الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ١

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد0%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 364

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 364
المشاهدات: 191066
تحميل: 7876


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191066 / تحميل: 7876
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء 1

مؤلف:
العربية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثِقتي

أخبَرنَا السيّدُ الأجل عميدُ الرؤساء أبو الفتح يحيى بن محمّد بن نصْر بن عليّ بن حيا(١) - أدام الله عُلُوّه - قراءةً عليه سنةَ أربعين وخمسمائة، قال: حَدَّثنا القاضي الأجَلّ أبو المَعالي أحمد بن عليّ بن قدامَة في سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة، قال: حَدَّثني الشيخُ السعيد المُفيد أبو عبدالله محمّدُ بنُ النُعمانرضي‌الله‌عنه في سنةِ إحدى عشرة وأربعمائة قال:(٢)

الحمد لله على ما ألْهَمَ من معرفته، وهدَى إليه من سبيل طاعته، وصلواته على خِيرته من بَريته، محمّد سيّد أنبيائه وصفوته، وعلى الائمة المعصومين الراشدين من عِترته، وسلّم.‎

____________________

(١) كذا في نسخة « ق » و « ح » من دون تنقيط.

(٢) ورد هذا السند في مقدمة النسخة « ح » و « ق ».

٣

وبعدُ:

فإنّي مُثبِتٌ - بتوفيق الله ومعونته - ما سألتَ - ايدك الله - إثباتَه من أسماءِ أئمّة الهُدى: وتاريخ أعمارهم، وذكر مَشاهدهم، وأسماء أولادهم، وطُرفٍ من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم، لتِقفَ على ذلك وقوفَ العارف بهم، ويظْهَرَ لك الفرقُ ما بين الدعاوى والاعتقادات فيهم، فتميّزبنظرك فيه ما بين الشبهات منه والبيّنات، وتعتمد الحقً فيه اعتماد ذويَ الإِنصاف والديانات، وأنا مجيبك إلى ما سألت، ومتحرٍّ فيه الإِيجاز والاختصار حَسَب ما أثرت من ذلك والتمست، وبالله أثق، وإيّاه أستهدي إلى سبيل الرشاد.

٤

باب الخبر عن أمير المؤمنين

صلوات الله عليه

أوّلُ أئمّة المؤمنين، ووُلاةِ المسلمين، وخلفاء الله تعالى في الدين، بعد رسول الله الصادق الأمين محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين، - صلواتُ الله عليه وآله الطاهرين - أخوه وابنُ عمّه، ووزيرُه على أمره، وصهْرُه على ابنته فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين، أميرُالمؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مَناف سيّد الوصيّين - عَليه أفضل الصلاة والتسليم -.

كُنيتُه : أبو الحسن، وُلِد بمكّة في البيت الحرام يومَ الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يُولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله تعالى له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وأمّه : فاطمة بنتُ أسَد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها، وكانت كالاُمّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رُبي في حِجرها، وكان شاكراً لبرها، وآمَنَتْ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأوّلين، وهاجَرَتْ معه في جُملة المهاجرين. ولمّا قبضها الله تعالى إليه كَفّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقميصه ليَدْرَأ به عنها هوامَّ الأرض، وتوسّد في قبرها لتَأْمَنَ بذلك من ضَغْطة القبر، ولقّنها الإقرارَ بولاية ابنها - أمير المؤمنينعليه‌السلام - لتجيبَ به عند المساءلة بعد الدفن، فخصَّها بهذا الفضل

٥

العظيم لمنزلتها من الله تعالى ومنهعليه‌السلام ، والخبر بذلك مشهور (١) .

فكان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وإخوته أوّل من ولده هاشم مرتين(٢) ، وحاز بذلك مع النشوء في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والتأدّب به الشرفين. وكان أوّل من آمن بالله عزّ وجلّ برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل البيت والأصحاب، وأول ذَكَرٍ دعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام فأجاب، ولم يزل ينصر الدين، ويجاهد المشركين، ويذبّ عن الإيمان، ويَقْتُل أهل الزيغ والطغيان، وينشر معالم السنّة والقرآن، ويحكم بالعدل ويأمر بالإحسان. فكان مقامه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمكّة قبل الهجرة مشاركاً له في محنه كلّها، متحمّلاً عنه أكثرأثقاله؛ وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح عنه المشركين، ويجاهد دونه الكافرين، ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين، إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنّته ورفعه في عليّين، فمضىصلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمير المؤمنينعليه‌السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة.

فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقالت شيعته - وهم بنو هاشم وسلمان وعمّار وأبوذر والمقداد وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيّوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري

____________________

(١) اُنظر الكافي ١: ٣٧٧ / ٢، دعائم الاسلام ٢: ٣٦١، خصائص الأئمة: ٦٤.

(٢) في نسخة « ح »: من ولد من هاشميين.

٦

وأبو سعيد الخدْري، وأمثالهم من جِلّة(١) المهاجرين والأنصار -: إنّه كان الخليفةَ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمامَ لفضله على كافّة الأنام بما اجتمع له من خِصال الفضل والرأي والكمال، من سَبْقه الجماعةَ إلى الإيمان، والتبريزِعليهم في العلم بالأحكام، والتقدّم لهم في الجهاد، والبَيْنونةِ منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح، واخصَاصِه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في القُربى بما لم يَشرْكه فيه أحدٌ من ذوي الأرحام.

ثمّ لنصّ الله على ولايته في القران، حيث يقول جلّ اسمه:( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُه وَألَّذينَ آمَنُوا ألَّذينَ يًقيمُونَ ألصَّلاةَ ويُؤْتونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، ومعلومٌ أنّه لم يزكّ في حال ركوعه أحد سواهعليه‌السلام ، وقد ثَبَت في اللغة أنّ الوَلي هو الأولى بلا خلاف.

وإذا كان أميرُ المؤمنينعليه‌السلام - بحكم القرآن - أولى بالناس من أنفسهم، لكونه وليّهم بالنصّ في التبيان، وَجَبَتْ طاعتهُ على كافّتهم بجَليّ البيان، كما وَجَبتْ طاعةُ الله وطاعةُ رسوله عليه وآله السلام بما تَضَمَّنه الخبرُ عن ولايتهما للخلق فِى هذه الآية بواضح البرهان.

وبقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يومَ الدار، وقد جَمَع بني عبد المطلب - خاصّةً - فيها للإِنذار: « مَنْ يُؤازِرْني على هذا الأمر يَكُنْ أخي ووصّيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » فقام إليه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام من بين جماعتهم، وهو أصغرهم يومئذ سنّاً فقال: « أنا اُؤازرك يا رسول الله » فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اجلس فانت أخي ووصيّي

____________________

(١) جلّة: جمع جليل.

(٢) المائده: ٥٥.

٧

ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » وهذا صريحُ القول في الاستخلاف.

وبقوله - أيضاً -عليه‌السلام يوم غدير خم وقد جمع الأمّة لسماع الخطاب: « ألستُ أولى بكم منكم بانفسكم »؟ فقالوا: اللهم بلى، فقال لهمعليه‌السلام - على النسق من غير فصل بين الكلام -: « فمن كنتُ مَوْلاه فعَلي مَوْلاه » فاوجَبَ له عليهم من فرض الطاعة والولاية ما كان له عليهم، بما قرّرهم به من ذلك ولم يتناكروه. وهذا أيضاً ظاهرٌ في النص عليه بالامامة والاستخلاف له في المقام.

وبقولهعليه‌السلام له عند توجّهه إلى تَبوك: « أنت منّي بمنزلةِ هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي » فاوجب له الوِزارة والتخصّص بالمودّة والفضل على الكافّة، والخلافة عليهم في حياته وبعد وفاته، لشهادة القران بذلك كلّه لهارون من موسىعليهما‌السلام ؛ قال الله عزّ وجل مُخبراً عن موسىعليه‌السلام :( واجعل لي وَزيراً مِنْ أهْلي * هارُونَ اَخي * أشْدُدْ بهِ اَزْري * وَأشْرِكْهُ في اَمْري * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيراً * في وَنَذْكُرَكَ كَثيراً * اِنَّكَ كُنْتَ بنَا بَصيراً * قَال قَدْ أوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسى ) (١) فثبت لهارونعليه‌السلام شركة موسى في النبوّة، ووِزارتُه على تادية الرسالة، وشَدُّ أزْرِه به في النصرة. وقال في استخلافه له:( أخْلُفْني في قَوْمِي وَاصْلحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اْلمُفْسِدينَ ) (٢) فثبتت له خلافته بمحكم التنزيل.

فلمّا جعل رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام

____________________

(١) طه ٢٠: ٢٩ - ٣٦.

(٢) الأعراف ٧: ١٤٢.

٨

جميعَ منازل هارون من موسىعليهما‌السلام في الحُكمِ له منه إلاّ النبوّة، وجبت له وزارةُ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وشدّ الأزر بالنصرة والفضل والمحبّة، لما تقتضيه هذه الخصال من ذلك في الحقيقة، ثمّ الخلافةُ في الحياة بالصريح، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لما أخرج منها بذكر البَعد، وأمثالُ هذه الحجج كثيرة ممّا يطول بذكرها الكتاب، وقد استقصينا القول في إثباتها في غيرهذا الموضع من كتبنا، والحمد للّه.

فكانت إمامةُ أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثينَ سَنَة، منها أربعٌ وعشرون سنة وأشهرُ ممنوعاً من التصرّف على أحكامها، مستعملاً للتقية والمداراة. ومنها خمس سنين وأشهر مُمْتَحَناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين، مُضطَهَداً بفِتَن الضالّين، كما كان رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها، خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمكّن من جهاد الكافرين، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين مُمْتَحَناً بالمنافقين، إلى أن قبضه اللّه - تعالى - إليه وأسكنه جنات النعيم.

وكانت وفاةُ أمير المؤمنينعليه‌السلام قبيلَ الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف، قتله ابنُ مُلْجَم المُرادي - لعنه اللّه - في مسجد الكوفة؛ وقد خرجعليه‌السلام يُوقظ الناسَ لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك، فلمّا مرّبه في المسجد وهو مُستَخْفٍ بامره مُماكرٌ بإظهار النوم في جملة النيام، ثار إليه فضربه على

٩

أمّ رأسه بالسيف - وكان مسموماً - فمكث يومَ تسعة عشر وليلةَ عشرين ويومَها وليلةَ إحدى وعشرين إلى نَحْو الثلث الاوّلْ من الليل، ثمّ قَضى نَحْبَهعليه‌السلام شهيداً ولقي ربَّه - تعالى - مظلوماً.

وقد كانعليه‌السلام يَعْلَم ذلك قبل أوانه ويُخْبر به الناسَ قبلَ زمانه، وتولّى غسلَه وتكفينَه ابناه الحسن والحسينُعليهما‌السلام بامره، وحَمَلاه إلى الغَرِيّ من نَجَفِ الكوفة، فدَفَناه هناك وعَفّيا موضِعَ قبره، بوصيّة كانت منه إليهما في ذلك، لما كان يعلمهعليه‌السلام من دَوْلة بني أُميّة من بعده، واعتقادهم في عَداوته، وما ينتهون إليه بسوء النيّات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمكّنوا من ذلك، فلم يزل قبرهُعليه‌السلام مخفىً حتّى دَلّ عليه الصادقُ جعفرُ بنُ محمّدعليهما‌السلام في الدَوْلة العبّاسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر(١) - وهو بالحِيْرة - فعَرَفَتْه الشيعة واستأنَفوا إذ ذاك زيارتهعليه‌السلام وعلى ذُرّيته الطاهرين، وكان سنّهعليه‌السلام يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

____________________

(١) ابو جعفر المنصور، عبدالله بن محمد بن علي بن العباس، ثاني خلفاء بني العباس، ولد في الحميمة من أرض الشراة سنة ٩٥ هـ وولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة ١٣٦ هـ، توفي ببئر ميمون سنة ١٥٨ هـ، ودفن في الحجون بمكة وكانت مدة خلافته ٢٢ عاماً، اُنظر « تاريخ بغداد ١: ٦٢، شذرات الذهب ١: ٢٤٤، تاريخ الطبري ٨: ١١٣، العبر١: ١٧٥، الاعلام ٤: ١١٧ ».

١٠

فصل

فمن الأخبار التي جاءت بذكرهعليه‌السلام الحادثَ قبل كونه،

وعلمِه به قبل حدوثه:

ما أخبر به عليُّ بن المُنْذِر الطريقي، عن ابن الفُضَيْل العَبْدي(١) ، عن فِطْر، عن أبي الطُفَيْل عامر بن واثِلة - رحمة اللّه عليه - قال: جَمَع أمير المؤمنينعليه‌السلام الناسَ للبيعة، فجاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ - لعنه الله - فردّه مرتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه، وقال عند بيعته له: « مايَحْبِسُ أشقاها! فو الّذي نفسي بيده لتُخْضَبن(٢) هذه من هذا » ووَضَعَ يدَه على لِحْيَته ورأسهعليه‌السلام ، فلمّا أدْبَر ابنُ مُلْجَم عنه منصرفاً قالعليه‌السلام متمثلاً:

« أشْدُدْ حَيازيمَكَ للموت

فإنّ الموتَ لاقيك

ولا تَجْزَع من الموت

إذا حَلّ بواديـك

كما أضحَكَكَ الدهرُ

كذاكَ الدهرُ يُبْكيك(٣) »

____________________

(١) لعل العبدي تصحيف الضبيّ، فإنّه محمد بن فضيل بن غزوان الضبيّ، مولاهم أبو عبد الرحمن، وقد عدّه الشيخ الطوسيقدس‌سره من أصحاب الصادقعليه‌السلام ووثقه ( رجال الشيخ: ٢٩٧ ) يروي عنه علي بن المنذر الطريقي، انظر: « الطبقات الكبرى ٦: ٣٨٩، انساب السمعاني ٨: ١٤٥، ميزان الاعتدال ٣: ١٥٧، تهذيب التهذيب ٧: ٣٨٦ و ٩: ٤٠٥ ».

(٢) في « ق » وهامش « ش »: ليَخْضِبَنَّ.

(٣) الطبقات الكبرى ٣: ٣٣، أنساب الأشراف ٢: ٥٠٠، مقاتل الطالبيين: ٣١، الخرائج والجرائح ١٠: ١٨٢ ذيل الحديث ١٤، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار ٤٢: ١٩٢ / ٦ والبيت الاخير اثبتناه من « ق ».

١١

وروى الحسنُ بنُ محبوب، عن أبي حَمْزة الثُماليّ، عن أبي إسحاق السَّبِيعيّ، عن الأصْبَغ بن نُباتة، قال: أتى ابن ملجم أميرَ المؤمنينعليه‌السلام فبايعه فيمن بايع، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام فتوثّق منه، وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدرَ ولا يَنْكث، فقال ابنُ مُلْجَم: واللّه - يا أمير المؤمنين - ما رأيتُك فعلتَ هذا بأحد غيري. فقال أميرُ المؤمنينعليه‌السلام :

« أُريد حِباءهُ ويُريدُ قتلي

عَذيرَك(١) من خليلِك من مُرادِ (٢)

امض - يا بنَ مُلْجَم - فواللّه ما أرى أن تَفِيَ بما قلت »(٣) .

وروى جعفر بن سُلَيمان الضُبَعيّ عن المـُعَلِّى بن زياد قال: جاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم - لعنه اللّه - الى أمير المؤمنينعليه‌السلام يستحمله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إحمِلني. فنظرإليه أميرالمؤمنينعليه‌السلام ثمّ قال له: « أنت عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المـُراديّ؟ » قال: نعم. قال: « أنت

____________________

(١) عذيرك من فلان بالنصب، أي هات من يعذرك فيه، فعيل بمعنى فاعل « النهاية - عذر - ٣: ١٩٧ ».

(٢) البيت لعمرو بن معدي كرب: كتاب سيبويه ١: ٢٧٦، الأغاني ١٠: ٢٧، العقد الفريد ١: ١٢١، خزانة الادب ٦: ٣٦١.

(٣) ذكره ابن شهرآشوب مختصراً في المناقب ٣: ٣١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ١٩٢ / ٧.

١٢

عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم المرُاديّ؟ » قال: نعم. قال: « ياغَزْوان، اِحمِله على الأشقر » فجاء بفرس أشقر فرَكِبه ابنُ مُلْجَم المُرادي وأخذ بعنانه، فلمّا ولّى قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« أريد حِباءه ويريد قتلي

عَذيرَك مِنْ خَليلك من مُراد »(١)

قال: فلمّا كان من أمره ما كان، وضَرَب أميرَ المؤمنينعليه‌السلام قُبض عليه وقد خَرَج من المسجد، فجيء به الى أمير المؤمنين، فقالعليه‌السلام : « والله لقد كنتُ أصنع بك ما أصْنَع، وأنا أعلمُ أنّك قاتلي، ولكن كنتُ أفعلُ ذلك بكَ لأستظهِرَ بالله عليك ».

فصل آخر

ومن الأخبار التي جاءت

بنَعْيه نَفْسَهعليه‌السلام إلى أهله وأصحابه قبل قتله:

ما رواه أبو زيد الأحوَل عن الأجلَح، عن أشياخ كِنْدَة، قال: سَمِعتُهم أكثرَمن عشرين مرّة يقولون: سَمِعنا علياًعليه‌السلام على المنبر يقول: « ما يمنَعُ أشقاها أن يَخْضِبَها من فوقها بدم؟ » ويَضَعُ يدَه على لحِيتهعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) اشار اليه ابن شهرآشوب في المناقب ٣: ٣١٠، والراوندي في الخرائج والجرائح ١: ١٨٢ ذيل الحديث ١٤.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ١٩٣ / ٨.

١٣

وروى علي بن الحَزَوَّر، عن الأصْبَغ بن نُباتَة قال: خَطَبَنَا أميرُ المؤمنينعليه‌السلام في الشهر الذي قُتِل فيه فقال: « أتاكمُ شهرُ رمضان، وهو سيّد الشهور، وأوّل السنة، وفيه تدور رَحا السلطان. ألا وإنّكم حاجّ العامَ صفّاً واحداً، وآيةُ ذلك أنّي لستُ فيكم » قال: فهو يَنْعى نفسهعليه‌السلام ونحن لا نَدْري(١) .

وروى الفَضْل بن دُكَين، عن حَيّان بن العبّاس، عن عثمان بن المُغِيرة قال: لمّا دخل شهرُ رمضان، كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يتعشّى ليلةً عند الحسن وليلةً عند الحسين وليلةً عند عبداللّه بن جعفر(٢) ، وكان لا يَزيد على ثلاث لُقَم، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك، فقال: « يأتيني أمرُ اللّه وأنا خميصٌ، إنّما هي ليلةٌ أو ليلتان » فأُصِيبعليه‌السلام في آخر الليل(٣) .

وروى إسماعيل بن زياد قال: حدثتني اُمّ موسى - خادمة(٤) علي عليه

____________________

(١) إعلام الورى: ١٦٠، مناقب آل أبي طالب ٢: ٢٧١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ١٩٣ / ٩.

(٢) في « ش »: عبداللّه بن العباس.

(٣) إعلام الورى: ١٦٠، المناقب للخوارزمي: ٣٩٢ / ٤١٠، مناقب آل أبي طالب ٢: ٢٧١، كنز العمال ١٣: ١٩٥ / ٣٦٥٨٣، الفصول المهمة: ١٣٩، وذكره مختصراً الراوندي في الخرائج ١: ٢٠١ / ٤١، وسيأتي في فصل من نعيه لنفسهعليه‌السلام اواخر الجزء الاول.

(٤) كذا في متن النسخ وفي هامش « ش »: خادم وهو صواب أيضاً.

قال في لسان العرب - خدم - ١٢: ١٦٦: ألخادم واحد الخدم غلاماً كان أو جارية... وفي حديث فاطمة وعلي عليهما‌السلام : « اسألي أباكِ خادماً تقيك حرً ما أنت عليه » الخادم واحد الخدم ويقع على الذكر والانثى لاجرائه مجرى الاسماء غير

١٤

السلام وهي حاضنة فاطمة ابنتهعليه‌السلام - قالت: سمعتُ عَليّاًعليه‌السلام يقول لابنته اُمّ كلثوم: « يابُنيّة، إنيّ أراني قلَّ ما أصحَبُكم » قالت: وكيف ذلك، يا أبتاه؟ قال: « إني رأيت نبيّ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي وهو يَمْسَحُ الغبارَ عن وجهي ويقول: يا عليّ، لا عليك قد قَضَيْتَ ما عليك ».

قالت: فما مَكَثْنا إلاّ ثلاثاً حتى ضُرِب تلك الضربة. فصاحت اُمّ كلثوم فقال: « يا بُنيّة لا تفعلي، فإنّي أرى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليَ بكفّه: يا علي، هَلمَّ إلينا، فإنّ ما عندنا هو خيرٌ لك »(١) .

وروى عمّار الدُهْني، عن أبي صالح الحنفيّ قال: سمِعمت علياًعليه‌السلام يقول: « رأيتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي، فشَكَوْتُ إليه ما لقيت من أُمّتهِ من الأود واللدد(٢) وبكيتُ، فقال: لاتَبكِ يا علي والتفِتْ، فالتفتُّ، فإذا رجلان مُصَفَدان، وإذا جلاميد تُرْضَخ بها رؤوسهما ».

فقال أبو صالح: فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو كلّ يوم، حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون: قُتِل أمير المؤمنين، قتل أمير

____________________

المأخوذة من الافعال كحائض وعاتق.. وهذه خادمنا - بغير هاء، لوجوبه، وهذه خادمتنا غداً. انتهى.

(١) المناقب للخوارزمي: ٣٧٨ / ٤٠٢، مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٣١١، كشف الغمة ١: ٤٣٣.

(٢) الأود: العوج، واللّدَدُ: الخصومة الشديدة، قال ابن الأثير: ومنه حديث علي: « رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت بعدك من الأود واللدد! » « النهاية - لدد - ٤: ٢٤٤ ».

١٥

المؤمنينعليه‌السلام (١) .

وروى عبيداللّه بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصريّ قال: سَهِرَ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في الليلة التي قتِل(٢) في صَبيحَتِها، ولم يَخْرُج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته، فقالت له ابنته امّ كلثوم - رحمة الله عليها -: ما هذا الذي قد أسْهَرَك؟ فقال: « إنّي مقتول لو قد أصبحتُ » وأتاه ابنُ النَبّاح فآذنه(٣) بالصلاة، فمشى غيرَ بعيد ثم رجع، فقالت له ابنته اُمّ كلثوم: مُرْ جَعْدَة فليُصَلّ بالناس. قال: « نعم، مُروا جَعْدة فليُصَلّ »(٤) . ثمّ قال: « لا مَفَرّ من الأجل » فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سَهِر ليلتَه كلّها يَرْصُدُه، فلمّا بَرَدَ السحر نام، فحرّكه أميرالمؤمنينعليه‌السلام برجله وقال له: « الصلاة » فقام إليه فضربه(٥) .

ورُوي في حديث اخر: أنّ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام سَهِر تلك الليلة، فاكثر الخروج والنظر في السماء وهو يقول: « واللّه ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، وإنّها الليلة التي وُعِدتُ بها » ثمّ يعاود مضجعه، فلمّا طلع الفجر شدّ ازاره(٦) وخرج وهو يقول:

____________________

(١) ورد باختلاف يسير في إلامامة والسياسة: ٢٧٦، أنساب الأشراف: ٤٩٤، مقاتل الطالبيين: ٤٠، ومثله في إعلام الورى: ١٦١، والخرائج والجرائح ١: ٢٣٣ / ٧٨، مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٣١١.

(٢) في « ح »: ضرب.

(٣) في هامش « م »: مؤذناً.

(٤) في هامش « ش »: ليصلي.

(٥) خصائص الائمة: ٦٣، إعلام الورى: ١٦١، مناقب آل أبي طالب ٣: ٣١٠.

(٦) في هامش « م »: أزراره.

١٦

« أُشدُدْ حَيازِيمَك للموت

فإن الموتَ لاقيك(١)

ولاتجْزَع من الموت

إذا حلّ بواديك »

فلمّا خرج إلى صحن الدار استقبلته(٢) الأوَزُ فَصِحْنَ في وجهه، فجعلوا يَطرُدونهنّ فقال: « دَعُوهُنَّ فإنّهنّ نَوائح » ثمّ خرج فأُصيبعليه‌السلام (٣) .

فصل

ومن الأخبار الواردة بسبب قتله وكيف جرَى الأمر في ذلك:

ما رواه جماعة من أهل السير: منهم أبو مِخْنَف لوط بن يحيى، واسماعيلُ بن راشد، ( وأبو هِشام الرِفاعيّ )(٤) ، وأبو عمرو الثقفيّ، وغيرهم، أنّ نَفَراً من الخوارج إجتمعوا بمكة، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم وذكروا أهلَ النهروان وتَرَحّمَوا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لوأنّا شَرينا أنفسَنا لله، فأتينا أئمة الضَلال فطَلَبنا غِرَّتَهم فأرَحْنا منهم العبادَ والبلادَ، وثَأرْنا بإخواننا للشُهداءِ بالنَهروان. فتعاهَدوا عند انقضاء الحجّ على ذلك، فقال عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم: أنا أكْفِيكم

____________________

(١) في هامش « ش » و « م »: آتيك.

(٢) في « م » وهامش « ش »: استقبله.

(٣) خصائص الأئمة: ٦٣، إعلام الورى: ١٦١، مناقب آل ابي طالب ٣: ٣١٠.

(٤) في « م » وهامش « ش »: أبو هاشم الرفاعي، وما في المتن من « ش » وهو الصواب وهو أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة، انظر: انساب السمعاني ٦: ١٤٣، اللباب لابن الاثير ٢: ٤٢ تهذيب التهذيب ٩: ٥٢٦

١٧

علياً، وقال البُركْ بن عبداللّه التميميّ: أنا أكْفِيكم معاوية، وقال عَمرو بن بكر التميميّ: أنا أكْفِيكم عَمرو بن العاص؛ ( وتعاقدوا )(١) على ذلك، ( وتوافقوا )(٢) عليه وعلى الوفاء واتَعَدوا لشهر رمضان في ليلة تسعَ عشرة، ثمّ تفرقوا.

فاقبل ابنُ مُلْجَم - وكان عِدادُه في كِنْدَة - حتى قَدِمَ الكوفة، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمرهَ مخافةَ أن يَنْتَشِرمنه شيء، فهوفي ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم - من تيم الرِباب - فصادف عنده قَطام بنت الأخضر التيمية، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل أباها وأخاها بالنَهْروان، وكانت من أجمل نساء زمانها، فلمّا رآها ابنُ مُلْجَم شُغِف بها واشتدّ إعجابُه بها، فسأل في نكاحها وخطبها فقالت له: ما الّذي تُسَمِّي لي من الصَداق؟ فقال لها: احتَكِمي ما بدا لك، فقالت له: أنا محتكمةٌ عليكَ ثلاثَة الاف درهم، ووَصيفاً وخادماً، وقتلَ عليّ بن أبي طالب، فقال لها: لكِ جميعُ ما سألتِ، وأمّا قتلُ عليّ بن أبي طالب فأنّ لي بذلك؟ فقالت: تَلْتَمِس غِرّته، فإن أنت قتلتَه شفيتَ نفسي وهنَّأك العَيش معي، وإن قُتِلتَ فما عند الله خير لك من الدنيا. فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر - وقد كنتُ هارباً منه لا امَنُ مع أهله - إلاّ ما سألتِني من قتلِ علي بن أبي طالب، فلكِ ما سالتِ. قالت: فانا طالبةٌ لكَ بعضَ من يُساعدك على ذلك ويُقوّيك.

ثمّ بَعَثتْ إلى وَرْدان بن مُجَالِد - من تَيمْ الرِباب - فخبّرتْه الخبرَ

____________________

(١) في « م » وهامش « ش »: تعاهدوا.

(٢) في هامش « ش » و « م » ‏: واوثقوا. وفي « م » وتوافقوا.

١٨

وسألتهْ مَعُونةَ ابنَ مُلْجَم، فتحمّل ذلك لها، وخرج ابن مُلْجَم فاتى رجلاً من أشجع يقال له: شَبيب بن بُجْرة، فقال: يا شَبيب، هل لكَ في شرف الدنيا والآخرة؟ قالَ: وما ذاك؟ قال: تُساعدُني على قتل عليّ بن أبي طالب. وكان شَبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا ابن ملجم، هَبَلَتْك الهَبُول، لقد جئتَ شيئاً إدّاً، وكيف تقدر على ذلك؟ فقال له ابنُ مُلْجَم: نَكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجرفتكنا به، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا. فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخلا المسجد على قَطام - وهي معتكفة في المسجد الأَعظم، قد ضربت عليها قبة - فقال لها: قد اجتمع رأيُنا على قتل هذا الرجل، قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع.

فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلةَ الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلتَ من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت(١) به صدورهم، وتقلّدوا أسيافَهم ومَضَوْا وجلسوا(٢) مقابلَ السُدّة التي كان يخرُج منها أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقَوْا إلى الأشعَث بن قَيْس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وواطَأهم عليه، وحضر الأشعَثُ بن قَيسْ في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه.

وكان حُجر بن عَدِيّ - رحمة الله عليه - في تلك الليلة بائتاً في المسجد، فسَمِع الأشعثَ يقول لابن مُلْجَم: النَجاء النَجاء لحاجتك فقد فَضَحك

____________________

(١) في « م » و « خ »: فعصبوا.

(٢) في « م » و « ح » وهامش « ش »: فجلسوا.

١٩

الصبح، فأحسّ حُجْر بما أراد الأشعث فقال له: قتلتَهُ يا أعْور. وخرج مبادراً ليمْضِي إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فيُخْبِرَه الخبر ويُحذِره من القوم، وخالفه أمير المؤمنينعليه‌السلام فدخل المسجد، فسبقه ابنُ مُلْجَم فضربه بالسيف، وأقبل حُجْر والناس يقولون: قُتِل أميرُ المؤمنين، قُتِل أميرُالمؤمنين. وذكر محمّدُ بن عبدالله بن محمّد الأزْديّ قال: إني لاُصلّي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يُصَلّون في ذلك (١) الشهر من أوّله إلى آخره، إذْ نظرتُ إلى رجال يُصَلّون قريباً من السُدّة، وخرج عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام لصلاة الفجر، فاقبل يُنادي « الصلاة الصلاة » فما أدري أنادى أم رأيتُ بَريق السيوف وسمعتُ قائلاً يقول: لله الحُكم - يا علي - لا لكَ ولا لأصحابك. وسمعتُ علياًعليه‌السلام يقول: « لا يَفُوتَنّكم الرجل » فإذا عليعليه‌السلام مضروب، وقد ضَرَبه شَبيبُ بن بُجرَة فاخطأه ووقعت ضربتُه في الطاق، وهَرَب القوم نحو أبواب المسَجد وتبادر الناس لأخذهم.

فأمّا شَبيب بن بُجْرة فاخذه رجل فَصَرَعه وجلس على صدره، وأخذ السيفً من يده ليَقْتُلَه به، فرأى الناسَ يَقْصُدُون نحوَه فخشي أن يعجلوا عليه ولا يَسْمَعوا منه، فوَثَب عن صدره وخَلاّه وطَرَح السيفَ من يده، ومَضى شَبيب هارباً حتّى دخل منزله، ودخل عليه ابنُ عم له فرآه يَحُلّ الحريرَ عن صدره، فقال له: ما هذا، لعلك قتلت أمير المؤمنين؟ فاراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فمض ابنُ عمه فاشتمل على سيفه، ثمّ دخل عليه فضربه حتّى قتله.

____________________

(١) في هامش « ش »: هذا.

٢٠