الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 39337
تحميل: 7135

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39337 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والمعسر، لأنّها مفتاحهنّ، وبأهل البيت تُعرف الأحكام، وتُقبل العبادات، و يُعبد اللَّه، فهم باب اللَّه الذي منه يُؤتى (وبالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفي‏ء والصدقات، و إمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف) (789) لأنّه الضمان الإلهي للشريعةَ. ونحن نعلم بأن الشريعة مرت بمرحلتين:

1 - التأسيس على يد الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله).

2 - الصيانة من الانحراف، وهو دور الأئمة المفترضي الطاعة، وهو ما كان يؤكّد عليه الرسول للأمة، يحذّرها من الابتعاد عنهم لأنّ ذلك سيؤدّي بهم إلى الضلال.

وقد كان النهج الحاكم في تعارض مع هذه الصفوة الطاهرة، فما من الصفوة إلّا مقتول أو مسموم، وقد ثبت في علم السياسة والاجتماع أنّ جميع الثورات الفكرية، إذا مات زعماؤها وتولّى إدارتها غير الأكفاء، انحرفت عن مسارها الذي اختطّه لها صاحبها. أمّا إذا واصل المسيرة الأكفاء الذين يختارهم صاحب الثورة والتغيير، فإنها تبقى حيّة نابضة، ولا تنحرف عن منهاجها الأصلي. هذا عن القسم الأوّل من السؤال.

أمّا ارتباط برّ فاطمة وولدها بالأذان والصلاة - كما في بعض الروايات - (790) فهو معنى تفسيري للجملة، ومن قبيل بيان المعاني المشكلة والمتشابهة أو الخفية والمجملة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، فالإمام قد يكون أراد بتوضيحه ذلك بيان ما هو المقصود في العلم الإلهي، وبيان ما حدث بعد وفاة رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) من عقوقٍ لفاطمة؛ فبعد إقصاء عليّ (عليه السلام) عن الخلافة - أي ترك الولاية التي هي خير

____________________

(789) انظر: الكافي 1: 224، كمال الدين وتمام النعمة: 677، معاني الأخبار: 97.

(790) كرواية معاني الأخبار: 42، وعلل الشرائع 2: 256.

٣٠١

العمل - عقّوا فاطمة فغصبوا منها فدك (791) ، وروّعوها، وهددوها بحرق دارها (792) حتّى ماتت غاضبة عليهم (793) . كما عقّوا ولْدها فمضوا مسمومين مقتولين مشرّدين. ولو تمسك القوم بالولاية التي هي خير العمل لبَرّوا فاطمة وولدها، ولما خرجت الخلافة من أهلها، ومن هنا نعلم أن تفسير الحيعلة الثالثة تارة بالولاية، وأخرى ببرّ فاطمة وولدها، إنّما هما وجهان لعملة واحدة، وعبارتان تدلان على معنى مشترك واحد، وهو أنّ محمّداً وعليّاً وأولادهم المعصومين هم خير البرية.

ولعلّ القارئ الكريم قد وقف على جذور هذا الأصل الديني من القرآن والعترة فيما وضّحناه سابقاً في البحوث التمهيدية، من أنّ تشر يع الأذان سماويٌّ، وهو يحمل في طياته سمات معنوية وأسراراً عالية، وأنّه بيان لأصول العقيدة وكليّات الإسلام، لأنّ الأذان ليس إعلاماً لوقت الصلاة فقط، بل إنّ آثاره تجري في عدة أمور، فهو بيان لما ابتنى عليه الدين الإسلامي من التوحيد والنبوة - والإمامة في نظر الإمامية -.

إنْ إكمال الدين و إتمام النعمة لا يكون إلّا بإمامة عليّ وولده، وهذا ما دلّلت

____________________

(791) انظر: شرح نهج البلاغة 16: 209 - 253 و17: 216، الاحتجاج 1: 267، الاختصاص: 183.

(792) جاء في تاريخ الطبري 3: 202 بسند معتبر، قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: واللَّه لأحرقنّ عليكم ولتخرجنّ إلى‏البيعة. وقد كانت فاطمة في البيت، فقالوا لعمر: إنّ في البيت فاطمة! قال: وإنْ (انظر الإمامة والسياسة 1: 12، أعلام النساء 4: 114).

(793) جاء في صحيح البخاري 2: 504 كتاب الخمس باب 837 باب فرض الخمس ح 1265 بسنده عن أم المؤمنين عائشة أنّها أخبرته: أن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) أن يقسم‏ لها ميراثها ما ترك رسول اللَّه ممّا أفاء اللَّه عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول اللَّه قال: لا نورث ما تركنا صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول اللَّه ستة أشهر.

٣٠٢

عليه الكتب الكلامية، ودلّت عليه الآيات الكريمة التي منها آية التطهير وآية الولاية: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ... ) وآية المباهلة، وسورة الدهر، وغيرها من عشرات الآيات والأحاديث - إن لم نقل المئات - دالّة عليه، وهذا ما يجب أن يعتقد به كلّ مسلم؛ إذ عرفتَ أنْ لا صلاة كاملة ومقبولة إلّا بولايتهم.

إنّ عبارة (حيّ على خير العمل) الدالة على الإمامة هي جزء من الأذان؛ لما تظافرت به روايات الإمامية الاثني عشرية، والزيدية، والإسماعيلية، ولوجودها حتّى في مصادر أهل السنّة، وقد أذّن بها كبار الصحابة، وحكي عن الإمام الشافعي والإمام مالك القول بجزئيتها، وسنزيد المسألة وضوحاً وجلاءً في الباب الثالث (أشهد أنّ عليّاً ولي اللَّه بين الشرعية والابتداع) من هذه الدراسة، ضمن بحثنا عن شرعية الشهادة الثالثة أو بدعيتها.

ما وراء حذف الحيعلة الثالثة

نصَّ التفتازاني والقوشجي وغيرهما على دافع الخليفة عمر بن الخطّاب إلى حذف هذا الفصل من الأذان، واتّفق الزيديّة والإسماعيليّة والإماميّة على ثبوت هذا الحذف عنه، في حين جرى التعتيم على هذه النقطة في أغلب كتب أهل السنّة، على الرغم من تأكيد كثير من النصوص التاريخيّة والحديثية المتناثرة في المصادر على حذف عمر لحيّ على خير العمل للدافع الذي أعلنه.

إنّ ما ذكر من تعليلٍ لحذف الحيعلة الثالثة قد يكون وجيهاً عند عمر بن الخطّاب؛ لانسجامه مع نفسيته ومنهجه في فهم النصوص، وللظروف التي كان يعيشها من غزوات وحروب وتوسيعٍ لرقعة الدولة، وهو ممّا يستوجب بالطبع جمع الطاقات وتوظيفها للغرض المنشود، وعدم السماح للمتقاعدين في التشبث بعلل قد

٣٠٣

تبعدهم عن الجهاد، من جملتها الاتكال على الصلاة أو الولاية باعتبارهما خير العمل.

لكنّ هذا السبب في منع عمر بن الخطاب ترد عليه عدة أمور:

أوّلها: إنّ الغزوات والحروب كانت أعظم وأكثر على عهد رسول اللَّه، وكانت ظروف انبثاق الدولة الإسلاميّة الفتيّة وبداية انطلاقها لنشر دين اللَّه أدعى إلى حذف هذه الحيعلة من قِبل رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) - لو صحّ هذا التعليل - من الظروف التالية التي عاشها الخليفة بعد استقرار أمور الدولة بشكلها الذي كانت عليه. فلماذا لم يحذف رسولُ اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) هذا الفصل وحذفها عمر (794) ؟!

إنّ هذا لَيثير تساؤلاً حول صحّة هذا التعليل الذي فسّر به عمر حذفه هذا، أو يومئ إلى وجود سبب آخر غير معلن في هذا السياق.

ثانيها: لو قبلنا التعليل السابق تنزّلاً لصحَّت مشروعية الحذف لفترة معينة، لا أنّه يكون تشريعاً لكلّ الأزمان، ذلك أن سريان المنع إلى يومنا هذا ربّما يشير إلى أمر آخر.

ثالثها: إنّ هذا التعليل من قبل الخليفة لا يتّفق مع ما جاء عن رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) من قوله: (اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة) وهو لا يتّفق أيضاً مع قوله (صلَّى الله عليه وآله) عن الصلاة: (إنّها عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها و إن رُدَّت رُدّ ما سواها)، فلو صحّ تعليل الخليفة وأنّه أراد أن لا يتّكل الناس على الصلاة و يَدَعُوا الجهاد، للزم

____________________

(794) وهذا التعليل والرد، ورد نظيرهما في إتمام عثمان للصلاة بمنى، بحجّة خوفه أن يظن الناس أنّ صلاة القصر هي المفروضة، فأجابه الصحابة بأن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) كان يقصر الصلاة وينبّه المسلمين على أنّ ذلك مخصوص بمنى. فلو صح تعليل عمر، لكان يمكنه أن يقر الحيعلة الثالثة في الأذان وينبّه المسلمين على ضرورة الجهاد، كما كان رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) يفعل ذلك. وهذا التشابه في أدوار الخليفتين الثاني والثالث يوقفك على مسار تيار الحكّام المجتهدين.

٣٠٤

من ذلك تخطئة كلّ النصوص الدالة على أنّ الصلاة خيرُ موضوع وخير الأعمال، وأنّها وسيلة لقبول الأعمال وردّها.

رابعاً: من المعلوم أنّ المسلمين صاروا بعد رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) نهجين: أحدهما: نهج الخلفاء، والآخر: نهج أهل البيت. وكان هؤلاء على تخالف في كثير من القضايا السياسية والفقهية، فلمّا منع عمر الحيعلة الثالثة نَسَبَ نهجُ الخلفاء إلى رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) المنعَ تأييداً للخليفة عمر بن الخطاب، حتّى إذا جاء الخلفاء اللاحقون منعوا هذا الفصل من الأذان واستقبحوه من الناس، ولأجله ترى انحسار الروايات الدالة على الحيعلة في كتب الجمهور، لكنّ الطالبيِّين أصرّوا على الإتيان بها على الرغم من هذا المنع.

وبذلك تحزّب أبناء السنّة والجماعة لمذهب عمر بن الخطاب وحكمّوا رأيه في مقابل موقف الإمام عليّ وأولاده الذين خالفوا هذا المنع وأصرّوا على الحيعلة الثالثة رغم كلّ الظروف والمشاكل، كما ستقف عليها لاحقاً.

خامساً: إنّ المطّلع على مجريات الأحداث في زمن رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) ثمّ مَن بعده يقف على حقيقة جلية، هي أنّ قريشاً لم تكن ترضى باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم، وكانت تطمع في الخلافة من بعده (صلَّى الله عليه وآله)، فكانوا يشترطون على رسول اللَّه أن يبايعوه بشرط أن يجعل لهم نصيباً في الخلافة من بعده، لكنّه (صلَّى الله عليه وآله) كان يقول: (إن الأمر للَّه يجعله حيث يشاء) (795) وليس الأمر بيدي.

وجاء عن ابن عباس: إن عمر بن الخطاب قال له في أوائل عهده بالخلافة: يا عبد اللَّه، عليك دماء البُدن إن كتَمتَنيها.... هل بقي في نفسه [ يعني عليّ بن أبي طالب ]

____________________

(795) انظر: حديث عامر بن صعصعة في سيرة ابن هشام 2: 289، وحديث قبيلة كندة في سيرة ابن كثير 2: 159، وهما يدلّان على ما نقوله.

٣٠٥

شي‏ء من أمر الخلافة؟

قلت: نعم.

قال: أيزعم أن رسول اللَّه نصَّ عليه؟

قلت: نعم. وأزيدك: سألتُ أبي عمّا يدّعيه، فقال: صَدَق.

قال عمر: لقد كان من رسول اللَّه في أمره ذَرْوٌ من قول لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً، وكان يَرْبَعُ في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام... فعلم رسول اللَّه أنّي علمت ما في نفسه فأمسك (796) .

وقال العيني في عمدة القاري: واختلف العلماء في الكتاب الذي هم بكتابته فقال الخطابي: يحتمل وجهين، احدهما أنه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفين (797) .

ولو جمعنا ما جاء عن ابن عباس، مع ما قاله عمر لرسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) عند مرضه - حينما قال (صلَّى الله عليه وآله): (ائتوني بدواة وقلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، فقال عمر: إنّ الرجل لَيَهجُر (798) - مع ما قاله رسول اللَّه لعمر لمّا أتاه بجوامع من التوراة: (والذي نفسُ محمّد بيده لو بدا لكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لَضللتُم) (799) ، مع قول رسول اللَّه في حديث الثقلين: (ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً)، لو جمعنا كل

____________________

(796) شرح ابن أبي الحديد 12: 21 وقال: ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب "تاريخ بغداد" في كتابه مسنداً.

(797) عمدة القارئ 2: 171.

(798) وفي نص البخاري: (إنّ الرجل قد غلب عليه الوجع)، وكلاهما إساءة للرسول المصطفى.

(799) سنن الدارمي 1: 115 باب ما يتقي من تفسير حديث النبي (صلَّى الله عليه وآله)، مسند أحمد 4: 266، المصنف لعبد الرزاق 6: 113 باب مسألة أهل الكتاب، أسد الغابة 3: 127.

٣٠٦

ذلك لوقفنا على حقائق مذهلة، ولعرفنا موقف النهج الحاكم بعد رسول اللَّه من أهل بيت الرسالة وموت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر (800) . ولعرفنا أيضاً مدى المفارقة بين ترك برّ فاطمة وترك الدعوة للولاية وبين تأكيدات الرسول على الاهتمام بالعترة تلويحاً وتصريحاً، مِن مِثل وقوفه (صلَّى الله عليه وآله) كلّ يوم - مدة ستة أشهر - على باب فاطمة بعد نزول آية التطهير يناديها للصلاة بقوله: (الصلاة الصلاة، إنّما يريد اللَّه ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّركم تطهيراً) (801) .

ومما يَحسُن بنا أن نتفطّن له هو أن هذا الموقف من رسول اللَّه إنّما يُنبئ عن وجود ترابط عميق بين بر فاطمة وولدها ومسألة الصلاة، وبمعنى آخر بين الولاية والعبادة، إذ أنّ وقوف الرسول المصطفى على باب فاطمة لمدة ستة أشهر لا يمكن تصوّره لغواً بأيّ حال من الأحوال؛ لأنّه (صلَّى الله عليه وآله) كان يقف داعياً المطهَّرين من عترته إلى الصلاة، مُعلِماً بوجود لون من التواشج بين الصلاة والعترة. ورسولُ اللَّه حلقةُ الوصل والربط بين ركيزة التوحيد (الصلاة، الصلاة) وبين الولاية (إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس...). ونلحظ في هذا النص: قول اللَّه (القران)، وفعل الرسول (الوقوف)، ونتيجة لزوم الاعتقاد بمنزلة العترة والقربى وأن مودتهما وطاعتهما عبادة منجية.

سادساً: إن الخلفاء المتأخّرين أيضاً أدركوا سرّ الحيعلة الثالثة فحرصوا أشدّ

____________________

(800) صحيح البخاري 5 - 6: 253، كتاب المغازي باب غزوة خيبر ح 704، صحيح‏مسلم 3: 1379، كتاب الجهاد باب قول النبي لا نورّث إنما تركناه صدقة، تاريخ المدينة لابن شبة 1: 197.

(801) مسند أحمد 3: 259، 285، سنن الترمذي 5: 351 ح 3205، كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة الأحزاب، المستدرك للحاكم 3: 158، مصنف ابن أبي شيبة 6: 391 ح 32262، كتاب الفضائل باب في فضل فاطمة (عليها السلام).

٣٠٧

الحرص على حذفها، ولم يرضوا بها ممن خطب لهم ولَبِسَ خِلَعَهم وانضوى تحت لوائهمَ، بل أصرّوا على ضرورة حذفها؛ لأنّها رمز يشير إلى بطلان حكوماتهم. وسيأتيك ذلك في الفصل الرابع لدى الكلام عن تاريخ الحيعلة في مكّة وحلب سنة 463 هـ. وحسبك منها ما كان من القائم بأمر اللَّه العباسي، حين أخبره نقيب النقباء أبو الفوارس طرّاد بأنّ محمود بن صالح خطب له بحلب ولبس الخلع القائمية، حيث قال له: أيّ شي‏ء تساوي خطبتهم وهم يؤذنون بـ (حيّ على خير العمل)!!

كلّ هذه النصوص تؤكّد أنّ المراد الأساسي من (خير العمل) هو بر فاطمة وولدها، والولاية والإمامة التي بها قوام الصلاة والصوم والزكاة والحجّ وسواها... لا شي‏ء آخر، فصار الخليفة - حسب كلام الإمام المعصوم، والاستقراء التاريخي - لا يرضى أن يقع (دعاء إليها وتحريض عليها)، لأن ذلك يعني التشكيك بشرعيّة خلافته وخلافة مَن قبله، وهو المعنيّ من كلامه (عليه السلام): (ما نودي بشي‏ء كالولاية).

وجاء في الغَيبة للنعماني عن عبد اللَّه بن سنان أنّه (عليه السلام) قال في معرض كلامه عن علامات ظهور القائم من آل محمّد (عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف): (وأنّه سيكون في السماء نداء: ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته).

قال (عليه السلام) فـ: ( ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ) على الحق وهو النداء الأوّل (802) ، و يرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرضُ واللَّهِ عداوتُنا) (803) .

ولو قرأنا تفسير الأئمّة لقوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) لعرفنا المنزلة العظيمة للولاية وسبب معاقبة عمر للقائل بها، لأنّ الكلم الطيّب لو كان قد صعد إليه سبحانه وتعالى بنفسه، فما معنى العمل الصالح يرفعه

____________________

(802) دون النداء الثاني الذي ينادي به إبليس لعنه اللَّه.

(803) الغيبة للنعماني 173 - 174 باب ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم.

٣٠٨

إذن؟!

روى الكليني بسنده إلى الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) قال: (ولايتنا أهل البيت - وأهوى بيده إلى صدره - فمن لم يتولّنا لم يرفع اللَّه له عمل) (804) .

وعن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) قال: (الكلم الطيب هو قول المؤمن: (لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عليّ ولي اللَّه وخليفة محمّد رسول اللَّه حقاً حقاً وخلفاؤه خلفاء اللَّه)، والعمل الصالح يرفعه، فهو دليله، وعمله اعتقاده الذي في قلبه بأنّ هذا الكلام صحيحٌ كما قلته بلساني) (805) .

وعن فاطمة الزهراء بنت محمّد، قالت: (قال رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله): لمّا عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني، فسمعت أذاناً مثنى مثنى، وإقامة وتراً وتراً، فسمعت منادياً ينادي: يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي اشهدوا أني لا إله إلّا أنا وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن محمّداً عبدى ورسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن عليّاً وليي وولي المؤمنين بعد رسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا...) (806) .

وبهذا يفضي بنا البحث إلى أنّ التعليل الحقيقي لمنع عمر بن الخطاب للحيعلة الثالثة هو اطلاعه على المقصود من عبارة (حيّ على خير العمل) في الأذان،

____________________

(804) الكافي 1: 340.

(805) تفسير الإمام العسكري 328 ح 184 وعنه في تأويل الآيات: 469 والنص عنه.

(806) تفسير فرات الكوفي: 342 في آخر تفسير سورة الأحزاب.

٣٠٩

ودلالتها على ولاية أهل البيت، لصرف الانتباه عنها، وذلك بكتمانها وحذفها، فمَنَعها تحت غطاء الحفاظ على كيان الدولة الإسلامية وتوسيع رقعتها بالجهاد، لكن الطالبيين قد أدركوا هذا الأمر وأصرّوا على الإتيان بها رغم كلّ الظروف الحالكة، وهذا ما ستقرأه بعد قليل إن شاء اللَّه تعالى.

ولذلك كان الإمام عليّ (عليه السلام) في أيّام خلافته يلمح و يشير إلى أنّ حذف (حيّ على خير العمل) كان جوراً عليه وعلى الإسلام، فكان إذا سمع مؤذّنه يقول (حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل) قال: (مرحباً بالقائلين عدلاً) (807) ، معرّضاً بمن رفعها، لأنّ عليّاً هو خير العمل وهو العدل الذي يدور مع القرآن حيثما دار ويدور معه القرآن أيضاً.

والذين ظنوا أنّ الصلاة تقتصر على شكلها الظاهري دون المحتوى الذي هو الطاعة (808) سعوا إلى ترسيخ فكرة أن هل البيت ومودتهم ليست خير العمل، فكان لحذفها من الأذان مغزى عرفه أهل البيت فأنكروا حذفها، كما عرفه مخالفوهم فأصروا على حذفها.

ومن خلال هذه الدلائل العديدة استبان لنا أنّ (خير العمل) كناية عن إمامة عليّ (عليه السلام) التي هي امتداد لنبوّة النبيّ، وامتداد للتوحيد، وهذا ما رواه الباقر والصادق عليهما السلام من أئمّة أهل البيت في قوله تعالى ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قالا: (هو: لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عليّ أمير المؤمنين وليّ اللَّه. إلى ها هنا

____________________

(807) الفقيه 1: 288/ ح 890.

(808) أي طاعة اللَّه وطاعة رسوله وطاعة وليّه، والأخيران منتزعان من الأولى، وقد مرّ عليك قوله (صلَّى الله عليه وآله): (من أطاعني فقد أطاع اللَّه ومن عصاني فقد عصى اللَّه، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني)، وقوله (صلَّى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني... فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللَّه جلّ وعلا).

٣١٠

التوحيد) (809) .

وقد سئل الشريف المرتضى: (هل يجب في الأذان بعد قول (حيّ على خير العمل) (محمّد وعلي خير البشر)؟ فأجاب قائلا: (إن قال: محمّد وعلي خير البشر - على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان - جاز) (810) .

وهذا يعني أنّ هذا التفسير لحي على خير العمل كان سائداً في لسان المتشرعة منذ زمن أهل البيت وحتّى يومنا هذا.

____________________

(809) تفسير القمّي 2: 155 عن الباقر، ونحوه عن الصادق (عليه السلام) في التوحيد وبصائر الدرجات.

ولا يخفى عليك أن للتوحيد مراتب، فهناك توحيد الربوبية، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد الطاعة، فإنه سبحانه وتعالى مع كونه: ( لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) - و ( هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )، و ( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، وهو الذي ( يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ، فإن هذا المعنى غيرُ معارَضٍ بمثل قوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ).

وإن قوله تعالى: ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) لا يعارض ما جاء من الشفاء بالقرآن في قوله تعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ ) ، وبالعسل: ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) .

وكذا قوله: ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) فإنه لا يعارض قوله: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) وإلى غيرها من عشرات الآيات.

فلا تخالُفَ إذاً بين نسبة الأفعال إلى اللَّه (جَلَّ جلاله) ونسبتها في الوقت نفسه إلى غيره، فلا يخالف قوله: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) مع قوله: ( وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ) وكلاهما من كلام الباري. ومن هنا تأتي مسألة التوحيد، فتوحيد الطاعة هو يعني لزوم إطاعة من أمر اللَّه بطاعته، ومن لا يطيع الرسول وأولي الأمر المفروض طاعتهم فإنه لم يطع اللَّه لقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) وهذا لا يخالف قوله: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) فطاعةُ مَن أمر اللَّه بطاعته هي طاعة للَّه، ومَن لم يطع اللَّه ورسوله ومَن أَمر اللَّه بطاعته لم يوحّد اللَّه تعالى حق توحيده.

وعليه فطاعة أحدهما جاء على وجه الاستقلال، والآخر على إنّه مظهر أمره سبحانه، وليس هذا بشرك ومغالاة كما يدّعون، بل هو عين الإيمان وكمال الدين.

(810) رسائل المرتضى 1: 279، مسألة 17، وجواهر الفقه لابن البَرَّاج: 257 مسألة 15.

٣١١

وقد أفتى القاضي ابن البرّاج باستحباب ذكر هذا التفسير، فقال: و يستحب لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند (حيّ على خير العمل): (آل محمّد خير البرية)، مرتين (811) .

وكون عليّ (عليه السلام) هو المراد من (حيّ على خير العمل)، والنبيّ من (حيّ على الفلاح)، وطاعة الرب وعبادته من (حيّ على الصلاة)، فيه من وجوه البلاغة ما لا يخفى، إذ فيه من أنواع البديع ما يسمّى بالتلميح، وهو أن يشار في الكلام إلى آية من القرآن أو حديث مشهور أو شعر مشهور أو مثل سائر أو قصة أو معنى معروف، من غير ذكر شي‏ء من ذلك صريحاً. وأحسنه وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى المقصود.

قال الطيبي في التبيان : (ومنه قوله تعالى: ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ) قال: جار اللَّه الزمخشري: قوله: ( وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ) فيه دلالة على ‏تفضيل محمّد (صلَّى الله عليه وآله) وهو خاتم الأنبياء، وأنّ أمته خير الأمم، لأنّ‏ ذلك مكتوب في الزبور، قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) ، قال: وهو محمّد (صلَّى الله عليه وآله) وأمته) (812) .

فهنا ألمح اللَّه سبحانه وتعالى لعباده بأن الصلاة له لا لغيره، وأنّ الفلاح الذي

____________________

(811) المهذب لابن البَرَّاج 1: 90 باب الأذان والإقامة وأحكامهما.

(812) أنوار الربيع 4: 266. ومن هذا الباب تلميح أبي العلاء المعري للشريف المرتضى بقصيدة المتنبي:

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ

......................................

انظر: أنوار الربيع 4: 292 - 293. هذا وقد أخذ الطيبي والزمخشري هذا عن تفسير النسفي 2: 290 سورة الإسراء.

٣١٢

قامت به الصلاة هو اتِّباع رسول اللَّه محمّد (صلَّى الله عليه وآله)، لا الاجتهاد مقابل النص، وأن خير العمل هو الإيمان بالإمامة والولاية لعلي (عليه السلام) التي هي امتداد للنبوة والتوحيد، وبها قوام العبادات التي عمودها الصلاة.

وهناك عشرات، إن لم تكن مئات الأدلّة، على أنّ خير العمل ولاية عليّ، وأن ضربته يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وأنّ الأعمال لا تُقبل إلّا بولايته، ومعانٍ أخرى متّصلة بهذا الموضوع. وقولنا في الأذان (حيّ على خير العمل) فيه تلميح لكل تلك المعاني التي صدع بها رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) في حق عليّ بن أبي طالب (سلام اللَّه عليه).

والواقع أن كون أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب هو خير البشر بعد رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) إنّما هو معنىً قرآني نطقت به آية من سورة (البيّنة) المباركة، وصرّح به النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في تفسير الآية، وتداولته المصادر السنيّة، وكان هذا المعنى ممّا آمن به كبار من الصحابة المعروفين، حتّى صار في عهد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) جزءً من الثقافة الإيمانيّة القرآنية السائدة.

فقد روى الطبري بإسناده عن محمّد بن عليّ الباقر لما نزل قوله تعالى ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال النبيّ: (أنت يا عليّ وشيعتك) (813) .

والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب بإسناده عن جابر بن عبد اللَّه مرفوعاً عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قال: (عليّ خير البشر من شك فيه فقد كفر) (814) .

وغيرها من عشرات الطرق والأسانيد عن الصحابة والتابعين.

____________________

(813) تفسير الطبري 30: 264، ورواه السيوطي في الدر المنثور 6: 379، والحسكاني في شواهد التنزيل 2: 459 - 473 ح 1125 - 1148 بأسانيد وطرق كثيرة.

(814) الفردوس 3: 62 ح 4175، وانظر ترجمة الإمام عليّ لابن عساكر 2: 457 ح 989 بإسناده عن عائشة.

٣١٣

وبعد كلّ هذا تعلم أنّ قول: (محمّد وآل محمّد خير البرية) أو (محمّد وعليّ خير البشر) عند الحيعلة الثالثة أو بعدها إنّما هو توضيح لمعناها الذي حاول الحكام كتمه، وأن هذا التوضيح والتفسير ما هو إلّا استلهام من نصوص القرآن والسنّة، وسيرٌ على الخطوات الصحيحة التي رسمها رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) لأمته.

وستعلم بما لا مزيد عليه - في الباب الثالث من هذه الدراسة (أشهد أن عليّاً ولي اللَّه: بين الشرعية والابتداع) - أن إتيان الأئمّة وأتباعهم بهذه العبارات ما هو إلّا تفسير لمعنى الحيعلة الثالثة، وهو من قبيل الإتيان بتفسير بعض الآيات تفسيراً مرتبطاً بنصّ الآية ونسقها، وهذا النوع من التفسير ممّا تحفل به كتب الفريقين بلا أدنى ريب (815) ، وهو التفسير المقبول الذي اصطلح على تسميته البعض

____________________

(815) انظر: قراءه عائشة، وحفصة، وأم سلمة للآية: ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) هكذا: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للَّه قانتين).

وحديث عائشة موجود في صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة العصر، وسنن الترمذي، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، وسنن النسائي، كتاب الصلاة، باب المحافظة على صلاة العصر، وموطأ مالك، كتاب الصلاة، باب صلاة الوسطى، وتفسير الآية في الدر المنثور 1: 302 و303، وفي فتح الباري 9: 265، ومسند أحمد 6: 73 و878 منه.

أما حديث حفصة فانظر فيه: موطأ مالك / كتاب الصلاة / باب الصلاة الوسطى، ومصنف عبد الرزاق / كتاب‏الطهارة / باب صلاة الوسطى ح 2202، وتفسير الطبري 2: 343، والدر المنثور 1: 302، والمصاحف لابن أبي داود: 85 - 86.

أما حديث أُم سلمة، فانظر فيه: الدر المنثور 1: 303، والمصاحف لابن أبي داود: 87.

وقد قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبيّ بن كعب وعلي بن أبي طالب قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) إلَى أجَلٍ مُسَمَّى .

وانظر: قراءة ابن عباس في المعجم الكبير 10: 320، والسنن الكبرى 7: 205، والمستدرك للحاكم 2: 305، والجامع لإحكام القرآن للقرطبي 5: 130، والكشاف 1: 519.

وفي قراءة ابن مسعود. انظر نيل الأوطار 6: 274، وشرح النووي على صحيح مسلم

=

٣١٤

بـ (التفسير السِّياقي) .

____________________

=

6: 118.

وفي قراءة أبي بن كعب. انظر جامع البيان للطبري 5: 19، والدر المنثور 2: 139. وهي قراءة علي كذلك.

٣١٥

الفصل الرابع:

حيّ على خير العمل

تاريخها العقائدي والسياسي

٣١٦

٣١٧

قد يقترح البعض ضرورة إكثارنا من ذكر مصادر أهل السنة والجماعة حين الكلام عن جزئية (حيّ على خير العمل) وعدم الاكتفاء بما نقلناه، بل عدم استساغة ما روته طرق الشيعة الإمامية الاثني عشرية والزيدية والإسماعيلية وبعض علماء أهل السنّة عن أهل البيت والصحابة، بزعم أنّ ذلك ليس ملزِماً للآخرين.

هذا الكلام قد يكون له مساغ لو ضربنا بمعطيات التاريخ عرض الجدار؛ إذ الموقف تجاه المتغيّرات في التاريخ والحديث، وما فعلته ريشة الحكام بالنصوص والموازين، وخنقهم لكلّ ما هو أصيل مما لا يعجبهم، وخصوصاً بعد أن اتّضح لنا دور الأمويين في التحريف والتعتيم، كلّ ذلك يدلّك على سرّ انحسار مثل نصوص الحيعلة الثالثة في مدرسة الخلفاء.

بل إن تصريح الإمام الباقر والإمام زيد وغيرهما بأن عمر بن الخطاب كان وراء رفع (حيّ على خير العمل)، إنّما ينم عن الظروف القاسية العصيبة التي جعلت المعاجم الحديثية السنية تكاد تخلو من أمثال هذه الأحاديث رغم ثبوتها على عهد رسول اللَّه؛ فرأينا أنّه لا محيص من الرجوع إلى التاريخ، للوقوف على مجريات

٣١٨

الأحداث، ومنها الوقوف على صحّة وأصالة ما قالته الشيعة وما جاء في الروايات اليتيمة في كتب الفقه والحديث عند أهل السنّة والجماعة، ومن خلال عرضنا للمسألة من وجهة نظر تاريخية سيقف القارئ على جواب القول السابق وأمثاله.

إنّ ثبوت (حيّ على خير العمل) لم يقتصر على العلويين - حسنيين كانوا أم حسينيين - بل تعدّاهم إلى بعض أهل السنة والجماعة، وقد مرّ عليك ما كان بأيديهم من بقايا هذا الأذان الأصيل.

ومن المعلوم أنّ المسلمين انقسموا بعد وفاة رسول اللَّه إلى نهجين:

الأوّل: نهج الصحابة.

و الثاني: نهج أهل البيت .

وعُرف النهجان بالتخالف فيما بينهما في كثير من المسائل، بحيث تجاوز حدَّ النزاع حول الإمامة والخلافة ليشمل كافّة مجالات الشريعة وأحكامها.

وبمعنى آخر: إنّ الخلاف الحاصل بين النهجين قد تجاوز الصعيد السياسيّ ليشمل أصعدة أخرى فكريّة وعقائدية واجتماعية. وفي حال اعتبار مصدر تشريع الأحكام في الفقه من الأُمور المهمّة والحسّاسة جدّاً، فلا عجب أن ترى بين قادة النهجين أحكاماً فقهيّة متضادّة، قد تصل إلى حدّ التناقض في المسألة الواحدة، فتجد ما يقوله عمر بن الخطاب يخالف ما يقوله عليّ بن أبي طالب تماماً، فعلى الرغم من التزام وتعبّد عليّ (عليه السلام) بمنهج رسول اللَّه في جواز المتعة مثلاً، ترى اجتهاد عمر شاخصاً أمامك في قبال شريعة رسول اللَّه، محرّما للمتعتين، قائلاً: (أنا أُحرمهما وأُعاقب عليهما).

لقد أخذ أهلُ السنّة الكثيرَ من فقههم من مجتهدي الصحابة الأوائل، وخصوصاً الخلفاء، وانتهجوا سيرة الشيخين، ولهذا فإنّ الكثير من موارد المنع في فقه أهل

٣١٩

السنّة والجماعة يرجع أساساً إلى سنّه عمر بن الخطاب وغيره من مجتهدي الصحابة. وقد تمحّل له علماء هذا النهج فحملوا كلّ ما لا يرتضونه من الروايات والأحكام المغايرة لاجتهادات السلف على النسخ والوضع. ولكي يضفوا صبغة شرعية على تلك الأحكام تراهم ينسبون روايات إلى رسول اللَّه تؤيّد ما ذهبوا إليه.

و إيماناً منا بضرورة دراسة ملابسات مثل هذه الأمور في الشريعة ورفع الستار عنها، خصصنا هذا الفصل كي نؤكّد على أن الصراع حول جزئية (حيّ على خير العمل) بين الطالبيين والنهج الحاكم، له جذوره وأصوله العقائدية والتاريخية، ولم يكن صراعاً سياسياً بحتاً، وهذا إن دّل على شي‏ء فإنما يدّل على عمق الخلاف بين الفريقين. إذ إنّ استمرار الصراع العقائدي السياسي لمدة طويلة من الزمن ينبئ عن وجود أصل شرعي مُختلَف فيه عندهم.

ولمّا كان النهج الحاكم - على مرّ العصور - يدعو إلى (الصلاة خير من النوم) تبعاً للخليفة الثاني والأمويين من بعده، ولمّا كان الطالبيون لا يؤمنون بشرعية هذا الجزء، فمن المؤكد أن يكون عدم إتيان الحفّاظ والمحدّثين بما يدل على شرعيّة (حيّ على خير العمل) في الصحاح والسنن قد كان خاضعاً لأمور سياسية.

إنّ الطالبيّين قد وقفوا أمام مثل هذه الهجمات بكلِّ قوّة، وبذلوا كلّ ما يمكنهم في التعبير عن عدم الرضوخ أمام تغيير السنّة، وقد كلّفهم ذلك الكثير الكثير، وتحمّلوا المصاعب العظام من أجل الحفاظ على سنّة رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) ومنها الإتيان بـ (حيّ على خير العمل) في أذانهم. وقد جرت بين الطرفين مناوشات كلامية اتّهم فيها كلّ طرف منهما الآخر بالانحراف والبدعة، محافظاً على شعاريته، ورافضاً شعارية الطرف الآخر بكل عنف.

٣٢٠