فقال الرسول لأبي: إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول: (إنّي ماضٍ، والأمر صائر إلى ابني عليّ، وله عليكم بعدي، ما كان لي عليكم بعد أبي).
ثمّ مضى الرسول، فرجعَ أحمد بن محمدٍ بن عيسى إلى موضعه وقال لأبي: ما الذي قد قال لك؟
قال: خيراً.
قال: فإنّي قد سمعت ما قال لك، فلِمَ تكتمه؟ وأعادَ عليه ما سمعَ.
فقال أبي: قد حرّم الله عليك ما فعلتَ؛ لأنّ الله تعالى يقول:
(
وَلاَ تَجَسَّسُوا
)
، فأمّا إذا سمعتَ فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً،.. وإيّاك أن تظهرها لأحدٍ إلى وقتها.
فلمّا أصبحَ أبي كتبَ نسخة الرسالة في عشر رقاعٍ بلفظها، وختمها ودفعها إلى عشرةٍ من وجوه العصابة - أي الأصحاب - وقال لهم: إنْ حَدثَ بي حدث الموت قبل أن أُطالبكم بها، فافتحوها واعمَلوا بما فيها.
قال: فلمّا مضى أبو جعفر (عليه السلام)، لبثَ أبي في منزله فلم يخرج حتى قطع على يديه نحو من أربعمئة إنسان، أي اعترفوا بإمامة الهادي الفتى (عليه السلام) واقتنعوا بنصّ أبيه عليه.
واجتمعَ رؤساء الإماميّة عند محمد بن الفرج الرّخجيّ - الثقة الذي هو من أصحاب الرّضا، والجواد، والهادي (عليهم السلام) - اجتمعوا يفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك، فكتبَ محمد بن الفرج إلى أبي يُعلِمه باجتماع القوم عنده، وأنّه لولا مخافة الشّهرة لصارَ معهم إليه، وسألهُ أن يأتيه.
فركبَ أبي وصار إليه، فوجدَ القوم مجتمعين عنده، فتجاروا في الباب - أي تناقشوا في الأمر - فوجدَ أبي أنّ أكثرهم قد شكّوا، فقال لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟
فقال أبي لِمن عنده الرّقاع: أحضِروا الرّقاع، فأحضروها، وفضّها وقال: هذا ما أُمرتُ به.
فقال بعض القوم: قد كنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر ليتأكّد هذا القول.
فقال لهم أبي: قد آتاكم الله ما تحبّون، هذا أبو جعفر الأشعريّ يشهد لي بسماع هذه الرسالة.
وسألهُ أن يشهد بما عنده، فتوقّف أبو جعفر، وأنكرَ أن يكون قد سمعَ من هذا شيئاً.
____________________