المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام0%

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 312

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن الصفار
تصنيف: الصفحات: 312
المشاهدات: 118648
تحميل: 7409

توضيحات:

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 312 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118648 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جُهْدَكَ، فوالله لا تَمْحُو ذِكْرَنَا، وَلا تُمِيْتَ وَحْينا ). فخطّ أهل البيت يمثّل الحقّ والعدل، ويجسّد الوحي الإلهي، وسوف تبقى البشريّة متطلّعة للحقّ والعدل وسوف يظهر الله دينه على الدين كلّه.

كما تظهر العقيلة سخريتها واحتقارها لمظاهر القوّة التي أحاط بها يزيد نفسه: (وهل رأيك إلاّ فَنَد، وأَيّامَكَ إلاّ عَدَد، وَجَمْعك إلاّ بَدَد ).

ورهان السيّدة زينب على النصر وثقتها بالظفر ليس محجّماً بحدود الدنيا الفانية، بل تتطلّع للآخرة هناك حيث عدالة الله، وحيث تكون العاقبة للمتّقين، والنار والخزي للظالمين.

* سادساً: العزّة الأيمانية:

تلك المرأة السبيّة الأسيرة التي سِيْقَتْ إلى مجلس يزيد مكتفة بالحبال، تقف أمام الحاكم المتغطرس المتجبّر.

صارخةً به: (يا ابن الطلقاء ).

ومنذرة له: (ولتودّنّ أنّك شللتَ وبكمتَ ولم تكن قلتَ ما قلتَ وفعلتَ ما فعلتَ ).

وداعية عليه: (اللهمّ خُذ لنا بحقّنا، وانتقم مِمّن ظلمنا، واحلل غضبك بِمَن سَفَك دماءنا وقَتَل حُمَاتَنَا ).

وتتحداه قائلة: (فوالله ما فريتَ إلا جلدَك ولا حززتَ إلاّ لحمَك ).

وتكرر تحدّيها له هاتفة: (فَكِدْ كَيْدَكَ وَاسْعَ سَعْيَكَ ).

وبصراحة أوضح، تبدي احتقارها له وأنّها أكبر وأسمى من أنْ تكلّمه أو تخاطبه لولا ما فرضتْه عليها الظروف فتقول: (ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إنّي لاستصغر قَدْرَكَ، وأسْتَعْظِمُ تَقْرِيْعَكَ، وأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيْخَكَ ).

فَمَنْ يداني ابنة علي في شجاعتها وعزّتها وبطولتها؟ إنّها ابنة أبيها وهي تفرغ عن لسانه وروحه، لذلك تحطّمت كبرياء يزيد أمامها وانهار غروره، وأصابتْه الحيرة والارتباك، فلم يزد أنْ تمثّل بعد خطابها بقول الشاعر:

٢٤١

يا صيحةً تُحْمَدُ مِنْ صَوَائِحِ

مَا أَهْوَنَ المَوْت عَلَى النَوَائِح

وكأنّه يفسّر خطاب السيّدة زينب بأنّه نوع من الانفعال الطبيعي لِمَا تعانيه من مصيبة!

٢٤٢

مواجهة حادّة

بعكس ما كان يقصده ويهدفه يزيد من دخول السبايا إلى مجلسه بأنْ يستعرض قوّته، ويؤكّد انتصاره، ويوجّه لأهل البيت ضربات جديدة من الإذلال والهوان.

فقد انعكس الأمر، وتحوّل المجلس إلى ساحة محاكمة لجرائمه، وميدان معركة تكبّد فيها هزيمة نكراء.. وفوجئ يزيد بحصول ما لم يكن يتوقّع، وفقد السيطرة على نفسه، ولم يعد يدري كيف يواجه الموقف، بينما استمرّت العقيلة زينب توجّه له ضربات التحدّي، وسهام التَبْكِيْت والاحتقار.

ونظر رجلٌ من أهل الشام ومن القريبين مِن يزيد إلى السيّدة فاطمة بنت الإمام علي - وحسب روايات أخرى بنت الإمام الحسين - فقال مخاطباً يزيد: يا أمير المؤمنين هَب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي!!

فاسودّتْ الدنيا في عين السيّدة فاطمة، وانتابها الرعب والقلق، فلاذتْ بزعيمة الركب العقيلة زينب، فَطَمْأَنَتْهَا زينب وهدّأتْ روعتها حيث رفعتْ صوتها لِتُسْمِع يزيد قائلة للرجل: (كذبتَ ولَؤُمْتَ ما ذلك لك ولا لأميرك ).

واستشاط يزيد غضباً لهذه الضربة القاصمة لصرح هيبته الزائفة ومقامه الباطل

٢٤٣

فردّ بانفعال: كذبتِ والله، إنّ ذلك لي، ولو شئتُ أنْ أفعله لفعلتُ.

فعاجلتْه السيّدة زينب بضربة أكثر وقعاً وصرامة حين قالت: (كلاّ والله ما جعل الله لك ذلك إلاّ أنْ تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا ).

وطفح الكيل في نفس يزيد وما عاد يتحمّل ما يسمع من كلمات التحدّي والتحقير وفي مقرّ حكمه وبين أنصاره وجمهوره فصاح غاضباً: إياي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أخوك وأبوك!

وإذا كان يزيد منفعلاً قد فقد السيطرة على نفسه فإنّ السيّدة زينب كانت في قمّة الاطمئنان والثبات؛ لذلك أجابته واثقة: (بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديتَ أنت وأبوك وجدّك إنْ كنتَ مسلماً!! ).

وما عسى أنْ يكون جواب يزيد أو موقفه تجاه هذا التحدّي الصارخ، فهو يتربّع على عرش خلافة المسلمين لكنّ السيّدة زينب تجعل إسلامه موضع شكّ، وتُعلن على رؤوس الأشهاد فضْل أسرتها عليه وعلى أسرته بهديهم للإسلام.. لذلك لم يحر يزيد جواباً ولم يجد ردّاً فلجأ إلى الشتم، بحنق وغيظ، حيث خاطب زينب قائلاً: كذبتِ يا عدوّة الله!!

لكنّ غضب يزيد وانفعاله وشتمه لم يُسكِت العقيلة زينب ولم يضع حدّاً لهجومها عليه وتحدّيها له، بل أوضحتْ أمام الجمع أنّ دافع يزيد إلى الشتم هو سوء استخدامه لموقعه باعتباره حاكماً يمارس الظلم والقهر، قالتعليها‌السلام : (أنت أمير مسلّط، تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك ).

فسكت يزيد وأُفحم واعترف بخسارته المعركة، حيث إنّ الرجل الشامي كرّر عليه الطلب وكأنّه يريد أنْ يعرف النتيجة، وينتزع من يزيد الاعتراف بالهزيمة أمام تحدّي السيّدة زينب له، فقال الشامي:

٢٤٤

يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية!

فصب يزيد عليه جام غضبه قائلاً له: اعزب، وَهَبَ الله لك حتْفاً قاضياً(٤٢) .

____________________

(٤٢) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٣٨١.

٢٤٥

٢٤٦

ردود الفعل

خلافاً لِمَا كان يقصده يزيد من مجيء السبايا ورؤوس الشهداء إلى الشام، بأنْ يصنع من خلال ذلك جواباً مضادّاً لثورة الحسين، ويدعم عرش حكمه وسلطته، فقد حصل العكس من ذلك تماماً، حيث سادتْ النقمة وانتشر الاستياء في مختلف أوساط العاصمة الأمويّة، استنكاراً لِمَا فَعَلَهُ يزيد.

* وممّا رصده لنا التاريخ من مظاهر الاستنكار ما يلي:

* ممثّل مَلِك الروم:

وكان في مجلس يزيد ممثّل ملك الروم، فلمّا رأى رأس الإمام بين يدي يزيد تأثّر من ذلك،وسأل يزيد : رأس مَن هذا؟

أجابه يزيد: رأس الحسين.

فسأل: مَن الحسين؟

قال يزيد: ابن فاطمة.

وسأله: مَن فاطمة؟

قال يزيد: ابنة رسول الله.

٢٤٧

فانذهل، وقال: نبيّكم؟

أجابه يزيد: نعم.

ففزع ممثّل ملك الروم، وأبدى انزعاجه قائلاً: تبّاً لكم ولدينكم، وحقِّ المسيح إنّكم على باطل، إنّ عندنا في بعض الجزائر دَيْرَاً فيه حافر فرس ركبة المسيح فنحن نحجّ إليه في كلّ عام، من مسيرة شهور وسنين، ونحمل إليه النذور والأموال، ونعظّمه أكثر ممّا تعظّمون كعبتكم، أُفٍّ لكم. ثمّ قام وخرج غضباناً من مجلس يزيد(٤٣) .

* حبر يهودي:

وحضر حبر يهودي مجلس يزيد أثناء دخول السبايا، وسمع خطاب الإمام زين العابدين فتأثّر الحبر والتفتَ إلى يزيد سائلاً: مَن هذا الغلام؟

أجابه: علي بن الحسين.

فسأل: مَن الحسين؟

قال: ابن علي بن أبي طالب.

وسأل الحبر: مَن أُمّه؟

أجابه يزيد: بنت محمّد.

فاندهش الحبر وأعلن استنكاره أمام يزيد قائلاً: يا سبحان الله!! ابن بنت نبيّكم قتلتموه، بئسما خلفتموه في ذرِّيَّته، فوالله لو ترك نبيّنا موسى بن عمران فينا سبطاً لظننّا أنّا كنّا نعبده من دون ربّنا، وأنتم فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه وقتلتموه، سوأة لكم مِن أُمّة!!

وغضب يزيد من قوله، وأمر بتنكيله، فقام الحبر وقد رفع عقيرته قائلاً: إنْ

____________________

(٤٣) تاريخ الأمم والملوك: الطبري: ج ٦، ص ٢٥٦. حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٣٨٩. الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج ٤، ص ٨٦.

٢٤٨

شئتم فاقتلوني، إنّي وجدتُ في التوراة مَن قتل ذرِّيَّة نبي فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي، فإذا مات أصلاه الله نار جهنّم(٤٤) .

* قيصر ملك الروم:

فقد وصلتْه أخبار قتل الحسين وأخبار السبايا، فكتب إلى يزيد مستنكراً: (قتلتم نبيّاً أو ابن نبي)(٤٥) .

* رأس الجالوت:

وممّن أظهر استنكاره وإدانته لِمَا حدث الزعيمُ الديني لليهود رأس الجالوت، فقد قال لمحمّد بن عبد الرحمن: إنّ بيني وبين داود سبعين أباً، وإنّ اليهود تعظّمني وتحترمني، وأنتم قتلتم ابن بنت نبيّكم؟(٤٦) .

* شيخ من أهل الشام:

أخرج ابن جرير عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعلي بن الحسين (رضي الله تعالى عنهما) أسيراً، فأُقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم!

فقال له علي (رضي الله تعالى عنه): (أقرأتَ القرآن؟

قال: نعم.

قال: أقرأتَ ال-( حم ) (٤٧) ؟

قال: نعم.

قال: أَمَا قرأتَ:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٤٨) .

____________________

(٤٤) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٣٩٤.

(٤٥) المصدر السابق: ص ٣٩٥.

(٤٦) المصدر السابق: ص ٣٩٦.

(٤٧) سورة الشورى: آية: ١.

(٤٨) سورة الشورى: آية: ٢٣.

٢٤٩

قال: فإنّكم لأنتم هم؟

قال: نعم)(٤٩) .

وفي نص آخر:

دنا شيخ من الإمام زين العابدين، وقال له: الحمد لله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم !

فقال عليه‌السلام له : (يا شيخ أقرأت القرآن؟

قال: بلى.

قال: أقرأتَ:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٥٠) .

وقرأت قوله تعالى:( وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) (٥١) ، وقوله تعالى:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٥٢) ؟

قال الشيخ: نعم قرأتُ ذلك.

فقال الإمام: نحن والله القربى في هذه الآيات.

ثم قال له الإمام: أقرأتَ قوله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٥٣) ؟

قال: بلى.

فقال الإمام: نحن أهل البيت الذين خصّهم الله بالتطهير.

قال الشيخ: بالله عليك أنتم هم؟

____________________

(٤٩) سورة الشورى: آية: ٢٣.

(٥٠) تفسير روح المعاني: الآلوسي: ج ٢٥، ص ٣١.

(٥١) سورة الإسراء: آية: ٢٦.

(٥٢) سورة الأنفال: آية: ٤١.

(٥٣) سورة الأحزاب: آية: ٣٣.

٢٥٠

قال الإمام: وحقّ جدّنا رسول الله إنّا لنحن هم من غير شكّ.

فوقع الشيخ على قدمي الإمام يقبّلهما ويقول: أبرأ إلى الله ممّن قتلكم. وتاب على يد الإمام ممّا فَرَطَ في القول معه، وبلغ يزيد فعل الشيخ وقوله، فأمر بقتله(٥٤) .

* الصحابي أبو برزة الأسملي:

وكان هذا الصحابي حاضراً في مجلس يزيد، فلمّا رأى أحوال السبايا وعبث يزيد برأس الحسين أعلنَ استياءه واستنكاره.

قال الطبري: فقام رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقال له: أبو برزة الأسلمي، وقال:

أتنكتَ بقضيبك في ثغر الحسين؟ أَمَا لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً لربّما رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشفه! أَمَا أنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا يوم القيامة ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيعه. ثمّ قال فولّى(٥٥) .

وفي رواية أخرى:

قال أبو برزة الأسلمي: أشهد لقد رأيتُ النبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن، ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلكما، ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءتْ مصيراً.

فغضب يزيد منه وأمر به فأُخرج سحباً(٥٦) .

* من داخل الأسرة الأمويّة:

وهكذا كانت أمواج السخط والاستنكار تتلاطم بتأثير قافلة السبايا، حتّى

____________________

(٥٤) مقتل الحسين: المقرّم: ص ٣٤٩.

(٥٥) تاريخ الأمم والملوك: الطبري: ج ٦، ص ٢٦٧.

(٥٦) الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج ٤، ص ٨٥.

٢٥١

ضربت أطناب البيت الأموي الحاكم، وتعالتْ أصوات المعارضة لِمَا حصل في أوساط عائلة يزيد، ف-:

- (يحيى بن الحكم ) أخو مروان بن الحكم اعترض على يزيد في مجلسه، وشتم ابن زياد أمامه متعاطفاً مع آل الرسول، حيث أنشد البيتَين التاليَين:

لهام بِجَنْبِ الطفّ أَدْنَى قَرَابَة

مِن ابْنِ زِيَاد العَبْد ذِي الحَسبِ الوغل

سُمَيَّة أَمْسَى نَسْلُهَا عَدَد الحَصَى

وَلَيْسَ لآلِ المُصْطَفَى اليَوْمَ مِنْ نَسْل

قال: فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم، وقال: اسكت(٥٧) .

- وابنة يزيد (عاتكة ) بادرتْ إلى رأس الإمام الحسين فطيَّبَتْهُ، وقالتْ نادبةً: رأس عمّي(٥٨) .

- أمّا (معاوية بن يزيد ) فموقفه واضح، إذ رفض حتّى تولّي الخلافة بعد أبيه يزيد وأعلن تنديده لسياسة أبيه وجدّه.

- وزوجته (هند ) لم تستطع كتمان أَلَمها واعتراضها.

يقول ابن الأثير : ثمّ دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدّثوه، فسمعتْ الحديث هندٌ بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وكانت تحت يزيد، فتقنّعت بثوبها وخرجتْ،فقالت: يا أمير المؤمنين أَرَأْسُ الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قال: نعم، فأعولي عليه، وحدي على ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصريخة قريش، عجَّلَ عليه ابن زياد فقتله، قتله الله(٥٩) .

هذا الاستياء الشامل والاستنكار من مختلف الأوساط أظهر ليزيد فشل سياسته

____________________

(٥٧) الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج ٤، ص ٨٥.

(٥٨) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٤٠٠.

(٥٩) الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج ٤، ص ٨٤.

٢٥٢

وتخطيطه، وجعله يتمنّى لو لم يقدم على قتْل الحسين، أو على الأقل لو تستّر على جريمته ولم ينشرها على رؤوس الملأ عبر قافلة السبايا والرؤوس. وصدرت عن يزيد كلمات وتصريحات عديدة يلقي فيها المسؤوليّة عن قتْل الحسين ومآسي عائلته على عبيد الله بن زياد.. ككلامه لزوجته وقوله مخاطباً رأس الحسين: والله يا حسين لو كنت أنا صاحبك ما قتلتُك!!(٦٠) .

وينقل ابن الأثير:

أنّه لَمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنتْ حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً، حتّى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتْل الحسين فكان يقول:

وما عليّ لو احتملتُ الأذى، وأنزلتُ الحسين في داري وحكّمته فيما يريد، وإنْ كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني حفظاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورعاية لحقّه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة فإنّه اضطرّه، وقد سأله أنْ يضع يده في يدي أو يلحق بثغرٍ حتّى يتوفّاه الله، فلم يجبْه إلى ذلك فقتله، فبغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، ما لي ولابن مرجانة، لعنه الله، وغضب عليه(٦١) .

____________________

(٦٠) المصدر السباق: ص ٨٥.

(٦١) المصدر السابق: ص ٨٧.

٢٥٣

٢٥٤

خلق عظيم:

٢٥٥

٢٥٦

لقد تكاملتْ نواحي العظمة في شخصيّة السيّدة زينب، فتجسّدتْ فيها معالي الصفات ومكارم الأخلاق، وذلك هو سرّ تفرّدها وخلودها. وإنّما تتحدّد قيمة الإنسان ومكانته حسب ما يتمتّع به من مواهب وكفاءات، ويترشّح عنه من فضائل وأخلاق. وشخصيّة السيّدة زينب زاخرة بالمواهب العالية، وسيرتها طافحة بالمكارم الرفعية.

لقد رافقنا حياة السيّدة زينب عبر الفصول السابقة وهي وليدة ناشئة، وفتاة يافعة، وزوجة ناضجة، وأم مربّية، ورأيناها تقف إلى جانب أمّها في آلامها وأحزانها، وتواكب مسيرة أبيها في منعطفات الزمن وأحداثه، وتواسي أخاها الحسن في محنته وابتلائه، ثمّ تشارك أخاها الحسين في ثورته العظيمة الخالدة، وتقود بعده ركب النهضة المقدّسة.

ومن خلال تلك المواقف والأحداث تجلّتْ لنا كفاءات السيّدة زينب وعظمة شخصيّتها، وتبدي لنا من نورها المضيء وأفقها الرحيب، بقدر ما كانت أبصارنا تستوعب الرؤية والنظر.

ونشير في هذا الفصل إلى بعض مكارم أخلاقها وعظيم صفاتها.

٢٥٧

٢٥٨

رائدة المعرفة

بالعلم ميّز الله الإنسان على سائر المخلوقات حتّى الملائكة:( وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (١) .

وبالعلم يتمايز بنو آدم فيما بينهم:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٢) ،( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (٣) .

و (العلمُ رأسُ الخيرِ كلِّه) و (أكثرُ الناسِ قيمةً أكثرُهم عِلْمَاً)، و (أقَلُّ الناس قِيْمَةً أَقَلُّهم عِلْمَاً)، كما يقول الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

____________________

(١) سورة البقرة: آية: ٣١.

(٢) سورة الزمر: آية: ٩.

(٣) سورة المجادلة: آية: ١١.

(٤) ميزان الحكمة: الري شهري: ج ٦، ص ٤٥١ - ٤٥٥.

٢٥٩

أو كما يقول الإمام علي عليه‌السلام : (قيمةُ كلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ)(٥) .

فالعلم ساحة سباق وتنافس بين أبناء البشر، يتقدّم فيها مَن حاز منه بنصيبٍ أوفر.

والمرأة كإنسانة معنيّة بهذا السباق في ميدان العلم، ولها حضورها في ساحة المعرفة، وقيمتها كالرجل تتحدّد بما تحسنه من العلم والمعرفة.

لذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (طَلَبُ العِلْمٍ فَرِيْضَةٌ على كلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ).

وإذا ما رأينا الجهل مُعَشْعِشَاً أكثر في أوساط نسائنا، فذلك دليل على تخلّفنا وانحرافنا عن هدي الرسالة.

لقد أثبتتْ المرأة في الماضي والحاضر أنّها لا تقلّ عن الرجل استعداداً للمعرفة وكفاءة في طلب العلم.. فحتّى العلوم التخصّصيّة الهامّة أحرزتْ فيها المرأة تفوّقاً وتقدّماً.. وكذلك المجالات العلميّة التي تحفّها المخاطر والصعوبات، فحادثة (تشالنجر ) لازالتْ ماثلة أمام الأذهان، حينما تحطّمت المركبة الفضائيّة المتطوّرة بعد (٧٣ ثانية ) من انطلاقها في الجوّ بسبب شرخ في خزّان الوقود بتاريخ (٢٨ - ١ - ١٩٨٦ م) وكان ضمن طاقمها المكوّن من ستّة أفراد فتاتان تعملان في أبحاث الفضاء هما (كريستا مكوليف ) و (جودث رثنك ).

وقبل سنتين نشرتْ وسائل الإعلام تحقيقاً عن امرأة عربيّة متخصّصة في فيزياء (البلازما ) وهي الحال الرابعة للمادّة التي يُقال إنّ كتلة الكون تتألّف منها.

تلك المرأة هي (مها عاشور عبد الله ) أستاذة الفيزياء في جامعة (لوس أنجلس ) في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وقد تجاوزتْ هذه المرأة كلّ المستحيلات، فاختارتْها وكالة الفضاء الأمريكيّة (ناسا ) مستشارة رئيسيّة في وضع خطّة الأبحاث الأساسيّة في فيزياء الفضاء، وقد منحتْ جائزة نساء العِلْم الأميركيّة.

____________________

(٥) نهج البلاغة: الإمام علي: قصار الحكم، رقم: ٨١.

٢٦٠