سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام0%

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 247

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

مؤلف: مؤسسة البلاغ
تصنيف:

الصفحات: 247
المشاهدات: 101107
تحميل: 5682

توضيحات:

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 247 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101107 / تحميل: 5682
الحجم الحجم الحجم
سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام

مؤلف:
العربية

ونجح مسعاهم ذاك؛ ومن هذا القبيل استأثر معاوية بالهيمنة على دمشق وحمص وفلسطين والأردن، جمع بين يديه أسباب الثّروة والقوّة، وغدا مشهوراً في كافّة أنحاء العالم الإسلاميّ. وبعد مقتل عثمان، ومبايعة عليّ صهر الرسول وابن عمّه، وأبي الإمامين الحسنين بالخلافة، قام المنافقون وأهل الباطل، يرفعون لواء العداء وراية الخلاف من جديدٍ، وشهروا سيوفهم في وجه الإمامعليه‌السلام ، في حروب الجمل وصفّين والنهروان، وكانت مناسباتٍ جمعت أعداء الإسلام وأهل الباطل، وورثة الجاهليّة، إلى جانب معاوية بن أبي سفيان.

وبين مدّ وجزر في القتال، وأخذٍ وردّ في الجدال بين عليّعليه‌السلام ومعاوية، اجتمع نفر من الأغبياء، الذين أوهمهم غرورهم بأنّهم قادرون على علاج ما يشكو منه الناس، وإصلاح أمور المسلمين، وقرّروا أنّ علّة ما يعاني منه المسلمون تعود إلى ثلاثيّ خطر، هو معاوية وعمرو بن العاص وعليّ، وأنّه ليس من حلّ يضمن الخلاص للمسلمين سوى القضاء على ذلك الثلاثيّ دفعةً واحدةً. ونتيجةً لتفكيرهم السّقيم

٦١

استشهد الإمامعليه‌السلام ذلك القائد الورع العادل، بينما فتح الطريق واسعاً أمام الآخرين.

عهد الحسنعليه‌السلام

في ذلك العهد، حين كانت قيادة الناس وإدارة الأعمال بيد أعوان معاوية، تسلّم الإمام الحسنعليه‌السلام الخلافة، وكان عليه أن يواجه أسوأ القادة الذين كانوا قد تسلّموا مناصبهم في ذلك الحين، وجلّهم من بني أميّة، وقد كانوا من سنواتٍ طويلة في انتظار هذه المناصب. ليخضموا مال الله خضم الإبل نبتة الرّبيع.

كانت خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام في ذاك العهد، تغطّي أقساماً واسعةً من العالم الإسلامي، تشمل فارس وخراسان، واليمن والحجاز، والكوفة والعراق. وكانت مناطق يسودها القلق والاضطراب، رغم أنّ أهلها يدينون له بالطّاعة.

أدرك الإمام منذ الأيّام الأولى لخلافته أن معاوية يضمر له السّوء ويستعدّ لحربه. فبعث بعددٍ من رسله إلى حكّام المدن والولايات، يطلب منهم الاستعداد

٦٢

والتأهّب للقتال، كما أرسل إلى معاوية كتاباً يلقي عليه فيه الحجّة، وينصحه ويبصّره بعواقب أعماله. ويبيّن فيه حقّه وجدارته بالخلافة. وأنّ الحرص على الإسلام ووحدة المسلمين يقتضي البعد عن الحرب والخصام، ويدعوه إلى أن يستجيب لدواعي العقل وفروض الطّاعة، وألاّ تأخذه العزّة بالإثم، فيورد نفسه موارد الهلاك، ويورد الأمّة الإسلامية موارد الفتنة والخلاف، ثمّ يتوعّده أخيراً بالقتال إن لم يستجب، حتّى يحكم الله بينهما.

ولكن أين معاوية من هذه النّصائح؟ فالرجل لا يتطلّع إلاّ إلى الحكم والرّئاسة، ولا يتردّد - في سبيل الوصول إليهما - من الإقدام على أيّ عمل، مهما كان عمله باطلاً وبعيداً عن الحقّ. وبدلاً من أن يستجيب لنصائح الإمام، فقد أرسل جواسيسه - خفيةً - إلى الولاة والقادة - يمنّيهم بالأموال والعطايا، والجاه والمناصب، إن هم ابتعدوا عن الإمام ووقفوا إلى جانبه هو.

قبل الكثيرون من أعيان تلك الأيّام عروض معاوية وإغراءاته، ونقضوا عهودهم مع الإمام

٦٣

الشرعيّ، وانضمّ بعضهم علناً إلى معسكر معاوية، كما عرض عليه بعضهم الآخر أن يلقوا القبض على الإمام ويرسلوه إليه أسيراً لكنّ معاوية الدّاهية المخادع، طلب إليهم أن يبقوا كما هم عليه، حتى إذا اندلع القتال، انقلبوا على الإمام وخذلوه.

ومضت شهور اشترى معاوية خلالها بأمواله وهداياه كثيراً من زعماء القبائل، ممّن اعتاد على قبول الأموال والرّشاوي، وممّن هو على استعداد لبيع نفسه ودينه وضميره بثمنٍ بخسٍ. لقد أدرك أولئك الزّعماء أنّ طريق الإمام هو طريق أبيه أميرالمؤمنينعليهما‌السلام ، وأنّ الطريق الآخر هو طريق المغانم والكسب الوفير، فاختاروه، وباعوا دينهم بدنياهم، وبأبخس الأثمان !!

الخيار بين الدين والدنيا

تحرّك معاوية بجيش كبيرٍ نحو الكوفة معقل الإمامعليه‌السلام . وكان الإمام يسعى بدوره لدفع الكوفة إلى الجهاد، ويلقى في سعيه العناء والتعب، لأنّ القليلين كانوا على استعدادٍ لذلك، وكانوا فرقاً لكلّ

٦٤

منهم رأي مختلف، وإنّ جيشاً يجري تجميعه من مثل هؤلاء، لهو جيش عاجز عن خوض حربٍ جدّيّةٍ وجهاد صادقٍ.

عيّن الإمامعليه‌السلام ابن عمّه عبيد الله بن عبّاسٍ لقيادة جيشه، ونحن نعلم أنّ عبيد الله هو من قريش، يعرفه جميع قادة الجيش وزعماء القبائل ويحترمونه ويطيعون أوامره. وكان من أوائل الذين بايعوا الإمام الحسنعليه‌السلام ، بالإضافة إلى أنّ قلبه كان يطفح كرهاً وعداوةً لمعاوية، الذي قتل أبناءه.

بعث الإمام بعبيد الله على رأس جيشٍ من اثني عشر ألفاً نحو معاوية، بينما توجّه هو بجيش كبير نحو المدائن، وأقام معسكره هناك؛ كجزءٍ من خطّةٍ للتّغلّب على جيوش معاوية الجرّارة.

لم يكن معاوية قد نسي مرارة حرب صفّين، ولا تزال ذكرى سيوف أصحاب عليّعليه‌السلام تصيبه بالارتجاف؛ لذا فقد صمّم على أن يتوسّل الحيلة والخداع في حربه هذه؛ فأرسل موفداً إلى عبيد الله خفية يعرض عليه ألف ألف درهمٍ (مليون درهم)، إن قبل أن ينفض يديه من هذه الحرب، على أن يدفع

٦٥

له نصف المبلغ في معسكره إذا أتى إليه، والنصف الآخر في الكوفة.

بقي عبيد الله أيّاماً وهو حائر في أمره، فهو يعلم أنّ قلّةً من الناس قد استجابوا لدعوة الإمام، بينما يقود معاوية جيشاً لجباً، وتصوّر أنّ جيش معاوية سينتصر لا محالة، فلم التردّد؟ والعرض فيه إغراء كبير؟

صمّم عبيد الله أخيراً، واتّخذ قراراً ملؤه الخجل والعار؛ وفي منتصف تلك الليلة. انسحب مع مجموعةٍ من أعيان الجيش وقادته نحو معسكر معاوية لقد اختار أن يبيع الله ورسوله وإمامه ودينه بثمنٍ رخيصٍ، وأن يفوز بوصمة عارٍ لن تفارقه إلى الأبد.

اجتمع الناس لصلاة الصّبح. وانتظروا عبيد الله كي يؤمّهم في الصلاة، حيث من المقرّر أن ينطلقوا بعد الصلاة إلى القتال. لكنّ انتظارهم ذهب عبثاً، فعبيد الله لم يحضر إلى الصلاة ثم عرفوا الحقيقة إذ سمعوا منادياً من معسكر أهل الشام يقول: أيّها الناس؛ تفرّقوا وعودا إلى بيوتكم، فإنّ عبيد الله وأنصاره في معسكر معاوية، وقد اختاروا الصّلح على

٦٦

الحرب، فلا خير في قتال الإخوة

كان عبيد الله الرجل الأوّل بعد الإمام في إمرة الجيش. وكانت خيانة هذا الرجل (الكبير) وهذا (الفقيه) المعروف، باعثاً على تخاذل الكثيرين، كما خدعٍ آخرون بدعوة السلام الكاذبة، وشرعوا يتفرّقون كلّ في اتّجاهٍ.

أحسّ جماعة من أنصار الإمام المخلصين بالخدعة، وحاولوا إعادة المتخاذلين ولمّ الصّفوف، لكنّ محاولتهم باءت بالفشل. وبقيت قلّة صادقة الإيمان ثابتةً في موقفها، وقد نذر أفرادها أنفسهم للموت في سبيل الحقّ، وأرسلوا إلى الإمام يطلبون إمدادهم بالرّجال.

كان الفارّون والمتخاذلون يتّجهون نحو المدائن، وينشرون في طريقهم أخباراً كاذبةً مفادها أنّ جيش معاوية قد انتصر على طليعة جيش الإمام، وغدت هذه الأنباء عذراً لأولئك الذين خرجوا مع الإمام، رياءً وعلى كرهٍ منهم، وحجّةً تذرّعوا بها في تخاذلهم وعودتهم إلي الكوفة. إنّ القصّة تعيد نفسها، قصّة الخوارج مع أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، قصّة أولئك الذين

٦٧

يخذلون إمام زمانهم، لا بل يقتلونه، فواعجباً يدّعون أنّهم حماة الإسلام والحقّ، ثمّ يفتحون الطريق واسعاً أمام أعداء الإسلام والحقّ

القصّة تعيد نفسها اليوم في صورة امتحانٍ كبير، يتمّ فيه الفرز جيّداً، فالمنافقون ضعاف النفوس عادوا أذلّةً إلى بيوتهم، والأصحاب الأوفياء الصادقون ثبتوا في مواقعهم آباةً أعزّة، وطريق الشهادة أمامهم واضح مستقيم لا عوج فيه.

الخيار الصّعب

لم يبق أمام الإمام الآن غير طريقين لا ثالث لهما، فإمّا القتال والتّضحية بأولئك الأوفياء المخلصين، وإمّا الرّضوخ لشروط الصلح، والصبر على الألم، طريق صعب لكنّ فيه خلاصاً لأولئك الأصحاب البررة من قتل لا طائل تحته، واختارعليه‌السلام وقف القتال على شروطٍ، اختار بقيّة عليّ ما اختاره أبوه -عليهما‌السلام - قبل خمس وعشرين سنةً، ونفض يديه - مكرهاً - من الاحتكام إلى القتال.

كان هذا اليوم - والحقّ يقال - أكثر أيّام المسلمين

٦٨

خيبةً ومرارةً، كان من السّهل اليسير على الإمام أن يأمر بمتابعة القتال، فيقاتل مع أصحابه حتى يقتلوا، إنّه ابن عليّعليهما‌السلام ، وليس هو بالذي يخشى الموت، لكنّه كان يدرك جيّداً أنّه لن يقتل حتى يتقدّمه أهله جميعاً إلى القتل، وأنّ أهله أيضاً لن يقتلوا حتى يسبقهم إلى الموت أنصارهم، دون أن تكون بقتلهم الفائدة المرجوّة في توعية المسلمين، لأنّ حقيقة الخلاف بين الحسن ومعاوية كانت ما تزال خافيةً على الكثيرين؛ وهذا هو عين ما كان معاوية يريده ويتمنّاه، كان طيلة حكمه في الشّام يدّعي ويوهم النّاس بأنّه حامي حمى الإسلام، وكان الناس يصدّقون ذلك، لأنّهم لم يكونوا قد كشفوا بعد خيانته للإسلام والمسلمين، وأنّه إنّما يرمي إلى تأمين مصالحه ومصالح عائلته، متوسّلاً بحمايته للإسلام في سبيل ذلك. هذه هي حقيقة الخلاف بين الرّجلين، فإذا قتل الحسن اليوم فلن يعرف الناس الحقيقة.

وهكذا وفي أكثر أيّام المسلمين ظلاماً، وحيث لم تكن - حتّى دماء الشهداء - لتجدي نفعاً في إيقاظ الأمّة من سباتها، قبل الإمام الحسنعليه‌السلام الصلح، وأعطى فرصةً ليومٍ آخر سيأتي يوم

٦٩

سيكتشف الناس فيه حقيقة معاوية، وحقيقة الخلاف، فيهبّوا عندها للقتال وللشهادة، بعد أن يكونوا قد عرفوا الحقيقة.

قبل الإمام الصّلح بعد أن أخذ من معاوية عهداً اعترف فيه هذا بكثير من الحقائق التي كانت سبباً في وعي الناس وإدراكهم، وهذا ما كان يرمي إليه الحسنعليه‌السلام ، وقد تعهّد معاوية بألاّ يعيّن وليّاً لعهده، فليس ذلك من حقّه، وأن يدع الشيعة وشأنهم فلا يتعرض لهم بقتلٍ أو أذيّةٍ، وأن يمنع أعوانه من شتم أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وأن يدفع للحسن الخراج الذي هو حقّ له، وأمور غيرها تمّ الاتّفاق والتوقيع عليها، وتوقّف القتال، وعاد الإمام وأهله وأصحابه إلى الكوفة.

أحسّ أصحاب الحسنعليه‌السلام بالخيبة والخذلان، حتى تمنّى بعضهم أن لو تخطّفه الموت ولم ير هذا اليوم، واحتجّ الكثيرون على قبول الإمام بالصّلح ، وصدرت عن بعضهم أقوال غير لائقةٍ ، أمّا الحسينعليه‌السلام فقد كان الوحيد الذي تقبّل هذا الصّلح ولم يعترض عليه قطّ، مسلمّاً بحكم أخيه

٧٠

الإمامعليه‌السلام ، وراضياً بصواب تصرّفه.

الحقيقة أنّ الكثيرين لم يلتفتوا إلى أمر هامّ، وهو أنّ معارضتهم للإمام هي في حكم معارضتهم للقرآن الكريم، الذي يعرّفنا بعصمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنّ ما يقرّرونه من صلح أو حربٍ أو أمرٍ أو نهيٍ، فهو أمور مبرمة مقدّسة. وأنّ اعتراضهم هو ردّ على رسول الله إذ يقول: الحسن والحسين إمامان إن قاما وان قعدا). لكنّ الناس يتسرّعون بالحكم دون رويّةٍ أو تفكيرٍ.

توجّه معاوية بعد ظفره نحو الكوفة، معقل أميرالمؤمنين وأصحابه، وهناك وقف على منبر مسجدها الكبير، يملأ الغرور أعطافه، وشرع يتناول أصحاب عليّعليه‌السلام بكلامٍ بذيءٍ غير لائق، ثمّ تناول بتقريعه رؤساء القبائل، فغدر بهم بعد أن كان قد أبرم معهم المواثيق، وصار يحدّدهم بالاسم والإشارة، وخلّفهم في وضعٍ فاضحٍ ذليلٍ، لا يحسدون عليه.

وهذه هي عاقبة الخيانة على أيّ حالٍ، فالذّين أقدموا على خيانة الإمامعليه‌السلام لم يظفروا حتّى بعطفٍ بائسٍ من معاوية.

٧١

توجّه الإمام وأهله بعد هذه الأحداث نحو يثرب، حيث استقرّوا هناك، وتسلّم بنو أميّة حكم الكوفة، وفي مكان عليّ وعلى منبره حلّ زياد ابن أبيه ومن بعده ابنه، واضطرّ أولئك الذين كانوا ينتحلون الأعذار لتبرير مواقفهم من حكم أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، ورفضوا قبول حكم العدل والتقوى من ابنه بعده، اضطرّوا لأن يحنوا هاماتهم تحت سيوفٍ ملطّخة بالدّماء، وعرفوا - ولكن متأخّرين - قدر النّصائح التي رفضوها، كما عرفوا أيّ بلاءٍ جلبوه لأنفسهم، وندموا على ما قدّمته أيديهم، لكنّ الندّم المتأخّر لا خير فيه.

كان أولئك المنحرفون يعلنون العصيان باستمرارٍ، ولأسباب وأعذارٍ واهيةٍ، طيلة خمس سنواتٍ من حكم الإمام عليّعليه‌السلام وبضعة شهورٍ من حكم ابنه الحسن. لكنّهم الآن قعدوا يلعقون جراحهم، وتركوا لمعاوية الحبل على غاربه، يفعل ما يشاء، دون أن يزعجوه بحرفٍ أو يعترضوه بكلمةٍ، فلا طلحة ولا زبير بينهم يرفعان لواء التمرّد والعصيان، ولا خوارج يثيرونها فتنةً هوجاء عمياء، أمّا المنافقون فحدّث عنهم ولا حرج.

٧٢

في تلك الفترة السّوداء الكالحة من التاريخ، كان أصحاب عليّ فقط، هم الذين تصدّوا وحدهم لحكم الطّغيان، وقدّموا أرواحهم في هذا السبيل، أمّا الأجراء أصحاب الجعالات، فقد زحفوا على وجوههم وبطونهم، ينثرون المديح للحكّام دون أن ينسوا علياًعليه‌السلام من سبابهم وشتائمهم، والكلام الذي لا يصدر إلاّ عن أمثالهم.

كم هو يسير أن يقف المؤمنون في وجه جبابرة التاريخ، غير أنّ الوقوف في وجه (معبودٍ) أجمع الكثيرون على (عبادته) فأمر فوق الطّاقة

نقض العهد

وأخيراً وحين أدرك معاوية اقتراب أجله، خشي أن تنتقل الخلافة بعده إلى الحسن، فتضيع جهوده التي أفنى عمره في سبيلها، ويعود أهل البيت إلى حقهم، وهنا الطّامّة الكبرى، فعزم على دسّ السمّ للإمام الحسنعليه‌السلام ، ونفّذ ما عزم عليه، وقضى على الإمام مسموماً بيد زوجته، متنكّراً لكلّ عهدٍ أبرمه أو ميثاق أقسم عليه، وغمر الفرح باستشهاد الإمام قلب مروان عدوّ الله وعدوّ نبيّه، وقلوب كثيرين غيره، فلم

٧٣

يخجلوا من رشق تابوته بنبالهم عند تشييعهعليه‌السلام .

انصرف معاوية بعد ذلك إلى إكمال خطّته، فأخذ البيعة لابنه يزيد شارب الخمر، من أهل الشّام أوّلاً، ثم من أهل مكّة والمدينة، فضمن بذلك استمرار حكم بني أميّة، دون أن يجد من آل طلحة والزبير من يرفع في وجهه راية (الجهاد).

ألا ما أشبه اليوم بالأمس، فقد حال النّاس دون الإمام وحقّه اليوم، كما فعلوا مع أبيه بالأمس. وقطفوا - في الحالتين - ثمار عملهم ذلاً وخذلاناً. لقد بذل الحسنعليه‌السلام جهده في إرشادهم وتوعيتهم، لكنّه كان يعي حقيقة قوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم:( إنّك لا تهدي من أحببت، ولكنّ الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين ) . كان يعلم أنّ للرّسول مهمّةً يؤدّيها، وهي إبلاغ رسالة ربّه إلى الناس، أحبّوا أن يؤمنوا بها أم لم يحبّوا، وكذلك فللإمام مهمّته أيضاً، وهي أن يرعى استمرار سيرة الرسول، ويحفظ الإسلام ويصونه بما يراه مناسباً، وهذا ما فعلهعليه‌السلام ، فقد سلك سبيلاً كشف للناس ما كان

٧٤

خافياً عليهم من حقائق، وبيّن للجميع أنّ الخطر على الإسلام يكمن في انخداع النّاس بالمظاهر الكاذبة للحكّام والقادة، الذين يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون غير ما يبدون، وعلّمهم أنّ صون الإسلام وصون وحدة المسلمين أمر يقتضي منهم الصّبر الجميل، كما صبر هو كثيراً على هضم حقّه، وصبر على ظلم بعض أصحابه له حين خاطبوه بقولهم: يا مذلّ المؤمنين لقد صبر وهو يعلم أنّ صبره إنّما هو في سبيل الله وعزّة المسلمين، فلا ضير فيه طالما أنّه يغرس بذور الثّورة على الظلم، ثورة أخيه الحسين، لقد كان عهده وصلحه جزءاً من ثورة الحسين، وحقّ فيه وفي أخيهعليهما‌السلام قول جدّهما الرسول الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله :

(الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)

الإمام الحسينعليه‌السلام

الاسم: الإمام الحسينعليه‌السلام

اسم الأب: الإمام عليعليه‌السلام

اسم الأم: فاطمة الزهراءعليها‌السلام

تاريخ الولادة: ٣ شعبان السنة الرابعة للهجرة

محل الولادة: المدينة

تاريخ الاستشهاد: ١٠ محرم السنة ٦١ للهجرة

محل الاستشهاد: كربلاء

محل الدفن: كربلاء

٧٥

الوليد المبارك

باسمه تعالى

في اليوم الثالث من شعبان، من السنة الرابعة للهجرة، رزقت فاطمة الزهراءعليها‌السلام وليدها الثاني العظيم.

قامت (أسماء) إحدى رفيقات فاطمةعليها‌السلام بلفّ الوليد الصغير بقطعةٍ نظيفة من القماش الأبيض، وتقدّمت به نحو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتناوله منها واحتضنه، وجعل يوسعه تقبيلاً، ثمّ ضمّه إلى صدره الشريف، وتلا في مسامعه اسم الله وكلمة لا إله إلاّ الله، وأذّن وأقام، ثم أسماه (حسيناً).

طفق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله . يرمق الحسين وهو على صدره، ثمّ ضغط عليه برفق وحنان، وشفتاه تتحرّكان بأقوال مبهمةٍ، ثم بدأ يتحسّس أطرافه بمداراةٍ شديدةٍ، وقد شلمه بنظرةٍ ملؤها الحزن، ثم غلبه البكاء.

٧٦

عجبت أسماء لما رأته وقالت: فداك أبي وأمّي، ممّ بكاؤك؟ فأجابها وقد غامت عيناه: (من ابني هذا)، فملكتها الحيرة، ولم تدرك مغزى قوله، فقالت: إنّه ولد الساعة فأجابها بصوتٍ متقطّع: (تقتله الفئة الباغية بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي .). ثمّ نهض وهو مثقل بالهمّ وقال لها: (لا تخبري فاطمة فإنّها حديثه عهدٍ بولادةٍ.).

وتولّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه رعاية الحسين. واهتمّ به اهتماماً بالغاً. وقد استشفّصلى‌الله‌عليه‌وآله من وراء الغيب كلّ ما سيجري لولده الحسينعليه‌السلام وعرف أنّ الله سبحانه قد اختاره ليحفظ به أنوار الإيمان مضيئةً مشعّةً، ويطفئ به وبعائلته شعلة الكفر والنفاق. وتلك نعمة منّ الله بها على أهل بيت نبيّهعليهم‌السلام ، لكنّ المنافقين لا يؤمنون.

بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

هل سمعتم ماذا فعل الظالمون بوصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ إنّهم بعد أن سمعوها منه ووعوا ما يرمي إليه منها، واستقرّت في خواطرهم، عميت

٧٧

عنها قلوبهم، فنقضوا عهود الله ومواثيقه، وتناسوا قدر أسرة النبيّ المطهّرة المهديّة، فوضعوا مصير الإسلام والمسلمين بين أيدي أعداء الإسلام، واختاروا العمى على البصيرة، والظلمات على النور، (واستحبّوا العمى على الهدى).

فلو أنّهم استجابوا إلى أوامر الله ورسوله، إذن لفتحت لهم أبواب النعم، ولنالوا القوّة والمعرفة. لكنّهم أبوا فظلموا أنفسهم، وفي ظلّ جهلهم ونقضهم للعهود نال الإمام العظيم عليّعليه‌السلام الشهادة، بينما تربّع معاوية على عرش الخلافة ومن فوق هذا العرش أشهرت السيوف على رقاب المسلمين، في مجازر شاملةٍ، وقتل الإمام الحسن بالسّم.

الحسينعليه‌السلام وبيعة يزيد

أمّا الحسينعليه‌السلام ، فقد احترم الذي رضيه أخوه، فلم يشهر سيفاً في وجه معاوية طيلة حياته، لكنّ معاوية نقض العهد والميثاق وسلّم خلافة الإسلام والمسلمين إلى ابنه الفاجر، الذي ما إن مات أبوه حتّى أصدر أوامره إلى الوليد، عامله على المدينة،

٧٨

كي يأخذ البيعة له من الإمام الحسين، ويدعوه إلى تقديم فروض الطّاعة.

دعا الوليد الإمام في منتصف تلك الليلة وقال له: يا حسين آجرك الله في معاوية، وليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك، ولست تجهل مقامك بين الناس، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع، وتسلك مسلك الوفاء، فتكون قدوةً للغير، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة، وعليك أن تسعى لما فيه خير وصلاح المسلمين.

استمع الحسينعليه‌السلام إلى الوليد، وسرح في بحر من التفكير والقلق، وأدرك أنّ كلّ شيءٍ قد انتهى، وأنّ يزيد قد صمّم على الشرّ. لقد صمت الحسين عشر سنواتٍ من حكم معاوية. فلم يحرّك ساكناً، أسوةً بأخيه الشهيد، ولكن هل بمقدوره الصمت والسكوت على أعمال يزيد؟ وهل يستطيع أن يبقى متفرّجاً على ظلمه وطغيانه، فيجيز بذلك أعماله وشروره؟ في حين يدركعليه‌السلام أنّ الأمّة الإسلامية كانت ترقب ما سيفعله مع يزيد، لأنّ في مبايعته له إقراراً بما كان يرتكبه من منكرٍ. كان عليه.

٧٩

السلام يدرك هذا وأكثر منه فالتفت إلى عامل يزيد وقال: (إنّ مثلي لا يبايع سرّاً فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة، دعوتنا معهم .).

كان الوليد - كما يقال - ميّالاً للمسالمة، فوافق على تأجيل الأمر إلى الصّباح، غير أن مروان بن الحكم - وكان حاضراً مجلسهما - صاح بالوليد: لئن فارقك الساعة ولم يبايع، لا قدرت منه على مثلها أبداً احبسه، فإن بايع وإلاّ ضربت عنقه. فوثب إليه الإمامعليه‌السلام قائلاً: (يابن الزرقاء، أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله ولؤمت). ثم التفت إلى الوليد فأخبره عن عزمه على رفض البيعة ليزيد قائلاً: (أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، ونرى وترون).

التوجه إلى مكّة

في تلك الليلة عزم الحسين على مغادرة المدينة

٨٠