الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 39335
تحميل: 7135

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39335 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، بل روي أنّه كان يرجع كلّ سنة مرّة إلى المدينة فينادي بالأذان للمسلمين إلى أن مات (706) ، فلماذا لم يؤذّن للخليفة الأوّل، ومن بعده للثاني؟!

إنّ حقيقة امتناع بلال من التأذين تتجاوز مسألة ترحيله إلى الشام للمشاركة في الجهاد، بل إنّ المسألة لَتصل إلى معارضته لأصل خلافة أبي بكر وعمر، ولأنّه أبى - كما يبدو - أن يؤذّن لهما بالأذان الذي بُدِّل فيه وغُيِّر، والذي سخّروا له من بعد سعد القرظ مولى قريش، الذي ظل مؤذّناً حتّى للحجّاج الثقفي، ولم يكن له أيّ دور في المدينة في زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

قال النووي في تهذيب الأسماء : جعل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) سعد القرظ مؤذناً بقباء. فلما ولي أبو بكر الخلافة وترك بلالٌ الأذان نقله أبو بكر إلى مسجد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) ليؤذن فيه فلم يزل يؤذن فيه حتّى مات في أيّام الحجاج بن يوسف الثقفي، وتوارث بنوه الأذان. وقيل: الذي نقله عمر بن الخطاب (707) .

ولكنّ بلالاً مع ذلك لم يمتنع عن التأذين لأهل البيت والمسلمين المخلصين - ولذلك قال جعفر بن محمّد: (رحم اللَّه بلالاً فإنّه كان يحبنا أهل البيت) (708) - ، بل إنّه

____________________

(706) انظر: الدرجات الرفيعة: 367، نقلاً عن كتاب المنتقى.

(707) تهذيب الأسماء 1: 207.

(708) الاختصاص: 73. ويدل على اختصاص بلال بعليّ وأهل البيت وعدم إيمانه بشرعية خلافة أبي بكر، ما روي في تفسير الحسن العسكري: في أن بلالاً كان يعظّم أمير المؤمنين (عليه السلام) ويوقّره أضعاف توقيره لأبي بكر، فقيل له في ذلك مع أنّ أبا بكر كان مولاه الذي اشتراه وأعتقه من العذاب، فأجاب من ذلك بأحسن جواب، فكان فيما قال: إن حقَّ عليٍّ أعظم من حقه، لأنّه أنقذني من رق العذاب الذي لو دام عليّ وصبرت عليه لصرت إلى جنات عدن، وعليّ أنقذني من رق العذاب الأبد، وأوجب لي بموالاتي له وتفضيلي إيّاه نعيم الأبد (تفسير العسكري 621/ ح 365).

=

٢٦١

امتنع عن التأذين لرجال النهج الحاكم ورءوس الخلافة وحدهم.

روى الشيخ المفيد بسنده عن الصادق‏(عليه السلام) أنّه قال: (وكان بلال مؤذّن رسول اللَّه ‏(صلّى الله عليه وآله)، فلمّا قبض رسول اللَّه ‏(صلّى الله عليه وآله) لزم بيته ولم يؤذّن لأحد من الخلفاء) (709) .

وقال المزّي: ويقال: إنّه لم يؤذّن بعد النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله)، إلّا مرّة واحدة، في قَدمةٍ قَدِمها لزيارة قبر النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله)، وطلب إليه الصحابة ذلك فأذّن، ولم يُتمّ الأذان... (710) .

وفي كتاب أصفياء أمير المؤمنين ، روى عن ابن أبي البختري، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن الحسن: انّ بلالاً أبى أن يبايع أبا بكر، و إنّ عمر جاء وأخذ بتلابيبه، فقال: يا بلال، إنّ هذا جزاء أبي بكر منك؟! إنّه أعتقك فلا تجي‏ء تبايعه؟! فقال بلال: إن كان أبو بكر أعتقني للَّه فليدعني له، و إن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا (711) .

____________________

=

هذا وقد بقى بلال إلى آخر لحظات عمره الشريف موالياً لمحمّد وآل محمّد، وقد ردّد قبل موته نفس الشعار الذي ردده عمار في صفين من بعد:

غداً سنلقى الأحبّة

محمداً وحزبه

(مختصر تاريخ دمشق 5: 267).

(709) الاختصاص: 73.

(710) انظر كلام المزي في تهذيب الكمال 4: 289، ومثله ما حكاه الحصني الشامي (ت 829 هـ) في كتابه "دفع الشبه عن الرسول": 182 عن الحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه "الكمال في ترجمة بلال" - وأنّه قد قال بهذا القول قبل المزّي -. وقد يكون مقصود المزّي والمقدسي من جملة (طلب إليه الصحابة) هو طلب الحسن والحسين، إذ لم يقل أحد بأنه أذن للصحابة على نحو العموم، وكذا لا يصحّ ما قاله بأن بلالاً لم يؤذّن بعد النبيّ إلّا مرّة واحدة؛ لثبوت تأذينه لفاطمة الزهراء قبل رحلته إلى الشام.

(711) لا يخفى عليك أنّ رسول اللَّه‏ (صلَّى الله عليه وآله) هو الذي اشترى بلالاً وأعتقه لكن بواسطة أبي بكر؛ إذ كانت عنده علاقات حسنة مع كفار قريش ولم يكن وَتَرهم.

٢٦٢

وأمّا بيعته فما كنت أبايع أحداً لم يستخلفه رسول اللَّه، و إنّ بيعة ابن عمّه يوم الغدير في أعناقنا إلى يوم القيامة، فأيّنا يستطيع أن يبايِع عَلَى مولاه؟ فقال له عمر: لا أمّ لك، لا تُقِمْ معنا! فارتَحَلَ إلى الشام (712) .

وفي كتاب كامل البهائي - لعماد الدين الطبري (713) -: إنّ بلالاً امتنع عن بيعة أبي بكر والأذان له (714) .

فعلى هذا يكون بلال قد عارض خلافة أبي بكر، وامتنع من التأذين له مع بقائه بالمدينة، لعدم إيمانه بشرعية خلافته، ولأنّه وعمر أرادا منه ما يأباه، خرج إلى الشام مكرهاً لا ترجيحاً للجهاد على منصبه النبوي في التأذين، ولا ردّة فعلٍ منه تجاه وفاة الرسول المصطفى (صلّى الله عليه وآله). فإنّ بلالاً لم يبايع لهما، وبقي معارضاً للغاصبين، في صفّ عليّ وغيره من عيون الصحابة، وقد أذّن في هذه المدّة لفاطمة، وكان على اتصال بأهل البيت، ثمّ إنّهم بعد وفاة فاطمة وإجبار عليّ على البيعة، ونفي سعد بن عبادة إلى الشام، وكسرهم سيف الزبير، ووو.... أجبروا بلالاً على مغادرة المدينة تحت غطاء القتال في جبهات الشام، وكان قد عاد إلى المدينة لزيارة قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فأذّن للحسن والحسين.

وبهذا، فإنّ مختلقة تأذينه لعمر (715) في الجابية بالشام، قد وضعت للتغطية على

____________________

(712) الدرجات الرفيعة: 367، عن كتاب أصفياء أمير المؤمنين. وقد روى الوحيد البهبهاني قريباً من هذا في التعليقة (انظر: معجم رجال الحديث 272: 4.

(713) الذي فرغ من تأليفه سنة 675 هـ. ق.

(714) الأربعين للماحوزي: 257، نقلاً عن كامل البهائي.

(715) وضعت روايات مفادها أنّ بلالاً أذّن لعمر في الجابية، وقد وردت بأربعة طرق: أوّلها: ما رواه الطبري في تاريخه 4: 65 / أحداث سنة 17 هـ، قال: (كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف [ بن عمر التميمي ]، عن مجالد عن الشعبي). وهذا الإسناد فيه سيف بن عمر الوضَّاع المتّهم بالزندقة. =

٢٦٣

نزاع بلال مع عمر في شأن كيفية توزيع الأراضي المفتوحة وأمثالها، حيث قام بلال إلى عمر فقال: لتقسمنّها أو لنتضاربَنّ عليها بالسيف (716) . ولما أبى عمر ذلك، ودعا على بلال ومن معه بالهلاك (717) ، سألَ بلال عمرَ البقاء في الشام واعتزال باقي الفتوحات، ففعل ذلك عمر (718) ، فبقي بلال في دمشق إلى أن مات بها.

____________________

= ثانيها: ما رواه البيهقي في سننه 1: 419، وابن عساكر في تاريخه 10: 471، والذهبي في سيره 1: 357، وكلها تنتهي إلى (أبي الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي، حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت مالك بن أنس...). وهذا الإسناد فيه أحمد بن عبد الرحمن القرشي الذي لم يسمع من الوليد بن مسلم قط، وكان شبه قاصٍّ، وقالوا عنه: لا تقبل شهادته على تمرتين. ناهيك عن الوليد بن مسلم الذي كان رفّاعاً للحديث كثير الخطأ، وروى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل، وكان ردي‏ء التدليس. ثالثها: ما ذكره البخاري في التاريخ الصغير والذهبي في سيرة 1: 357 والنص عن البخاري: (حدّثنا يحيى بن نشر، حدّثنا قراد، أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه). وهذا الإسناد فيه هشام بن سعد الذي ضعّفه أحمد بن حنبل وابن سعد ويحيى بن معين والنسائي، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به، وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد وهو لا يفهم، ويسند الموقوفات من حيث لا يعلم، وبطل الاحتجاج به. رابعها: ما أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة عن أولاد سعد القرظ.

وفي هذا الإسناد أولاد سعد القرظ المجهولون كما مرّ عليك.

ولا يفوتنّك أنّ أولاد سعد القرظ أرادوا التغطية على نزاع بلال مع الخلفاء الذي أدّى إلى تركه الأذان، حتّى جاءوا بسعد القرظ فجعلوه بديلاً عن بلال رحمه اللَّه، واستمرّ التأذين الرسمي في ذرّيّته كما عرفت.

(716) السنن الكبرى للبيهقي 6: 318.

(717) الروض الأنف 6: 581، المبسوط للسرخسي 10: 16.

(718) أسد الغابة 2: 79، تاريخ دمشق 16: 21، الإصابة 4: 72.

٢٦٤

وقد كان أبو بكر قد أغضب بلالاً في زمن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فأمر النبيّ أبا بكر أن يترضّاه، قالوا: مرّ أبو سفيان ببلال وسلمان وصهيب، فقالوا: ما أخَذَت سيوفُ اللَّه من عُنُق هذا بعدُ مأخذها، فقال أبو بكر الصديق: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها؟! فذهب أبو بكر إلى رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) فأخبره بذلك، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك، قال: فرجع أبو بكر، فقال: يا إخوة، لعلّكم غضبتم. قالوا: يغفر اللَّه لك يا أبا بكر (719)!

وقد كان بين بلال وعمر اختلاف في وقت الأذان، أدّى بهم من بعد أن يختلقوا صحة أذان ابن أم مكتوم الأعمى في الفجر، مخطّئين أذان بلال لعدم تشخيصه الفجر الصادق، لضعف في بصره!! (720)

روى الأوزاعي أنّ بلالاً أتى عمر بن الخطّاب فقال: الصلاة الصلاة، فردّدها عليه، فقال له عمر: نحنُ أعلمُ بالوقت منك، فقال له بلال: لَأنا أعلم بالوقت منك، إذ أنت أضلّ من حمار أهلك (721) !

وفي زحمة هذا التضادّ السياسي الفقهي بين بلال من جهة، وأبي بكر وعمر وأتباعهما من جهة، يبدو أنّهم طلبوا منه حذف (حيّ على خير العمل) و إبدالها بـ (الصلاة خير من النوم)، فرفض بلال ذلك، ولذلك رفضوا بلالاً ورفضهم، ونسبوا

____________________

(719) مختصر تاريخ دمشق 5: 261.

(720) هذا ما تقف عليه في الباب الثاني من هذه الدراسة: (الصلاة خير من النوم) فراجع.

(721) مختصر تاريخ دمشق 5: 266 - 267.

٢٦٥

إلى بلال ضعف البصر واللثَّغة في اللسان وغيرها من الأمور الجارحة، وجاءوا بدله بسعد القرظ وأبي محذورة، ووضعوا أحاديث نسبوها إلى بلال، وكأنّه أذّن بـ (الصلاة خير من النوم) في زمان النبيّ، مع أنّ الصحيح نسبته إلى بلال عكس ذلك، فإنّه أذّن بـ (حيّ على خير العمل) لا (الصلاة خير من النوم).

على أنّ بلالاً كان هو أقرب المشاهدين لما واجهوا به النبيَّ قبيل وفاته، وكيف تخلفوا عن جيش أسامة، وقدّموا أبا بكر للصّلاة.

كان بلال على علم بما يجري من حوله، ولذلك اعتزل القوم ونجا بدينه وأذانه الذي رواه لنا أهل البيت عن جبرئيل عن الباري والذي ليس فيه (الصلاة خير من النوم).

لكنّ عمر بن الخطّاب لمّا استتّب له الأمر، سعى لتطبيق ما يرجوه، فحذف الحيعلة الثالثة وأبدلها بالصلاة خير من النوم، وهو الواقع الذي رواه الأعلام من المسلمين:

قال سعد التفتازاني في حاشيته على شرح العضد، و القوشجي في شرح مبحث الإمامة وغيرهم: إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال: أيها الناس، ثلاث كُنَّ على عهد رسول اللَّه أنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهن، وهي: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيّ على خير العمل (722) .

____________________

(722) شرح التجريد: 374، كنز العرفان 2: 158، الغدير 6: 213، والبياضي في الصراط المستقيم

=

٢٦٦

وقال الحافظ العلوي: أخبرنا محمّد بن طلحة النعالي البغدادي، حدثنا محمّد بن عمر الجعابي الحافظ، حدّثنا إسحاق بن محمّد [ بن مروان ]، حدّثنا أبي، حدّثنا المغيرة بن عبد اللَّه، عن مقاتل بن سليمان، عن عطاء، حدّثنا أبي [ السائب بن مالك ] عن عمر أنّه كان يؤذن بحيّ على خير العمل، ثمّ ترك ذلك وقال: أخاف أن يتكل الناس (723) .

وجاء في كتاب الإحكام - من كتب الزيدية -: قال يحيى بن الحسين صلوات اللَّه عليه: وقد صحّ لنا أنّ (حيّ على خير العمل) كانت على عهد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) يؤذن بها ولم تطرح إلّا في زمن عمر بن الخطاب، فإنّه أمر بطرحها وقال: أخاف أن يتّكل الناس عليها، وأمر بإثبات (الصلاة خير من النوم) مكانها.

قال يحيى بن الحسين رضي اللَّه عنه: والأذان فأصله أنّ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) عُلِّمهُ ليلة المسرى، أرسل اللَّه إليه ملكاً فعلّمه إيّاه، فأما ما يقول به الجهّال من أنّه رؤيا... (724) .

وعن نافع، عن ابن عمر: أنّه كان يؤذن فيقول: حيّ على خير العمل، ويقول كانت في الأذان فخاف عمر أن ينكل الناس عن الجهاد.

وعن الباقر قال: (كان أبي عليّ بن الحسين يقول إذا أذّن: حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل. قال: وكانت في الأذان، وكان عمر لمّا خاف أن يتثبط الناس عن

____________________

=

3: 277 عن الطبري في المسترشد: 516.

(723) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي، بتحقيق عزّان: 99، وانظر: صفحه 63 منه.

(724) الإحكام 1: 84.

٢٦٧

الجهاد ويتكلوا، أمرهم فكفّوا عنها) (725) .

وعن الإمام زيد بن عليّ: أنّه قال: ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحى من النداء في الأذان حيّ على خير العمل، وقد بلغت العلماء أنّه كان يؤذّن بها رسول اللَّه حتّى قبضه اللَّه عزّ وجلّ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتّى مات، وطرفاً من ولاية عمر حتّى نهى عنها (726) .

وعن جعفر بن محمّد قال: (كان في الأذان حيّ على خير العمل، فنقصها عمر) (727) .

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: (كان الأذان بحيّ على خير العمل على عهد رسول اللَّه، وبه أمروا أيّام أبي بكر وصدراً من أيّام عمر، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة، فقيل له في ذلك فقال: إذا سمع الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه). وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمّد، والعامة تروي مثل هذا... (728)

____________________

(725) انظر: الأذان بحيّ على خير العمل: 79.

(726) الأذان بحي على خير العمل: 29 - 30 وهامش السنة للإمام زيد: 83.

(727) النصوص عن ابن عمر والباقر، وزيد، وجعفر بن محمد موجودة في الأذان بحيّ على خير العمل، للحافظ العلوي بتحقيق عزّان: 63.

(728) دعائم الإسلام 1: 142، بحار الأنوار 81: 156. وجاء في كتاب الإيضاح للقاضي نعمان المتوفَّى 363 هـ والمطبوع في (ميراث حديث شيعه) 10: 108:.. فقد ثبت أنه أذّن بها على عهد رسول اللَّه حتى توفاه اللَّه تعالى وأن عمر أقطعه وقد يزيد اللَّه في فرائض دينه بكتابه وعلى لسان نبيه ما شاء لا شريك له وأنا ذاكر ما جاءت به الرواية من الأذان بحي على خير العمل - وبدأها بهذا الخبر -: في كتب ابن الحسين علي بن فرسند [ورسند] روايته عن أحمد عن الحسين عن لولو عن بشر عن أبي جعفر محمد بن علي قال: أسقط عمر من الأذان حي على خير العمل فنهاه علي فلم ينته.

٢٦٨

وروى القاضي زيد الكلاري في شرح التحرير ، عن الإمام القاسم بن إبراهيم أنّه قال: فأمّا (حيّ على خير العمل) فكانت في الأذان، فسمعها عمر يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال: إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد لموضعها واتّكلوا عليه (729) .

وقال في المنتخب : وأمّ (حيّ على خير العمل) فلم تَزَل على عهد رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) حتّى قبضه اللَّه عزّ وجلّ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات، و إنّما تركها عمر وأمر بذلك، فقيل له: لم تركتها؟ فقال: لئلّا يتّكل الناس عليها و يتركوا الجهاد (730) .

وعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ، قال: لم يَزَل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يؤذن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه اللَّه، وكان يؤذَّن بها في زمن أبي بكر، فلمّا ولي عمر قال: دعوا (حيّ على خير العمل) لا يشتغل الناس عن الجهاد، فكان أوّل من تركه (731) .

وقال الفضل بن شاذان (المتوفّى 260 هـ) مخاطباً أهل السنّة:... ورويتم عن أبي يوسف القاضي - رواه محمّد بن الحسن عن أصحابه - وعن أبي حنيفة، قالوا: كان الأذان على عهد رسول اللَّه وعلى عهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر يُنادى فيه: (حيّ على خير العمل). فقال عمر بن الخطاب: إنّي أخاف أن يتّكل الناس على الصلاة إذا قيل: (حيّ على خير العمل) و يَدَعُوا الجهاد، فأمر أن يطرح من الأذان (حيّ على خير

____________________

(729) الأذان بحيّ على خير العمل بتحقيق عزّان: 153.

(730) الأذان بحيّ على خير العمل بتحقيق عزّان: 153. وانظر الإيضاح للقاضي نعمان: 108.

(731) الأذان بحيّ خير العمل، للحافظ العلوي بتحقيق عزّان: 63 - 64.

٢٦٩

العمل) (732) .

إنّ كل هذه النصوص دالّة على أنّ إسقاط (حيّ على خير العمل) من الأذان كان في عهد عمر بن الخطّاب، وأنّ الصحابة كانوا قد أذّنوا بها على عهد رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله)، وعلى عهد أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر، وأنّ عمر سمعها يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال: إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد.

إنّ عمر نفَّذَ في أثناء تسلّمه أزمّة الأمور ما كان يطمح إليه من حذف (حيّ على خير العمل) التي كانت في أذان المسلمين، وقد سمعت أنّ مما نقمه المسلمون على عمر حذفه (حيّ على خير العمل).

و يبدو أنّه لم يتسنَّ لعمر أن يحذفها بعد وفاة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) مباشرة و إن حاول ذلك، وكان الجهاد قائماً على سوقه أيضاً، لكنّه نجح في ذلك عند استلامه الخلافة مسكتاً المعارضين بالقوة والشدة المعهودتين منه.

ومن هنا تعرف أنّ المقصود من كلمة بلال (لا أوذّن لأحد بعد رسول اللَّه) أنّها تعني: أنني لا أوذّن لأحدٍ اغتصب الخلافة ظلماً بعد رسول اللَّه ومن جدّ في حذف ما يدل على الإمامة والولاية وإسقاطها من الأذان (733) .

وبهذا فليس هناك تخالف بين ما رواه أبو بصير وما قالته الشيعة - بفرقها الثلاث - وذلك للدور الذي لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخليفة الأوّل في رسم الخطوط العامة للحكم الذي يرتضيانه، إذ أقرّ تلك التطلعات بعد بسط نفوذه في خلافته، ممّا دعا بلالاً إلى أن يترك الأذان ويقول: (لا أوذّن لأحد بعد رسول

____________________

(732) الإيضاح: 206 وراجع كتاب العلوم 1: 92 والاعتصام بحبل اللَّه المتين 1: 269، 299، 304.

(733) هذا ما سنبحثه في الفصل القادم: (حي على خير العمل.. دعوة إلى الولاية) .

٢٧٠

اللَّه).

و خلاصة القول: أنّ الحيعلة الثالثة (حيّ على خير العمل) كانت على زمن رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله)، وزمن أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر، ثمّ حذفها عمر في أيّام حكومته، وأنّه كان يقصد إلى ذلك منذ حروب الردة، ثمّ أراد تطبيقها بعد وفاة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، لكنّه اصطدام بمعارضة بلال مؤذن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) الذائع الصِّيت، الذي رفض أنْ يؤذن لرموز الخلافة المغتصبة، فأبعدوه وأبدلوه بسعد القرظ، فتسنى لهم ما أرادوا من بعد، فتمهّدت لهم الأرضية لذلك بعد إقصاء بلال عن منصبه الذي وضعه فيه النبيّ (صلَّى الله عليه وآله). وقد دلّت كلّ النصوص والأحداث التاريخية على أنّ حذفها كان في حكومة عمر، ودلَّ خبرُ أبي بصير عن أحد الصادقَين - الذي صدّرنا هذا الفصل به - على أنّ عمر كان قاصداً هذا القصد من قبل، ثمّ نفّذهُ في أيّام استخلافه.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى - كما ستعرف في الباب الثاني (الصلاة خير من النوم: شرعة أم بدعة؟) - أنّ إضافة (الصلاة خير من النوم) أيضاً كانت من مبتكرات عمر بن الخطاب، الذي رفع الحيعلة الثالثة وجعل مكانه (الصلاة خير من النوم) فسار الأمويّون والمجتهدون من بعده على مساره، وأحكموا ما ذهب إليه عمر، حتّى صار في العصور اللاحقة تلازم بين إثبات الحيعلة الثالثة ورفض التثويب عند نهج التعبد، وفي المقابل ثمّة تلازم بين حذف الحيعلة الثالثة واثبات التثويب عند نهج الاجتهاد والحكومات. وقد تطور الأمر - كما سيأتيك - إلى أن صار ذلك شعاراً سياسيّاً لكل من طرفَي النزاع.

وفي هذا المقام نلحظ ما رواه زيد النرسي - في أصله - عن أبي الحسن

٢٧١

الكاظم (عليه السلام)، حيث قال: ("الصلاة خير من النوم" بدعة بني أمية، وليس ذلك من أصل الأذان) (734) ، فإن الإمام الكاظم كان ناظراً إلى استفحال هذا التثويب وشيوعه واتخاذه طابع العموم والانتشار في زمن بني أميّة الذين ساروا في هذا المجال على خطى عمر بن الخطاب، وأيّدوا نهج الاجتهاد والرأي في مقابل نهج التعبد المحض، وبذلك لا يكون ثمة تخالف بين القول بأنّها بدعة وضعت في عهد عمر بن الخطاب والقول بأنّها بدعة أموية؛ لأن الثانية حكّمت ما شرّع في عهد الشيخين.

وبعد هذا نتساءل: هل تصحّ هذه العلّة (أي علّة الخوف من ترك الناس للجهاد) لحذف هذا الفصل من فصول الأذان، أم أنّ هناك دافعاً آخر وراء هذا الأمر؟ هذا ما سنوضحه في الفصل اللاحق.

____________________

(734) مستدرك الوسائل 4: 44.

٢٧٢

٢٧٣

الفصل الثالث:

حيّ على خير العمل

دعوة إلى الولاية، وبيان لأسباب حذفها

٢٧٤

٢٧٥

ذكرت كتب الحديث والتاريخ أنّ لـ (حيّ على خير العمل) مَعنَيَين: ظاهريّ و باطنيّ .

أمّا المعنى الظاهري لجملة (حيّ على خير العمل) فهو: أنّ خير الأعمال الصلاة والدعوة إلى إتيانها، وهذا هو الفهم الأوّلي المتبادر للذهن.

و تدلّ عليه رواية الصدوق في علل الشرائع و عيون أخبار الرضا فيما رواه من العلل عن الإمام الرضا (عليه السلام)... فقال: أخبِرني عن الأذان، لِم أُمروا به؟ قال:

(لعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيراً للساهي، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لمن جهل الوقت...) إلى أن يقول: (فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان، فقدّم قبلها أربعاً: التكبيرتين والشهادتين، وأخّر بعدها أربعاً: يدعو إلى الفلاح حثاً على البر والصلاة، ثمّ دعا إلى خير العمل مرغّباً فيها وفي عملها وفي أدائها، ثمّ نادى بالتكبير والتهليل ليتمّ بعدها أربعاً...) (735) .

أما المعنى الباطني المكنون - الذي يعرفه أهل البيت ومن نزل في بيوتهم الكتاب والوحي - فهو ما رواه الصدوق في معاني الأخبار و علل الشرائع ، بإسناده عن محمّد بن مروان، عن الباقر (عليه السلام)، قال: (أتدري ما تفسير (حيّ على خير العمل)؟)

قال، قلت: لا.

____________________

(735) علل الشرائع: 259 الباب 182، عيون أخبار الرضا 2: 103.

٢٧٦

قال: (دعاك إلى البرّ، أتدري بِرُّ مَن؟)

قلت: لا.

قال: (دعاك إلى برِّ فاطمة وولْدِها) (736) .

وقال الحافظ العلوي: أخبرنا محمّد بن أحمد قراءة، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الوراق في كتابه، أخبرنا محمّد بن القاسم، حدّثنا حسن بن عبد الواحد، حدّثني حرب بن حسن، حدّثنا الحارث بن زياد - يعني الطحان - حدّثنا محمّد بن مروان، قال: سمعت أبا جعفر وسأله رجل عن تفسير الأذان قال، فقال له: اللَّه أكبر، قال: (فهو كما قال اللَّه أكبر من كلّ شي‏ء...) حتّى بلغ: حيّ على خير العمل، قال: (أمّا قوله: حيّ على خير العمل..) قال: (فأمرك بالبر، تدري برّ مَن؟) قال الرجل: لا. قال: (بر فاطمة وولدها) (737) .

وفي خبر آخر عن الصادق (عليه السلام): سئل عن معنى (حيّ على خير العمل). فقال: (خير العمل الولاية) (738) .

هذا وقد علّل الإمام الكاظم سببَ حذف عمر بن الخطاب لهذه العبارة من الأذان بسبيين: ظاهري وباطني. إذ روى الصدوق في كتاب علل الشرائع بسنده الحسن بل الصحيح عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن (الكاظم) عن (حيّ على خير العمل) لِمَ تركت من الأذان؟ قال: (تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟)

____________________

(736) معاني الأخبار: 42، علل الشرائع: 368 الباب 89، وعنهما في بحار الأنوار 81: 141.

(737) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي بتحقيق عزّان: 135 الحديث 169.

(738) التوحيد للصدوق: 241، وعنه في بحار الأنوار 81: 134.

٢٧٧

قلت: أريدهما جميعاً. فقال: (أمّا العلة الظاهرة فلئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة فإنّ (خير العمل) الولاية، فأراد مِن أمره بترك (حيّ على خير العمل) من الأذان أن لا يقع حثٌّ عليها ودعاءٌ إليه) (739) .

فما وجه الترابط بين الصلاة والدعوة إلى برّ فاطمة وولدها؟ بل ما يُعنى بمجي‏ء الولاية وبرّ فاطمة وولدها في الأذان للصلاة؟ وهل حقاً أنّ جملة (خير العمل) هي الولاية؟ أم أنّها: الصلاة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟.. وهل هناك تناف بين الرؤيتين؟ وهل يصح مضمون الرواية القائلة بأنّ عمر أراد من أمره بتركها أن لا يقع حثٌّ على الولاية ودعاءٌ إليها؟ أم هناك شي‏ء آخر؟ وما هي المقدّمات التي تساعدنا على تفهّم مقصود الإمام أبي الحسن الكاظم في علّة حذف عمر بن الخطاب لعبارة (حيّ على خير العمل)، بل بماذا تفسّر الشيعة هذه المقولة وما جاء عن أبي جعفر الباقر بـ(أن الإسلام بُني على خَمس: الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والولاية، ولم يُنادَ بشي‏ء كما نُودي بالولاية) (740) ؟ بل كيف تكون الولاية أهمّ من كلّ شي‏ء؟ وهل هي أهمّ من الشهادتين كذلك؟ ولماذا تُرجع الشيعة كلَّ شي‏ء إلى الولاية؟

إنّ أئمّة أهل البيت قد أجابوا عن هذه التساؤلات، وأنّ المعنيّ عندهم بـ (ما نُودي بشي‏ء كالولاية) وأمثالها لا يعني أنّها أهم من الشهادتين، بل إنّ أمر

____________________

(739) علل الشرائع: 368 العلة 89. وعنه في بحار الأنوار 81: 140.

(740) المحاسن 1: 445 - 446 باب الشرائع، والكافي 2: 18 باب دعائم الإسلام ح 1 و3 و8.

٢٧٨

الشهادتين مفروغ منه؛ لأن الإمام قال: (بني الإسلام على خمس) ومعناه: أنّ الإسلام المؤلّف من الشهادتين قد بني على خمس: الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، الولاية، وأن الولاية أفضلها، وما نودي بشي‏ء كالولاية؛ لكون الإمامة امتداداً للنبوّة، لا أنّها قبال النبوة والتوحيد - كما يصوّره البعض - فلا يمكن معرفة اللَّه إلّا بالنبي، ولا يمكن معرفة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) واللَّه (جَلَّ جلاله) معرفةً مقبولة صالحة إلّا بالإمام المفترض طاعته، وهذا ما وضّحته كتب الإمامية، وأشار إليه العلماء في كتبهم الكلامية.

إذ الاعتقاد بالإمامة لا يُترك بحال، فهي ليست كالصلاة والصوم والزكاة والحجّ التي قد يرخّص في تركها في ظروف خاصة؛ فالحائض مثلاً تترك الصلاة، والمريض معفوّ عن الصوم، والزكاةُ والحجّ ساقطان عن الفقير. أما الولاية، فهي واجبة على المكلّف سواء كان صاحياً أم مريضاً، وذا مال ومعسراً (741) و... لأنّها من الأصول التي يبتني عليها قوام الشريعة، وبها تقام الأحكام، وقد مرّ عليك كلام الإمام الزيدي يحيى بن الحسين - في كتابه الأحكام - عن الأذان، وأنّها من أصول الدين، إشعاراً منه بمكانة هذه الشعيرة وما تحمله من مفاهيم وأفكار.

فالأذان وإن كان من شعائر الدين، لكنّ فصوله تنطوي على أهم أصول الدين، والاعتقاد بالإمامة عندنا من أصول المذهب، وقد وضّح الإمام الباقر (عليه السلام)

____________________

(741) جاء في الخصال: 278 ح 21 باب الخمسة بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (بني الإسلام على خمس: أقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربع منها رخصة، ولم يجعل في الولاية رخصة. من لم يكن له مال لم تكن عليه الزكاة، ومن لم يكن له مال فليس عليه حج، ومن كان مريضاً صلى قاعداً وأفطر شهر رمضان، والولاية صحيحاً كان ومريضاً وذا مال ولا مال له فهي لازمة).

٢٧٩

مكانة الإمامة بين العبادات الخمس، وقد سأله عنها زرارة بقوله: وأيّ شي‏ء من ذلك أفضل؟ قال: (الولاية أفضل؛ لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ) إلى أن قال: (إنّ أفضل الأشياء ما أنت عليه إذا فاتَكَ لم يكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤدّيه...).

وعليه فمبحث الإمامة والولاية من المسائل المهمة والمختلف فيها بين المسلمين، بل من المسائل المتجذّرة في تاريخ الإسلام، وقد كتب فيها الأعلام مصنفات كثيرة ولا يسع هذه الدراسة الإحاطة بجوانبها، لكننا نكتفي بالإشارة إلى قليل من مجموع مئات الأدلّة المستدلّ بها على الإمامة، نأتي بها كي نوضّح معنى ومقصود الإمام الكاظم، وكيف: أنّ الولاية خير من الجهاد والصلاة وسواهما.

بعض أدلّة الولاية

وليكن الكلام أولاً عن آية المودّة؛ مفهومها ومعطياتها، وهل تعني المحبة كما يقولون أم تعني شيئاً أكثر من مجرّد المحبة؟ بل هل هناك اختلاف بين قوله: ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) وقوله: ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟ وعلى أيّ شي‏ء تدل هذه الآية الأخيرة بالتحديد؟ وهل يعقل أن يحصر شخصٌ رساليٌّ عظيم كرسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) أجرَ رسالته - الّتي ما أوذي نبي مثل ما أوذي (صلَّى الله عليه وآله) هو عليها - بحبّ أقربائه وعشيرته؟ وهل إنّ قرار الرسول هذا جاء لتحكيم أسرته وعشيرته وتقوية الروح القبلية والنزعة العشائرية التي كانت سائدة عند العرب في الجاهلية - والعياذ باللَّه -؟

٢٨٠