الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 39339
تحميل: 7135

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39339 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خير العمل) و يقولون: (لم تزل في الأذان) (663) .

وعنه كذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (أذاني وأذان آبائي - عليّ، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين -: حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل) (664) .

وجاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة عمر بن إبراهيم بن محمّد المتوفى سنة 539 - من أحفاد الإمام زيد الشهيد - نقلاً عن السمعاني أنّه قال:

وكان خشن العيش، صابراً على الفقر، قانعاً باليسير، سَمِعتُه يقول: أنا زيدي المذهب ولكنّي أفتي على مذهب السلطان - يعني أبا حنيفة - إلى أن يقول السمعاني: وكنت ألازمه طول مقامي بالكوفة في الكُوَرِ الخمس، ما سمعت منه طول ملازمتي له شيئاً في الاعتقاد أنكرته، غير أنّي كنتُ يوماً قاعداً في باب داره وأخرج لي شذرة من مسموعاته وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت فيها جزءاً مترجماً بتصحيح الأذان بحي على خير العمل، فأخذته لأطالعه، فأخذه من يدي وقال: هذا لا يصلح لك، له طالبٌ غيرك، ثمّ قال: ينبغي للعالم أن يكون عنده كلّ شي، فإنّ لكلّ نوع طالب (665) .

فلو جمعت هذا النص مع الذي مر عليك من أنّ زيداً كان يأمر مؤذنه بالحيعلة

____________________

(663) الأذان بحيّ على خير العمل: 109 الحديث 107، الاعتصام 1: 294.

(664) مقدمة الأذان بحيّ على خير العمل لعزّان: 18.

(665) معجم الأدباء 15: 259.

٢٤١

الثالثة عندما يأمن أهل الشام، وكذا من أنّ يحيى بن زيد كان يأمر أصحابه بخراسان أن يحيعلوا فما زال مؤذنهم ينادي بها، ومثله كلام إبراهيم بن عبد اللَّه بن الحسن وأنه كان يأمر أصحابه - إذا كانوا بالبادية - أن يزيدوا في الأذان حيّ على خير العمل (666) . وما قاله أحمد بن عيسى في جواب من سأله عن التأذين بحيّ على خير العمل؟ قال: نعم، ولكن أُخفيه (667) .... فلو جمعت هذه النصوص بعضها إلى بعض لوقفت على الظروف التي كان يعيشها الطالبيون، وهي ظروف لم تكن مؤاتية لإبداء آرائهم، حتّى ترى عمر بن إبراهيم رغم كونه زيدياً يفتي على مذهب السلطان؛ لأن الفقه السائد يومئذٍ كان فقه أبي حنيفة، فلا يرتضي أن يطّلع السمعاني على الجزء المصحّح بالأذان بحيّ على خير العمل، فيأخذه منه ويقول له: (هذا لا يصلح لك، له طالب غيرك) ثمّ يعلل سر وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ينبغي (للعالم أن يكون عنده كلّ شي‏ء، فإن لكل نوع طالباً) لأن عمر بن إبراهيم كان يعرف السمعاني واهتماماته، وقد أشار السمعاني نفسه إلى توجهاته الشخصية بقوله: (... وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت...) وفي هذا كفاية لمن أراد التعرف على ملابسات التشريع وما دار بين الكوفة والشام والحجاز و.. من التخالف والتضاد.

هذا شي‏ء عن ملابسات (حيّ على خير العمل)، وهي تدلّ على دور الحكومة بعدم التأذين بها.

والآن مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة على التأذين بحيّ

____________________

(666) حيّ على خير العمل بتحقيق عزّان: 147 ح 186 و187.

(667) حيّ على خير العمل بتحقيق عزّان: 150 ح 190 واخرجه محمد بن منصور في الأمالي [ لابن عيسى ] 1: 194 رقم 237 قال: سألت أحمد... إلخ.

٢٤٢

على خير العمل:

قال الشوكاني في نيل الأوطار : (... والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم، والحديث ليس فيه ذكر (حيّ على خير العمل)، وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنّه بعد قول المؤذّن (حيّ على الفلاح)، قالوا: يقول مرّتين: حيّ على خير العمل، ونسبه المهديّ في البحر إلى أحد قولَي الشافعي، وهو خلاف ما في كتب الشافعيّة، فإنّا لم نجد في شي‏ء منها هذه المقالة (668) ، بل خلاف ما في كتب أهل البيت (669) .

قال في الانتصار : إنّ الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك، يعني في أنّ (حيّ على خير العمل) ليس من ألفاظ الأذان، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عزّالدين في شرح البحر وغيره ممّن له اطّلاع على كتب الشافعيّة.

(احتج القائلون بذلك) بما في كتب أهل البيت - كـ "أمالي" أحمد بن عيسى، و التجريد، و الأحكام، و جامع آل محمّد - من إثبات ذلك سنداً إلى رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله).

____________________

(668) يؤيّد صحّة كلام المهدّي ما قاله القاسم بن محمّد بن عليّ نقلاً عن توضح المسائل للمقري (قد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به)، وما قاله الشافعي عن التثويب وأنّه لم يثبت عن أبي محذورة. ولو جمعنا هذين القولين وضممنا أحدهما إلى الآخر لاتّضح لنا ما نريد قوله من الملازمة وعدم الفصل بين القول (بحيّ على خير العمل) وعدم القول (بالصلاة خير من النوم)، وكذا العكس؛ إذ قد ثبت عن ابن عمر تأذينه بـ (حيّ على خير العمل) وكراهيته للتثويب، ومثله الأمر بالنسبة إلى الإمام علي، فالقائل بشرعية (حيّ على خير العمل) لا يقبل شرعية (الصلاة خير من النوم)، والقائل بشرعية (الصلاة خير من النوم) ينكر شرعية (حيّ على خير العمل)، فإنكار الشافعي للتثويب يرجح المنسوب إليه من القول بـ (حيّ على خير العمل).

هذا وقد أشار الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (المتوفَّى 840 هـ) في البحر الزخار 2: 191 إلى أنّ أخير قولي الشافعي هو القول بالحيعلة الثالثة وذلك بعد أن أشار إلى إجماع العترة بذلك فقال: (.. العترة جميعاً، وأخير قولي الشافعي حيّ على خير العمل)، فتأمل.

(669) هذا قصور وتقصير من الشوكاني، فقد عرفت إجماع العترة على التأذين بـ (حيّ على خير العمل)، وكان ينبغي له أن يحقّق في المسألة قبل أن يقطع برأيه هذا.

٢٤٣

قال في الأحكام : وقد صحّ لنا أنّ (حيّ على خير العمل) كانت على عهد رسول اللَّه يؤذّن بها، ولم تُطرح إلّا في زمن عمر. وهكذا قال الحسن بن يحيى؛ روي ذلك عنه في جامع آل محمّد .

وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبد اللَّه بن عمر أنّه كان يؤذّن بحيّ على خير العمل أحياناً.

وروى فيها عن عليّ بن الحسين أنّه قال: (هو الأذان الأوّل).

وروى المحبّ الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنّه أذّن بذلك، قال المحب الطبري: رواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري، ولم يَروِ ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعاً، وقول بعضهم: وقد صحّح ابن حزم والبيهقي والمحبّ الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن عليّ بن الحسين...) (670) .

وجاء في كتاب الاعتصام بحبل اللَّه :... وفي الجامع الكافي : قال الحسن بن يحيى بن الحسين [ بن زيد المتوفّى 260 ]: أجمع آل رسول اللَّه على أن يقولوا في الأذان والإقامة (حيّ على خير العمل) وأن ذلك عندهم سنّة. قال: وقد سمعنا في الحديث: (أنّ اللَّه سبحانه بعث ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان..)، وفيه: (حيّ على خير العمل..)، ولم يزل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يؤذن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه اللَّه إليه، وكان يُؤَذَّنُ بها في زمان أبي بكر، فلما وَلِيَ عمر قال: دعوا (حيّ على خير العمل) لا يشتغل الناس عن الجهاد. وكان أوّل من تركه (671) .

وقال الأستاذ عزّان في مقدمة كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل): ... وقال

____________________

(670) نيل الأوطار 2: 43 - 44.

(671) الاعتصام بحبل اللَّه 1: 278 عن الجامع الكافي (مخطوط).

٢٤٤

الإمام المؤيد باللَّه أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى 411 هـ): ومذهب يحيى - يعني الهادي - وعامة أهل البيت التأذين بحيّ على خير العمل (672) .

وقال القاضي زيد بن محمّد الكلاري - وهو من أتباع المؤيد باللَّه ولم يعاصره -: التأذين به (أي بحيّ على خير العمل) إجماع أهل البيت لا يختلفون فيه، ولم يرد عن أحد منهم منعه و إنكاره، و إجماعهم عندنا حجّة يجب اتّباعه (673) .

وقال الإمام محمّد بن المطهر المتوفى 728 هـ: و يؤذن بحيّ على خير العمل، والوجه في ذلك إجماع أهل البيت (674) .

وقال العلّامة صلاح بن أحمد بن المهدي المتوفى 1048 هـ: أجمع أهل البيت على التأذين بحيّ على خير العمل (675) .

وقال العلّامة الشرفي المتوفى 1055: وعلى الجملة فهو - أي الأذان بحيّ على خير العمل - إجماع أهل البيت، و إنّما قطعه عمر (676) .

وقال العلّامة المحقق الحسن بن أحمد الحلال المتوفى 1084هـ بعد أن ذكر اتفاق العترة على التأذين بحيّ على خير العمل: و إجماع العترة وعليّ، وهما معصومان عن تعمد البدعة (677) .

وقال شيخنا (678) السيّد العلّامة مجد الدين (حفظه اللَّه): وقد صحّ إجماع أهل البيت

____________________

(672) شرح التجريد (مخطوط).

(673) شرح القاضي زيد للتحرير (مخطوط).

(674) المنهج الحلي شرح مسند الإمام زيد بن علي 1: 77 (مخطوط).

(675) شرح الهداية: 294.

(676) ضياء ذوي الأبصار (مخطوط) 1: 61.

(677) ضوء النهار 1: 469.

(678) الكلام لعزّان.

٢٤٥

على الأذان بحيّ على خير العمل (679) .

وذكر في أمالي أحمد بن عيسى: ذهب آل محمّد أجمع إلى أثبات حيّ على خير العمل مرّتين في الأذان بعد حيّ على الفلاح.

وفي شرح الأزهار : ومنهما: حيّ على خير العمل، يعني أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حيّ على خير العمل؛ للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمّة العترة وشيعتهم وأتباعهم وكثير من الأمّة المحمديّة التي شحنت بها كتبهم.

قال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسن في الأحكام : وقد صحّ لنا أن حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول اللَّه يؤذّنون بها، ولم تُطرح إلّا في زمن عمر بن الخطّاب، فإنه أمر بطرحها وقال: أخاف أن يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد.

وفي المنتخب : وأمّا (حيّ على خير العمل) فلم تزل على عهد رسول اللَّه حتّى قبضه اللَّه، وفي عهد أبي بكر حتّى مات، وإنما تركها عمر وأمر بذلك، فقيل له: لم تركتها؟ فقال: لئلا يتّكل الناس عليها و يتركوا الجهاد (680) . انتهى ما قاله عزّان.

وقال الصنعاني: إن صحّ إجماع أهل البيت (يعني على شرعية حيّ على خير العمل) فهو حجة ناهضة (681) .

وقال المقبلي عن أئمّة الزيديّة: ولو صحّ ما ادعي من وقوع إجماع أهل البيت في ذلك لكان أوضح حجّة (682) .

____________________

(679) المنهج الأقوم في الرفع والضم: 35.

(680) الإحكام 1: 84، شرح الأزهار 1: 223، البحر الزخار 2: 191، الأذان للعلوي بتحقيق عزّان: 153.

(681) هذا ما حكاه عزّان في كتابه (حيّ على خير العمل بين الشرعية والابتداع): 68 عن كتاب "منحة الغفار" المطبوع بهامش "ضوء النهار".

(682) انظر: مقدمة الأذان بحيّ على خير العمل لعزّان: 17.

٢٤٦

ونحن في الفصل الرابع (حيّ على خير العمل وتاريخها العقائدي والسياسي) من هذا الباب سنؤكّد هذا الإجماع عند أهل البيت، وعند الشيعة بفرقها الثلاث، ونوضّح سير هذه المسألة وكيف صارت شعاراً لنهج التعبد المحض في العصور المتأخرة بعد أن أُذِّن بها على عهد رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله)، وكيف صار حذفها وإبدالها بـ (الصلاة خير من النوم) شعاراً لخصومهم، وهو دليل قوي على ما نريد قوله من وقوع الملابسات في هذه الشعيرة الإسلامية.

مؤكّدين بأنّا ببياننا لهذه الأقسام الثلاثة أردنا أن نوضح وجهة نظرنا في جزئية هذا الفصل من فصول الأذان، ولا نريد أن نحكّم آراءانا فوق كلام الباري وأقوال الرسول كما يفعله بعض متعصبي المذاهب الذين يرجّحون كلام إمام مذهبهم على القرآن والسنة المطهّرة، مثل ما فعله الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين إذ قال:

(ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قولَ الصحابة، والحديثَ الصحيح، والآيةَ، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ، وربّما أدّاه ذلك للكفر؛ لأنّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر) (683) .

يستبين ممّا سبق أنّ الشيعة لم ينفردوا بهذا القول، بل هناك نقول عن الشافعي وبعض الأعلام في القول بجزئية (حيّ على خير العمل). ومن المفيد أن نقف قليلاً عند هذا الأمر لنؤكد على صحة ما قلناه من أنّ هذا الفصل (حيّ

____________________

(683) حاشية الصاوي على تفسير الجلالين 3: 10 ط دار إحياء التراث العربي، وقد رد الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي القاضي الأول بالمحكمة الشرعية بدولة قطر على كلام الصاوي في كتاب أسماه (تنزيه السنة والقرآن عن كونهما مصدر الضلال والكفران) هذا ما قاله العلّامة الخليلي مفتي سلطنة عمان في كتابه الحق الدامغ: 10.

٢٤٧

على خير العمل) كان جزءاً من الأذان على عهد رسول اللَّه إذ أمر النبيّ مؤذّنه بالتأذين به، لكن المقدرات السياسية بعد رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) شاءت محوه و إزالته.

وممّا يؤيد قولنا هذا ما قاله القاسم بن محمّد بن عليّ نقلاً عن (توضيح المسائل) لعماد الدين يحيى بن محمّد بن حسن بن حميد المقرئ ما لفظه: ومنها إثبات حيّ على خير العمل، قال: رواه الإمام المهدي أحمد بن يحيى في بحره عن أخير قولَي الشافعي قال: وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به. وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية إنّه كان (حيّ على خير العمل) من ألفاظ الأذان.

قال الزركشي في كتابه المسمى بـ "البحر" ما لفظه:

(ومنها ما الخلاف فيه موجود [ في المدينة ] كوجوده في غيرها، وكان ابن عمر - وهو عميد أهل المدينة - يرى إفراد الأذان ويقول فيه: (حيّ على خير العمل) انتهى بلفظه (684) .

إلى أن قال القاضي يحيى بن محمد بن حسن بن حميد [ المقري ]: فَصَحّ ما رواه الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً في إتيان (حيّ على خير العمل) (685) .

وفي الروض النضير : وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه كان (حيّ على خير العمل) من ألفاظ

____________________

(684) الاعتصام بحبل اللَّه المتين 1: 307.

(685) الاعتصام بحبل اللَّه 1: 308.

٢٤٨

الأذان (686) .

وفي الاعتصام بحبل اللَّه : وروى الإمام السروجي عن شرح الهداية للحنفية أحاديث (حيّ على خير العمل) بطرق كثيرة (687) .

وبعد هذا اتضح سقم ما انفرد به أهل السنة والجماعة من القول بكراهة الإتيان بحيّ على خير العمل في الأذان (688) ؛ لأنّ فعل ابن عمر و إن قلنا بعدم دوامه فهو بيان لجواز الإتيان بها، وفعل أبي أمامة بن سهل بن حنيف يؤكد جزئيتها وأنّها كانت على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وكذا تأذين الإمام عليّ وعليّ بن الحسين فهو دليل على مشروعية هذا الفصل، و يضاف إليها أقوال العلماء فإنّها تدل في أقل التقادير على عدم حرمة الإتيان بها.

ففي كتاب (الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر) على هامش يواقيت الجواهر للشعراني، التصريح بعدم الكراهية، قال فيه [ أي الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية ]: ما عرفتُ مستند مَن كره قول المؤذن (حيّ على خير العمل) فإنّه روي أنّ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) أمر بها يوم حفر الخندق.

وحكى الشيخ فخر الدين التلمساني عن صاحب (حاشية منهية) من علماء الهند: إنّ ابن تيمية زعم في منهاجه على بدعة (حيّ على خير العمل) في الأذان، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق معه في ذلك (689) .

وقال مهمّش مراتب الإجماع ما هذا نصه: فلا يكون هذا - حيّ على خير

____________________

(686) الروض النضير 1: 542.

(687) الاعتصام 1: 311.

(688) انظر المجموع للنووي 3: 98.

(689) حاشية منهية: 2. انظر: كلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية 4: 165.

٢٤٩

العمل - بدعة الروافض كما يزعم ابن تيمية (690) .

وبهذا عرفت أنّ (حيّ على خير العمل) فصل قد أُذِّن به على عهد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وعمل به الصحابة وأهل البيت، وذهب بعض الأعلام إلى شرعيته وعدم كراهة الإتيان به.

نعم، إنّ أتباع النهج الحاكم تركوه، ولم يرووا فيه إلّا القليل، وقالوا عن الموجود أنّه قد نسخ؟!

هذا وقد تمخض من كلّ ما سبق أُمور:

1 - اتفاق الفريقين على أصل شرعيتها في عهد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى النسخ، وقد تحدى السيّد المرتضى أن يأتوه بالناسخ، بقوله: (وإنّما ادعي أنّ ذلك نُسخ ورفع، وعلى من ادعى النسخ الدلالة، وما يجدها) .

2 - ذكرنا في القسم الثاني الدليل الثاني من أدلّتنا على جزئية الحيعلة الثالثة وهو فعل الصحابة وأهل البيت، فذكرنا فيه اسم ثلاثين شخصاً أذّنوا بـ (حيّ على خير العمل) من الصحابة والتابعين وأهل البيت.

3 - إجماع العترة واتفاق الشيعة بفرقها الثلاث على الحيعلة.

4 - وأخيراً ختمنا الكلام عن جزئية الحيعلة الثالثة بما حكي عن الشافعي وبعض الأعلام من القول بجزئيتها. وسوف نُثبت لاحقاً - إن شاء اللَّه - وجود ملازمة بين القول بـ (حيّ على خير العمل) وعدم القول بـ (الصلاة خير

____________________

(690) مراتب الإجماع لابن حزم: 27، انظر: منهاج السنة النبوية 6: 293 - 294.

٢٥٠

من النوم)؛ لأنّ القائل بشرعية أحدهما لا يقول بشرعية الآخر. وحيث ثبت عن الشافعي رجوعه - في أواخر أيام حياته - عن التثويب لعدم ثبوت صحة حديث أبي محذورة عنده، يرجح المنسوب من القول بـ (حيّ على خير العمل) إليه، ومثله الكلام عن مالك وغيرهم من الأحناف والمذاهب الأخرى.

٢٥١

الفصل الثاني:

حذف الحيعلة وامتناع بلال عن التأذين

٢٥٢

٢٥٣

قبل البدء في بيان بحوث هذا الفصل لابدّ من معرفة معنى ما قاله أحد الصادِقَيْن (691) فيما رواه عنه أبو بصير، أنّه قال: (إنّ بلالاً كان عبداً صالحاً فقال: لا أُؤَذِّنُ لأحدٍ بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، فتُرِكَ يومئذٍ: حيّ على خير العمل) (692) .

ولو ثبت هذا الخبر وصح الحديث لصار زمن سقوط حيّ على خير العمل من الأذان بعد وفاة رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وفي عهد أبي بكر بالذات، وهذا يخالف المشهور بين الطالبيين والمتّفق عليه عند الشيعة الإمامية والزيديّة والإسماعيلية، فإنّهم جميعاً قد أطبقوا على إسقاطها في عهد عمر بن الخطّاب، فما يعني ما رواه أبو بصير إذاً؟

الحديث الآنف هو بصدد التعريف ببلال الحبشي مؤذّن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وأنّه كان صلب العود شجاعاً في مبادئه وعبداً صالحاً، ومعناه: لو كان بلال مؤذناً في العصور اللَّاحقة لما تُرك حيّ على خير العمل؛ وذلك لإيمانه وتقواه وثباته على العقيدة، لكن لما ترك بلال - بل اضطُرَّ إلى ترك - الأذان بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، كان في ذلك فرصة للآخرين بالزيادة والنقيصة فيه (693) .

ولك الحقّ أن تسأل عن علّة ترك بلال للأذان بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، وعن الأقوال التي قيلت في ذلك، وهل يصح حقاً ما نقل عن بلال بأنّه طلب من أبي بكر

____________________

(691) أي الإمام الباقر والإمام الصادق عليهم السلام.

(692) من لا يحضره الفقيه باب الأذان والإقامة 1: 184 ح 872.

(693) كزيادة: (الصلاة خير من النوم) فيه، ونقيصة: (حيّ على خير العمل) منه.

٢٥٤

أن يذهب إلى الشام كي يرابط على ثغور المسلمين، أو أنّه قال: لا أطيق أن أؤذّن بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، أو غير ذلك؟

إنّ الدقّة في معرفة سير الأحداث تفرض علينا أن نقول: إنّ ترك بلالٍ للأذان لم يكن لمجرّد حالة نفسية وردّة فعل تجاه وفاة رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، لأنّ بلالاً كان أتقى وأورع من أن يترك منصباً نصبه فيه رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) طيلة حياته، ذلك لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لم ينصّبه مؤذِّناً شخصيّاً له، بل أعطاه دور مؤذّن الإسلام، فكيف يترك هذا الدَّور الشريف لمجرّد موت النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؟! وهو أعلم الناس بما قاله رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) في فضل الأذان والمؤذنين.

بل كيف تعقل صياغة عذر ترجيحه للجهاد في الشام على التأذين للمسلمين، مع أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أمر المسلمين أن ينضووا تحت لواء أُسامة وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة، ومن الثابت أنّ بلالاً كان مستثنى من هذا الأمر الجهادي، حيث أطبق التاريخ والمؤرّخون على أنّه كان عند رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) يؤذّن له حتّى آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة، فكيف ترك التأذين ورجّح الجهاد؟!

إن هذا ما لا يعقل في حق بلالٍ، خصوصاً وأنّه لم يُعهد عنه اتخاذه موقفاً مرتبكاً عند موت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كما حدث ذلك لعمر بن الخطّاب (694) ، بل تلقّى الحادث كباقي المسلمين بألم وأسى، واضعاً نصب عينيه قوله تعالى: ( وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خَلَت من قَبِلِه الرُّسُلُ أفإن ماتَ أو قُتِلَ انقَلَبتُم على أعقابِكم ) (695) ، وقوله تعالى: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُم مَيِّتُونَ ) (696) .

____________________

(694) تاريخ الطبري 3: 202 - 203 في أحداث سنة 11 هـ، وأُسد الغابة 3: 221.

(695) آل عمران: 144.

(696) الزمر: 30.

٢٥٥

فما قيل في ترك بلال للأذان لمجرّد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لا يمكن الركون إليه بحال من الأحوال، خصوصاً وأنّ بلالاً لو بقي على أذانه لكان ذلك أقوى للمسلمين وأثبت لنفوسهم، حيث يظلّون يعيشون مع الرسول وذكرياته السماوية العطرة، بل يكون ذلك أبْعَثَ للمسلمين على الجهاد، لأنّه يذكّرهم بأيّام كان ينادي فيها بمحضر النبيّ بالصلاة جامعة للجهاد والخروج والقتال.

على أنّنا نرى أنّهم يستعيضون عن بلالٍ بسعد القرظ الذي لم يؤذن على عهد رسول اللَّه إلّا ثلاث مرّات بقباء - إن صح النقل - وأبي محذورة الذي كان يستهزئ بالأذان وبرسول اللَّه (697) ، فلماذا لم يخرج سعد القرظ للجهاد إذا كان الجهاد أفضل من التأذين؟!

و إذا كان بلال قد ترك الأذان لترجيح الجهاد عليه، فلماذا لا نرى له أيّ مشاركة في قتال المرتدين؟! ولماذا لم يرد اسمه مع أبي بكر في حروب الردّة؟ ونحن نعلم بأنّ حروب الردة قد طالت - بين موت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وبدء فتوح الشام - فاصلة زمنية تقارب سنة (698) أو أقل.

ولماذا لم يؤذِّن بلال في هذه المدّة لأبي بكر، إذ كان بوسعه أن يؤذّن له، حتّى إذا بدأت مسيرة جيوش المسلمين للشام تركه واشتغل بالجهاد؟

إنّ بقاء بلال في المدينة ولو فترةً قصيرة لم يؤذّن فيها لأبي بكر إنّما يعني شيئاً! فما هو؟ حتّى إذا بدأت الجيوش بالزحف نحو الشام، خرج بلال - طائعاً أو مكرها - إلى الشام وبقي فيها؟

____________________

(697) هذا ما سنوضحه لك في الباب الثاني من هذه الدراسة: (الصلاة خير من النوم.. شرعة أم بدعة) فانتظر.

(698) بدأت حروب الردة بعد أربعين أو ستين أو سبعين يوماً من وفاة النبيّ، وانتهت بمقتل مسيلمة في ربيع الأول سنة 12 هـ.

٢٥٦

وعليه لا يصح التبرير المطروح من ترك بلالٍ الأذانَ ترجيحاً للجهاد عليه، بل يبدو أنّ هذا العذر والتبرير اختُلِقَ لدعم فكرة حذف الحيعلة الثالثة ترجيحاً للجهاد عليها - وهي فكرة عمر بن الخطّاب التي صرّحت بها روايات عديدة، بدعوى أنّ الجهاد لا الصلاة، هو خير العمل، ومعنى كلامهم أن بلالاً ترك الأذان ترجيحاً للجهاد عليه!!

فإذا لم يصح هذا التبرير فلنا أن نقول: إنّ هناك أمراً آخر دعاه إلى اتخاذ هذا الموقف.. فما هو؟

يبدو أنّ وراء ترك بلال للأذان سرّاً كامناً، لأنّه ترك الأذان بمجرّد تسلّم أبي بكر للخلافة، و يظهر أنّه بقي في المدينة مدّة يسيرة قد لا تتجاوز وقت وفاة فاطمة بنت رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) أو تتجاوزها بأيام قلائل.

وما قيل من أنّ بلالاً أذّن لأبي بكر مدّة خلافته ثمّ رجّح الجهاد في زمان عمر فهو شي‏ء لا يصحّ؛ لأنّ بلالاً كانت له مشاركات في فتوح الشام، وهذا يعني أنّه كان مع جيوش المسلمين، وقد تفطّن ابن كثير إلى ذلك قائلاً: (ولمّا توفّي رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) ترك بلال الأذان، و يقال: أذّن للصدّيق أيّام خلافته، ولا يصحّ) (699) .

وقد علّق النووي في المجموع على كلام ابن قسيط الذي قال بأن بلالاً كان يسلّم على أبي بكر وعمر في آذانه، يقول: وهذا النقل بعيد أو غلط، فإن المشهور المعروف عند أهل العلم بهذا الفن أن بلالاً لم يؤذن لأبي بكر ولا عمر. وقيل: إذن لأبي بكر (رضي اللَّه عنهم)، ورواية ابن قسيط هذه منقطعه فإنه لم يدرك أبا بكر ولا عمر ولا

____________________

(699) البداية والنهاية 4: 7/ 104 أحداث سنة عشرين من الهجرة.

٢٥٧

بلالاً (رضي اللَّه عنهم) (700) .

وكأنّ امتناع بلال من التأذين لأبي بكر بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لم يَرُق لرجال النهج الحاكم، لأنّه تبدو منه معالم معارضته للخلافة الجديدة، من هنا وضعوا شتى المختلقات لتوجيه عدم تأذينه له، وكأنّ الأقرب للواقع أنّه اضطُرّ إلى ترك المدينة متّجهَّا نحو الشام، إذ كانت الشام منفى المعارضين، وكان ستار الجهاد خير وسيلة لإبعاد المعارضين، حيث ذهب سعد بن عبادة الأنصاري مكرهاً إلى الشام فقتل هناك غيلة، ونفي في زمان عثمان أبو ذر ومالك الأشتر وغيرهما من المعارضين إلى الشام وحبوس معاوية (701) ، ولا يستبعَد أن يكون بلال قد رأى، نتيجة ضغوط أبي بكر وعمر عليه كما ستعلم، أنّ الذهاب إلى الشام أسلَمَ له، وأبعد عن عيون السلطة.

و يؤكد لنا أنّ وراء امتناع بلال من التأذين لأبي بكر أمراً مخفيّاً، عدمُ امتناعه من التأذين لأهل البيت، حيث أذَّن لفاطمة الزهراء بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) مرّة، وأذّن لولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) مرّة أخرى بعد وفاة فاطمة، وذلك ما لم يختلف فيه المؤرخون وأرباب السير.

روى الصدوق: أنّه لما قُبض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) امتنع بلال من الأذان وقال: لا أؤذّن لأحد بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، و إن فاطمة قالت ذات يوم: (إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان) ، فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان، فلمّا قال: (اللَّه أكبر اللَّه أكبر) ذكرت أباها (صلّى الله عليه وآله) وأيّامه فلم تتمالك

____________________

(700) المجموع 3: 125.

(701) تاريخ اليعقوبي 2: 172 وفيه نفي أبي ذر إلى الشام، وتاريخ الطبري 4: 317 - 326/ أحداث سنة 33، وذكر فيه تسيير عثمان جماعة من أهل الكوفة إلى الشام، منهم: مالك الأشتر.

٢٥٨

من البكاء، فلمّا بلغ إلى قوله (أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه) شَهِقت فاطمة شهقةً وسقطت لوجهها وغُشي عليها، فقال الناس لبلال: أمِسكْ يا بلال، فقد فارقت ابنةُ رسول اللَّه الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقَطَع أذانه ولم يُتمّه، فأفاقت فاطمة وسألته أن يُتّم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان، إني أخشى عليك مما تُنزلينه بنفسك إذا سمعتِ صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك (702) .

وهذا يدل على وجود بلال في المدينة قبل وفاة الزهراء (عليها السلام)، ولم يكن قد خرج منها بعدُ إلى الشام، وهذا يؤكد أنّ أبا بكر بقي أربعين يوم (703) - على أقل التقادير - يدبّر أموره قبل أن يجهز لقتال المرتدين، وظل يقاتل المرتدين مدّة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة قبل أن يسيِّر الجيوش التي فتحت الشام بعد أن كان جيش أسامة رجع عن وجهة الشام دون قتال.

وقد علمتَ أنّ بلالاً لم يشارك في قتال المرتدين، بل صرّحوا بأنّه أقام في المدينة إلى أن خرجت بعوث الشام (704) .

كان بلال إذاً في المدينة ولم يؤذّن لأبي بكر، فلماذا لم يؤذّن لأبي بكر؟! إنّه تساؤل يفرض نفسه، ويبحث عن إجابة.

روى إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، حدثني أبي محمد بن سليمان، عن أبيه سليمان

____________________

(702) من لا يحضره الفقيه 1: 298/ ح 907، وانظر: الدرجات الرفيعة: 365 - 366.

(703) وقيل: ستين يوماً، وقيل سبعين يوماً، انظر: تاريخ الطبري 3: 241، واليعقوبي 2: 127.

(704) انظر: كنز العمّال 13: 305 ح 36873، مختصر تاريخ دمشق 5: 265. بل قال ابن أبي حاتم إنّه خرج إلى الشام في خلافة عمر. انظر: المراسيل: 108، وعنه في تهذيب الكمال 17: 373.

٢٥٩

بن بلال، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: إنّ بلالاً رأى في منامه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟

فانتبه حزينا وجلاً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة [ من الشام ]، فأتى قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه.

فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبِّلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذّنه لرسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) في السَّحَر، ففعل، فَعَلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلمّا أن قال: (اللَّه أكبر اللَّه أكبر) ارتجّت المدينة.

فلما أن قال: (أشهد أن لا إله إلّا اللَّه) زاد تعاجيجها، فلما أن قال: (أشهد أن محمّداً رسول اللَّه) خرج العواتق من خدورهنّ، فقالوا: أبُعِث رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)؟! فما رؤي يوماً أكثر باكياً وباكية بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) من ذلك اليوم (705) .

لقد ثبت أنّ بلالاً أذّن لفاطمة بعد وفاة رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وقبل خروجه إلى الشام، وأذّن للحسن والحسين بعد وفاة فاطمة عند رجوعه من الشام لزيارة قبر رسول

____________________

(705) تاريخ دمشق 7: 136 ترجمة رقم 493 قال: أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني، نا عبد العزيز بن أحمد، نا تمام بن محمد، نا محمد بن سليمان، نا محمد بن الفيض، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، ثم ذكر باقي الإسناد. والنص عنه، ومختصر تاريخ دمشق 4: 118، 5: 265، أسد الغابة 1: 208. وانظر: تهذيب الكمال 4: 289، حيث أبدل (الحسن والحسين) بـ (بعض الصحابة).

٢٦٠