الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 39338
تحميل: 7135

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39338 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فنودي من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أرسلتُ محمّداً رسولاً.

قال (صلّى الله عليه وآله): فقال المَلَك: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة؛ فنودي من وراء الحجاب: صدق عبدي، ودعا إلى عبادتي.

قال (صلّى الله عليه وآله): فقال المَلَك: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فنودي من وراء الحجاب: صدق عبدي، ودعا إلى عبادتي، فقال الملك: قد أفلحَ مَن واظب عليها.

قال (صلّى الله عليه وآله): فيومئذٍ أكمل اللَّه عزَّ وجلَّ لي الشرف على الأوّلين والآخر ين) (54) .

الإمام الحسن بن عليّ‏ (عليه السلام) (ت 50 هـ):

عن سفيان بن الليل، قال: لمّا كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان، قَدِمتُ عليه المدينةَ وهو جالس في أصحابه، فذكر الحديث بطوله، فقال: فتذاكرنا عنده الأذان، فقال بعضنا: إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبد اللَّه بن ز يد.

فقال له الحسن بن عليّ: (إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك، أذّنَ جبرئيل في السماء مَثْنى مَثْنى وعلَّمه رسولَ اللَّه، وأقام مرّة مرّة فعلَّمه رسولَ اللَّه)، فأذَّن به الحسن حتّى ولّى (55) .

____________________

(54) صحيفة الرضا (صلَّى الله عليه وآله) 65 - 66 ح 115، وعنه في بحار الأنوار 81: 151. وانظر الإيضاح للقاضي نعمان ص 106 المطبوع في (ميراث حديث شيعه) دفتر دهم وكذا راب الصدع 1: 196. وقد مرّ عليك قبل قليل في صفحة 37 ما أخرجه البزّار (انظر: نصب الراية 1: 260).

(55) نصب الراية 1: 261، عن المستدرك للحاكم 3: 171 كتاب معرفة الصحابة، باختلاف يسير.

٤١

الإمام الحسين بن عليّ‏ (عليه السلام) (ت 61 هـ):

جاء في الجعفريّات : أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ: (أنَّه سئل عن الأذان وما يقول الناس [فيه]، قال: الوحيُ ينزل على نبيّكم، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبد اللَّه بن زيد؟! بل سمعتُ أبي عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أَهبَطَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ مَلَكاً حين عُرِج برسول اللَّه فأذَّن مَثْنى مَثْنى، وأقام مَثْنى مَثْنى، ثمّ قال له جبرئيل: يا محمَّد! هكذا أذان الصلاة) (56) .

وفي دعائم الإسلام - وهو من كتب الإسماعيليّة -: روينا عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن عليّ: أنّه سئل عن قول الناس في الأذان، إنَّ السبب كان فيه رؤيا رآها عبد اللَّه بن زيد فأخبر بها النبيَّ (صلّى الله عليه وآله)، فأمر بالأذان! فقال الحسين (عليه السلام): (الوحيُ يتنزَّل على نبيّكم، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبد اللَّه بن زيد؟! والأذان وجه دينكم!)، وغضب (عليه السلام) ثمّ قال: (بل سمعتُ أبي عليّ بن أبي طالب يقول: أهبَطَ اللَّهُ عزّ وجلّ مَلَكاً حين عرج برسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) (وذكر حديث الإسراء بطوله، اختصرناه نحن ها هنا) قال فيه: (وبعث ملكاً لم يُرَ في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذَّن مَثْنى وأقام مَثْنى)، وذكر كيفيّة الأذان (وقال جبرئيل للنبيّ (صلّى الله عليه وآله): يا محمّد! هكذا أذِّن للصلاة) (57) .

____________________

(56) الجعفريّات: 42، مستدرك الوسائل 4: 17. وفي الإيضاح للقاضي نعمان المطبوع في (ميراث دين شيعه) دفتر دهم ص: 105 في الكتب الجعفرية من رواية أبي علي محمد بن الأشعث الكوفي عن ابن الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده أبي عبد اللَّه جعفر بن محمد عن جده علي بن الحسين...

(57) دعائم الإسلام 1: 142 للقاضي نعمان ذكر الأذان والإقامة.

٤٢

محمّد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفيّة) (ت 93 - 73 هـ):

عن أبي العلاء، قال: قلت لمحمّد بن الحنفيّة: إنّا لَنتحدّث: أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.

قال: ففزع لذلك محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً، وقال: عَمَدتُم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام؟!

قال: فقلتُ (له): هذا الحديث قد استفاض في الناس!

قال: (هذا واللَّه هو الباطل). ثمّ قال: وإنّما أخبرني أبي: (أنَّ جبرئيل (عليه السلام) أذَّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام، ثمّ أعاد جبرئيل الأذان لمّا عرج بالنبيّ إلى السماء...) (58) .

وفي معاني الأخبار : عن عليّ بن عبد اللَّه الورّاق، وعليّ بن محمّد بن الحسن القزويني، قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، قال: حدّثنا العبّاس بن سعيد الأزرق، قال: حدّثنا أبو نصر، عن عيسى بن مهران، عن يحيى بن الحسن بن الفرات، عن حمّاد بن يعلى، عن عليّ بن الحزور، عن الأصبغ بن نُباتة، عن محمّد بن الحنفيّة أنَّه ذُكِرَ عنده الأذان فقال:

(لمّا أُسري بالنبيِّ إلى السماء، وتناهز إلى السماء السادسة، نزل مَلَكٌ من السماء السابعة لم ينزل قبل ذلك اليوم قطّ، فقال: اللَّهُ أكبر، اللَّهُ أكبر؛ فقال اللَّه جَلَّ جلاله: أنا كذلك.

____________________

(58) السيرة الحلبيّة 2: 300 - 301، أمالي أحمد بن عيسى بن زيد 1: 90، وعنه في الاعتصام بحبل اللَّه 1: 277. والإيضاح للقاضي نعمان بن محمد بن حيون المتوفَّى 363 ص 106 والمطبوع في (ميراث حديث شيعه) دفتر دهم.

٤٣

فقال: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، فقال اللَّه عزّ وجلّ: أنا كذلك، لا إله إلَّا أنا.

فقال: أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، فقال اللَّه جلَّ جلاله: عبدي وأميني على خلقي، اصطفيته على عبادي برسالاتي.

ثمّ قال: حيّ على الصلاة، فقال اللَّه جلَّ جلاله: فرضتها على عبادي وجعلتها لي دِيناً.

ثمّ قال: حيّ على الفلاح، فقال اللَّه جلَّ جلاله: أفلح مَن مشى إليها وواظب عليها ابتغاء وجهي.

ثمّ قال: حيّ على خير العمل، فقال اللَّهُ جلَّ جلاله: هي أفضل الأعمال وأزكاها عندي.

ثمّ قال: قد قامت الصلاة، فتقدَّم النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) فأمَّ أهلَ السماء، فَمِن يومئذٍ تمَّ شرف النبيّ (صلّى الله عليه وآله)) (59) .

وقد جاء ما يماثل هذا في طرق الزيدية.

وأخرجه الحافظ العلوي في الأذان بحيّ على خير العمل ، فقال: حدّثنا أبو القاسم الحفص بن محمّد بن أبي عابد قراءةً، حدّثنا زيد بن محمّد بن جعفر العامري، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان، حدّثنا أبي، حدّثنا نصر بن مزاحم المنقري، حدّثنا أيّوب بن سليمان الفزاري، عن عليّ بن جردل، عن محمّد بن بشر، قال: جاء رجل إلى محمّد بن الحنفية فقال له: بلغنا أن الأذان إنّما هو رؤيا رآها رجل من الأنصار فقصّها على رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، فأمر بلالاً فأذّن تلك الرؤيا!

فقال له محمّد بن الحنفية: إنّما يقول بهذا الجاهلُ من الناس، إن أمر الأذان أعظم من ذلك.. إنّه لمّا أسري برسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) فانتُهي به إلى السماء السادسة جمع اللَّهُ له ما

____________________

(59) معاني الأخبار، للصدوق: 42 ح 4، وعنه في بحار الأنوار 81: 141.

٤٤

شاء من الرسل والملائكة، فنزل مَلَك لم ينزل قبل ذلك اليوم، عرفت الملائكة أنّه لم ينزل إلّا لأمر عظيم، فكان أوّل ما تكلّم به حين نزل، قال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال اللَّه عزّ وجلّ: أنا كذلك، أنا الأكبر لا شي‏ء أكبر مّني.

ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، فقال اللَّه: أنا كذلك لا إله إِلّا أنا.

ثمّ قال: أشهد أن محمّداً رسول اللَّه، فقال اللَّه: نعم، هو رسولي بعثته برسالتي وائتمنته على وحيي.

ثمّ قال: حيّ على الصلاة، فقال اللَّه: أنا افترضتها على عبادي وجعلتها لي رضا.

ثمّ قال: حيّ على الفلاح، فقال اللَّه: قد أفلح من مشى إليها وواظب عليها ابتغاء وجهي.

ثمّ قال: حيّ على خير العمل، فقال اللَّه: هي أزكى الأعمال عندي وأحبها إليَّ.

ثمّ قال: قد قامت الصلاة، فقام رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) ومن كان عنده من الرسل والملائكة. وكان المَلَك يؤذّن مَثْنى مَثْنى، وآخِر أذانه و إقامته: لا إله إلّا اللَّه. وهو الذي ذكر اللَّه في كتابه: ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) .

قال محمّد بن الحنفية: فتَمّ له يومئذٍ شرفُه على الخلق. ثمّ نزل فأمر أن يؤذَّن بذلك الأذان (60) .

الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (‏عليه السلام) (ت 94 هـ) وابنه زيد:

عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ: (أنَّ رسول اللَّه عُلِّمَ الأذان ليلة المسرى، وبه فُرِضَت عليه) (61) .

وقال الإمام الهادي باللَّه - من أئمّة الزيديّة - في كتابه الأحكام : (قال يحيى بن الحسين (رضي اللَّه عنه): والأذان فأصلُه أنَّ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) عُلِّمَه ليلةَ المسرى، أرسل

____________________

(60) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي 19 - 18. وبتحقيق عزّان 58. الإيضاح للقاضي نعمان: 107.

(61) كنز العمّال 12: 350/ 35354، عن (ابن مردويه).

٤٥

اللَّهُ إليه مَلَكاً فعلَّمه إيّاه.

فأمّا ما يقول به الجهّال مِن أنّه رؤيا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) فأمَرَه أن يُعَلِّمه بلالاً، فهذا من القول محالٌ لا تقبله العقول؛ لأنَّ الأذان من أُصولِ الدين، وأُصولُ الدين لا يعلمها رسول اللَّه على لسان بشر من العالمين) (62) .

الإمام محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) (ت 114 هـ):

جاء في الكافي و التهذيب و الاستبصار - والنصّ للأخيرينِ - بإسناد الشيخ الطوسي عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن السنديّ، عن ابن أبي عُمير، عن ابن أُذينة، عن زُرارة والفُضيل بن يسار، عن أبي جعفر [الباقر] (عليه السلام)، قال:

(لمّا أُسري برسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة، فأذَّن جبرئيل وأقام، فتقدَّم رسول اللَّه، وصفَّ الملائكة والنبيّون خلف رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)).

قال: فقلنا له: كيف أذّن؟

فقال: (اللَّهُ أكبر، اللَّهُ أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، اللَّهُ أكبر، اللَّهُ أكبر، لا إله إلَّا اللَّه، لا إله إلَّا اللَّه. والإقامة مثلها إلَّا أنَّ فيها: (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) بيْنَ: (حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل)، وبين: (اللَّهُ أكبر اللَّهُ أكبر)، فأمر بها رسولُ اللَّه بلالاً، فلم يَزَل يؤذِّن بها حتّى قَبض اللَّهُ رسولَه (صلّى الله عليه وآله)) (63) .

____________________

(62) الأحكام، للإمام الهادي باللَّه الزيديّ 1: 84.

(63) الكافي 3: 302/ 1 وفيه صدر الحديث، التهذيب 2: 60/ 210، الاستبصار 1: 305/ باب

=

٤٦

وفي الكافي : بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ وأبي منصور، عن أبي الربيع، قال: (حَجَجنا مع أبي جعفر [الباقر] (عليه السلام) في السنة التي كان حجّ فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عبد اللَّه بن عمر بن الخطّاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر (عليه السلام) في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال: يا أمير المؤمنين، مَن هذا الذي قد تَداكَّ عليه الناس؟!

فقال: هذا نبيُّ أهل الكوفة، هذا محمّد بن عليّ!

قال: أشهد لَآتينّه ولأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ.

قال: فاذهب إليه وسَله لعلكّ تُخجِلُه!

فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ثمّ أشرف على أبي جعفر، فقال: يا محمّد بن عليّ! إني قرأت التوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، وقد عرفتُ حلالها وحرامها، وقد جئت أسألُك عن مسائل...

[ومنها]: من الذي سأل محمّدٌ (64) وكان بينه وبين عيسى خمسمئة سنة؟

قال: فتلا أبو جعفر (عليه السلام) (هذه الآية: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا ) (65) ، فكان من الآيات التي أراها اللَّه تبارك وتعالى محمّداً حيث أسري به إلى بيت المقدس أن حشر اللَّه الأوّلين والآخر ين من النبيّين والمرسلين، ثمّ أمر جبرئيل فأذَّن شفعاً،

____________________

=

عدد فصول الأذان ح 3.

(64) في قوله تعالى: (وَسَئَل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبِلْكَ مِن رُسُلِنَاَ) الزخرف: 45.

(65) الإسراء: 1.

٤٧

وأقام شفعاً، وقال في أذانه: حيّ على خير العمل، ثمّ تقدّم محمّدٌ وصلَّى بالقوم) (66) .

وجاء في كتاب الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي: أخبرنا عبد اللَّه بن مخالد (67) ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، حدّثنا محمّد بن عمرو بن عثمان، حدّثنا محمّد بن سنان، حدّثنا عمّار بن مروان، عن المنتخل (68) ، عن جابر قال: سألت أبا جعفر عن الأذان: كيف كان بدؤه؟ قال: (إن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) لما أُسري به إلى السماء، نزل إليه جبريل، ومعه محملة من محامل الربّ عزّ وجلّ، فحمل عليها رسولَ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) إلى السماء، فأذّن جبريل، فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، أشهد أن محمّداً رسول اللَّه، [أشهد أن محمّداً رسول اللَّه]، حيّ على الصلاة، [حيّ على الصلاة]، حيّ على الفلاح، [حيّ على الفلاح]، حيّ على خير العمل، [حيّ على خير العمل]) وذكر الحديث (69) .

وفي كتاب الاعتصام بحبل اللَّه :.. وروى محمّد بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: (من جهالة هذه الأمّة أن يزعموا أن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) إنّما علم الأذان من رؤيا رآها رجل، وكذبوا واللَّه. لمَّا أراد اللَّه أن يعلّم نبيّه الأذان جاءه جبريل (عليه السلام) بالبُراق..)وذكر الحديث بطوله (70) .

ثمّ قال بعد ذلك:... وفي الشفا للأمير الحسن، روى الباقر محمّد بن عليّ السجّاد

____________________

(66) الكافي 8: 120/ 93 وعنه في بحار الأنوار 81: 136، وسائل الشيعة 5: 414، الاحتجاج 2: 60.

(67) في تحقيق عزّان: مجالد البجلي، وكذا في الاعتصام 1: 306.

(68) في تحقيق عزّان: المنخل. وفي الاعتصام 1: 306 (المنتحل).

(69) الأذان بحيّ على خير العمل، للحافظ العلوي: 82، بتحقيق الفضيل، وانظر: ص 21 و28 من الكتاب نفسه وبتحقيق عزّان 60. والاعتصام بحبل اللَّه 1: 286. والزيادات من الاعتصام 1: 306.

(70) الاعتصام بحبل اللَّه 1: 277.

٤٨

بن الحسين السبط الشهيد بن عليّ الوصيّ، والقاسم بن إبراهيم والهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين الحافظ، والناصر للحقّ الحسن بن عليّ: أن اللَّه عَلَّمه رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) ليلة أُسرِيَ به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ أمر اللَّه مَلَكاً من ملائكته فعلّمه الأذان (71) .

الإمام جعفر بن محمّد الصادق‏ (عليه السلام) (ت 148 هـ):

روى الكلينيّ بسنده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن حمّاد، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللَّه [الصادق] (عليه السلام)، قال: (لمّا هبط جبرئيل بالأذان على رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) كان رأسه في حِجر عليّ (عليه السلام)، فأذَّن جبرئيل وأقام، فلمّا انتبه رسول اللَّه، قال: يا عليّ! سمعت؟

قال: نعم.

قال: حفظت؟

قال: نعم.

قال: ادعُ بلالاً فعلِّمْه. فدعا عليّ بلالاً فعلَّمَه) (72) .

وفي تفسير العيّاشيّ عن عبد الصمد بن بشير، قال: ذُكِر عند أبي عبد اللَّه بدء

____________________

(71) الاعتصام بحبل اللَّه 1: 278.

(72) الكافي 3: 302/ 2، التهذيب 2: 277/ 1099 مثله، ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه 1: 183/ 865 بإسناده عن منصور بن حازم، ولا يخفى عليك بأن هذا النص لا يخالف ما ثبت عند أهل البيت وبعض أهل السنة والجماعة من كون تشريع الأذان كان في الإسراء والمعراج، لأن التأذين في المعراج هو في مرحلة الثبوت، أما التأذين في الأرض فهو في مرحلة الإثبات، وسيتضح معنى كلامنا هذا أكثر في الباب الثالث من هذه الدراسة (اشهد أن عليّاً ولي اللَّه، بين الشرعية والابتداع) فانتظر.

٤٩

الأذان، فقال: إنَّ رجلاً مِن الأنصار رأى في منامه الأذان، فقصَّه على رسول اللَّه فأمره الرسول أن يعلّمه بلالاً.

فقال أبو عبد اللَّه: (كذبوا؛ إنَّ رسول اللَّه كان نائماً في ظِلّ الكعبة، فأتاه جبرئيل ومعه طاس فيه ماء مِن الجنّة فأيقظه، وأمره أن يغتسل به، ثمّ وضع في محمل له ألف ألف لون مِن نور، ثمّ صعد به حتّى انتهى إلى أبواب السماء، فلمّا رأته الملائكة نَفَرت عن أبواب السماء، وقالت: إلهانِ! إلهٌ في الأرض، و إله في السماء؟!

فأمر اللَّهُ جبرئيلَ، فقال: اللَّهُ أكبر، اللَّهُ أكبر، فتراجعت الملائكة عن أبواب السماء، فقالت: إلهانِ! إله في الأرض و إله في السماء؟!

فقال جبرئيل: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه،، فتراجعت الملائكة وعَلِمتْ أنّه مخلوق.

ثمّ فتح الباب فدخل ومَرَّ حتّى انتهى إلى السماء الثالثة، فنَفَرت الملائكة عن أبواب السماء، فقال جبرئيل: أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، فتراجعت الملائكة، وفتح الباب ومَرَّ النبيُّ حتّى انتهى إلى السماء الرابعة...

- إلى أن قال -:... فلمّا فرغ من مناجاة ربّه رُدّ إلى البيت المعمور وهو في السماء السابعة بحذاء الكعبة، قال: فجمع له النبيّين والمرسلين والملائكة، ثمّ أمر جبرئيل فأتمَّ الأذان وأقام الصلاة، وتقدّم رسول اللَّه فصلّى بهم، فلمّا فرغ التفت إليهم فقال اللَّه له: ( فَسْئَلِ الَّذيِنَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ

٥٠

مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (73) ، فسألهم يومئذٍ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، ثمّ نزل ومعه صحيفتان فدفعهما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام))، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): (فهذا كان بدء الأذان) (74) .

وروى الصدوق بإسناده عن الصباح المزنيّ وسدير الصيرفي ومحمّد بن النعمان الأحول وعمر بن أُذينة أنّهم حضروا عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، فقال: (يا عمر بن أُذينة! ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم؟

قال: جُعِلتُ فداك؛ إنّهم يقولون: إنَّ أُبيّ بن كعب الأنصاريّ رآه في النوم.

فقال (عليه السلام): كذبوا واللَّه، إنَّ دين اللَّه تعالى أعَزُّ من أن يُرى في النوم). وقال أبو عبد اللَّه: (العزيز الجبّار عَرَج بنبيّه إلى سمائه...) فذكر قصّة الإسراء بطولها (75) .

وفي نصّ آخر، قال (عليه السلام): (ينزل الوحيُ على نبيِّكم فتزعمون أنَّه أخذ عن عبد اللَّه بن زيد؟!) (76) .

وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: (ما تروي هذه الناصبة؟).

فقلت: جُعِلت فداك؛ في ماذا؟

فقال: (في أذانهم وركوعهم وسجودهم).

فقلت: إنّهم يقولون: إنَّ أُبيَّ بن كعب رآه في النوم.

فقال: (كذبوا، فإنَّ دين اللَّه (عزَّ وجلّ) أعَزُّ مِن أن يُرى في النوم).

قال: فقال له سدير الصيرفيّ: جُعلت فداك؛ فأحدِثْ لنا مِن ذلك ذِكراً.

____________________

(73) يونس: 94.

(74) تفسير العيّاشيّ 1: 157/ 530، المستدرك 4: 42 - 43 وانظر: بيان المجلسيّ في بحار الأنوار 81: 121.

(75) انظر: علل الشرائع 1/312، وعنه في بحار الأنوار 8: 354.

(76) وسائل الشيعة 5: 370/ 6816.

٥١

فقال أبو عبد (عليه السلام): (إنَّ اللَّه (عزّ وجلّ) لمّا عَرَج بنبيّه (صلَّى الله عليه وآله) إلى سماواته السبع، أمّا أُولاهُنَّ فبارَك عليه، والثانية علّمه فرضه فأنزل اللَّه محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور كانت مُحدِقة بعرش اللَّه تغشي أبصار الناظرين... (77) قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأُولى، ثمّ عرج بي إلى السماء الثالثة، فنَفَرت الملائكة وخَرَّتْ سُجَّداً، وقالت: سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكة والرُّوح، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا؟!

فقال جبرائيل (عليه السلام): أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه.

فاجتمعت الملائكة وقالت: مرحباً بالأوّل، ومرحباً بالآخِر، ومرحباً بالحاشر، ومرحباً بالناشر، محمّد خير النبيّين وعليّ خير الوصيّين.

قال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): ثمّ سَلَّموا علَيَّ وسألوني عن أخي، قلتُ: هو في الأرض، أفتعرفونه؟

قالوا: وكيف لا نعرفه وقد نَحجّ البيت المعمور كلَّ سنة وعليه رَقّ أبيض فيه اسم محمّد واسم عليّ والحسن والحسين [والأئمة]: وشيعتهم إلى يوم القيامة، و إنّا لَنُبارِك عليهم كلّ يوم وليلة خمساً [يعنون في وقت كلّ صلاة]...

قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأُولى، ثمّ عرج بي حتّى انتهيت إلى السماء الرابعة، فلم تَقُل الملائكة شيئاً، وسمعت دَويّاً كأنّه في الصدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إليَّ شبه المعانيق، فقال جبرئيل (عليه السلام): حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة؛ حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح.

فقالت الملائكة: صوتان مقرونان معروفان.

____________________

(77) الحديث طويل أخذنا مقاطع منه.

٥٢

فقال جبرئيل (عليه السلام): قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة...

ثمّ أوحى اللَّه إليَّ: يا محمّد! ادنُ من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها وصلِّ لربِّك.

فدنا رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) من صاد (78) ، وهو ماءٌ يسيل من ساق العرش الأيمن، فتلقّى رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين.

ثمّ أوحى اللَّه عزّ وجل إليه أن: اغسل وجهك...) (79) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ (سورة بني إسرائيل) عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق (عليه السلام) - في خبر طويل جدّاً - قال فيه: (فإذا مَلَكٌ يُؤَذِّن لم يُرَ في السماء قبل تلك الليلة، فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر؛ فقال اللَّه: صدق عبدي أنا أكبر.

فقال: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه؛ فقال اللَّه تعالى: صدق عبدي، أنا اللَّه لا إله غيري.

فقال: أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللَّه؛ فقال اللَّه: صدق عبدي، إنَّ محمّداً عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته.

فقال: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة؛ فقال: صدق عبدي، دعا إلى فر يضتي، فَمَن مشى إليها راغباً فيها محتسباً كانت كفّارة لِما مضى من ذنوبه.

فقال: حيّ على الفلاح [ حيّ على الفلاح ]؛ فقال اللَّه: هي الصلاح والنجاح والفلاح.

____________________

(78) وللشيخ الجوادي الآملي في كتابه (أسرار الصلاة): 22 86 بيان في ذلك فراجع.

(79) الكافي كتاب الصلاة باب النوادر 3: 482 - 486/ 1، وللمزيد يمكن مراجعة خبر الإسراء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 2: 11.

٥٣

ثمّ أمَمتُ الملائكة في السماء كما أمَمتُ الأنبياء في بيت المقدس...) (80) .

وقد أخرج الحافظ العلوي في كتابه "الأذان بحيّ على خير العمل" بقوله: حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسن، حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب، أخبرنا أحمد بن عيسى العجلي، حدّثنا جعفر بن عنبسة اليشكري، حدّثنا أحمد بن عمر البجلي، حدّثنا سلام بن عبد اللَّه الهاشمي، عن سفيان بن السمط، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: (أوّل مَن أذّن في السماء جبريل (عليه السلام) حين أُسري بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)، فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر؛ فقالت الملائكة: اللَّه أكبر من خلقه.

فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، فقالت الملائكة: ونحن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه.

فقال، أشهد أن محمّداً رسول اللَّه، أشهد أن محمّداً رسول اللَّه، فقالت الملائكة: عبد بُعِث.

فقال جبريل: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة؛ فقالت الملائكة: أُمِر القوم بالصلاة، فقال: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح؛ فقالت الملائكة: أفلح القوم.

فقال: حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل؛ فقالت الملائكة: أُمِر القوم بخير العمل. وأقام الصلاة، فقال النبيّ: يا جبريل، تَقدّمْ صلِّ بنا، فقال جبريل: يا محمّد، إنّ اللَّه (عزّ وجلّ) أمرنا أن نسجد لأبيك آدم، فلسنا نتقدّم ولدَه، فتقدّم رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) فصلّى بالملائكة) (81) .

وقد نقل محمّد بن مكّيّ - الشهيد الأوّل - في " ذكرى الشيعة " قول ابن أبي

____________________

(80) تفسير القمّيّ 2: 3 - 12 كما في مستدرك وسائل الشيعة 4: 40، وفي تفسير العيّاشي 1: 157 ح 530 عن عبد الصمد بن بشير عن الصادق في حديث المعراج، إلى أن قال: (ثمّ أمر جبرئيل فأتمّ الأذان وأقام الصلاة).

(81) الأذان بحيّ على خير العمل، للحافظ العلوي: 20، بتحقيق الفضيل، وبتحقيق عزّان 59.

٥٤

عقيل، قال: أجمعت الشيعة عن الصادق (عليه السلام) أنَّه لَعَن قوماً زعموا أنَّ النبيَّ أخذ الأذان من عبد اللَّه بن زيد، فقال: (ينزل الوحي على نبيِّكم فتزعمون أنَّه أخذ الأذان من عبد اللَّه بن ز يد؟!) (82) .

الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) (ت 204 هـ):

أخرج الصدوق في "عيون أخبار الرضا" و "علل الشرائع" بسنده إلى الرضا (عليه السلام) عن آبائه، قال: (قال رسول اللَّه: لمّا عُرِج بي إلى السماء أذَّن جبرئيل مَثْنى مَثْنى وأقام مَثْنى مَثْنى) (83) .

وجاء في الاعتصام بحبل اللَّه عن صحيفة عليّ بن موسى الرضا : (... حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب: قال: قال رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) لمّا بُدئ رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) بتعليم الأَذان، أتى جبريل (عليه السلام) بالبُراق فاستصعب عليه، فأتاني بدابّة يقال لها برقة... (من حديث طويل) فقال لها جبريل: اسكُني برقة... (من حديث طويل): فخرج مَلَك من وراء الحجاب فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر. قال: فقلت: يا جبريل، من هذا المَلَك؟ قال: والذي أكرمك بالنبوّة، ما رأيت هذا المَلَك قبل ساعتي هذه، فقال المَلَك: اللَّه أكبر أللَّه أكبر.. فنُودِي من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر أنا أكبر.

____________________

(82) ذكرى الشيعة 3: 195، وعنه في وسائل الشيعة 5: 370.

(83) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 204 باب ما جاء عن الرضا في زيد بن عليّ ح 22، علل الشرائع 1: 6 وعنه في بحار الأنوار 81: 108.

٥٥

فقال الملك: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه...) الخبر (84) .

قال الشيخ الطوسيّ: (الأذان مأخوذٌ من الوحي النازل على النبيِّ دون الرؤيا والمنام) (85) .

وقال السيّد محمّد العامليّ صاحب "المدارك" : (قد أجمع الأصحاب على أنَّ الأذان والإقامة وحيٌ من اللَّه تعالى على لسان جبرئيل (عليه السلام) كسائر العبادات، وأخبارُهم به ناطقة) (86) .

وقال الشهيد في الذكرى : (وهما وحيٌ من اللَّه تعالى عندنا كسائر العبادات على لسان جبرئيل (عليه السلام)) (87) .

وهذه الرؤية النابعة من النصوص الدالّة على قداسة الأذان وأنّه بوحي من السماء لم تختصّ بمدرسة أهل البيت، فقد حكى الداوديّ عن ابن إسحاق أنَّ جبرئيل أتى النبيَّ بالأذان قبل أن يراه عبد اللَّه بن زيد وعمر بثمانية أيّام (88) ، و يؤيّده ما جاء عن عمر من أنّه ذهب ليشتري ناقوساً فأُخبِر أنَّ ابن زيد قد أُرِي الأذان في المنام، فرجع ليخبر رسول اللَّه، فقال له: (سبقك بذلك الوحي) (89) .

وقد روى عبد الرزّاق عن ابن جريج عن عطاء أنّه سمع عبيد بن عمير يقول: إنّ الأذان كان بوحي من اللَّه (90) .

وروى السيّد ابن طاووس - مِن علماء الشيعة الإماميّة - بإسناده إلى

____________________

(84) الاعتصام بحبل اللَّه 1: 278.

(85) المبسوط 1: 95.

(86) مدارك الأحكام 3: 255 المقدّمة السابعة من الأذان.

(87) ذكرى الشيعة 3: 195.

(88) سبل الهدى والرشاد 3: 361، وانظر: تنوير الحوالك: 86، وفتح الباري 2: 65.

(89) تاريخ الخميس 1: 360، وانظر: السيرة الحلبيّة 3: 301 - 302.

(90) المصنَّف، لعبد الرزّاق 1: 456/ 1775 كتاب الصلاة بدء الأذان.

٥٦

عبد الرزّاق عن معمر، عن ابن حمّاد، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيِّ في حديث المعراج، قال: (ثمّ قام جبرئيل فوضع سبّابته اليمنى في أذنه فأذّن مَثْنى مَثْنى).. يقول في آخرها: (حيّ على خير العمل، حتىّ إذا قضى أذانه أقام للصلاة مثنى مثنى) (91) .

وفي كنز العمّال (مسند رافع بن خديج): لمّا أُسرِي برسول اللَّه إلى السماء أوحي إليه بالأذان، فنزل به فعلّمه جبرئيل (الطبراني في الأوسط عن ابن عمر) (92) .

ولذلك حاول القسطلانيّ الشافعي في "إرشاد الساري" التخلّص من إشكال التشريع بالرؤيا، فأدّعى أنّ المشرِّع للأذان هو النصّ الذي أَقَرَّ المنامَ لا نفس المنام، فقال: قوله تبارك وتعالى: ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ) معانيَ عبادة اللَّه وشرائعه، واستدلّ على مشروعيّة الأذان بالنصّ لا بالمنام وحده (93) . لكنك تعلم أنّ الإشكال باقٍ بحاله، إذ لا معنى للمنام في هذه الحالة.

وقال السرخسيّ - مِن أعلام الحنفيّة - في "المبسوط" :... وروي أنَّ سبعة من الصحابة (رضي اللَّه عنهم أجمعين) رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة، وكان أبو حفص محمّد بن عليّ ينكر هذا ويقول: تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون: ثَبَت بالرؤيا! كلَّا ولكنّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) حين أُسري به إلى المسجد الأقصى وجُمِع له النبيّون، أذَّنَ مَلَكٌ وأقام، فصلَّى بهم رسول اللَّه. وقيل: نزل به جبرئيل (عليه الصلاة والسلام)، حتَّى قال كثير بن مرة: أذَّن جبرئيل في السماء فسمعه عمر (94) .

____________________

(91) سعد السعود 100، وفي متن بحار الأنوار: 81: 107 (فوضع سبّابته اليمنى في أذنه اليمنى.. حيّ على خير العمل مَثْنى مَثْنى...) إلخ.

(92) كنز العمّال 8: 329 كتاب الصلاة فصل من الأذان ح 23138. وانظر مجمع الزوائد 1: 329.

(93) إرشاد الساري 2: 2 كتاب الأذان. عمدة القارئ 5: 7 و102.

(94) المبسوط للسرخسيّ 1: 128 كتاب الصلاة باب الأذان.

٥٧

وقفة مع أحاديث الرؤيا:

اتّضح بجلاء - من خلال ما مرّ بنا من أحاديث وأقوال وغيرها - أنّ القول بتشريع الأذان في الإسراء والمعراج، ممّا لم ينفرد به الإماميّة الاثنا عشريّة، و إنّما قالت به الشيعة الزيدية والإسماعيلية أيضاً، إضافةً إلى أعلام من أهل السنّة، وهذا يعني أنّ تشريع الأذان - بوصفه فعلاً تعبّدياً - كان سماوياً وعُلْوياً وليس مناماً وأرضياً، وهذا القول ينسجم تماماً مع التشريعات السماوية الإلهية، ومع الاعتقاد بالنبوّة والوحي، التي هي واسطة في التشريع بين اللَّه تعالى وبين خلقه.

أمّا القول بأنّه كان عبر منام رآه رجل وأخبر به النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) فإنّه من منفردات بعض أهل السنّة، والذي أمسى قولاً مشهوراً لديهم فيما بعد. و إزاء اشتهار هذا القول عندهم، تبرز طائفة من التساؤلات الملِحَّة التي تصدر من الرؤية الإسلاميّة لحقائق الأشياء وعمق التشريع الإلهي. ومن هذه التساؤلات:

هل يسوغ لهذا القول - الذي يُسنِد تشريع الأذان إلى رؤيا أحد الناس - أن يتلاءم وأصول الشريعة القائمة على تلقّي النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) من اللَّه سبحانه؟

وهل يسوغ - في منطق الإسلام والوحي - أن تؤخذ الشريعة من الأحلام والمنامات والأقاصيص، أو حتّى من المشاورة كما جاء في بعض أحاديث الأذان؟

أوّلاً: إنّ المنام لا يصحّ أن يُستنَد إليه في القضايا الشرعيّة، ولا يمكن أن يُعتمَد عليه في تشريع الأحكام.. اللهمّ إلّا أن يكون رؤيا رآها رسول اللَّه نفسه؛ لأنّها

٥٨

جزء من الوحي.

إنّ التلّقي عن اللَّه وحصر الأخذ عنه (جلّ وعلا) تنفي كلّ ما عدا الوحي الإلهي في التشريع، وتؤكّد أنّ هذا الوحي هو وحده المنبع الذي ليس للنبيّ أن يبدّله أو يغيّر فيه من تلقاء نفسه، كما عرّفنا اللَّه سبحانه ذلك بقوله: ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (95) .

وقال: ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) (96) .

وقال أيضاً: ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (97) .

وقال: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (98) .

وقال في ملائكته: ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (99) .

إنّ هذه الآيات الشريفة صريحة في أنّه ليس لرسول اللَّه ولا لملائكته أن يسبقوه بالقول أو أن يُشرِّعوا من قِبَل أنفسهم، إذ ليس لهم إلّا الاستماع إلى الوحي وانتظاره، وقد انتظر الرسولُ (صلَّى الله عليه وآله) الوحيَ في تغيير القبلة مدّة ستّة شهر أو سبعة حتّى

____________________

(95) يونس: 15.

(96) الأحقاف: 9.

(97) الأعراف: 203.

(98) النجم: 3 - 5.

(99) الأنبياء: 26 - 27.

٥٩

نزل قوله تعالى: ( تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ... ) (100) .

أمّا التشاور فهو أبعدُ ما يكون عن أن يتولّد منه حكم شرعيّ، ذلك أنّ للَّه الدين الخالص وليس لغيره فيه من شيّ، كما قال جلّ جلاله: ( يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) (101) . من هنا يكون قول الحقّ تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) دالّاً على المشاورة في الموضوعات الخارجية وشئون الحياة اليومية، والمواقف العملية من بعض الحوادث، كالموقف في الحرب ومواجهة مكائد الأعداء و إمكانيّات سبل السلام، وما إليها.

وهذه المشاورة ذات ثمرات صالحة، منها: أنّها تُشعِر المشاوَرين بالمشاركة في صنع الموقف المسؤول، ومنها أنّها تَهَبُهم طاقة للاندفاع في سبيل تنفيذ مقرّرات هذه المشاورة وتحمّل نتائجها. ومع ذلك كلّه تظلّ لرسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) الكلمة الأخيرة في مقرّرات المشاورة، فهو الذي يحدّد ما ينبغي وما لا ينبغي، و يكون عزمه في المسألة هو الساري الجارى ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) .

إنّ الشورى ليس لها دخل في الأحكام، ومتى تدخّلت في الحكم فإنّها تكون قد شاركت الوحيَ في التشريع، وهَوَّنت من شأن النبوّة والنبيّ، وفتحت باباً للتقوّل على اللَّه.. ذلك التقوّل الذي هدّد اللَّهُ تعالى باجتراح ولو بعض منه.

ولقد حذّر اللَّهُ رسولَه - وهو أحبّ خلقه إليه - أيما تحذير، وهدّده أيّما تهديد.. إذا ما غيّر حرفاً واحداً؛ وذلك لمّا جاءه أهل قرية الناصرة بأحمال الذهب والفضّة والحرير وأرادوا إِعطاءها رشوةً للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في مقابل أن يُبدّل حرف الباء تاءً في لفظة

____________________

(100) البقرة: 144.

(101) آل عمران: 154.

٦٠