المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام0%

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 312

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن الصفار
تصنيف: الصفحات: 312
المشاهدات: 118943
تحميل: 7426

توضيحات:

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 312 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118943 / تحميل: 7426
الحجم الحجم الحجم
المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وبادر الناس إلى مبايعة الإمام الحسن بعد شهادة أبيه عليعليه‌السلام ؛ لِمَا تواتر في أوساطهم من أحاديث وروايات عن جَدِّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فضله ومكانته ك-:

-قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُر إلى سَيِّد شباب أهلِ الجَنَّة فَلْينظر إلى الحسن)(١) .

-وما رواه البراء قال : رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسن على عاتقه يقول: (اللّهم إنّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ)(٢) .

-وفي رواية عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسن : (اللّهم إنّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ)(٣) .

-وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا)(٤) .

____________________

(١) حياة الإمام الحسن: القرشي: ج ١، ص ٩٦.

(٢) صحيح البخاري: ج ٥، ص ٣٣.

(٣) صحيح مسلم: ج ٢، ص ٣٦٧.

(٤) حياة الإمام الحسن: القرشي: ج ١، ص ٩٦.

١٤١

وقد بادر بعض الصحابة للإدلاء بشهاداتهم، وما سمعوه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ الإمام الحسن عندما خطب الإمام الحسن مؤبّناً أباه عليّاً ومستقبلاً البيعة من الناس، كما روى زهير بن الأقمر قال:

بينما الحسن بن علي يخطب بعدما قُتل علي إذْ قام إليه رجل من الأزد آدم طُوَال، فقال: لقد رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعه في حَبْوَتِهِ يقول: (مَن أَحَبَّنِي فَلْيُحِبّه، فَلْيُبْلِغ الشاهدُ الغائبَ) ولولا عزمه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما حدّثتُكم(٥) .

* وممّا دفع الناس إلى مبايعة الإمام الحسن ما عرفوه من صفاته وكفاءاته التي لا يدانيه فيها أحد، فهو أفضل الأُمّة بعد أبيه علي:

-فهذا أنس بن مالك يقول : لم يكن أشبه برسول الله من الحسن(٦) .

-وتذاكر قوم من الصحابة يوماً حول مَن أشبه النبي مِن أهله : فقال عبد الله بن الزبير، أنا أحدّثكم بأشبه أهله به وأَحَبُّهم إليه: الحسن بن علي(٧) .

-وهذا عبد الله بن عمر : وهو جالس في مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة في حلقة، فمرّ الحسن بن علي، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء(٨) .

-ويقول عمرو بن إسحاق : ما تكلّم أحد أحبّ إليّ أنْ لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعتُ منه كلمة فحش قط(٩) .

____________________

(٥) الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر: ج ١، ص ٣٢٩.

(٦) المصدر السابق: ص ٣٢٩.

(٧) المصدر السابق: ص ٣٢٩.

(٨) در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: الشوكاني: ص ٢٨٩.

(٩) أئمّتنا: علي دخيّل: ج ١، ص ١٦٧.

١٤٢

-وعن واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك(١٠) .

-وقال محمّد بن إسحاق : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما بلغ الحسن، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس، انقطع الطريق، فما يمرّ أحد مِن خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيتُه في طريق مكّة ماشياً، فما مِن خَلْق الله رآه إلاّ نزل ومشى، وحتّى رأيتُ سعد بن أبي وقّاص يمشي(١١) .

ولأنّ الإمام الحسن بعد ذلك وصيّ أبيه أمير المؤمنين، فلهذه العوامل جميعاً بادر الناس إلى مبايعته، فقد انبرى عبيد الله بن العبّاس مخاطباً الجمْع الحاشد الذي اجتمع بعد مقتل الإمام علي قائلاً:

معاشر الناس هذا ابن نبيّكم - يعني الحسن - ووصيّ إمامكم فبايعوه، فهتف الناس مستجيبين قائلين: ما أحبه إلينا وأوجب حقّه علينا، وأحقّه بالخلافة(١٢) .

وهكذا بويع الإمام الحسن بالخلافة في (الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة: ٤٠ ه- )، بايعه الناس في:

- الكوفة.

- والبصرة.

- والمدائن، وجميع أهل العراق.

- وبايعته فارس.

- والحجازيّون.

- واليمانيّون، وجميع البلاد الإسلاميّة.

لكن معاوية بن أبي سفيان أصرّ على التمرّد كما كان موقفه من خلافة الإمام علي، بل وبدأ يَعُدّ العِدَّة ويحشّد الجيوش للزحف على عاصمة الخلافة الشرعيّة الكوفة، ولم تنجح الجهود التي بذلها الإمام الحسن من رسائل ومبعوثين إلى معاوية مِن ثَنْيِهِ عن موقفه المتمرّد الخارج على الشرعيّة.

____________________

(١٠) المصدر السابق: ص ١٦٨.

(١١) المصدر السابق: ص ١٦٨.

(١٢) حياة الإمام الحسن: القرشي: ج ٢، ص ٣٤.

١٤٣

فصمّم الإمام الحسن على مواجهة بَغْي معاوية، واستنهض جمهوره وعبّأهم للقتال، بعد ما بلغتْه أنباء تحرّك جيش معاوية باتّجاه العراق، وقوامه( ٦٠ ألفاً )، وقيل أكثر من ذلك (١٣) .

لكنّ الظروف لم تكن في صالح الإمام الحسن، فقد كان جيشه وجمهوره متعباً منهكاً من الحروب الثلاثة التي خاضها مع الإمام علي، كما كان الجيش والجمهور موزّع الولاء والاتّجاه للتيّارات المختلفة، ومنها: (الخوارج، وأصحاب المطامع )، وبلغ تعداد جيش الإمام الحسن (٤٠ ألفاً ) على أرجح الروايات التاريخيّة (١٤) .

واجتهد معاوية بن أبي سفيان كثيراً لتفتيت وتخريب الجبهة الداخليّة لمعسكر الإمام الحسن، فبثّ في أوساطه العملاء الذين ينشرون الإشاعات المثبّطة والتشكيكات، كما كثّف مساعيه لإغراء واستقطاب العديد من الزعماء والرؤساء والشخصيّات في معسكر الإمام، بتقديم المبالغ المالية الضخمة لهم، وتطميعهم بالمناصب والمواقع.

وبالفعل فقد تخلّى عن الإمام الكثير من قيادات جيشه، حتّى ابن عمّه عبيد الله بن العبّاس والذي كان يقود مقدّمة جيش الإمام لمواجهة معاوية، حيث أغراه معاوية بمبلغ مليون درهم، فتسلّل منحازاً إلى معاوية ومعه ثمانية الآلف جندي من أصل اثني عشر ألفاً كان يقودهم!

كلّ ذلك أدّى إلى اضطراب جيش الإمام، ممّا جرّأ البعض منهم على النيل من هيبة الإمام شخصيّاً، ومحاولة اغتياله، وقد هجم جماعة من معسكر الإمام على مَضَارِبِه وسُرْدَاقِهِ وانْتَهَبُوا أَمْتِعَتَهُ، وتُضيف بعضُ المصادر أنّهم نزعوا بساطاً كان يجلس عليه وسلبوا رداءه، كما خاطبه أحد الخوارج وهو: (الجراح بن سنان ) قائلاً: أشركتَ يا حسن، كما أَشْرَكَ أبوك مِن قَبل!

____________________

(١٣) المصدر السابق: ص ٧١.

(١٤) المصدر السابق: ص ٨٠.

١٤٤

وجرّتْ ثلاث محاولات لاغتيال الإمام في معسكره(١٥) .

هذه الظروف المؤلمة الحرجة دفعتْ الإمام الحسن لإعادة النظر في قرار المواجهة والقتال مع معاوية، لعدم تكافؤ المعسكرَين عدداً وعدّة وتماسكاً، ممّا يجعل مستقبل المواجهة والحرب لصالح معاوية حتماً، وذلك يعني الأخطار والمضاعفات الكبيرة على وضع الأُمّة الإسلاميّة ككل، وخط أهل البيتعليهم‌السلام بشكلٍ خاص.

لذلك قرّر الإمام الحسن الاستجابة إلى دعوة الصلح التي كان معاوية يلحّ في طرحها، وتنازل الإمام عن الخلافة والحكم بشروط قَبِلَهَا معاوية، ومِن أهمّها:

- العمل بكتاب الله وسُنّة نبيّه.

- وعدم الظلم والاعتداء على حقوق الناس وخاصّة أهل البيت وأتباعهم.

- وأنْ تكون الخلافة بعد معاوية للإمام الحسن أو حسب اختيار المسلمين.

وتمّ الصلح حوالي: (شهر ربيع الأوّل سنة: ٤١ ه- )، أي بعد ستّة أشهر من خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام .

بالطبع كان مؤلماً للإمام الحسن ولأهل بيته وأتباعه أنْ يَرَوا معاوية متسلّطاً على المسلمين متحكّماً في أمورهم، وأنْ يلاحظوا الانحرافات الكبيرة الخطيرة التي يقوم بها دون رادع أو مانع، لكن ماذا يصنع الإمام الحسن وقد خانتْه الظروف ولم تَخْلُص له الأُمّة؟

وانفعل العديد من المخلصين من أتباع الإمام لِمَا حدث، ووجّهوا للإمام الحسن عتابهم الحاد الجارح على قرار الصلح، لكنّ الإمام بقلبه الواسع وحلمه الكبير كان يعذرهم على انفعالهم، ويوضّح لهم حقيقة الموقف وأبعاده.

وبعد الصلح بقي الإمام في الكوفة أيّاماً وهو مَكْلُوْم القلب قد طافت به الهموم والآلام، يتلقّى من شيعته مرارةَ الكلام، وقَسْوة النقد، ويتلقّى من معاوية

____________________

(١٥) المصدر السابق: ص ١٠٦.

١٤٥

وحزبه الاستهانةَ بمركزه الرفيع، وهو مع ذلك صابر محتسب، قد كظم غيظَه، وأوكل إلى الله أمرَه، وقد عزم على مغادرة العراق، والشخوص إلى مدينة جَدِّه(١٦) .

وطلب منه بعضُ أهل الكوفة البقاء عندهم، لكنّه لم يستجِب لهم، وكان يوم سفره مشهوداً في الكوفة، حيث خرج الناس بمختلف طبقاتهم إلى توديعه، وهم ما بين باكٍ وآسف.

ولم تكن العقيلة زينب بعيدة عن تلك الأحداث القاسية، بل كانت إلى جانب أخيها الحسن تشاطره معاناته، وتعيش معه آلام الأُمّة المنكوبة.. وقد غادرتْ الكوفة مع أخيها إلى مدينة جَدِّها ومسقط رأسها، بعد أنْ قَضَتْ في الكوفة حوالي (خمس سنوات ) مليئة بالحوادث والآلام، ومِن أشدّها وأفجعها فَقْدُ أبيها عليّ.

وفي المدينة واصلتْ السيّدة زينب تحمّل مسؤوليّتها في الهداية والإرشاد، وبثّ المعارف والوعي، كما كانت تشارك أخاها الإمام الحسن مواجهة إساءات الحكم الأموي وانحرافاته، حيث لم يلتزم معاوية بأيّ شرط من شروط الصلح، وصار يحكم المسلمين حسب رغباته وشهواته، بعيداً عن تعاليم كتاب الله وسُنّة رسوله، كما كان يوجّه سهام بَغْيِهِ وحِقْده صوب أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم، فسنّ شَتْمَ الإمام علي على المنابر، وقَتَل خيار أتباعه، وضَيَّق على شيعته، وصار يخطّط لتنصيب ولده (يزيد ) خليفة وحاكماً على الأُمّة من بعده.

بالطبع كان وجود الإمام الحسن يُقلق معاوية، ويُعَرقل بعض مخططاته الفاسدة؛ لذلك فكّر في تصفية الإمام الحسن والقضاء على حياته، فأغرى زوجته (جعدة بنت الأشعث ) بمائة ألف درهم، ووعدها بأنْ يزوّجها ولدَه يزيداً إنْ هي دَسَّت السمّ للإمام الحسن وقضتْ على حياته.

واستجابتْ جعدة لتلك الإغراءات وألقتْ السمّ الفتّاك الذي بعثه إليها معاوية في طعام الإمام الحسن، فتقطّعتْ بذلك كَبِدُهُ وأمعاؤه، واستعدّ لمفارقة الحياة.

____________________

(١٦) المصدر السابق: ص ٢٨٥.

١٤٦

ورأتْه أختُه زينب وهو في فراش الموت، فانفطر قلبها لمأساة أخيها، وتجدّدتْ عليها المصائب والأحزان.

وممّا زاد في آلام السيّدة زينب وأحزانها ما تعرّضتْ له جنازة أخيها مِن إساءة وهوان، حيث كان الإمام الحسن قد أوصى بأنْ يُدفن عند قبر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوّلاً، أقل أنْ يُمرّ به على قبر جدّه ليجدّد به عهداً، لكنّ الحزب الأموي اعترض جنازة الإمام، وأثاروا السيّدة عائشة لتتبنّى مواجهة الهاشميّين ومَنْعهم من الاقتراب بجنازة الإمام الحسن عند قبر جدّه، بحجّة أنّه يقع في بيتها وأنّها لا تسمح لهم بذلك!

وهكذا رافقتْ الظلامة والمأساة الإمام الحسن حتّى بعد وفاته، ومنعوا اقتراب جنازته من قبر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو سبطه الحبيب وولده العزيز!

كلّ ذلك ضاعف من أحزان السيّدة زينب والهاشميّين؛ لذلك ورد في التاريخ أنّ نساء بني هاشم وفي طليعتهنّ السيّدة زينب اسْتَمَرَّيْنَ في النياحة على الإمام الحسنعليه‌السلام شهراً كاملاً، وأظهرْنَ الحداد، ولَبِسْنَ السواد سنة كاملة(١٧) .

____________________

(١٧) المصدر السباق: ص ٥٠٢.

١٤٧

١٤٨

ب-طلة كربلاء

١٤٩

١٥٠

يبدو أنّ كلّ ما سبق في حياة السيّدة زينب، كان بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة.

- فالسنوات الخمس الأولى من عمرها والتي عايشت فيها جدها المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقود معارك الجهاد لتثبيت أركان الإسلام ويتحمل هو وعائلته ظروف العناء والخطر.

- والأشهر الثلاثة التي رافقتْ خلالها أمّها الزهراء بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورأتْ أُمّها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي، وتطالب بحقّها المُصادَر، وتعترض على ما حصل بعد الرسول من تطوّرات، وتُصارع الحسرات والآلام التي أصابتْها.

- والفترة الحسّاسّة الخطيرة التي عاصرتْ فيها حكم أبيها علي وخلافته وما حدث فيها من مشاكل وحروب.

- ثمّ مواكبتها لمحنة أخيها الحسن وما تجرّع فيها من غصص وآلام.

كل تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة للتطوّرات.. كان لإعداد السيّدة زينب؛ لتؤدّي امتحانها الصعب ودورها الخطير في ثورة أخيها الحسين بكربلاء.

١٥١

وما كان للسيّدة زينب أنْ تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور لو لم تكن تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفّر لها ذلك الإرث الكبير من البصيرة والوعي.

وواقعة كربلاء تعتبر من أهمّ الأحداث التي عصفتْ بالأمّة الإسلاميّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ففي واقعة كربلاء تجلّى تيّار الردّة إلى الجاهليّة، والانقلاب على الأعقاب، ووصل إلى قمّته وذَرْوَتِهِ من خلال المعسكر الأموي، كما تجسّد وتبلور خطّ الرسالة والقِيَم الإلهيّة في الموقف الحسيني العظيم، وواقعة كربلاء شرّعتْ للأمّة مقاومة الظلم والطغيان، وشقّتْ طريق الثورة والنضال أمام الطامحين للعدالة والحرِّيَّة.

وكان للسيّدة زينب دور أساسي رئيسي في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصيّة الثانية على مسرح الثورة بعد شخصيّة أخيها الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومن يقرأ أحداث كربلاء ويقلّب صفحات كتابها، يرى السيّدة زينب إلى جانب الحسين في أغلب الفصول والمواقف، بل إنّها قادتْ مسيرة الثورة بعد استشهاد الإمام الحسين وأكملتْ حلقاتها.

ولولا كربلاء لَمَا بلغتْ شخصيّة السيّدة زينب هذه القمّة من السموّ والتألّق والخلود.. ولولا السيّدة زينب لَمَا حقّقت كربلاء أهدافها ومعطياتها وآثارها في واقع الأمّة والتاريخ. لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصيّة السيّدة زينب، وكشفتْ عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القياديّة، كما أوضحتْ السيّدة زينب للعالَم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها. وحقاً إنّها بطلة كربلاء وشريكة الحسين.

١٥٢

سطور من كتاب الثورة

قبل أنْ نتحدّث عن دور السيّدة زينب في ثورة كربلاء، لا بدّ من قراءة بعض سطور كتاب الثورة الحسينيّة، لتوضيح خلفيّات ذلك الدور الزينبي.

* طبيعة الحكم الأموي:

في شهر(جمادي الأوّل - سنة: ٤١ ه-) وبعد صُلْح الإمام الحسن تمّ لمعاوية ما كان يريده ويسعى إليه، فقد أصبح هو الخليفة والحاكم على الأمّة الإسلاميّة جمعاء.

ودخلتْ الأمّة في نَفَق الحكم الأموي، حيث لم تَعُد مبادئ الإسلام وأنظمته هي المرجع والمقياس، وإنّما هي إرادة الحاكم يعمل كيف يشاء وما يشاء، وحتّى لا تزاحمه أيُّ إرادة أخرى، ولا يجرأ أحدٌ على معارضته، فقد بدأ في تنفيذ مخطّط لتصفية كلّ رجالات المسلمين الأحرار الشرفاء.

* وكان من ضحايا ذلك المخطط:

- الإمام الحسن بن علي، حيث دسّ اليه السم.

- وحجر بن عَدِي، الصحابي الجليل.

- وعبد الرحمن بن حسّان العنزي.

- وصَيْفِي بن فسيل الشيباني.

- وقَبِيْصَة بن رَبِيْعَة.

- وشريك بن شدّاد الحضرمي.

- وكِدَام بن حيّان العنزي.

- ومُحْرِز بن شهاب التميمي.

- والصحابي العالِم رشيد الهجري.

- والصحابي العظيم

١٥٣

عَمْرُو بن الحَمِق الخزاعي.

- وأَوْفَى بن حصن.

- وجُوَيْرِيَة بن مُسْهِر العبدي.

- وعبد الله بن يحيى الحَضْرَمِي(١) ، وغيرهم من شخصيّات الأمّة وأفاضلها المخلِصين.

كما عمل الحكم الأموي على تعبئة أجواء الرأي العام ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام ، وسنّ سبّ الإمام علي بن أبي طالب على المنابر وفي خطب الجمعة، وفرض ذلك على جميع عمّاله ووُلاته ومَن أبى منهم عَزَلَه، وبقي ذلك سُنّة إلى عهد عمر بن عبد العزيز، حيث أمر بإلغائه حين تولّى الخلافة سنة (٩٩ ه- ) أي أنّ سبّ الإمام علي استمرّ أكثر من نصف قرن من (سنة: ٤١ إلى سنة: ٩٩ ه- ).

* وازدادتْ الضغوط القمعيّة على أهل البيت وشيعتهم من قِبل الحكم الأموي:

فقد رفع معاوية مذكّرة إلى جميع عمّاله وولاته جاء فيها:انظروا إلى مَن قامتْ عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه .

ثمّ شفع ذلك بنسخة أخرى جاء فيها: ومَن اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا دارَه.

وتحدّث الإمام الباقر عمّا جرى على أهل البيت وشيعتهم من الاضطهاد والأذى في زمن معاوية، فقال: (وقُتلتْ شيعتُنا بكلّ بلدة، وقُطعتْ الأيدي والأرجل على الظِنَّة، وكان مَن يُذكر بِحُبِّنَا والانقطاع إلينا سُجِن، أو نُهب ماله، أو هُدمت داره)(٢) .

إضافةً إلى إظهار الفساد والمخالفة للدين، ك-:

- تعطيل الحدود.

- وممارسة الخلاعة والمجون.

- واستلحاق معاوية لزياد بن أبيه.

- والجرأة الصريحة على مخالفة الأحكام الشرعيّة من قِبل معاوية، حتّى في العبادات، كالأذان في صلاة العيد والخطبة قبل

____________________

(١) حياة الإمام الحسن: القرشي: ج ٢، ص ٣٥٨، إلى ٣٨٥. راجع تراجم المذكورين وكيفيّة قَتْلهم.

(٢) المصدر السابق: ص ٣٥٦.

١٥٤

صلاة العيد.

- وأخذ الزكاة من الأعطية.

- والتطيّب في الإحرام.

- واستعمال أواني الذهب والفضّة.

- ولبس الحرير.

وقد ساءتْ أوضاع الناس الاقتصاديّة؛ لأنّ معاوية كان يستأثر هو ومَن حوله بأموال المسلمين، ويضعون عليهم مختلف الضرائب، وكان معاوية يرى لنفسه الحق في التصرّف كما يشاء في ثروات الأمّة، بينما يتضور الفقراء والمستضعفون جوعاً وحرماناً، ويُنقل عنه قوله:الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذتُ من مال الله فهو لي، وما تركتُه كان جائزاً لي (٣) .

وذكر ابن حجر أنّه جاء بسند رجاله ثقات: إنّ معاوية خطب يوم جمعة فقال:إنّما المال مالنا، والفَيْء فيئنا، فَمَن شِئْنَا أعطيناه، ومَن شِئْنَا مَنَعْنَاه (٤) .

وفي(ربيع الأبرار) قال: خطب معاوية فقال:

إن الله تعالى يقول :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (٥)

فَعَلاَمَ تلومنني إذا قصرتُ في إعطائكم (٦) .

* كما سلّط معاوية على الأمّة ولاة جفاة قساة، نشروا الرعب والبطش، وحكموا الناس بالإرهاب والقمع، مثل:

- سمرة بن جندب:

والذي استعمله زياد على البصرة نائباً عنه، فأسرف في قتل الأبرياء وإزهاق الأنفس بغير حق، فقد حدّث محمّد بن سليم، وقال: سألتُ أنس بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحداً؟

فاندفع أنس بحرارة والتأثر بادياً عليه قائلاً: وهل يُحصى مَن قَتَل سمرة بن

____________________

(٣) النصائح الكافية لِمَنْ يتولّى معاوية: محمّد بن عقيل: ص ١٣١ - ١٣٤.

(٤) النصائح الكافية لِمَنْ يتولّى معاوية: محمّد بن عقيل: ص ١٣١ - ١٣٤.

(٥) سورة الحجر: الآية: ٢١.

(٦) النصائح الكافية لِمَنْ يتولّى معاوية: محمّد بن عقيل: ص ١٣١ - ١٣٤.

١٥٥

جندب؟ اسْتَخْلَفَهُ زياد على البصرة، وأتى الكوفة فجاء وقد قَتَلَ ثمانية آلاف من الناس.

فقال له زياد : هل تخاف أنْ تكون قد قتلتَ أحداً بريئاً؟

فأجابه سمرة : لو قتلتُ إليهم مثلهم ما خشيت(٧) .

- ومن ولاة معاوية الظالمين: بُسْر بن أَرْطَأة:

والذي وجّهه إلى اليَمَن، ففعل فيها الأفاعيل المُنكَرة التي لم يشهد التاريخ نظيراً لها في فظاعتها وقسوتها، وذكر الرواة أنّ بسر بن أرطأة قتل ثلاثين ألفاً من المسلمين، عدا من أحرقهم بالنار(٨) .

- ومن أخطر ولاة معاوية وأكثرهم جوراً وظلماً زياد بن أبيه:

وقد ولاّه معاوية البصرةَ، والكوفةَ، وسجستان، وفارس، والسِنْد، والهند.

هكذا عاشتْ الأمّة الإسلاميّة في ظلّ الحكم الأموي، وبمراجعة بسيطة لكتب التاريخ يرى الإنسان صور الظلم الفظيعة البَشِعَة التي سجّلها الأمويّون في تاريخ حكمهم الأسود.

* يزيد بن معاوية حاكماً:

واستكمالاً لمشروع الردّة إلى الجاهلية ختم معاوية بن أبي سفيان حياتَه باستخلاف ولده يزيد على الأمّة، ليبدأ بذلك عهد المًلك العضوض والحكم الوراثي العائلي، خلافاً لِمَا أقرّه الإسلام وتعوّد عليه المسلمون.

ولم تكن لدى يزيد أدنى مؤهّلات الحكم والخلافة، فقد كان كلفاً بالصيد لاهياً به، وكان يُلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويَهَبُ لكلّ كلب عبداً يخدمه(٩) ، كما كان وَلِعَاً بالقرود، وله قرد يجعله بين يديه ويُكنّيه

____________________

(٧) حياة الإمام الحسن: القرشي: ج ٢، ص ١٩٤.

(٨) المصدر السابق: ص ١٩٩.

(٩) المصدر السابق: ص ١٨١.

١٥٦

بأبي قيس، ويسقيه فَضْلَ كَأْسِهِ(١٠) ، كما كان مدمناً على شرب الخمر(١١) .

يقول الحسن البصري ضمن تعداده لموبقات معاوية : واستخلاف ابنه بعده سكّيراً خميراً، يلبس الحرير ويضرب الطنابير(١٢) .

وقد اعترض كبار الصحابة على معاوية حينما أراد مبايعة ولده يزيد بولاية العهد، وعقد مجلساً في المدينة المنوّرة ضمّ نخبةً من أفاضل الصحابة؛ ليخبرهم برغبته في تعيين ولده يزيد وليّاً لعهده.

- فانبرى له عبد الله بن جعفر بن أبي طالب زوج السيّدة زينب قائلاً بعد حمد الله والثناء عليه:

(أَمّا بعد: فإنّ هذه الخلافة إنْ أخذ فيها بالقرآن فأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإنْ أُخذ فيها بِسُنَّة رسول الله فأُولُوا رسول الله، وإنْ أخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأيّ الناس أفضل وأكمل وأحقّ بهذا الأمر من آل الرسول؟ وايم الله لو ولّوه بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه لحقه وصدقه، ولأُطيع الرحمن، وعُصي الشيطان، وما اختلف في الأمّة سيفان، فاتّقِ الله يا معاوية فإنّك قد صرتَ راعياً ونحن رعيّة فانظر لرعيّتك فإنّك مسؤول عنها غداً)(١٣) .

- واندفع عبد الله بن عمر فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه:

(أَمّا بعد: فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ولا قيصريّة، ولا كسرويّة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، ولو كان كذلك كنتَ القائم بها بعد أبي، فوالله ما أدخلني مع السِتّة من أصحاب الشورى، إلاّ أنّ الخلافة ليستْ شرطاً مشروطاً، وإنّما هي في قريش خاصّة لِمَنْ كان لها أهلاً، مِمَّنْ ارتضاه المسلمون لأنفسهم، مِمَّنْ كان أَتْقَى وأَرْضَى)(١٤) .

____________________

(١٠) المصدر السابق: ص ١٨٢.

(١١) المصدر السابق: ص ١٨٣.

(١٢) المصدر السابق: ص ١٨٤.

(١٣) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٢، ص ٢٠٥.

(١٤) المصدر السابق: ص ٢٠٧.

١٥٧

وبنفس المضمون تكلم عبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن الزبير، إلاّ أنّ معارضة هؤلاء الصحابة وغيرهم من أعيان الأمّة لم تؤثّر في عزم معاوية على فرض ولده حاكماً مِن بعده، بل شهر سلاح التهديد أمام المعارضين، وقال ناطق باسم معاوية في حضوره وهويزيد بن المقفّع :

أمير المؤمنين هذا - وأشار إلى معاوية - فإنْ هلك فهذا - وأشار إلى يزيد - ومن أبى فهذا، وأشار إلى السيف(١٥) .

ومات معاوية في (شهر رجب سنة: ٦٠ ه- )، وأصبح ولده يزيد خليفة وحاكماً على المسلمين.

* الحسين يرفض البيعة:

وكتب يزيد إلى الوالي الأموي على المدينة (الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ) يطلب إليه أخذ البيعة قسراً من كبار الصحابة، وفي مقدّمتهم الإمام الحسينعليه‌السلام .

وفي منتصف الليل اسْتُدْعِي الإمام الحسين إلى مجلس الوليد، وطلب منه البيعة إلى يزيد، فأجاب الإمام: (إنّ مثلي لا يبايع سِرَّاً، ولا يجتزي بها منّي سِرّاً، فإذا خرجتَ إلى الناس ودعوتهم للبيعة، دعوتَنا معهم كان الأمر واحداً).

وقَبِلَ الوليد كلام الإمام الحسين، لكنّ (مروان بن الحَكَم ) والذي كان جالساً إلى جانب الوليد رفض ما قاله الإمام، وطالب الوليد بإجبار الحسين على البيعة فوراً!!

وردّاً على هذا التهديد أعلن الإمام الحسين موقفه الرافض لبيعة يزيد قائلاً: (أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعْلِن بالفسق، ومِثْلِي لا يُبايِع مِثْلَه، ولكن نُصبح وتُصبحون، ونَنْظُر وتَنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة)(١٦) .

____________________

(١٥) المصدر السابق: ص ٢٠٣.

(١٦) المصدر السابق: ص ٢٥٥.

١٥٨

* الحسين يُغادر إلى مكّة:

وغادر الإمام الحسين المدينة المنوّرة في (٢٨ - رجب - ٦٠ ه-)، متّجهاً إلى مكّة المكرّمة، بعد أنْ عهد إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة بوصيّةٍ أَبَانَ فيها هدف خروجه وتحرّكه حيث جاء فيها: (إنّي لم أَخْرُج أَشِرَاً، وَلاَ بَطِرَاً، وَلاَ مُفْسِدَاً، وَلاَ ظَالِمَاً، وَإِنّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَح فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيْدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنْ المُنْكَرِ، وَأَسِيْرَ بِسِيْرَةِ جَدِّي وَأَبِي عليّ بن أَبِي طَالِب، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُوْلِ الحَقِّ، فَاللهُ أَوْلَى بِالحَقِّ، وَمَنْ رَدّ عَلَيَّ، أَصْبِرُ حَتّى يَقْضِيَ الله بَيْنِي وَبَيْنَ القَوْمِ، وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِيْنَ)(١٧) .

ووصل مكّة المكّرمة في (الثالث من شهر شعبان )، وبدأ يعلن موقفه هناك، ويوضّح رأيه في الحكم الأموي لجموع المسلمين الذين يؤمّون البيت الحرام حجّاجاً ومعتمرين.

كما بعث الإمام برسائله إلى زعماء العراق والكوفة والبصرة يخبرهم بموقفه الرافض لحكم يزيد ويستحثّهم على تأييده ونصرته.

* استجابة الكوفة:

أجواء الكوفة كانت مهيّأة للثورة على الحكم الأموي؛ لذلك تفاعل الكوفيّون مع موقف الإمام الحسين، وبعثوا له الوفود، وكتبوا له آلاف الرسائل يعلنون بيعتهم له واستعدادهم لنصرته.

ويقول المؤرخون : إنّه اجتمع عنده في نُوَب متفرّقة (اثنا عشر ألف كتاب )، ووردتْ إليه قائمة فيها مائة وأربعون ألف اسم يُعربون عن نصرتهم له حال ما يصل الكوفة، كما ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب(١٨) .

فبعث إليهم الإمام الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل، ليرى حقيقة الأوضاع

____________________

(١٧) المصدر السابق: ص ٢٦٤.

(١٨) المصدر السابق: ص ٣٣٥.

١٥٩

في الكوفة، وليأخذ منهم البيعة للإمام، وليهيّئ الأمور لِمَقْدَم الإمامعليه‌السلام .

وغادر مسلم مكّة المكرّمة (ليلة النصف من شهر رمضان المبارك ) ليصل الكوفة في (الخامس من شهر شوّال )، حيث استقبلة أهلها بالبهجة والترحيب، وبادرتْ جماهيرها لمبايعته كممثّل وسفيرٍ للإمام الحسين، فكتب للإمام يبشّره باستجابة الناس لبيعته ويستحثّه على الإسراع في القدوم للكوفة.

إلاّ أنّ الحكم الأموي - والذي أرعبه تمرّد الكوفة على سلطته - بادر إلى عزل وَالي الكوفة (النعمان بن بشير ) لضعفه في مواجهة التمرّد، وعيّن يزيدُ بن معاوية بدلاً منه (عبيدَ الله بن زياد ) وهو معروف بقسوته وغلظة.

وبعد أنْ استلم ابن زياد ولاية الكوفة خطّط بمكر ودهاء، واستخدم أشدّ أساليب القمع والإرهاب للقضاء على التمرّد الموالي للإمام الحسين، وكانت النتيجة إلقاء القبض على سفير الحسين مسلم بن عقيل وإعدامه في (الثاني من ذي الحجّة الحرام )، مع زعماء آخرين، واعتقال مجموعة كبيرة من شخصيّات الكوفة وزعمائها، وإعلان حالة الطوارئ القصوى.

* إلى العراق:

كتب مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين يخبره عن استجابة أهل الكوفة لطاعته وتشوّقهم لقدومه، طبعاً قبل التطوّرات اللاحقة، فعزم الإمام الحسين على مغادرة مكّة باتجاه العراق؛ لأنّه لا يريد أنْ تكون مكّة ساحة لتفجير الثورة والصدام مع الحكم الأموي، حفاظاً على قداسة الحرم وأَمْنِهِ، ولأنّ جمهور العراق أكثر تهيّأ للثورة حسب رسائلهم وتجاوبهم مع سفير الحسين إليهم.

وقد استفاد الإمام من فترة وجوده في مكّة المكرّمة للاتّصال بجموع المسلمين القادمين للحجّ والعمرة.

وغادر مكّة في (اليوم الثاني من شهر ذي الحجّة، سنة: ٦٠ ه- ) وكان توقيتُ المغادرة مثيراً لجموع الحجيج والمسلمين، حيث كانوا يتأهّبون لأداء مناسك الحج،

١٦٠