وكنّا نحبّ له أن يقرأ النصوص جيّداً، وأن يُقارن بينها، لا أن يأخذ منها ما يتّفق وهواه، ثُمّ يفسّر هذا الذي أخذه بهواه، مرّة أُخرى فتضيع منه الحقائق بين هواه وهواه، ولو كان السند الذي استند إليه هذا المُستشرق - كما يقول الأُستاذ العقاد - واضحاً مُلزماً، لقلنا أنّها أمانة العِلم، ولا حيلة للعالم في الأمانة العلمية، لكنّ السند كلّه قائم على أنّ الزهراء قد تزوّجت في الثامنة عشرة من عمرها، وتقابله أسانيد أُخرى تنقضه، وتتراءى للمستشرق حيثما نظر حوله، ولكنّه لا يحبّ أن يراها؛ لأنّه يحبّ أن يرى ما يعيب، ولا يحب أن يرى مالا عيب فيه.
وعلى أيّ حال، فإنّ تقويض رأي لامانس سهل؛ لأسباب كثيرة:
منها (أولاً): إنّ المشهور المتواتر - كما رأينا من قبل - أنّ السيّدة فاطمة الزهراء وُلدت لأبوين جميلين، وأنّ أخواتها تزوّجن من ذوي غنى وجاه، كأبي العاص بن الربيع وعثمان بن عفان، وليس المألوف أن يكون الأبوان والأخوات موصوفين بالجمال، وأن تُحرم منه إحدى البنات.
ومنها (ثانياً): إنّ السيدة الزهراء - كما هو مشهور - قد بلغت سنّ الزواج، والدعوة المحمديّة في إبانها، والمسلمون بين مُهاجر أو مقيم غير آمن، والحال قد تبدّلت بعد الدعوة المحمديّة، فأصبحت خطبة المسلمين مقصورة على المسلمين، وهُم قلّة، منهم المتزوج ومنهم من لا طاقة له بالزواج.
ومنها (ثالثاً): ما أشرنا من أنّ هناك الكثير من الآراء التي لا تجعل الزهراء تبلغ الثامنة عشرة، يوم بنيت بالإمام.
ومنها (رابعاً): إنّنا لا نستطيع أن نستبعد أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخص بها ربيبه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب (وهو أرجح الأسباب في رأينا)، وينتظر بها يوم البتّ في هذا الأمر، وذلك حين تهدأ الحال، ويستعدّ ابن عمّه للزواج.
ولعلّ مما يعضد هذه الفكرة ما رويناه من قبل، من أنّ الصديق والفاروق قد خطبا الزهراء قبل الإمام علي، وأنّ ردّ النبي صلّى الله عليه وسلّم عليهما قوله لكلّ منهما:(انتظر بها القضاء)
، أو قال:(إنّها صغيرة)
.
ومنها (خامساً): إنّ الأب لامانس تجاهل كثيراً من النصوص التي تُشير إلى أنّ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام إنّما كانت تتمتّع بقسط وافر من الجمال، من ذلك ما رواه أنس بن مالك عن أُمّه: إنّ فاطمة كانت كأنها القمر ليلة البدر. ومنه