وختاماً أرجو أنْ يكون هذا منطلقاً للباقين في حياة أهل البيتعليهم‌السلام ، وابتهل إلى اللّه أنْ يجعلنا من التابعين والسائرين على خطاهم .

١٤٩

الفهرست

موقف الإمام علي عليه‌السلام السياسي بعد تسلّمه زمام الحكم -١-  ٥

موقف الإمام علي عليه‌السلام السياسي بعد تسلّمه زمام الحكم -٢-  ١٩

٣ - التغيير والتجديد في النبوّة ٣٣

٤ - مضاعفات وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.... ٤٥

٥ - دور الأئمّة عليهم‌السلام بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.... ٥٧

٦ - بداية الانحراف وبعض المشاكل التي واجهت أمير المؤمنين عليه‌السلام     ٧٣

(٧) ٨٧

٨ - ممارسة أئمّة المرحلة الأولى للصراع السياسي  ٩٩

٩ - تولّي أمير المؤمنين زعامة المسلمين. ١٠٣

١٠ - ثلاثة أئمّة ١١٥

١١ - بداية الانحراف.. ١٢٧

١٢ - دور الأئمّة عليهم‌السلام تجاه هذا التسَلسُل. ١٣١

١٣ - دور الأئمّة عليهم‌السلام.... ١٤١

١٥٠