المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام0%

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 312

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن الصفار
تصنيف: الصفحات: 312
المشاهدات: 118635
تحميل: 7409

توضيحات:

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 312 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118635 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قبر الست أمّ كلثوم)(٥) .

- وذكر هذا المشهد الباحث الدمشقي عثمان بن أحمد السويدي الحوراني المتوفّى (سنة:٩٧ ٠ ه- - أو١٠٠٣ ه-) في كتابه (الإشارات إلى أماكن الزيارات) قال:

(ومنها قرية يُقال لها (راوية)، بها السيّدة زينب أُمّ كلثوم ابنة علي بن أبي طالب، تُوفّيت بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين، ودُفنتْ في هذه القرية، ثمّ سُمِّيَتْ القرية باسمها، وهي الآن معروفة ب- (قبر الست) )(٦) .

- وقال العلاّمة السيّد محسن الأمين العاملي:

يوجد في قرية تسمى (راوية) على نحو فرسخ من دمشق إلى جهة الشرق قبر ومشهد يُسمّى: (قبر الست)، ووُجد على هذا القبر صخرة رأيتُها وقرأتُها كُتب عليها: هذا قبر السيّدة زينب المكنّاة بأُمّ كلثوم بنت سيّدنا عليرضي‌الله‌عنه ، وليس فيها تاريخ وصورة خطّها تدل على أنّها كُتبتْ بعد الستمائة من الهجرة)(٧) .

وإنْ كان السيّد الأمين يرجّح أنّ القبر لزينب الصغرى أخت السيّدة زينب الكبرى.

وورد أنّ السيّدة نفيسة صاحبة المقام المعروف في القاهرة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد زارتْ هذا المشهد في قرية (راوية) (سنة: ١٩٣ ه- )(٨) .

وقرب (سنة: ٥٠٠ ه- ) شيّد رجل قرقوبي من أهل حلب بمشهدها جامعاً كبيراً، من أشهر جوامع دمشق(٩) .

____________________

(٥) المصدر السابق: ص ١١٠، عن رحلة ابن بطّوطة: ج ١، ص ٦١.

(٦) المصدر السابق: نقلاً عن الإشارات: ص ١٨، طبع دمشق، ١٣٠٢ ه-.

(٧) أعيان الشيعة: محسن الأمين: ج ٧، ص ١٣٦.

(٨) مرقد العقيلة زينب: السابقي: ص ١٤١ / ث.

(٩) المصدر السابق.

٢٨١

وزار هذا المشهد الرحّالة أبو بكر الهروي المتوفّى (٦١١ ه- )، وذكره في كتابه المعروف ب- (الإشارات إلى معرفة الزيارات ) (١٠) .

وفي (سنة: ٧٦٨ ه- ) أوقف على هذا المشهد - باعتباره مرقداً للسيّدة زينب الكبرى - نقيبُ الأشراف السيّد حسين الموسوي، من كبار أعلام دمشق في زمانه، جميعَ ما كان يملكه من البساتين والأراضي، وكتب صَكّاً طويلاً عليه شهادات سبعة من قضاة دمشق الكبار في زمانهم، ونسخة هذا الصك محفوظة عند سَدَنَة المقام، ومذكور نصّه في بعض المؤلّفات(١١) .

- وقد جدّد السيّد حسين الموسوي عمارة هذا المشهد (سنة: ٧٦٨ ه- ).

- وفي (سنة: ١٣٠٢ ه- ) جدّد القبّة الكريمة السلطان عبد العزيز خان العثماني، بإعانة التجّار والأثرياء.

- وفي (سنة: ١٣٥٤ ه- ) أنشأ سادة آل نظام غُرَفَاً كثيرة حول المقام؛ لإراحة الزائرين، وجدّدوا المدخل الشريف بنفقتهم.

- وفي (سنة: ١٣٧٠ ه- ) شكّل الإمام السيّد محسن الأمين العاملي لجنة من خيار التجّار وأهل الثروة؛ لتعمير الحرم والصحن والأروقة برئاستهرحمه‌الله (١٢) . وكان للحاج محمّد مهدي البهبهانيرحمه‌الله دور أساسي في هذه العمارة والتجديد.

- وفي (سنة: ١٣٧٠ ه- ) أهدى التاجر الباكستاني محمّد علي حبيب مؤسّس المصرف المعروف باسمه (حبيب بنك )، أهدى قفصاً ثميناً وزنه اثنا عشر طنّاً لينصب على قبرها؛ لأنّ الله قد شفا ولده الوحيد من الشلل بعد أنْ عجز عنه الأطباء ببركة السيّدة زينب، وقد نصب هذا القفص الفضّي المذهّب المُحَلّى بالجواهر الكريمة النادرة في احتفال رسمي وشعبي.

____________________

(١٠) المصدر السابق.

(١١) المصدر السابق: ص ١٤٥.

(١٢) المصدر السابق: ص ٢٢٧.

٢٨٢

وأرّخه الخطيب الشيخ علي البازي النجفي بقوله:

هذا ضريح زينب قف عنده

واستغفر الله لكلّ مذنب

ترى الملا طُرّاً وأملاك السما

أرّخ (وقوفاً في ضريح زينب)

(١٣٧٠ ه-)(١٣) .

- وفي (سنة: ١٣٧٣ ه- ) أهدى جماعة من التجّار الإيرانيّين صندوقاً ثميناً من أورع أمثلة الصناعة الإيرانيّة المعروفة، ومِن صنع الفنّان الإيراني الحاج محمّد سميع، والذي بقي في صنع هذا الصندوق ثلاثين شهراً، وقدّر ثمنه بمائتي ألف ليرة سوريّة آنذاك، وعليه غطاء من البلّور، أحضرتْه بعثة إيرانيّة برئاسة ضابط إيراني كبير، وأُقيم يوم وصوله ونصبه على قبر السيدة زينب احتفال مهيب، ترأّسه السيّد صبري العسلي رئيس وزارة سوريا.

وأرّخه الشاعر النجفي السيّد محمّد الحلّي بقوله:

صندوق زينب قد بدتْ

للفن فيه علائمُ

صنعتْه أيدي المخلصين

فحار فيه العالَمُ

حيث احتوى جثمانَها

أرّخت راق الخاتم

(١٣٧٣ ه-)(١٤) .

- وأهدى بعض تجّار إيران (سنة: ١٣٨٠ ه- ) لمشهدها باباً ذهبيّاً رائعاً(١٥) .

وللمقام مئذنتان شامختان بارتفاع (٥٤ متراً).

- وفي (عام: ١٣٨٠ ه- ) أهدي للحرم باب ذهبي للمدخل الغربي، وبابان مذهّبان بالميناء للمدخل الشمالي والقبلي.

- كما تمّ في هذا العام (١٤١٣ ه- ) إكساء قبّة المقام من الخارج بالذهب.

____________________

(١٣) أدب الطف: جواد شبّر: ج ١، ص ٢٥١.

(١٤) مرقد العقيلة زينب: السابقي: ص ٢٣١.

(١٥) المصدر السابق.

٢٨٣

٢٨٤

* المشهد الزينبي في القاهرة:

بناءً على الرواية التي تقول بأنّ السيّدة زينب حينما غادرتْ المدينة المنوّرة بضغطٍ من والي المدينة الأموي (عمرو بن سعيد الأشدق )، فإنّها توجّهتْ إلى مصر واستقبلها الوالي (مسلمة بن مخلّد )، وأنزلها داره بالحمراء في القاهرة، وبعد إحدى عشر شهراً وخمسة عشر يوماً توفّيتْ في (١٥ / رجب / سنة: ٦٢ ه- )، وصلّى عليها الوالي مسلمة بن مخلّد، ودفنها بمخدعها من الدار حسب وصيّتها (١٦) .

وعلى هذا يقع ضريح السيّدة زينب في الجهة البحريّة من دار مسلمة بن مخلّد الأنصاري، وبمرور السنين والعهود على هذه الدار اندثر جزء كبير منها، إلاّ ما كان من الضريح الطاهر فإنّه كان معظّماً مقصوداً بالزيارة، وموضع تبجيل واحترام الخاصّة والعامّة من الناس، الذين كانوا يتعاهدونه بالتعمير والإصلاح، ويتناوب على خدمة هذا المشهد أناس انقطعوا لهذا العمل، ويُصرف عليهم من وجوه الخير ومِن ريع الأعيان والممتلكات التي أُوقفتْ على هذا الضريح الطاهر.

- وفي زمن دولة أحمد بن طولون (٢٥٤ - ٢٩٣ ه- / ٨٦٨ - ٩٠٥ م ) أُجري على هذا المشهد الطاهر ما أُجري على المشاهد الأخرى من عمارة وترميم.

____________________

(١٦) أخبار الزينبيّات: العبيدلي: مجلّة (الموسم)، عدد: ٤.

٢٨٥

فلمّا جاءتْ الدولة الفاطميّة (٣٥٨ - ٥٦٧ ه- / ٩٦٩ - ١١٧١ م ) كان أوّل مَن بنى عمارة جليلة عظيمة على هذا المشهد من خلفاء الفاطميّين (أبو تميم معد نزار بن المعز )، وذلك في (سنة: ٣٦٩ ه- ).

- وقد ذكر الرحّالة الأديب، أبو عبد الله الكوهيني الفاسي الأندلسي، أنّه دخل القاهرة في (١٤ / محرم / ٣٦٩ ه- )، وأنه دخل مشهد السيدة زينب بنت علي، فوجده داخل دار كبيرة وهو في طرفها البحري، يشرف على الخليج، قال: وعاينّا الضريح، وشممنا منه رائحة طيبة، ورأينا بأعلاه قبة من الجص، وفي صدر الحجرة ثلاثة محاريب، وعلى كلّ ذلك نقوش في غاية الإتقان، وعلى باب الحجرة مكتوب:

(هذا ما أمر به عبد الله ووليه أبو تميم أمير المؤمنين... أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيّدة الطاهرة بنت البتول، زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله تعالى عليها وعلى آبائها الطاهرين وأبنائها المكرمين) ).

- وفي أيّام الحاكم بأمر الله، أوقف على المشهد الزينبي عدّة ضياع وأسواق ومحال تجارية؛ ليصرف ريعها على خدمات المشهد.

- وفي القرن السادس الهجري أيّام الملك سيف الدين أبي بكر بن أيوب أجرى الشريف فخر الدين ثعلب الجعفري أمير القاهرة ونقيب الأشراف الزينبيّين بها عمارة وإصلاحاً على هذا المشهد.

- واهتمّ الأمير علي باشا الوزير والي مصر مِن قِبل السلطان سليمان خان بن السلطان سليم الفاتح بتعمير المشهد وتشييده، وجعل له مسجداً يتّصل به وذلك في (سنة: ٩٥٦ ه- ).

وفي (سنة: ١١٧٤ ه- ) أعاد الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدوغلي بناءَ المسجد وتشييد أركانه، وأنشأ به ساقية وحوضاً للطهارة والوضوء، وبنى مقام السيّد محمّد العتريس المتوفّى أواخر القرن السابع، والذي كان ملازماً لخدمة المشهد الزينبي.

- وفي (سنة: ١٢١٠ ه- ) جُدِّدتْ المقصورة الشريفة التي تحيط بالتابوت الطاهر

٢٨٦

المقام فوق القبر، وصُنعتْ من النحاس الأصفر، ووُضع فوق بابها لوحة نحاسيّة كتب عليها: (يا سيّدة زينب، يا بنت فاطمة الزهراء مددكِ ١٢١٠ ه- ). وما زالت اللوحة على الضريح الشريف حتّى اليوم.

- وحدث في (سنة: ١٢١٢ ه- ) أنْ تصدّعت جدران المسجد، فانتدبتْ حكومة المماليك، عثمان بك المرادي لتجديده وإعادة بنائه، إلاّ أنّ العمل توقّف بسبب الحملة الفرنسيّة على مصر، وبعدها استؤنف العمل، إلاّ أنّه لم يتم، فأكمله بعد ذلك يوسف باشا الوزير (سنة: ١٢١٦ ه- )، وأرّخ ذلك بأبيات من الشعر خُطّت على لوح من الرخام نصّها:

نور بنت النبي زينب يعلو

مسجداً فيه قبرها والمزارُ

قد بناه الوزير صدر المعالي

يوسف وهو للعلى مختار

زاد إجلاله كما قلت وأُرّخ

مسجد مشرق به أنوار

وبعد ذلك أصبح هذا المشهد محلّ رعاية الحكام في مصر من أسرة محمّد علي:

- ففي (سنة: ١٢٧٠ ه- ) شرع الخديوي عبّاس باشا الأوّل في إصلاحه، ووضع حجر الأساس ولكنّ الموت عاجله.

- فقام الخديوي محمّد سعيد باشا في (سنة: ١٢٧٦ ه- ) بإتمام ما بدأه سلفه، وكتب على باب المقام الزينبي هذا البيت من الشعر:

يا زائريها قفوا بالباب وابتهلوا

بنت الرسول لهذا القطر مصباح

- وفي (سنة: ١٢٩١ ه- ) أمر الخديوي إسماعيل بتحديد الباب المقابل لباب القبّة وجعله من الرخام.. وفي هذه المناسبة قال السيّد علي أبو النصر مؤرّخاً تجديد هذا الباب:

٢٨٧

مقام به بنت الإمام كأنّما

هو الروضة الفيحاء باليمن مونقه

على بابها لاح القبول لزائر

ونور الهدى أهدى سناه ورونقه

بأمر الخديوي جدّدتْه يدُ العلا

فكانت بأسباب الرضا متوثّقه

وفي حلية التجديد قلتُ مؤرّخاً

شموس الحلى في باب زينب مشرقه

(١٢٩٤ ه-)

- وفي نفس (العام: ١٢٩٤ ه- ) جُدّد الباب المقابل لباب الضريح على الهيئة الموجودة الآن.

* أمّا المسجد القائم حالياً فقد تمّ إنشاؤه على مراحل ثلاث:

- فبني الجزء الأوّل منه وهو المطل على الميدان المعروف باسم ميدان السيّدة زينب في عهد الخديوي توفيق (سنة: ١٣٠٢ه- )، وكتب على أبواب القبّة الشريفة التي تضمّ الضريح أبياتاً من الشعر:

مقام به بنت الإمام كأنّما

هو الروضة الفيحاء باليمن مونقه

على بابها لاح القبول لزائر

ونور الهدى أهدى سناه ورونقه

بأمر الخديوي جدّدتْه يدُ لعلا

فكانت بأسباب الرضا متوثّقه

وفي حلية التجديد قلتُ مؤرّخاً

شموس الحلى في باب زينب مشرقه

- وظلّ المسجد على تلك الحال، حتّى تمّت توسعته من الجهة القبليّة بمساحة

٢٨٨

( ١٥٠٠ متر مربّع ) تقريباً في عهد الملك فاروق الأوّل، وافتتح للصلاة في (يوم الجمعة: ١٩ / ذي الحجة / ١٣٦٠ ه- = ١٩٤٢ م ).

- ولمّا رأتْ حكومة الرئيس جمال عبد الناصر زيادة إقبال الناس على هذا المسجد حتّى ضاق عن أنْ يتّسع للآلاف منهم، خاصّة في أيّام الجمع والأعياد، أمرتْ بإجراء توسعة عظيمة بلغت حوالي (٢٥٠٠ متر مربع ) من الجهة القبليّة.. وبذلك اتّصل المسجد الزينبي بمسجد الزعفراني المجاور له، كما أُقيمتْ به دورة مياه كبيرة للطهارة والوضوء، ومكتبة ضخمة تضمّ عشرات الآلاف من المجلّدات، وأُلحق بها قاعة فسيحة للمطالعة، واكتملتْ هذه التوسعة (سنة: ١٣٨٩ ه- - ١٩٦٩ م )، فأصبحتْ مساحة المشهد الزينبي وملحقاته تزيد على (٧٠٠٠ آلاف متراً مربّعاً ).

- أما المئذنة التي تعتبر فريدة في نوعها لِمَا تتحلّى به من نقوش وزخارف عربيّة جميلة، فإنّ ارتفاعها يقرب من (٤٥ متراً )(١٧) .

____________________

(١٧) علي أحمد الشلبي رئيس مجلس إدارة المسجد الزينبي بالقاهرة، في مقاله له في مجلّة (الموسم) العدد: ٤ (من صفحة ٨٦٥ إلى صفحة ٨٨٠). نقلنا عنه بتصرّف واختصار.

٢٨٩

٢٩٠

* في سنجار شمال العراق:

سنجار مدينة معروفة في شمال العراق، تقع جنوب نصيبين عن يمين الطريق إلى الموصل، اشتهرتْ بكونها مدينة الطرق والقوافل منذ القديم؛ لأنّها سيطرتْ على الطريق بين العراق وسورية، وتقع فيها جبال سنجار التي يبلغ ارتفاعها نحو (٤٨٠٠ قدم ).

واشتهر في سنجار الكثير من المراقد والأضرحة المنسوبة لآل البيت، والتي عمّرها الفاطميّون والبويهيّون والحمدانيّون والعقيليّون.

وتخضع هذه المقامات الآن لنفوذ اليزيديين، وهؤلاء لهم ديانة معروفة خاصّة بهم، لكنّهم يعظّمون ويحترمون هذه المقامات وأصحابها، ومن تلك المشاهد المرقد المنسوب للسيّدة زينب الكبرى بنت علي، على أساس أنّها توفّيت في هذه المنطقة عند مرور السبايا بعد واقعة الطفّ.

ويقع الضريح المنسوب للسيّدة زينب على ربوة عالية في مدخل المدينة، وهو فناء واسع، وفيه غرفة مستطيلة الشكل في وسطها القبر المشيّد من الحجر والجص، وفي الغرفة محراب صغير، وتغطّيها قبّة مظهرها الخارجي مضلّع مخروطي الشكل.

وتدلّ الكلمات المنقوشة على مدخل الرواق إلى يسار غرفة القبر على أنّ هذا

٢٩١

البناء من قبل الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ أيّام ملكه لبلاد سنجر( ٦٣٧ - ٦٥٧ ه- / ١٢٣٩ - ١٢٥٩ م )، وتاريخ البناء الأصلي هو (سنة: ٦٤٤ ه- ).

- وعند زحف التتار واستيلائهم على سنجار (سنة: ٦٦٠ ه- ) أصابه الخراب، لكنّه جُدِّد فيما بعد ومِن قِبل نائب التتر وهو من العجم، يُقال قوام الدين محمّد اليزدي.

- وجُدِّد مرّة أخرى كما يتّضح من نصٍّ مكتوب على لوحة رخاميّة موجودة على جدار غرفة الضريح من خارج البناء تقول: (جَدَّد مزار الست زينب بنت علي العبد الفقير سيدي باشا بن خداد.. ثمان عشر شهر ربيع الأخر سنة: ١١٠٥ ه- ).

وتعلو المشهد قبّتان:

إحداهما: نصف كرويّة تغطّي غرفة من غرف الضريح المتعدّدة، والقبّة محاريّة الشكل.

أمّا القبّة الثانية : فهي قبّة غرفة الضريح، وتبدو من الخارج مضلّعة مخروطيّة الشكل.

وفي المشهد عدّة محاريب تعلوها كتابات لآيات قرآنية(١٨) .

____________________

(١٨) بحث الدكتور حسن كامل شميساني في مجلّة (الموسم) العدد: ٤، ص ٩٢٤، نقلنا عنه باختصار وتصرّف.

٢٩٢

شيء من التحقيق

لقد بذل العديد من العلماء والباحثين جهودهم، وخاضوا غمار البحث والتحقيق لمحاكمة الروايات والنقول التاريخيّة حول قبر السيّدة زينب الكبرى.

وإذا كان المقام المنسوب لها في سنجار شمال العراق لا تسنده رواية تاريخيّة فيما يتوفّر من مصادر إلاّ ما يتداول ويتوارث على أَلْسِنَة أهالي تلك المنطقة، فإنّ الآراء التي ناقشها العلماء والباحثون تنحصر في ثلاثة احتمالات:

١ - المدينة المنوّرة.

٢ - مصر.

٣ - دمشق.

* أوّلاً: المدينة المنوّرة:

-دافع العلاّمة السيّد محسن الأمين العاملي عن هذا الرأي ؛ باعتبار أنّ المدينة هي موطن السيّدة زينب، وأنّ من الثابت عودتها إلى المدينة بعد واقعة كربلاء، فاستصحاباً نحكم بأنّ وفاتها وقبرها في المدينة المنوّرة ما لم يثبت العكس، وقال نصّه: (يجب أنْ يكون قبرها في المدينة المنوّرة فإنّه لم يثبت أنّها بعد رجوعها للمدينة

٢٩٣

خرجتْ منها، وإنْ كان تاريخ وفاتها ومحلّ قبرها بالمدينة مجهولَين، ويجب أنْ يكون قبرها بالبقيع، وكم من أهل البيت أمثالها مَن جُهِلَ محلّ قبره وتاريخ وفاته، خصوصاً النساء)(١٩) .

-وناقش هذا القول البحّاثة الشيخ محمّد حسنين السابقي بما يلي : (نحن لا ننكر أنْ يكون مدفنها الطاهر في البقيع في المدينة المنوّرة، إذ هي وطنها الكريم، وبها قبور إخوتها وشيوخ قومها وجدّها وأمّها، ولكنْ بشرط أنْ يقوم عليه دليل قاطع أو نصٍ تاريخي.

لأنّ قبور البقيع ذكرها المؤرّخون قديماً وحديثاً يذكرها ابن النجّار في (تاريخه)، والسمهودي في تاريخه الحافل (وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى )، في باب مخصوص لذكر مزارات أهل البيت والصحابة، ولا نجد فيها قبر العقيلة زينب لا في القبور المعمورة ولا المطموسة.

ولكان لمرقدها ذكر ولو في القرون الأولى، كما بقي لِمَنْ دونها في الرتبة من بني هاشم، بل ولِمَنْ يَمُتّ إليهم بالولاء أيضاً، على أنّ الذين ذهبوا إلى هذا القول إنّما مستندهم الاستصحاب الأصولي، وهو أنّه ثبت أنّ العقيلة زينب دخلتْ المدينة بعد محنة أخيها ورجوعها من الشام وكانت بالمدينة في قيد الحياة، ثمّ شككنا هل ماتت في الشام أم لا؟ فالاستصحاب يقول: الأصل عدم موتها بالشام بل بالمدينة حتّى يحصل لنا شيء يزيل هذا الشك ويثبت لنا باليقين أنّها ماتت بالشام.

وهذا الدليل لا غبارَ عليه في نفسه، ولكنْ لا يُستدَل بمثله في القضايا التاريخيّة، ولو قلنا به فثبت ما أزال هذا الشكّ بما رواه (ابن طولون الدمشقي ) من ذهابها إلى الشام وموتها بها، وعليه أكثر الفقهاء المجتهدين الأصوليّين(٢٠) .

____________________

(١٩) أعيان الشيعة: محسن الأمين: ج ٧، ص ١٤٠.

(٢٠) مرقد العقيلة زينب: السابقي: ص ١٠٢.

٢٩٤

* ثانياً: بين القاهرة ودمشق:

وإذا لم يكن هناك أثر نقلي يتحدّث عن قبر للسيّدة زينب كبرى في المدينة المنوّرة، ولا يوجد مقام ظاهر يُنسب لها هناك، فإنّ الأمر ليس كذلك فيما يرتبط بمصر والشام، حيث توجد روايات ونصوص تاريخيّة يَستدلّ بها أنصار كلّ من الرأيَين، كما يتعالى في سماء القاهرة ودمشق مقامان شامخان ينسبان للسيّدة زينب، وتؤمّهما جماهير المؤمنين ويقصدهما الزائرون.

لكنّ المطالعة الدقيقة والبحث الموضوعي في أدلّة الطرفين يرجّح كفّة الاطمئنان إلى أنّ مشهد الراوية في دمشق هو الأقرب إلى الصحّة والواقع؛ وذلك لتظافر الأدلّة في كتب المؤرّخين والرحّالة والسّائحين منذ القرون السابقة وإلى الآن، ولضعف مستند القائلين بسفر السيّدة زينب الكبرى إلى مصر وموتها فيها، وللاحتمال الكبير في أنْ يكون المقام في مصر لزينب أخرى من أهل البيت.

وقد أفرد بعض العلماء كتباً ورسائل لتحقيق هذا الموضوع:

- ومن أبرزهم العلاّمة المرحوم الشيخ فرج العمران القطيفي (١٣٢١ ه- ) والذي ألّف رسالة تحت عنوان (المرقد الزينبي ) (سنة: ١٣٧٧ ه- / وطبعها في النجف الأشراف / العراف )، وكانت نتيجة البحث التي انتهى إليها في رسالته هو ترجيح المقام الزينبي في دمشق، وأنّه للسيّدة زينب الكبرى.

- والبحث الآخر والأعمق هو للبحّاثة الباكستاني الشيخ محمّد حسنين السابقي، ويقع في أكثر من (٢٤٠ صفحة )، وقد طُبع في بيروت (سنة: ١٣٩٩ ه- ١٩٧٩ م )، ونقتبس منه الفقرات التالية بشيء من التصرّف والاختصار:

إنّ رحلة السيّدة العقلية إلى مصر وإقامتها هناك وتلبيتها لداعي حماها وحديث مدفنها بها قضيّة من أهمّ القضايا التي لا يفوّت ذكرها كلّ مؤرخ يقظان، ولا أقلّ من أنْ يذكره، والمؤرّخين الذين نشأوا في مصر خان ولكنّهم بأجمعهم لم

٢٩٥

يشيروا إليه أدنى إشارة.

وتتجلّى هذه الحقيقة بعدما نرى اهتمام المصريّين بإحاطة الأخبار وضبط الحوادث المتعلّقة ببلادهم.

- فأوّل مدوّن لتاريخ مصر في الإسلام هو: (عبد الرحمن بن عبد الحكم المصري المتوفى: ٢٥٧ ه- )، له في تاريخ مصر كتاب حافل سمّاه: (منهج السالك في أخبار مصر والقرى والممالك )، ذكر فيه تراجم كثير من الصحابة ممّن دخل مصر.

- وتبعه (أبو عمرو محمّد بن يوسف الكندي المتوفّى: ٣٥٤ ه- ) وله عدّة تأليفات في تاريخ مصر.

- ثمّ برع في تدوين أخبار مصر والإحاطة بحوادثها (أبو محمّد حسن بن إبراهيم بن ذولاق الليثي المصري المتوفّى: ٣٨٧ ه- ).

- ثمّ تلاه في هذا الموضوع (عزّ الملك محمّد بن عبد الله بن أحمد الحرّاني المسبحي المتوفّى سنة: ٤٢٠ ه- ).

- ثمّ المؤرّخ المتتبّع القاضي (أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي الشافعي المتوفى: ٤٥٣ ه- )، ولم يقصر همّه على ضبط الحوادث التاريخيّة فقط، بل ألّف في المزارات المقصودة للزيارة والتبرّك التي تُشدّ إليها الرحال، وله في هذا الموضوع كتاب (أُنس الزائرين ) ترجم فيه للسيّدة نفيسة وعيّن مدفنها، وليس فيه لقبر زينب الكبرى عين ولا أثر.

- ثمّ اعطف إلى (المقريزي، والسيوطي، والقلقشندي ) وغيرهم، لم نجد أحداً من هؤلاء أنّه ذكر دخول السيّدة زينب الكبرى في مصر ومدفنها بها.

على أنّ هناك جماعة من مؤرّخي مصر ممّن أفرد تأليفه في تحقيق المزارات والقبور والمساجد ك-:

ابن يونس / والهتناني / والقرشي صاحب (المزارات المصريّة ) / وابن سعد النسّابة صاحب (مزارات الأشراف ) / وابن عطايا / والحموي الذي ذكر جملة من مزارات مصر / وموفّق الدين صاحب (مرشد الزوّار ).

ترى هؤلاء الإعلام يترجمون أصحاب القبور ويميّزون بين المزارات الصحيحة والمزوّرة من العلويّين وغيرهم في مصر.

٢٩٦

ولم يذكر أحدُ من هؤلاء أنّ العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين مدفونة في مصر(٢١) .

* إنّ كبار المؤرّخين المطّلعين على تاريخ مصر بدقّة وتحقيق لم يصح لديهم دخول أيّ ولد لأمير المؤمنين لصلبه في مصر:

-قال الحافظ (أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي المتوفّى: ٥٧٦ ه-) : - لم يمت له - أي لعلي - ولد لصلبه في مصر.

-قال الحافظ المؤرّخ (أبو محمّد حسن بن إبراهيم بن زولاق الليثي المصري المتوفّى: ٣٨٧ ه-) : أوّل مَن دخل مصر مِن وُلد علي سكينة بنت علي بن الحسين. وبه قال السخاوي.

-وفي لفظ آخر للسخاوي : إنّ المنقول عن السلف أنّه لم يمت أحد من أولاد علي لصلبه في مصر.

فكيف من المعقول أنْ تدخل العقيلة زينب مصر وتقيم هناك زهاء السنة، ثمّ تُقْبَر على مرأى من المحاشد الجمّة ومسمع، ولا يَعرف أمرها أحدٌ من المؤرّخين الذين عهْدهم قريب بتلك الحادثة المهمّة.

-والإمام الشافعي : كان يتجاهر بالولاء لأهل البيت، وقد ورد في سيرته أنّه كان يزور السيّدة نفيسة، لكنْ لم يرد أنّه زار السيّدة زينب هناك(٢٢) .

-كما دخل مصر جملة من الرحّالين كابن جبير وابن بطّوطة وابن شاهين : وذكروا ما شاهدوا من القبور المعروفة المقصودة للزيارة في عهدهم، ولكنْ لا تجد أحداً منهم يذكر قبر السيّدة زينب الكبرى في مصر.. اللّهمّ إلاّ الرحّالة الكوهيني الفاسي

____________________

(٢١) المصدر السابق: ص ٢٩ - ٣١.

(٢٢) المصدر السابق: ص ٣٢ - ٣٣.

٢٩٧

الأندلسي، الذي دخل القاهرة في(١٤ / محرم / ٣٦٩ ه- )(٢٣) .

إنّ الاشتباه بوجود قبر العقيلة زينب نشأ لتعدّد المسمّيات بزينب من العلويّات وغيرهم المدفونات بمصر، والذهن أسرع تبادراً عند سماع الاسم إلى أشهر الأفراد وأكملها.

ومن المعلوم أنّ عادة العامّة والخاصّة جرتْ أنّهم ينسبون العلويّين إلى رسول الله وأمير المؤمنين بلا واسطة(٢٤) .

والظاهر أنّ المشهد الزينبي المعروف في القاهرة هو للسيّدة زينب بنت يحيى المتوّج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب(٢٥) .

والمصدر الأساس لدعوى هجرة السيّدة زينب الكبرى إلى مصر وموتها ودفنها فيها رسالة (أخبار الزينبيّات ) للنسّابة العبيدلي، وحول هذه الرسالة ومؤلّفها ورواتها - وبالخصوص الرواية المتعلّقة بهذا الموضوع - حولها كلام عند أهل التحقيق سَنَدَاً وَمَتْنَاً(٢٦) .

____________________

(٢٣) المصدر السابق: ص ٣٣.

(٢٤) المصدر السابق: ص ٥٤.

(٢٥) المصدر السابق: ص ٥٩.

(٢٦) المصدر السابق: ص ٧٥ - ١٠١.

٢٩٨

مصادر الكتاب

٢٩٩

٣٠٠