السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)0%

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 178

  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20818 / تحميل: 7384
الحجم الحجم الحجم
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

باركت على إبراهيم) ، قال أبو صالح، عن الليث:(على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم) .

وعن يزيد، قال:(كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) .

وروى ابن أبي حاتم، عن كعب بن عجرة، قال: لمّا نزلت( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، قال: قُلنا يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال:(قولوا، اللّهمّ صلِ على محمّد وآل محمّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم إنّك حميد مجيد).

وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نُصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نُصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تمنّينا أنّه لم يسأله، ثُمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(قولوا، اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم) .

وفي هذا دليل على أنّ الأمر بالصلاة على آل محمّد مُراد من الآية، وإلاّ لَما سألوا عن الصلاة على أهل البيت عقب نزولها، ولم يُجابوا بما ذكر، على أنّه صلّى الله عليه وسلّم أقام أهل البيت مقام نفسه في ذلك؛ ذلك لأنّ القصد من الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم أن ينيله مولاه عزّ وجَل من الرحمة المقرونة بتعظيمه بما يليق به، ومن ذلك ما يفيضه عزّ وجَل منه على أهل بيته، فإنّه مِن جملة تعظيمه وتكريمه صلّى الله عليه وسلّم، ويؤيّد ذلك ما جاء من طُرق حديث الكساء، من قوله صلّى الله عليه وسلّم(اللّهمّ هؤلاء آل محمّد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد) ، وقد روى الإمام أحمد والترمذي والطبراني وأبو يعلى، عن أمّ سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة:(ائتيني بزوجكِ وابنيكِ) ، فجاءت بهم، فألقى عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كساء كان تحتي خيبريّاً - أصبناه من خيبر - ثمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء آل محمّد عليه السلام، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد، كما جعلتها على آل إبراهيم، إنّك حميد

٤١

مجيد) .

ورويَ عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك عليهم). ومنها (رابعاً): آية (103) آل عمران، قال تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ) ، قال ابن حجر الهيتمي في صواعقه، أخرج الثعلبي في تفسيره، عن جعفر الصادق أنّه قال:(نحن حبل الله الذي قال الله فيه ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ) ).ومنها (خامساً): آية النساء (59)، قال تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، قال ابن شهر اشوب في المناقب: دخل الحسن بن صالح بن حي على الإمام جعفر الصادق، فقال: يا ابن رسول الله، ما تقول في قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ؟ مَن أُولي الأمر الذين أمر لله بطاعتهم؟ قال:(العلماء) ، فلمّا خرجوا قال الحسن: ما صنعنا شيئاً، إلاّ سألناه: مَن هؤلاء العلماء؟ فرجعوا إليه فسألوه، فقال:(الأئمّة منّا أهل البيت ).ومنها (سادساً): آية الصافات (130)، قال تعالى:( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) ، نقل جمعٌ من المفسّرين، عن ابن عبّاس: أنّ المُراد آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وأكثر المفسرين على أنّ المُراد إلياس عليه السلام.ومنها (سابعاً): آية الصافات (24)، قال تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) ، قال الواحدي: مسئولون عن ولاية أهل البيت، ويعضده ما أخرجه الديلمي، عن أبي سعيد الخدري: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) قال:(مسئولون عن ولاية عليّ وأهل البيت) .ومنها (ثامناً): آية النساء (54)، قال تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ، أخرج أبو الحسن المغازلي عن الإمام محمّد الباقر أنّه قال في هذه الآية:(نحن الناس) .ومنها (تاسعاً): آية (82) طه، قال تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) ، قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية أهل البيت، كما رويَ ذلك عن الإمام الباقر أيضاً.ومنها (عاشراً): آية الضحى (5)، قال تعالى:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) أخرج ابن جرير في تفسيره وغيره، عن ابن عباس، قال: رضا محمّد صلّى الله عليه وسلّم (أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار)، وأخرج ابن كثير في تفسيره، عن السدّي، عن ابن عبّاس: (مِن رضا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار)، قال الحسن: يعني بذلك الشفاعة، وهكذا قال الإمام أبو

٤٢

جعفر الباقر، وروى أبو بكر، عن أبي شيبة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، فلسوف يُعطيك ربّك فترضى) .

وروى الإمام القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن)، عن الإمام عليّ رضي الله عنه، وكرّم الله وجهه في الجنّة، لأهل العراق:(إنّكم تقولون: إنّ أرجى آية في كتاب الله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) - الزمر: آية 53) -ولكنّا أهل البيت نقول: إنّ أرجى آية في كتاب الله قوله تعالى: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) ) .

وفي الحديث: (لمّا نزلت هذه الآية، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:(إذن لا أرضى وواحد من أُمتي في النار) .

ومنها (حادي عشر): آية الأنفال (41)، قال تعالى:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ، وقد اتفقت المذاهب الإسلامية على أنّ المراد بالقربى إنّما هُم أهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ لهم سهماً في الغنيمة.

ومنها (ثاني عشر): آية 36 من النور، قال تعالى:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) ، قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية، فقام إليه رجل، وقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال:(بيوت الأنبياء) ، فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:(نعم، من أفضلها).

2 - في الحديث الشريف

ورد الكثير من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي تُبيّن فضل أهل البيت، وتحضّ المسلمين على مودّتهم وموالاتهم، وتُنفّر من بُغضهم وكراهيتهم، بل وتعلن بوضوح وجلاء أنّ حبّ آل النبي صلّى الله عليه وسلّم مِن حُبّه، وأنّ بُغضهم من بُغضه، وأنّه لا أمل لمَن يكره آل النبي صلّى الله عليه وسلّم في رضاه في الدنيا وشفاعته في الآخرة، وأنّ مصيره جهنم وبئس المصير - والعياذ بالله.

ومِن هذه الأحاديث النبوية الشريفة:

(أولاً) قال الفخر الرازي: نقل الزمخشري في الكشّاف، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:(مَن مات على حُب آل محمّد مات شهيداً، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومَن مات على حب آل محمّد مات تائباً، ألا

٤٣

ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مُستكمل الإيمان، ألا مَن مات على حبّ آل محمّد بشّره مَلك الموت بالجنّة، ثُمّ مُنكر ونكير، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد، فُتح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة، ألا ومَن مات على بُغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بُغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومَن مات على بُغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنة، ألا ومَن مات على بُغض آل محمّد، فلا نصيب له في شفاعتي) .

ومنها (ثانياً): روى الديلمي، والطبراني في المُعجم الكبير، وأبو الشيخ، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي مرفوعاً، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(لا يُؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه، وتكون عترتي أحبّ إليه من عِترته، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وذاتي أحبّ إليه من ذاته) .

ومنها (ثالثاً): إنّ عمّته صفية شكت إليه أنّ رجلاً قال لها: إنّ قرابة محمّد لن تُغني عنكِ من الله شيئاً. فبكت، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوتها، فخرج وقال صلّى الله عليه وسلّم:(ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع؟! إنّ كلّ سبب ونسب يَنقطع يوم القيامة، إلاّ سببي ونَسبي، وإنّ رحِمي موصولة في الدنيا والآخرة) .

وروى الديلمي، عن عمار وأبي هريرة، قالوا: قدمت درّة بنت أبي لهب المدينة مهاجرةً، فنزلت في دار رافع بن المعلى، فقال لها نسوة جلسن إليها من بني زريق: ابنة أبي لهب الذي أنزل الله فيه:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) ، فما يُغني هِجرتُكِ، فأتت درّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكت وذكرت ما قلنَ لها، فسكّنها وقال:(اجلسي) ، ثُمّ صلّى بالناس الظُهر، ثمّ جلس على المنبر ساعة، ثُمّ قال:(يا أيّها الناس، مالي أؤذى في أهلي؟ فوالله إنّ شفاعتي تنال قرابتي، حتى أنّ صداء وحَكم وحاء وسلهب، لتنالها يوم القيامة).

وروى الحاكم، عن علي بن الحسين أنّ عُمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى عليّ رضي الله عنه أُمّ كلثوم، وقال: أنكحنيها، فقال عليّ: (إنّي أرصدها لابن

٤٤

أخي عبد الله بن جعفر)، فقال عُمر: أنكحنيها، ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده. فأنكحه عليّ، فأتى عُمَر المهاجرين، فقال: ألا تُهنّئوني، فقالوا بمَن يا أمير المؤمنين، فقال بأُمّ كلثوم بنت عليّ وابنة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:(كلّ نَسب وسَبب ينقطع يوم القيامة إلاّ ما كان من سَببي ونسَبي) ، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول لله صلّى الله عليه وسلّم نسَب وسبب.

ومنها (رابعاً): روى البخاري والإمام أحمد، عن أبي بكر الصديق، أنّه قال: (أيّها الناس، ارقبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته واحفظوه فيهم).

وروى البخاري في صحيحه من حديث عائشة، قالت: قال أبو بكر: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصِل من قرابتي.

ومنها (خامساً): أخرج أبو يعلى، عن سلمة بن الأكواع، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:(النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأُمتي من الاختلاف) ، وفي رواية لابن أبي شيبة ومسدد والحكيم والطبراني في الكبير وابن عساكر، عن سلمة بن الأكواع:(النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأُمّتي) ، وفي رواية للإمام أحمد:(فإذا ذهبت النجوم ذهبت السماء، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض)، وفي رواية:(فإذا هَلك أهل بيتي جاء أهلَ الأرض مِن الآيات ما كانوا يوعَدون) ، ويرى ابن أبي بكر السلمي: ربما كان المُراد العُلماء منهم، الذين نهتدي بهم كما يُهتدى بنجوم السماء، ثُمّ ربط بين الآية الكريمة( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، وأنّ سياق الأحاديث يُشير إلى وجود الخير في أهل البيت، وأنّهم أمان لأهل الأرض.

ومنها (سادساً): أخرج الحاكم، عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(وَعَدني ربّي في أهل بيتي، مَن أقرّ منهم لله تعالى بالتوحيد، ولي بالبلاغ؛ أن لا يُعذّبهم).

ومنها (سابعاً): أخرج ابن عدي والديلمي، عن عليّ رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(أثبَتكم على الصراط أشدّكم حُبّاً لأهل بيتي) .

ومنها (ثامناً): أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(أنا حَربٌ لمَن حاربهم، سِلم لمَن سالمهم) (يعني عليّ وفاطمة والحسن والحسين).

ومنها (تاسعاً): أخرج الديلمي، عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(غضب الله على مَن آذاني في عِترتي) .

٤٥

ومنها (عاشراً): وأخرج ابن سعد، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(استوصوا بأهلي خيراً، فإنّي أُخاصمكم عنهم غداً، ومَن أكُن خصمه أخصمه دخل النار، ومَن حفظني في أهل بيتي فقد اتّخذ عند الله عهداً) .

ومنها (حادي عشر): أخرج ابن سعد، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:(أنا وأهل بيتي شجرة من الجنّة، وأغصانها في الدنيا، فمَن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلاً) .

ومنها (ثاني عشر): أخرج الديلمي، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:(أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حُبّ نبيّكم وحُبّ أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإنّ حَملَة القرآن في ظلّ الله، يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، مع أنبيائه وأصفيائه) .

ومنها (ثالث عشر): أخرج ابن عساكر، عن عليّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:(مَن صنع إلى أهل بيتي يداً كافأته عليها يوم القيامة) .

وروى الديلمي، عن عليّ قال:(قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة، المُكرم لذريّتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أُمور دَينهم عندما اضطرّوا إليه، والمُكرم لهم بقلبه ولسانه).

ومنها (رابع عشر): أخرج الإمام أحمد والحاكم، عن المسور بن مخرمة، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:(فاطمة بضعة منّي يُغضبني ما يُغضبها، ويبسطني ما يبسطها، وأنّ الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وصهري) .

ومنها (خامس عشر): أخرج البزّار وأبو يعلى والطبراني والحاكم، عن ابن مسعود، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:(إنّ فاطمة أحصنت فرْجها، فحرّمها الله وذريتّها على النار).

ومنها (سادس عشر): روى الإمام أحمد والطبراني والهيثمي والمحّب الطبري، عن قرّة قال: سمعت أبا رجاء يقول: لا تسبّوا عليّاً ولا أهل البيت، إنّ جاراً لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة، فقال: (ألم تروا هذا الفاسق بن القاسق، إن الله قتله - يعني الحسين عليه السلام - قال: فرماه الله بكوكبين في عينه فطمس الله بصره).

ومنها (سابع عشر): روى الإمام أحمد في المُسند والفضائل، عن أبي سعيد الخدري، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّي قد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثقلَين، واحد منهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، قال:اُنظروا كيف تُخلفوني فيهما) ، وفي رواية الترمذي في السُنن، عن زيد بن أرقم، قال:

٤٦

قال رسول لله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يَرِدا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

وفي رواية للقاضي عياض، عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(إنّي تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ، وفي رواية للترمذي، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول:(يا أيّها الناس، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي).

وفي رواية صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم أنه قال:(أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلَين: أوّلهما كتاب الله تعالى، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)، فحثّ على كتاب الله عزّ وجَل ورغّب فيه، ثمّ قال:(وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي (ثلاث مرّات)) . وقد سمّى الرسول صلّى الله عليه وسلّم القرآن وأهل بيته ثِقلين، والثِقل: كلّ نفيس خطير مصون، وهما كذلك؛ إذ إنّ كلاًّ منهما معدن العلوم اللَدُنيّة والحكم العلميّة والأحكام الشرعية.

ومنها (سابع عشر): أخرج الإمام أحمد وابن أبي عاصم والبيهقي والطبراني والحاكم وابن عساكر والسيوطي والمُحب الطبري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،(قال لي جبرئيل: يا محمّد، قَلّبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد وِلد أبٍ خير من بني هاشم) ، وفي رواية للقاضي عياض في الشفاء قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(أتاني جبرئيل عليه السلام، فقال: قَلّبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أرَ رجلاً أفضل من محمّد، ولم أرَ بني أب أفضل من بني هاشم) .

ومنها (ثامن عشر): روى الإمام أحمد والمُحبّ الطبري، عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(مَن أبغضنا أهل البيت فهو منافق).

ومنها (تاسع عشر): روى الإمام أحمد والهيثمي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والسيوطي والطبراني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال:

٤٧

(عليّ وفاطمة وابناها عليهم السلام) .

ومنها (عشرون): روى أحمد والطبراني، عن أبي هريرة، قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، فقال:(أنا حربٌ لمَن حاربكم وسِلم لمَن سالمكم) ، وفي رواية لأحمد والترمذي، عن زيد بن أرقم، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين:(أنا حربٌ لمَن حاربتم، وسِلمٌ لمَن سالمتم) .

ومنها (واحد وعشرون): روى الإمام أحمد في المسند والفضائل والترمذي، عن علي، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد الحسن والحسين، فقال:(مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة) .

ومنها (اثنان وعشرون): أخرج ابن عساكر، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(لا يقومنّ أحد مِن مجلسه إلاّ للحسن أو للحسين أو ذرّيتهما) .

ومنها (ثلاثة وعشرون): أخرج الطبراني، عن أبي أُمامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(يقوم الرجل لأخيه من مجلسه، إلاّ بني هاشم لا يقومون لأحد) .

ومنها (أربع وعشرون): أخرج الترمذي في السنن، عن جميع بن عمير التيمي، قال: دخلت ومعي عمّتي على عائشة فسُئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطمة، فقيل: مِن الرجال؟ قالت: زوجها، أن كان علمت صوّاماً قوّاماً.

ومنها (خمس وعشرون): روى الطبراني في الكبير، عن أبي موسى، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(أنا وعليّ فاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبّة تحت العرش) .

ومنها (ستّ وعشرون): روى الديلمي، عن عليّ، قال:(قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوّل مَن يرد على الحوض أهل بيتي، ومَن أحبّني مِن أُمتي) .

ومنها (سبع وعشرون): روى الطبراني في الكبير، عن أُمّ سلمة، قالت، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(اللّهمّ إليك، لا إلى النار أنا وأهل بيتي) .

ومنها (ثمان وعشرون): روى ابن عساكر، عن أنس، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(اللّهمّ أهل بيتي، وأنا مستودعهم كلّ مؤمن) .

ومنها (تسع وعشرون): روى الخطيب وابن عساكر، عن ابن مسعود، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(خير رجالكم علي، وخير شبابكم الحسن والحسين وخير نسائكم فاطمة) .

ومنها (ثلاثون): روى ابن عساكر، عن عليّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له:(يا علي، إنّ الإسلام عريان، لباسه التقوى، ورياشه الهدى، وزينته الحياء وعماده الورع،

٤٨

ومِلاكه العمل الصالح، وأساس الإسلام حبّي وحبّ أهل بيتي) .

ومنها، (واحد وثلاثون): روى ابن مردويه، عن عليّ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:(في الجنّة درجة تُدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة) ، قالوا: يا رسول الله مَن يسكن معك فيها، قال:(عليّ وفاطمة والحسن والحسين).

ومنها (اثنان وثلاثون): أخرج الحاكم، عن ابن عبّاس، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:(يا بني عبد المطلب، إنّي سألت الله أن يُثبّت قائلكم ويهدي ضالّكم، وأن يُعلّم جاهلكم، وأن يجعلكم جوداء رحماء، فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام، ثُمّ لقى الله مبغضاً لأهل بيت محمّد - صلّى الله عليه وسلّم -دخل النار)، وفي روايةٍ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(يا بني عبد المُطّلب، إنّي سألت الله لكم ثلاثاً: أن يُثبّت قائمكم، وأن يهدي ضالّكم، وأن يُعلّم جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رُحماء، فلو أنّ رجلاً صفن بين الرُكن والمقام، فصلّى وصام، ثُمّ لقي الله وهو مُبغض لأهل بيت محمّد دخل النار) .

ومنها (ثلاث وثلاثون): أخرج الحارث بن أبي أسامة، عن محمّد بن علي، قال: اصطرع الحسن والحسين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:(هي حسن) ، فقالت فاطمة:(يا رسول الله: تُعين الحسن، كأنّه أحبّ إليك من الحسين!!) قال:(إنّ جبرئيل يُعين الحسين، وأنا أُحبّ أن أُعين الحسن) . (رواه السيوطي في الخصائص الكبرى).

ومنها (أربع وثلاثون): روى أحمد والبزار والطيالسي والطبراني وأبو يعلى، بطرق مُختلفة، عن علي أنّه قال:(دخل عَلَيَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا نائم على المنامة، فاستسقى الحسن والحسين، قال:فقام النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى شاة لنا بكئ، فحلبها فدرّت، فجاء الحسن فنحّاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالت فاطمة: يا رسول الله، كأنّه أحبّهما إليك، قال لا، ولكنّه استسقى قبله، ثُمّ قال، إنّي وإيّاكِ وهذين وهذا الراقد، في مكان واحد يوم القيامة) .

ومنها (خمس وثلاثون): روى الإمام أحمد في الفضائل والمُحبّ الطبري في الذخائر، قال: حدثنا أحمد بن إسرائيل، قال: رأيت في كتاب أحمد بن محمّد ابن حنبل رحمه الله بخطّ يده...، قال: كان الحسين بن عليّ يقول:(من دمعت عيناه فينا دمعة، أو قطرت عيناه قطرة، أثواه الله عزّ وجَل الجنة) .

ومنها (ست وثلاثون): روى الطبراني والمروياني وابن عساكر، عن العبّاس بن

٤٩

عبد المطلب، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(ما بال أقوام يتحدّثون، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم؟! والذي نفسي بيده، لا يدخل قلبَ امرئٍ الإيمانُ حتّى يحبّهم لله ولقرابتهم منّي)، وفي رواية، عن العبّاس قال: كنّا نلقى النفر من قريش وهم يتحدّثون، فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال:(والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتّى يحبّكم لله ولقرابتي - وفي لفظٍ:ولقرابتكم منّي -) . رواه ابن عساكر وابن النجار.

ومنها (سبع وثلاثون): ما رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من شعب الإيمان، عن عائشة رضي الله عنها، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:(ستّة لعنهم الله وكلّ نبيّ مُجاب: الزائد في كتاب الله، والمُكذّب بقدَر الله، والمتسلّط بالجبروت، فيعزّ بذلك مَن أذلّ الله ويُذلّ مَن أعزّ الله، والمُستحلّ لحرام الله، والمستحلّ مِن عترتي ما حرّم الله، والتارك لسُنّتي) .

ومنها (ثمانية وثلاثون): روى الترمذي والحاكم، عن ابن عباس، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(أحبّوا الله لِما يغذوكم به من نِعَمه، وأحبّوني بحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتي بحبّي) .

ومنها (تسع وثلاثون) : أخرج ابن سعد، عن عليّ أنه قال:(خبّرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ أوّل مَن يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلتُ: يا رسول الله، فمحبّونا؟ قال مِن ورائكم).

ومنها (أربعون): وروى الحاكم في التاريخ، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، قال، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(ثلاث مَن حفظهنّ حفظ الله له دِينه ودُنياه، ومَن ضيّعهن لم يحفظ الله له شيئاً: حُرمة الإسلام، وحُرمتي وحُرمة رحِمي) .

ومنها (واحد وأربعون): أخرج الطبراني في معجمه، والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(مَن سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدْن التي غرسها ربّي، فليوالِ عليّاً من بعدي، وليوالِ وليّه، وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي، فإنّهم عترتي، خُلقوا من طينتي، ورُزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي، القاطعين فيهم صِلتي، لا أنالهم الله شفاعتي).

ومنها (اثنان وأربعون): أخرج الطبراني في المعجم الكبير، عن واثلة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(اللّهمّ إنّك جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وآل إبراهيم، اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل

٥٠

صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليَّ وعليهم) - قال: يعني عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً -).

ومنها (ثلاث وأربعون): روى الحاكم في المستدرك، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال: لقيني كعب بن عجزة، فقال: ألا أُهدي لك هديّة سمعتها من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: فأهدى إليّ قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلنا يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال:(قولوا: اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد) .

ومنها (أربع وأربعون): روى الترمذي في السنن، عن حذيفة، قال: سألتني أُمّي: متى عهدك - تعني بالنبي صلّى الله عليه وسلّم -؟ فقلت: ما لي به عهد منذ كذا وكذا، فنالت منّي لها، فقلت: دعيني آتي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأُصلّي معه المغرب، وأسأله أن يستغفر لي ولكِ، فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فصليت معه المغرب، فصلّى حتّى صلّى العشاء، ثُمّ انفلت، فتبعته فسمع صوتي، فقال:(من هذا حذيفة؟) قلت: نعم، قال:(ما حاجتك غفر الله لك ولأُمّك، ثُمّ قال:إنّ هذا ملَك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يُسلّم عليّ، ويُبشّرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، وأنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة) .

ومنها (خمس وأربعون): روى ابن جرير، عن أبي ذر، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّما مَثَل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تَخلّف عنها هَلك) ، وفي رواية عن أبي ذر:(مَثلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، فمِن قوم نوح مَن ركب فيها نجا، ومَن تخلّف عنها هَلك، ومَثَل باب حطّة في بني إسرائيل). (رواه الطبراني في الكبير)، وفي رواية للحاكم، عن حنش الكناني، قال سمعت أبا ذر - وهو آخذ بباب الكعبة - يقول: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول:(ألا إنّ مَثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق) .

ومنها (ست وأربعون): أخرج الطبراني في الأوسط، عن الحسن بن علي، رضي الله عنهما أنه قال:(الزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه مَن لقى الله عزّ وجَل وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده، لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة

٥١

حقّنا) ، وروى الحاكم في المستدرك، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحد، إلاّ أدخله الله النار) ، وروى الطبراني، عن السيّد الحسن رضي الله عنه، أنّ رسول الله قال:(لا يبغضنا أحد، ولا يحسدنا أحد، إلاّ ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار).

٥٢

الفصل الثالث: مِن خصائص أهل البيت

وانطلاقاً من كلّ ما تقدّم من شواهد - من الكتاب والسُنّة - فلقد اتّفق عُلماء المسلمين على أنّ الله تعالى، المُنعم الكريم، قد تفضّل، سبحانه وتعالى على أهل بيت نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم بخصائص اختصّهم بها، وبِنِعَم أنعمها عليهم(1) ؛ إكراماً لنبيّه وحبيبه سيّدنا ومولانا وجدّنا محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لعلّ من أهمّها:

1 - الصلاة على أهل البيت

كان مِن كرامة أهل البيت عند الله تعالى، أن جعل الصلاة عليهم مقرونة بالصلاة على جدّهم العظيم، سيّد الأوّلين والآخِرين، وأفضل الأنبياء والمُرسلين صلّى الله عليه وسلّم في كلّ صلاة، وفي كلّ تشهّد، وقد أشرفا من قبل إلى أنّ الصحابي

____________________

(1) روى الطاهر بن عبد السلام: أنّ الزمخشري قال: إنّ أهل بيت النبي يُساوونه في سبعة أشياء:

في السلام، في قوله: السلام عليك أيّها النبي في التشهد، وفي قوله تعالى: ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) ، وفي ختم التشهّد بالصلاة عليه وعليهم، وفي قوله تعالى: ( لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ، وفي المحبّة في قوله تعالى: ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) ، وفي قوله تعالى: ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، وفي تحريم الصدقة، والتشريك في الخُمس، وفي قوله تعالى: ( وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى ) .

غير أنّ رواية ابن حجر الهيتمي، عن الفخر الرازي: أنّهم يساوونه صلّى الله عليه وسلّم في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي السلام، وفي الطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبّة).

٥٣

الجليل بشير بن سعد الأنصاري بعد نزول الآية الكريمة( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) سأل قائلاً: يا رسول الله، أُمرنا أن نُصلّي عليك، فكيف نُصلّي عليك؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:(قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم).

وروى البخاري عند تفسير آية الأحزاب (56)( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، عن كعب ابن عجرة، قال: قيل يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال:(قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد وآل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد) .

وروى البخاري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك، فكيف نُصلّي عليك؟ قال:(قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم) .

وروى مسلم في صحيحه، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عُبادة، فقال له بشير بن سعد، أمَرنا الله أن نُصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نُصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تمنّينا أنّه لم يسأله، ثُمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنّك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم) . (أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي).

ومن هنا ذهب الإمام الشافعي - كما يقول ابن كثير في تفسيره - إلى أنّه يجب على المُصلّي أن يُصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصحّ صلاته.

وهكذا بيّن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ أمر الله تعالى إلى الأُمّة بالصلاة عليه، إنّما يشمل

٥٤

الأمر كذلك بالصلاة على أهل بيته في كلّ تشهد، وفي كلّ صلاة، وكفى بهذا تعظيماً وتشريفاً وتوفيراً؛ ذلك لأنّ هذا يعني أنّ الله قد قضى بأنّ مقام أهل البيت إنّما هو من مقام جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ شرفهم مِن شَرفه، ومِن ثَمّ فقد أقامهم النبي صلّى الله عليه وسلّم مقام نفسه في التعظيم والتكريم والتشريف، بل إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن إفراده بالصلاة عليه دون أهل بيته، فقد روى ابن حجر الهيتمي في صواعقه، أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال:(لا تُصلّوا عليّ الصلاة البتراء)، قالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال:(تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد وتُمسكون، بل قولوا: اللّهمّ صل على محمّد وعلى آل محمّد) ، وروى الشافعي في مسنده أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في الصلاة:(اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد) .

هذا وتأكيداً لمقام أهل البيت عند الله رسوله، فلقد بيّن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:(الدعاء محجوبٌ حتّى يُصلّى على محمّد وآل محمّد بيته، اللّهمّ صل على محمّد وآله) ، وفي هذا المعنى يقول أبو سليمان الداراني رضي الله عنه - كما جاء في صواعق ابن حجر -: مَن أراد أن يسال الله حاجة، فليبدأ بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثُمّ يختم بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ الله تعالى يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يردّ ما بينهما).

ويرى ابن قيم الجوزيّة: أنّ الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقّ له ولآله دون سائر الأُمّة؛ ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي وغيره، ومَن لا يوجبها، فلا ريب أنّه يستحبّها عليه وعلى آله، ويُكرهها لسائر المؤمنين، أو لا يُجوّزها على غير النبي صلّى الله عليه وسلّم وآله، وأمّا مَن قال: أنّ آل النبيّ في الصلاة هُم كالأُمّة، فقد أبعد غاية الإبعاد (عن الصواب).

هذا إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شرّع في التشهّد السلام والصلاة، فشرّع السلام من المصلّي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم أوّلاً، وعلى نفسه ثانياً، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثاً، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(فإذا قلتم ذلك، فقد سلّمتم على كلّ عبد صالح في الأرض والسماء) .

وأمّا الصلاة، فلم يُشرّعها النبي صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على نفسه وعلى آله فقط؛ فدلّ ذلك على أنّ آله هُم أهله وأقاربه. ولمّا سُئل صلّى الله عليه وسلّم عن كيفية الصلاة عليه

٥٥

قال:(قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد) ، فالصلاة على آل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها؛ لأنّ ذلك ممّا تقرُّ بِهِ عينُ النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويزيده الله به شرفاً وعلُوّا صلى الله عليه وعلى آل وسلّم تسليماً.

وروى ابن حجر الهيتمي، عن الإمام الشافعي أنّه قال:

يا أهلَ بيتِ رسول الله حبّكمُ

فرضٌ من اللهِ في القرآن أنزلهُ

كفاكم مِن عظيم القدر أنّكم

مَن لم يُصلِّ عليكم لا صلاة له

هذا وقد أجمع المسلمون على أنّ الحسن والحسين وذريّتهما - أولاد السيّدة فاطمة الزهراء من الإمام عليّ بن أبي طالب - هُم ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، المطلوب لهم من الله الصلاة والبركة؛ لأنّ أحداً من بناته لم يُعقب غير الزهراء عليها سلام، فمّما نُسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الحسن، ابن ابنته:(إن ابني هذا سيد) ، فسمّاه ابنه، ولمّا نزل قوله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ، فدعا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم علياّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وخرج للمباهلة.

وهكذا انحصرت ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أبناء الزهراء وحدهم، وفي ذريّة الحسن والحسين بوجه خاصّ، ومن هذه الذرية تستمرّ ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم:(كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي) ، أي سببه ونسبه من الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، وذريتهما الطاهرة المباركة.

هذا ونظراً لانحصار سببه ونسبه صلّى الله عليه وسلّم في الحسن والحسين وذرّيتهما، فقد جرى العُرف بأنّ تعبير (أهل البيت) إنّما هو صفة لكلّ مَن يتّصل نسبه بسيّدنا الحسن وسيّدنا الحسين، وذرّيتهما إلى يوم القيامة.

2 - محبّة أهل البيت

أمر الله سبحانه وتعالى وأوصى رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم بحبّ أهل البيت؛ لأنّهم غصون هذه الدوحة المباركة، التي أصلها في الأرض، وفرعها في السماء،

٥٦

والتي اصطفاها الله تعالى من بين خلقه، واصطنعها على عينه، فبلغت أوج الكمال في الروح والجسد، وفي السرّ والعَلن؛ وذلك لأنّها بضعة أشرف الخَلق، وأكرم الأنبياء، الذي يقول مُتحدّثاً بنعمة الله عليه، وإحسانه إليه، فيما رواه مسلم في صحيحه، والترمذي في الجامع الصحيح، عن واثلة بن الأسقع:(إنّ الله اصطفى كنانة من وِلد إسماعيل، واصطفى قُريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) .

ثُمّ إنّ مقام أهل البيت من مقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهم في كلّ عصر وزمان خير الناس وخيرهم بيوتاً؛ لأنّ الله اختار نبيّه من خير البيوت وأشرفها، هذا فضلاً عن أنّ حكمة الله في خلقه، ورحمته بعباده، اقتضت أن تستمرّ بأهل البيت ذرّية سيّد المُرسلين صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم الدين، تشع بضيائها على العالمين، وترشد بهدايتها الضالّين.

ومن ثَمّ، فإنّ التاريخ لم يعرف أهل بيت أحبّهم الناس من قوميّات ومذاهب شتىّ كآل البيت، أحبّوهم أحياءً وأمواتاً، فألّف العلماء الكُتب في منزلتهم عند الله والناس، ونَظم الشعراء الدواوين والقصائد في مديحهم، وردّد الخُطباء فضائلهم على المنابر وفي المحافل، وما مِن مسلم في شرق الأرض أو غربها يصلّي لله، إلاّ ويذكر رسول الله وآله بالصلاة والتسليم، ناهيك بهذه الأسماء الشائعة بين الناس: محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين، فإنّ الباعث على التسمية بها لم يكن إلاّ للتبرّك والتيمّن بأسماء آل البيت الكرام، الذين أحبّهم الناس من كلّ جنس ولون، ومِن كلّ الطبقات، في كلّ زمان ومكان ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .

وقد روى الترمذي والحاكم، عن ابن عباس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(أحبّوا الله لِما يغذوكم به من نِعمه، وأحبّوني بحبّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبّي) ، وروى الإمام أحمد والترمذي: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أحذ بيد الحسن والحسين، وقال(مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة) ، وأخرج الديلمي، عن عليّ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ آل بيته، وعلى قراءة القرآن) ، وأخرج ابن عدي والديلمي، عن عليّ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(أثبتكم على الصراط، أشدّكم حُبّاً لأهل بيتي وأصحابي)، وفي نفس الوقت

٥٧

فلقد حذّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مِن بغض أهل البيت، فقد روى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(لا يبغضنا أهل البيت رجل، إلاّ أدخله الله النار)، وقال صلّى الله عليه وسلّم:(لو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام، فصلّى وصام، ثُمّ لقى الله وهو مبغض لآل محمد صلّى الله عليه وسلّم دخل النار) .

هذا وتمثّلي وكتُب السيرة الشريفة بالأمثلة التي لا تُعد ولا تُحصى على محبّة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهل البيت، وبديهي أنّ نفس النبي الزكيّة التي وسعت الرحمة للقريب والبعيد، إنّما كانت أكثر رحمةً وعطفاً على أهل بيته، وأعزّ الناس عليه، وخاصّة فاطمة البتول، البقيّة الباقية من أبنائه وبناته، فلقد روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد سفراً، فآخِر بيت يخرج منه بيت فاطمة، وإذا رجع من سفره فأوّل بيت يدخله بيتها، يجلس فيه ويضع الحسن على فخذه الأيمن، والحسين على فخذه الأيسر، يُقبّل هذا مرّة، وذاك مرّة، ويُجلس عليّاً وفاطمة بين يديه، كما كان من عادته صلّى الله عليه وسلّم أن يبيت عندهم حيناً بعد حين، ويتولّى خدمة الأطفال بنفسه وأبواهما قاعدان.

وقد روي أنّ الحسين قد ركب على ظهر جدّه النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ساجد في الصلاة، فرفعه النبي صلّى الله عليه وسلّم رفعاً خفيفاً، ولمّا فرغ من الصلاة وضعه في حِجره، فكان يدخل أصابعه في لحيته، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يضمّه ويُقبّله، ويقول:(اللّهمّ إنّي أُحبه فأحبّه)، وسار النبي صلّى الله عليه وسلّم مرّة وهو يحمل الحسين، فقابله رجل، فقال: نِعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:(ونعم الراكب هو) . وخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يوماً من بيت عائشة فمرّ ببيت فاطمة، فسمع الحسين يبكي، فمسّ بكاؤه شغاف قلبه صلّى الله عليه وسلّم، فهَرَع إلى فاطمة، وقال لها:(ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني) .

وفي ذات يوم بينما كان البنيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب ويعظ المسلمين في مسجده الشريف، فجاء الحسن والحسين إلى جدّهما، وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فلم يتمالك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نفسه، وترك الوعظ ونزل إليهما، فأخذهما وعاد إلى المنبر، وهو يضمّهما ويشمّهما، ثُمّ وضعهما في حِجره، وقال:(صدق الله العظيم: ( أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) .

وهكذا كان من البديهي أن يكون حبّ أهل البيت - كما يقول الأُستاذ حسين يوسف - جزء لا يتجزّأ من الحبّ لسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومِن الحبّ لله تعالى ولا

٥٨

يعقل أن يزعم زاعم أنّه يحبّ الله تعالى، ويُحبّ رسوله صلّى الله عليه وسلّم وهو في نفس الوقت لا يكنّ لأهل البيت الشريف - الذين هُم منه صلّى الله عليه وسلّم وهو منهم - نفس الحبّ، ونفس الإجلال والتقدير والتعظيم؛ ولهذا فقد كان حبّ أهل البيت دلالة على سلامة العقيدة وصدق الإيمان بالله ورسوله، كما أنّ كراهية أهل البيت دلالة قاطعة على فساد العقيدة ومرض القلب، والبُعد عن الله ورسوله، ويؤكّد سيّدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه المعاني بقوله الشريف، فيما يروي ابن عساكر من حديث ابن عمر:(لا يُحبّ أهل البيت إلاّ مؤمن، ولا يبغضهم إلاّ منافق) ، وليس من شكّ في أنّ من هذا الحديث الشريف بشرى من سيّد الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وسلّم، وشهادة منه صلّى الله عليه وسلّم بالإيمان لمُحبّي أهل البيت، وفيه في نفس الوقت حُكم قاطع بالنفاق على مُبغضيهم، فهُم المحجوبون بظُلمات بعضها فوق بعض، المحرمون من هداية الله ونوره( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) ، وقد كتب الله عليهم الشقاوة، وجعلهم من أصحاب الجحيم، فلقد روى الحاكم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال:(لا يبغضنا أهل البيت أحد، إلاّ أدخله الله النار).

ويزيد سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا المعنى بياناً ووضوحاً، فقال - مُحذّراً من إيذاء أهل البيت أو ظلمهم أو الاستخفاف بحقّهم -:(حُرّمت الجنّة على مَن ظلم أهل بيتي، وآذاني في عترتي، ومَن اصطنع صنيعة إلى أحد من وِلد عبد المطّلب ولم يُجازه عليها، فأنا أُجازِه عليها غداً، لقيني يوم القيامة)، ثُمّ يؤكد النبي صلّى الله عليه وسلّم تأكيداً قاطعاً صلة الإيمان بحبّ أهل البيت الطاهرين المطهرين، فيقول - كما جاء في نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المُختار -:(والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتّى يحبّكم لله ورسوله)، فضلاً عن أنّ حبّ أهل البيت إنّما هو السبيل لرعاية الله تعالى لصاحبه، والكفيل بحفظه في الدين والدنيا، وثباته يوم الدين على الصراط، وشفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيه يقول صلّى الله عليه وسلّم:(ثلاث مَن حفظهن حفظ الله له دينه ودنياه، ومَن ضيّعهن لم يحفظ الله له شيئاً، حرمة الإسلام وحُرمتي وحُرمة رحِمي)، وقال صلّى الله عليه وسلّم:(أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّاً لأهل بيتي)، وقال صلّى الله عليه وسلّم:(شفاعتي لأُمّتي مَن أحبّ أهل بيتي) .

٥٩

وهكذا أكثر السلف الصالح من محبّة أهل البيت وتوفيرهم، ففي البخاري، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنّه قال: ارقبوا محمداً صلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته، والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من قرابتي).

وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها، عن أبي بكر الصدّيق أنّه قال: والذي نفسي بيده، لَقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إلى أن أصِل من قرابتي).

وهكذا كان لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الخليفة الأول من التعظيم والإكبار ما لم يكن لأحد غيرهم، فالصدّيق يُقسم بالله - وهو صادق - أنّ قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليه من قرابته، وأن يحب أن يصلهم أكثر مما يصل قرابته.

وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثِرهم على جميع المسلمين، بل على أقربائه الأدنين، ومن أقواله في قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّ عيادة بني هاشم فريضة، وزيارتهم نافلة.

وأخرج الدارقطني، عن ابن الخطاب أنّه قال: (تحبّبوا إلى الأشراف وتودّدوا، واتقوا على أعراضكم من السَفلة، واعلموا أنّه لا يتمّ شرف إلاّ بولاية عليّ بن أبي طالب)، وفي رواية: (أيّها الناس، إنّ الفضل والشرف والمنزلة، الولاية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذريته، فلا تذهبنّ بكم الأباطيل).

وروى الحاكم في المُستدرك، عن عمر رضي الله عنه أنّه دخل على فاطمة رضي الله عنها، فقال: (يا فاطمة، والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكِ، والله ما كان أحد من الناس بعد أبيك صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ منكِ).

وفي فتح مكة، وقد أتى العباس - عمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم - بأبي سفيان بن حرب، ليُسلم قبل أن تدخل جيوش الإسلام مكّة، فما أن رآه الفاروق عُمر حتى قال: أبو سفيان عدوّ الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثُمّ أسرع العبّاس بأبي سفيان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولحق بهما الفاروق، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني أضرب عُنقه، فقال العباس: يا رسول الله، إنّي قد أجَرْته، فلمّا أكثر عُمر في شأنه، قال العبّاس: مهلاً يا عمر، فوالله إن لو كان من رجال بني عدي - رهط عُمر - ما قلت هذا، ولكنّك قد عرفت أنّه من رجال بني عبد مناف، فقال عُمر: مهلاً يا عبّاس، فوالله لإسلامك يوم أسلمتَ كان أحبّ إليّ من إسلام الخطّاب لو أسلم، وما بي إلاّ أنّي قد عرفت أنّ

٦٠