أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف0%

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 150

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف: الصفحات: 150
المشاهدات: 25479
تحميل: 8520

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 150 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25479 / تحميل: 8520
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هذان وجهان مختلفان ، قد يتعارضا في العامل نفسه ، وقد يتعارضان في نفس الأشخاص الآخرين ، الذين يريدون أنْ يفسّروا عمل هذا العامل .

هذا العامل قد يتراءى له في لحظة أنّه يُريد أنْ يبني زعامة الإسلام لا زعامة نفسه ، إلاّ أنّه خلال العمل ، إذا لم يكن مزوّداً بوعي كامل ، إذا لم يكن مزوّداً بإرادة قوية ، إذا لم يكن قد استحضر في كل لحظاته وآنات حياته ، أنّه يعيش هذه الرسالة ولا يعيش نفسه ، إذا لم يكن هكذا ، فسوف يحصل في نفسه ولولا شعوريا انفصام بين الوجه الظاهري للعمل وبين الوجه الحقيقي للعمل ، وبمثل هذا الانفصام سوف تضيع أمامه كل الأهداف ، أو جزءٌ كبير من تلك الأهداف سوف ينسى أنّه لا يعمل لنفسه ، بل هو يعمل لتلك الرسالة سوف ينسى أنّه ملك غيره وأنّه ليس ملكاً لنفسه .

كل شخص يحمل هذه الأهداف الكبيرة ، يواجه خطر الضياع في نفسه ، وخطر أنْ تنتصر أنانيّته على هذه الأهداف الكبيرة ، فيسقط في أثناء الخط ، يسقط في وسط الطريق ، وهذا ما كان عليّعليه‌السلام معه على طرفَي نقيض عليّعليه‌السلام كان يصّر دائماً على أنْ يكون زعيماً ، يصّر دائماً على أنْ يكون هو الأحق بالزعامة ، عليّ الذي يتألّم ، الذي يتحسّر أنّه لم يصبح زعيماً بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي يقول :

( لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا ) ، في غمرة هذا الألم ، في غمرة هذه الحساسية ، يجب أن لا ننسى أنّ هذا الألم ليس لنفسه ، أنّ هذه الحساسية ليست لنفسه ، أنّ كل هذا العمل وكل هذا الجهد ، ليس لأجل نفسه بل من أجل الإسلام و كذلك كان يربّي أصحابه على أنّهم أصحاب تلك الأهداف الكبيرة ، لا أصحاب زعامته وشخصه ، وقد انتصر عليّعليه‌السلام انتصاراً عظيماً في كلتا الناحيتين .

انتصر علي على نفسه ، وانتصر في إعطاء عمله إطاره الرسالي وطابعه العقائدي انتصاراً كبيراً .

عليّ ربّى أصحابه على أنّهم أصحاب الأهداف لا أصحاب نفسه كان يدعو إلى أنّ الإنسان يجب أنْ يكون صاحب الحق ، قبل أنْ يكون صاحب شخص بعينه عليّ هو الذي قال :( اعرف الحق تعرف أهله ) كان يربّي أصحابه ، يربّي عمّاراً وأبا ذرّ والمقداد على إنّكم اعرفوا الحق... ثمّ احكموا

٦١

على عليّ في إطار الحق وهذا غاية ما يُمكن أنْ يقدّمه الزعيم من إخلاص في سبيل أهدافه أنْ يؤكّد دائماً لأصحابه وأعوانه - وهذا ممّا يجب على كل المخلصين - إنّ المقياس هو الحق وليس هو الشخص ان المقياس هو الأهداف وليس هو الفرد .

هل يوجد هناك شخص أعظم من عليّ بن أبي طالب ؟ لا يوجد هناك شخص أعظم من عليّ إلا أُستاذه ، لكن مع هذا جعل المقياس هو الحق لا نفسه .

لما جاءه ذلك الشخص وسأله عن الحق في حرب الجمَل هل هو مع هذا الجيش أو مع ذلك الجيش ، كان يعيش في حالة تردّد بين عائشة وعليّ ، يُريد أنْ يوازن بين عائشة وعليّ ، أيّهما أفضل حتى يحكم بأنّه هو مع الحق أو عائشة جهودها للإسلام أفضل أو جهود عليّ أفضل ، قال له :( اعرف الحق تعرف أهله ) .

عليّ كان دائماً مصرّاً على أنْ يعطي العمل الشخصي طابعه الرسالي ، لا طابع المكاسب الشخصية بالنسبة إليه ، وهذا هو الذي يفّسر لنا كيف أنّ عليّاًعليه‌السلام ، بعد أنْ فشل في تعبئته الفكرية عقيب وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يُعارض أبا بكر وعمَر معارضة واضحة سافرة طيلة حياة أبي بكر وعمر ، وذلك أن أوّل موقف اعتزل فيه عليّ المعارضة بعد تلك التعبئة الفكرية وإعطائها شكلاً واضحاً صريحاً كان عقيب وفاة عمر ، يوم الشورى حينما خالَف أبا بكر وعمر .

هذا عندما حاول عبد الرحمان بن عوف حينما اقترح عليه المبايعة أنْ يبايعه على كتاب اللّه وسنّة رسول وسنّة الشيخين ، قالعليه‌السلام :( بل على كتاب اللّه وسنّة نبيّه واجتهادي ) . هنا فقط أعلن عن معارضة عمر ، في حياة أبي بكر وعمر بعد تلك التعبئة ، لم يبد موقفاً ايجابياً واضحاً في معارضتهما ، والوجه في هذا ، هو أنّ علياًعليه‌السلام كان يُريد أنْ تكون المعارضة في إطارها الرسالي ، وأنْ ينعكس هذا الإطار على المسلمين ، أنْ يفهموا أنّ المعارضة ليست لنفسه ، وإنّما هي للرسالة ، وحيث إنّ أبا بكر وعمر كانا قد بدآ الانحراف ، ولكن الانحراف لم يكن قد تعمّق بعد والمسلمون القصيرو النظر ، الذين قدّموا أبا بكر على عليّعليه‌السلام ، ثمّ قدّموا عمر على عليّعليه‌السلام ، هؤلاء

٦٢

المسلمون القصيرو النظر لم يكونوا يستطيعون أنْ يُعمّقوا النظر إلى هذه الجذور ، التي نشأت في أيّام أبي بكر وعمر فكان معنى مواصلة المعارضة بشكلٍ جديد أنْ يفسر من أكثر المسلمين ، بأنّه عمل شخصي ، وأنّها منافسة شخصية مع أبي بكر وعمر ، وإنْ بدأت بهم بذور الانحراف في عهدهما ، إلاّ أنّه حتى هذه البذور كانت الأغلب مصبوغة بالصبغة الإيمانية ، كانا يربطانها بالحرارة الإيمانية الموجودة عند الأُمّة ، وحيث إنّها حرارة إيمانية بلا وعي ، ولهذا لم تكن الأُمّة تُميّز هذا الانحراف .

عمر ميّز بين الطبَقات ، إلاّ أنّه حينما ميّز بين الطبقات ، حينما أثرى قبيلة بعينها دون غيرها من القبائل...؟ أتعرفون أيّ قبيلة هي التي أثراها ، هي قبيلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عمر أغنى قبيلة النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أغنى عمّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى زوجات النبيّ عشرة آلاف ، كان يُعطي للعباس اثني عشر ألفا ، كان يُقسّم الأموال الضخمة على هذه الأسرة ، هذا الانحراف لا يختلف في جوهره عن انحراف عثمان بعد ذلك ، عثمان حينما ميّز ، إلاّ أنّ عمر فقط ربَط هذا الانحراف بالحرارة الإيمانية عند الأُمّة ؛ لأنّ الحرارة الإيمانية عند الأُمّة كانت تقبل مثل هذا الانحراف .

هؤلاء أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذه زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذن هؤلاء يُمكن أنْ يعطَوا يمكن أنْ يُثروا على حساب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّ عثمان حينما جاء لم يرد على هذا الانحراف شيئاً ، إلاّ أنّه لم يرتبط بالحرارة الإيمانية ، بدّل عشيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعشيرته هو ، وهذا أيضاً انحراف مستمر لذلك الانحراف ، إلاّ أنّه انحراف مكشوف ، ذاك انحراف مقنّع ، ذاك انحراف مرتبط بالحرارة الإيمانيّة عند الأُمّة ، وهذا انحراف يتحدّى مصالح الأُمّة ، والمصالح الشخصية للأُمّة ، ولهذا استطاعت الأُمّة أنْ تلتفت إلى انحراف عثمان ، بينما لم تلتفت بوضوح إلى انحراف أبي بكر وعمر ، وبهذا بدأ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام معارضته لأبي بكر وعمر في الحكم بشكل واضح ، بعد أنْ مات أبو بكر وعمر ، لم يكن من المعقول تفسير هذه المعارضة على أنّها معارضة شخصية بسبب طمع في سلطان ، بدأ هذه المعارضة وأعطى رأيه بأبي بكر وعمر .

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بعد أنْ تمّ الأمر لعثمان ، بعد أنْ بويع عثمان يوم

٦٣

الشورى ، قال : أنا سوف اسكت ما سلِمت مصالح المسلمين وأُمور المسلمين ، وما دام الغبن عليّ وحدي ، وما دُمت أنا المظلوم وحدي ، وما دام حقّي هو الضائع وحدي أنا سوف اسكت سوف أُبايع سوف أطيع عثمان ، هذا هو الشعار الذي أعطاه بصراحة مع أبي بكر وعمر وعثمان ، وبهذا الشعار أصبح في عمله رسالياً ، وانعكست هذه الرسالة على عهد أمير المؤمنين ، وبقيَعليه‌السلام ملتزماً بما تعهّد به من السكوت إلى أنْ بدأ الانحراف في حياة عثمان بشكل مفضوح ، حيث لم يرتبط بلون من ألوان الحرارة الإيمانية ، التي ارتبط بها الانحراف في أيام الخليفة الأول وفي أيام الخليفة الثاني ، بل أسفر الانحراف ، ولهذا أسفر عليّعليه‌السلام عن المعارضة وواجه عثمان بما سوف نتحدّث عنه بعد ذلك .

فعليّعليه‌السلام في محاولته لتسلّم زمام التجربة وزعامة القضية الإسلامية ، كان يريد أنْ يوفّق بين هذا الوجه الظاهري للعمل ، و بين الوجه الواقعي للعمل ، واستطاع أنْ يوفّق بينهما توفيقاً كاملاً ، استطاع هذا في توقيت العمل ، واستطاع هذا في تربيته لأصحابه ، على أنّهم أصحاب الأهداف لا أصحاب الأشخاص ، واستطاع في كلّ هذه الشعارات التي طرحها ، أنْ يثبت أنّه بالرغم من كونه في قمّة الرغبة لأنْ يصبح حاكماً ، لم يكن مستعدّاً أبداً لأنْ يصبح حاكماً مع اختيار أيّ شرط من الشروط المطلوبة التي تنال من تلك الرسالة .

ألَم تُعرض عليه الحاكمية والرسالة بعد موت عمر بشرط أنْ يسير سيرته ؟ فرفَض الحاكمية برفض هذا الشرط .

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالرغم من أنّه كان في أشدّ ما يكون سعياً وراء الحكم ، جاءه المسلمون بعد أنْ قتل عثمان ، عرضوا عليه أنْ يكون حاكماً ، قال لهم بايعوا غيري وأنا أكون كأحدكم ، بل أكون أطوَعكم لهذا الحاكم ، الذي تبايعونه ، ما سلِمت أُمور المسلمين في عدله وعمله ، يقول ذلك ، لأنّ الحقد الذي تواجهه الأُمّة الإسلامية كبير جدّاً ، تتمادى بذرة الانحراف ، الذي عاشه المسلمون بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أنْ قُتل عثمان ، هذا الانحراف الذي تعمّق ، الذي ارتفع ، هذا الانحراف الذي طغى والذي استكبر ، الذي خلَق تناقضات في الأُمّة الإسلامية ، هذا عبء كبير جداً .

٦٤

ماذا يريد أنْ يقول ، يريد أنْ يقول : لأنّي أنا لا أقبل شيئاً إلاّ على أنْ تُصفّوا الانحراف ، أنا لا أقبل الحكم الذي لا يُصفّي هذا الانحراف ، بل الحكم الذي يُصفّيه ، هذه الإحجامات عن قبول الحكم في مثل هذه اللحظات كانت تؤكّد الطابع الرسالي ، بحرقته بلوعته ، لألمه لرغبته أنْ يكون حاكماً ، استطاع أنْ ينتصر على نفسه ، ويعيش دائماً لأهدافه ، واستطاع أنْ يربّي أصحابه أيضاً على هذا المنوال .

هذا هو الخط الأول وهو خط محاولة تسلّمه لزمام التجربة الإسلامية .

أمّا علىالخط الثاني وهو خط تحصين الأمُّة لقد كانت الأمة تواجه خطراً ، وحاصل هذا الخطر هو أنّ العامل الكمّي والعامل الكيفي ، سوف يجعلان هذه الأُمّة لا تعيش الإسلام ، إلاّ زمناً قصيراً .

بحكم العامل الكمّي الذي سوف يُسرع ، في إفناء التجربة وسوف لنْ تعيش إلاّ مشوهة بحكم العامل الكيفي ، الذي يتحكّم في هذه التجربة ، ولذا بدأ الإمام بتحصين الأُمّة ، وبالتغلّب على العاملين : العامل الكمّي والعامل الكيفي .

أمّا التغلّب على العامل الكمّي فكان في محاولة تحطيم التجربة المنحرفة وتحجيمها وإفساح المجال للتجربة الإسلامية لتثبت جدارتها وذلك بأُسلوبين :

الأُسلوب الأول : هو التدخّل الايجابي الموجّه في حياة هذه التجربة بلحاظ قيادتها.

القادة والزعماء الذين كانوا يتولّون هذه التجربة ، كانوا يواجهون قضايا كثيرة لا يُحسنون مواجهتها ، كان يواجههم مشاكل كثيرة لا يحسنون حلّها ، ولو حاولوا لوقَعوا في أشدّ الأضرار والأخطار ، لأوقعوا المسلمين في أشدّ التناقضات ، ولأصبحت النتيجة محتومة أكثر ، ولأصبَحت التجربة أقرب إلى الموت ، وأقرب إلى الفناء وأسرع إلى الهلاك ، هنا كان يتدخّل الإمامعليه‌السلام ، وهذا خطٌّ عام سار الأئمّةعليهم‌السلام كلّهم عليه كما قلنا و كما سوف نقول ، فكان الإمامعليه‌السلام يتدخّل تدخّلاً ايجابياً ، موجّهاً في سبيل أنْ ينقذ التجربة من المزيد

٦٥

من الضياع ومن المزيد من الانحراف ، ومن المزيد من السير في الضلال .

كلّنا نعلم بأنّ المشاكل العقائدية التي كانت تواجههعليه‌السلام والزعامة السياسية بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه المشاكل العقائدية التي كان يثيرها ، وتثيرها القضايا الأُخرى التي بدأت تندرج في الأُمّة الإسلامية والأديان الأُخرى التي بدأت تعاشر المسلمين ، هذه المشاكل العقائدية لم تكن الزعامات السياسية وقتئذ على مستوى حلّها كان الإمامعليه‌السلام يعيّن تلك الزعامات في التغلّب على تلك المشاكل العقائدية .

كلّنا نعلم بأنّ الدولة الإسلامية واجهت في عهد عمر خطراً من أعظم الأخطار ، خطر إقامة إقطاع لا نظير له في المجتمع الإسلامي ، كان من المفروض أنْ يُسرع في دمار الأُمّة الإسلامية ، وذلك حينما وقَع البحث بين المسلمين بعد فتح العراق ، في انّه هل توزّع أراضي العراق على المجاهدين المقاتلين ، أو أنّها تبقى ملكاً عامّاً للمسلمين ، وكان هناك اتجاه كبير بينهم إلى أنْ توزّع الأراضي على المجاهدين الذين ذهبوا إلى العراق وفتحوا العراق ، وكان معنى هذا أنْ يُعطى جميع العالم الإسلامي ، أي يعطي العراق ، وسوريا وإيران ومصر وجميع العالم الإسلامي الذي أسلم بالفتح ، سوف يوزّع بين أربعة أو خمسة آلاف أو ستّة آلاف من هؤلاء المسلمين المجاهدين ، سوف تُستقطع أراضي العالم الإسلامي لهؤلاء ، وبالتالي يتشكّل إقطاع لا نظير له في التاريخ .

هذا الخطَر الذي كان يهدّد الدولة الإسلامية ، وبقيَ عمر لأجل ذلك أيّاماً متحيّراً ؛ لأنّه لا يعرف ماذا يصنع ، لا يعرف ما هو الأصلح ، وكيف يُمكن أنْ يعالج هذه المشكلة .

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام هو الذي تدخّل كما تعلمون وحسَم الخلاف ، وبيّن وجهة النظر الإسلامية في الموضوع ، وأخَذ عمر بنظر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنقذ بذلك الإسلام من الدمار الكبير .

وكذلك له تدخّلات كبيرة وكثيرة ، النفير العام الذي اقترح على عمر والذي كان يهدّد العاصمة في غزوٍ سافر ، كان من الممكن أنْ يقضي على الدولة الإسلامية ، هذا الاقتراح طُرِح على عمر ، كاد عمر أنْ يأخذ به ، جاء

٦٦

عليّعليه‌السلام إلى المسجد مسرعاً على ما أتذكّر في بعض الروايات تقول : جاء مسرعاً إلى عمر ، قال له :

( لا تنفر نفيراً عامّاً ) ، كان عمر يريد أنْ يخرج مع تمام المسلمين الموجودين آنذاك في المدينة ، وعندما تفرّغ عاصمة السلام ممّا يحميها من غزو المشركين والكافرين ، منعه من النفير العام .

وهكذا كان عليّعليه‌السلام يتدخّل تدخّلاً ايجابياً موجّهاً في سبيل أنْ يقاوم المزيد من الانحراف ، والمزيد من الضياع ، كي يطيل عمر التجربة الإسلامية ويقاوم عامل الكم الذي ذكرناه .

هذا أحد أُسلوبَي مقاومة العامل الكمّي .

الأُسلوب الثاني : لمقاومة العامل الكمّي كان هو المعارضة .

يعني كان تهديد الحكّام ومنعهم من المزيد من الانحراف ، لا عن سبيل التوجيه ، وإنّما عن سبيل المعارضة والتهديد .

في الأوّل كنّا نفرض أنّ الحاكم فارغ دينياً ، وكان يحتاج إلى توجيه ، والإمامعليه‌السلام كان يأتي ويوجّهه ، أمّا الأُسلوب الثاني ، فيكون الحاكم فيه منحرفاً ولا يقبل التوجيه ، إذن فيحتاج إلى معارضة ، يحتاج إلى حملة ضدّ الحاكم هذا ، لأجل إيقافه عند حدّه ، ولأجل منعه من المزيد من الانحراف .

وكانت هذه هي السياسة العامة للائمّةعليهم‌السلام .

ألسنا نعلم بأنّ عمر صعد على المنبر وقال : ماذا كنتم تعملون لو أنّا صرفناكم عمّا تعلمون إلى ما تنكرون ؟ .

كان يريد أنْ يقدّر الموقف .

وماذا سيكون لو أنّا صرفناكم ممّا تعلمون إلى ما تنكرون .

لو انحرفنا شيئاً قليلاً عن خط الرسالة ماذا سيكون الموقف .

لم يقم له إلاّ عليّعليه‌السلام قال له :( لو فعلتَ ذلك لعدّلناك بسيوفنا ) .

كان هذا هو الشعار العام للإمامعليه‌السلام بالرغم من أنّه لم يتنزّل في عملية تعديل عمر بالسيف خلال حكم عمر ، لظروف ذكرناها ، إلاّ أنّه قاد المعارضة

٦٧

لعثمان ، واستقطب آمال المسلمين ومشاعر المسلمين ، واتجاهات المسلمين نحو حكمٍ صحيح ، ولهذا كان هو المرشّح الأساسي بعد أنْ فشل عثمان واجتمع عليه المسلمون .

الإمام عليّعليه‌السلام يتصدّى للمعارضة لأجل أنْ يُوقف الانحراف .

هذان أُسلوبان كانا هما الأُسلوبان المتّبعان لمواجهة العامل الجديد .

ثمّ هذه المعارضة نفسها كانت تعبّر من ناحية أُخرى عن الخط الثاني ، وهو المحافظة على الأُمّة الإسلامية من الانهيار بعد سقوط التجربة ، حيث إنّ المسلمين لم يعيشوا التجربة الصحيحة للإسلام ، أو بعدوا عنها ، والتوجيه وحده لا يكفي ؛ لأنّ هذا العمل لا يكفي لانْ يُكسب مناعة ، المناعة الحقيقية والحرارة الحقيقية للبقاء والصمود كأُمّة ، إذن كان لا بدّ من أنْ يُحدّد الموقف ، من أنْ يحدّد الوجه الحقيقي للإسلام ، في سبيل الحفاظ على الإسلام ، وهذا الوجه الحقيقي للإسلام قدّمه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، من خلال معارضته للزعامات المنحرفة أوّلاً ، ومن خلال حكم الإمام بعد أنْ مارس الحكم بنفسه .

من خلال هذين العملين ، ومن خلال العمل السياسي المتمثّل في المعارضة ، والعمل السياسي المتمثّل في رئاسة الدولة بصورة مباشرة ، قدّم الوجه الحقيقي للإسلام ، الأُطروحة الصحيحة للحياة الإسلامية الأطروحة الخالية من كل تلك الألوان من الانحراف .

طبعاً هذا لا يحتاج إلى حديث ، ولا يحتاج إلى تمثيل ، لأنّه واضح لديكم .

أمير المؤمنين حينما تولّى الحكم لم يكن يستهدف من تولّي الحكم تحصين التجربة أو الدولة ، بقدَر ما كان يستهدف تقديم المثَل الأعلى للإسلام ؛ لأنّه كان يعرف أنّ التناقضات في الأُمّة الإسلامية ، بلغت إلى درجة لا يمكن معها أنْ ينجح عمل إصلاحي إزاء هذا الانحراف مع علمه أنّ المستقبل لمعاوية ، وأنّ معاوية هو الذي يمثّل القوى الكبيرة الضخمة في الأُمّة الإسلامية .

كان يعرف أنّ الصور الضخمة الكبيرة التي خلَقها عمر وخلقها عثمان والتي خلقها الانحراف هذه القوى ، كلّها إلى جانب معاوية ، وهو ليس إلى

٦٨

جانبه ما يعادل هذه القوى ، لكن مع هذا قبِل الحكم ، ومع هذا بدأ تصفية وتعرية الحكم والانحراف الذي كان قبله ، ومع هذا مارس الحكم وضحّى في سبيل هذا الحكم بعشرات الآلاف من المسلمين ، في سبيل أنْ يُقدّم الأُطروحة الصحيحة الصريحة للإسلام وللحياة الإسلامية .

وقد قلت بالأمس ، وأؤكّد اليوم مرّة أُخرى بأنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في معارضته ، وعليّ بن أبي طالب في حكمه لم يكن يؤثّر على انحراف الشيعة فقط ، بل كان يؤثّر على مجموع الأمة الإسلامية ، عليّ بن أبي طالب ربّى المسلمين جميعاً شيعة وسنّة ، حصّن المسلمين جميعاً شيعة وسنّة ، عليّ بن أبي طالب أصبح أُطروحة ومثلاً أعلى للإسلام الحقيقي ، من الذي كان يحارب مع عليّ بن أبي طالب ؟ هؤلاء المسلمون الذين كانوا يحاربون في سبيل هذه الأطروحة العالية في سبيل هذا المثَل الأعلى ، أكانوا كلّهم شيعة بالمعنى الخاص ؟ لا ، لم يكونوا كلّهم شيعة هذه الجماهير التي انتفضت بعد عليّ بن أبي طالب على مرّ التاريخ ، بزعامات أهل البيت بزعامات العلويّين الثائرين من أهل البيت ، الذين كانوا يرفعون راية عليّ بن أبي طالب للحكم ، هؤلاء كلّهم شيعة ؟

كان أكثرهم لا يؤمن بعليّ بن أبي طالب إيماننا نحن الشيعة ، ولكنّهم كانوا ينظرون إلى عليّ أنّه المثل الأعلى ، أنّه الرجل الصحيح الحقيقي للإسلام ، حينما أعلن والي عبد اللّه بن الزبير سياسة عبد اللّه بن الزبير ، وقال بأنّنا سوف نحكم بما كان يحكم به عمر وعثمان ، وقامت جماهير المسلمين تقول : لا بل بما كان يحكم به عليّ بن أبي طالب ، فعليّ بن أبي طالب كان يمثّل اتجاهاً في مجموع الأُمّة الإسلامية .

والخلافة العبّاسية كيف قامت ؟ كيف نشأت ؟ قامت على أساس دعوة كانت تتبنّى زعامة الصادق من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الحركة السلمية التي على أساسها نشأت الخلافة العبّاسية كانت تأخذ البيعة للصالح ، للإمام الصادق من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعني هذه الحركة استغلّت عظمة الإسلام ، عظمة هذا الاتجاه ، وتجمّع المسلمون حول هذا الاتجاه ، ولم يكن هؤلاء مسلمين شيعة ، أكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة ، لكن كانوا يعرفون أنّ الاتجاه الصالح ، الاتجاه

٦٩

الحقيقي ، الاتجاه الصلب العنيف كان يمثّله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والواعون من أصحاب عليّعليه‌السلام ، والواعون من أبناء عليّعليه‌السلام ؛ ولهذا كثير من أبناء العامّة ، ومن أئمّة العامّة ، من أكابر أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام ، كانوا أُناساً عامّين يعني كانوا أُناساً سنّة ، ولم يكونوا شيعة .

دائماً كان الأئمّةعليه‌السلام يفكّرون ، في أنْ يقدّموا الإسلام لمجموع الأُمّة الإسلامية ، أنْ يكونوا مناراً ، أنْ يكونوا أطروحة ، أنْ يكونوا مثلاً أعلى .

كانوا يعملون على خطين ، خط بناء المسلمين الصالحين ، وخط ضرب مثل أعلى لهؤلاء المسلمين ، بقطع النظر عن كونهم شيعة أو سنّة .

هناك علماء من أكابر علماء السنّة ، أفتَوا بوجوب الجهاد ، وبوجوب القتال بين يدَي ثوار آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو حنيفة قبل أنْ ينحرف ، قبل أنْ يرشيه السلطان ويصبح من فقهاء عمّال السلطان ، أبو حنيفة نفسه الذي كان من نوّاب السنّة ، ومن زعماء السنّة ، هو نفسه خرَج مقاتلاً ومجاهداً مع راية من رايات آل محمّد وآل عليّعليه‌السلام ، وأفتى بوجوب الجهاد مع راية من رايات عليّعليه‌السلام ، مع راية تحمل شعار عليّ بن أبي طالب ، قبل أنْ يتعامل أبو حنيفة مع السلاطين .

إذن فاتجاه عليّ بن أبي طالب ، لم يكن اتجاهاً منفرداً ، اتجاهاً محدوداً ، كان اتجاهاً واسعاً على مستوى الأُمّة الإسلامية كلّها ، لأجل أنْ يعرّف الأُمّة الإسلامية وأنْ يحصن الأُمّة الإسلاميّة بالإسلام ، وبأهداف الإسلام ، وكيف يمكن للإنسان أنْ يعيش الحياة الإسلامية في إطار المجتمع الإسلامي .

المهم من هذا الحديث ، أنْ نأخذ العبرة وأنْ نقتدي ، حينما نرى أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على عظمته يربّي أصحابه على أنّهم أصحاب الهدف ، لا أصحاب نفسه يجب أنْ لا أُفكّر أنا ، ويجب أنْ لا تفكر أنت ، بأنْ تربّي أصحابك على أنّهم أصحابك ، وإنّما هم أصحاب الرسالة ، أيّ واحد منكم ليس صاحباً للآخر ، ولهذا يجب أنْ نجعل الهدَف دائماً مقياساً ، نجعل الرسالة دائماً مقياسا ً. احكموا علَيّ باللحظة التي انحرف فيها عن الهدف ؛ لأنّ الهدَف هو الأعز والأغلى ، هو ربّ الكون ، الذي يجب أنْ تشعروا بأنّه يملككم ،

٧٠

بأنّه بيده مصيركم ، بيده مستقبلكم ، أنّه هو الذي يمكن أنْ يعطيكم نتائج جهادكم .

هل أنا أُعطيكم نتائج جهادكم ، أو أيّ إنسانٍ على وجه الأرض يُمكن أنْ يعطي الإنسان نتائج جهاده ، نتائج عمله ، نتائج إقدامه على صرف شبابه ، حياته ، عمره ، زهده على تحمّله آلام الحياة ، تحمّله للجوع تحمّله للظلم ، تحمّله للضيم ، من الذي يعطي أجر كل هذا ؟ هل الذي يعطي أجر هذا أنا وأنت ؟ لا أنا ولا أنت يعطي أجر هذا ، وإنّما الذي يعطي أجر هذا هو الهدف فقط هذا هو الذي يعطي النتيجة والتقييم ، هو الذي سوف يفتح أمامنا أبواب الجنّة ، هو الذي سوف يغيّر أعمالنا ، هو الذي سوف يصحّح درجاتنا .

إذن لا تفكّروا في أنّ أيّ واحد منكم ، في أن أيّ واحد منّا ، مرتبط مع أيّ واحد منّا ، بل فكّروا هكذا : إنّ أيّ واحد منّا مرتبط كلّه مع أكبر من أيّ واحد منّا ، هذا الشيء الذي هو أكبر ، هو اللّه سُبحانه هو رضوان اللّه ، هو حماية الإسلام ، هو العمل في خط الأئمّة الأطهارعليه‌السلام .

وغفر لنا ولكم .

٧١

٧٢

٦ - بداية الانحراف وبعض المشاكل التي واجهت أمير المؤمنينعليه‌السلام

إنّ المتسلّم للقيادة الفعلية ، المتسلّم لزمام التجربة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة كان من المحتوم أنْ يجنح إلى الانحراف ؛ لأنّه كان يعيش رواسب جاهلية ، وبالتالي لم يكن يُمثّل الدرجة الكاملة للانصهار مع الرسالة ، هذه الدرجة التي هي شرطٌ أساسي لتزعّم هذه التجربة ، وهي التي يُمكن أنْ تفسِّر موقف الشيعة من اشتراطهم العصمة لقيادة هذه التجربة .

الفكرة في هذا الحديث تقوم على هذا الأساس ، على أساس أنّ قيادة التجربة ، يجب أنْ تكون على مستوى العبء ، وهذا في الواقع ليس من مختصّات الشيعة ، ليس من مختصّات الشيعة الإيمان ، بأنّ الإمام يجب أنْ يكون معصوماً ، بل هذا ما تؤمن به كلّ الاتجاهات العقائدية في العالم على الإطلاق .

أيّ اتجاه عقائدي في العالم ، يريد أنْ يبني الإنسان من جديد في إطاره ، ويريد أن ينشئ للإنسانية معالم جديدة ، فكرية وروحية واجتماعية ، يشترط لأنْ ينجح ، وأنْ ينجز وأنْ يأخذ مجراه في خط التاريخ ، يشترط أنْ يكون القائد الذي يُمارس تطبيق هذا الاتجاه ، معصوماً ...

فالقائد في نظر الماركسيّة مثلاً بوصفها اتجاهاً عقائدياً ، يريد أنْ يبني ويصنع الإنسان ، ويبلوره في إطاره الخاص ، يشترط فيه أنْ يكون معصوماً .

إلاّ أنّ مقاييس العصمة تختلف .

الاتجاه الماركسي يجب أنْ يكون القائد الذي يُمارس تطبيقه معصوماً

٧٣

بمقاييس ماركسية ، والقائد الذي يمارس زعامة التجربة الإسلامية ، يجب أنْ يكون معصوماً بمقاييس إسلامية ، والعصمة في الحالتين بمفهوم واحد ، هو عبارة عن الانفعال الكامل بالرسالة ، والتجسيد الكامل لكل معطيات تلك الرسالة ، في النطاقات الروحية والفكرية والعملية .

هذه هي العصمة .

والشيعة لم يشذّوا باشتراط العصمة في الإمام ، عن أيّ اتجاه عقائدي آخر ، ولهذا نرى في الاتجاهات العقائدية الأخرى ، كثيراً ما يُتّهم القائد الذي يُمثّل الاتجاه ، بأنّه ليس معصوماً ، يُوجّه إليه نفس التهمة ، التي نوجّهها نحن المسلمون الواعون ، أصحاب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى الخلَفاء الذين تولوا الخلافة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نفس هذه التهم يوجّهونها إلى القادة الذين يعتقدون بأنّهم لم ينصهروا بأطروحاتهم ، ولم يتفاعلوا باتّجاهاتها تفاعلاً كاملاً .

بالأمس القريب جزء كبير من الماركسية في العالم انشطَر على قيادة الاتحاد السوفيتي ، واتّهم القيادة التي كان متمثّلة في حكّام روسيا ، بأنّهم أُناس غير مهيئين لأنْ يكونوا قادة للتجربة الماركسية ، يعني غير معصومين بحسب لغتنا .

إلاّ أنّ نفي العصمة عنهم بمقاييس ماركسية لا بمقاييسنا الخاصة ، لا بمقاييس إسلامية .

فأصل الفكرة ، تؤمن به كل الاتجاهات العقائدية ، وإنّما المقياس للعصمة يختلف باختلاف طبيعة هذه الاتجاهات العقائدية .

نعم ، العصمة في الإسلام ، ذات صيغة أوسع نطاقاً من العصمة في الاتجاهات العقائدية الأخرى ، وهذه السعة في صيغة العصمة تنبع من طبيعة سعة الإسلام نفسها ؛ لأنّ العصمة ، كما قلنا ، هي التفاعل الكامل والانصهار الشامل والتجاوب مع الرسالة في كل أبعاد الإسلام ، والرسالة الإسلامية ، تختلف عن أيّ رسالة أخرى في العالم ؛ لأنّ أي رسالة أُخرى في العالم تعالج جانباً واحداً من الإنسان ، الماركسية التي تمثّل أحدَث رسالة عقائدية في العالم الحديث ، تعالج جانباً واحداً من وجود الإنسان وتترك الإنسان حينما يذهب إلى

٧٤

بيته ، حينما يذهب الإنسان إلى مخبئه ، حينما يخلو الإنسان بنفسه ، تترك الإنسانَ ، ليس لها أيُّ علاقة معه في هذه الميادين ، وإنّما تأخذ بيده في مجال الصراع السياسي والاقتصادي لا أكثر .

فصيغة الرسالة بطبيعتها صيغةٌ منكمشة محدودة ، صيغة تعالج جانباً من الحياة الإنسانية ، فالعصمة العقائدية التي لا بدّ أنْ تتوفّر في قائد ماركسي ، مثلاً هي العصمة في حدود هذه المنطقة التي تُعالجها الرسالة العقائدية الماركسية .

أمّا الرسالة الإسلامية التي هي رسالة السماء على وجه الأرض فهي تُعالج الإنسان من كلِّ نواحيه ، وتأخذ بيده إلى كل مجالاته ولا تُفارقه وهو على مخدعه في فراشه ، وهو في بيته بينه وبين ربّه ، بينه وبين نفسه ، بينه وبين أفراد عائلته ، وهو في السوق ، وهو في المدرسة ، وهو في المجتمع ، وهو في السياسة ، وهو في الاقتصاد ، وهو في أيِّ مجالٍ من مجالات حياته ، ولهذا تكون الصيغة المحدودة من العصمة على أساس هذه الرسالة أوسَع نطاقاً وأرحَب أُفقاً وأقسى شروطاً ، و أقوى من ناحية مفعولها وامتدادها في كلّ أبعاد الحياة الإنسانية .

فعصمة الإمام عبارة عن نزاهة في كلّ فكرة وكلّ عاطفة وكل شأن ، والنزاهة في كلّ هذا عبارة عن انصهار كامل مع مفاهيم وأحكام الرسالة الإسلامية ، في كل مجالات هذه الأفكار والعواطف والشؤون .

هذا كان استطراداً .

إذن فالعصمة التي هي شرط لمجموع الاتّجاهات العقائدية ، نحن أيضاً نؤمن بها كشرط في هذا الاتجاه .

وبطبيعة الحال فإنّنا عندما نقول : إنّ العصمة شرطٌ في هذا الاتجاه ، العصمة بحدّ ذاتها أيضاً ليست أمراً حتمياً غير قابل للزيادة والنقصان والتشكيك ، نفس العصمة إذا حوّلناها إلى مفهوم النزاهة والتجاوب الكامل مع الرسالة فيكون أمراً مقولاً بالتشكيك في الشدّة والضعف ، وبوصف أنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام المرتبة الأسمى والأكمَل من هذه المراتب المقولة بالتشكيك المختلفة شدّةً وضعفاً .

ومِن هنا نأتي إلى ما كان موضوع الحديث ، موضوع الحديث أنّ هؤلاء

٧٥

الذين تسلّموا أمر التجربة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا معصومين حتى بأدنى مراتب العصمة ، حتى بالحد الأدنى من مراتب النزاهة والتفاعل مع الرسالة الإسلامية ، كما أشرنا إليه بالأمس ، وحينئذ حيث إنّ التجربة تجربةٌ تمثّل اتجاهاً عقائدياً ، واتجاهاً رسالياً ، ليس اتجاه أناس يُمثّلون وجهة نظر معيّنة في الكون والحياة والمجتمع ، يمثّلون رسالة لتغيير الحياة على وجه الأرض وتغير التاريخ ، إذن هذه التجربة العقائدية الضخمة على هذا المستوى ، بحاجة إلى قيادة عقائدية معصومة ، تتوفّر فيها فعّالية عالية جدّاً من النزاهة والتجرّد والموضوعية والانفعال بمعطيات هذه الرسالة ، فكيف إذا لم تكن هذه المواصفات موجودة في القيادة ؟

قد يقال : إنّها كانت موجودة في الأُمّة ككل ، والأُمّة ككل ، كانت تُمارس المراقبة ، وكانت تُمارس التوجيه ، وكانت تُمارس المراقبة للحكم القائم حتى لا ينحرف ، الأُمّة ككل كانت معصومة ، وإذا كانت الأُمّة ككل معصومة ، إذن فالعصمة قد حصلنا عليها عن طريق الوجود الكلّي للأُمّة .

إلاّ أنّ هذه الفكرة غير صحيحة ، نحن نؤمن بأنّ الأُمّة في وجودها لم تكن معصومة أيضاً ، كما أنّ الخلفاء الذين تولّوا الحكم بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يكن يتوفّر لديهم الحد الأدنى من النزاهة المطلوبة لزعامة تجربة من هذا القبيل ، الأُمّة بوصفها الكلّي وبوجودها المجموعي أيضاً لم تكن معصومة ، طبعاً إذا استثنينا من ذلك الزعامة المعصومة الموجودة في داخل هذه الأُمّة الممثّلة في اتجاه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، هذا بالرغم من أنّنا نعترف ونفتخر ، ونمتلئ اعتزازاً بالإيمان بأنّ الأُمّة الإسلامية التي أسّسها وحرسها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ضربت أروع نموذج للأُمّة في تاريخ البشرية على الإطلاق ، الأُمّة الإسلامية التي أمكن للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بوقتٍ قصير جدّاً ، في مدّة لا تبلِغ ربع قرن ، أنْ ينشئ أُمّة لها من الطاقة والإرادة ، لها من المؤهلات اللازمة القدر الكبير ، الذي لا يُمكن أبداً أنْ يتخيّل الإنسان الاعتيادي كيف أمكن إيجاده في ربع قرن أو أقل ؟

هذه الأُمّة التي قدّمت من التضحيات في أيّام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سبيل رسالتها ، ما لَم تقدّم مثله أيُّ أُمّةٍ من أُمَم الأنبياء قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا التسابق على الجنّة ، التسابق على الموت ، الإيثار الذي كان موجوداً بين المسلمين ، روح التآخي الذي شاع في المسلمين ، المهاجرين والأنصار ، كيف

٧٦

عاشوا كيف تفاعلوا ، كيف انصهروا ، انظروا إلى أهل بلدٍ واحد ينزح إليهم أهل بلدٍ آخر ، فيأتون إليهم ليقاسموهم خيرات بلدهم ومعاشهم وأموالهم ، وهؤلاء يستقبلونهم برحابة صدر ، ينطلقون معهم ينظرون إليهم على أنّهم إخوة لهم ، يعيشون مجتمعاً واحداً وكأنّهم كانوا قد عاشوا مئات السنين ، هذه الانفتاحات العظيمة في كلّ ميادين المجتمع التي حقّقتها الأُمّة بقيادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذه الانفتاحات التي لا مثيل لها ، بالرغم من كل هذا نقول : إنّ الأُمّة لم تكن معصومة .

إنّ هذه الانفتاحات كانت قائمة على أساس الطاقة الحرارية التي كانت تمتلكها الأُمّة من لقاء القائد الأعظم ، ولم تكن قائمة على أساس درجة كبيرة من الوعي الحقيقي للرسالة العقائدية نعم كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الأعظم ، يمارس عملية توعية الأُمّة وعملية الارتفاع بها إلى مستوى أُمّة معصومة ، هذه العملية التي كانت مضغوطة ، والتي بدأ بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينجز شيئاً منها في الخط هذا ، وإنّما الشيء الذي أنجز في هذا الخط ، خط عمل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على مستوى الأُمّة ككل ، هو إعطاء هذه الأُمة طاقة حرارية في الإيمان بدرجة كبيرة جداً ، مثل هذه الطاقة الحرارية التي تملكها الأُمّة يوماً بعد يوم ، وشهراً بعد شهر ، وفي كل لحظة من لحظات انتصارها أو انكسارها ، كانت هي المصدر وهي السبب في كل الانفتاحات العظيمة ، روح القائد هي التي تجذب وهي التي تحصد ، وهي التي تقود هؤلاء إلى المُثل العليا والقِيَم الضخمة الكبيرة التي حدّدها الرائد الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أيديهم ، إذن فهي طاقة حرارية وليست وعياً .

وقلنا أيضاً فيما سبق : إنّ الطاقة الحرارية والوعي قد يتفاعلان ويتّفقان في كثير من الأحيان ، ولا يمكن أنْ نقارن في الحالات الاعتيادية بين أُمّة واعية ، وبين أُمّة تملك طاقة حرارية كبيرة دون درجة كبيرة من الوعي ، المظاهر تكون مشتركة في كثير من الأحيان ، لكن في منعطفات معينة من حياة هذه الأُمة في لحظات حاسمة في حياة هذه الأُمّة ، في مواقف حرجة من تاريخ هذه الأُمة ، يتبيّن الفرق بين الوعي والطاقة الحرارية ، يتبيّن الفرق بين الوعي والطاقة الحرارية في لحظات الانفعال الشديد ، سَواء كان انفعالاً موافقاً لعملية

٧٧

الانتقال أم انفعالاً معاكساً ؛ لأنّ الوعي لا يتزَعزَع في لحظة الانفعال ويبقى صامداً ثابتاً ، لا يلين ولا يتميّع ، وعي الإنسان ، إيمان الإنسان بأهدافه ومسؤولياته فوق كل الانفعالات ، فوق كل المشاكل ، فوق كل الانتصارات .

أيّ انتصار يحقّقه الإنسان ، لا يمكن أنْ يخلق انفعالاً يُزَعزِع وعيه ، إذا كان واعياً وعياً حقيقياً يبقى على الخط ، لا يشِطّ ولا يشِذّ ولا يزيد أو ينقُص .

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الرجل العظيم ، يدخل إلى بيت اللّه الحرام منتصراً في لحظة ، لم تُزعزع هذه اللحظة من خلقه ، لم تخلّف فيه نشوة الانتصار ، وإنّما خلّفت فيه ذلّ العبودية للّه ، شعَر بذلّ العبودية للّه أكثر ممّا يشعر بنشوة الانتصار ، هذا هو الذي يمثّل الوعي العظيم ، لكن المسلمين عاشوا نشوة الانتصار ، في لحظات عديدة لحظات الصدمة ، لحظات المشكلة ، لحظات المأساة .

الواعي يبقى ثابتاً ، يبقى صامداً أمام المشكلة لا يتزعزع ، لا يلين لا يكفّ لا يتراخى ، يبقى على خطّه واضحاً .

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يبدو منه أيُّ فرقٍ بينه وهو حال دخوله إلى مكّة فاتحاً ، وهو مطرود بالحِجارة من قبائل العرب المشركين ، يتوجّه إلى اللّه سبحانه وتعالى يقول له : لا يهمّني ما يصنَع هؤلاء إذا كنت راضياً عنّي ، نفس الروح التي نجدها في لحظة انقطاعه ، في لحظة مواجهته البشرية التي تحمل ألوان الشرور ، في لحظة تمرّد الإنسان على هذا الوجه الذي جاء ليصلحه ، لم تتبدّل حالته في هذه اللحظة وبين حالته ، والإنسانية تستجيب والإنسانية تخضع ، والإنسانية تطأطئ رأسها بين يدَي القائد العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا هو الوعي .

أمّا الأُمّة لم تكن هكذا ، ولا نُريد أنْ نكرّر الشواهد مرّة أُخرى حتى يأتي البحث كاملاً اليوم ، الشواهد على أنّ الأُمّة كانت غير واعية ، وإنّما هي طاقة حرارية مرّت في الأيّام السابقة ، إذن فالأمة الإسلامية كانت تحمل طاقة حرارية كبيرة ، ولم تكن أُمّة واعية بدرجةٍ كبيرة فلم تكُن العصمة متوفّرة لا في القيادة ، ولا في الأُمّة بوجودها المجموعي ، ومن أجل هذا كان الانحراف حتمياً على النحو الذي بيّناه بالأمس ، وهكذا بدأ الانحراف بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقلنا أنّ الخط الذي بدأه الأئمّةعليهم‌السلام هذا الخط ينحل إلى شكلين :

الأول : خط محاولة القضاء على هذا الانحراف بالتجربة ، أليست التجربة

٧٨

تجربة المجتمع الاسلامي والدولة الإسلامية ؟ هذه التجربة انحرفت بإعطاء زمامها إلى أُناس لا يؤمَنون عليها وعلى مُقدّراتها ، وعلى ممتلكاتها ، الخط الأول كان يُحاول أخذ هذه التجربة ، تسلَّم زمام التجربة .

الثاني : هو الخط الذي كان يعلمه الأئمّةعليهم‌السلام حتى في الحالات التي كانوا يرون إنّ ليس في الإمكان السعي وراء تسلّم زمام التجربة ، وهو خط الضمان لوجود الأُمّة مستقبلاً .

قلنا : إنّ التجربة حينما انحرفت ، كان من المنطقي في تسلسل الأحداث ، أنْ يتعمّق هذا الانحراف ، ثمّ يتعمّق حتى تنهار التجربة ، وإذا انهارت التجربة أمام أوّل غزو ، أمام أوّل تيّار ، إذن فسوف لنْ تُحارب عن إسلامها كأُمّة ، فبعد أنْ تنهار الدولة والحضارة الحاكمة ، وسوف تتنازل عن إسلامها بالتدريج ؛ لأنّها لم تجِد في هذا الإسلام المنحرف ما تدافع عنه ، إذ ماذا جنَوا من هذا الإسلام .

كيف نقدّر أنْ نتصوّر أنّ الإنسان غير العربي يُدافع عن الإسلام الذي يتبنّى زعامة العربي لغير العربي ؟ كيف يُمكن أنْ نتصوّر أنّ الإنسان العربي والفارسي يُدافع عن كيان يُعتبر هذا الكيان هو ملك لأُسرة واحدة من قبائل العرب ، وهي أُسرة قريش ؟ كيف يُمكن أنْ نفرض أنّ هؤلاء المسلمين يشعرون بأنّهم قد وجَدوا حقوقهم قد وجدوا كرامتهم ، في مجتمع يضجّ بكل ألوان التفاوت والتمييز والاستئثار والاحتكار ؟

إذن كانوا قد تنازلوا عن هذا الإسلام حينما تنهار التجربة بعد تعمّق الانحراف .

إلاّ أنّ الذي جعل الأُمّة لا تتنازل عن الإسلام ، هو أنّ الإسلام له مثَلٌ آخر قُدّم له ، مثَلٌ واضح المعالم ، أصيل المُثُل والقِيَم ، أصيل الأهداف والغايات ، قُدّمت هذه الأطروحة من قبل الواعين من المسلمين بزعامة الأئمّةعليهم‌السلام من أهل البيتعليهم‌السلام .

ولنعرف مسبقاً قبل أنْ نأتي إلى التفاصيل ، أنّ هذه الأطروحة التي قدّمها الأئمّةعليهم‌السلام للإسلام ، لم تكن تتفاعل فقط مع الشيعة المؤمنين بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، هذه الأطروحة كان لها صدى كبير في كلّ العالم الاسلامي ، فالأئمّةعليهم‌السلام كان لهم أطروحة للإسلام وكانت

٧٩

لهم دعوى لإمامة أنفسهم ، صحيح أنّ الدعوى لإمامة أنفسهم لم يطلبوا لها إلاّ عدداً ضئيلاً من مجموع الأُمّة الإسلامية ، ولكن الأُمّة الإسلامية بمجموعها تفاعلت مع هذه الأطروحة ، إذن فكان الخط الكبروي للأئمّةعليهم‌السلام هو تقديم الأطروحة الصحيحة للإسلام والنموذج والمخطّط الواضح الصحيح الصريح ، للإسلام ، في كل مجالات الإسلام في المجالات الخاصّة والمجالات العامّة ، في المجالات الاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية ، والخُلقية والعبادية ، كانوا يقدّمون هذه الأطروحة الواضحة ، التي جعلت المسلمين على مرّ الزمن يسهرون على الإسلام ويقيمونه وينظرون إليه بمنظارٍ آخر غير منظار الواقع الذي يعيشونه ، غير مناظر التجربة الفريدة التي يعيشونها .

هذا هو الخط الثاني الذي عمل عليه الأئمّةعليهم‌السلام .

والآن ، نبدأ بتحليل الموقف عقيب وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أميرُ المؤمنين حينما واجه الانحراف في التجربة ، قام بعملية تعبئة فكرية في صفوف المسلمين ، الذين يذهب تفكيرهم إلى أنّ هذا الوضع الذي قام الآن جديداً وضع غير طبيعي ، وضعٌ منحرف عن الخط الإسلامي ، واستعان بهذا السبيل ببنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزهراءعليها‌السلام ؛ لأجل أنْ يستثير في نفوس المسلمين عواطفهم ومشاعرهم المرتبطة بأعزّ شخص يحبّونه ويجلّونه ، وهو شخص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إلاّ أنّه لم يستطع أنْ يستثير المسلمين بالدرجة التي تُحوّل مجرى التجربة ويجعل هناك تبدّلاً أساسياً في الخط القائم ، لم يستطع ذلك ، وهذا أمرٌ طبيعي ، يعني من الطبيعي أنْ ينتهي أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى عدَم النجاح في القضاء على هذا الانحراف ، يكفي لأنْ نفهم هذا أنْ نلتفت إلى نفس ما أصاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الرائد الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذه الرسالة من قلقٍ وخوفٍ وارتباك ، في سبيل تركيز خلافة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، هذا النبيّ الذي لم يتلكّأ ، ولم يتوقّف ، ولم يتردّد عن أيّ لون من ألوان التركيز والعمل في سبيل تلك المهمّات ، هذا النبيّ العظيم الذي لم يشعر بالخوف ولم يخفق قلبه بأيّ لون من ألوان الوساوس والشكوك ، أو الضعف والانهيار ، هذا النبيّ العظيم ، وقف حائراً أمام الأمر الإلهي في أنْ يبلّغَ إِمامة عليّ بن أبي طالب ، حيثُ جاء ما جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من إنذاره بأنْ يبلّغ ، وإلاّ فكأنّه لم

٨٠