سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام23%

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 247

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام
  • البداية
  • السابق
  • 247 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112368 / تحميل: 6852
الحجم الحجم الحجم
سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

مؤلف:
العربية

سلسلة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام

مؤسسة البلاغ

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

الرسول الأعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله

الاسم: محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله

اسم الأب: عبد الله.

اسم الأم: آمنة

تاريخ الولادة: عام الفيل

محل الولادة: مكة

تاريخ الوفاة: السنة الثالثة عشرة للهجرة

محل الوفاة: المدينة

محل الدفن: المدينة.

عام الفيل

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل الهجرة باثنتين وخمسين سنةً، توجّه أبرهة الأشرم من اليمن بجيش كبير، عماده محاربون يركبون الفيلة، توجّه نحو مكّة لتدمير بيت الله. وقام في طريقه إلى مكة بالقضاء على كلّ من حاول الوقوف في وجهه.

وصل جيش أبرهة إلى ضواحي مكة، وكان الوقت ليلاً، فأقام معسكره هناك في انتظار الصّباح ليشرع في هجومه، بينما سارع أهل مكّة إلى الجبال هرباً منه، وأسلموا الكعبة إلى الله، فهو سبحانه الكفيل بالدفاع عنها، فهي أول بيتٍ أقيم في الأرض لعبادته تعالى.

٣

٤

٥

٦

وفي الصباح الباكر. شرع المقاتلون بهجومهم على الكعبة، يتقدّمهم ركّاب الفيلة، وفجأةً ظهرت في السماء أسراب هائلة من الطيور، تحمل في مناقيرها حجارةً صغيرةً، قامت بإلقائها فوق رؤوس أبرهة ورجاله، ارتفع صراخ العسكر وتعالى أنينهم وتوجّعهم، وبدأوا يتساقطون، الراكب منهم والراجل، الحصان وفارسه، الفيل وراكب الفيل، تساقطوا فوق بعضهم أكواماً من الجثث، وهكذا قضى الإله القدير على أعدائه المارقين. وكان هذا الحدث العجيب وراء تسمية تلك السنة بـ (عام الفيل)، العام الذي تمّ فيه القضاء - وبإرادة العلي القدير - على فيلة الحرب وركابها، بحجارةٍ صغيرةٍ اخترقت أجسادهم، وحفظ الله بيته من عدوان المعتدين.

محمد الأمين

في ذلك العام (عام الفيل) ولد الرسول الأكرم، لأمه آمنة بنت وهب. وكانت آمنة سليلة بيت الكرم والشرف، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة والطهارة

٧

والعفاف، أمّا أبوه فكان يدعى عبد الله، الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب جد الرسول(، وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم. وقد فارق عبد الله الحياة قبل ولادة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا آمنة فقد انتقلت إلى رحمة ربّها بعد ولادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بستّ سنوات، فكفله جدّه عبد المطلب، وعهد به إلى امرأةٍ عفيفةٍ شريفةٍ، اسمها حليمة السعدية، لتقوم بإرضاعه ورعايته، وقد توفّي عبد المطلب بعد عامين، فأخذه عمه أبوطالبٍ إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته.

كان أبوطالب يتعاطى التجارة، وكان من عادة تجار مكة أن يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً في السنة، وقد رافق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.

عرف الجميع عن محمدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله أمانته واستقامته، حتى اشتهر بينهم بـ (محمد الأمين). ولمّا علمت خديجة باستقامته وأمانته، وكانت من أشرف نساء مكّة وأكثرهنّ ثراءً، سلّمته أعمالها التجارية، فاكتسب خبرةً

٨

واسعةً بطرق وأصول التجارة، ثم ما لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فتزوّجت منه، ووضعت بين يديه وفي تصرّفه، كامل ثروتها وأعمالها.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته له زوجته من إمكانيّاتٍ، قام بمساعدة المظلومين، ومد يد العون إلى الفقراء المستضعفين.

رزقصلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة بستة أبناء: ولدين أسماهما قاسماً وعبد الله، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأربع بناتٍ هنّ رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمةعليها‌السلام . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ إحساس بالضعف لموت ولديه، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى والإقرار.

كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا يرجعون إليه ليسادعهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به ويعتمدون عليه، ويودعون لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً.( وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ ) (القلم – ٤).

٩

كان الناس في تلك الأيام يعبدون الأصنام، بينما كان هو يعبد الله الواحد الأحد، ملّة جده إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وكان يقضي معظم وقته يتعبّد في غار حراءٍ، وهو غار يقع على قمّة جبل في شمال مكّة. وكان يذهب خفيةً إلى هناك، فيقضي شهر رمضان بكامله، يصلي ويعبد ربّه ويناحيه.

البعثة

في السابع والعشرين من شهر رجب، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كعهده دائماً مشغولاً بعبادته في الغار، وإذا بجبرائيل - ملاك الرحمان - يظهر أمامه، وما إن تطلع إليه حتى بادره قائلاً: (اقرأ). لكنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي لم يكن قد تلقّى أيّ تعليمٍ، وهو لا يحسن القراءة أو الكتابة، أجاب متعجّباً: وماذا أقرأ؟ فأنا لا أحسن القراءة قال جبرائيل مكرّراً أمره: (اقرأ) لكنّه وللمرة الثانية سمع الرد نفسه، وحين كرر قوله للمرة الثالثة، أحسّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ باستطاعته أن يقرأ.( اقرأ باسم ربّك الذي خلق ) .

١٠

وهكذا اختار الله سبحانه محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله للنبوّة، وهو في سن الأربعين، وكلّفه بأن يقوم بهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب العلم ونور الإيمان، وأن يرشدهم إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.

( وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين ) (الأنبياء – ١٠٧).

نزل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من الجبل مضطرباً وتوجّه إلى بيته، وهناك كانت أوّل امرأة آمنت به، وهي زوجته خديجة، وأوّل رجلٍ مد يده إليه بالبيعة، ابن عمه الفتى علي بن أبي طالب، الذي تربّى في بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ نعومة أظفاره.

وأنذر عشيرتك الأقربين

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين يقوم للصلاة، يقف عليّعليه‌السلام عن يمينه وتقف خديجة من ورائه، واستمر الأمر كذلك، حتى أمر أبوطالبٍ ولده جعفر باتّباع الرسول

١١

صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم نزل إليه أمر الله تعالى، بأن يقوم بدعوة أهله وعشيرته الأقربين إلى الإسلام( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (الشعراء – ٢١٤).

فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيته ما يزيد على أربعين فرداً من بني هاشمٍ، وبعد أن تناولوا الطعام، وقف بينهم، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابّاً في العرب، جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟).

ومن بين الحضور جميعهم، وقف عليّعليه‌السلام وهو ما يزال ابن عشر سنواتٍ، وأعلن استعداده لمؤازرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كرّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله ثلاث مراتٍ، وكان الوحيد الذي استجاب له في المرّات الثلاث هو عليّصلى‌الله‌عليه‌وآله

بقي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو إلى الإسلام سرّاً، لمدّة

١٢

ثلاث سنوات، واستجاب لدعوة الإيمان عدد قليل من الناس.

في مواجهة الشرك

في تلك الأيّام، كان الناس يفدون إلى مكّة من بلادٍ وأماكن بعيدةٍ للحج، وكانوا يحضرون معهم بضائع يحتاجها أهل مكة، فيتّجرون بها معهم، وكان هذا العمل مصدر ربح وفير يجنيه أثرياء مكة ، والربح هو همهم ومحور تفكيرهم.

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو الناس إلى ترك العادات السيئة، كالزنا وشرب الخمر ووأد البنات وقتلهم، وأكل مال اليتيم وأكل الميتة وشهادة الزور، وغير ذلك من الفواحش. وكان يدعوهم بالمقابل إلى الأمر بالمعروف والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمساكين، وصلة الرحم وحسن الجوار.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس إلى أولئك الزوار القادمين من بعيد، ويتحدّث إليهم، وينصحهم بترك عبادة

١٣

الأصنام، التي صنعها الكفّار بأيديهم من الخشب والحجارة، ونصبوها في المسجد الحرام فوق الكعبة، ينصحهم بترك عبادتها لأنّها لا تنفعهم ولا تضرّهم. وأن يتّجهوا بالعبادة إلى الإله الواحد، خالق كلّ شيءٍ.

كان أثرياء مكّة يتساءلون: ماذا لو استمع الناس إلى محمد وتركوا عبادة الأصنام، إذن لا نقطع قدومهم إلى مكة، وانقطع معهم مورد رزقنا ومصدر أرباحنا، لذلك شرعوا في إعلان الخصام الشديد لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولتابعيه من المسلمين الأوائل، ورغم ذلك فقد كان عدد المؤمنين يزداد يوماً عن يوم، كما كانت معاملة قريش له ولأصحابه، تزداد قسوةً ووحشيةً. وكان مشركو قريش ينزلون بالمسلمين الأذى والضرر، ويوجّهون لهم السباب والشتائم، كي يمنعوا انتشار الإسلام بين الناس، غير أنّهم لم يجرؤوا على توجيه الأذى لجميع المسلمين، لأنهم ينتسبون الى قبائل عديدة، تحسب قريش حسابها، وأمام عجزهم ذاك، فقد توجّه نفر من أعيانهم إلى بيت أبي طالب، عمّ

١٤

الرسول وحاميه، وسيد بني هاشم، وشكوا إليه أمرهم مع محمد قائلين:

يا أبا طالب إنّ ابن أخيك محمداً قد عاب آلهتنا، وسفه أحلامنا وسخر من عقائدنا، واتّهم آباءنا بالضلال، ونحن على استعداد لكي نقدم إليه كل ما يطلب، لو ترك هذا الأمر، فإمّا أن تمنعه أنت، وإمّا أن تسلمه إلينا فنرى فيه رأينا.

قال أبوطالب: سأتحدث إليه في هذا الأمر. وعند ما نقل أبوطالب أقوال قريش إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجابه: (والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). فلمّا سمع أبوطالب مقالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وردّه على العرض الذي تقدمت به قريش، أخذ يده بقوة وحرارة قائلاً: وأنا أيضاً أقسم بالله، أنّي لن أرفع يدي عنك، فسر في طريقك.

رأى كبار قريش أن يلجأوا إلى الخديعة والمكر، بعد أن رأوا فشل تخطيطهم، فقالوا له: يا

١٥

أبا طالب، إنّ محمداً قد شتت جموعنا وسخر منا ومن أصنامنا التي نحن لها عابدون، حتى أغرى بنا غلماننا، وشجّعهم على العصيان والتمرد، ونحن لا نرى تفسيراً لسلوكه ولا ندري ما هو غرضه. فإن كان فقيراً أغنيناه، وإن كان يريد الملك والجاه، أمرناه علينا وله منا الطاعة، وكل ما نطلبه منه، هو أن يتخلّى عن هذه الدعوة ويتركنا لحالنا وأمورنا. لكنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمّه وقال: يا عمّاه، أنا لا أريد من هؤلاء الناس شيئاً ولا أطلب منهم إلا أن يؤمنوا بالله الواحد العظيم، ويتركوا معبوداتهم وأصنامهم الحقيرة تلك، فإنّها لا تغني عنهم شيئاً. سمع رجال قريش جواب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فامتلأوا غضباً وغيظاً وخرجوا وقد صمّموا على أن يستعملوا معه الشدّة والقسوة منذ ذلك اليوم.

عقب هذه الحادثة، ضاعفت قريش من إيذائها للرسول، وتعذيبها لأصحابه، حتى أن بعض أقارب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كأبي لهب، غدوا من أعدى أعدائه.

١٦

فكانوا يرمونه بالأقذار، ويسخرون منه ويوجّهون إليه السباب على مرأى من الناس، حتى أنّهم اتّهموه بالخبل والجنون. لكنّهم كانوا عبثاً يحاولون، فلم يفوزوا من أفعالهم هذه بطائل، وكم كانوا يتمنون لو يقتلوه ويتخلّصوا منه، لو لا خوفهم من عزيمة أبي طالب، وسيف حمزة، وانتقام بني هاشم. وكم من مرّة رسموا خططاً لقتله، لكنهم كلما حاولوا تنفيذ خططهم الشريرة، كان الله سبحانه لهم بالمرصاد، فأبطل أعمالهم وسفّه أحلامهم.

أول شهادة في الإسلام

كان نصيب بعض المسلمين من الأذى قليلاً، لأنّهم ينتمون إلى قبائل كبيرةٍ ومشهورة، وكان المشركون يخافون من قبائلهم تلك، لكنّ أكثر أتباع الدين الإسلامي، كانوا من الفقراء المستضعفين، أو من العبيد الأرقّاء، فكان الأذى الذي ينزل بهم أقوى وأشدّ، كبلال الحبشيّ، وكان عبداً أسود البشرة، فقد طرحه سيّده فوق الأحجار الملتهبة تحت شمس مكة

١٧

الحارقة، كما طرحت فوق صدره صخور كبيرة الحجم، وترك ساعات يعاني من العذاب والحرّ، والجوع والعطش، كانوا يطلبون منه الابتعاد عن محمد ودعوته. لكن جواب بلال لهم كان قوله أحد، أحد، الله واحد. فما كان من المشركين أخيراً إلاّ أن ربطوه بحبل. وصاروا يجرونه في أزقّة مكة، فوق الأحجار والرّمال، لكنّ بلالاً كان مسلماً حقّاً، ولم تكن شدّة العذاب إلا لتزيده قوّةً وإيماناً.

كما كان ياسر وسميّة وابنهما عمّار، من المسلمين المستضعفين، المحرومين ممن يحميهم ويدفع الأذى عنهم. لذلك فقد رأوا من العذاب أشدّه، أمّا ياسر وسميّة فقد قضيا شهيدين تحت التعذيب. وأمّا عمار، فقد قاومهم حتى اقترب من الموت، بعد أن رأى مصرع أبويه أمام عينيه لكنّه لم يكن أبداً ليرتدّ عن شريعة الإسلام، وإن تفوّه بكلمة الكفر تقيّةً تحت تأثير العذاب.( إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ) (النحل – ١٠٦).

١٨

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى هذه الألوان من العذاب، تنزل بأصحابه وأحبابه، فيتفطّر لهم قلبه العطوف، ويألم لمصابهم، لكنّه لم يكن يملك من علاجٍ إلاّ الصبر الجميل.

المقاطعة

أحس مشركو قريش أن خططهم لم تصل إلى نتيجةٍ، ورأوا الخطر يزداد عليهم بازدياد انتشار الإسلام، فلجأوا إلى تدبير خسيس، بعيد عن الإنسانية، وقرّروا مقاطعة المسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأصدروا وثيقةً تتضمّن أربع نقاطٍ للمقاطعة:

١- منع الشّراء والمبيع من المسلمين.

٢ - مناصرة خصوم محمدٍ، والالتزام بها، واجب في جميع النزاعات.

٣ - لا حقّ لأحد في الزواج من المسلمين أو تزويجهم.

١٩

٤ - يمنع أيّ شكل من أشكال التعامل أو العلاقة مع المسلمين.

وعلّقوا صحيفة المقاطعة هذه على الكعبة.

لما رأى أبوطالبٍ ما وصلت إليه الحال، وكيف غدت معيشة المسلمين مستحيلةً في مكة، تقدم من ابن أخيه، وعرض عليه أن يغادر بنو هاشم إلى بعض ضواحي مكة، ليقيموا في وادٍ يعرف بـ (شعب أبي طالب) وحين لمس قبولاً من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله باقتراحه، جمع أفراد بني هاشم وقال لهم: لقد عزم محمد على الانتقال إلى الشعب، لذا فكلّ منكم مكلف بمرافقته، وأن يكون له مساعداً وظهيراً حتى النفس الأخير.

امتدت مقاطعة قريش لبني هاشم ثلاث سنوات، كانت من أشدّ الفترات قسوةً على المسلمين، وخاصةً من حيث قلّة المواد الغذائية التي وصلت إلى حد كان فيه الفرد منهم ينال حبّة تمر واحدةً في اليوم، بل كانت حبّة التّمر هذه تقسم أحياناً بين اثنين منهم، وكان عليعليه‌السلام يأتيهم بالطعام سرّاً من مكة. وفي الأشهر

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر فقال لهما: ما لكما لا تستقيان؟ فقالتا كما حكى اللهعزوجل :( لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فرحمهما موسىعليه‌السلام ودنا من البئر فقال لمن على البئر: أسقى لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيبعليه‌السلام وسقى أغنامهما( ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) كان شديد الجوع، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام كان موسى كليم الله حيث سقى( لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقالَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) : والله ما سأل اللهعزوجل إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه(١) من هزاله.

٣٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل حكاية عن موسىعليه‌السلام ( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: سأل الطعام.

٣٩ ـ في تفسير العياشي عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول موسى لفتاه:( آتِنا غَداءَنا ) وقوله:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: انما عنى الطعام، فقال أبو عبد الله:عليه‌السلام : إنّ موسى لذو جوعات.

٤٠ ـ عن ليث بن سليم عن أبي جعفرعليه‌السلام شكى موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع:( آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ) ( لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

٤١ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : وان شئت ثنيت بموسى كليم الله صلوات الله عليه إذ يقول:( إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) والله ما سأله إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه(٢) .

__________________

(١) الصفاق، الجلد الباطن الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.

(٢) تشذب اللحم: تغرقه.

١٢١

٤٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة متصل بقوله:( أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) آخر ما نقلنا عنه سابقا( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) من مصر بغير ظهر ولا دابة ولا خادم تحفظه أرض وترفعه اخرى حتى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فاذا تحتها بئر وإذا عندها امة من الناس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غنيمة لهما( قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) ونحن جاريتان ضعيفتان، لا نقدر أنْ نزاحم الرجال فاذا سقى الناس سقيا، فرحمهماعليه‌السلام فأخذ دلوهما فقال لهما: قد ما غنمكما فسقى لهما ثم رجعنا بكرة قبل الناس، ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها وقال:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ، فروى أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة، فلما رجعنا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي( فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) .

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله من هزاله آخر ما نقلنا عنه سابقا، فلما رجعت ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما: أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسىعليه‌السلام ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهن: اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا، فجاءت إليه كما حكى الله تعالى:( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) فقام موسى معهما ومشت امامه فسفقتها الرياح(١) فبان عجزها فقال لها موسى: تأخرى ودلينى على الطريق بحصاة تلقينها امامى أتبعها، فانا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء، فلما دخل على شعيب قص عليه قصته فقال له شعيبعليه‌السلام :( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

٤٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة متصل بقوله:( أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) فروى أنّ موسىعليه‌السلام قال لها: وجهيني إلى الطريق وامشى خلفي فانا بنى يعقوب.

__________________

(١) من سفقت الباب وأسفقته أي رددته.

١٢٢

«لا ننظر في اعجاز النساء»، «فلما( جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

٤٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله:( مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) قالت احدى بنات شعيب:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) فقال لها شعيب: اما قوته فقد عرفتنيه انه يستقى الدلو وحده، فبم عرفت أمانته؟ فقالت: انه لـمّا قال لي: تأخرى عنى ودلينى على الطريق فانا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت انه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته.

٤٦ ـ في جوامع الجامع وروى أنّ الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلّا سبعة رجال وقيل: عشرة وقيل: أربعون فأقله وحده وسألهم دلوا فأعطوه دلوهم، وكان لا ينزعها إلّا عشرة فاستقى بها وحده مرة واحدة، فروى عنهما وأصدرهما.

٤٧ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى صفوان بن يحيى عن أبي الحسنعليه‌السلام في قوله الله:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) قال: قال لها شعيب: يا بنية هذا قوى قد عرفتيه برفع الصخرة، الأمين من أين عرفتيه؟ قالت: يا أبة إنّي مشيت قدامه فقال: امشى من خلفي فان ضللت فأرشدينى إلى الطريق فانا قوم لا ننظر في أدبار النساء.

٤٨ ـ في مجمع البيان قال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : لـمّا قالت المرأة هذا قال شعيب: وما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فانه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا بكذا، واما أمانته فانه قال لي: امشى خلفي فانا أكره أنْ تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك.

٤٩ ـ وروى الحسن بن سعيد عن صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئل أيتهما التي( قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ) ؟ قال: التي تزوج بها، قيل: فأي الأجلين قضى قال: أوفاهما وأبعدهما عشر سنين، قيل: فدخل بها قبل أنْ يمضى الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: قبل أنْ ينقضي، قيل له: فالرجل يتزوج المرئة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أيجوز ذلك؟ قال: إنّ موسى علم انه سيتم له شرطه، قيل: كيف؟ قال: علم انه سيبقى

١٢٣

حتى يفي.

٥٠ ـ في الكافي علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن ابن سنان عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن الاجارة، فقال: صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، قد أجر موسىعليه‌السلام نفسه واشترط، فقال: إنْ شئت ثمان وإنْ شئت عشرا فانزل اللهعزوجل فيه( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ )

٥١ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى اسمعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام أنّ علياعليه‌السلام قال: لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بان يقول اعمل عندك كذا وكذا على أنْ تزوجني أختك أو ابنتك، قال: هو حرام لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها.

٥٢ ـ في حديث آخر انما كان ذلك لموسى بن عمران لأنه علم من طريق الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا، فوفى بأتم الأجلين.

٥٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة «قال:( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) فروى انه قضى أتمهما لان الأنبياءعليهم‌السلام لا تأخذ إلّا بالفضل والتمام.

٥٤ ـ في تفسير العياشي وقال الحلبي سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن البيت أكان يحج قبل أنْ يبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نعم وتصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى حيث تزوج:( عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) ولم يقل ثماني سنين.

٥٥ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بكى شعيبعليه‌السلام من حب اللهعزوجل حتى عمي، فرد اللهعزوجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد اللهعزوجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره، فلما كانت الرابعة أوحى الله اليه: يا شعيب إلى متى يكون هذا؟ أبَداً منك؟ إنْ يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك، وان يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك، فقال: الهى وسيدي أنت

١٢٤

تعلم أنّي ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك ولكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك، فأوحى الله جل جلاله إليه اما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.

قال مصنف هذا الكتاب: والله يعنى بذلك لا زال أبكى أو أراك قد قبلتني حبيبا انتهى

٥٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : إنّ يوشع بن نون وصى موسىعليهما‌السلام عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفيرا بنت شعيب زوجة موسىعليه‌السلام فقالت: انا أحق منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتلتها وأحسن أسرها.

٥٧ ـ وفيه حديث طويل يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد ذكر موسىعليه‌السلام وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الاولى، وكانت نيفا وخمسين سنة.

٥٨ ـ وباسناده إلى عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول في القائمعليه‌السلام : سنة من موسى بن عمرانعليه‌السلام فقلت: وما سنة من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله قال: ثمانية وعشرين سنة.

٥٩ ـ في مجمع البيان وروى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما وأبطأهما.

٦٠ ـ وبالإسناد عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وان سئلت أي المرأتين تزوج فقل: الصغرى منهما وهي التي جاءت، وقالت( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) .

٦١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي الأجلين قضى؟ قال: أتمهما عشر حجج، قلت له: فدخل بها قبل أنْ يقضى الأجل أو بعد؟ قال: قبل، قال: قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلا

١٢٥

أيجوز ذلك؟ قال: إنّ موسىعليه‌السلام علم انه يتم له شرطه فكيف لهذا أنْ يعلم انه يبقى حتى يفي قلت له: جعلت فداك أيهما زوجه شعيب من بناته؟ قال: التي ذهبت إليه فدعته وقالت لأبيها:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ ) قال لشعيب: لا بد لي أن أرجع إلى وطني وأمي وأهل بيتي فما لي عندك؟ فقال شعيبعليه‌السلام : ما وضعت أغنامى في هذه السنة من غنم بلق فهو لك، فعمل موسىعليه‌السلام عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه. وغرزه في وسط مربض الغنم وألقى عليه كساء أبلق ثم أرسل الفحل على الغنم فلم يضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقا، فلما حال عليه الحول وحمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه، فلما أراد الخروج قال لشعيب. أبغى عصا يكون معى وكانت عصى الأنبياءعليهم‌السلام عنده قد ورثها مجموعة في بيت، فقال له شعيب: ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصى، فدخل فوثب إليه عصا نوح وإبراهيمعليهما‌السلام وصارت في كفه فأخرجها ونظر إليها شعيب فقال: ردها وخذ غيرها، فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما رأى شعيبعليه‌السلام ذلك قال له: اذهب فقد خصك اللهعزوجل بها، فساق غنمه فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجهنم الليل فنظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله تعالى:( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) فاقبل نحو النار يقتبس فاذا شجرة ونار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت ففزع وعدا ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها، ثم التفت وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقب أي لم يرجع، فناداه اللهعزوجل أنْ:( يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) .

٦٢ ـ في تهذيب الأحكام أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن الحسن

١٢٦

ابن علي بن مهزيار عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن علي بن الحكم عن مخرمة بن ربعي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : شاطئ الوادي الأيمن الذي ذكره الله في القرآن هو الفرات، والبقعة المباركة هي كربلاء.

٦٣ ـ في مجمع البيان وروى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ ) نحو البيت المقدس أخطأ الطريق فرأى نارا( قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) .

٦٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله:( رَبِّ الْعالَمِينَ ) قال موسىعليه‌السلام : فما الدليل على ذلك؟ قال اللهعزوجل : ما في يمينك يا موسى، قال: هي عصاي قال: ألقها يا موسى فألقاها فاذا هي حية تسعى ففزع منها موسى وعدا، فناداه اللهعزوجل : خذها ولا تخف انك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير علة، وذلك أنّ موسىعليه‌السلام كان شديد السمرة(١) فأخرج يده من جيبه فأضائت له الدنيا، فقال اللهعزوجل :( فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) .

٦٥ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى جابر الجعفي عن الباقرعليه‌السلام قال: وقال اللهعزوجل في قصة موسىعليه‌السلام :( أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) يعنى من غير برص، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٦ ـ في مجمع البيان وروى عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل قال: فلما رجع موسى إلى امرأته قالت: من أين جئت؟ قال: من عند رب تلك النار.

٦٧ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي جميلة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى ابن عمران ذهب يقتبس نارا لأهله فانصرف إليهم وهو نبي مرسل.

٦٨ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن محمد القاساني عمن

__________________

(١) سمر: كان لونه بين السواد والبياض.

١٢٧

ذكره عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليهم: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فان موسى بن عمران صلى الله عليه خرج يقتبس نارا لأهله فكلمه الله ورجع نبيا والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال موسى كما حكى الله:( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) قال الراوي: فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام فكم مكث موسىعليه‌السلام غائبا عن امه حتى رده اللهعزوجل عليها؟ قال: ثلاثة أيام، قال: فقلت: فكان هارون أخا موسىعليهما‌السلام لأبيه وامه؟ قال: نعم أما تسمع اللهعزوجل يقول:( يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ) فقلت: فأيهما كان أكبر سنا؟ قال: هارونعليه‌السلام قلت: وكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟ قال: كان الوحي ينزل على موسىعليه‌السلام وموسى يوحيه إلى هارون فقلت له: أخبرني عن الأحكام والقضاء والأمر والنهى كان ذلك إليهما؟ قال: كان موسىعليه‌السلام الذي يناجي ربه ويكتب العلم ويقضى بين بنى إسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة، قلت: فأيهما مات قبل صاحبه؟ قال: مات هارون قبل موسىعليه‌السلام وماتا جميعا في التيه، قلت: فكان لموسى ولد؟ قال: لا كان الولد لهارون والذرية لها.

٧٠ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى الأصبغ بن نباتة السلمي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال الأصبغ: أخذت هذه العوذة منهعليه‌السلام وقال لي: يا اصبغ هذه عوذة السحر والخوف من السلطان تقولها سبع مرات: بسم الله وبالله( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) وتقول في وجه الساحر إذا فرغت من صلوة الليل قبل أنْ تبدأ بصلوة النهار وسبع مرات فانه لا يضرك إنْ شاء الله تعالى.

٧١ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاوسرحمه‌الله نقلا عن تفسير الكلبي محمد

١٢٨

عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ جبرئيلعليه‌السلام قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمّد لو رأيتنى وفرعون يدعو بكلمة الإخلاص:( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إله إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وانا أدسه في الماء والطين لشدة غضبى عليه مخافة أنْ يتوب فيتوب اللهعزوجل عليه؟ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كان شدة غضبك عليه يا جبرئيل؟ قال: لقوله:( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) وهي كلمته الاخرة منهما، وانا قالها حين انتهى إلى البحر وكلمته( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) فكان بين الاولى والاخرة أربعون سنة.

٧٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قولهعزوجل :( وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ ) فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء، لا يتمكن الإنسان أنْ يقيم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر أنْ نزيد على هذا فبعث اللهعزوجل رياحا فرمت به فاتخذ فرعون وهامان منذ ذلك التابوت وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربياها حتى إذا بلغت القوة وكبرت، عمدوا إلى جوانب التابوت الاربعة فغرسا في كل جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كل خشبة لحما وجوّعا الأنسر وشد ارجلها بأصل الخشبة، فنظر الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه وصفقت بأجنحتها وارتفعت بهما في الهواء وأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: انظر إلى السماء هل بلغناها؟ فنظر هامان فقال: أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد، فقال: انظر إلى الأرض فقال: لا أرى الأرض ولكن أرى البحار والماء، فلم يزل النسر ترتفع حتى غابت الشمس وغابت عنهم البحار والماء فقال فرعون: يا هامان انظر إلى السماء فنظر إلى السماء فقال: أراها كما كنت أراها من الأرض، فلما جنهم الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون: هل بلغناها؟ قال: أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض ولست أرى من الأرض إلّا الظلمة: قال: ثم حالت الرياح القائمة في الهواء فاقلبت التابوت بهما، فلم يزل يهوى بهما حتى وقع على الأرض وكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت.

١٢٩

٧٤ ـ في جوامع الجامع وكل متكبر سوى اللهعزوجل فاستكباره بغير الحق وهو جل جلاله المتكبر على الحقيقة إلى البالغ في كبرياء الشأن قالعليه‌السلام فيما حكاه عن ربهعزوجل : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعنى واحدا منهما ألقيته في النار.

٧٥ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إنّ الائمة في كتاب اللهعزوجل إمامان: قال الله تبارك وتعالى:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم، قال:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ ) يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللهعزوجل .

٧٦ ـ في مجمع البيان وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا امة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة، الم تر أنّ الله تعالى قال:( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى ) الآية.

٧٧ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المتفرقة حديث طويل وفيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لـمّا بعث اللهعزوجل موسى بن عمرانعليه‌السلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر، ونجى بنى إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح، راى مكانه من ربهعزوجل فقال: يا رب لقد أكرمتنى بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ محمدا أفضل عندي من جميع مليكتى وجميع خلقي؟ قال موسى: يا رب فان كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلى؟ قال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمّد على جميع المرسلين؟ فقال موسى: يا ربِّ فان كان آل محمّد كذلك فهل في أمم الأنبياء عندك أفضل من أمتي؟ ظللت عليهم الغمام وأنزلت

١٣٠

عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ فضل امة محمّد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي؟ قال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى اللهعزوجل اليه: يا موسى لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنان جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون(١) أفتحب أنْ أسمعك كلامهم؟ قال: نعم الهى قال الله جل جلاله: قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، ففعل ذلك موسىعليه‌السلام فنادى ربناعزوجل : يا امة محمد فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لبيك أللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك، قال: فجعل اللهعزوجل تلك الاجابة شعار الحاج ثم نادى ربناعزوجل : يا امة محمد إنّ قضائي عليكم أنّ رحمتي سبقت غضبى وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم من قبل أنْ تدعوني، وأعطيتكم من قبل أنْ تسألونى، من لقيني بشهادة أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانّ محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في أفعاله وانّ علي بن أبي طالب أخاه ووصيّه من بعده ووليّه ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد، وأنّ أولياءه المصطفين المطهرين الطاهرين المبانين(٢) بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياءه أدخلته جنتي وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر، قال: فلما بعث اللهعزوجل محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا محمّد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة قالعزوجل لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة، وقال لامته: قولوا الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل.

٧٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل : سحران تظاهرا قال: موسى

__________________

(١) تبحبح الرجل وتبحبح: إذا تمكن في المقام والحلول وقيل، «تبحبحون» من بحبوحة الجنان أي يتوسطون في أوساط الجنان لا في أطرافه لان الوسط خير من الطرف.

(٢) المبانين أي المظهرين وفي بعض النسخ «المنبئين».

١٣١

وهارون.

٧٩ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) قال: يعنى من اتخذ دينه رأيه بغير امام من أئمة الهدى.

٨٠ ـ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال جميعا عن أبي جميلة عن خالد بن عمار عن سدير قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا سدير أفأريك الصادين عن دين الله ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم خلق في المسجد فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إنّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨١ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعنى من اتخذ دينه رأيا بغير امام من أئمة الهدى.

٨٢ ـ عباد بن سليمان عن سعد بن سعد عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعنى من اتخذ دينه هواه بغير هدى من أئمة الهدى

٨٣ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن جندب قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: امام إلى امام.

٨٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن

١٣٢

معاوية بن حكيم عن أحمد بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى:( وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: امام بعد امام.

٨٥ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) قال: الائمة صلوات الله عليهم. وقال الصادقعليه‌السلام : نحن صبراء وشيعتنا أصبر منا، وذلك انا صبرنا على ما نعلم، وصبروا على ما لا يعلمون، وقولهعزوجل :( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم.

٨٦ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) على التقية( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) قال: الحسنة التقية والسيئة الاذاعة.

٨٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) قال: اللغو والكذب واللهو الغناء، وهم الائمة صلوات الله عليهم يعرضون عن ذلك كله.

٨٨ ـ وقولهعزوجل :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) قال: نزلت في أبي طالب كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا عم قال: لا إله إلّا الله أنفعك بها يوم القيامة فيقول: يا ابن أخى انا أعلم بنفسي، فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه تكلم بها عند الموت فقال رسول الله: اما انا فلم أسمعها منه وأرجوا أنْ أنفعه يوم القيامة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قمت المقام المحمود لشفعت في أمي وأبى وعمى وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية.

٨٩ ـ في مجمع البيان قيل نزل قوله:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) في أبي طالب فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحب إسلامه، فنزلت هذه الآية وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) الآية فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي، ورووا ذلك عن ابن عباس وغيره وفي هذا نظر كما يرى فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز أنْ يخالف الله سبحانه في إرادته، كما لا يجوز أنْ يخالف أو امره ونواهيه، وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد ايمان أبي طالب وأراد كفره، وأراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ايمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول والمرسل، وكان

١٣٣

سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم: انك يا محمد تريد ايمانه ولا أريد ايمانه، ولا أخلق فيه الايمان مع تكلفه بنصرتك وبذل مجهوده في أعانتك، والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك، وتكره أنت ايمان وحشي لقتله حمزة عمك وانا أريد ايمانه وأخلق في قلبه الايمان وفي هذا ما فيه وقد ذكرنا في سورة الانعام أنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد أجمعوا على أنّ أبا طالب مات مسلما. وتظاهرت الروايات بذلك عنهم، وأوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوحيده، فان استيفاء جميعه لا يتسع له الطوامير، وما روى من ذلك في كتب المغازي وغيرها أكثر من أنْ يحصى، يكاشف فيها من كاشف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويناضل عنه ويصحح نبوته، وقال بعض الثقات: أنّ قصائده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر وتغبر في وجه الشعر الدهر تبلغ قدر مجلد وأكثر من هذا، ولا شك في انه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم، وحسن تدبيره في دفع كيادهم لئلا يلجئوا الرسول إلى ما ألجئوه إليه بعد موته.

٩٠ ـ في جوامع الجامع وقالوا: أنّ الآية نزلت في أبي طالب وقد ورد عن أئمة الهدىعليهم‌السلام أنّ أبا طالب مات مسلما وأجمعت الامامية على ذلك وأشعاره مشحونة بالإسلام وتصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

٩١ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : اجعلوا أمركم هذا الله، ولا تجعلوه للناس فاما ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء، ولا تخاصموا بدينكم الناس فان المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ اللهعزوجل قال لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وقال:( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ذروا الناس فان الناس أخذوا عن الناس وانكم أخذتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و

__________________

(١) وقد تفرد العلامة الأميني دام ظله في كتابه «الغدير» بابا في إسلام أبي طالب والذب عما قيل في عدم إسلامه سلام الله عليه وذكر طرفا من اشعاره وكلماته المنبئة عن ايمانه بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبما جاء به من الله الحكيم فراجع ج ٧: ٣٣١ ـ ٤٠٩ وج ٨: ٣ ـ ٢٩. ط طهران.

١٣٤

علىعليه‌السلام ولا سواء، وانى سمعت أبيعليه‌السلام يقول: إذا كتب الله على عبد أنْ يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره، وفي كتاب التوحيد مثله سواء.

٩٢ ـ في أمالي الشيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى جبير بن نوف أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب إلى معاوية وأصحابه يدعوهم إلى الحق وذكر الكتاب بطوله قال: فكتب إليه معاوية: اما بعد انه :

ليس بيني وبين عمر وعتاب

غير طعن الكلى وضرب الرقاب

فلما وقف أمير المؤمنينعليه‌السلام على جوابه بذلك قال:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) إلى صراط مستقيم».

٩٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) قال: نزلت في قريش حين دعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام والهجرة( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) فقال اللهعزوجل :( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

٩٤ ـ في كشف المحجة لابن طاوس عليه الرحمة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه: فاما الآيات اللواتي في قريش فهي قوله إلى قوله: والثالثة قول قريش لنبي الله حين دعاهم إلى الإسلام والهجرة فقالوا:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) فقال الله:( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

٩٥ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : كان أبو طالب يضرب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أنْ قال: فقال أبو طالب: يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود، ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار، ولا دعون السنة فارس والروم فتحيرت قريش واستكبرت وقالت: أما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول، والله لو سمعت

١٣٥

بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فانزل الله تبارك وتعالى:( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ) إلى آخر الآية.

٩٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ـ وقولهعزوجل :( وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) فان العامة قد رووا أنّ ذلك في القيامة، واما الخاصة فانه حدّثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ العبد إذا دخل قبره جاءه منكر وفزع منه يسأل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقال له: ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟ فان كان مؤمنا قال: اشهد انه رسول الله جاء بالحق فيقال له: ارقد رقدة لا حلم فيها ويتنحى عنه الشيطان، ويفسح له في قبره سبعة أذرع، ويرى مكانه في الجنة قال: وإذا كان كافرا قال: ما أدرى، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله إلّا الإنسان، ويسلط عليه الشيطان، وله عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له: انا أخوك ويسلط عليه الحيات والعقارب، ويظلم عليه قبره ثم يضغطه ضغطة يختلف أضلاعه عليه، ثم قال بأصابعه فشرجها(١) .

٩٧ ـ قولهعزوجل :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) قال: يختار اللهعزوجل الامام وليس لهم أنْ يختاروا.

٩٨ ـ في أصول الكافي أبو القاسم بن العلارحمه‌الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل في فضل الامام وصفاته يقول فيهعليه‌السلام : هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم إلى قولهعليه‌السلام : لقد رامو صعبا وقالوا

__________________

(١) قال المجلسي (ره) في البحار: «ثم قال بأصابعه» القول هنا بمعنى الفعل أي أدخل أصابعه بعضها في بعض لتوضيح اختلاف الأضلاع، أي تدخل أضلاعه من جانب في أضلاعه من جانب آخر وقوله «شرجها» في أكثر النسخ بالجيم، قال الفيروزآبادي: الشرج: الفرقة والمزج والجمع ونضد اللبن والنشريج: الخياطة المتباعدة، وتشرج اللحم بالشحم: تداخل «انتهى» وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي أوضح وبين اختلاف الأضلاع.

١٣٦

إفكا وضلوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الامام عن بصيرة،( زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم:( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) وقالعزوجل :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) .

٩٩ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبد الله القمى عن الحجة القائمعليه‌السلام حديث طويل وفيه: قلت: فأخبرنى يا ابن مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الامام لأنفسهم؟ قال: مصلح أم فسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أنْ تقع خيرتهم على المفسد بعد أنْ لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلة، وأوردها لك ببرهان ينقاد لك عقلك. ثم قالعليه‌السلام : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللهعزوجل وانزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسىعليهم‌السلام هل يجوز مع وفور عقلهما إذ هما بالاختيار أنْ تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان انه مؤمن؟ قلت: لا قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكما علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربهعزوجل سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم وإخلاصهم، فوقع خيرته على المنافقين قال اللهعزوجل :( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) إلى قوله:( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللهعزوجل للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه الأصلح دون الأفسد، علمنا أنّ الاختيار لا يجوز أنْ يفعل إلّا ممن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر، وتنصرف إليه السرائر، وأنْ لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.

١٠٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام في كلام طويل: وتعلم أنّ نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظة إلّا بقدرته ومشيته. وهم عاجزون عن إتيان

١٣٧

أقل شيء في مملكته إلّا باذنه وإرادته، قال اللهعزوجل :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) من أمرهم( سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

١٠١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) يقول: من هذه الامة امامها( فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

١٠٢ ـ في مجمع البيان:( إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى ) أنْ كان من بنى إسرائيل ثم من سبط موسى وهو ابن خالته عن عطا عن ابن عباس وروى ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٠٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم،( وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) والعصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشر(١) قال: كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة أولوا القوة.

١٠٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وما يكون أولوا قوة إلّا عشرة آلاف.

قال عز من قائل:( إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) .

١٠٥ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عن أبيهعليهما‌السلام قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسىعليه‌السلام لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكرى على كل حال، فان كثرة المال تنسى الذنوب، وترك ذكرى ينسى القلوب.

١٠٦ ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه: والفرح مكروه عند اللهعزوجل .

١٠٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام انه جاء إليه رجل فقال له: بأبى أنت وأمي عظني موعظة، فقالعليه‌السلام : إنْ كانت العقوبة من اللهعزوجل حقا فالفرح لماذا؟ والحديث طويل أخذنا منه

__________________

(١) وفي بعض النسخ «خمسة عشر» بدل «تسعة عشر».

١٣٨

موضع الحاجة.

قال عز من قائل:( وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) .

١٠٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي الحسن علي بن يحيى عن أيوب بن أعين عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى يوم القيامة برجل فيقال: احتج، فيقول: يا رب خلقتني وهديتني وأوسعت على فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم لكي تنشر على هذا اليوم رحمتك وتيسره فيقول الرب جل ثناؤه وتعالى: صدق عبدي أدخلوه الجنة.

١٠٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى موسى بن اسمعيل بن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ) قال: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أنْ تطلب بها الاخرة.

١١٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : فساد الظاهر من فساد الباطن ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية وأعظم الفساد أنْ يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى، وهذا الفساد يتولد من طول الأمل والحرص والكبر، كما أخبر الله تعالى في قصة قارون في قوله:( وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده، وأصلها من حب الدنيا وجمعها ومتابعة النفس وهواها، واقامة شهواتها وحب المحمدة وموافقة الشيطان واتباع خطواته وكل ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله ونسيان مننه.

١١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم فقال قارون كما حكى اللهعزوجل :( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ) يعنى ماله وكان يعمل الكيميا فقال اللهعزوجل :( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) أي لا يسئل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ ) : في الثياب المصبغات يجرها بالأرض( قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ

١٣٩

لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فقال لهم الخاص من أصحاب موسىعليه‌السلام :( وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ) .

١١٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين في الجامع بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء والتطير منه وثقله وأيّ أربعاء هو؟ فقالعليه‌السلام : آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء القى إبراهيمعليه‌السلام في النار، ويوم الأربعاء خسف الله بقارون والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٣ ـ في من لا يحضره الفقيه في مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهى أنْ يختال الرجل في مشيته وقال: من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم، وكان قرين قارون، لأنه أول من اختال فخسف الله به وبداره الأرض.

١١٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وكان سبب هلاك قارون انه لـمّا خرج موسىعليه‌السلام ببني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية وكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، وكان قارون منهم وكان يقرأ التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه، وكان يسمى المنون لحسن قراءته، وكان يعمل الكيميا، فلما طال الأمر على بنى إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة وكان موسىعليه‌السلام يحبه، فدخل إليه موسى فقال له: يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد هاهنا؟ ادخل معهم والا ينزل بك العذاب فاستهان به واستهزأ بقوله، فخرج من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيط شعر بيده العصا، فامر قارون أنْ يصب عليه رمادا قد خلطه بالماء، فصب عليه فغضب موسىعليه‌السلام غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى: يا رب إنْ لم تغضب لي فلست لك بنبي فأوحى اللهعزوجل اليه: قد أمرت الأرض أنْ تطيعك فمرها بما شئت وقد كان قارون

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247