الحوادث وفظاعتها بما يعصر القلوب حزناً، ويرهق العيون تأثراً.
ومرة امتد السهر بإحدى الحلقات المنتثرة في فناء المسجد النبوي حتى كادت تحاذي السحر في سهرتها، أو تتجاوزه بقليل وهي تعيد ألماً على ألم، وتجتز حزناً على حزن.
ويلتفت أحد الجالسين إلى صاحبه - وهو متضايق من الحديث الذي يجدد الذكرى المؤلمة، ويعيد عليهم صورة المأساة الفظيعة - قائلاً وهو يقطع الكلمات من الأسى: أما آن لنا أن نطوي حديث الأمويين وفجائعهم، ونحاول أن نخفف عن مصائبنا بما يساعدنا على تحمل مشاكل حياتنا.
ولم يكن الزميل بأقل منه ضيقا ً وبرماً بهذه الأحاديث المروعة، وما أن سمع هذا الرأي حتى استجاب له.
وتسرب الإقتراح للباقين، وكأنه أيقظهم من سبات، ونبههم إلى شيء كان قد غاب عن أذهانهم.. وقالوا: ولنا عند الشيخ أبي معاذ ما نبتغيه، فهو محدث رائع، عذب الأسلوب، حلو الكلمة، ورجل مسنّ جاوز عتبة الثمانين، رافق الأيام فكان فيها عيناً لا تغمض، وعاش الحوادث فحفظ من أخبارها الشيء الكبير.
ولم يلقَ القوم من أبي معاذ أي امتناع، فقد استجاب للطلب وصادف في نفسه قبولاً.
وصار يحدث أصدقاءه في لياليه بما سيمر علينا..