الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 39326
تحميل: 7135

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39326 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأذان

بين الأصالة والتّحريف

ملاحظتان مهمتان:

الملاحظة الأولى: كل ما سيجده القارئ في نشرتنا هذه، لا سيَّما بعض الفوارق مع المطبوع، كان بالتنسيق المباشر مع المؤلف السيد الشهرستاني (حفظه الله).

الملاحظة الثانية: ترقيم الهوامش في الطبعة التي عملنا على ضوئها كان بحسب كل صفحةٍ صفحة، ولم يكن متسلسلاً كما هو في نشرتنا هذه (باستثناء الهامش في الصفحة 349)، وهو الشيء الذي أملته علينا ضرورات العمل. والأمر سهل على أية حال؛ فبوسع القارئ الكريم أن يتعامل مع كل رقم هامش متسلسل في نشرتنا على أنه رقم مستقل في كل صفحة على انفراد وذلك طبقاً لمحله داخل الصفحة، عندها يكون الترقيم موافقاً تماماً لترقيم الطبعة التي اعتمدناها.

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

١

٢

الأذان

بين الأصالة والتّحريف

حيّ على خير العمل

الشّرعيّة والشِّعاريّة

تأليف:

السّيّد عليّ الشّهرستاني

تمتاز هذه الطبعة بتنقيح وإضافات قيّمة من المؤلّف

٣

٤

الإهداء

إلى من آمن باللَّه والناس مشركون.

إلى من تحمّل كلّ شي‏ء من أجل الرسول والرسالة.

إلى من صبر على أذى قريش وهو يقول: أحد، أحد.

إلى من رفع نداء التوحيد وحطّم بتكبيره شوكة قريش.

إلى من لم يؤذّن لأحد بعد رسول اللَّه إلّا للزهراء والحسنين.

إلى من أُبعد أو ابتعد عن مجريات الأحداث بعد رسول اللَّه‏ (صلَّى الله عليه وآله).

إلى من وقف أمام التحريف داعياً إلى الأصالة.

إلى مؤذّن رسول اللَّه ومحبّ عترته وآل بيته.

إلى الصحابيّ الجليل بلال الحبشيّ (رضوان اللَّه تعالى عليه).. أهدي دراستي هذه.

المؤلِّف

٥

٦

مقدّمة المؤلف:

مرّ الفقه الإسلامي بمراحل وأدوار متعددة، وكُتب بأساليب ورؤى مختلفة، وطبق مناهج خاصة لفقهاء الإسلام. فالبعض أجمل فيه، والآخر فصّل. وثالث عُني بذكر الأدلّة، ورابع بتكثير الفروع، وخامس بمسائل الخلاف، وسادس بفقه الوفاق، واهتمّ غيرهم بجوانب أُخرى منه. وقد دُوّنت تلك المصنّفات تارة أصلاً ومتناً، وأخرى تعليقاً وشرحاً، وثالثة نظماً وشعراً، وغير ذلك.

وقد اختططتُ منهجاً بين تلك المناهج، مسلِّطاً الضوء على العلل والأسباب التي أدّت إلى اختلاف المسلمين في الأحكام الشرعيّة، موضّحاً فيه ملابسات التشريع، غير مُتناسٍ لمنهج الأقدمين في دراسة الفروع، آخذاً بنظر الاعتبار ما يلائم عقليّة المسلم المعاصر من التعرّف على جذور الخلاف وأسبابه.

فالفقيه لو جمع إلى أدلّته القرآنيّة والحديثيّة شيئاً من تاريخ التشريع وملابسات الأحكام الشرعية لاتّضح للسامع والقارئ حقائق كثيرة في هذا السياق. وكذا المؤرّخ عليه أن يدرس الأحداث دراسة تحليلية استنباطية كما يفعل الفقيه بالأحاديث، وأن لا يكتفي بنقل البلاذري والطبري والواقدي وابن سعد وغيرهم من أعلام المؤرِّخين.

وقد أوضحنا بعض معالم منهجنا في مقدمة كتابنا "وضوء النبيّ"، وأكّدنا على ضرورة دراسة المتن والسند معاً، مع بيان الجذور السياسية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية للأحداث، وأن لا يكتفي المؤرّخ أو الفقيه بواحد منها دون الآخر؛ لأن اتّخاذ أحد الأسلوبين، القديم أو الجديد، ربما لا يقنع المطالع وخصوصاً في القضايا الخلافية، فالبحوث الإسنادية مثلاً هي بحوث تخصّصية بحتة لا يستسيغها الأكاديمي (= الجامعي)، وقد تثقل على مسامع غير المتخصّصين. وكذلك الحال بالنسبة إلى البحوث التاريخية التشريعية، فرّبما لا يرى الطالب الحوزوي والأزهري كثير فائدة في طرحها، ومن هنا سَعَينا أن نجمع في دراساتنا بين الأسلوبين، كي نخاطب أكبر عدد ممكن من القرّاء الأعزاء، مبسّطين العبارة والفكرة بقدر المستطاع. وأشرنا إلى بعض أهدافنا صراحةً بالقول:

لقد انتهجنا هذا الأسلوب في دراستنا واتّبعناه لا لشي‏ء إلّا لتطوير و إشاعة مثل هذه الدراسات في معاهدنا العلمية وجامعاتنا الإسلامية، على أمل تعاون المعنيّين معنا في ترسيخ هذه الفكرة وتطويرها، وأن لا يدرسوا الفقه دراسة إسنادية متْنية فقط، دون معرفة ملابسات الحكم التاريخية والسياسية. ونرى في طرح مثل هذه الدراسات رُقيّاً للمستوى الفقهي والأُصولي لدى المذاهب الإسلامية،

٧

وتقريباً لوجهات النظر بين المسلمين، وترسيخاً لروح الانفتاح فيهم، ومحاولة للقضاء على مختلف النزعات العاطفية و إبعادها عن مجالات البحث العلمي، وعدم السماح لتحكّم الخلفيات الطائفية والرواسب الذهنية في هذه البحوث العلمية النظرية.

ولو اتّبعنا مثل هذا الأُسلوب في جميع أبواب الفقه لوصلنا إلى حقيقة الفقه الإسلامي من أيسر طرقه وأسلمها، ولوقفنا على تاريخ التشريع وملابساته، ولاتّضحت لنا خلفيات صدور بعض الأحكام، وعرفنا حكم اللَّه الواحد الذي ينشده الجميع.

وممّا يجب التأكيد عليه أنّ مشروعنا سيطبَّق إن شاء اللَّه تعالى في إطارين:

1 - الإطار التأسيسي .

2 - الإطار التطبيقي .

ولنا دراسات عن السنّة النبوية، والقراءات القرآنية، والنسخ وأساسيّات نقاط الافتراق بين المذاهب الإسلامية كالعصمة، والقياس، والاستحسان وسواها. وقد قدّمنا سابقاً بعض النماذج التطبيقية للفكرة، فكان "وضوء النبيّ" هو الأوّل، ثمّ أردفناه بـ "الأذان" ، آملين أن نُلحق به الصلاة والحجّ والزكاة وغيرها بإذن اللَّه تعالى.

ولا نقصد من عملنا هذا إعطاء وجهة نظر فقهيه خاصّة بنا، بل كانت تلك الدراسات بياناً لكليّاتٍ عقائدية تاريخية فقهية ينبغي أن يعرفها و يتعرّف عليها كلّ مسلم غير جامدٍ على منهجٍ خاصّ ونسق معروف عند طبقة خاصّة

٨

من الفقهاء والمؤرّخين والكتّاب.

وقد عنيتُ في عملي هذا برفع الغامض وحلّ المبهم من المسائل، وأردت أن أنتقل بالقارئ الكريم إلى واحات العلم، وميادين المعرفة، من غصن إلى غصن، ومن فنن إلى فنن على شجرة المعرفة لنقنطف من الثمار أحلاها... من الفقه، إلى التفسير، إلى التاريخ، إلى الرجال، إلى الحديث، إلى اللغة، و إلى كلّ شي‏ء يمتّ للبحث بصلة.

فالغاية من دراساتنا إذاً هي بيان كليّات وأمّهات المسائل لا جزئيّاتها وسننها ومستحباتها، فلا تعني بحوثنا بمثل فضل الأذان والمؤذّن، أو جواز أذان المرأة والصبيّ وعدمهما، أو جواز إعطاء الأجرة على الأذان أم لا، وغيرها من عشرات المسائل المطروحة.

وكذلك ما يتّصل بالوضوء، فلم تكن الدراسة متجهة إلى البحث عن الأسباب والموجبات والنواقض والمستحبات، بل متجهة إلى بيان حدود الأعضاء المغسولة والممسوحة، وكيفيّة وضوء رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله).

وهكذا الحال بالنسبة إلى دراساتنا اللاحقة - إن وفّق اللَّه لإتمامها - فهي بحوث عن الكليّات والأمّهات لا عن التشعبّات والتفريعات وما يتعلّق بالآداب والسنن.

هذا، وقد جعلت دراستي عن الأذان عما هو الأصيل منه والمحرَّف، فجاءت في ثلاثة أبواب:

الباب الأول: (حيّ على خير العمل) الشرعية والشعارية.

الباب الثاني: (الصلاة خير من النوم) شِرعة أم بِدعة؟

الباب الثالث: (أشهد أن عليّاً وليّ اللَّه) بين الشرعية والابتداع.

وقدمت لهذه الأبواب ببعض البحوث التمهيدية، كالأذان لغة واصطلاحاً،

٩

وكَبيان ما قاله أهل السنّة والجماعة بمذاهبهم الأربعة، والشيعة - بفرقها الثلاث - في بدء الأذان، ثمّ كانت لنا وقفه مع أحاديث الرؤيا، ثمّ تحقيق في ما وراء نظرية الرؤيا.

منبهاً القارئ ‏الكريم على أن هذه الدراسة هي مواضيع مترابط بعضها ببعض ترابطاً وثيقاً، فلا يمكن فهم مكانة الشهادة الثالثة في الأذان إلّا بعد قراءة (حيّ على خير العمل).

ونظير هذا ما يتعلق بالحَيعَلة الثالثة (حيّ على خير العمل)، فإن معناها لا يتّضح كاملاً إلّا بعد قراءة الشهادة الثالثة (أشهد أن عليّاً وليّ اللَّه).

أ مّا (الصلاة خير من النوم) فهي الجدار الحائل بين البابَين، والموضح لأسرار محاربة شرعية وشعارية الشهادة والحيعلة الثالثتين.

وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للَّه ربِّ العالمين

١٠

١١

بحوث تمهيدية

* الأذان لغة واصطلاحاً.

* تاريخ الأذان.

* بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة.

* أهل البيت وبدء الأذان.

* وقفة مع أحاديث الرؤيا.

* تحقيق فيما وراء نظرية الرؤيا.

* الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة؟

* الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعية.

١٢

١٣

الأذان نغمة الوحي في سماء الدنيا، يُرتّلها المؤذِّن آناء الليل وأطراف النهار، داعياً عباد اللَّه إلى عبادته جلّ شأنه، ناطقاً بالحقيقة الخالدة، معلناً حقائق الدين الحنيف بكلّ صراحة ووضوح، مُذَكِّراً بحلول وقت مناجاة الربّ الكريم، والدخول في حضرة الجليل. كلمات تهزّ المشاعر والعواطف وتشدّ الأرواح إلى مالكها الذي إليه الرُّجعى و إليه المصير. أسماء مباركة تردّدها شفاه المؤمنين، فتزيد المؤمن إيماناً، والكافر عناداً وخسراناً. إنّه دعوة الرحمن أولياءه إلى الطاعة والرحمة والمغفرة، وهو نداء ملائكة السماء، وأُنشودة المؤمنين إلى قيام يوم الدين.

١٤

وما أن يتمّ المؤذن نداءه للظهر والعصر، حتّى يحلّ الغروب وظلام الليل، و إذا بتراتيل الإسلام:

أشهدُ أن لا إله إلاّ اللَّه، أشهدُ أن لا إله إلاّ اللَّه.

أشهدُ أن محمّداً رسول اللَّه، أشهدُ أن محمّداً رسول اللَّه... تعلو من المآذن.

فالأذان حينذاك إعلام لإقامة الصلاة في غسق الليل، وما أن يتمّ المؤمن صلاته ومناجاته مع ربّه حتّى ينصرف إلى الرقاد، و إذا بالصبح يطلع عليه بفجره الصادق هاتفاً المؤذن فيه باسم الربّ الجليل، وباسم الرسول الأمين تارة أُخرى:

أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه.

أشهد أنّ محمداً رسول اللَّه، أشهد أنّ محمداً رسول اللَّه.

ليقيم ما أمر به اللَّه في كتابه ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ) (1) .

***

والأذان من السنن المؤكّدة التي حثّ عليها الشارع المقدّس، وهي دعوة الخالق لعباده إلى الدخول في أجواء رحابه المباركة اللامتناهية، فُرادى أو مجتمعين، متراصّين متحابّين، مؤمنين، في زمان معيّن ومكان واحد، وباتّجاه محور وقبلة واحدة، يرهبون باجتماعهم أعداء اللَّه وجند إبليس.

إنّه إذاً من أعظم الشعائر الإسلاميّة؛ لكونه دعوة الحيّ القيّوم لتنبيه الغافلين و إيقاظ النائمين وتذكير الناسين، بل هو من مصاديق قوله جلّ شأنه: ( وَمَنْ أَحْسَنُ

____________________

(1) الإسراء: 78.

١٥

قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (2) .

ولعلّ من الغرابة بمكان أن نرى وقوع الاختلاف في أمر بديهيّ و إعلاميّ كالأذان الذي ينادي به مؤذّنو المسلمين في كلّ يوم وليلة عدّة مرات - على اختلاف ألسنة الناس - بلسان عربي مبين، ومن على المآذن وبصوت عال يسمعه الجميع.

فنتساءل عن سبب الاختلاف والتنازع في فصول هذه الشَّعيرة الإسلاميّة؟ ولماذا يكون اختلاف في مثل هذه المسألة بين المذاهب الإسلاميّة؟ بل لماذا تذهب الشافعيّة إلى تربيع التكبير بخلاف المالكيّة القائلة بتثنيته؟ وهل هناك أُمور خفيّة وراء اختلافهم في إفراد أو تثنية الإقامة؟! وهل حقاً أنّ هناك تثويباً (3) أوَّلاً وتثويباً ثانياً؟ وهل يجب أن يؤتى بالتثويب في أثناء فصول الأذان، أم بعدها قبل الإقامة؟ بل ما هو المعني بالتثويب؟ هل هو: (الصلاة خير من النوم) أو (قد قامت الصلاة) أو: (حيّ على خير العمل) أو هو شي‏ء آخر؟

ثُمَّ لماذا اختلفت رواية عبد اللَّه بن ز يد بن عبد ربّه بن ثعلبة الأنصاري في

____________________

(2) فصّلت: 23. وانظر في ذلك الحاوي الكبير للماوردي 2: 40.

(3) التثويب من ثاب يثوب، ومعناه: العَود إلى الإعلام بعد الإعلام، كقول المؤذّن: (حيّ على الصلاة)، فإنّه يعود ويرجع إلى دعوته تارة أخرى فيقول: (قد قامت الصلاة) و(الصلاة خير من النوم) و(الصلاة الصلاة يرحمك اللَّه) وأيّ شي‏ء آخر.

وقالوا عن (الصلاة خير من النوم): إنّه التثويب الأوّل، وما يقوله المؤذّن بعد الأذان - مثل: (السّلام عليك أيّها الأمير، حيّ على الصلاة) وأمثاله -: إنّه التثويب الثاني.

١٦

الأذان (4) عن رواية أبي محذورة القرشي؟

ولماذا تجيز المذاهب الأربعة الأذان قبل الوقت لصلاة الفجر خاصّة، مع تأكيدهم المبرم على عدم جواز ذلك في سائر الأوقات المعيّنة؟

وكيف يمكن تصحيح خبر تأذين ابن أُمّ مكتوم الأعمى للفجر، وتضعيفهم لروايات صحيحة أخرى تطابق العقل والشرع في أنّه كان يؤذّن بالليل وفي شهر رمضان خاصة؟

بل كيف يقولون بتأذين ابن أُم مكتوم مع قولهم بكراهة تأذين الأعمى؟

أضف إلى ذلك كله أنّه ما الداعي إلى اختلاف أذان أهل مكّة عن أذان أهل المدينة، واختلاف الأذانين عن أذاني أهل الكوفة وأهل البصرة؟

ولماذا يختلفون فيما هو - واللفظ لابن حزم - (منقول نقل الكافّة بمكّة وبالمدينة وبالكوفة، لأنّه لم يمرّ بأهل الإسلام يوم إلّا وهم يؤذّنون فيه في كلّ مسجد من مساجدهم خمس مرّات فأكثر، فمثل هذا لا يجوز أن يُنسى ولا أن يُحرّف) (5) .

فلماذا نُسي أو حُرّف هذا الأذان واختُلف فيه بين مصر وآخر؟

ولو صحّ ما قاله ابن حزم - من صحّة جميع منقولات الأذان على اختلافها - عند جمعه بين الوجوه في الأذان؛ فكيف يمكننا أن نوفّق بين وحدة الشريعة وبين تعدّدية الأذان؟ فهل كان رسول اللَّه قد صحّح الجميع؟ أم وقع في الأذان تغيير يشهد به إحداث عثمان بن عفان للأذان الثالث يوم الجمعة (6) ؟

____________________

(4) كما سيأتي في صفحة 30.

(5) المحلَّى لابن حزم 3: 153.

(6) انظر: تحفة الأحوذي 3: 41 / أبواب الجمعة - باب ما جاء في أذان الجمعة؛ عون المعبود

=

١٧

قال ابن حزم جامعاً بين كلّ تلك الوجوه:

(... كلّ هذه الوجوه قد كان يُؤذّن بها على عهد رسول اللَّه بلا شكّ، وكان الأذان بمكّة على عهد رسول اللَّه يسمعه عليه السلام إذا حجّ، ثمّ يسمعه أبو بكر وعمر، ثم عثمان بعده عليه السلام... فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحلّ أن يظنّ بهم أنّ أهل مكّة بدّلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء (رضي اللَّه عنهم)، أو بلغه والخلافة بيده فلم يغيّر.... وكذلك فُتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة (رضي اللَّه عنهم)، وتداولها عمّال عمر بن الخطاب، وعمّال عثمان (رضي اللَّه عنهما)، كأبي موسى الأشعري، وابن مسعود، وعمّار، والمغيرة، وسعد بن أبي وقّاص. ولم يَزَل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذّنون في كلّ يوم سفرهم خمس مرات، إلى أن بَنَوها وسكنوها، فمن الباطل المحال أن يُحال الأذان بحضرة من ذكرنا و يخفى ذلك على عمر وعثمان أو يعلمه أحدهما فيقرّه ولا ينكره.

ثم سكن الكوفة عليّ بن أبي طالب إلى أن مات، وأنفذ العمّال من قِبله إلى مكّة والمدينة، ثمّ الحسن ابنهُ (رضي اللَّه عنه) إلى أن سلّم الأمر لمعاوية، فمن المحال أن يُغيَّر الأذان ولا ينكر تغييره عليّ ولا الحسن، ولو جاز ذلك

____________________

=

3: 302.

١٨

على عليّ لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان، وحاشا لهم من هذا فما يَظنُّ هذا بهم ولا بأحد منهم مسلمٌ أصلاً.

فإن قالوا: ليس أذان مكّة ولا أذان الكوفة نقل كافّة.

قيل لهم: فإن قالوا لكم: بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة، فما الفرق؟ فإنِ ادّعوا في هذا محالاً ادُّعي عليهم مثله.

فإن قالوا: إن أذان أهل مكّة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم محصور عددهم.

قيل لهم: وأذان أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر، مالك وابن الماجشون وابن أبي ذئب فقط، و إنّما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط.

فإن قالوا: لم يختلف في..) (7) .

إلى غيرها من عشرات الأسئلة التي طرحها ابن حزم وسعى لرفعها، لكن المشكلة بقيت كما هي، فما الذي تكتنفه هذه المسألة من الملابسات إذاً؟ وهل يُعدّ هذا الاختلاف حقاً من الاختلاف المسموح به في الشريعة، أم أنّه شي‏ء آخر؟ بل لِم اشتدّ أُوار النزاع بين المسلمين في أمور بديهية، كالوضوء والأذان - مثلاً - وهما من الأمور العبادية التي يؤدّيها كلّ مسلم عدّة مرّات في اليوم والليلة؟

قال ابن حزم: (أربعة أشياء تَنازَع الناسُ فيها: الوضوء، والأذان، والإقامة،

____________________

(7) المحلّى لابن حزم 3: 154 - 155.

١٩

والطواف بالبيت) (8) .

وهل يمكن جعل معيار الاختلاف في الأذان بمثابة الاختلاف في تعيين المُدِّ والصاع والوسق الذي يُختلف فيه بين منطقة وأُخرى، أو يُغيَّر - أي يُحدَثُ فيه - من قبل الأمير والخليفة لحاجةٍ له فيه؟

كلا (ليس هذا من المدّ والصاع والوسق في شي‏ء، لأنّ كل مدّ أو قفيز أُحدث بالمدينة وبالكوفة قد عُرف، كما عُرف بالمدينة مُدّ هشام الذي أُحدِث، والمدّ الذي ذكره مالك في مُوطّئه: أن الصاع هو مدّ وثلث بالمدّ الآخر، وكمُدّ أهل الكوفة الحجّاجي، وكصاع عمر بن الخطّاب. ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدّاً أو صاعاً لبعض حاجته، وبقي مُدُّ النبيّ وصاعه ووسقه منقولاً إليه نقل الكافّة إليه) (9) !

فكيف يختلفون في الأذان إذاً، فيذهب بعضهم إلى أنّه شُرّع في السماء، و يقول الآخر إنّه شُرّع بعد رؤيا رآها صحابيٌّ أو عدد من الصحابة؟ وهل يصحّ تشريع العبادة بمنام يراه أحد الناس، أم أنّ تشريعها يجب أن يكون بوحي من اللَّه؟ وكيف يسوغ تشريع الأذان استناداً إلى رؤيا رآها عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه في منامه، أو ركوناً إلى اقتراح الصحابة (10) ، و يرجح هذا الفهم وهذه الرؤية على أن

____________________

(8) المحلّى لابن حزم 3: 161 ضمن بحثه عن جواز التقديم والتأخير في الأذان والإقامة وعدمه.

(9) المحلّى لابن حزم 3: 156 - 157.

(10) سنن أبي داود 1: 134 كتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498، مصنف عبد الرزاق 1: 456/ 1775 كتاب الصلاة باب بدء الأذان.

٢٠