مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث0%

مباني نقد متن الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 215

مباني نقد متن الحديث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: قاسم البيضاني
تصنيف: الصفحات: 215
المشاهدات: 63330
تحميل: 7970


توضيحات:

مباني نقد متن الحديث المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63330 / تحميل: 7970
الحجم الحجم الحجم
مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2 - ما أخذ بنَظَرِ الاعتبار طَبْع السائِل، فلا يُمكن تسريَته على غيرِه.

3 - ما دَلَّسَه المُخالِفون في الكُتبِ لتشويه المَذهب.

4 - ما وقعَ فيه سهو من ناقِله.

5 - ما حُفِظ بعضه ونُسِي بعضه) (507) .

وعلى أساس هذا الرأي، لا يُمكن اعتبار هذه الأخبار وَصفة طبِّيّة تصلح لجميع الأمْكِنة والأزمِنة.

النتائج:

1 - المَقصود بالعلوم هنا هو: العلوم القطعيّة الثابِتة، وليست النظريّات غير الثابتة الّتي تَتَعرَّض إلى التبديل والتحوير بمُرور الزمن.

2 - لقد عرضنا ثلاث نظريّات حول ظنِّيَّة أو قطعيّة العلوم التجريبيّة، واخترنا النظريّة الّتي طرحها الشهيد الصدر حول قطعيّة العلوم التجريبيّة وغيرها، عن طريق حِساب الاحتمالات، والّتي تُسمّى (المَذهب الذاتي في المَعرفة).

3 - إنّ الحُكم على الحديث بصدوره عن المَعصوم، أو بعدم صدوره لمُخالفته العلوم القطعيّة، يعتمد على بعض المَباني المُختلَف فيها بين الفَريقَين، كعصمة الأنبياء (عليهم السلام)، واجتهاد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وجواز الخطأ عليه إذا ما اجتهد، وتقسيم السُنّة إلى تشريعيّة وغير تشريعيّة.

4 - إنّ الحديث القطعي الصدور لا يُمكن أن يُعارِض العلوم القطعيّة.

المَبحث السابع: الروايات المُخالِفة للعلوم القطعيّة

مَنشأ تَكوِّن الوَلد:

1 - عن عبد الله بن سِنان، عن أبي عبد الله‏ (عليه السلام)، قال: (ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدِيَّة، مثل اليَدَين والعَينَين، قال، قلتُ: رَجلٌ فُقِئتْ عَينه؟ قال: نصف الدِيَّة،

١٦١

قُلتُ: فرَجل قُطعَتْ يَده؟ قال: فيه نصف الدِيَّة، قلتُ: فرَجل ذهبتْ إحدى بَيضَتَيه؟ قال: إنْ كانت اليَسار، ففيها ثلثا الدِيّة، قلت: ولِمَ؟ أليس قلتَ: ما كان في الجَسدِ منه اثنان ففيه نصف الدِيَّة؟! فقال: لأنّ الوَلد من البيضةِ اليُسرى) (508) .

2 - عن محمّد بن هارون، عن أبي يحيى الواسِطي، مرفوعاً إلى أبي عبد الله (‏عليه السلام)، قال: (الولد يكون من البَيضة اليُسرى، فإذا قُطعَتْ ففيها ثلثا الدِيَّة، وفي اليُمنى ثلث الدِيَّة) (509) .

وقد أفتى الشيخ الطوسي بذلك، استناداً على هذه الروايات، قال: (وفي الخِصْيَتَين الدِيَّة بلا خِلاف، وفي اليُسرَى ثلثا الدِيَّة وفي اليُمنى ثلثها، وبه قال سَعيد بن المُسيّب. قال: لأنّ النسلَ منهما، كما رواه أصحابنا) (510) .

وقد وصفَ الشهيد الثاني الرواية الأُولى بأنّها (حَسنة)، ثُمّ استنكر هذا المَعنى فقال: (وتُخلَق الولد منها لم يثبت، وخَبَرهُ مُرسَل، وقد أنكرهُ بعض الأطبّاء) (511) .

وقد علَّق بعض الشُرّاح على هذه الأخبار، فقال: (والطِبُّ الحديث يُنكِر ذلك، وقد راجعنا الحذّاق من الأطبّاء في هذا الموضوع فأنكروا ذلك، وصرَّحوا بتساويهما في جميع الوَظائف، حتّى في كمِّيّة المَنِي وكيفيَّته) (512).

لَبن الغُلام والجارِيَة:

روى السَكوني عن جعفر الصادق، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: (لَبَن الجارِية وبولها يُغسَل من الثوب قبل أنْ تُطعَم؛ لأنّ لَبنها يخرج من مثانة أُمّها، ولَبن الغُلام لا يُغسَل منه الثوب، ولا من بوله قبل أن يُطعَم؛ لأنّ لَبَن الغُلام يخرج من العَضدين والمَنكَبَين) (513) .

وهذه الرواية تُخالِف العِلم من زاويتين:

١٦٢

1 - مَنشأ تكوّن اللَبن.

2 - اختلاف المَنشأ حسب جنس الجنين.

وقبل الحُكم على هذه الرواية، لابُدَّ من معرفة التفسير العِلمي لتَكوّن اللَبن، فنقول: إنّ منشأ اللَبن في جميع أنواع الثَديَّات يَمرّ بعمليّة واحدة دقيقة ومُعقَّدة، في داخل الثَدي الّذي يحتوي على آلاف الخلايا الّتي تُشكِّل مَصنعاً في غاية الدِقَّة، ويُمكن تلخيص هذه العمليّة الحَيَويّة بالخطوات التالية:

1 - يَتَرشّح الماء الموجود بالدَمِ بنِسبٍ مُتساوية لكمِّيَّة اللَبن، حسب الشفرة الوراثيّة الموجودة في خلايا الثَدي.

2 - تقوم خلايا الضَرعِ بانتقاءٍ فَسيْولوجِي للعناصِر الموجودة بالدَمِ.

3 - تُصنِّع خلايا الضَرعِ موادّ غير موجودة بالدَمِ، إلى أن يَتَشَكَّل اللَبن في شَكله النهائي، بالصورة المعروفة (514) .

وهذه المعلومات ليست فرضيّات قابِلة للخطأ والاشتباه، بل هي حقائق علميّة يَتَّفق عليها جميع العلماء والأطباء.

ولذلك علَّق السيّد الخوئي على هذه الرواية، فقال: (إنّ الرواية لا يُحتَمَل صحّتها ومُطابَقتها للواقِع أبداً؛ للقَطع بعَدمِ اختلاف اللَبن في الجارية والغلام من حيث المَحلّ، بأنْ يخرج لَبن الجارية من مَوضع، ويخرج لَبن الغلام من موضع آخر؛ لأنّ الطبيعة تقتضي خروج اللَبن من موضع مُعيَّن في النساء، بلا فرق في ذلك بين كون الوَلد ذَكراً أو أُنثى) (515) .

وقتُ تَكَوّن جِنس الجَنين:

عن ابن مسعود، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (إنّ النُطْفَة تكون في الرَحمِ أربعين يوماً على حاله لا تَتَغيَّر، فإذا ما مضتْ له أربعون، صارتْ عُلقة ثُمّ مُضغَة ثُمّ عِظاماً كذلك، فإذا أراد أن يَسوِّي خلقه، بعث الله إليه المَلَك، فيقول المَلَك الّذي يَليه: أي ربّ، أذكر أم أُنثى؟

١٦٣

أشَقيٌ أم سعيد؟ أقصيرٌ أم طويل؟ أناقصٌ أم زائد... أصحيح أم سقيم؟ قال: فيُكتَب ذلك كلّه) (516) .

وقبل الحُكم على هذا الحديث، لا بُدّ من معرفة رأي الطبِّ في هذه المَسألة، عِلماً أنّ معرفة جنس الجنين لم يُعرَف إلاّ في النصف الثاني من القرن الماضي، وأنّ الرَجُل هو المَسؤول عن نوع جِنس الجنين، وأنّ الجنين يتحدّد جنسه في اللَحظة الّتي يحصل فيه التَخصيب، فإذا كان الحيوان المَنَوِي الّذي نجحَ في تلقيحِ البُويضَة يحمل الكروموسوم ( Y ) (صفات الذكورة) كانت النتيجة ذكراً، وإنْ كان الحيوان المَنَوِي يحمل الكروموسوم ( X ) (صفات الأنوثة) كانت النتيجة أُنثى) (517) .

وهناك حديث آخر ذكر هذه المراحل دون تحديد جِنس الذَكر والأُنثى.

فعَن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ...) (518) .

ولتحقيق المَسألة نقول: إنْ كان رأي العلم في هذا الأمر قطعيّاً، لا يَتَطَرَّق إليه الشكّ، فتكون مثل هذه الأحاديث مُخالِفة للعِلم القطعي، ويجب ردّها إن لم يكن هناك لها تأويل مقبول.

أضْلاع الرَجُل والمَرأة:

رُوي عن الإمام علي (عليه السلام): (أنّه كان يُورِث الخُنثَى، فيَعدّ أضلاعه، فإنْ كانتْ أضلاعه ناقِصة عن أضلاع النساء بضِلْع وَرَثَ مِيراث الرجال؛ لأنّ الرجلَ تَنقص أضلاعه عن أضلاع النساء بضِلْع؛ لأنّ حوّاء خُلِقَتْ من ضِلع آدم القُصْوَى اليُسْرى، فنقصَ من أضلاعه ضِلع واحد) (519) .

١٦٤

وهذا الأمر مُخالِف للعلم والتجربة والحسّ، خصوصاً بعد أن تَطَوَّر عِلم التَشريح تَطوُّراً كبيراً، فالأطبِّاء الجرّاحون يوميّاً يُشرِّحون آلاف الجُثَث في شتّى أنحاء العالم، ولم نسمع يوماً من الأيّام أنّ عدد أضلاع الرجال أقلّ من عدد أضلاع النساء (520) .

لا عدوى:

أخرجَ ابن ماجة، عن يحيى بن أبي حيّة، عن أبيه، عن ابن عُمَر، قال: قال رسول الله (‏صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ الْبَعِيرَ يَكُونُ بِهِ الْجَرَبُ فَيُجْرِبُ الإِبِلَ كُلَّهَا، قَالَ: ذَلِكُمْ الْقَدَرُ، فَمَنْ أَجْرَبَ الأَوَّلَ؟!) (521) .

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: (إنّ أعرابيّاً أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إنّي أُصيب الشاة والبقرة والناقة بالثَمَنِ اليسير وبها جَرَب، فأكره شراءها مَخافة أن يعدي ذلك الجَرب إبلي وغنمي، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أعرابي، فمَن أعدَى الأوّل؟! (522) ثُمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هَامَة...) (523) .

والحديث بهذا المَعنى مُخالِف للعلوم الطبيّة القطعيّة في العدوى، وسَرَيان المَرَضِ من الشخص المَريض إلى الصحيح، وهي مَسألة مَحسوسة حتّى عند الأعراب، إلاّ إذا كان هناك تأويلاً مَعقولاً لهذه الأحاديث.

ثُمّ إنّه قد وردتْ أحاديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مُخالِفة لهذه الأحاديث، منها: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال: (إذا سَمعتُم بالطاعون بأرضٍ فلا تَهبطوا، وإذا كان بأرضٍ وأنتم بها فلا تفرّوا منها) (524)، وهي صريحة في انتقال العَدوى، وسَرَيان المَرض.

١٦٥

سَبَبُ الحَيْضِ عند النِساءِ:

أخرج عبد الرزّاق - صاحب المصنّف - عن ابن مسعود، بإسنادٍ صحيح، قال: (كان الرجال في بني إسرائيل يُصلِّون جميعاً، فكانت المرأة تَتَشَرّف للرجال، فألقى الله عليهنّ الحيض ومُنِعن المساجد)، وروى مثله عن عائشة (525) .

وهذا مُخالِف لما ثَبتَ من أنّ الحيض يرتبط بطبيعة المرأة وخصائصها، ولا علاقة له بهذه الحادثة أو غيرها من الحوادث.

وقد وردَ هذا المعنى في حديث آخر عن النبي‏ (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال: (هذا شَي‏ء كَتَبَه الله على بناتِ آدم) (526) .

الحَملُ وَقْت الحَيض:

عن عذافر الصَيرفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (تَرى هؤلاء المُشَوّهين خَلْقهم؟ قال، قلتُ: نعم، قال: هؤلاء الّذين آباؤهم يأتون نساءهم في الطَمْثِ) (527).

وفي حديث آخر عن الصادق‏ (عليه السلام) أنّه قال: (لا يبغضنا إلاّ من خبثتْ ولادته، أو حملتْ به أُمّه في حيضِها) (528) .

وهذا المعنى كثير في الروايات، فإن أمكن تأويله فهو، وإلاّ فإنّه مُخالِف لرأي الطبِّ الحديث.

وقبل التعليق على هذا الحديث، لابُدّ من معرفة رأي الطبِّ في كيفيّة بدء الدَورَة الشهريّة والتفسير العلمي لعمليّة الطَمْثِ، وارتباط كلّ ذلك بعمليّة الحمل والولادة، فنقول:

في اليوم الخامس من مرحلة النقاء من الدورة الطَمْثيّة يبدأ غشاء الرَحم بالتَضخّم تدريجيّاً، حتّى يصل إلى أعلى مراحل النمو في اليوم (15 - 14) من الدورة الطَمْثيّة، وذلك استعداداً لاستقبال البُوَيضة خلال هذه الفترة.

وسبب هذا التَضخّم هو هرمون خاصّ (هرمون الحمل)، وإذا لم يحدث التلقيح خلال هذه الفترة، فإنّ هذا الهرمون

١٦٦

يقلّ تَدريجيّاً إلى أن ينقطع، مّما يُسبِّب انقباض الأوعية الدَموية المُغذِّية لغِشاء الرَحم انقباضاً شديداً، فتُمنَع عنه التغذية، فيَضعف الغِشاء، ثُم يَتَفتَّت تدريجيّاً ويخرج منها الدَم المُحتَقِن، وذلك في اليوم الثامن والعشرين من الدَورة الشَهريّة.

وإنّ بدأ الدورة الشهريّة هو في الحقيقة اليأس من حصول الحَمْل؛ ولذلك فلا يُمكن أن يُؤدّي الجُماع في الحَيضِ إلى الوظيفة المَطلوبة، ولا يُمكن انتظار الولد من وطءِ الحيض مُطلقاً (529) .

وقد علّقَ أحد المُختصِّين في هذا المَجال فقال: ليس صحيحاً أنّ الولد يكون أحْوَلاً نتيجة لوطء الحيض، فوطء الحائِض لا يُؤدّي إلى الولد كما أسلفنا (530) ؛ ولهذا فلا يُمكن أن تكون هذه الرواية صحيحة والحال هذه (531) ، مع الأخذ بنظر الاعتبار المَعاني السابقة.

الذُباب وشفاء الأمراض:

روى أبو هُريرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنّه قال: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً) (532).

وقد كان هذا الحديث وما زال هدفاً لسِهام نقّاد الحديث، فقد نقلَ ابن قُتَيبَة قول بعض المُتكلّمين في نقد هذا الحديث، فقال: (وقالوا كيف يكون في شي واحد سَمّ

١٦٧

وشفاء، وكيف يعلم بمَوضع الشفاء ويُؤخّره؟!) (533) .

أمّا نحن فنقول: إنّه لا يُوجَد مانِع من وجود سمّ وشفاء في آن واحد من الناحية النظريّة، بل الأمر الثابت علميّاً عند الأطبّاء إلى درجة تصل إلى القطع، بأنّ الذُباب هو العامل الرئيسي لنقل الأمراض والعَدْوى، ولم نسمع من أحدِهم أنّه قال بأنّ في إحدى جناحيه شفاء، مع تَقدّم العلم واكتشاف المَجاهِر الالكترونيّة الدقيقة.

ولا داعي للنقاش والتأويل في صحّة الحديث، ما دمنا نعتقد أنّ الحديث ليس وحياً قطعي الصدور والدلالة.

الأرضُ على ظَهْرِ حوت:

4 - عن أبّان بن تَغلبْ، قال: (سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأرض، على أيّ شي‏ء هي؟ قال: هي على حوت، قلتُ: فالحوت على أيّ شي‏ء هو؟ قال: على الماء، قلتُ: فالماء على أيّ شي‏ء هو؟ قال: على صَخرة، قلتُ: فعَلى أيّ شي‏ء الصخرة؟ قال: على قَرْنِ ثورٍ أمْلَس، قلتُ: فعلى أيّ شي‏ء الثور؟ قال: على الثَرى، قلتُ: فعلى أيّ شي‏ء الثَرى؟ فقال: هيهات، عند ذلك ضَلَّ عِلم العُلماء) (534) .

وأحسب أنّ هذا لا يحتاج إلى تعليق، فالرواية مُخالِفة لبديهيّات العِلم التَجريبي القطعي، فلا الأرض على ظهر حوت، ولا الحوت على قَرن ثور، بل هي كُرة مُعلَّقة بالفضاء الخارجي، وقد تحقَّق ذلك بالتصوير الحيّ، فإنكار هذا الأمر يعني إنكاراً للواقع البَديهي.

ولهذا فقد علَّق أحد العلماء على مثل هذه الأحاديث فقال: (إنّ أساطين علمائنا كالشيخ المُفيد والسيّد المرتضى ومَن عاصرهم أو تأخَّر عنهم، كانوا إذا مرّوا بهذه الأخبار وأمثالها مّما تُخالِف الوجدان، وتُصادِم بديهة العقول، ولا يدعمها حُجّة لا بُرهان، بل هي أقرب إلى الخُرافة منها إلى حقيقة الواقع... قالوا: هذا خبرٌ واحد، لا يفيدنا علماً ولا عملاً) (535) .

١٦٨

الباب الثاني / الفصل السادس:

الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام المعصوم (‏عليه السلام)

المَبحث الأوّل: المَعصوم في بلاغتِه وفصاحَتِه.

المَبحث الثاني: المَعصوم في خُلُقِه وسِيرَتِه.

المَبحث الثالث: مَصاديق الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام المعصوم.

المَبحث الأوّل: المَعصوم في بلاغَته وفَصاحَته

كان النبي (صلّى الله عليه وآله) مُتميِّزاً في كلّ شي‏ء، ومنها صفة الفصاحة والبلاغة التي عُرف بها المُجتمع الجاهلي في ذلك الوقت.

وهي من أشدّ الصفات الّتي يحتاجها النبي (صلّى الله عليه وآله) في نشر رسالته، حتّى قال موسى (عليه السلام) - عندما أُرسل إلى فرعون -: ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ... ) (536).

فقد نشأ (صلّى الله عليه وآله) في أفصح بيت في قريش - وهو بيت سَعد بن بكر - وقد ورد عنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (أُعطيتُ جوامِع الكَلِم، واختُصرَ لي الكلام اختصاراً) (537) ، وقال أيضاً: (أنا أعْرَبكم، أنا من قريش، ولِساني لِسان سَعد بن بكر) (538).

ويظهر ذلك جليّاً عند تَتَبّع كلامه وما أُثرَ عنه من جوامع الكَلِم، وقد وصفَ أحد الأُدباء كلامه‏ (صلّى الله عليه وآله) بأنّه (لم يسبقه إليه عربي، ولا شاركه أعْجَمِي، ولم يُدَّعَ لأحدٍ ولا ادّعاه أحد، مّما صار مُستعملاً ومثلاً سائراً) (539) .

وقد وصفَه أيضاً فقال: (وهو الكلام الّذي قلَّ عَدَد حروفه، وكثرتْ مَعانيه، وجلَّ عن الصُنعة، ونُزّه عن التَكلّف، واستعمل المَبسوط في مَوضِع البَسط، والمقصور في مَوضع القَصر، وهَجرَ الغريب الوَحشي،

١٦٩

ورَغبَ عن الهَجين السُوقِي، فلم ينطق إلاّ عن ميراث الحكمة، ولم يتكلّم بكلامٍ إلاّ وقد حُفَّ بالعِصمة... لم تسقط له كلمة، ولا زلَّت به قَدم، ولا بارَتْ له حُجّة، ولا أفحمه خَطيب) (540) .

وهذا الكلام يجري في حقِّ الأئمّة (عليهم السلام) أيضاً، ويكفي أن أنقل شهادَتين من كِبار العُلماء والأُدباء على فصاحة وبلاغة أمير المؤمنين (عليه السلام):

قال ابن أبي الحديد في وَصفِ كلام الإمام علي (عليه السلام): (كان أمير المؤمنين مَشرَع الفصاحة ومَورِدها، ومَنشأ البلاغة ومَولدها، ومنه (عليه السلام) ظهر مَكنونها، وعنه أُخذتْ قوانينها، وعلى أمثلته حذا كلّ قائِل خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعِظ بليغ، ومع ذلك فقد سَبَقَ وقصَّروا، وتقدَّم وتأخّروا...) (541) .

وقال آخر في وصفِ نهج البلاغة: (تَصَفّحتُ بعض صفحاته في مواضع مُختلفات، فكان يُخيَّل لي في مَقام أنّ حروباً شبَّتْ وغارات شُنَّتْ، أو أنّ للبلاغة دَولة، وللفصاحة صَولَة، وأنّ جَحافِل الخطابة، وكتائِب الذواقة في عقود النظام وصنوف الانتظام... وليس في أهل هذه اللُغة إلاّ قائِل بأنّ كلام الإمام علي هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيّه، وأغزَره مادّة وأرفعه أسلوباً) (542) .

وليس بعد هاتَين الشهادتَين شهادة، ولا دليل أوضح من هذه الأدلّة.

المَبحث الثاني: المعصوم في خُلُقِه وسِيرَتِه

لا يستطيع الإنسان مهما بلغَ من القوّة في البيان، أن يصف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في خُلُقه وسِيرته إلاّ بالاعتراف بالعَجزِ عن ذلك، وقد وصفه الله (سُبحانه وتعالى) فقال: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (543) ، وعندما سُئلت إحدى زوجاته عن خُلُقه (صلّى الله عليه وآله)، قالت: كان خُلُقه

١٧٠

القرآن (544) .

فقد جمع مَكارم الأخلاق في جميعِ أموره الفرديّة والاجتماعيّة، في تعامله مع الناس ومع أهلِه، في شجاعته وتواضعه، في كرمه وصبره، وقد وصفَه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: (كان أجود الناس كَفّاً، وأجرأهم صدراً، وأصدق الناس لَهْجَة، وأوفاهم ذِمّة، وأليَنَهم عَريْكة، وأكرَمهم عِشْرة، مَن رآه بَديهة هابَه، ومَن خالَطَه مَعرِفة أحبَّه، لم أرَ مثله قبله، ولا بعده مثله) (545) .

وقد أمر الله (سُبحانه وتعالى) باتّباعه، فقال: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) (546) .

وهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يصِف نفسه ومَنزلته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فيقول: (وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ، يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، ويُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ء ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ.

وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ (صلّى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلا يَرَاهُ غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ) (547) .

وكفى بذلك شاهِداً على عَظمة أخلاق النبي (صلّى الله عليه وآله)، والأئمّة (عليهم السلام) من بعده، وهل هناك أعظم شهادة من شهادة الله وأمير المؤمنين (عليه السلام)؟!.

وعلى أساس هاتين المُقدِّمتين، فكلّ حديث لا يُشبه كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، سواء كان من حيث الفصاحة والبلاغة، أم من حيث سَماجة المَعنى ورَداءته، فلا يُعتَبر مَقبولاً؛ لمُخالَفته هذه المَباني.

١٧١

وقد بحث علماء الحديث هذا الأمر تحت عنوان (الرَكَاكَة) وهي الرَداءة، واعتبروا الرَكاكة مِقياساً للتَعرّف على الحديث الموضوع، وقَسّموا الرَكاكة إلى قِسمين: رِكَّة لفظيّة ورِكَّة مَعنويّة، والأُولى ترجع إلى مُخالَفة الحديث لبَلاغة وفصاحة المعصوم، أمّا الثانية فترجع إلى سَماجَة المَعنى ورَداءته، واشترطوا في الرِكّة اللفظيّة أن يكون الحديث منقول باللفظ لا بالمعنى.

قال ابن حَجر: (المَدار في الرِكّة على رِكّة المعنى؛ لأنّ هذا الدِّين كلّه مَحاسن، والرِكّة ترجع إلى الرداءة... أمّا رِكّة اللفظ فلا تدلّ على ذلك، لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمَعنى، فغَيَّرَ ألفاظه) (548) .

وهناك مِصداق آخر من مصاديق الأحاديث الّتي لا تُشبِه حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو الحديث المُشتَمِل على ألفاظ ومصطلحات مُستحدَثة، لم توجد في زمن المعصوم.

ولهذا تكون أنواع الأحاديث الّتي لا تُشبِه أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هي:

1 - رِكّة اللفظ، فيما إذا كان الحديث مَنقولاً باللفظ.

2 - احتواؤه على مُجازَفات ومُبالَغات في الثواب والعقاب.

3 - سَماجَة المَعنى ورَداءته.

4 - احتواؤه على مُصطلحات مُستحدَثة، لم توجد في زمن المعصوم.

والآن نبحث كلاًّ من هذه المصاديق على حِدَة، مع ذكر بعض النَماذِج.

ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ جميع هذه المصاديق هي من الأحاديث الرَكِيكَة المعنى؛ ولكنّنا صنّفناها على هذا الأساس لغَلبَة بعض الصفات على بعض.

فمثلاً احتواء الحديث على مُجازَفات ومُبالَغات في الثواب والعقاب، هي أحاديث رَكيكة المَعنى، ولكن لأنّ الصِفة البارِزة فيها هي المُبالغة، ولذلك فقد أفردناها ببحثٍ مُستقل.

١٧٢

المبحث الثالث: مَصاديق الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام المعصوم.

1 - الإفراط بالوَعيد الشَديد على الأمْرِ الصَغيرِ، أو بالعَكس:

مَن استقرأ آيات القرآن الكريم والسُنّة النبويّة يُلاحظ: أنّ الشارع المُقدَّس لا ينظر إلى جميع الأعمال والأحكام بنَظرةٍ واحدة، فلكلّ عمل وزن في ميزان الشارع، فهناك الواجبات والمُستحبَّات والكبائر والصغائر، فلا يُقدّم المُهمّ على الأهمّ ولا الكبير على الصغير، وقد استخرج الفقهاء بعض القواعد الفقهيّة على أساس هذه النَظْرَة.

وقد أشارت إلى هذا المعنى الآية الكريمة: ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (549) .

فمع أهمّيّة السِقاية - وهي: إيصال الماء إلى الآخرين في الحجّ -، وكذلك عِمارة المَسجد الحرام أو سِدانته ورعايته، ولكنّهما لا يَعْدِلان الإيمان بالله (سُبحانه وتعالى) والجهاد في سبيله، فالأعمال الصالحة وإن كانت مقبولة عند الله (سُبحانه وتعالى)، ولكنّها ليستْ بدرجة واحدة عنده (سُبحانه وتعالى): ( لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى... ) (550) .

ولهذا، فإذا ما وجدنا بعض الروايات الّتي تُحاول أن تُصادر هذه الحقيقة، بالمُبالغة في الثواب على بعض الأعمال وتقديم المُستحبَّات على الواجبات، فلا يُمكن القبول بها على أساس هذه الحقيقة واعتبار هذا الحديث من الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّ هذه القاعدة - كما قُلنا - مُستخرَجة ومُستنبَطة من مجموع الكتاب والسُنّة.

وفيما يلي بعض الأحاديث الّتي نعتقد أنّها تُخالِف هذه الحقيقة:

أ - نسيان سورة من أعظم الذنوب:

أخرجَ أبو داود (551) والترمذي عن المُطّلِب بن عبد الله بن حَنطَب، عن أنس بن مالك، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ

١٧٣

الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) (552) .

وهذا الحديث مُخالِف لهذا المقياس، فلا يمكن أن يكون أحد الأمور المُستحبّة من أعظم الذنوب، وكيف يكون أعظم من القَتل والزنا والخيانة و... الّتي ورد النهي عنها في القرآن؟!

وقد علَّق السُبحاني على هذه الرواية فقال: (فعَلى ضوء هذا الحديث، يكون نسيان آية من آيات القرآن أعظم من أكل الربا والسعي للفساد في الأرض، والزنا بالمَحارم في الأماكن المُتبرّكة، وقتل النفس المُحتَرمة، ونهب الأموال) (553) .

ب - عن أُبيّ بن كعب، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (مَن قرأ سورة الجُمعة أُعطِي عشر حسنات بعدَدِ مَن أتى الجُمعة، وبعدَدِ مَن لَم يأتِها في أمصار المسلمين) (554) .

ج - وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال: (مَن سمع سورة يس عدلتْ له عشرين ديناراً في سبيل الله، ومَن قرأها عدلتْ له عشرين حجَّة، ومَن كتبها وشربها أدخلتْ جوفه ألف يقين وألف نور وألف بركة وألف رحمة وألف رزق، ونزعتْ منه كلّ غلِّ وداء) (555) .

وهذه الأحاديث مُخالِفة للمِقياس المذكور أيضاً.

2 - سَماجَة المَعنى:

أ - روى أبو سعيد الخدري، عن الرسول (صلّى الله عليه وآله)، قال: (أوصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا علي، إذا أُدخلتْ العروس في بيتِك فاخلع خُفّها حين تجلس...

يا علي، لا تجامِع امرأتك في أوّل شهر ووسطه وآخره، فإن الجنون والجذام والخَبَل

١٧٤

يُسرِع إليها وإلى ولدها.

يا علي، لا تُجامِع امرأتك بعد الظهر، فإنّه إن قضى بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحولاً، والشيطان يفرح بالحَوَل في الإنسان.

يا علي، لا تتكلّم عند الجماع، فإنّه إن قضى بينكما ولد لا يُؤمَن أن يكون أخرس.

يا علي لا تُجامِع امرأتك من قيام، فإنّ ذلك من فعل الحَمير، وإن قضى بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش، كالحمير تبول في كلّ مكان...) (556) . إلى كثير من الفقرات.

وهذه الوَصيّة إضافة إلى أنّها تُخالِف الحقائق المَحسوسة والعلميّة، فهي سَمِجَة المعنى، ولا يُمكن أن تصدر من المعصوم.

يظهر ذلك لمَن استقرأ وتتبَّع كلامه (صلّى الله عليه وآله).

قال الشهيد الثاني في هذه الوَصيّة: (... مع أنّ الاستناد في الأحكام إلى مثل هذه الروايات الواهية لا يخلو من إشكال، لولا سهولة الخَطْبِ في الكراهة، وعلى هذه الوصيّة تفوح رائحة الوَضعِ، وقد صرّح به بعض النقّاد) (557) .

ب - روى عمرو بن خليف، أبو صالح الخناري، عن ابن عبّاس، قال: قال النبي‏ (صلّى الله عليه وآله): (أُدخلتُ الجنّة فرأيتُ فيها ذئباً، فقُلت: أذئبٌ في الجنّة؟! قال: إنّي أكلتُ ابن شرطي) .

قال ابن عبّاس: وهذا إنّما أكل ابنه، فلو أكَلَه رُفِع في عليّين.

وقد علّق الأميني على هذه الرواية فقال: (ليت ابن عبّاس يُفصِح عن أنّه لو كان أكل مدير الشرطة، أين كان يُرفَع) (558) .

ج - ورُوي عن علي (عليه السلام) عن الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال: (مَن أدرك منكم زماناً يَطلِب فيه الحَاكَة العِلم فليَهرب، قيل: أليسوا من إخواننا؟ قال: هُم الّذين بالوا في الكعبة، وسرقوا غزل مريم وعمامة يحيى وسمكة عائشة من التنور) (559) .

١٧٥

وهذا الحديث لا يَستحقّ أن يُتأمّل فيه، فهو بعيد عن هَديِ الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وركيك المعنى.

قال في الميزان: (هذا الإسناد ظُلمات، ينبغي أن يُغمَز ابن السمّاك بروايته، وإن كان صادقاً فهو من أسْمَج الكذب متناً) (560) .

وينبغي أن نذكر أنّ هذا المقياس (سَماجَة المَعنى ورَداءته) مُستخلَص من استقراء مُجمَل كلام المعصوم وعُلوِّ معانيه، ومُقارَنتها مع هذه المعاني الرَكيكَة الساقِطة.

فأين خُطب نهج البلاغة وخُطب النبي (صلّى الله عليه وآله) في الحديبيّة وغيرها من هذه؟

فأين الثَرى من الثُريّا، وأين النور من الظلام؟

3 - الأحاديث المُخالِفة للفَصاحة والبلاغة، أو احتواؤها على مُصطلحات مُستَحدَثة:

كما ذكرنا سابقاً، بأنّ هذا المقياس يُشترط فيه أن يكون الحديث منقولاً باللفظ لا بالمعنى.

أمّا بالنسبة إلى اشتمال الحديث على ألفاظ ومُصطلحات حادِثة بعد زمن المعصوم، فيرجع في حقيقته إلى مُخالَفة هذا الأمر مع البلاغة والفصاحة؛ وذلك لأنّ المعصوم (عليه السلام) لا يُمكن أن يتحدَّث مع الناس بما لا يَفهمون ولا يعرفون، فإذا ما وجدنا حديثاً يشتمل على كلام ومُصطَلَح غير مَألوف في ذلك الزمان، فهذا يعني عدم صدور ذلك عن المعصوم، تماماً كما هو الحال لو اشتمل الحديث على اصطلاحات فنيّة وعلميّة مُعاصِرة.

ولابُدّ من التأكّد من عدم وجود الاصطلاح المَذكور في زمن المعصوم، وإلاّ فلا يُمكن ردّ الحديث لمُجرّد الشكّ في ذلك، وفيما يلي نماذج من هَذين المقياسين:

أ - أخرج عبد بن حميد، عن ابن عبّاس، قال، قال: رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (يكون في آخر الزمان قوم يُنبَزون الرافضة، يرفضون الإسلام ويلفظونه، اقتلوهم فإنّهم مُشرِكون) (561) .

١٧٦

ومن المَعلوم أنّ مُصطَلح الرافِضة لم يكن موجوداً في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وإنّما نشأ بعد وفاته، عند اشتداد الخلافات الكلاميّة والفقهيّة.

وحتّى لو تَنَزَّلنا وقُلنا بصحّة هذا الحديث، فكيف يُمكن تطبيق هذا الحديث على الشيعة، كما فَهمه البعض؟

وعلى كلّ حال، فإنّ مَن تتبّع كلام العرب في صدر الإسلام وفي زمن النبي (صلّى الله عليه وآله)، لا يجد لهذا المُصطلَح أثر، وإنّما هو اصطلاح مُستحدَث كما قُلنا.

ب - رُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال لأبي بكر وعُمَر: (طابَ حَمّامكُما) (562) .

قال المُصنّف: لا أصل، له والحمّام لا تعرِفه العرب إلاّ بعد موته (صلّى الله عليه وآله).

ج - عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (مَن أسمك فليُتمِر) (563) .

قال ابن حَجر: (باطل، وهذا الحديث مُخالِف للُّغة، فلا وجود لصيغة (أسْمَكَ) من (سَمَك)، بمعنى أكل اللحم في اللغة العربيّة) (564) .

قال القاوقجي: (ومَعنى هذا الكلام: مَن أكلَ السمكَ فليَأكل التَمر بعده، يَتَحلّى به.

هذا وفعل (السَمك) لا وجود له في كتب اللغة...) (565) .

هـ - أخرج الطَبري بروايات مُتعدِّدة عن أبي العالية، قال: (قالت قريش لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّما جُلَساؤك عبد بني فلان، ومولى بني فلان، فلو ذكرتَ آلهتنا بشي‏ء جالسناك، فإنّه يأتيك أشراف العرب، فإن رأوا جلساؤك أشراف قومك، كان أرغب لهم فيك، قال: فألقى الشيطان في أُمنِيَّتِه، فنزلت هذه الآية: ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ) .

قال: فأجرى الشيطان على لِسانه: تلك الغَرانيق العُلى، وشفاعتهنّ تُرجى، مثلهنَّ لا يُنسى، قال: فسجد النبي (‏صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين قرأها، وسجد معه المسلون

١٧٧

والمشركون، فلمّا علم الّذي أُجري على لسانه، كَبُر ذلك عليه، فأنزل الله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (566) ) .

وهذا الحديث بالإضافة إلى مُخالَفته للقرآن في الكثير من الآيات وسِياقها، فإنّه مُخالِف للبلاغة النبويّة، وعدم شيوع هذا الاصطلاح في زمن العرب،كما صرَّح بذلك بعض العلماء: (إنّ العرب لم يَرِد في نَظمِها ولا في خطبها، ولا نُقِل عن أحد بطريق صحيح أنّها وَصفت آلهتها بالغَرانِِيق، وليس من مَعاني الكلمة ما يُلائم صفة الآلهة والأصنام، حتّى يُطلَق عليها في القرآن) (567) .

و - رُوي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بروايات مُتعدِّدة، أنّه قال: (إنّما أصحابي مثل النجوم، فأيّهم أخذتم بقوله اهتديتم) (568) .

ومثل هذه الأحاديث، إضافة إلى أنّها تواجه إشكالات مُتعدِّدة ذكرها المُحدِّثون، فهي تُخالِف البلاغة والفصاحة، خصوصاً إذا ما نُسبتْ إلى سيّد البلغاء والفصحاء.

قال ابن حزم في التعليق على هذا الحديث من هذه الناحية: (إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقول الباطل، وتَشبيه المُشبِّه للمُصيبين بالنجوم تشبيه فاسد، وكذب ظاهر؛ لأنّه مَن أراد جِهة مَطلع الجَدي فأمَّ جِهة مَطلع السَرطان، لم يَهتَد، بل قد ضَلَّ ضلالاً بعيداً، وأخطأ خطأً فاحشاً، وليس كلّ النجوم يُهتدى بها في كلّ طريق، فبَطلَ التشبيه المذكور، ووضحَ كَذب ذلك الحديث وسقوطه، وضوحاً ضروريّاً) (569) .

وقد ذكر بعض العلماء مصاديق أُخرى داخلة تحت عنوان (الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منها:

أن يكون الحديث بأقوال الأطبّاء أشبه.

أو أن يكون الحديث أشبه بمتون الفقه.

والأوّل لا يُمكن أن يُشكِّل قاعدة كليّة ومِعياراً نقيس عليه

١٧٨

الأحاديث؛ لأنّه لا يمتنع أن يتحدَّث المعصوم بأحاديث تتناول الصحّة العامّة وإرشادات طبيّة، وإن اختلف العلماء في تفسير هذه الأحاديث، هل هي صادرة عن المعصوم باعتبارها حُكماً مَولَوِيّاً أو إرشاديّاً.

أمّا بالنسبة إلى الثاني، فيُمكن القبول به، بشرط أن تُستَقصَى جميع الجوانب المُرتبِطة بأسلوب المعصوم (عليه السلام) في البَيان، وتُدرَس دراسةً جيّدة في ضوء الأحاديث الصحيحة؛ لأنّه لكلّ شخص أسلوبه التعبيري الخاصّ في البيان.

فكما رَدَدنا الأحاديث الّتي تشتمل على اصطلاحات مُتأخّرة عن زمن المعصوم، فيُمكن أن يُردّ الحديث المُخالِف لأسلوب المعصوم في البيان، فيما إذا حصل الاطمئنان إلى ذلك الأسلوب.

١٧٩

المصادر:

5 ) لسان العرب، ابن منظور، ج 14 / مادّة نقد.

6) المُعجم الوسيط، مجموعة من الباحثين، مادّة نقد.

7) دراسات في منهج النَقْدِ عن المُحدِّثين، محمّد علي العُمَري، ص 11.

8) جهود المُحدِّثين في نَقدِ مَتنِ الحديث، محمّد طاهر الجوابي، ص 94.

9) أُصول الحديث وأحكامه، جعفر السُبحاني، ص 78.

10) العدّة في أُصول الفقه، الطوسي، ج 1 / ص 145.

11) أُصول الحديث (علومه ومُصطلَحه)، محمّد عجاج الخطيب، ص 7.

12) علوم الحديث ومصطلحه، صُبحي الصالح، ص 105.

13) أُصول الحديث (علومه ومصطلحه)، محمّد عجاج الخطيب، ص 8.

14) علوم الحديث ومصطلحه، صُبحي الصالح، ص 106.

15) علم الحديث ودراية الحديث، كاظم مدير شانه چى، ص 8.

16) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آقا بزرگ الطهراني، ج 8 / ص 54.

17) شرح البداية في علم الدراية، زين الدِّين العاملي، ص 45.

18) الوجيزة في الدراية، محمّد بهاء الدِّين العاملي، ص 5.

19) أُصول الحديث وأحكامه، السُبحاني، ص 15.

20) مقباس الهداية، عبد الله المامَقاني، ج 1، ص 315 - 314؛ أُصول الحديث، السُبحاني، ص 95.

21) المَصدر المتقدّم، ج 1 / ص 315.

22) المَصدر المتقدّم، ص 220.

23) المَصدر المتقدّم، ج 1 / ص 398؛ الدراية في علم مصطلح الحديث، الشهيد الثاني، ص 69.

24) أُصول الحديث (علومه ومصطلحه)، محمّد عجاج الخطيب، ص 261 - 260.

25) مقباس الهداية، المامَقاني، ج 2 / ص 33 - 32.

26) الجَرْحُ والتَعديل، محمّد طاهر الجوابي، ص 249.

27) مقباس الهداية، المامَقاني، ج 2 / ص 40 - 39.

28) جهود المُحدِّثين، محمّد طاهر الجوابي، ص 178.

29) المَصدر المتقدّم، ص 183.

30) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، أقا بزرگ الطهراني، ج 8 / ص 54.

31) مقدّمة ابن الصلاح، ص 195.

١٨٠