أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف0%

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 150

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف: الصفحات: 150
المشاهدات: 25477
تحميل: 8520

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 150 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25477 / تحميل: 8520
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحلول الوسط ، وإنّما المؤامرة كانت مؤامرة على وجود الأُمّة الإسلامية ، على شخصية هذه الأُمّة ، على أنْ تقول كلمتها في الميدان بكلّ قوّة وجرأة وشجاعة ، على أنْ تَنسَلِخ عن شخصيتها وينصّب عليها قيِّم من أعلى يعيش معها عيش الأكاسرة والقياصرة مع شعوب الأكاسرة والقياصرة هذا الذي كان يسمّى بالمصطلح الإسلامي بالهرقلية والكسروية .

هذه هي المؤامرة .

وهذه المؤامرة هي التي كان يسعى خطّ السقيفة بالتدريج ، عامداً أو غير عامد ، إلى تعميقها إلى إنجاحها في المجتمع الإسلامي .

فلو أن الإمامعليه‌السلام كان قد مارس أنصاف الحلول ، لو كان قد باع الأُمّة بيعاً مؤقّتاً مع خِيار الفسخ ، إذن لكان بهذا قد اشترك في إنجاح وفي سلخ الأُمّة عن إرادتها وشخصيتها .

كانت الأُمّة وقتئذ بحاجة كبيرة جدّاً لكي تستطيع أنْ تكون على مستوى مسؤوليات ذلك الموقف العصيب ، وعلى مستوى القدرة للتخلّص من تبِعات هذه المؤامرة .

كان لا بدّ من أنْ تشعر بكرامتها بإرادتها ، بحرّيتها ، بأصالتها ، بشخصيّتها في المعترك وهذا كلّه ممّا لا يتّفق مع ممارسة الإمامعليه‌السلام لأنصاف الحلول .

النقطة الخامسة : التي لا بدّ من الالتفات إليها في هذا المجال ، هي أنّ الإمامعليه‌السلام لو كان قد أمضى هذه الأجهزة الفاسدة التي خلّفها عثمان ـ الخليفة من قبله ـ فليس من المعقول بمقتضى طبيعة الأشياء أنْ يستطيع بعد هذا أنْ يُمارس عملية التغيير الحقيقي في هذه التجربة التي يتزعّمها .

وفي الواقع أنّ هذا الفهم لموقف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الذي أعرضه في هذه النقطة مرتبطٌ بحقيقة مطلقة تشمل موقف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتشمل أيّ موقفٍ رسالي عقائدي آخر مشابه لموقف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أيّ موقف آخر يستهدف تغييراً جذرياً أو إصلاحياً حقيقياً في مجتمع أو بيئة أو حوزة أو في أيّ مجتمع آخر من المجتمعات ، وهذه الحقيقة المطلقة هي أنّ كل إصلاح لا

٢١

يُمكن أنْ ينشأ على يد الأجهزة الفاسدة نفسها التي لا بدّ أنْ يطالها التغيير .

فلو افترضنا أنّ الزعيم المسؤول عن إصلاح تلك البيئة ، أقرّ الأجهزة الفاسدة التي يتوقّف الإصلاح على إزالتها وعلى تبديدها ، لو أنّه أقرّ هذه الأجهزة وتعاوَن معها وأمضاها ولو مؤقّتاً ، ثمّ بعد أنْ اكتسب القوّة والمزيد من القدرة ، وامتدّ أُفقياً وعمودياً في أبعاد هذه التجربة التي تزعّمها ، بعد هذا استبدل هذه الركائز بركائز أُخرى هذا المنطق منطق لا يتّفق مع طبيعة العمل الاجتماعي ومع طبيعة الأشياء ؛ وذلك لأنّ هذا الزعيم من أين سوف يستمدّ القوّة ، من أين سوف تتّسع له القدرة ؟ من أين سوف يمتد أُفقياً وعمودياً ؟

هل تهبط عليه هذه القوّة بمعجزةٍ من السماء ؟ لا... وإنّما سوف يستمدّ هذه القوّة من تلك الركائز نفسها ...

أيّ زعيمٍ في أيّة بيئة يستمدّ قوّته وتتعمّق هذه القوّة عنده باستمرار من ركائزه ، من أُسسه من أجهزته التي هي قوته التنفيذية التي هي واجهته على الأُمّة ، التي هي تعبيره ، التي هي تخطيطه ، فإذا افترضنا أنّ هذه الأجهزة كانت هي الأجهزة الفاسدة التي يُريد المخطّط الإصلاحي إزالتها وتبديلها بأجهزةٍ أُخرى ، فليس من المعقول أنْ يقول الزعيم في أيّة لحظة من اللحظات ، وفي أيّ موقف من المواقف : دع هذه الأجهزة معي دعني أعمَل مع هذه الأجهزة ، حتى امتدّ حتى أشمخ ، وبعد أنْ امتدّ وأشمخ استطيع أنْ أقضي على هذه الأجهزة .

فإن هذا الشموخ الناتج من هذه الأجهزة لا يمكن أنْ يقضي على هذه الأجهزة النتيجة منطقياً مرتبطة بمقدّماتها والنتيجة واقعياً مرتبطة أيضاً بركائزها وأُسسها ، فهذا الشموخ المستمد من ركائز فاسدة ، من أجهزة فاسدة ، لا يُمكن أنْ يعود مرّة أخرى فيتمرد على هذه الأجهزة .

هذا الزعيم حتى لو كان حسن النية ، حتى لو كان صادقاً في نيته وفي تصوّره سوف يجد في نهاية الطريق أنّه عاجز عن التغيير ، سوف يجد في نهاية الطريق أنّه لا يتمكّن أنْ يحقّق أهدافه الكبيرة ؛ لأنّ الزعيم مهما كان زعيماً ، والرئيس مهما كان حاكماً وسلطاناً ، لا يغيّر بيئة بجرّة قلم ، لا يغير بيئة بإصدار قرار بإصدار أمر ، وإنّما تتغيّر البيئة عن طريق الأجهزة التي تنفذ إرادة هذا

٢٢

الزعيم ، وتخطيط هذا الزعيم ، إذن كيف سوف يستطيع هذا الزعيم أنْ ينفذ إرادته ، أنْ يحقّق أهدافه أنْ يصل إلى أمله ؟

فطبيعة الأشياء وطبيعة العمل التغييري في أيّ بيئة تفرض على أيّ زعيم يبدأ هذا العمل ، أنْ يبني زعامته بصورة منفصلة عن تلك الأجهزة الفاسدة ، وهذا ما كان يفرض على الإمامعليه‌السلام أنْ لا يُمضي مخلّفات عثمان الإدارية والسياسية...؟

النقطة السادسة : التي لا بدّ من الالتفات إليها أيضاً في هذا المجال ، هي أنّ الإمامعليه‌السلام لو كان قد أمضى ولو مؤقّتاً الأجهزة التي خلّفها عثمان ، أمضى مثلاً ولاية معاوية بن أبي سفيان وحاكميته على الشام لحصل من ذلك على نقطة قوّة مؤقتة .

لو باع الأُمّة من معاوية بيعاً مؤقّتاً مع خِيار الفسخ إذن لاستطاع بذلك أنْ يحصل على نقطة قوّة ، ونقطة القوّة هي أنّ معاوية سوف يُبايعه وسوف يُبايعه أهلُ الشام ، وهذه النقطة نقطة قوّة في حساب عملية التغيير ، لكن في مقابل هذا أيضاً سوف يحصل معاوية بن أبي سفيان على نقطة قوّة ، كما حصَل الإمامعليه‌السلام على نقطة قوّة ، ونقطة القوّة التي سوف يحصل عليها معاوية ، هي اعتراف الإمامعليه‌السلام صاحب الأطروحة الجديدة ، صاحب الخطّ الإسلامي الآخر المعارض على طول الزمن منذ تشكّلت السقيفة بشرعيّة معاوية بن أبي سفيان، بأنّ معاوية رجل على أقلّ التقادير يوصَف بأنّه عامل قدير على تسيير مهامّ الدولة ، وعلى حماية مصالح المسلمين وعلى رعاية شؤونهم ، هذا الاعتراف هو المدلول العُرفي الواضح لمثل هذا الإمضاء في الذهنية الإسلامية العامّة ، فنقطة قوّة لمعاوية مقابل نقطة قوّة لعليعليه‌السلام ..

ونحن إذا قارنّا بين هاتين النقطتين فسوف لنْ ننتهي إلى قرار يؤكّد أنّ نقطة القوّة التي حصل عليها الإمامعليه‌السلام ، هي أهم في حساب عملية التغيير الاجتماعية التي يمارسها الإمامعليه‌السلام من نقطة القوة التي يحصل عليها معاوية ، خاصّة إذا التفتنا إلى أنّ تغيير الولاة في داخل الدولة الإسلامية وقتئذ لم يكن عملية سهلة ، ولم يكن عملية بهذا الشكل من اليُسر الذي نتصوّره في دولةٍ مركزيّة تُسيطر حكومتها المركزية على كلّ أجهزة الدولة وقطاعاتها .

٢٣

ليس معنى أنّ معاوية يُبايع أو يأخذ البيعة لخليفة في المدينة أنّ جيشاً في الحكومة المركزية سوف يدخل الشام ، وأنّ هناك ارتباطاً عسكرياً حقيقياً سوف يُوجد بين الشام وبين الحكومة المركزية ، وإنّما يبقى هذا الوالي بعد أخذ البيعة همزة الوصل الحقيقية بين هذا البلَد وبين الحكومة المركزية ؛ لضعف مستوى الحكومة المركزية وقتئذ من ناحية ، ومن ناحية أُخرى لترسّخ معاوية في الشام بالخصوص لأنّ الشام لم تعرف حاكماً مسلماً قبل معاوية وقبل أخي معاوية ، ومنذ دشّن الشام حياته الإسلامية فإنّما دشّنها على يد أولاد أبي سفيان .

إذن ترسّخ معاوية من الناحية التاريخية والصلاحيات الاستثنائية التي أُعطيت له من قِبل عمر بن الخطّاب ، في أنْ يُنشئ له سلطنة وملكية في الشام ، بدعوى أنّ هذا يكون مظهر عزٍّ وجلال للإسلام في مقابل دولة القياصرة .

هذه الصلاحيات الاستثنائية التي أخذها معاوية من عمر بن الخطاب لأجل إنشاء مظاهر مستقلّة في الشام ، لا تشبه الوضع السياسي في الدولة الإسلامية في باقي الأقاليم ، وهذا ممّا رسّخ نوعاً من الانفصالية في الشام عن باقي أجزاء جسم الدولة الإسلامية .

ثمّ الصلاحيات التي أخذَها بعد هذا من عثمان بن عفّان حينما تولّى الخلافة ، وحينما شعَر بأنّه قادر على أنْ يستهتر بشكلٍ مطلق بالأمر والنهي ، بحيث لم يبقَ طيلة مدّة خلافة عثمان أيّ ارتباط حقيقي بين الشام والمدينة ، وإنّما كان هو الآمر والناهي في الشام ممّا جعل الشام يعيش حالة شبه انفصالية في الواقع ، وإنْ لم تكن انفصالية بحسَب العرف الدستوري للدولة الإسلامية وقتئذ ، وهذا ممّا يُعقّد الموقف على أمير المؤمنينعليه‌السلام ويجعل نقطة القوة التي يحصل عليها وهي مجرّد البيعة في الأيّام الأولى نقطة غير حاسمة ، بينما إذا أراد بعد هذا أنْ يعزِل معاوية فبإمكان معاوية أنْ يثير - إلى جانب وجوده المادّي القوي المترسّخ في الشام - الشُّبهات على المستوى التشريعي والإسلامي .

لماذا يعزلني ؟

ماذا صدر منّي حتى يعزلني بعد أنْ اعترف بأنّي حاكمٌ عادل صالح لإدارة شؤون المسلمين ؟

٢٤

ما الذي طرَأ وما الذي تجدّد ؟

مثل هذا الكلام كان بإمكان معاوية أنْ يوجّهه حينئذٍ إلى الإمامعليه‌السلام ، ولم يكن للإمامعليه‌السلام أنْ يُعطي جواباً مُقنعاً للرأي العام الإسلامي وقتئذٍ على مثل هذه الشبهة .

بينما حين يعزله من البداية يعزله على أساس أنّه يؤمن بعدَم صلاحيته ، وبأنّه لا تتوفّر فيه الشروط اللازمة في الحاكم الإسلامي ، وهو لا يتحمّل مسؤولية وجوده كحاكم ، في الفترة السابقة التي عاشها معاوية حاكماً من قبل عثمان ، أو من قِبل عمر بن الخطّاب .

النقطة السابعة : التي لا بدّ من الالتفات إليها في هذا المجال هي : أنّ هذه الشبهة تفترض أنّ معاوية بن أبي سفيان لو أنّ الإمامعليه‌السلام أمضى حاكميته وأمضى ولايته ، لبايعه ولأعطى نقطة القوة هذه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولكن لا يوجد في الدلائل والقرائن التي كانت تكتنف موقف الإمامعليه‌السلام ما يوحي بصحّة هذا الافتراض ، فإنّ معاوية لم يعصِ علياً لأجل أنّه عُزِل عن الولاية ، وإنّما كان ذلك في أكبر الظن جزءاً من مخطّط لمؤامرة طويلة الأمَد للأموية على الإسلام ، الأمويّة كانت تُريد أنْ تنهب مكاسب الإسلام بالتدريج ، هذا النهب الذي عبّر عنه بأقسى صورة أبو سفيان حينما ركَل قبر حمزة ( رضوان اللّه عليه ) بقدَمه وهو يقول : إنّ هذا الدين الذي قاتلتمونا عليه ، هذا الدين الذي بذَلتم دماءكم في سبيله ، وضحيّتم في سبيله قوموا واقعدوا وانظروا كيف أصبح كُرةً في يدِ صبياننا وأطفالنا .

كان الشرف الأمَوي يُريد أنْ يقتنص وأنْ ينهَب مكاسِب البناء الإسلامي والوجود الإسلامي ، وكانت هذه المؤامرة تُنفّذ على مستويات وكانت المرحلة الأولى من هذه المؤامرة ترسّخ الأخوين في الشام : يزيد بن أبي سفيان ، ثمّ معاوية بعد يزيد بن أبي سفيان بعد يزيد ومحاولة استقطاب معاوية للشام ، عن طريق بقائه هذه المدّة الطويلة فيها .

ثمّ كان معاوية بن أبي سفيان بنفسه ، ينتظر الفرصة الذهبية التي يتيحها مقتل عثمان بن عفّان هذه الفرصة الذهبية التي تعطيه سلاحاً غير منتظر يُمكن أنْ يمسكه ويدخل به إلى الميدان ولهذا تباطأ عن نصرة عثمان بن عفّان كان

٢٥

عثمان يستنصره ويستصرخه ويؤكّد له أنّه يعيش لحظات الخطر ، ولكنّ معاوية كان يتلكّأ في إنقاذه وكان معاوية ـ على أقلّ تقدير ـ قادراً على أنْ يؤخّر هذا المصير المحتوم بعثمان إلى مدّة أطوَل ، لو أنّه وقَف موقفاً ايجابياً حقيقياً في نصرة عثمان بن عفّان ، إلاّ أنّه تلكّأ وتلعثَم وكان يخطّط لكي يبقى هذا التيّار كاسحاً ولكي يخرج عثمان بن عفّان على يد المسلمين ميّتاً ، ثمّ بعد هذا لكي يأتي ويُمسك بزمام هذا السلاح ولكي يقول : أنا ابن عمّ الخليفة المقتول ومن المعلوم أنّ معاوية سوف لنْ يتاح له في كل يوم ، أنْ يكون ابن عمّ الخليفة المقتول ، فهذه الفرصة الذهبية التي كانت على مستوى الأطماع والآمال الأموية لنهب كل مكاسِب الإسلام ، هذه الفرصة الذهبية لم يكن من المظنون أنّ معاوية سوف يغيّرها عن طريق الاكتفاء بولاية الشام ، ولاية الشام كانت مرحلة ، أمّا منذ قتل عثمان بدأ معاوية في نهب كل الوجود الإسلامي ، وتزعّم كل هذا الوجود ، وكان هذا يعني أنّ تعيينه أو إبقاءه والياً على الشام سوف لنْ يكون على مستوى أطماعه في المرحلة الأولى ، التي بدأت بمقتل عثمان بن عفّان من مراحل المؤامرة الأموية على الإسلام .

وأخيراً لا بدّ من الالتفات أيضاً إلى شيء آخر : هو أنْ الوضع الذي كان يعيشه الإمامعليه‌السلام في ملاحظة طبيعة الأُمّة في ذلك الوضع ، وطبيعة الإمامعليه‌السلام في ذلك الوضع ، لم يكن ليوحي بالاعتقاد بالعجز عن إمكان النجاح لعملية التغيير دون مساومة .

ومن الواضح أنّ الفكرة الفقهية التي أشرنا إليها سابقاً عن توقّف الواجب الأهم على المقدّمة المحرّمة ، إنّما تكون فيما إذا كان هناك توقّف بالفعل ، بحيث يحرِز أنّ هذا الواجب الأهم لا يمكن التوصّل إليه إلاّ عن طريق هذه المقدّمة المحرّمة ، والظروف وطبيعية الأشياء وقتئذ لم تكن توحي ، ولم تكن تؤدّي إلى اليقين بمثل هذا التوقّف .

وذلك لأنّ المؤامرة التي كان عليّعليه‌السلام قد اضطلع بمسؤولية إحباطها ، حينما تولّى الحكم لم تكن قد نجَحت بعد ، بل كانت الأُمّة في يوم قريب سابق على يوم مقتل عثمان قد عبّرت تعبيراً معاكساً مضاداً لواقع هذه المؤامرة ولمضمون هذه المؤامرة .

هذه المؤامرة صحيح أنّها تمتد بجذورها إلى أمدٍ طويل قبل هذا التاريخ ،

٢٦

المؤامرة على وجود الأُمّة الإسلامية ، فإنّ الأُمّة الإسلامية التي سهَر عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على إعطائها أصالتها وشخصيّتها وكرامتها ووجودها ، حتى كان قد ألزم نفسه وألزمه ربّه بالشورى والتشاور مع المسلمين ؛ لأجل تربية المسلمين تربيةً نفسية وإعدادهم لتحمّل مسؤوليّاتهم وإشعارِهم بأنّهم هم الأُمّة التي يجب أنْ تتحمّل مسؤوليّات هذه الرسالة خلّفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي تعيش هذه الروحية وتعيش على هذا المستوى عاطفياً ونفسياً ، وبدأت جذور المؤامرة للقضاء على وجود الأُمّة كافّة وتحويل الوجود إلى السلطان والحاكم .

أوّل جذر من جذور هذه المؤامرة أُعطي كمفهوم في السقيفة حينما قال أحد المتكلّمين فيها : مَن ينازعنا سلطان محمّد .

والسقيفة وإنْ كانت بمظهرها اعترافاً بوجود الأُمّة ؛ لأنّ الأُمّة تُريد أنْ تتشاور في أمر تعيين الحاكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّ المفهوم الذي أُعطي في السقيفة والذي كُتِب له أنْ ينجح يوم السقيفة ، وأنْ يمتد بأثره بعد ذلك بعد يوم السقيفة هذه ، المفهوم كان بحدّ ذاته ينكر وجود الأُمّة .

كان ينظر إلى النبوّة على أنّها سلطان قريش ، أنّها سلطان عشيرة معيّنة وهذه العشيرة المعيّنة هي التي يجب أنْ تحكم وأنْ تسود نظريّة مالكية العشيرة ، التي تتحدّى وجود الأُمّة وتنكر عليها أصالتها ووجودها وشخصيتها ، هذه النظريّة طرحت كمفهوم في السقيفة ثمّ بعد هذا امتدّت واتّسعت عملياً ونظرياً .

عمر بن الخطّاب كان أيضاً يعمق بشكل آخر هذا المفهوم .

في مرّة من المرّات سمِع عمر بن الخطّاب أنّ المسلمين يتحلقون حلقاً حلقاً ، ويتكلّمون في أنّ أمير المؤمنين إذا أُصيب بشيء فمَن يحكم المسلمين بعد عمر ؟

المسلمون أُناس يحملون همّ التجربة هّم المجتمع همّ الأُمّة تطبيقاً لفكرة : أنّ كلّ مسلم يحمل الهموم الكبيرة يفكّرون في أن عمر بن الخطاب حينما يموت ، من الذي يحكم المسلمين ؟

٢٧

هذا تعبير عن وجود الأُمّة في الميدان .

انزعج عمر بن الخطّاب جدّاً لهذا التعبير عن وجود الأُمّة ؛ لأنّه يعرف أنّ وجود الأُمّة في الميدان معناه وجود عليّعليه‌السلام في الميدان ، معناه وجود الخطّ المعارض في الميدان ، كلّما نمَت الأُمّة كلّما تأصّل وجودها أكثر واكتسبت إرادتها ووعيها بدرجةٍ أعمق ، كلّما كان عليّ هو الأقدر وهو الأكفأ لممارسة عملية الحكم ، لهذا صعد على المنبر وقال ما مضمونه : أنّ أقواماً يقولون : ماذا ومَن يحكُم بعد أمير المؤمنين... ؟ ألا أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه المسلمين شرّها .

يعني ماذا يريد أنْ يقول في هذا الكلام ، يُريد أنْ يقول في هذا الكلام بأنّ المسلمين لا يجوز أنْ يعودوا مرّة أُخرى إلى التفكير المستقل في انتخاب شخص ، وإنّما الشخص يجب أنْ يُعيّن لهم من أعلى .

لكن لم يستطع ولم يجرأ أنْ يُبين هذا المفهوم وإلاّ هو في نفسه كان هكذا يرى ...

كان يرى أنّ الأُمّة يجب أنْ تستمع منه هو يعيّن من أعلى هذا الحاكم ، لا أنّ الأُمّة نفسها تفكّر في تعيين هذا الحاكم كما فكّرت مثلاً عقيب وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذلك فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، والأُمّة يجب ألاّ تعود إلى هذه الفلتة مرّة أُخرى .

إذن فما هذا البديل ؟ هذا البديل لم يبرزه لكن البديل كان في نفسه هو إنّي أنا يجب أنْ أُعيّن هذا أيضاً ، كان استمرارية لجذور المؤامرة وبعد هذا عبّر عن هذا البديل بكلّ صراحة وهو على فراش الموت ، وحينما طلَب منه المتملقون أنْ يوصي وألاّ يهمل أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حينما طلبوا منه ذلك عبّر عن هذا البديل بكلّ صراحة فأسند الأمر إلى ستّة أيضاً ، كان فيه نوع من التحفّظ ؛ لأنّه لم يعيّن واحداً وحيداً لا شريك له وإنّما عيّن ستّة كأنّه يُريد أنْ يقول : بأنّي أعطيت درجة من المشاركة للأُمّة ، عن طريق أنّي أسندت الأمر إلى ستّة هم يعيّنون فيما بينهم واحداً منهم .

انظروا كيف كانت المؤامرة على الأُمّة تنفذ بالتدريج .

كانت المؤامرة على وجودها على كيانها على إرادتها كأمّة تحمل أشرف رسالات السماء .

٢٨

طبعاً عبد الرحمان بن عوف الذي كان قطب الرحى في هؤلاء الستّة ، أيضاً لم يستطع في تلك المرحلة أنْ يطفئ دور الأُمّة لم يحل المشكلة عن طريق التفاوض فيما بين هؤلاء الستّة ، في اجتماع مغلق وإنّما ذهب يستشير الأُمّة ويسأل المسلمين من الذي ترشّحونه من هؤلاء الستّة ؟ إلى هنا كانت الأُمّة لا تزال تحتفظ بدرجة كبيرة من وجودها بحيث إنّ عمر بن الخطّاب لم يستطع أنْ يغفل وجود الأُمّة ، يسأل هذا ويسأل ذاك مَن تريدون من هؤلاء الستّة ؟ يقول : ما سألت عربياً إلاّ وقال : عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وما سألت قرشيّاً إلاّ وقال عثمان بن عفّان يعني جماهير المسلمين كانت تقول عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وعشيرة واحدة معيّنة كانت تريد أنْ تنهَب الحكم من الأُمّة كانت تقول : عثمان ؛ لأنّ عثمان بن عفّان كان تكريساً لعملية النهب ، بينما عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان تعبيراً وتأكيداً لوجود الأُمّة في الميدان ، ولهذا أرادته الأُمّة ، وأرادت العشيرة عثمان .

ثمّ بعد هذا جاء عثمان بن عفّان ، وفي دور عثمان بن عفّان تكشفت المؤامرة أكثر فأكثر وامتدت أكثر فأكثر .

أصبحت العشيرة تحكم وتقول بكلّ صراحة بأنّ المال مالنا والخراج خراجنا والأرض أرضنا ، إنْ شئنا أعطينا للآخرين وإنْ شئنا حرمناهم .

لكن هذا كلام يُقال خارج نطاق الدستور ، أمّا في نطاق الدستور كانت لا تزال الصيغة الإسلامية وهي أنّ المال مال الله والناس سواسية ، المسلمون كلّهم عبيد الله لا فرق بين قرشيّهم وعربيّهم وبين عربيّهم واعجميّهم بين أيّ مسلمٍ وأيّ مسلم آخر ، هذه كانت الصيغة الدستورية حتى في عهد عثمان ، لكن هذا الوالي الأموي المتغطرس أو ذاك الأموي المتعجرِف أو هذا الأموي المستعجل والمتهوّر كان ينطق بواقعٍ آخر لا يُعبّر عن الدستور ، حيث ينظر إلى الأُمّة على أنّها قطيع يتحكّم فيه كيف يشاء ، وعلى أنّ أرض الإسلام مزرعة ينتفع بخيراتها مَن يشاء هو ويحرم مِن خيراتها من شاء ، ولكن منطق الدستور الإسلامي كان هو المتحذّر في نفوس أبناء الأُمّة هذا المنطق ، هو أنّ أرض السواد ملك الأُمّة وأنّ الأُمّة هي صاحبة الرأي فهي القائدة وهي سيّدة الموقف ، وهذا يعني أنّ المؤامرة لا تزال غير ناجحة بالرغم من الجذور بالرغم من المقدّمات ،

٢٩

بالرغم من الإرهاصات النظرية والعملية ، بالرغم من كل ذلك المؤامرة لم تكن ناجحة ، الأُمّة كانت هي الأُمّة ، الأُمّة كانت تأتي إلى عثمان وتقول : لا نُريد هذا الوالي لأنّ هذا الوالي منحرف ، منحرف لا يُطبّق كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يكن يستطيع عثمان بن عفّان أنْ يُجيب بصراحة ويقول : ليس لك إرادة ، هذا الوالي يمثلني أنا ، وأنا الحاكم ، أنا الحاكم المطلق ! لم يكن يستطيع عثمان بن عفّان أنْ يقول هذا وإنّما كان يعتذر ويقيل ويرجِع ، وهكذا كان يُناور مع الأُمّة يشتغل بمناورات من هذا القبيل مع هذه الأُمّة التي بدأت تحسّ بالخطر على وجودها ، فعبّرت الأُمّة تعبيراً ثورياً عن وجودها وعن كرامتها فقتلت هذا الخليفة ، وبعدها اتّجهت طبيعياً إلى الإمامعليه‌السلام لكي يعبّر من جديد عن وجودها لكيّ يحبط المؤامرة لكي يعيد إلى هذه الأُمّة كل كرامتها خارج نطاق الدستور وداخل نطاق الدستور ؛ لكي يقضي على كل انحراف خرج به الحكّام عن الدستور عن الصيغة الإسلامية للحياة .

فمِن هنا كانت القضية لا تزال في بدايتها ، لا تزال الأُمّة هي الأُمّة لا تزال بحسب مظهرها على أقلّ تقدير هي تلك الأُمّة التي قتلت الحاكم في سبيل الحفاظ على وجودها ، وعليّعليه‌السلام صاحب الطاقات الكبيرة هو الشخص الوحيد الذي يؤمَّل فيه أنْ يصفّي عملية الانحراف .

فالظروف والملابسات لم تكن تؤدّي إلى يأس كانت تؤدّي إلى أمل وما وقع خارجاً خلال هذه الأربَع سنوات كان يؤكّد هذا الأمل فإنّ عليّاًعليه‌السلام لولا معاكسات جانبية لم تكن تنبع من حقيقة المشاكل الكبرى في المجتمع ، لاستطاع أنْ يسيطر على الموقف .

لولا مسألة التحكيم مثلاً ، لولا أنّ شعاراً معيّناً طُرِح من قِبل معاوية هذا الشعار الذي انعكس بفهمٍ خاطئ عند جماعة معيّنة في جيش الإمامعليه‌السلام ، لولا هذا لكان بينه وبين قتل معاوية وتصفيته بضعة أمتار .

إذن كان الأمل في أنْ علياًعليه‌السلام يمكنه أنْ يحقق الهدف ويعيد للأُمّة وجودها من دون حاجة إلى المساومات وأنصاف الحلول كان هذا الأمل أمَلاً معقولاً وكبيراً ولهذا لم يكن هناك مجوّز لارتكاب أنصاف الحلول والمساومات .

ولكنّ هذا الأمل قد خاب كما قلنا : انتهى آخر أمَل حقيقي في هذه

٣٠

التصفية حينما خرّ هذا الإمامعليه‌السلام العظيم صريعاً في مسجده صلوات الله عليه ، وانتهى آخر أمَل في هذه التصفية وقُدّر للمؤامرة على وجود الأُمّة أنْ تنجح وأنْ تؤتي مفعولها كاملاً .

غير أنّ الإمامعليه‌السلام حينما فتَح عينيه في تلك اللحظة العصيبة ورأى الحسنعليه‌السلام ، وهو يبكي ويشعر ويحسّ ويدرك بأنّ وفاة أبيه هي وفاة لكلّ هذه الآمال ، أراد أنْ يُنبّهه إلى أنّ الخطّ لا يزال باقياً والى أنّ التكليف لا يزال مستمّراً ، وأنّ نجاح المؤامرة لا يعني أنْ نلقي السلاح .

نعم المؤامرة يا ولدي ، نجَحت ولهذا سوف تشردون وسوف تقتلون ولكن هذا لا يعني أنّ المعركة انتهت ، يجب أنْ تقاوم حتى تُقتل مسموماً ، ويجب أنْ يقاوم أخوك حتى يُقتل بالسيف شهيداً ، ولا بدّ أنْ يستمرّ الخط حتى بعد أنْ سُرِق من الأُمّة وجودها ؛ لأنّ محاولة استرجاع الوجود إذا بقيت في الأُمّة فسوف يبقى هناك نفَسٌ في الأُمّة ، سوف يبقى هناك ما يُحصّن الأُمّة ضدّ التميّع والذوبان .

الأُمّة حينما تتنازل عن هذه الإرادة والشخصية لجبّار من الجبابرة حينئذٍ تكون عرضةً للذوبان والتميّع في أُتون أيّ فرعون من الفراعنة .

لكن إذا بقي لدى الأُمّة محاولة استرجاع هذا الوجود باستمرار هذه المحاولة التي يحاولها خطُّ عليّعليه‌السلام ومدرسة عليّعليه‌السلام والشهداء والصدّيقون من أبناء عليّعليه‌السلام وشيعته ، إذا بقيَت هذه المحاولة فسوف يبقى مع هذه المحاولة أمل في أنْ تسترجع الأُمّة وجودها ، وعلى أقلّ تقدير سوف تحقّق هذه المحاولة كسباً آنياً باستمرار وهو تحصين الأُمّة ضدّ التميّع والذوبان المطلق في إرادة ذلك الحاكم وفي إطار ذلك الحاكم .

وهذا ما وقع .

أسأل اللّه سُبحانه أنْ يجعلنا من أنصاره وشيعته والسائرين في خطّه والمساهمين في هذه المحاولات .

٣١

٣٢

٣ - التغيير والتجديد في النبوّة

٢٧/ رجَب المكرّم /١٣٨٨

بمناسبة أروع ذكرى مرّت في حياة الإنسان ، في يوم هو أشرف يوم في تاريخ الإنسان ، سَواء قيّمنا الأيام بما تشتمل عليه من أحداث أم بما تتمخّض عنه من نتائج ، فإنّ هذا اليوم يبقى هو اليوم الأول في تاريخ الإنسان ؛ لأنّه اليوم الذي استطاع فيه الإنسان أنْ يبلغ الذروة ، التي رشّحته لها عشرات الآلاف من الرسالات والنبوّات ، فأصبح قاب قوسين أو أدنى ، متمثّلاً في شخص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكذلك إذا لاحظنا ما تمخّض عنه هذا اليوم العظيم ، يُمكننا أنْ نتصوّر المقدار العظيم من الطاعات والعبادات والأعمال النبيلة الزاخرة ، بكلّ معاني النُبل والأخلاق ، التي أُوتي بها بعد هذا اليوم .

ويمكننا أنْ نتصوّر العروش التي حُطّمت ، والجبابرة الذين قُضي عليهم ، وعهود الظلم والطغيان ، التي قُوّضت باسم هذا اليوم .

ويمكننا تصوّر الشخصيات العظيمة ، و البطولات المستميتة في سبيل إقامة العدل على الأرض باسم هذا اليوم .

هذا اليوم هو اليوم الأول في تاريخ البشرية ، سَواء قيّمنا على أساس ما حدَث فيه أو على أساس ما نتَج عنه ؛ لأنّه يوم النبوّة الخاتمة .

وبمناسبة النبوّة الخاتمة ، أريد أنْ أتحدّث إليكم عن فكرة التغيير والتجديد في النبوّة ، فكرة التغيير والتجديد التي عاشتها ظاهرة النبوّة في تاريخ الإنسان على مرّ الزمن ، حتى وضِع لها الحدّ النهائي ، على يد الرسالة الإسلامية الخاتمة .

٣٣

والتغيير والتجديد في النبوّة له أسبابٌ عديدة معقولة يمكن أن يقوم على أساس أيّ واحدٍ من هذه الأسباب ، كما يمكن أنْ يقوم على أساس أكثر من سببٍ واحد من هذه الأسباب .

السبب الأوّل :

وهو فيما إذا كانت هذه النبوّة قد استنفدت أغراضها ، واستكملت أهدافها ، وأنهَت شوطها المرسوم لها ، ففي مثل هذه الحالة لا بدّ لها وأنْ تخلي الميدان لنبوة تحمل أهدافاً جديدة ، وتحمل شوطاً جديداً لا بدّ أنْ تؤدّيه في خدمة الإنسان ، وتصعيده إلى المستوى المطلوب .

وأقصد بكون النبوّة تستنفد أغراضها ، أنْ تكون النبوة بالذات ، وصفة لمرض طارئ في حياة البشرية .

هناك نقاط من الضعف ، تطرأ بين حينٍ وحين ، في بعض الأزمنة والأمكنة ، في بعض المجتمعات البشرية .

تطرأ بعض الأمراض المعيّنة من الناحية الفكرية والروحية والأخلاقية ، وهذه الأمراض تستفحل بموجب شروط معيّنة موضوعية خاصة ، وتحتاج هذه الأمراض إلى نوع من العلاج يترفّق المولى سبحانه وتعالى في إنزال وحيٍ معيّن لأجل بيانه .

وبطبيعة الحال سوف تكون الوصفة المقدّمة من قِبل هذه الرسالة لعلاج هذا المرض ، قائمة على أساس هذا الحال الاستثنائي ، المنحرف الذي يعيشه إنسان عصر هذه النبوة ، ومن المنطقي والمعقول أنْ لا تصح وصفة من هذا القبيل على كل زمان أو مكان ، فكل إنسان منّا قد يستعمل وصفة معيّنة في حالة مرضية ، إلاّ أنّ هذه الوصفة نفسها ، لا يمكن أنْ تصبح غذاءً اعتيادياً للإنسان في كلّ زمان أو مكان .

فحينما تكون النبوة في طبيعة تركيبها قد جاءت لعلاج مرض معيّن طارئ في حياة الإنسان ، وتكون في طبيعة رسالتها قد صُمّمت وفق هذه الحاجة فحينما تكون هذه النبوة هكذا ، وتدخل شوط عملها وجهادها ، وتحارب وتكافح في سبيل استئصال هذا المرض الاستثنائي ، بعد هذا تكون النبوة قد

٣٤

استنفدت أغراضها ؛ لأنّها جاءت لمعركة جزئية محدّدة بظروف زمانية ومكانية خاصة ، وهذه المعركة انتهت بانقضاء هذه الظروف .

فمثلاً ما يقال عن المسيحية ، من أنّها كانت تتّجه إلى نزعة روحية مفرطة ، والتركيز على الجانب الطبيعي بدرجةٍ أكبر بكثير من التركيز على أيّ جانب من جوانب الحياة المعاشة المحسوسة يقال عادة : أنّ بعض التركيز على الجانب الغيبي اللامنظور ، التركيز على جعل النفس منقطعة عن كل علائق الدنيا ، هذا التركيز الذي قامت على أساسه بعد هذا ، فكرة الرهبنة ، هذا التركيز كان علاجاً لمرض عاشه شعب بني إسرائيل ، حينما ظهَرت المسيحية في ذلك الوقت .

هذا المرض ، الانغماس المطلق في الدنيا ، وفي علائق الدنيا ، هذه الحالة النفسية التي كانت تجعل الإنسان اليهودي مشدوداً إلى درهمه وديناره ، ويومه وغده ، هذه الحالة كانت بحاجة إلى وصفة ، هذه الوصفة تحاول أنْ تنشل هذا الإنسان اليهودي من ضرورات يومه وغده ، وتُذكّره بأمسه وربّه ، لهذا كان في المسيحية هذا النوع ، من الإفراط المناسب مع حالة موضعية زمانية معيّنة في التاريخ الطويل للإنسان .

أمّا هذا النوع من الإفراط حينما يُؤخذ كخطٍّ عام للإنسان ، يعتبر شذوذاً وانحرافاً ؛ لأنّه دواء للمريض وليس طعاماً للصحيح .

فمن هذه الأسباب التي تجعل التغيير في النبوة أمراً معقولاً ، هو أنّ النبوة تستنفد أغراضها وتستوفي أهدافها ، باعتبارها رسالة صُمّمت لعلاج حالة طارئة وقد استنفدت أغراض العلاج .

من جملة الأسباب المعقولة لتغيير النبوة هو أنْ لا يبقى منها تراث يُمكن آنْ يقام على أساسه العمل والبناء ...

إذا افترضنا ، أنّ نبَّوةً جاءت ومارسَت دورها في قيادة البشرية وهدايتها ووصلها بربّها ، وتطهيرها من شوائبها ، إلاّ أنّ هذه النبوة بعد أنْ مات شخص النبيّ ، تولّدت ظروف وانحرافات أكَلت كل ذلك التراث الروحي والمفاهيمي الذي خلّفه ذلك النبيّ الذي قاد تلك المعركة ، بقيت النبوة مجرّد

٣٥

رُؤى تاريخية وشعار غامض غائم بارد ، دون أنْ يكون معبّراً عن أيّ كيان فكري مفاهيمي ، محدّد في أذهان القاعدة الشعبية المرتبطة بتلك النبوة ، في مثل هذه الحالة ، لا يمكن أنْ تواصل هذه الدفعة الإلهية المتمثّلة في تلك النبوة عملها ؛ لأنّ الدفعة الإلهية لا يمكن أنْ تواصل عملها بدون مصباح منير وبدون كتاب منير ، على ما يصطلح عليه القرآن الكريم ، وهذا الكتاب المنير ، عبارة عن ذاك التراث الفكري والمفاهيمي الذي يمثّل القاعدة للعمل النبوي ، ويمثّل الإطار للحياة التي يقدّمها النبيّ ويدعو إليها ، فإذا ماتت تلك القاعدة وذلك الإطار باضمحلال ذلك التراث ، وبقيت النبوة مجرّد مسألة تاريخية لا يوجد بالفعل في حياة الناس ما يُجسّد مفهومها ومنظارها إلى الحياة ، ففي مثل ذلك ، لا بدّ من دفعة جديدة ، لكي يستأنف العمل ويستأنف الشوط في سبيل إعادة البشرية إلى ربّها ، وإقامة دعائم العدل والحق والتوحيد على وجه الأرض .

وأيضاً هذا السبب نجده إلى درجة كبيرة في المسيحية بالذات ، فالمسيحية بعد أنْ غادر السيّد المسيحعليه‌السلام مسرح الدعوة والعمل ، لم يبقَ من المسيحية شيء حقيقي يُمكن أنْ يُقام على أساسه العمل النبويّ ، الإنجيل الذي يُحدّث عنه القرآن الكريم فُقِد نهائياً ؛ لأنّ الإنجيل الذي يُحدّث عنه القرآن الكريم كتاب أُنزل على السيد المسيحعليه‌السلام ، والأناجيل التي تعيش اليوم وكانت تعيش بالأمس هي كتب ألفَّها طلاب السيّد المسيحعليه‌السلام على أفضل التقادير ، فالرسالة المتمثّلة في الكتاب السماوي قد انطفأت ، والحواريون كانوا من حيث القلّة والتشتّت والاضطراب الذهني ، ما يجعلهم غير قادرين على حماية التراث الباقي في أذهانهم من السيّد المسيحعليه‌السلام ، بدليل مراجعة هذه الأناجيل التي كتبوها ، فإنّ هذه الأناجيل لا تحمل في الحقيقة وفي مجملها إلاّ سيرة السيّد المسيحعليه‌السلام ، مع إبراز الجانب الغيبي والمعاجزي من هذه السيرة .

إذن لم يبقَ من السيّد المسيحعليه‌السلام بعد انتهاء دوره على المسرح حصيلة مضيئة يُمكن القيام على أساسها على الخط الطويل ، العمل النبوي .

لم تبقَ إلاّ فكرة غائمة غامضة عن إنسان بات ليُصلِح ، وقال ، وعلّم ،

٣٦

ثمّ انتهى ، أمّا ماذا قال ؟ وكيف انتهى ؟ وماذا خلّف ؟ وما هي شريعته ؟ كلّ هذا بقي غائماً غامضاً ، ولهذا مُلِئ بالتدريج بأيدٍ بشريّة تزعّمت بعد هذا ، المسيحية ، مُلئت هذه الفراغات الكبيرة التي تركها السيد المسيحعليه‌السلام ، خاصة بعد أنْ أصبحت المسيحية رومانية ، ودخلَت الإمبراطورية الرومانية في الديانة المسيحية رسمياً أولاً ، وشعبيا ثانياً ، في مثل هذه الحالة .

إذن هذه أيضاً من الأسباب المعقولة لتغيير النبوة ، وهي أنْ لا يبقى من ذلك النبيّ تراث حي يُمكن أنْ يُقام على أساسه العمل ، وترتكز بموجبه الدعوة إلى الله سُبحانه وتعالى .

أيضاً من الأسباب التي يمكن أنْ يقام على أساسها التغيير في النبوّة ، هو أنْ تكون الرسالة التي هبطت على النبيّ ، محدودة باعتبار محدودية نفس النبيّ ، وإنْ كان مفهوماً عامّاً ، إلاّ أنّ هذا المفهوم العام على ما يقول المناطقة : يصدق على أفراده بالتشكيك ، هناك على ما تقول الروايات نبيّ للبشرية ، ونبيّ للقبيلة ، وهناك نبوّات تختلف من حيث السعة والضيق ، باختلاف طبيعة النبيّ نفسه ، باعتبار مستوى كفاءة القيادة الفكرية والعملية في شخص النبيّ ، فحمدودية الكفاءة القيادية في المجالين الفكري والعملي ، ممّا يؤثّر في تحديد الرسالة التي يحملها النبيّ ؛ لأنّ كل إنسان على الأرض ، لا يمكن أنْ يحمل رسالة يحارب ويدافع عنها حقيقة ، إلاّ إذا كان مستوعباً لها استيعاباً كاملاً شاملاً ، وهذا الاستيعاب الكامل الشامل ، يتطلّب من هذا الداعية أنْ يكون على مستوى هذه الرسالة .

ومن الواضح أنّ الأنبياء كغير الأنبياء ، يتفاوتون في درجات تلقيهم للمعارف الإلهية عن طريق الوحي من قبل اللّه سبحانه وتعالى ، ولهذا كانت بعض الرسالات محدودة بحكم محدودية قابلية الأنبياء أنفسهم ، حيث إنّ هذا النبيّ ليس مؤهّلاً لأنْ يحمل هموم البشرية على الإطلاق وفي كلّ زمان ومكان ، بل هو مهيّأ لأنْ يحمل هموم عصره فقط ، أو هموم مدينته فقط، أو هموم قبيلته فقط، لأن ذاك الشخص الذي يحمل هموم البشرية على الإطلاق ، ويعيش مشاكلها على الإطلاق ، ليكتوي بنارها على الإطلاق ، ليس إلاّ الدرجة العالية إلى اللّه سُبحانه وتعالى من الأنبياء والأوصياء .

٣٧

فإذا كانت النبوة محدودة بطبيعة قابليّات هذا النبيّ ، كان لا بدّ في خارج هذه الحدود الزمانية والمكانية ، من نبوة أُخرى تمارس عملها في سبيل اللّه سبحانه...

وأخيراً من جملة الأسباب التي تدعو إلى تغيير النبوة ، هو تطوّر البشرية ، وتطوّر نفس الإنسان المدعو ، لا محدودية الإنسان الداعي ، كما فيما سبق ، وكون الإنسان المدعو يتصاعد بالتدريج لا بالطفرة ، وينمو على مرّ الزمن في أحضان هذه الرسالات الإلهية ، فيكتسب من كل رسالة إلهية درجة من النمو ، تهيّئه وتُعدّه لكي يكون على مستوى الرسالة الجديدة وأعبائها الكبيرة ، ومسؤولياتها الأوسع نطاقاً .

وفكرة التطور هنا لا بدّ و أنْ تُحدّد إجمالاً ملامحها ومعالمها .

ويمكننا أنْ نبرز ثلاثة خطوط تتطوّر على وفقها الإنسانية ، إلاّ أنّ عامل التطور في النبوة يرتبط بالتطور ، في خطّين من هذه الخطوط الثلاثة ، ولا يرتبط بالخط الثالث من هذه الخطوط ، والخطوط هي : خطّ وعي التوحيد... خطّ المسؤولية الأخلاقية للدعوة لحمل أعباء الدعوة... خطّ السيطرة على الكون والطبيعة...

الخط الأول :

النبوة ترتبط بالواقع بالخطّين الأول والثاني من هذه الخطوط الثلاثة ، بالوعي التوحيدي عند الإنسان ، وبخطّ المسؤولية الأخلاقية لحمل أعباء الدعوة في العالم ، ولا ترتبط النبوة بالخطّ الثالث من خطوط التطور وهو مدى السيطرة للإنسان على عالم الطبيعة والكون ؛ ذلك لأنّ النبوّة تستهدف أنْ تصنع الإنسان من داخله ، تستهدف أنْ تصنع للإنسان قاعدة فكريّة يقوم على أساسها بناؤه الداخلي ثمّ يقوم على أساس هذا البناء الخارجي ، وهذه القاعدة الأساسية التي يقوم على أساسها البناء الداخلي وبالتالي البناء الخارجي هي : التوحيد .

فكرة التوحيد وربط الإنسان بكامل وجوده وجوانب حياته بربٍّ واحد أحد .

هذه الفكرة هي القاسم المشترك بين كل النبوّات والرسالات التي عاشها الإنسان ، منذ أنْ خلقه اللّه سبحانه وتعالى على وجه الأرض .

٣٨

إلاّ أنّ هذه الفكرة فكرة التوحيد ليست ذات درجة حدية ، وإنّما هي بنفسها ذات درجات من العمق والأصالة والتركيز والترسيخ ، فهذه الدرجات متفاوتة ، كان لا بدّ بمقتضى الحكمة الإلهية أنْ يهيّأ الإنسان لها بالتدريج هذا الإنسان الذي غرَق بمقتضى تركيبه العضوي والطبيعي في حسّه ودُنياه ، حينما يُدعى إلى فكرة التوحيد ، لا بدّ من أنْ ينتزع من عالَم حسّه ودنياه بالتدريج ؛ لكي ينفتح على فكرة التوحيد التي هي فكرة الغيب .

فالغيب يجب أنْ يُعطى له على مراحل ، وعلى درجات ، كلّ درجة تهيئ ذهنه لتلّقي التوحيد .

ونحن بإمكاننا الالتفات إلى فكرة التوحيد المعطاة من التوراة والإنجيل ، والقرآن الكريم ، إنّ نفهمه مثالاً على هذا المعنى ، التوراة والإنجيل والقرآن ، كل هذه الكتب تُعطي فكرة التوحيد ، وبقولي التوراة والإنجيل أقصد التوراة والإنجيل الذي يعيش بيننا اليوم ؛ لانّ التوراة والإنجيل الموجودين بين أيدينا اليوم على أيّ حال ، قد يقصدان تصوير الفكرة الدينيّة في شعب موسى وشعب عيسى في قوم موسى وقوم عيسى ، ولا شكّ في أنّه أيضاً يحتفظ بجزءٍ من النص الديني إلى حدٍّ قليل أو كثير ، خاصة في التوراة ، ولهذا لا يمكن أنْ نستلهم من الكتابين ، في سبيل تقدير وتحديد الروح الدينية العامّة ، لمرحلتين من مراحل الإنسان التي عاشها مع النبوّة ، بطبيعة الحال هنا نرى فرقاً فارقاً بدرجة ، وتطوّراً في مفهوم التوحيد المعطى .

فبينما التوحيد في الكتاب الأول يقوم على أساس إعطاء إله ، وهذا الإِله ، لا يستطيع هذا الكتاب أنْ ينزع عنه الطابع القومي المحدود ، فيشد هذا الإله جماعة معيّنة إلى شعبٍ معيّن ، هذا الشعب المعيّن الذي قدّر أنْ يُنزل الرسالة فيه ، أنْ يكون النبيّ منه ، فكانت التوراة باستمرار تقدّم الإله في إطار قومي كأنّه إله هؤلاء في مقابل الأصنام ، والأوثان التي هي آلهة الشعوب والقبائل ، فلم تقل التوراة بكلّ صريح عميق لهؤلاء أنْ هناك إلهاً واحداً للجميع ، و أنْ هذه الأصنام والأوثان يجب أنْ ترفضها البشرية ، وإنّما عوضت هؤلاء بالخصوص عن صنم ووثن معيّن ، بإله يعبدونه بدلاً عن هذا الصنم ، هذا الشيء الذي يوجد في نفوس هؤلاء القوم تأريخياً الشعور بالاعتزاز ، والشعور بالزهو والخُيّلاء على بقيّة الشعوب الأُخرى ، هذا الشعور الذي لم يوجد في شعوب متأخّرة نزلت فيها

٣٩

نبوّات التوحيد ، على أساس أنّ الإله الذي أُعطي إليهم كان إلهاً مشوباً بشيءٍ من المحدودية والطابع الذري ، فخيّل لهم على مرّ الزمن ، أنّهم يحتكرون اللّه لأنفسهم ، بينما الشعوب والقبائل الأُخرى ، هي ذات آلهة شتّى وأصنام شتّى ، ويشير القرآن الكريم إلى فكرة الاحتكار التي كان يعتقدها اليهود بالنسبة إلى اللّه تعالى .

في الكتاب الثاني صعَدت فكرة اللّه مرتبة ؛ وذلك لأنّ الطابع القومي انتُزع عن هذه الفكرة ، أصبح الإله المقدّم من قِبل تلامذة السيّد المسيحعليه‌السلام للعالم ، إلهاً عالمياً لا فرْق فيه بين شعبٍ وشعب ، هو إله العالم على الإطلاق ، لم يُغادر منطقة قريبة من ذهن الإنسان المحسوس ، لم يجرّد تجريداً كاملاً عن عالم الحس ، بقيَ على صلةٍ وثيقة جدّاً بالإنسان الحسّي ، كأنّه أبوه ، وبهذا يعبّر في الأناجيل كثيراً عن الإنسان بأنّه ابن اللّه .

المسيحية الرسمية تُفسّر هذا الإنسان بعيسى بن مريم ، وأنّ عيسى بن مريم هو ابن اللّه ، لكنّي لا أظنّ أنْ يقصد به هذا ، الأناجيل تُعبّر عن أيّ إنسان أنّه ابن الّله لا عن عيسى بن مريم بالخصوص أنّه ابن اللّه ؛ لأنّها تُعطي فكرة عن اللّه فكرة الأب الواحد للجماعة البشرية ، لا فكرة الخالق ، السيّد المطلق المقتدر الوالد الكبير ، فكرة أبٌ له أبناء هؤلاء الأبناء لهم لغات شتّى ، ولهم اتجاهات شتّى ، ولهم مذاهب شتّى ، ولهذا يجب أنْ يتآخوا ؛ لأنّهم أبناء أبٍ واحد .

بينما الكتاب الثالث يُعطي فكرة التوحيد بأنصَع وأوسع ممّا يُمكن من التنزيه الذي يبقى محتفظاً بقدرته على تحريك الإنسان ؛ لأنّه يجرّد هذه الفكرة عن طابع الأبوة والعلائق المادية مع الإنسان على الإطلاق .

يجرّد اللّه عن أيّ علاقة ماديّة مع أيّ إنسان حتى مع أشرف إنسان على وجه الأرض ، مع صاحب الرسالة بالذات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقف النبيّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في لغةِ القرآن بين يدَي اللّه ، عبداً ذليلاً خاضعاً يتلقّى الأوامر ، وليس له إلاّ الطاعة وإلاّ أنْ ينفذ حرفياً ، مثل هذه الفكرة هي أقصى ما يُمكن أنْ يصل إليه التنزيه والتعميق والتنسيق في فكرة التوحيد ، مع الحفاظ على فاعلية الفكرة وعلى محرّكيّتها .

هذا الخط ، خطّ وعي التوحيد وفكرة التوحيد ، هذا هو أوّل الخطوط

٤٠