الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 39341
تحميل: 7135

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39341 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: ومن هذا عن يساره؟!

قال: حمزة سيّد الشهداء.

قال: ومن عند رجليه؟

قال: جعفر الطيّار في الجنَّة) (278) .

وروى الشيخ الطوسي بإسناده عن إبراهيم بن صالح بن زيد بن الحسن، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قال رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله): رقدتُ بالأبطح على ساعدي وعليٌّ عن يميني، وجعفر عن يساري، وحمزة عند رِجلي، قال: فنزل جبرئيل وميكائيل و إسرافيل، ففزعت لخفق أجنحتهم. قال: فرفعت رأسي فإذا إسرافيل يقول لجبرئيل: إلى أيّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معك؟ قال: فرفس برِجله فقال: إلى هذا...) إلى آخر الرواية (279) .

وروى المرشد باللَّه يحيى بن الحسين الشجري - من الزيديّة - في الأمالي الخميسيّة بإسناده عن ابن عباس، عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في قول اللَّه: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (فإنّا أهل بيت مُطهَّرون من الذنوب، ألا وإن اللَّه اختارني من ثلاثة من أهل بيتي على جميع أمّتي وأنّا سيّد الثلاثة، وسيّد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر.

قال أهل السدة: يا رسول اللَّه، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم؟ فبسط رسول اللَّه كفَّه الطيّبة المباركة ثمّ حلق بيده، قال: (اختارني وعليّاً وحمزة وجعفراً، كنا رقوداً بالأبطح ليس منّا إلّا مسجّى بثوبه، عليّ عن يميني، وجعفر عن يساري، وحمزة عند رجلي، فما نبّهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة وبرد ذراع عليّ تحت خدي،

____________________

(278) شرح الأخبار 1: 120: - 121 ح 46.

(279) الأمالي للطوسي: 731 مجلس يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة 457 ه.

١٢١

فانتبهت من رقدتي، وجبرئيل في ثلاثة أملاك، فقال له بعض الأملاك الثلاثة: يا جبرئيل، إلى أيّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ؟

فحرّكني برجله وقال: إلى هذا، وهو سيّد ولد آدم.

فقال له أحد الثلاثة: ومَن هو، سمِّه؟

فقال: هذا محمّد سيّد المرسلين، وهذا عليّ خير الوصيّين، وهذا حمزة سيّد الشهداء، وهذا جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء) (280) .

ولو حقّقنا في رجال الخبر المروي في تفسير عليّ بن إبراهيم - والذي رواه المرحوم شرف الدين الحسيني (من أعلام القرن العاشر) مسنداً في تأويل الآيات - لرأيناهم ثقات لم يرد فيهم جرح، و يؤيّده ما حكاه القاضي النعمان المصري في شرح الأخبار والطوسي والمرشد باللَّه في أماليهما، فنحن لو جمعنا هذين النصين مع ما جاء في الإمام عليّ وأنّه أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) وأنّ مثاله كان في الجنَّة وقد رأى ذلك رسول اللَّه حينما أسري به إلى السماء، لعرفنا حقيقة أخرى كانت بنو أميّة تخفيها وتخاف نشرها وشيوعها بين الناس، بل سعت لطمسها و إبدالها بأخبار أخرى في الصحابة.

و إذا أردتَ أن تقف على جلية الأمر، فلاحِظْ أنّ هناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة، ومجموعة من الآيات الكريمة فسّرها الرسول الأكرم، وفيها تجد عليّاً وحمزة وجعفراً في إطار واحد لا ينفصلون، وعلى نسقٍ فريد من الكرامة فيه لا يتفرقون.

فقد أخرج الحاكم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالك أنّ رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) قال: (نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنّة؛ أنا وعليّ وجعفر وحمزة والحسن

____________________

(280) الأمالي الخميسية 151.

١٢٢

والحسين والمهدي)، ثمّ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (281) .

وقد روى ابن عساكر بسنده عن حبشي بن جنادة، أن رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله)، قال: (إنّ اللَّه اصطفى العرب من جميع الناس، واصطفى قريشاً من العرب، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني واختارني في نفر من أهل بيتي: عليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين) (282) .

وقد روى عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله): (خير الناس حمزة وجعفر وعليّ) (283) .

وروى الحاكم الحسكاني بسنده عن عبد الله بن عباس، في قول اللَّه تعالى: ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ ) (284) ، قال: نزلت في حمزة وجعفر وعليّ، وذلك أنّ اللَّه سبحانه وتعالى وعدهم في الدنيا الجنّة على لسان نبيّه (صلَّى الله عليه وآله)، فهؤلاء يلقون ما وعدهم اللَّه في الآخرة (285) .

وروى الحاكم الحسكاني أيضاً بسنده عن عبد الله بن عبّاس في قول اللَّه تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) (286) ، يعني عليّاً وحمزة وجعفراً ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) يعني حمزة وجعفراً ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ )

____________________

(281) المستدرك على الصحيحين 3: 211 والنصّ عنه، وهو في سنن ابن ماجة 2: 1368 باب خروج المهديّ ح 4087، وفيه: (نحن ولد عبد المطّلب)... ونحو الأوّل في طبقات المحدّثين بأصفهان 2: 291، وأيضاً في سبل الهدى والرشاد 11: 7.

(282) كنز العمّال 11: 756، ح 3368، عن ابن عساكر.

(283) شرح نهج البلاغة 15: 72.

(284) القصص: 61.

(285) شواهد التنزيل 1: 564، ح 601. وانظر: نهج الإيمان 514.

(286) الأحزاب: 23.

١٢٣

يعني عليّاً كان ينتظر أجله والوفاء للَّه بالعهد والشهادة في سبيل اللَّه، فواللَّه لقد رزق الشهادة (287) .

وبإسناده أيضاً عن زيد، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ، قلت له: أخبرني عن قوله تعالى ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ) (288) ، قال: (نزلت في عليّ وحمزة وجعفر) (289) .

فهؤلاء الثلاثة كانوا يحوطون النبيّ كما تحوط عينَ الناظر الهُدُبُ، وكانوا هم عماد المدافعين عنه في أوائل الدعوة الإسلاميّة، وقد أعلنوا إسلامهم بكل جرأة وتحدّ للحشود القرشية المتظافرة على الفتك برسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله)، وها قد رأيت الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة كيف تعدهم لئالئ في سلك ونظام واحد، فلماذا يحذف اسم (عليّ) من هذه الكوكبة؟! ما يكون ذلك إلّا من صنيع المبغضين له والأمويين ومن لفّ لفَّهم، ويكفيك هذا دليلاً دامغاً على أنّ (نهج الأذان المنامي) حاول التعتيم على الحقيقة المحمدية العلوية، وحاول القضاء على (نهج الأذان السماوي)، فلم يتمكنوا من ذلك.

وهؤلاء الثلاثة - عليّ وحمزة وجعفر - كانت فضائلهم متماسكة متناسقة حتّى سارت على السنة الشعراء، فقد قال الكميت في بائيته الرائعة:

أولاك نبيّ اللَّه منهم وجعفر

وحمزة ليث الفَيلقَين الُمجرَّبُ

هُمُ ما هُمُ وتراً وشَفعاً لقومِهم

لفقدانهم ما يُعذَرُ المتَحَوِّبُ

قتيل التَّجوبي الذي استوأرت به

يساق به سَوقاً عنيفاً ويجنبُ

قال شارح القصيدة: قتيل التجوبي هو عليّ بن أبي طالب، وتجوب قبيلة وهم

____________________

(287) شواهد التنزيل 2: 6، ح 628. وانظر: التبيان 5: 318، وتفسير القمّي 2: 188.

(288) الحجّ: 40.

(289) شواهد التنزيل 1: 521، ح 552.

١٢٤

في مراد (290) .

ولمّا هجا أحدُ الشعراء - من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس - محمّد بن عيسى المخزومي، أجابه شاعرٌ آخر فذكر معايب بني عبد شمس وأنهم لم يكن لهم ما يذكر في الجاهلية من أمر اللواء والندوة والسقاية والرفادة، وذكر حقدهم على النبيّ وآل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، فقال:

لا لواءٌ يُعدّ يا بن كريز

لا ولا رِفْدُ بيتِه ذي السَّناءِ

لا حجابٌ وليس فيكم سِوى الكبـ

ـر وبُغضِ النبيِّ والشهداءِ

بين حاكٍ ومُخْلجٍ وطريدٍ

وقتيلٍ يَلْعَنْهُ أهلُ السماءِ

ولهم زمزمٌ كذاك وجِبريـ

ـلُ ومجدُ السقايةِ الغَرّاءِ

قال ابن أبي الحديد: قال شيخنا أبو عثمان: فالشهداء عليّ وحمزة وجعفر، والحاكي والمخلج هو الحكم بن أبي العاص... والطريد اثنان: الحكم بن أبي العاص ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص، وهما جدّا عبد الملك بن مروان من قبل أمّه وأبيه (291) .

وعلى كلّ حال، فإن المنصف لا يرتاب في أنّ الأذان كان تشريعه سماوياً لا رؤيوياً. وكان عليّ وحمزة وجعفر محيطين بالنبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، لكن الحكومات والسياسات حذفت اسم عليّ (عليه السلام) محاوِلةً إبعاد هذه المكرمة عنه وهي أقرب إليه من حبل الوريد، وهذه ليست أوّل فعلة من فعلات المحرّفين، بل لها نظائر ونظائر إلى ما شاء اللَّه.

وما ذكرهم مثال بلال وغيره من الصحابة في خبر الإسراء والمعراج وتركهم

____________________

(290) الروضة المختارة 40.

(291) انظر: شرح نهج البلاغة 15: 198 - 199.

١٢٥

ذكر مثال عليّ إلّا شاهد آخر على ما حرفوا في الأذان السماوي، الذي تبناه عليّ وأولاده وأصحابه.

فقد روى مضمون ذلك جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو أمامة الباهلي، وبريده، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وسهل بن سعد الساعدي عن رسول اللَّه بنصوص متقاربة.

فأمّا ما رواه جابر - فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهم (292) ، وأبو داود الطيالسي (293) ، وأحمد (294) في مسنديهما، وابن حبان في صحيحه (295) - والنص للبخاري - وهو:

قال رسول اللَّه: أُريتني دخلت الجنَّة، فإذا أنا بالرميضاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟

قال [ جبرئيل ]: هذا بلال. قال: ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك. فقال عمر: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه، أعليك أغار؟!

وفي رواية أبي أمامة التي رواها أحمد في مسنده (296) والطبراني في الكبير (297)

____________________

(292) صحيح البخاري‏ والنصّ عنه 5: 70 ح 199، باب مناقب عمر بن الخطاب، وانظر: صحيح مسلم 4: 1908 ح 2457 باب من فضائل أمّ سليم أمّ أنس بن مالك وبلال، وانظر: صحيح مسلم 4: 1862 باب فضائل عمر بن الخطّاب ح 2394.

(293) مسند أبي داود الطيالسي 238 ح 1715 و1719، ما رواه محمد بن المنكدر عن جابر.

(294) مسند أحمد 3: 389 - 390.

(295) صحيح بن حبّان 15: 309 في ذكر قصر عمر في الجنّة، وص 559 في ذكر إيجاب الجنّة لبلال و161: 16 في ذكر أمّ حرام في الجنّة.

(296) مسند أحمد 5: 259.

(297) المعجم الكبير 8: 281 ح 7923 باختصار، مسند الروياني 2: 277.

١٢٦

والهيثمي في مجمع الزوائد (298) - والنصّ عن أحمد - قال: قال رسول اللَّه: دخلت الجنَّة فسمعت فيها خشفة بين يدي، فقلت: ما هذا؟ قال: بلال.

قال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين (299) وذراري المسلمين ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنياء والنساء... ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثمانية، فلمّا كنت عند الباب أتيت بكُفّة فوُضعت فيها ووُضِعت أمّتي في كفّة، فرجحتُ بها، ثمّ أتي بأبي بكر فوضع في كفّة وجي‏ء بجميع أمّتي في كفّه فوضعوا فرجح أبو بكر، وجي‏ء بعمر فوضع في كفّة وجي‏ء بجميع أمّتي فوضعوا فرجح عمر، وعرضت أمّتي رجلاً رجلاً (300) فجعلوا يمرّون فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف، ثمّ جاء بعد الأياس...

وأمّا رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه والتي أخرجها الطبراني في الكبير (301) وابن أبي شيبة في المصنّف (302) وابن حبّان في الصحيح (303) وأحمد في المسند (304) والترمذي في السنن (305) وابن خزيمة في الصحيح (306) والحاكم في المستدرك (307) - والنصّ للترمذي - فهي، قال: أصبح رسول اللَّه فدعا بلالاً، فقال: يا بلال، بم سبقتني إلى الجنَّة؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلّا سمعت خشخشتك أمامي.

____________________

(298) مجمع الزوائد 9: 59، 10: 262.

(299) لا يفوتك عدم ذكر الأنصار في هذا الحديث.

(300) لاحظ عدم ذكر عثمان وعليّ في هذا الحديث فقد يكون للخوارج يد في وضعه.

(301) المعجم الكبير 1: 337 - 338 ح 1012.

(302) المصنّف لابن أبي شيبة 6: 399 ح 32325.

(303) صحيح ابن حبّان 15 - 561 - 562.

(304) مسند أحمد 5: 354 و360.

(305) سنن الترمذي 5: 620 ح 3689.

(306) صحيح ابن خزيمة 2: 214 ح 1209.

(307) المستدرك على الصحيحين 1: 313 و3: 285.

١٢٧

وأمّا ما رواه أنس بن مالك - والذي جاء في مسند عبد بن حميد (308) - فهو: قال أنس: قال رسول اللَّه: دخلتُ الجنّة فسمعت خشفة فقلت: ما هذه؟ فقالوا: هذا بلال، ثمّ دخلت الجنّة فسمعت خشفة، فقلت: ما هذه؟ قالوا: هذه الغميضاء بنت ملحان وهي أمّ سليم أمّ أنس بن مالك.

وأمّا ما رواه أبو هريرة - والذي أخرجه البخاري (309) ومسلم (310) وابن حبّان (311) في صحاحهم، وابن عساكر في تاريخ دمشق (312) - فهو: أن النبيّ قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال، حدّثني بأرجى عمل عملتَه في الإسلام فإني سمعت دفّ نعلَيك بين يدَيّ في الجنَّة، قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أنيّ لم أتطهّر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلّا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي.

وأمّا رواية سهل بن سعد ففيها: قال: قال رسول اللَّه: دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو بلال (313) .

كلّ هذه النصوص ظاهرة في أنّه (صلَّى الله عليه وآله) رأى ذلك في معراجه إلى السماء، وهناك نصّان آخران يوضحان ذلك؛ فقد روى الطبراني في الكبير بإسناده عن وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جدّه: أنّ رسول اللَّه لمّا أسري به في الجنَّة سمع خشخشة، فقال: يا جبرئيل، ما هذه الخشخة؟ قال: هذا بلال.

____________________

(308) منتخب مسند عبد بن حميد 399 ح 1346.

(309) صحيح البخاري 2: 499 كتاب التهجّد بالليل، باب فضل الطهور بالليل والنهار، ح 1074 والنصّ عنه، وج 5: 93 كتاب فضائل أصحاب النبيّ باب‏ مناقب بلال بن أبي رباح.

(310) صحيح مسلم 4: 1910 باب من فضائل بلال ح 2458.

(311) صحيح ابن حبّان 15: 565.

(312) تاريخ دمشق 10: 453 - 454.

(313) مسند أحمد 2: 333.

١٢٨

قال أبو بكر: ليت أمّ بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال (314) رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وفي مسند أحمد (315) ومجمع الزوائد (316) والأحاديث المختارة (317) وتفسير ابن كثير (318) عن ابن عبّاس، والنصّ لأحمد: بسنده عن ابن عبّاس، قال: ليلة أسري بنبيّ اللَّه (صلَّى الله عليه وأله) ودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً، قال: يا جبرئيل، ما هذا؟ قال: هذا بلال المؤذّن.

فهذه النصوص تشير إلى وجود مثال بلال في الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلى تضعيفها (319) وحملها على كونها كانت في المنام لا اليقظة، لكنّهم بهذا التعليل أو ذاك لا يمكنهم التقليل من حجيّتها عند القائلين بها، وذلك لحجيّة رؤيا الأنبياء عند جميع المسلمين، وقد يكون ما رآه الرسول معنى آخر لتجسّم الأعمال والذي يذهب إلى القول به جماعة من المسلمين.

وبعد هذا فلا مانع من أن نذكر بعض الروايات الدالّة على وجود اسم عليّ في العرش والكرسي، والتي لا نستبعد أن تكون حكومة الأمويين وضعت الأحاديث الآنفة في مقابلها، محاولةً منهم لطمس فضائل عليّ والتقليل من أهمّيتها، وذلك طبق المنهج الذي رسموه وخططوه في ذلك كما تقدم بيانه، إذ أن حديث رجحان كفّة أبي بكر وعمر على كفّة الناس أجمعين هو تحريف للحديث الثابت عن رسول اللَّه: (ضربة

____________________

(314) المعجم الكبير 22: 137، مجمع الزوائد 9: 299.

(315) مسند أحمد 1: 257.

(316) مجمع الزوائد 9: 300.

(317) الأحاديث المختارة 9: 552.

(318) تفسير ابن كثير 3: 14.

(319) فيض القدير 3: 517، فتح الباري 3: 26 - 27، نيل الأوطار 3: 81، تحفة الأحوذي 10: 120.

١٢٩

عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين) (320) .

وإليك الآن بعض تلك الروايات المشيرة إلى وجود اسم الإمام عليّ على ساق العرش:

روى الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) عن عليّ (عليه السلام)، عن النبيّ (صلَّى الله عليه وأله) أنّه قال في وصية له: (يا عليّ، إنّي رأيت اسمك مقروناً باسمي في ثلاثة مواطن، فأنست بالنظر إليه، إني لمّا بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها (لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره).

فقلت لجبرئيل: مَن وزيري؟

قال: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدتُ مكتوباً عليها: (إنّي أنا اللَّه لا إله إلّا أنا وحدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره)، فقلت لجبرئيل: مَن وزيري؟ فقال: عليّ بن أبي طالب.

فلمّا جاوزتُ سِدرةَ المنتهى انتهيت إلى عرش ربّ العالمين جلّ جلاله، فوجدت مكتوباً على قوائمه: (إنّي أنا اللَّه لا إله إلّا أنا وحدي، صفوتي من خلقي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره)، فقلت لجبرئيل: مَن وزيري؟ فقال: عليّ بن أبي طالب.

فلمّا رفعت رأسي نظرت على بطنان العرش مكتوباً: (إنّي أنا اللَّه لا إله إلّا أنا، محمّد حبيبي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره) (321) .

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة للصدوق بإسناده إلى وهب بن منبّه، رفعه عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه لعليّ: (لمّا عرج بي ربيّ جلّ جلاله أتاني النداء: يا محمّد.

قلت: لبيّك ربَّ العظمة لبيّك، فأوحى اللَّه إليَّ: يا محمّد، فيمَ اختصم الملأ

____________________

(320) شرح المقاصد للتفتازاني 5: 298.

(321) من لا يحضره الفقيه 4: 373 - 374، وفي تاريخ دمشق 47: 344 بسنده عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال النبي ‏(صلَّى الله عليه وآله): (لما عُرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه أيّدته بعليّ ونصرته بعليّ).

١٣٠

الأعلى؟

فقلت: إلهي، لا علم لي.

فقال: يا محمّد، هلّا اتَّخذت من الآدميّين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟

قلت: إلهي، ومَن أتّخذ؟ تخيَّرْ أنت يا إلهي. فأوحى اللَّه إليّ: يا محمّد، قد اخترتُ لك من الآدميّين عليّ بن أبي طالب.

فقلت: إلهي، ابن عمّي؟

فأوحى اللَّه إليّ: يا محمّد، إنّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب حوضك يسقي مَن ورد عليه من مؤمني أمّتك.

ثمّ أوحى اللَّه إليّ: يا محمّد، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقاً، لا يشرب من ذلك الحوض مُبغض لك ولأهل بيتك وذريّتك الطيّبين الطاهرين، حقّاً أقول يا محمّد: لأُدخِلنّ جميع أمّتك الجنَّة إلّا مَن أبى من خلقي، فقلت: إلهي، هل واحد يأبى من دخول الجنَّة؟

فأوحى اللَّه إلي: بلى.

فقلت: وكيف يأبى؟

فأوحى اللَّه إلي: يا محمّد، اخترتُك من خلقي، واخترتُ لك وصيّاً من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدك، وألقيت محبّته في قلبك، فجعلته أباً لولدك، فحقّه بعدك على أمّتك كحقّك عليهم في حياتك، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة، فخَرَرتُ للَّه ساجداً شكراً لما أنعم عليّ...) والخبر طويل اكتفينا منه

١٣١

بهذا المقدار (322) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بردة الأسلمي، قال: سمعت رسول اللَّه يقول لعليّ:

(يا عليّ، إنّ اللَّه أشهَدَك معي في سبع مَواطن: أمّا أوّل: ذلك فليلة أُسري بي إلى السماء، قال لي جبرئيل: أين أخوك؟

فقلت: خلّفته ورائي.

قال: ادعُ اللَّه فليأتك به، فدعوتُ اللَّه و إذا مِثالُك معي وإذا الملائكة وقوف صفوف، فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟ قال: هم الذين يباهيهم اللَّه بك يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

والثاني: حين أُسري بي من المرّة الثانية، فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ فقلت: خلّفته ورائي، فقال: ادعُ اللَّه فليأتك به، فدعوتُ اللَّه فإذا مثالك معي، فكُشِط لي عن سبع سماوات حتّى رأيت سُكّانها وعُمّارها وموضع كلّ ملك منها...)

إلى أن قال:

(وأمّا السادس: لمّا أُسري بي إلى السماء جمع اللَّه لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي) (323) .

وفي عيون أخبار الرضا، بسنده عن أمير المؤمنين، قال: قال رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وأله): (لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي جلّ جلاله فقال: يا محمّد، إنّي اطّلعتُ إلى الأرض اطّلاعةً فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً، وشَقَقتُ لك من اسمي اسماً، فأنا المحمود وأنت محمّد.

ثمّ اطّلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريّتك، وشَقَقْتُ له أسماً من أسمائي؛ فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ.

____________________

(322) كمال الدين وتمام النعمة 250 - 251 وانظر: تفسير نور الثقلين 4: 470.

(323) تفسير عليّ بن إبراهيم 2: 335 - 336 في تفسير سورة النجم وعنه في تفسير نور الثقلين 5: 158 سورة النجم ح 55.

١٣٢

وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمَن قَبِلها كان عندي من المقرّبين...) (324) .

وفي كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده إلى عبد السلام بن صالح الهروي، عن عليّ بن موسى الرضا، عن آبائه، عن عليّ: عن النبيّ (صلَّى الله عليه وأله) في حديث طويل، قال فيه: (... فنظرت - وأنا بين يَدَي ربّي - إلى ساق العرش، فرأيتُ اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي، أولهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهديّ أمّتي.

فقلت: يا ربّ، أهولاء أوصيائي مِن بَعدي؟ فنُوديتُ: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحجّتي بعدك على بريّتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزّتي وجلالي لأظهرنّ بهم دِيني، ولأُعلينّ بهم كلمتي، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرنّ له الرياح، ولأذللنّ له الرقاب الصِّعاب، ولأرقينّه في الأسباب، ولأنصرنّه بجندي، ولأمدنّه بملائكتي حتّى يُعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لأديمنّ ملكه، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة) (325) .

وفي أصول الكافي ، بإسناده عن الإمام عليّ (عليه السلام) عن رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وأله) أنّه قال: (... فإنه لمّا أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل لأهل السماء استودع اللَّه حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة...) (326) .

وقد مر عليك خبر سدير الصيرفي وعمر بن أُذينة في الإسراء والمعراج، وقول

____________________

(324) عيون أخبار الرضا 2: 61.

(325) كمال الدين وتمام النعمة 256.

(326) الكافي 2: 46 كتاب الإيمان والكفر، باب نسبة الإسلام ح 3.

١٣٣

الإمام الصادق للأخير: (يا عمر، ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وركوعهم وسجودهم؟!).

نحن جئنا بهذه النصوص كي نؤكد على صحّة ما قاله الإمام الصادق عن النواصب ودورهم في تحريف الأمور، وخصوصاً المسائل التي فيها اسم الإمام عليّ بن أبي طالب وأهل بيت الرسول، وأن تحريفاتهم لا تقتصر على مفردة أو مفردتين في التاريخ والشريعة، بل شملت جميع مراحل التشريع من الإسراء حتّى ما لا نهاية. وإنّك لو مررت بالتاريخ والحديث ودرستهما دراسة واقعية بعيداً عن التعصب لوافقتنا فيما قلناه وستقف على عشرات الروايات الدالّة على مكانة الإمام عليّ والتي سنتعرض لها في الشهادة الثالثة لاحقاً بإذن اللَّه تعالى.

نحن لا نريد التفصيل في مثل هذه الموارد، بل نذكّر القارئ الكريم بما مرّ عليه من كلام شيخ ابن أبي الحديد من أنّ الأمويّين سعوا إلى تحريف الفضائل الثابتة في عليّ وجعلها في عثمان وأبي بكر وعمر، ونحن لو تابعنا السير التاريخي لوقفنا على التحريف اللفظي والمعنوي لبني أميّة، فكما أنهم جعلوا اللعنة سمة وشرفاً للملعونين!! فقد أوّلوا كلام الرسول في معاوية (لا أشبع اللَّه بطنك) بأنّه دعا له بأنّه سيأتي يوم القيامة خميص البطن لا شي‏ء عليه (327) .

وخير مثال على التحريف المعنوي هو ما أشاعه معاوية في واقعة صفّين عند

____________________

(327) والأغرب من هذا ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية 8: 123، وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه.

أمّا في الدنيا فإنّه لما صار إلى الشام أميراً كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً ويقول واللَّه ما أشبع وإنما أعيا، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك.

وأمّا في الآخرة... فإن رسول اللَّه قال: اللهم إنما أنا بشر فإيّما عبد سببته وجلدته ودعوت عليه وليس لذلك أهلاً، فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة... وهذا الحديث فضيلة لمعاوية.

١٣٤

مقتل عمّار بن ياسر - لمّا تناقل الجندُ كلامَ رسول اللَّه (تقتلك الفئة الباغية) - بأن الإمام عليّ بن أبي طالب هو القاتل له؛ حيث أخرجه وزجّ به في المعركة. ولما سمع الإمام عليّ بن أبي طالب بهذه المقالة، قال ما مفاده: وعلى هذا الكلام يكون رسول اللَّه هو الذي قتل حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشركين!

وأقبح منه ما روي أنّه قال لأهل الشام: إنّما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان (328) !

فللأمويين تحريفات لفظية وتحريفات معنوية كثيرة، و إنّ هذه الدراسة تريد أن توضح أمثال هذه الأمور في الشريعة والتاريخ وانعكاساً على الأذان هنا.

فلا يجوز حمل بعض التحقيقات حول الأمويين وعقيدتهم في الإسراء والمعراج و... على الإسهاب والخروج عن البحث، بل ما كتبناه هو المقصود، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشريع الذي نحن بصدد بيانها.

بلى، إنّهم لم يكونوا يحبّون آل الرسول، بل لم يحبّوا كلّ من أحبّه الرسول، بل كانوا يتعاملون مع آل الرسول بالشدة والبغض، فقد ذكر المناوي في فيض القدير، وكذا القرطبي في تفسيره واقعة دارت بين مروان بن الحكم وأسامة بن زيد.

وأسامة كان ممن يحبهم رسول اللَّه - حسب نص القرطبي وغيره - وكان الخليفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة آلاف درهم ولابنه عبد الله ألفي درهم، فسأل عبد الله عن سر ذلك فأجابه عمر أنّه فعل ذلك لمحبة رسول اللَّه له.

قال القرطبي: وقد قابل مروان هذا الواجب (أي محبّة مُحِبِّ رسول اللَّه) بنقيضه، وذلك أنّه مرّ بأسامة وهو يصلّي بباب بنت رسول اللَّه.

____________________

(328) الإمامة والسياسة 1: 146.

١٣٥

فقال مروان: إنّما أردت أن تُري الناس مكانك، فقد رأينا مكانك! فَعَل اللَّه بك وفعل، وقال قولاً قبيحاً.

وقال له أسامة: آذيتني و إنّك فاحش متفحّش، وقد سمعتُ رسول اللَّه يقول: (إنّ اللَّه يُبغض الفاحش المتفحش).

فانظر ما بين الفعلين وقِس ما بين الرجلين، فلقد آذى بنو أميّة رسول اللَّه في أحبابه وناقضوه في مَحابّه (329) .

وعليه فالذي يجب القول به هنا، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالكتاب، والمعراج ثابت بالسنة - وإن لم يفرّق البعض بينهما فأطلق الإسراء على كليهما تساهلاً - وهذا ما جعل المجال مفتوحاً للإجمال والتفصيل والتلاعب والتشكيك في خبر المعراج أكثر من أخبار الإسراء.

فهل يرجع إجمالهم في نقل أخبار المعراج إلى عدم وقوفهم على نقول أهل بيت الوحي والنبوة؟ أم يرجع إلى أنّهم أجملوا ذلك عن قصد وعمد؟ لعلّك عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ، فأغنى ذلك عن الإطالة.

وبهذا يكون ما كتبناه هو أشارة إلى دواعي الأمويين ومن لفّ لفهم في تحريف خبر الأذان، وكيف ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة، مدّعين أنّها شجرة الزقوم، بل كيف ربطوها بمسائل أخرى وقضايا مصيرية في الشريعة والتاريخ، كلّ ذلك للتشكيك في مقام الرسول (صلَّى الله عليه وأله) والقول بأنّ منامه المعراجي هذا يشابه الأذان و يحتاج إلى شاهد لتثبيت صحته.

____________________

(329) تفسير القرطبي 14: 240، وعنه في فيض القدير 1: 618.

١٣٦

مطلبان:

لنا هنا مطلبان يتضحان بعد طرحنا هذين السؤالين:

الأوّل: هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط، أم هو بيان لأصول العقيدة وأركان الإسلام؟

الثاني: هل أنّ أمر الأذان توقيفيّ؟ و إذا كان توقيفيّاً، فهل هناك فرق بين توقيفية الواجبات وتوقيفية المستحبّات أم لا؟

وقبل الجواب عن السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلى حقيقة هامّة في العبادات وغيرها، وهي: أنَّ الأُمور العباديّة في الشرع لها ظاهر ومغزى، فقد يمكن للإنسان أن يقف على ظاهر شي‏ء ويؤدّيه دون أن يعرف كنهه ومغزاه والغاية القصوى منه، فالمطالع مثلاً في ما جاء عن أهل بيت النبوة يقف على أسرار في الصلاة والصيام والزكاة والحجّ وغيرها، ويتعرّف على أُمور كان لا يعرفها من ذي قبل، ولم يتنبه لها في نظرته الأُولى، من ذلك ما ذكره الصدوق في علل الشرائع ، حيث قال فيه:

إنّ نفراً من اليهود جاءوا إلى رسول اللَّه فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه: أخبرنا يا محمّد لأيّ علَّة تُوَضَّأُ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟

فقال النبيُّ (صلَّى الله عليه وأله): (لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه، ثمّ قام ومشى إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة، ثمّ تناول بيده منها ممّا عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده، فوضع آدم يده على [ أُمِّ ] رأسه وبكى، فلمّا تاب اللَّه عليه فرض عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أُمِّ رأسه، وأمره بمسح

١٣٧

القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة) (330) .

ومعنى هذا النصّ أنّ العبد يجب عليه تطهير أعضائه حينما يريد التوجّه إلى اللَّه، وبما أنّ الوجه واليدين فيهما الحواسّ الخمس الظاهرة التي بها يُعصى الإله كان عليه أن يغسلهما قبل الدخول إلى حضرة الإله.

أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آليّان يتقوّى بهما المكلّف على المعصية أو الطاعة وهما ليسا من الحواسّ الخمس، ففي الرأس القوّة المفكِّرة والخياليّة التي تبعث الفرد إلى ارتكاب المعاصي أو فعل الواجب، وبالرِّجل يسعى إليهما - الطاعة أو المعصيّة - فأمر سبحانه المسح عليهما كي ينجو من الوساوس الشيطانيّة والأغلال النفسيّة ويدخل حضيرة القدس طاهراً نقيّاً من الأدناس، ولأجل هذه الحقيقة فقد أكّدنا في كتابنا (وضوء النبيّ) على: أنَّ طهارة الوضوء هي طهارة حكميّة وليست بحقيقيّة، لأنَّ المؤمن لا يُنَجِّسُه شي‏ء، وبالوضوء يُعرف مَن يطيع اللَّه ومن يعصيه (331) .

وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل.

1 - الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة؟

قال القاضي عياض: (اعلم أنّ الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان، مشتملة على نوعيه من العقليّات والسمعيّات، فأوّله إثبات الذات وما يستحقّه من الكمال [ أي الصفات الوجودية ]، والتنزيه عن أضدادها [ أي الصفات العدمية ]، وذلك بقوله (اللَّه أكبر)، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة على ما ذكرناه.

ثمّ صرّح بإثبات الوحدانيّة ونفي ضدّها من الشركة المستحيلة في حقّه

____________________

(330) علل الشرائع 1: 280 الباب 191.

(331) انظر: وضوء النبيّ المدخل 428.

١٣٨

سبحانه وتعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد، المقدّمة على كلّ وظائف الدين.

ثمّ صرح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبيّنا، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانيّة وموضعها بعد التوحيد، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدّمات من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليّات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقّه سبحانه وتعالى.

ثمّ دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة؛ لأنَّ معرفة وجوبها من جهة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) لا من جهة العقل.

ثمّ دعا إلى الفلاح، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأُمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام.

ثمّ كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمّن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حقّ مَن يعبده وجزيل ثوابه...) (332) .

وقد نقل محمّد بن علان - شارح الأذكار النوويّة - كلام القاضي عياض بشي‏ء من التصرّف، كقوله:

ثمّ كرّر التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنيّ عليه جميع ما تقرّر من العقائد والقواعد، وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة إلى التوحيد المحض... (333) .

____________________

(332) نقله عنه النووي في المجموع 3: 75. وانظر كلام السيّد البكري في حاشية إغاثة الطالبيين 1: 229 والبخاري في شرح الكرماني 5: 4 وشرح النووي على مسلم.

(333) وهو أن (لا إله إلّا هو)، معنى آخر لقوله: ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ، وقوله: ( إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ) .

١٣٩

وكان آخره اسم (اللَّه) ليطابق البداءة، إشارة إلى أنّه الأوّل والآخِر في كلّ شي‏ء، قال القاضي: (ثمّ كرّر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وفي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، ليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حقّ مَن عبده وجزيل ثوابه على عباده (334) .

وقد علّق ابن علان على كلام القاضي عياض بقوله: (قلتُ: قال ابن حجر في شرح المشكاة: وللاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر كرّر الدالّ عليه أربعاً إشعاراً بعظيم رفعته، وكأنّ حكمة خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة.

وفي شرح العباب له:) وكأنَّ حكمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لكلٍّ منها كمال ونقص يخصّه بإزاء كلّ منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهّر نقصها، وكذا يقال بذلك في كلّ محلّ ورد فيه التربيع) (335) .

وقال القرطبيّ وغيره: (الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، لأنّه بدأ بالأكبريّة وهي تتضمّن وجود اللَّه وكماله، ثمّ ثنّى بالتوحيد ونفي الشرك، ثمّ بإثبات الرسالة لمحمّد (صلَّى الله عليه وآله).

ثمّ إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة، لأنّها لا تُعرف إلَّا من جهة الرسول.

____________________

(334) انظر: الفتوحات الربّانيّة على الأذكار النوويّة 2: 84.

(335) الفتوحات الربانية 2: 83.

١٤٠