مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث0%

مباني نقد متن الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 215

مباني نقد متن الحديث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: قاسم البيضاني
تصنيف: الصفحات: 215
المشاهدات: 63359
تحميل: 7970


توضيحات:

مباني نقد متن الحديث المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63359 / تحميل: 7970
الحجم الحجم الحجم
مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

للكتاب، وعليه شاهِد منه، مثل رواية ابن أبي يَعفور، قال: ( سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث، يَرْوِيه مَن نَثِقُ به، ومنهم من لا نَثِقُ به؟ قال: إذا وَرَدَ عليكم حَديث فوجدتم له شاهِداً من كتاب الله، أو من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإلاّ فالّذي جاءَكم به أولَى به) (223) .

أجابَ الشهيدُ الصدر على الإشكال الوارِد على هذه الأحاديث، باعتبارها وارِدة في صورة تَعارض الخَبرَين، فقال: (لأنّ الاستدلال إنّما يكون بجوابِ الإمام (عليه السلام)، الّذي يَحتَوِي على كُبرَى كُلِّيّة مُستَقلَّة، تَدلّ على أنّ كُلّ حديثٍ ليس عليه شاهد من الكتاب الكريم، أو السُنّة النَبويّة فلا يُؤخَذ به) (224) .

ج - الطائِفة الثالثة من الروايات، وهي الّتي تَنفي حُجِّية كُلّ حديث يُخالِف الكتاب، منها: رواية السَكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ( قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنَّ على كُلِّ حقٍّ حقيقة، وعلى كُلِّ صَوابٍ نوراً، فما وافق الكتاب فخُذوه، وما خالَف كتاب الله فدَعوه) (225) .

وغيرها من الروايات.

مُناقَشَةٌ وَتحلِيل.

وهنا لابُدَّ من ذكرِ عدَّة نقاط حول هذه الأخبار:

1 - إنّ الاختلاف حول شُمول هذه الأخبار لمُطلَق الاختلاف، أو الاقتِصار على التَبايُن الكُلِّي، يَرجع في الحقيقةِ إلى اختلافٍ مَبنائِي، وهو هل أنَّ أخبار المعصومين‏ (عليهم السلام) يُمكِنها تَخصيص أو تقييد عُموماتِ وإطلاقاتِ الكتاب، أو لا يُمكن ذلك؟

فإذا بَنَيْنا على إمكان ذلك، فحينئذٍ سوف تَكون هذه الأخبار ناظِرة إلى صورةِ التَبايُن الكُلِّي فقط، دون المُخصِّصات والمُقيِّدات، أمّا إذا قُلْنا بعدمِ إمكان ذلك

٨١

واقتَصرنا في التخصيص والتَقييد على الأخبار المُتواترة أو المُجمَع عليها، كما هو رأي بعض العلماء، فحينئذٍ سوف تشمل هذه الأخبار جميع أنواع التعارض بما فيها التخصيص والتقييد.

2 - إنّ الاختلاف حول شمول أخبار العَرضِ للأحاديث المُخالِفة للمَضمون القرآني، وكذلك للأشياء الّتي سَكَتَ عنها الكتاب، يرجع إلى مسألة مُسلَّمَة عند جميع المذاهب، وهي حجِّيّة السُنّة، وأنّه يُمكن للرسول (صلّى الله عليه وآله) التشريع بصورةٍ مُستقلَّة عن القرآن.

حتّى لو قُلنا برأي الشاطبي، بأنّ تشريعات النبي (‏صلّى الله عليه وآله) ترجع بصورةٍ أو بأُخرى إلى القرآن، عن طريق القياس أو الاجتهاد؛ لأنّه في هذه الحالة يُمكن للمعصوم (عليه السلام) أن يَستقلّ بالتشريع في طول القرآن، ولا تكون هذه التشريعات والأحكام الصادرة منه مُخالِفة للقرآن، لأنّها جاءتْ بحُكمه وأمره.

3 - إنّ غاية ما تدَلّ عليه أخبار المُوافَقة هو صحّة المَضمون، فلا يُمكن اعتبار مُوافَقة الأحاديث مِعياراً لصحّتها، بل المِعيار هو رَدّ الأحاديث المُخالِفة، وأنّ المقصود من مُوافَقة الأحاديث للكتاب هو عدم مُخالَفَتِها له.

4 - إنّ المُراد من المُخالَفة للكتاب، هي مُخالَفة ظواهر الكتاب ونُصوصه، وهذا أكَّده السيّد الشهيد، فقال: (ولا يُتَوَهَّم اختصاص مَفاد هذه الأخبار المُخالَفة النَصِّيَّة، فإنه يَصْدُق وجداناً عنوان المُخالَفة بالنسبة إلى الظاهر، كما يَصْدُق بالنسبة إلى النَصِّ، وإنّ الّذي يَتَتبَّع الأخبار يرى أنّ المَقصود منها ما شاعَ وقتئذٍ، من الكَذب والافتراء والتزوير على الأئمّة، وهؤلاء الكذّابون كانوا يَكذبون عادةً بما يُخالِف القرآن، لا بما يُخالِف ظاهر النَصِّ القَطعيِّ للقرآن، الّذي لا شائبة فيه) (226) .

ولم يَستبعِد الشهيد الصدر معنىً آخر للمُخالَفة، وهي مُخالَفة الرُوح العامّة للقرآن، وما لا تكون نَظائِره وأشبَاهه موجودة فيه، فإذا لم يكن الدليل الظنِّي مُنسَجِماً مع طبيعة تشريعات القرآن ومزاج أحكامه العام، لم

٨٢

يكن حُجّة (227) .

واستدلّ على ذلك في الروايات الّتي تَتَضَمّن بعض التعبيرات، مثل قوله: (إنْ وَجَدْتُم عليه شاهِداً أو شاهِدَين من الكتاب)، فقال: فإنّ التعبير بالشاهِد، الّذي يكون بحسب ظاهره أعمّ من المُوافَقة بالمَعنى الحرفي، فهذه قرينة على أنّ المُراد وجود الأمثال والنَظائِر (228) .

روايات العَرْضِ في كُتبِ أهل السُنَّة.

أمّا بالنسبة إلى الروايات الوارِدة عن طريق كُتب أهل السُنّة فهي كثيرة أيضاً، وردت عن طريق، أبي هُريرة، الأصبغ بن محمّد، ابن عُمر، علي بن أبي طالب (‏عليه السلام)، منها:

1 - روى الخَطيب البغدادي عن أبي هُريرة، عن النبي (ص)، أنّه قال: (سيَأتِيكم عنِّي أحاديث مُخْتلِفةٌ، فما جاءَكم موافِقاً لكتابِ اللهِ وسُنّتي فهوَ مِنِّي، وما جاءَكم مُخالِفاً لكتابِ اللهِ وسُنَّتِي فليسَ مِنِّي) (229) .

2 - روى الدارقطني بسَنَده عن أمير المؤمنين (ع)، عن النبي (ص)، أنّه قال: (إنّها ستكون بعدي رُواةٌ يَروون عنّي الحديث، فاعرضوا حَدِيثَهُم على القرآن، فما وافقَ القرآنَ فخُذوا به، وما لم يُوافِق القرآنَ فلا تأخُذوا به) (230) .

قال الدارقطني: هذا وَهمٌ، والصَوابُ عن عاصِم، عن زيد، عن علي بن الحسين (عليه السلام)،مُرسَلاً عن النبي (ص).

3 - أمّا حديث ابن عُمَر، فقد رواه الطَبراني في الكبير، قال: (سُئلَتْ اليهود عن موسى، فأكثروا فيه وزَادوا ونَقصوا، حتّى كفروا به، وإنّه سَتُفْشو عنّي أحاديث، فما أتاكُم من حَديثِي فاقرؤوا كتابَ الله فاعْتبروه، فما وَافقَ كتابَ الله فأنا قُلتُه، وما لم يُوافِق كتاب الله فلَم أقُله) (231) .

٨٣

وهناك أحاديث أُخرى رواها ابن حزم في الإحكام، عن طريق أمير المؤمنين (عليه السلام)، في نفس المَضمُون (232) .

وقد ناقش جُمهور المُحدِّثين في مثل هذه الأحاديث، فقال الشافعي: (إنّ قول مَن قال: تُعرَض السُنّة على القرآن، فإن وافَقتْ ظاهره، وإلاّ استَعمَلنا ظاهر القرآن وتركنا الحديث جهل) (233) .

وعَلّق على الحديث المَنسوب إلى رسول الله (ص)، الّذي يقول: (ما جاءَكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قُلته، وما خالفه فلم أقله)، فقال: (ما رواه أحدٌ ثَبَتَ حديثُه في شي‏ء، صغير ولا كبير) (234) .

وقال في مَوضِع آخر - عن هذه الرواية -: بأنّها مُنقَطعة عن رجلٍ مَجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية (235) .

وقد اعتبر الدكتور أبو شهبة، أنّ جميع هذه الروايات الّتي تَدلّ على عَرضِ الحديث على القرآنِ مَوضوعَة ومُختلقَة، وضَعَها الزَنادقة، كي يَصلِوا إلى غَرضِهم من إهمال الأحاديث (236) .

وقال آخر، أمّا عن أحاديث العَرضِ على كتاب الله: فكُلّها ضَعيفة لا يَصحّ التمسّك بها، فهي مُنقطِعة، أو أنّ في بعضِ رواتها غير ثِقةٍ أو مَجهول (237) .

وقد أجابَ فُقهاء الحنفيّة: إنّ الحديث وإنْ كان ضَعيفاً، ولكن له ما يُتَأيّد به.

عن محمّد بن جُبير بن مَطعم، أنّ النبي (ص) قال: (ما حَدَّثتُم عنّي مّما تَعرِفون فصَدّقوا به، وما حَدَّثتُم عنّي مّما تُنكِرون فلا تُصدِّقوا، فإنّي لا أقول المُنكَر، وإنّما يُعرَف ذلك بالعَرضِ على الكتاب) (238) .

٨٤

وقد أشكلوا أيضاً على هذا الحديث فقالوا: إنّا عرضنا هذا الحديث على كتابِ الله فوَجدناه مُخالِفاً له؛ لأنّ الله سُبحانه وتعالى يقول: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (239) ، وقال تعالى: ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ... ) (240) .

والجوابُ: إنّ ظاهر الحديث يَقتضي بأنّ الّذي يُعرَض على القرآن، هو الحديث الّذي يُشكّ في صدوره عن الرسول (ص)، وليس الحديث الثابِت عنه، فلا إشكال في الأخذ به والعمل بمقتضاه؛ لأنّ طاعة الرسول (ص) نابعة من طاعة الله سُبحانه.

وقالوا أيضاً: إنّ الالتزام بهذا الحديث يَستلزِم رَدّ الكثير من الأحاديث، الّتي لا يُوجَد عَينها في كتاب الله، والّتي ورَدتْ عن الرسول (ص) بأسانيد صحيحة.

وقد أُجيبَ: بأنّ المقصود من الحديث هو الّذي يُخالِف كتاب الله ولا يُوافِقه، أمّا الحديث الّذي لا يُوافق ولا يُخالِف فهو خارج عن البحث.

قال السَرخَسي في حديثه عن الشَرط المُخالِف لكتاب الله: (والمُراد كُلّ شرطٍ مُخالِف لكتاب الله، لا أن يكون المُراد ما لا يوجد عَينه في كتاب الله، فإنّ عين هذا الحديث لا يُوجَد في كتاب الله تعالى، وبالإجماع من الأحكام ما هو ثابِت بخَبَرِ الواحد والقياس، وإن كان لا يُوجَد في كتاب الله تعالى) (241) .

وكلامُه واضح في أنّ المقصود هو الحديث المُخالِف، أمّا الّذي لا يُوجَد عينه في الكتاب، فلم تَتَعَرَّض له هذه الأحاديث، والدليل على ذلك هو: أنّ الأحْنافَ قد قَبلتْ كثيراً من الأحاديث الّتي لا يُوجَد مَضمُونها في الكتاب، كما تَعَرَّضنا له سابقاً.

وفي الختام، لابُدَّ من تناول بعض المَسائل المُهمّة الّتي تَتَعَلَّق بموضوع البحث، وهي أحاديث التأويلِ والبطون؛ لأنّ هناك الكثير من الأحاديث الوارِدة في مَجال التفسير، تبدو وكأنّها مُعارِضة مع ظواهر القرآن.

فما هو معنى التَأوِيلِ والبَطْنِ؟

وما هي ضَوابِطه وحُدوده؟

هذا ما سوف نتناوله في البحوث التالية.

٨٥

المَبحث الخامِس: التَأوِيل

الأصلُ عند العُلَماء والمُفسّرين، أنّه لا يُمكن تَجاوز ظواهِر الألفاظ في القرآن إلاّ بدَليلٍ مُعتبَر، سواء كان هذا الدليل شرعيّاً أم عقليّاً.

فالعامّ يبقى على عمومِه إلاّ بمُخَصِّص، و المُطلَق على إطلاقِه إلاّ بمُقيِّد، والأصل في اللُغة هو الحقيقة ولا يُتجاوَز عنها إلى المَجاز إلاّ بدليل.

وقد اتّفقَ أكثر علماء المسلمين على جواز التأويل في كلام الله، حتّى الظاهريّة استخدموا التأويل في بعض الأحاديث (242) ، بل إنّ استخدام التأويل يُعتَبر من الضَرورات في بعضِ الأحيان، وهذا يَنبَع من طبيعة اللُغة العربيّة، فقد كانت العَربُ تُقيم سَبَب الشي‏ءِ مَقام الشي‏ء وتُسمِّيه باسمه، والقرآن نزلَ بمَذاهب العَرَبِ، وإنّ العربَ سَمّوا المطرَ سماء؛ لأنّه من السماء؛ لأنّ السماءَ سَبَب المَطر.

كما قد تأتي الأساليب العربيّة ويُقصَد بها غير ظواهرها، فمِن سُنَن العربِ مُخالَفة ظاهر اللَفظ، ومُهمّة التأويل أن يُبيِّن عن القصد من وراء الإشارات والرموز، ويكشف الحُجُبَ عن الكَلِمات (243) .

مَعنى التأويلِ وضَوابِطه

هناك مَعاني اصطلاحيّة كثيرة للتأويل، وما نريده هنا هو المَعنى المَشهور، وهو: صَرْفُ اللَفظ من مَعناه الظاهر إلى مَعنى مَرجوح يَحتَمله، لدليلٍ يُصَيِّره راجِحاً (244) .

ومن هذا التعريف يُمكن أن نستخرج عدَّة ضوابِط لصحّة التأويل:

1 - يجب أن يكون صَرْف اللفظ إلى مَعنى يحتمله، وإن كان مرجوحاً.

٨٦

2 - لابُدَّ أن يكون اللفظ المَصروف راجِحاً.

3 - لابُدَّ من وجودِ قرينةٍ مُعتَبَرة على هذا الصَرْفِ، سواء كانت شرعية أم عقليّة أم لُغويَّة، وهناك ضوابِط أُخرى، منها: أنْ لا يُناقِض التأويل نصّاً قرآنيّاً، وأنْ لا يُخالِف قاعدة شرعيّة مُجمَعاً عليها بين العُلماء (245) .

أنواع التأويل.

هناك تَقسيمات كثيرة للتأويل، منها:

1 - تقسيم التأويل من حيث بُعده وقُربه من الذِهن.

وهو على ثلاثة أقسام:

أ - التأويل القريب: وهو التأويل الّذي يَقبله الذِهن بأدنى دليل، مثل تأويل قوله تعالى: ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) ، حيث يُمكِن رَفع اليَد عن ظاهر القرآن بأدنى تَكلُّف؛ لوجود القرائِن اللفظيّة والعَقليّة.

ب - التأويل البعيد: وهو التأويل الّذي لا يُمكن للذِهنِ أن يَصلَ إليه بسهولة، وهو بحاجةٍ إلى دليلٍ قوي (246) ، أو ما يحتاج إلى مَعرفتِه والوصولِ إليه مَزيد من التأمُّل، مع كَونِ اللفظ يَحتَمِله (247) .

ج - التأويل الفاسد: وهو التأويل المُتَكلّف، الّذي لا يَمُتّ إلى ظاهر اللفظ بأدنى مُناسَبة، ولا يُوجَد دليل على صَرفِ اللفظ عن مَعناه، لا قويّاً ولا ضعيفاً.

وما نقبله من التأويل هو النوع الأوّل والثاني، فيما إذا كان الدليل قويّاً، أمّا التأويلات المُتَكلّفة، فلا يُمكِن القبول بها؛ لافتقارها إلى الضوابِط الّتي ذكرناها سابقاً.

٨٧

2 - تقسيمُ التأويلِ من حيث القَبولِ والرَدِّ.

ويُمكن تقسيم التأويلِ من لِحاظٍ آخر - أي من حيث القبولِ والرَدّ - إلى قِسمَين:

أ - التأويل المقبول

وهو بِدَورِه يَنقسم إلى قِسمين:

أوّلاً - الجَري والتَطبيق.

يُعتَبَر العلاّمة الطَباطَبائي أوّل مَن استخدم اصطلاح الجَري على كثيرِ من الروايات التَفسيريّة، الوارِدة عن أهل البيت‏ (عليهم السلام)، وقد أخذَ هذا المعنى من الرِواية الوارِدة عن الإمام الباقر (عليه السلام)، عندما سُئلَ عن مَعنى الظَهْرِ والبَطْنِ فقال: (ظَهْرُه تنزيله، وبَطنُه تأوِيله، منه ما مَضى ومنه ما لم يَكن بَعْدُ، يَجْرِي كما يَجْرِي الشَمسُ والقمر، كُلّما جاءَ منه شي‏ء وَقع) (248) .

والفرق بين الروايات التَفسيريّة وروايات الجَرْي، هو أنّ الثانية لا تُعتَبَر تفسيراً للآية، بل تُبَيِّن مصداقاً من مَصاديق الآية، أو أكملِ المَصاديق.

فالقرآن بما أنّه لا يَختَصّ بعصرٍ دون عصر، ولا لأُمّة دون أُمّة، بل هو خالد وباقي ما بَقيتْ السماوات والأرض، فالآية منه لا تَختَصّ بمَوردِ التنزيل، بل هي تشمل مَصاديق كثيرة في كُلِّ عصر من العصور، (للقُرآن اتّساعَاً من حيث انطباقِه على المَصاديق وبَيانِ حالِها، فالآية منه لا تَختصّ بموردِ نزولها، بل تجري في كلّ مَورد يتَّحد مع مورد النزول مِلاكَاً، كالأمثال لا تَختَصّ بموردِها الأوّل، بل تَتَعدَّاها إلى ما يُناسِبها) (249) .

ورواياتُ الجَري كثيرة في المَجاميع الروائيّة، وخصوصاً في مَوارِد تطبيق الآيات القرآنيّة على أهل البيت (‏عليهم السلام) وأعدائِهم، قال العلاّمة: (رواياتُ الجَريِ كثيرة في الأبواب المُختلِفة، وربّما تبلغ المئتين) (250) .

وعلى هذا، فإذا وَرَدَتْ رواياتٌ تُخالِف ظواهر الآيات، وتدخل في دائرة الروايات

٨٨

الِمصداقيّة، فلا يُمكن رَدّها واعتبارها مُخالِفة للقرآن، بشرطِ أن لا يكون في الروايةِ إشارةٌ إلى أنّها من روايات التفسير، مثل عبارة (هكذا نَزَلَتْ)، أو غيرها من القرائِن الّتي تُبعِدها عن أن تكون من روايات الجَري.

نموذج من روايات التطبيق

عن ابن عبّاس، قال: ( لمّا نزلتْ ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وضعَ (ص) يَدَه على صَدرِه، فقال: أنا المُنذِر، ولكلِّ قومٍ هَاد ، وأومَأ بيَدِه إلى مَنكبِ علي، فقال: أنتَ الهادي يا عليّ، بك يَهتَدِي المُهتَدون بعدي) (251) .

وقد علّق العلاّمة على هذه الرواية فقال: (معنى قوله (صلّى الله عليه وآله): (أنا المُنذِر وعلي الهادي)، أنّي مِصداق المُنذِر والإنذار هِداية مع دَعوة، وعليٌّ مِصداقٌ للهادِي من غير دَعوة، وهو الإمام، لا أنّ المُراد بالمُنذِر هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والمُراد بالهادي هو علي (عليه السلام)، فإنّ ذلك مُنافٍ لظاهر الآية) (252) .

ثانياً - انتزاع مَفهومٍ من الآية وتَطبِيقه.

وهو النوع الثاني من أنواع التأويل المَقبول، ونَعنَي به استخراج مَفهومٍ عامٍّ من بَطْنِ الآية، بعد إلغاء الخُصوصيّات الّتي ليس لها مَدخليّة في موضوعها، بالسَبْرِ والتَقسيم.

ويُمكن أن نَضرب مثالاً على ذلك في الآية: ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (253) ، فهناك ثلاثة خُصوصيّات في هذه الآية:

1 - مورد السؤال، وهو التشكيك بنُبوَّة النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) وإمكان أن يكون الرسول المَبعوث من البشر.

2 - المُخاطَب في الآية، وهُم المُشرِكون.

3 - الأشخاص المَسؤولون، وهم أهل الكتاب.

٨٩

وهذه هي الخُصوصيّات الثلاثة المذكورة في الآية، جاءَتْ نتيجة للظروف التاريخيّة، وكانت سَبَباً لنزولِ هذه الآية.

ولكن بعد تجريد هذه الخصوصيّات عن الآية المَذكورة، فلا يكون لهذه الخُصوصيّات - الشرك، أهل الكتاب، المسألة مورد السؤال - أيّ مَوضوعيّة، بل إنّها تُعتبَر مُجرّد مثال.

فحينئذٍ يُمكن لنا استخراج مَفهومٍ عامٍّ من الآية، وتطبيقه في كلّ زمان ومكان، وهو: (أنّ كلّ شخصٍ جاهلٍ في بعضٍ من أبْعادِ الشريعة، يجب عليه أن يَسأل العُلماء في هذا الشأن) أو (يَجب على الجاهِل مُراجَعة العالِم فيما لا يَعلَم) (254) ، فالجَهل والعِلم هُما المِلاك في هذه الآية، وليست المُلابَسات التاريخيّة وسَبَب نزول الآية.

فإذا وَرَدَتْ روايات تذكر بأنّ المَقصود من أهل الذكر هُم أهل البيت، فلا يُمكن أن تُرَد هذه الأحاديث بحُجَّة مُخالَفَتِها لظاهر الآية، ولا يعني هذا أنّ الرواية تُعتَبَر تفسيراً للآية، بل هي من بابِ التأويل والبَطنِ، ويُمكن انطباقها على مصاديق عديدة، إذا كان المَفهوم العامّ المُستنبَط من الآية يشمل مثل هذه المصاديق.

هذان المَورِدان من أنواع التأويل المَقبول، وفي غير ذلك لا يُمكن قبول الرواية بحُجَّة أنّها من البَطنِ، إذا كانت فاقِدة للضَوابِط المَذكورة سابقاً، أو لم تَكُن من مَصاديق الآية، أو أنّ المَفهومَ لا ينطبق عليها.

ب - التأويل المردود

وهو التأويلُ الباطِني الّذي لا يَتَّفِق مع ظواهر الكتاب، ولا تُوجد قَرينة على هذا الصَرفِ، لا من بعيد ولا من قريب، وبالتالي فهو تحميلٌ للقرآنِ تَبَعاً للمُيولِ والأهواء الزائِغة.

فهو من التفسير بالرأي، ويشمل نماذِج كثيرة من تأويلاتِ الفِرق الباطنيّة وغُلاة الصوفيّة، قال أبو حامد الغَزالي في تأويلاتِهم للظواهر: (والقول الوَجيز فيه أنّهم لمّا عَجزوا عن صَرفِ الخَلقِ عن القرآنِ والسُنّة، صَرفوهم عن المُرادِ بهما إلى

٩٠

مَخاريق زَخْرَفُوها، واستفادوا - بما انتزعُوه من نفوسِهم من مُقتضَى الألفاظ - إبطال مَعاني الشَرْع... وأنّهم لو صرّحوا بالنَفْيِ المَحضِ والتَكذيب المُجرّد، لم يخطوا بمُوالاة المُوالِين، وكانوا أوّل المَقصودِين المَقتولِين) (255) .

والجَديرُ بالذكر أنّ هؤلاء غالِباً ما يَستَعينون بروايات يَنسبونها زُورَاً وبُهتاناً إلى المعصومين‏ (عليهم السلام)، لتمرير مُخطَّطاتِهم الفاسِدة.

خلاصة وتقويم.

يُمكن تلخيص ما تَوصَّلنا إليه بالنقاط التالية:

1 - إنّ أحاديث العَرضِ من الأحاديثِ الّتي اجتمعتْ عليها كَلمة المسلمين، وإنّ القولَ بوَضعِها من قِبل الزَنادِقة مّما لا دليل عليه ولا برهان.

2 - إنّ المقصودَ بالأحاديثِ الّتي تُخالِف القرآن هي: الّتي تُخالِفه بنَحوِ التَبايُن الكُلِّي، ولا يُمكن الجَمْع بينَها وبَينه إلاّ بالتَعَسُّف والتأويل البعيد.

3 - إنّ أحاديث العَرضِ لا تشمل الأحاديث الّتي لا تُوافِق ولا تُخالِف، أي إنّها ساكِتَة عن هذا النوعِ من الأحاديث.

4 - المَقصود بالمُخالَفة، هي مُخالَفة ظواهر القرآن، أو نَصِّه، أو رُوحه العامَّة.

5 - اعتبرَ الحَنفيّة الخَبَرَ الواحِد المُخصِّص لعُموم القرآنِ، وكذلك الزيادَة على القرآن، مُخالَفة للقرآنِ، فيما إذا لم يكن مُجمَعاً عليه، وخالفهم الجُمهور في ذلك.

6 - لا يُمكن اعتبار روايات التأويلِ أو البَطنِ مُخالِفة لظَواهر القرآن، فيما إذا كانت:

أ - مِن مَصاديقِ التَطبيق والجَري.

ب - فيما إذا كانتْ تُشكِّل مَفهوماً انتزاعيّاً عامّاً.

7 - تُرَدُّ الروايات الّتي تُشكِّل تأويلاً بعيداً وفاسداً؛ لأنّها تُخالِف ظواهر القرآن، ولا يُوجَد دليل يَصرف الظاهِر عن معناه.

٩١

المَبحث السادس: الروايات الّتي تُخالِف القُرآن

نموذج من روايات التأويل.

1 - وَرَدَتْ روايات مَنسوبة إلى الأئمّة (عليهم السلام) في تفسير بعض الآيات، منها:

ما وردَ في تفسير: ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) (256) ، بأنّ المُراد من الثقلين هُم: كتاب الله وأهل البيت‏ (عليهم السلام) (257) .

وقد وردَت لَفْظَة (الثَقَلانِ) في الأحاديث النَبويّة، وقُصِدَ بها القرآن وأهل البيت، ولكن لا يُمكِن أنْ يُراد من (الثَقَلَين) في هذه الآية هذا التفسير؛ لمُخالَفته لظاهر وسياق الآية، فسورة (الرحمان) من أوَّلها إلى آخرها تَتَحدَّث عن الإنس والجِنّ ( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) (258) ، وقال تعالى: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ... ) (259) .

ثُمَّ سياق الآية التالية يُنافِي إرادة مثل هذا التفسير أو التَطبِيق، فسياق الآيات يَتَضمَّن التهديد للثَقَلَين ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) (260) ، فهل يُمكِن الالتزام بأنّ هذا الخِطاب مُوجَّه إلى أهل البيت‏ (عليهم السلام)؟!

2 - روى المُعلّى بن خُنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) (261) ، قال: (إنّ هذا المَثل ضَربَه الله لأمير المؤمنين‏ (عليه السلام)، فالبَعُوضَة أمير المؤمنين (‏عليه السلام)، وما فَوقَها رسول الله (‏صلّى الله عليه وآله) ) (262) .

ومثل هذا التفسير لا يُمكِن القبول به؛ لمُخالَفته الصريحة لظواهر القرآن.

الروايات الّتي تَنسب المَعصِية إلى المَلائِكة.

روى المَجلسي عن سلمان الفارسي، أنّه قال: (أُهْديَ إلى النبي‏ (صلّى الله عليه وآله) قِطْفٌ من العِنَبِ في غيرِ أوانِه، فقال لي: يا سلمان، ائتِني بوَلَدَي الحسن والحسين ليَأكُلا معي من هذا العِنَبِ.

قال سلمان الفارسي: فذهبتُ أطرق عليهما مَنزِل أُمِّهما فلم أرَهما، فأتيتُ مَنزل

٩٢

أُختِهما أُمّ كُلثوم فلم أرَهما، فجِئتُ فَخبَّرتُ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) بذلك، فاضْطَربَ وَوَثَبَ قائِماً وَهوَ يقول: وا وَلَداه، وا قُرَّة عَيناه، مَن يُرشِدُني عليهما فلَه على اللهِ الجَنّة.

فنَزَلَ جبرئيل من السماءِ، وقال: يا مُحمّد، علامَ هذا الانزِعاج؟ فقال: على وَلَدَيَّ الحسنِ والحُسينِ، فإنّي خائِفٌ عليهما من كَيدِ اليَهود، فقال جبرئيل: يا مُحمّد، بل خَفْ عليهما من كَيدِ المُنافقين، فإنَّ كَيدَهم أشَدُّ من كَيدِ اليَهودِ، واعلم يا محمّد إنّ ابنَيكَ الحسن والحُسين نائِمان في حَديقةِ أبي الدحداح.

فصَارَ النَبيّ (صلّى الله عليه وآله) من وقْتِه وسَاعَتِه إلى الحديقة وأنا مَعه، حتّى دَخلنا الحديقة، وإذا هُما نائِمان وقد اعتَنَقَ أحدهما الآخر، وثُعبان في فيهِ طَاقَة رَيحان، يُرَوِّح بها وَجهَيهِما، فلمّا رأى الثعبانُ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) ألقَى ما كان في فيهِ، فقال:

السلامُ عليك يا رسولَ الله، لست أنا ثُعباناً، ولكنِّي مَلك من مَلائِكة [ الله ] الكروبيّين، غَفلتُ عن ذِكْرِ ربِّي طرفة عَين فغَضَبَ عليَّ ربِّي ومَسَخَنِي ثُعباناً كما تَرى، وطَرَدَني من السَماءِ إلى الأرضِ...) (263) .

وكذلك الروايات الّتي نَقَلَها بعض المُفسّرين في شأن هاروت وماروت، وهي من الروايات الإسرائيليّة الّتي لا يَقبلها عَقلٌ ولا وجدان، فقد نقلَ ابن جُرير والسيوطي، في تفسيرهما كيفيّة نزول المَلَكين هاروت وماروت إلى الأرض، واقترافهما للذنوب، كشرب الخمر والقتل والزنا والشرك (264) - ومِثل هذه الروايات الّتي تَنسب المَعصية إلى الملائِكة تُخالِف صريح القرآن، الّذي أشارَ إلى عِصمَتِهم وعدم غَفلَتِهم -.

فالرواية الأُولى تُصَرِّح بأنّ الملائِكة يُمكن أن تَغْفَلَ عن العبادةِ وذكرِ الله، والقرآن ينفي ذلك: ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) (265).

والرواية الثانية تَنسب المَعاصي إلى المَلائِكة والقرآن يَنْفِي ذلك ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (266) . وقد عُرِضَ

٩٣

هذا الحديث على الإمام الرضا (عليه السلام) فأنكرَه وكذَّبه، فعن علي بن محمد بن الجهم، قال: ( سمعتُ المأمون يسأل الرضا (عليه السلام) - علي بن موسى (عليه السلام) - عمّا يرويه الناس من أمر الزهرة، وأنّها كانت امرأة فُتِنَ بها هاروت وماروت، وما يَروونه من أمر سُهَيل، وأنّه كان عَشَّاراً باليَمن، فقال: كذبوا في قولهم، إنّهما كَوكَبان) (276) .

قال العلاّمة الطباطبائي في مثل هذه الروايات: (وقد رُوي قريب منه في بعض كُتب الشيعة، مَرفوعاً عن الباقر (عليه السلام).

وروى السيوطي أمرَ هاروت وماروت والزهرة نَيفاً وعشرين حديثاً، صرَّحوا بصحَّة طريق بعضها، (وهذه القصّة خُرافيّة تَنسب إلى الملائكة المُكرّمين - الّذين نَصَّ القرآن على نَزاهة ساحتِهم وطهارة وجودهم من الشرك والمعصية - أغلظَ الشِركِ وأقبح المَعصيةِ، وهو عبادة الصَنم والقتل والزنا وشرب الخمر...) (268) .

بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذه الروايات مُعارَضة بروايات أُخرى تَدلُّ على عِصمَة الملائكة من المَعصية، قال أمير المؤمنين في وصف الملائكة: (فليس فيهم فَتْرة، ولا عندهم غَفْلَة، ولا فيهم مَعصِية... ومُسبِّحُون لا يَسأمُون ولا يَغْشاهم نَوم العيون، ولا سَهو العقول، ولا فَتْرة الأبدان، ولا غفلة النسيان) (269) .

الروايات الّتي تَنسب الظُلم إلى الله.

أخرج ابن داود بسَنَده عن رسول الله (ص)، أنّه قال: (الوَائِدة والمَوءُوْدَة في النارِ) (270) .

وعن سَلَمَه بن يزيد الجعفي، قال: (انطلقتُ أنا وأخي وأبي إلى رسول الله (ص)، قال: قُلنا يا رسول الله، إنَّ أُمّنا مَليكة، كانت تَصِل الرَحم وتُقرِي الضَيف وتَفعل وتَفعل، هلكتْ في الجاهليّة، فهل ذلك نافِعُها شيئاً؟ قال: لا، قُلنا فإنّها كانت وأدَتْ أختاً لها، فهل ذلك نافِعها شيئاً؟ قال: الوائِدة والمَوءُودَة في النار، إلاّ أن تُدرِك الوائدة الإسلام

٩٤

ليَعفوا الله عنها) .

قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله، رجال الصحيح (271) .

ولنا أنْ نسأل، ما هو ذَنْب المَوءُوْدَة حتّى تدخل النار، وهي لم ترَ من الدنيا شيئاً ولم تَصل إلى سنِّ التكليف؟!

أليس هذا يُخالِف أُصول العَدل وصريح القرآن الّذي يقول: ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) (272) .

وفي نفس هذا المَعنى روى مُسلِم بسَنَده عن أنسِ: (إنّ رجُلاً قال لرسول الله (ص) أينَ أبي؟ قال: في النارِ، فلمّا قَضَى دَعَاهُ، فقال: إنّ أبي وأباكَ في النارِ) (273) .

ومن المعلوم أنّ عبد الله قد تُوفِي في الفترة قبل البعثة، فكونه في النار يُخالِف قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (274) ، وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ) (275) ، وقال تعالى: ( أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ) (276) .

وَلد الزِنا لا يَدخل الجَنَّة.

رَوى الصَدوق بسَنَده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: (إنّ اللهَ تعالى خَلَقَ الجَنَّة طاهِرة مُطهَّرة، فلا يَدخلها إلاّ مَن طابَتْ وِلادَته) .

وروى أيضاً عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: (يَقولُ ولدُ الزِنا: يا رَبِّ، ما ذَنْبي، فما كان لي في أمْرِي صُنْع؟! قال: فيُنادِيه مُناد، فيقول: أنتَ شَرّ الثلاثةِ، أذنب والداكَ فتُبْتُ عليهما، وأنتَ رِجْس ولن يَدخل الجَنّة إلاّ طاهِر) (277) .

ومثل هذه الروايات تُخالِف أُصول العَدلِ وصَريح القرآنِ، قال أحد العلماء في وَصْفِ هذه الروايات: (وَلَد الزنا حَسب قواعد العدليّة المُطابِقة للمَوازِين العَقليّة

٩٥

والأدلّة القَطعيّة، من أنّه لا تَزِر وازِرَة وِزْر أُخرى، ولا يُعاقَب شَخص بجَرِيمة غيره، فَحَاله إذاً حال سائِر المُكلَّفين، إنْ اختار الطاعة وعَمل الخير، فهو من أهلِ الجَنّة والنَعيم، وإنْ اختار المَعصِية وعَمل الشرَّ كان من أهل الجَحيم، وكُلّ ما في الأخبار مّما يُنافِي هذا فلا بُدّ من تأوِيلِها وحَمْلها على ما لا يُنافِي تلك القاعِدة المُحكَمَة) (278) .

روايات التَجسيم والتَشبيه.

روى أبي داود بسَنَده عن محمّد بن جُبير بن مطعم، عن أبيه، عن جدِّه، قال: (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه) أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتْ الأَنْفُسُ، وَضَاعَتْ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتْ الأَمْوَالُ، وَهَلَكَتْ الأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟! وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّهُ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟! إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ) (279) .

وتُعرَف هذه الرواية عند المُحدِّثين بـ (حديث الأَطِيْطِ)، وهي تُشبِّه الله (سبحانه وتعالى) بصِفات المَخلوقِين، وتُصوِّره راكِباً على العَرش ركوباً هادياً.

وهذا الحديث من أحاديث التَجسيم الّتي لا تَقبل التأويل بأيّ حالٍ من الأحوال، وهي بالإضافة إلى كونِها تُخالِف العَقل، فإنّها تُخالِف القرآنَ مُخالَفة صريحة، قال تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) (280) .

الروايات الّتي تدلّ على استمرار النبوّة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله).

روى ابن مَاجَة في سُنَنِه عن ابن عبّاس، أنّه قال: (لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلهِِ) وَقَالَ: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَلَوْ عَاشَ لَعَتَقَت أَخْوَالُهُ الْقِبْطُ

٩٦

وَمَا اسْتُرِقَّ قِبْطِيٌّ) (281) .

وفي الحديثِ تصريح بإمكان كونه - إبراهيم - نبيّاً، فيما إذا استمرَّت له الحياة، وفي هذا دلالة على أنّ الرسول (ص) لا يعلم أنّه خاتَم النبيِّين، والقرآن يُصرِّح بأنّ النبيَّ (ص) هو الّذي قد خُتمَت فيه النبوَّة: ( وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (282) .

الروايات الّتي تَأمر بمُخالَفة النساء.

أوردَ الحرُّ العامِلي بسَنَده مَجمُوعة من الروايات تَحتَ عنوان (بابُ كراهَة استشارَة النساء إلاّ بقَصد المُخالَفة)، منها:

1 - عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (ـ ذُكِر عنده النساء - فقال: لا تُشاوروهُنّ في النَجوى، ولا تُطيعوهُنَّ في ذي قَرابَة) (283) .

2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إيّاكُم ومُشاوَرة النساء، فإنَّ فِيهنَّ الضَعف والوَهْن والعَجْز) (284) .

3 - عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وإيّاكَ ومُشاوَرة النساء، فإنَّ رَأيهنَّ إلى أفَنٍ، وعَزْمهنَّ إلى وَهن...) (285) .

4 - روى الكُليني بسَنَده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (ذَكَرَ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) النساء فقال: اعصوهُنَّ في المَعروف قبل أن يَأمرنكم بالمُنكَر، وتَعوّذوا بالله من شِرارِهنَّ، وكونوا من خِيارِهنَّ على حَذر) (286) .

5 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (تَعوَّذوا باللهِ من طَاعَة نِسائِكم، وكونوا مِن خيارِهنَّ على

٩٧

حَذر، ولا تُطيعوهنَّ في المَعروفِ فيَأمرنكم بالمُنكَر) (287) .

6 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قال أميرُ المؤمنين: في خلافِ النِساء البَرَكَة) (288) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الّتي تَصبّ في نفس المَعنى.

فإذا أمْكَن توجيه هذه الروايات بأنّها تَخصّ صِنفاً خاصّاً من النساء، فهو، أمّا إذا كانت تَأمر بمُخالَفة النساء حتّى في أمور الخَيرِ، وأنّ الرُشدَ في خلافِها - على نحو القضيّة الحقيقيّة - فهي بلا رَيب مُخالِفة لظواهر القرآن وآياتِه الكثيرة الّتي تأمر بالتَشاور مع النساء، والأخذ برأيهنّ في عدّةِ آيات، منها:

1 - تَشاور الرَجُل مع زوجته فيما يَخصّ القضايا المُتّصلة بالوَلد، قال تعالى: ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) (289) .

2 - الآيات الّتي تدلّ على قَبول رأي المَرأة في العديدِ من القضايا المُهمَّة، مع العِلم أنّ رأي المَرأة كان هو الصَواب في هذه الأمور، وليس العكس منها:

أ - إشارةُ بنتِ شُعيب على أبيها بأنْ يَستأجر موسى (عليه السلام): ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) (290) .

ب - رأي أُخت موسى (عليه السلام) لآل فرعون بأنْ تَتَولّى أُمّ موسى إرضاعه: ( فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) (291) .

ج - رأي زوجة فرعون إلى فرعون بأنْ لا يَتَعرّض إلى موسى بالقَتل: ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (292) .

د - وأخيراً تَصرّف المَلِكة بَلقيس الّذي يَنُمّ عن عقليّة كبيرة وتَصرّف حكيم، فهي لم تَتَصرَّف بالأمور المَصيريّة إلاّ بعد مَشورة ذَوي الخِبرَة: ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي

٩٨

فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ) (293) ، وكيف أنّها لم تَستَصوِب رأيهم في القتال ما لم تَستَخبِر الحال: ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) (294) وكيف أنّها آمَنتْ وأنقَذتْ قومَها لمّا رأتْ دلائِل الحقِّ، والبراهِين المُؤيِّدة لنُبوَّة سُليمان: ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (295) .

هذه هي الرؤية القرآنيّة في مسألة المرأة، وهي حاكِمة على جميع الروايات الّتي تُخالِف هذا المَعنى مُخالَفة بيّنة، ومن الواضحِ أنّ القول بعدم مُشاوَرة النساء على نَحوِ القضيّة الحقيقيّة، مُخالِفة لهذه الرُؤية.

قال أحدُ المُفكِّرين - بعد أن تناول القِصص القرآنيّة الّتي تَتَناول قضيّة المرأة -: (إنّ هدف هذا القصص ليس تَدوين التاريخ وتَوثيق الأحداث، وليس التَسلِية، بل هو التَعليم بذِكْرِ القُدوة العمليّة في مَجال الخير، وذِكْر أمثلة الانحراف والشرِّ؛ للتحذير منها، فهي للعمل والاتّباع، وليست لمُجَرَّد المَعرفة النظريّة، ولا يُعقَل وقوع النَسْخِ في هذا النحوِ من البيان)

ومن هنا يَتَبيَّن أنّه ليس المَقصود في الروايات - إن صحَّت - عدم مُشاوَرة النساء على الإطلاق، وأنه لابُدَّ من مُخالَفتها حتّى وإن كانت على صواب، فإنّ هذا لا يُمكن قبوله بأيّ حالٍ من الأحوال، ولابُدَّ من أن يُراد به نوع خاصّ من النساء، على نحوِ القضيّة الخارجيّة، أو تَخصِيص ذلك بالمرأة غير العاقِلة مثلاً.

الروايات الّتي تُصرِّح بأنّ حقّ المرأة لا يُساوِي واحد من المِئةِ من حقِّ الرَجُل.

روى الكُليني بسَنَده عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّه قال: (جاءتْ امرأةٌ إلى النبيّ (‏صلّى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تُطِيعه ولا تَعصِيه، ولا تصدّق من بيتِه إلاّ بإذنِه، ولا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذنه، ولا تَمنعه نفسها وإن كانت على ظهرِ قَتَّب، ولا تَخرج من بيتِها إلاّ بإذنه، وإن خرجتْ من بيتها بغير إذنه لَعَنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض، وملائكة الغضب وملائكة الرحمة، حتّى تَرجع إلى بيتها.

فقالت: يا رسول الله، مَن أعظم الناس حقّاً على الرجل؟ قال: والدهُ، فقالت: يا رسولَ الله، مَن أعظم الناس حقّاً على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فما لي عليه من الحقِّ مثل ما له عليَّ؟ قال: لا ولا، من كُلِّ مئةٍ واحدة، قال: فقالت: والّذي بَعَثَك بالحقِّ نبيّاً، لا يَملك رَقَبَتي رَجُل) (296) .

٩٩

فمثل هذه الروايات الّتي تجعل حقّ المرأة لا يُساوي واحد إلى المئةِ من حقّ الرجُل، تعارض ظاهر القرآن الّذي يُصرِّح بأنّ للمرأة ما للرجُل تماماً، وله عليها درجة واحدة، وليست كما جاء في الروايات بأنّها لا تملك واحد إلى المئةِ من حقِّ الرجُل، قال تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) (297) .

ولهذا انتَفَضتْ هذه المرأة، وقرَّرتْ أن لا تَتَزوّج أبداً؛ لمُخالَفة ذلك مع أُصول العَدل.

الأكرادُ قومٌ من الجِنِّ.

1 - عن أبي الربيع الشامي، قال: (سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) فقلتُ: إنّ عندنا قومَاً من الأكراد، وإنّهم لا يزالون يَجيئُون بالبَيعِ فنُخالِطَهم، فقال: يا أبا الربيع، لا تُخالِطوهم، فإنّ الأكراد حَيٌّ من أحياءِ الجِنِّ كشفَ الله عنهم الغِطاء، فلا تُخالِطوهم) (298) .

2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: (لا تَشْتَر من السودان، فإنْ كان لابُدَّ فمِن النَوبَة... ولا تنكحوا من الأكراد أحداً؛ فإنّهم جِنس من الجِنّ كُشِفَ عنهم الغطاء) (299) .

وهذه الرواية مُخالِفة للروح العامّة في القرآن، ومَضامِين ومُحتَوى القرآن الكريم.

قال السيّد الشهيد في مثل هذه الروايات: (فمَثلاً لو وَرَدَتْ رواية في ذمِّ طائفة من الناس، وبيان خِسَّتِهم في الخَلْق، أو أنّهم قِسم من الجِنِّ، قُلنا: إنّ هذا مُخالِف مع الكتاب، الصريح في وحدةِ البشريّة جِنساً وحَسباً، ومُساوَاتهم في الإنسانيّة ومسؤولياتها، مهما اختَلَفَتْ أصنافهم وألوانهم) (300) .

١٠٠