في قصيدة عامرةٍ إن دلّت على شيءٍ فإنّما تدلّ على العاطفة الصادقة تصدر عن هذا السيّد الجليل، قد فاضت على لسانه شِعراً رقيقاً متيناً رصيناً، يظهر فيه اضطرابه للحال التي نزلت بإمامه (عليه السلام)؛ لأنّه يعلم أنّه بين أيدي ظلاّمٍ لئام عمرت صدورهم بالحقد والكيد لأهل بيت الوحي والتنزيل، فلاحقوهم تحت كلّ سماءٍ، وضيّقوا عليهم الآفاق والأجواء،.. وليس بيده أن يدفع عنه غائلةً، ولا أن يردّ نازلة..
***
أما كيفيّة سمّه، فقد ضربَ عليها التاريخ المأجور أقفالاً فوق أقفال، ولم يذكر عنها شيئاً ولا تسرّب لها تفصيل ولا إجمال؛ لشدّة ظلم الحاكم وعسفه، بالرّغم من أنّ سمّه كان جريمةً نكراء تهتزّ لها الأرض والسماء، ولكنّ ذلك تمّ على يد المعتزّ وأعوانه من الوزراء والمشيرين بلا أدنى ريب، لا رجماً بالغيب، وهذه هي سيرة العباسيّين مع أئمّة الهدى (عليهم السلام).
***
قال أبو دعامة:
أتيت عليّ بن محمد (عليهما السلام) عائداً في علّته التي كانت وفاته فيها.
فلمّا هممتُ بالانصراف قال لي: (يا أبا دعامة، قد وجب عليّ حقك، ألا أُحدّثك بحديثٍ تُسَرّ به؟
فقلتُ له: ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله.
قال: حدّثني أبي محمد بن عليّ قال: حدّثني أبي عليّ بن موسى قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن علي قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا عليّ اكتُب:
فقلت: ما أكتب؟
فقال: اُكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم: الإيمان ما وقرَ في القلوب وصدّقه الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان وحلّت به المناكحة.
قال أبو دعامة: فقلت: يا بن رسول الله، والله ما أدري أيّهما أحسن، الحديث، أم الإسناد.