الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر0%

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 286

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: كامل سليمان
تصنيف: الصفحات: 286
المشاهدات: 20809
تحميل: 6912

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20809 / تحميل: 6912
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأمّا الجنّة، ففيها من المأكل والمشرب والملاهي وما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، وأباحَ الله ذلك كلّه لآدم، والشجرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته أن يأكلا منها، شجرة الحسد، عهدَ الله إليهما أن لا ينظرا إلى مَن فضّل الله عليهما وعلى خلائقه بعين الحسد ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) (1) ونظرَ بعين الحسد.

وأمّا قوله: ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ) (2) أي يولد له ذكور، ويولد له إناث يقال كلّ اثنين مقرنَين: زوجان، كلّ واحدٍ منهما زوج - يعني يزوّجهم: يجعلهم أزواجاً: توائم حين يولدون، لا بمعنى الزواج والنّكاح - ومعاذَ الله أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبّستَ على نفسك بطلب الرّخص لارتكاب المحارم ( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) (3) إن لم يتب.

ولا يخفى أنّ يحيى بن أكثم قصدَ اللّواط والسّحاق: أي تزويج الذَكر من الذَكر، والأنثى من الأنثى، يريد بذلك أن يُبرّر لواطه بما لبّسه على نفسه.

فأمّا شهادة امرأةٍ وحدها التي جازت، فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا، فإن لم يكن رضاً فلا أقلّ من امرأتين، تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة؛ لأنّ الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإنْ كانت وحدها قُبل قولها مع يمينها.

وأما قول عليّ (عليه السلام) في الخنثى، فهو كما قال: يرِث من المَبال، ويَنظر إليه قوم عدول يأخذ كلّ واحدٍ منهم مرآةً وتقوم الخنثى وراءهم عريانةً، ويَنظرون إلى المرآة - للمرأة الخنثى - فيرونَ الشيء ويَحكمون عليه.

____________________

(1) طه: 115.

(2) الشورى: 50.

(3) الفرقان: 69 و70.

١٢١

وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاةٍ، فإنْ عَرفها ذَبحها وأحرقها، وإن لم يَعرفها قسّمها الإمام نصفين - أي قسّم الغنم كلّه - وساهمَ بينهما، فإن وقعَ السهم على أحد القسمين فقد انقسمَ النّصف الآخر، ثمّ يُفرّق الذي وقعَ عليه السهم نصفين فيُقرع بينهما، فلا يزال كذلك حتى يبقى اثنتان فيُقرع بينهما، فأيّتها وقعَ السهم عليها ذُبحت وأُحرِقت، وقد نجا سائرها، وسهم الإمام سهم الله لا يخيب.

وأمّا صلاة الفجر والجهر فيها بالقراءة؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يغلّس بها - يُبكّر والظلام مستحكم - فقراءتها من الليل.

وأمّا قول أمير المؤمنين: بشِّر قاتل ابن صفيّة بالنّار (1) ، فهو لقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكان - ابن جرموز - ممّن خرجَ يوم النهروان، فلم يقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة؛ لأنّه عَلِم أنّه يُقتل في فتنة النهروان.

____________________

(1) هو الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى القرشي، وهو ابن صفيّة بنت عبد المطّلب، عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كما أنّه ابن أخي خديجة بنت خويلد (رضي الله تعالى عنها) التي هي زوج الرسول (صلّى الله عليه وآله).

وقد شهدَ حرب الجَمل وقاتلَ فيها عليّاً (عليه السلام)، فذكّره بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إليه: (لتقاتلنّه وأنتَ له ظالم)، فذكرَ ذلك وانصرف عن القتال، فنزلَ بوادي السّباع فأتاه ابن جرموز، فقتلهُ وجاء بسيفه ورأسه إلى عليّ (عليه السلام) فقال: (هذا سيف طالما جَلا الكرب عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! بشِّر قاتل ابن صفيّة بالنّار)؛ وذلك أنّ ابن جرموز استأذنَ في الدخول على عليّ (عليه السلام)، فلم يأذن له وقال للآذن ذلك القول، فقال ابن جرموز:

أتيتُ عليّاً برأس الزبير

أرجو لديه به الزّلفة

فبشّر بالنّار إذ جئته

فبِئس البشارة والتّحفة

وسيّان عندي قَتل الزّبير

وضرطة عنز بذي الجحفة

١٢٢

وأمّا قولك: إنّ أمير المؤمنين قاتلَ أهل صِفّين مُقبلين ومُدبرين وأجهَزَ على جريحهم، وأنّه يوم الجَمل لم يتّبع مولّياً ولم يَجهز على جريحهم، وكلّ مَن ألقى سيفه وسلاحه آمَنه؛ فإنّ أهل الجمل قُتل إمامهم ولم تكن لهم فئةً يرجعون إليها، وإنّما رجعَ القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، ولا محتالين ولا متجسّسين ولا مبارزين.

فقد رضوا بالكفّ عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعواناً، وأهل صِفّين يرجعون إلى فئةٍ مستعدّةٍ وإمام منتصبٍ يجمع لهم السلاح من الرّماح والدّروع والسيوف، ويستعدّ لهم، ويسني لهم العطاء، ويهيّئ الأموال، ويعود مريضهم، ويجبر كبيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم! فإنّ الحُكم في أهل البصرة الكفّ عنهم لمّا ألقوا أسلحتهم؛ إذ لم تكن لهم فئةً يرجعون إليها، والحُكم في أهل صفّين أن يتّبع مُدبرهم، ويجهز على جريحهم، فلا يُساوى بين الفريقين في الحُكم، ولولا أمير المؤمنين (عليه السلام) وحُكمه في أهل صِفّين والجَمل، لمَا عُرف الحُكم في عُصاة أهل التوحيد، لكنّه شرحَ ذلك لهم، فمَن أبى عُرض على السيف أو يتوب من ذلك.

وأمّا الرجل الذي أقرّ باللّواط، فإنّه أقرّ بذلك متبرّعاً من نفسه، ولو لم تقم عليه بيّنة ولا أخذه سلطان، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقِب في الله، فله أن يعفو في الله، أمَا سمعتَ الله يقول لسليمان: ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (1) فبدأ بالمنّ قبل المنع.

قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه، فاعلَم ذلك) (2) .

____________________

(1) ص: 39.

(2) بحار الأنوار: ج 50 من ص 164 إلى ص 172، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 من ص 403 إلى ص 405، وتُحف العقول: من ص 476 إلى ص 481، وحلية الأبرار: ج 2 من ص 441 إلى ص 446.

١٢٣

(فلمّا قرأه ابن أكثم - فشّ انتفاخه وهزلَ ورَمه - وقال للمتوكل: ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيءٍ بعد مسائلي؛ فإنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها، وفي ظهور علمه تقوية للرّافضة) (1) .

أفرأيتَ قاضي السلطان الذي كان يبيع آخرته بدنياه كيف نصحَ ربّه الأرضيّ، ولو أغضبَ ربّ السماوات والأرضين؟!

ورأيتَ كيف ينثال العلم على لسان الإمام الشابّ الذي ينحدر كالسّيل ولا يرقى إليه الطّير؟!!

وشاهَدَت عيناك منظر المجلس المخزي الذي تقوقعَ فيه فقيه السّوء بين يدي (ربّه)، الذي تقوقعَ أيضاً رغم جبروته وفرعنته؟!

إذا كنتَ قد لمست شيئاً من ذلك، فأنتَ إذاً في الطريق نحو معرفة ما يكون عليه الإمام من العلم الموهوب، والفضل الربّانيّ، والتسديد الإلهيّ، والكرامة العلويّة، والحصانة السماويّة، التي تلازمه طيلة حياته كالظّل.

فعلمُ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) من علم الله تعالى اللاّمحدود،.. فهو غير محدود.

ومَن جرّب أن يقطعهم بمسألة عوصاء يا أيّها الخليفة الأحوص الألوص، قطعَ الله تعالى لسانه، وقصمَ ظهره , وأمّا أنت يا قاضي البلاط الخلاّط فقط مددتَ عنقك بالأمس نحو الإمام الجواد أبي إمامنا الهادي (عليه السلام) في مجلس المأمون، فلواها ودقّها ومزّقها، وأزالَ ما حاكَ حولك إبليس.. من تقديس.. أفلا ارعويت؟!

علماء أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم، يغترفون من بحر،.. فما شأن مَن يرتشف قطرة بمنقاره يا بومة القصر؟!

وهم آل القرآن والبيان والأحكام،.. يتهاوى تحت أقدامهم مَن لا يَعرف لِمَ وُضِعت الألف في أوّل حروف الهجاء، ثمّ وضِعت ثانية مع اللام - ألف - في آخرها..

والعيرُ البسيط يحيد عن الجدار إذا ارتطمَ به حِمله أوّل مرّة،.. فما بال القاضي العبيط،.. الرّبيط على معلف السلطان، ينزل إلى الميدان ولو زلّ حافره في كلّ مرّة؟!

***

____________________

(1) المصدر السابق.

١٢٤

وفي ذلك العهد المليء بالخلافات الدينيّة والنزاعات المذهبيّة، العامر بالجدل والنّقاش حول كثير من المسائل التي تمسّ العقيدة في أصول الدّين وفروعه، وفي خَلق القرآن وقِدَمه، وتشمل ما لا يحصى من الفتن الطائفيّة والمشاكل السياسيّة، كان السلطان ومَلأه المأجورون يتحدّون الله تعالى في خلقه، ويقصدون الإمام بالأذيّة ويتآمرون عليه وينصبون له الفخاخ ليوقعوه في زلّة لسان - جلّ عنها - ويدبّرون له المكائد و ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) (1) ويحصيه عليهم، ثمّ ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (2) فيزداد طغيانهم وتتزايد مضايقتهم لوليّه وحجّته وعينه الساهرة، وكلمته العليا التي تفضح باطلهم،.. ولا يزدادون إلاّ مكراً كبّاراً، وعناداً واستهتاراً بكل ما نزلَ من السماء!

فمِن فِتنهم اللّئيمة: أنّهم كانوا يقفون في وجه ترسّله (عليه السلام) عنه كل لقاء، ويستثيرونه بمناسبةٍ وبلا مناسبة،.. ولكن أنّى لهم أن ينتصروا على الله، حين يتصدّون لإذلال مجتباه ومرتضاه!

قيل للمتوكل - بافتراءٍ سافلٍ خبيثٍ -: (إنّ أبا الحسن، يعني عليّ بن محمد بن عليّ الرّضا يفسّر قول الله عزّ وجلّ: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ) (3) في الأول والثاني..

قال: فكيف الوجه في أمره؟

قالوا: تَجمع له الناس وتسأله بحضرتهم، فإن فَسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره، وإن فسّرها بخلاف ذلك افتضحَ عند أصحابه.

قال: فوجّه إلى القضاة، وبني هاشم، والأولياء.

وسُئل (عليه السلام)، فقال: (هذان رجلان كنّى عنهما، ومَنّ بالسّتر عليهما، أفيُحبّ أمير المؤمنين أن يُكشف ما سترهُ الله)؟

فقال: لا أحبّ) (4) .

____________________

(1) النساء: 108.

(2) البقرة: 15.

(3) الفرقان: 27.

(4) بحار الأنوار: ج 50 ص 214 نقلاً عن كتاب الاستدراك عن ابن قولويه.

١٢٥

.. وبار ما هم فيه، وفضحَ الله سبحانه تآمرهم الباطل لمّا وضَعَهم الإمام (عليه السلام) في موقف خصومةٍ مع الله عزّ اسمه! فإن رغبوا في كشف ما سترهَ الله تعالى كانوا كافرين،.. وإن سَكتوا ورضوا بقول الإمام ( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ) (1) وطارت فِرْيتهم مع النّسر الطائر.

أمّا نصّ الآيتين الشريفتين فهو: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ) والرجلان اللّذان كنّى سبحانه عنهما هما المعنيّان بلفظتَي: الظالم، وفلاناً ، وهو جلّ وعزّ لم يُسمّهما ولا أشارَ إليهما بشيء مميّزٍ لأحدهما أو لكليهما، وتفضّلَ بعدم التصريح باسميهما تكرّماً منه من جهة، وليُعلّمنا أدب الحديث وحسن الكناية في الأمور العامة والخاصة من جهة ثانية، فجاء بهذا السّتر على (الظالم) الذي لم يتّخذ سبيل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، واتّبع (فلاناً) الذي أضلّه عن سبيل ربّه وسبيل رسوله الكريم، ودفعَ به في سبيلٍ آخر لا يُرضي الله تعالى ولا رسوله.

فالكناية تتناول (الظالم) الذي سترَ عليه ربّه، وكلّ ظالم يسلك طريقاً غير طريق ربّه ونبيّه بدافع من صديقه أو قريبه، أو أسرته أو عشيرته، أو ما يمكن أن نسمّيه (فلاناً) أو فُلَيتاناً،.. فليس في الآيتين أيّ تصريح بأحدٍ بالعين والذات، ولا أيّ تلميح بذلك الظالم وذلك الفلان، وجواب الإمام (عليه السلام) هو جواب الله تعالى من فوق عرشه؛ ولذلك أسكتَ به الخليفة الذي ربّما كان كذلك (الظالم) أو كان مندرجاً تحت العنوان، وكمّ أفواه القضاة وبني هاشم والأولياء الذين ربّما كان يندرج بعضهم تحت عنوان (فلان)، وبُهت كلّ مفترٍ سَمع بذلك أو يسمع به فيما بعد؛ لأنّه يضع نفسه موضع خصومة مع الله، واعتراضٍ على قوله الحكيم.

____________________

(1) الأعراف: 118 و119.

١٢٦

هذا، وإنّ الكشف عمّا سترهُ الله جلّ وعلا لا يجوز؛ لأنّه لو شاءَ الكشف أو رضيَ به لكشفَ هو ولكانَ الحريّ بالتصريح، الجدير بالمبادهة، الأجرأ على فضح ما عَلِم، الأقدر على ذرّ الرّماد في عيون الظالمين والفلانيّين،.. فكيف يجوز أن نخالف صريح ما أنزلَ سبحانه في كتابه الكريم، وفصيح ما نَطقَت به الآيتان الكريمتان؟!

ويا خليفة المسلمين، متى كان الفقه المزوّر الذي يَسنّه الحاكم الظالم، قادراً على أن يكفيك أمره إمام يحمل ما سَنّه الحاكم العدل تبارك وتعالى؟ وهل يستطيع الفقه (الموجّه) أن يخوض في آيات الله ويؤوّلها برأيه بمحضر ترجمان القرآن العالِم بسنّة نبيّ الرحمان؟ لقد جرّبتَ أنت وأسلافك، وجرّكم فقهاء السوء إلى كل موبقةٍ فما اتّعظتم،.. وكان الأحجى أن تتفكّروا وتتدبّروا.. ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (1) ؟!.

***

قال أبو عبد الله الزبادي: (لمّا سُمّ المتوكل نذرَ إن رزقهُ الله العافية أن يتصدّق بمالٍ كثير.

فلمّا عوفيَ اختلفَ الفقهاء في المال الكثير، فقال له الحسن - حاجبه -: إنْ أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب، فما لي عندك؟

قال: عشرة آلاف درهم، وإلاّ ضَربتُك مئة مقرعة.

قال: قد رضيت.

فأتى أبا الحسن (عليه السلام) فسألهُ عن ذلك؟ فقال: (قل له يتصدّق بثمانين درهماً.

فأخبرَ المتوكل، فسألهُ ما العلّة؟

فأتاه فسأله؟ قال (عليه السلام): إنّ الله تعالى قال لنبيّه (صلّى الله عليه وآله): ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) (2) فَعدَدنا مواطن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فبلَغت ثمانين موطناً).

____________________

(1) محمد: 24.

(2) براءة: 25.

١٢٧

فرجعَ إليه فأخبرهُ، ففرحَ وأعطاه عشرة آلاف درهم) (1) .

فللّه هذه البديهة العجيبة التي تعطي صورةً واضحةً عن غزير علم الإمام الذي أخذَ الحكم من الآية الكريمة؛ لأنّ الله عزّ اسمه لم يضع في كتابه الكريم شيئاً إلاّ ولهُ مدلول خاصّ أو عام، وقد أنزلَ سبحانه عبارة ( مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) في الآية منزل (ثمانين موطناً)،.. فتباركَ الذي اصطفاه حجّةً على الخلق، ولم يُغيّب عنه حُكماً ولا حَجب علماً.

ولو اجتمعَ مع الخليفة وزراؤه وقُضاته وسائر المستكبرين، على قطع الإمام سلام الله عليه بمسألة ما قطعوه، ولا وصلوا إلى إدراك ما هو عليه من العلم والفضل؛ لأنّ عِلمه من علم الله تعالى الذي لا ينفد، وفضله عطاء إلهيّ وعطاء الله تعالى ليس له حد،.. ولكنّهم لا يريدون أن يستوعبوا هذا المعنى فيه سلام الله عليه، ولا في نيّتهم أن يعترفوا بما خَلعه الله سبحانه عليه من عَظمته التي لا يقوم لها شيء، بالغاً ما بلغَ ذلك الشيء من الجبروت والاستكبار، فقد انتدَبه تعالى لأن يكون أحد حَمَلة أحكامه في الأرض، وجَعله الناطق بكتابه وبسنّة نبيّه دون سائر مَن لاث عمامةً، وأسبلَ لحيةً عريضةً، ولبسَ ثوباً دينيّاً فضفاضاً، وتصدّى للحكم في الدّماء والأموال والأعراض!

***

____________________

(1) بحار الأنوار: ج 50 ص 162 - 163، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 402، والاحتجاج: ج 2 ص 453 - 454، وتحف العقول: ص 481، وفي الكافي: م 1 ص 463 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه بلفظ آخر.

وفي معاني الأخبار: ص 218 روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال في رجل نذرَ أن يتصدّق بمالٍ كثير: الكثير: (ثمانون فما زاد؛ لقول الله تبارك وتعالى: ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) وكانت ثمانين موطناً). وهو في تذكرة الخواص: ص 374 مرويّ عن يحيى بن هرثمة مع زيادة (حيث أكرمَ المتوكل الإمام (عليه السلام) وأرسلَ له مالاً جزيلاً يتصدّق به هو أيضاً بما أحبّ). وهو في حلية الأبرار: ج 2 ص 447 - 448 مع فرق بسيط.

١٢٨

وقال جعفر بن رزق الله: (قُدّم إلى المتوكل رجل نصرانيّ فجَرَ بامرأةٍ مسلمةٍ، فأراد أن يُقيم الحدّ عليه فأسلَم، فقال يحيى بن أكثم: الإيمان يمحو ما قبله، قد هدّمَ إيمانه شِركه وفِعله، وقال بعضهم: يُضرب ثلاثة حدود،.. وقال بعضهم: يُفعل به كذا وكذا،.. فكتبَ المتوكل إلى عليّ بن محمدٍ يسأله.

فلمّا قرأ الكتاب كتبَ: (يُضرب حتى يموت.

فأنكرَ يحيى، وأنكرَ فقهاء العسكر ذلك فقالوا: يا أمير المؤمنين، سَله عن ذلك؛ فإنّه شيء لم ينطق به كتاب ولم يجئ به سنّة.

فكتبَ إليه: إنّ الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا: لم يجئ به سنّة ولم ينطق به كتاب، فَبيِّن لنا لِمَ أوجبتَ علينا الضرب حتى يموت؟

فكتبَ إليه: (بسم الله الرّحمن الرّحيم ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا... )) (1) .

قال: فأمرَ المتوكل فضُرِب حتى مات) (2) .

فيا قُضاة الأثواب الزاهية المعطّرة، ما أدراكم بما نطقَ به الكتاب وجاءت به السُنّة وأنتم في حالة تخمةٍ من أطايب الطعام، جَعلت أفكاركم تختبط وعقولكم تختلط؟! ولكأنّي بأثوابكم لم يفُح منها شذى الطّيب والعطر بعد أن غَرقت بعرَق الخيبة والفشل، وانتشرَت منها روائح الكروش التي يتكدّس فيها الحرام يوماً بعد يوم، حين نزلَ حُكم الله تعالى على رؤوسكم نزول الصاعقة الماحقة! فقوموا بروائح نتن جهلكم الذي تريدون أن تقابلوا به عِلم الله المتجلّي على لسان عبده الصادع بأمره الناطق بوحيه.

لقد غَلطتم جدّاً حين اعتمدتم على أنّ القاضي إذا أصابَ فله حَسنتان، وإذا أخطأ فله حَسنة؛ لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال:

____________________

(1) الآيتان في غافر: 84 – 85، وانظر الاحتجاج: ج 2 ص 454، وبحار الأنوار: ج 50 ص 172، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 405 - 406، وحلية الأبرار: ج 4 ص 447.

(2) المصدر السابق.

١٢٩

(مَن أفتى الناس بغير عِلم، فليتبوّأ مقعدهُ من النّار) (1) ، فالحَسنتان عند إصابة الحُكم، والحَسنة عند الخطأ، مشروطة بالعلم وموازين الحُكم وكيفية استنباطه من القرآن والسُنّة وفْق قواعد أصوليةٍ، وأوامر فقهيةٍ يقطع بموجبها الحاكم في حكمه،.. وإلاّ فلا حُكم ولا حاكم في ميزان الشرع الشريف عند مَن يَحكم بغير علمٍ ولا فقهٍ وعَينُه على الرّغيف!

وعن موسى بن بكر أنّ أبا الحسن (عليه السلام)، قال: (مَن أفتى الناس بغير علم، لعَنَته ملائكة الأرض وملائكة السماء) (2) .

وإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ولّى القضاء لشريح قال: (يا شريح، قد جلستَ مجلساً لا يجلسه إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ، أو شقيّ) (3) ؛ وبناءً على ذلك لا يكون القضاء في الدين - بعد وفاة النبيّ - إلاّ للإمام، أو لنوّابه من العلماء المجتهدين الذين يستنبطون الأحكام الشرعيّة من أدلّتها القطعيّة - من الكتاب والسُنّة -.

وهيهات أن تجد مَن كانت عنده هذه المَلَكة من آلاف وآلاف المعمّمين، الذين يَعرف (العالِم) منهم بعض فتاوى الشرع، ويجهل أدلّتها تمام الجهل! فوقوفكم في وجه فقه الإمام (عليه السلام) وفضله وولايته، مصداق لقوله عزّ وجلّ: ( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ - وهو الإمام - كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) (4) وهم أنتم وجميع مَن لفّ لفّكم من عبيد البطون والفروج ولذائذ الحياة.

وأنتَ يا سلطان هذه الزّمرة المزيّنة لك حُسن ما أنت فيه، تسمع وترى،.. وتستحقّ الشفقة - لو كانت تجوز عليك الشَفقة -؛ لأنّك محاط بأبالسةٍ موسوسين يعِجّ بهم قصرك، والواحد منهم يكفي لإطغاء المرء وإلباسه ثوبه مقلوباً،.. ولكنّك شيخهم، وأصابعك تُحرّكهم وتُملي لهم، وطَمَعهم بما في يديك من المال والجاه يَجتذبهم كما يجتذب الطعام الدّسم أفواج الذّباب.

____________________

(1) الوسائل: م 18 ص 16.

(2) المصدر السابق.

(3) الوسائل: م 18 ص 7.

(4) محمد: 14.

١٣٠

ويا فضيلة قاضي قضاة السلطان، ويا زملاءه الذين أنكروا حُكم الإمام، قد جاء في الخبر الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قوله: (القضاة أربعة: ثلاثة في النار، وواحد في الجنّة:

رجل قضى بجورٍ وهو يعلم، فهو في النّار.

ورجل قضى بجورٍ وهو لا يعلم، فهو في النّار.

ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم، فهو في النّار.

ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم، فهو في الجنّة) (1) .

وقد روى أنس بن مالك أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال:

(لسانُ القاضي بين جمرتين من نارٍ حتى يقضي بين النّاس، فإمّا إلى الجنّة، وإمّا إلى النّار) (2) ( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (3) يا يحيى بن أكثم، ويا جميع المائلين عن الحقّ المجانبين للإمام المفترض الطاعة!.

***

أجل، كان المتوكل على حقده، ومع هؤلاء وأمثالهم يعمل جاهداً في إطفاء نور الله في إمامنا الشابّ، الذي رصَدته القدرة الإلهيّة لهداية النّاس وإحقاق الحقّ وإبطال الباطل،.. وسَها عن باله أنّ حربه كانت حرباً لمشيئة الله عزّت قدرته، وتعدّياً على أوليائه، وانتهاكاً لحرماته،.. وغابَ عن ذهنه أنّه أعجَز من أن يطفئ نور الشمس، وأنّه لا يَخرق الأرض ولا يبلغ الجبال طُولاً، وأنّ له من واسع سلطانه موضع قبر ليست رقدته فيه بمريحة، وأنّه تأمّر على المسلمين باسم الإسلام وكان يجتهد في الكيد لنَقَلة الشّرع وتراجمة الوحي،.. ثمّ استجازَ لنفسه اختيار الوزير، والمشير، والقاضي، والموظّف ليوطّدوا له سلطانه،.. ووقفَ في وجه اختيار الله سبحانه لواحدٍ من خلفائه في أرضه وملكوته الواسع!!

____________________

(1) الوسائل: م 18 ص 11.

(2) الوسائل: م 18 ص 157.

(3) طه: 72.

١٣١

وأنا لا أعرف كيف كان هو وأسلافه يُعلّلون حربهم الشعواء لأهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وهم يحكمون باسمه ويدّعون أنّهم على دينه الذي جاء به عن ربّه! ولم أهتدِ إلى تبرير لعداوتهم الضارية لأهل الدّين، وهم (أمراء مؤمنين)! ولا أعرفُ لهم عذراً بين يدي سلطان السلاطين في قَتل أبناء عليّ سوى إطفاء نور الله في مَن خُلِقوا من نوره!

***

لقد نزلَ هذا المتوكل مع الشيطان إلى الدّرك الأسفل من الضّعة، وسَلكَ مسلك أبناء الأزقّة في محاولاته الدنيئة للتصغير من مقام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، فما ازدادَ إلاّ رفعةً وكرامةً؛ لأنّه لا واضِعَ لِما رفعَ الله، ولا رافِع لِما وضَعهُ سبحانه،.. فقد قال أبو الطّيب المثنّى يعقوب بن ياسر (المديني):

(كان المتوكل يقول: ويحَكم، قد أعياني أمر ابن الرّضا، وجهدتُ أن يشرب معي وينادِمني، فامتنعَ، وجهدتُ أن أجد فرصةً في هذا المعنى فلم أجدها!

فقال له بعض مَن حضر: إن لم تجد من ابن الرّضا ما تريده في هذه الحال، فهذا أخوه موسى المبرقع قصّاف عزّاف - أي شارب للخمر، لاهٍ بآلات الطرب - يأكل ويشرب، ويعشق ويتخالع، فأحضِره وأشهِره؛ فإنّ الخبر يشيع - يُسمع - عن ابن الرّضا بذلك، فلا يُفرّق الناس بينه وبين أخيه، ومَن عَرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله.

فقال المتوكل: اكتبوا بإشخاصه مكرّماً، وجيئوا به حتى نُموِّه به على النّاس ونقول: ابن الرّضا.

فكتبَ إليه فأُشخص مكرّماً،.. فتقدّم المتوكل - أي أمرَ - بأن يتلقّاه جميع بني هاشم، والقوّاد، وسائر الناس، وعملَ على أنّه إذا وافى - وصلَ - أقطِعه قطيعة - وَهبهُ ضيعة يأكل غلّتها - وبنى له فيها وحوّل إليه الخمّارين والقِيان - المغنّيات - وتقدّم بصِلته وبِرّه وأفردَ له منزلاً سريّاً - عليّاً - يصلح أن يزوره هو فيه.

١٣٢

فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن (عليه السلام) في قنطرة وصيف - وهو موضع يتلقّى فيه القادمون - فسلّم عليه ووفّاه حقّه، ثمّ قال له: (إنّ هذا الرجل - أي المتوكل - قد أحضركَ ليهتِك أمرك ويَضَع منك، فلا تقرّ له أنّك شربتَ نبيذاً قط، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً - محرّماً -

فقال له موسى: وإنّما دَعاني لهذا، فما حيلتي؟!

قال (عليه السلام): فلا تَضع من قَدرك، ولا تعصِ ربّك، ولا تفعل ما يشينك، فما غرضهُ إلاّ هَتكك.

فأبى عليه، فكرّر عليه أبو الحسن القول والوعظ، وهو مقيم - مصمّم - على خلافه..

فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال: أمَا إنّ المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه، لا تجتمع أنت وهو أبداً)!

قال: فأقام موسى ثلاث سنين يُبكّر كلّ يوم إلى باب المتوكل، فيقال له: قد تشاغلَ اليوم فرُحْ، فيروح، ويُبكّر فيقال له: قد سكرَ، فبكّر، ويُبكّر فيقال له: قد شربَ دواءً، فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قُتل - المتوكل - ولم يجتمع معه على شراب!) (1) ، فمن أهمّ آيات الإمام (عليه السلام) في هذه المناسبة: أنّه أخبرَ أخاه بعدم التوفيق للاجتماع مع الخليفة على مائدة شرابٍ،.. فكان كما أخبر..

ومن المفروض - مبدئياً - أن يقيم خليفة المسلمين الحدّ على شارب الخمر!

والمأمول منه أن لا يشربها هو على الأقل إذا فَسدت رعيّته بأكملها!

فما بال هذا الخليفة يشربها ويدعو إليها؟!.. وسَلوه معي: لِمَ أعياه أمر ابن الرّضا (عليه السلام)، ولم يَعيه إقامة حدود الله وإشاعة العدل في سلطانه؟!

أوَ لم يكن الأجدر به أن يجتهد في رفع قدر نفسه إلى موازاة قدر مَن هو أرفع منه وأشرف؛ ليكون لائقاً بإمارة المؤمنين؟!

____________________

(1) الإرشاد: ص 312، وكشف الغمّة: ج3 ص 171، وإعلام الورى: ص 345 - 346، وبحار الأنوار: ج 50 ص 159 - 160، والكافي: م 1 ص 502، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 409 - 410، ومدينة المعاجز: ص 541، وحلية الأبرار: ج 2 ص 458 - 459.

١٣٣

وهلاّ كان عليه أن يجاهد نفسه في محاولة ترك السُّكر وارتكاب المعاصي والآثام،.. وهو يدّعي اعتناق الإسلام، ويتقمّص خلافة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؟! وما بالهُ لم يُتعب نفسه في تقوى الله وامتثال أوامره بمقدار ما امتثلَ أمر نفسه الأمّارة بالسوء، وأمره الهمّازين المشّائين الذين قادوه بلحيته إلى حتفٍ فَتحَ عليه باب آخرةٍ لا أسوأ ولا أشدّ عذاباً منها؟!

كان الأليَق به أن يعيى بإصلاح نفسه، لا بمحاولة إفساد إمام منصّب من ربّه، معصومٍ عن الزّلل والخطل! ولكنّ العباسيين كانوا يرون أنّ المُلك عقيم، واختاروا بسبيله النّار وغضب الجبّار،.. فأين كان منهم العقل، والفهم، والحكمة؟! لقد أخطأوا حين لم يكونوا أمراء مؤمنين بمقدار ما كانوا فراعنةً متربّبين،.. ونفخوا في رمادٍ وعثيرٍ فكانت عاقبتهم عاقبة مَن تفرعنَ وتربّب وتجبّر،.. وما استطاعوا أن يطفئوا قرص الشمس، ولا أن يمنعوا حرارتها عن الأحياء، ولا أن يمنعوا الهواء عن أن يتنفّسه الوليّ والعدوّ على السّواء، ولم يُنزلوا المطر إذا انحبسَ، ولا أوقفوه حين انبجسَ، ولا وقفوا في وجه خالق الكائنات ولا مَلكوا عطاء الله، ولا مَنعه، ولا ضرّه، ولا دفعه،.. بل تجرّأوا على مآثم تهتزّ منها الأرض وترتجّ،.. وذهبوا بأوزار ذلك كلّه..

***

قال أبو محمد الفحّام، بالإسناد إلى سَلمة الكاتب - في قصر الخليفة -:

(قال خطيب يلقّب بالهريسة للمتوكل: ما يعمل أحد بك أكثر ممّا تعمله أنت بنفسك في عليّ بن محمدٍ، فلا يبقى في الدار إلاّ مَن يخدمه، ولا يتعبونه بشيل سَترٍ ولا فتح باب! وهذا إذا عَلمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للأمر - أي للخلافة - ما فعلَ به هذا،.. دَعه إذا دخلَ يشيل السَتر لنفسه، ويمشي كما يمشي غيره، فتمسّه بعض الجفوة!

فتقدّم - أي أمرَ - المتوكل أن لا يُخدم ولا يُشال بين يديه سَتر..

ولم يكن أحد كالمتوكل يهتمّ بالخبر - أي يعطي أُذنه للوشاة والنّمامين ورجال الاستخبارات -.

١٣٤

قال: فكتبَ صاحب الخبر إليه: إنّ عليّ بن محمدٍ دخلَ الدار فلم يُخدم ولم يَشِل أحد بين يديه ستراً، فهبّت هواء رَفع السّتر له، فدخل!

فقال المتوكل: اعرفوا خبر خروجه.

فذكرَ صاحب الخبر: هواء خالفَ ذلك الهواء، شالَ الستر له حتى خرج!

فقال - المتوكل -: ليس نريد هواءً يشيل السّتر! شيلوا السّتر بين يديه) (1) .

وفي تخريج أبي سعيدٍ العامريّ، رواية عن صالح بن الحكم بيّاع السابريّ، قال:

(وكنت واقفيّاً - غير قائلٍ بإمامة ابن الرّضا (عليه السلام) - فلمّا أخبرَني حاجب المتوكل بذلك - أي بشَيل الهواء للسَتر حالَ دخول الإمام - أقبلتُ أستهزئ به، إذ خرجَ أبو الحسن، فتبسّم في وجهي، من غير معرفةٍ بيني وبينه، وقال:

(يا صالح، إنّ الله تعالى قال في سليمان: ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) (2) ونبيّك وأوصياء نبيّك أكرم على الله من سليمان).

قال صالح: وكأنّما انسلّ من قلبي الضلالة، فتركتُ الوقْف) (3) - أي قال بإمامته (عليه السلام) -.

فيا أيّها الخطيب الملّقب بالهريسة، لو لم يكن عقلك مختبطاً مختلطاً كما يختبط ويختلط لحم الهريسة بمائها وبُرّها ودهنها وملحها، لمَا لقّبوك بهذا اللّقب الذي هو على وزن الفطيسة! والله تعالى قد عَلم بإشفاقك على سيّدك الذي يملأ بطنك، ولقّاك خزياً وأنت في المجلس ذاته،.. ثمّ عَلم بمكيدة سيّدك وبما بيّته من احتقار وليّ الله، فسخّر له الرّيح تجري بأمره؛ ليطّلع الناس على سرّه،.. وهو سبحانه يرقب الأفّاكين ( وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (4) فأطلعَ وليّه على ما بيّتوا له، فأراهم آيات ربّهم التي فَضحت مكيدتهم.

____________________

(1) بحار الأنوار: ج 50 ص 128 وص 203 بلفظ قريب، وهو في مدينة المعاجز: ص 542، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 406 - 407 ملخّصاً.

(2) ص: 36.

(3) بحار الأنوار: ج 50 ص 203 - 204، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407.

(4) النساء: 108.

١٣٥

ولا يخفى أنّ الإمام (عليه السلام) قد عرفَ ما في نفس صالح بن الحكم، وعَلم استهزاءه بخبر الحاجب عن هبوب ريح شالت السّتر بين يديه، وعرفَ - أيضاً - أنّ صالح بن الحكم وقفَ يتفحّص ذلك بنفسه حين خروجه، ففجأه بذكر اسمه الذي كان يعتقد صالح أنّه لا يعرفه، ثمّ أردفَ بذكر الآية البيّنة والحجّة الدامغة، فانتزعَ الحيرة من نفسه وردّه إلى جادّة الصواب والاعتراف بالحقّ لأهله..

فما بال الخليفة.. (طويل الأذنين) من شدّة اهتمامه بالأخبار التي يأتيه بها حاكة الدسائس، لا تنسلّ من قلبه الضلالة حين يرى الآيات والمعجزات؟! لقد ألهاهُ اهتمامه بالحطّ من شأن سفير الله،.. فضلّ عن الحقّ ضلالاً كبيراً، وخسر خسراناً مبيناً..

ولو أنّه استفادَ من فهمه وعلمه وعقله، لقرّب الإمام وأدناه، وأجلّه وتفدّاه بحقّ وحقيقةٍ؛ لظهور علمه وفضله، وبقرب منزلته من ربّه، وإكراماً لعينَي جدّه (صلّى الله عليه وآله)، وهو ينزو على منبره كما نزا القِرَدة من الأمويّين والعباسيّين،.. ولو فكّر بعين البصيرة لسلكَ مسلكاً يُخلّصه غداً من زبانية جهنّم وملائكة العذاب، حين يدعّون (المتأمّر) على الناس باسم رسول الله، بغير استحقاقٍ، إلى نار جهنّم دعّاً؛ لأنّه قعدَ مقعداً يُغضب الله، وسارَ سيرة تستنزل النّقمة..

***

وروي أنّ أبا محمد الفحّام قال:

(دخلَ الإمام (عليه السلام) على المتوكل يوماً، فسأل المتوكل ابن الجهم: مَن أشعر النّاس؟ فذكرَ شعراء الجاهليّة والإسلام.

فقال المتوكل: يا أبا الحسن، مَن أشعر الناس؟

قال: (فلان بن فلان (1) حيث يقول:

لقد فاخَرَتنا من قريش عصابة

بمدّ خدودٍ وامتداد أصابع

فلمّا تنازعنا القضاء قضى لنا

عليهم بما فاهوا نداء الصّوامع

تَرانا سكوتاً والشهيد بفضلنا

عليهم جهير الصّوت في كلّ جامع

فإنّ رسول الله أحمد جدّنا

ونحن بنوه كالنّجوم الطّوالع

____________________

(1) هو الحمّانيّ، من تميم، من العدنانية: أبو زكريّا، يحيى بن عبد الرّحمان بن ميمون الكوفي.

١٣٦

قال - المتوكل -: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟

قال (عليه السلام): أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله.. جدّي أم جدّك)؟!

فضحكَ المتوكل كثيراً ثمّ قال: هو جدّك، لا ندفعك عنه) (1) .

وإنّه لضحك الممثّل البارع على خشبة المسرح؛ لأنّه انتزعهُ من قلبه العامر بالحقد انتزاعاً، إذ عَلِم ما قصده أبو الحسن (عليه السلام) من مدح.. وقدح! ولكنّه ضَحِكٌ كانت تظهر فيه صورة التكشير عن الأنياب الناقعة بالسّم بوضوح،.. وليس أجرأ على الله من (خليفة المسلمين) يفتعل مجلس عبثٍ ولهوٍ ومفاضلةٍ بين الشعراء؛ ليُنزل الإمام إلى نقاشٍ تافهٍ ليس من وظيفته السماوية، وليوقفه بمقابل عليّ بن الجهم، الذي كان أشدّ النّاس عداوةً لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبنائه (عليهم السلام)، ثمّ يحاول أن يجعل منه سميراً من سمّار القصر ونديماً من ندمان موائد القصف! ولكنّ الإمام عرفَ كيف يطعنه في الصمّيم، حين تلا أبياتاً من الشِعر أذلّت نفسه في عين نفسه، ولوَت كبرياءه وعنجهيّة آبائه الذين اتّخذوا مال الله دُوَلاً وعباده خوَلاً، وزيّف الكبرياء والعزّة حين تكونان لغير الله ورسوله، وبغير الدّين وطاعة ربّ العالمين.

***

وممّا لا شكّ فيه أنّنا إذا اتّهمنا المتوكل بالغباء، نكون من أغبى الأغبياء،.. ولكنّنا نحار في تصرّفاته التي انحصرت في الغضّ من جاه الإمام، مع علمه بما هو عليه من العناية الربّانيّة.

فإنّه قد عَرضَ إليه بالسّوء كثيراً، وواقعه مراراً، ونازلَ قدرة الله تعالى فيه مراراً وتكراراً،.. فقد ذكر المحقّق الإربلي: (أنّه عرضَ عسكره - وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ مَن رأى - وأمرَ كلّ فارس أن تُملأ مخلاة فرسه طيناً، ويطرحوه في موضع واحدٍ - بعضه فوق بعض في وسط بريّةٍ واسعةٍ هناك - فلمّا فعلوا صار مثل جبلٍ عظيم؛ واسمه تلّ المخالي.

____________________

(1) بحار الأنوار: ج 50 ص 128 - 129 وص 190 - 191، ومناقب آل أبي طالب: ج4 ص 406، ومدينة المعاجز: ص 542.

١٣٧

وصعدَ هو فوقه، واستدعى أبا الحسن (عليه السلام)، واستصعده وقال: إنّما طلبتك لتشاهد خيولي،.. وكانوا قد لبسوا التجافيف - دروع الخيل - وحملوا السلاح، وقد عرضوا بأحسن زينةٍ، وأتمّ عدّةٍ، وأعظم هيئةٍ،.. وكان غرضهُ أن يكسر قلب كلّ مَن يريد أن يخرج عليه، وكان يخاف من أبي الحسن أن يأمر أحداً من أهل بيته بالخروج على الخليفة.

فقال أبو الحسن صلوات الله عليه: (فهل أعرضُ عليك عسكري؟!

قال: نعم.

فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مُدجّجون - لابسون للسلاح - فغُشيَ على المتوكل!

فلمّا أفاق، قال له أبو الحسن: نحن لا ننافسكم في الدّنيا؛ فإنّا مشغولون بالآخرة، فلا عليك شيء ممّا تظن) (1) .

ولكن أنّى لقولة الإمام أن تدخل إلى سمع خليفةٍ أعطى أُذنيه للوشّائين، ووضعَ لحيته في أيدي المشّائين بنميم! وأنّى لها أن تدخل بسهولة إلى قلبه المظلم؛ فإنّ الكره لا ينقلب إلى حبّ على الماشي عند عَبدة الدّنيا، والخليفة هذا محاط بكَذَبةٍ يزيّنون له الأمور، ويضعون رأسه في سعير التنّور!

فدلّوني متى كان هذا (المتوكل) متوكلاً على الله أثناء خلافته، وقبلها؟!

الخليفةُ والعشيرة يقعون في الحفيرة!

يقول المَثل: مَن حفرَ بئراً لأخيه، وقعَ فيها ! والمَثل ذو دلالةٍ صادقةٍ؛ لأنّه لا يوضع إلاّ بعد آلاف التجارب الصائبة، ولذلك قالوا: إنّ المَثل نبيّ؛ لأنّه لا ينطق إلاّ بالحقّ والصّدق.

____________________

(1) الأنوار البهية: ص 253 - 254، وكشف الغمّة: ج 3 ص 185، وبحار الأنوار: ج 50 ص 155 - 156، ومدينة المعاجز: ص 551، وحلية الأبرار: ج 2 ص 475 - 476.

١٣٨

وإمامنا (عليه السلام) كان يعاشر الحاكمين وسائر الحاكمين وسائر الظالمين له بتمام العفويّة والترسّل؛ لأنّ الله تعالى حين نصّبه لهذا الأمر الخطير، قلّده بكلّ ما يجعله على مستوى اختياره السماويّ، وأطلعهُ على خفاياهم وخفايا النّاس جميعاً ليكون جديراً بتمثيل ظلّه سبحانه على الأرض، يعلم كثيراً من غيبهم ويطّلع على أعمالهم ولا تفجأه مكائدهم، فسارَ فيهم سيرة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع جبابرة قريش وعتاة المشركين في مكّة وما حولها، يصدقهم القول، ويمحضهم النّصح، ويبذل قصارى جهده في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الضلال، ولكنّهم كانوا يَغِشّون إذا نصحَ، ويتكبّرون إذا تواضعَ، ويجافون إذا تقرّب، رغم أنّه لم ينازعهم سلطاناً ولا رغبَ في منصب، بل كان كلّما قدّم لهم نصحاً قابلوه بسوء!

فقد روى علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن محمد الطاهري أنّه قال: (مرض المتوكل من خُرّاج - دمّل - فأشرفَ على الموت، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة، فنَذرت أمّه إن عوفيَ أن تحمل إلى أبي الحسن، عليّ بن محمدٍ (عليهما السلام) مالاً جليلاً من مالها.

وقال الفتح بن خاقان للمتوكل: لو بُعث إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن (عليه السلام) - فَسألته، فإنّه ربّما كان عنده صفة شيءٍ يُفرّج الله تعالى به عنك.

فقال: ابعثوا إليه.

فمضى الرسول.. ورجعَ فقال: قال أبو الحسن (عليه السلام): (خذوا كُسْب الغنم - أي عصارة دهنه - فديفوه بماء الورد - اخلطوه به - وضَعوه على الخرّاج؛ فإنّه نافع بإذن الله..).

فجعلَ مَن يحضر المتوكل يهزأ من قوله.

فقال لهم الفتح بن خاقان: وما يضرّ من تجربة ما قال؟! فو الله إنّي لأرجو الصلاح به.

فأحضروا الكُسْب، وديفَ بماء الورد، ووضِع على الخُرّاج، فانفتحَ وخرجَ ما كان فيه.

وبُشّرت أمّ المتوكل بعافيته، فحَملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.

واستقلّ - شُفي - المتوكل من علّته.

١٣٩

فلمّا كان بعد أيام، سعى البطحائي (1) بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل وقال: عنده أموال وسلاح.

فتقدّم المتوكل إلى سعيد الحاجب - الذي كان من ألأم حجّابه - أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما عنده من الأموال والسلاح، ويُحمل إليه!

قال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرتُ إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل ومعي سُلّم، فصعدتُ منه إلى السطح، ونزلتُ من الدرَجة إلى بعضها في الظُلمة، فلم أدرِ كيف أصِل إلى الدار.

فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: (يا سعيد، مكانك حتى يأتوك بشمعة.

فلم ألبِث أن أتَوني بشمعة، فنزلتُ فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوةً منها، وسجّادته على حصيرٍ بين يديه، وهو مُقبل على القِبلة.

فقال: دونك البيوت.

فدخلتها وفتّشتها، فلم أجد فيها شيئاً، ووجدتُ البُدْرة - الصّرة - مختومةً بخاتم أمّ المتوكل وكيساً مختوماً معها.

فقال لي أبو الحسن: دونك المصلّى.

فرفعتهُ، فوجدت ُسيفاً في جفنٍ غير ملبوس.

فأخذتُ ذلك، وصرتُ إليه - إلى المتوكل - فلمّا نظرَ إلى خاتم أمّه على البُدْرة بَعث إليها.

فخرجَتْ إليه، فسألها عن البُدرة؟ قالت: كنت نذرتُ في علّتك إن عوفيتَ أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها إليه، وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكه.

وفتحَ الكيس الآخر فإذا فيه أربعمئة دينار،.. فأمرَ أن يُضمّ إلى البُدْرة بُدرةً أخرى، وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن (عليه السلام) واردُد عليه السيف والكيس بما فيه.

فحملتُ ذلك، واستحييت منه فقلت له: يا سيّدي عزّ عليّ دخول دارك بغير إذنك، ولكنّي مأمور.

____________________

(1) البطحائي هو: محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو وأبوه وجدّه، كانوا مظاهرين لبني العباس على سائر أولاد أبي طالب.

١٤٠