الإمام جعفر الصادق عليه السلام الجزء ٢

الإمام جعفر الصادق عليه السلام0%

الإمام جعفر الصادق عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 163

الإمام جعفر الصادق عليه السلام

مؤلف: العلامة الجليل الشيخ محمد الحسين المظفر
تصنيف:

الصفحات: 163
المشاهدات: 64485
تحميل: 7193


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 163 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64485 / تحميل: 7193
الحجم الحجم الحجم
الإمام جعفر الصادق عليه السلام

الإمام جعفر الصادق عليه السلام الجزء 2

مؤلف:
العربية

رواته

كان رواة أبي عبد اللّهعليه‌السلام أربعة آلاف أو يزيدون كما أشرنا اليه غير مرّة، قال الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد : فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقامات، فكانوا أربعة آلاف رجل(١) ، وذكر ابن شهراشوب أن الجامع لهم ابن عقدة وزاد غيره أن ابن عقدة ذكر لكلّ واحد منهم رواية، وأشار الى عددهم الطبرسي في أعلام الورى، والمحقق الحلّي في المعتبر، وذكر أسماءهم الشيخ الطوسي طاب رمسه في كتاب الرجال.

ولا يزيده كثرة الرواة عنه رفعة وجلالة قدر، وإِنما يزداد الرواة فضلاً وعلوّ شأن بالرواية عنه، نعم إِنما يكشف هذا عن علوّ شأنه في العلم وانعقاد الخناصر على فضله من طلاب العلم والفضيلة على اختلافهم في المقالات والنِحل.

أعلام السنّة

أخذ عنه عدَّة من أعلام السنّة وأئمتهم، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الاُستاذ، بل لم يأخذوا عنه إِلا وهم متّفقون على إِمامته وجلالته وسيادته، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل، ونحن اولاء نورد لك شطراً من اولئك الأعلام.

______________________

(١) الارشاد للمفيد : ٢٧١.

١٢١

أبو حنيفة :

منهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل ولد بالكوفة، وبها نشأ ودرس، وكانت له فيها حوزة وانتقل الى بغداد وبها مات عام ١٥٠، وقبره بها معروف، وهو أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنّة، وحاله أشهر من أن يُذكر.

وأخذه عن الصادقعليه‌السلام معروف، وممّن ذكر ذلك الشبلنجي في نور الأبصار، وابن حجر في الصواعق، والشيخ سليمان في الينابيع، وابن الصبّاغ في الفصول، الى غير هؤلاء، وقال الآلوسي في مختصر التحفة الاثني عشريّة ص ٨ : وهذا أبو حنيفة وهو هو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : «لولا السنتان لهلك النعمان» يريد السنتين اللتين صحب فيها - لأخذ العلم - الامام جعفر الصادقعليه‌السلام .

مالك بن أنس :

ومنهم مالك بن أنس المدني أحد المذاهب الأربعة أيضاً، قال ابن النديم في الفهرست : هو ابن أبي عامر من حمير وعداده في بني تيم بن مرَّة من قريش، وحمل به ثلاث سنين، وقال : وسعي به الى جعفر بن سليمان العبّاسي وكان والي المدينة فقيل له : إِنه لا يرى ايمان بيعتكم. فدعى به وجرَّده وضربه أسواطاً ومدّده فانخلع كتفه وتوفي عام ١٧٩ عن ٨٤ سنة، وذكر مثله ابن خلكان.

وأخذه عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام معلوم مشهور، وممّن أشار الى ذلك النووي في التهذيب، والشبلنجي في نور الأبصار، والسبط في التذكرة، والشافعي في المطالب، وابن حجر في الصواعق، والشيخ سليمان في الينابيع، وأبو نعيم في الحلية، وابن الصبّاغ في الفصول، الى ما سوى هؤلاء.

سفيان الثوري :

ومنهم سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ورد بغداد عدّة مرّات، وروى عن الصادقعليه‌السلام جملة أشياء، وأوصاه الصادق باُمور ثمينة مرَّت في الوصايا، وناظر الصادق في الزُهد كما سلف، وارتحل الى البصرة وبها مات عام ١٦١، وولادته في نيف وتسعين، قيل شهد وقعة زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبد الملك.

جاء أخذه عن الصادقعليه‌السلام في التهذيب، ونور الأبصار، والتذكرة، والمطالب، والصواعق، والينابيع، والحلية، والفصول المهمة، وغيرها، وذكره الرجاليّون من الشيعة في رجالهعليه‌السلام .

١٢٢

سفيان بن عيينة :

ومنهم سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام ١٠٧ ومات بمكّة عام ١٩٨، ودخل الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة.

ذكر أخذه عن الصادقعليه‌السلام في التهذيب، ونور الأبصار، والمطالب، والصواعق، والينابيع، والحلية، والفصول، وما سواها، وذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة أيضاً.

يحيى بن سعيد الأنصاري :

ومنهم يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي، كان قاضياً للمنصور في المدينة، ثمّ قاضي القضاة، مات بالهاشميّة عام ١٤٣.

انظر المصادر المتقدّمة في روايته عن الصادقعليه‌السلام وما عداها كما ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.

ابن جريح :

ومنهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكّي، سمع جمعاً كثيراً من العلماء، وكان من علماء العامّة، الذين يرون حلّيّة المتعة كما رأى حلّيتها آخرون منهم، وجاء في طريق الصدوق في باب ما يُقبل من الدعاوى بغير بيّنة، وجاء في الكافي في باب ما أحلَّ اللّه من المتعة سؤال أحدهم من الصادقعليه‌السلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن عنده منها علماً، فأتاه فأملى عليه شيئاً كثيراً عن المتعة وحلّيّتها.

وقال ابن خلكان : عبد الملك أحد العلماء المشهورين، وكانت ولادته سنة ٨٠ للهجرة وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور، وتوفى سنة ١٤٩ وقيل ١٥٠، وقيل ١٥١.

وذكرت المصادر السابقة أخذه عن الصادقعليه‌السلام ، كما ذكرته رجال الشيعة.

القطّان :

ومنهم أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري، كان من أئمة الحديث بل عُدَّ محدّث زمانه، واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم، توفي عام ١٩٨، وحكي عن ابن قتيبة عداده في رجال الشيعة، ولكن الشيعة لا تعرفه من رجالها.

ذكره في رجال الصادقعليه‌السلام التهذيب، والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ، وابن داود، والنجاشي، وغيرهم من الشيعة.

١٢٣

محمّد بن إسحاق :

ومنهم محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير، مدنيّ سكن مكّة، أثنى عليه ابن خلكان كثيراً، وكان بينه وبين مالك عداء، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي.

وقدم بغداد وبها مات عام ١٥١ على المشهور، ذكر أخذه عن الصادق في التهذيب، والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ في رجاله، والعلامة في الخلاصة، والكشي في رجاله، وغيرهم من الشيعة.

شعبة بن الحجّاج :

ومنهم شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إِبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن، وقيل كان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد اللّه.

وعَدَّه في أصحاب الصادقعليه‌السلام جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب، والصواعق، والحلية، والينابيع، والفصول، والتذكرة وغيرها، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضاً.

أيوب السجستاني :

ومنهم أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري، وقيل السختياني، والأول أشهر، مولى عمّار بن ياسر وعدُّوه في كبار الفقهاء التابعين، مات عام ١٣١ بالطاعون بالبصرة عن ٦٥ سنة.

عدَّه في رجال الصادقعليه‌السلام في نور الأبصار، والتذكرة، والمطالب، والصواعق، والحلية، والفصول، وغيرها، وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه أيضاً.

وهؤلاء بعض من نسبوه الى تلمذة الصادقعليه‌السلام من أعلام السنّة وفقهائهم البارزين، وقد عدّواً غير هؤلاء فيهم أيضاً، انظر في ذلك حلية الأولياء، على أن غير أبي نعيم أشار الى غير هؤلاء بقوله وغيرهم، أو ما سوى ذلك ممّا يؤدّي هذا المفاد.

١٢٤

مشاهير الثقات من رواته من الشيعة

اذا كان الرواة الثقات الذين أحصتهم كتب الرجال أربعة آلاف أو يزيدون فليس من الصواب أن نذكرهم جميعاً ههنا، على أن كتب الرجال قد استقصت اكثرهم ذكراً وترجمة، كما أنه ليس من الصحيح إِهمالهم فإن استطراد ذكرهم دخيل في القصد، فرأينا أن نذكر المشاهير عن ثقاتهم خاصّة فإن به إِيراداً لناحية من نواحي حياتهعليه‌السلام ، وبُعداً عن السعة المملّة.

أبان بن تغلب :

أبو سعد أبان بن تَغِلب الكبري الجريري، روى عن السجّاد والباقر والصادقعليهم‌السلام ومات أيام الصادقعليه‌السلام ١٤١، وقيل عام ١٤٠، ولمّا بلغ نعيه أبا عبد اللّهعليه‌السلام قال :«أما واللّه لقد أوجع قلبي موت أبان» وهذا ينبيك عن كبير مقامه لديه، وعظيم منزلته عنده، يا ترى ما شأن من يوجع موته قلب الصادقعليه‌السلام ؟

وكان غزير العلم قويّ الحجّة، ويشهد لذلك قول الباقرعليه‌السلام له : اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس فإني احبّ أن يُرى في شيعتي مثلك. وقول الصادقعليه‌السلام له : ناظر أهل المدينة فإني احبّ أن يكون مثلك من رجالي.

فلو لم يكن بتلك الغزارة من الفضل، والقوّة في الحجّة، لما عرَّضاه لتلك المآزق والمخاطر، فإن فشله فشل لهما.

وقد روى عن الصادق فحسب ثلاثين ألف حديث، كما أخبر عن ذلك الصادق نفسه، وأمر أبان بن عثمان أن يرويها عنه.

وما كان متخصّصاً بالحديث والكلام فحسب بل كان متضلّعاً في عدّة علوم جليلة، كالتفسير والأدب واللغة والنحو والقراءة، وسمع من العرب وحكى عنهم وصنَّف كتاب الغريب في القرآن، وذكر شواهده من الشعر.

ومن سموّ مقامه اتّفاق الفريقين على وثاقته، فقد وثّقه جهابذة القوم في الحديث مع اعترافهم بتشيّعه، منهم أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي وابن عدي وابن عجلان والحاكم والعقيلي وابن سعد وابن حجر وابن حيّان وابن ميمونة والذهبي في ميزان الاعتدال، وعدُّوه في التابعين، وكفى بهذا دلالة على بلوغه من الوثاقة والفضل حدّاً لا يسع أحداً إِنكاره.

١٢٥

أبان بن عثمان :

أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي، كان يسكن الكوفة مرّة، والبصرة اُخرى، وقد أخذ عنه أهل البصرة أمثال أبي عبيدة معمّر بن المثنى، وأبي عبد اللّه محمّد بن سلام، واكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام.

روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وله كتاب كبير حسن يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردّة، هكذا قال النجاشي.

وهو من الستة أصحاب أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه، وهم جميل بن درّاج، وعبد اللّه بن مسكان، وعبد اللّه بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان هذا.

إِسحاق الصيرفي :

إِسحاق بن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي، كان من الثقات الذين رووا الحديث عن الصادق وابنه الكاظمعليهما‌السلام ، واخوته يونس ويوسف وإِسماعيل، وهو بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه علي وبشير ابنا إِسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث، وكان الصادق اذا رآه ورأى أخاه إِسماعيل قال :«وقد يجمعهما لأقوام» يعني الدنيا والآخرة، لأنهما كانا من ذوي الثروة والمال الوافر ويصلان به أصحابهما وينيلان منه، ورويت فيه مدائح اُخرى.

السكوني :

إِسماعيل بن أبي زياد السكوني، والسكون حيّ من عرب اليمن، قيل إِنه كان قاضياً في الموصل، وكان ثقة في الرواية وقد أجمع أصحابنا على العمل بروايته وذكر بعض الرجاليّين أنه عامّي ولم يثبت، وله حديث كثير في الفقه، وكلّه معمول به اذا صحّت الرواية اليه.

إِسماعيل الصيرفي :

إِسماعيل بن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي، أخو إِسحاق المتقدّم الذكر، وقد سبق في إِسحاق قول الصادقعليه‌السلام اذا رآهما :«وقد يجمعهما لأقوام» والذي يزيد في علوّ شأنه ما رواه في الكافي في باب البرّ بالوالدين في الصحيح عن عمّار بن حيّان أبي إِسماعيل هذا، قال : أخبرت أبا عبد اللّهعليه‌السلام ببرّ إِسماعيل ابني فقالعليه‌السلام :«لقد كنت أحبّه ولقد ازددت له حبّاً» وكفاه هذا فضلاً وعلوّاً.

١٢٦

بريد العجلي :

بريد بن معاوية العجلي، كان ممّن روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام معاً، ومات في أيام الصادقعليه‌السلام ، وقد بلغ من الجلالة وعظم الشأن عند أهل البيت حدّاً فوق الوثاقة، وارتقى مقاماً لديهم يعجز القلم عن وصفه، وكيف ترى منزلة من يقول الصادقعليه‌السلام في حقّه :«أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة : محمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وليث بن البختري المرادي، وزرارة بن أعين» ، ويقول في حديث :«إِن أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً، أعني زرارة بن أعين، ومحمّد بن مسلم، ومنهم ليث المرادي، وبريد العجلي، هؤلاء القوَّامون بالقسط، هؤلاء القوَّامون بالصدق، هؤلاء السابقون السابقون اولئك المقرّبون» وقال فيهم في حديث آخر :«أربعة نجباء اُمناء اللّه على حلاله وحرامه» ويقول في آخر :«هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي على حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون الينا في الدنيا والسابقون الينا في الآخرة» الى كثير أمثال هذا من التقريظ والمدح، وهو من أصحاب الباقرعليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه.

بكير بن أعين :

بكير بن أعين الشيباني أخو زرارة، روى عن الباقر والصادق معاًعليهما‌السلام ، ومات في حياة الصادق، ولمّا بلغه خبر موته قال كما رواه الكشي ص ١٢٠«أما واللّه لقد أنزله اللّه بين رسول اللّه وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما وعلى آلهما الطاهرين» وذكره الصادقعليه‌السلام يوماً فقال :«رحم اللّه بكيراً وقد فعل» يقول عبيد اللّه بن زرارة : فنظرت اليه وقد كنت يومئذٍ حديث السن، فقالعليه‌السلام : اني أقول إِن شاء اللّه، وكفى هذا شهادة له بعلوّ الدرجة، وسموّ المقام، وهو من ثقات أولاد أعين وصلحائهم وما اكثر فيهم الثقات الصلحاء، وقد روى عنه عدّة من الثقات.

أبو حمزة الثمالي :

أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار، روى عن السجّاد والباقر والصادقعليهم‌السلام ، وبقي الى زمن الكاظمعليه‌السلام ، قيل مات عام ١٥٠، فتكون وفاته بعد مضي سنتين من إِمامة الكاظم وقيل أدرك موت المنصور عام ١٥٨.

١٢٧

وكان أبو حمزة من جلالة القدر وعظم المنزلة بالمحلّ الأرفع حتّى قال فيه الرضاعليه‌السلام «أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه، وذلك أنه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وبرهة من عصر موسى ابن جعفر عليهم‌السلام » وفي اخرى«كسلمان الفارسي في زمانه» .

وأرسل اليه الصادقعليه‌السلام وكان أبو حمزة بالبقيع فقال له بعد أن جاء :«إني لأستريح اذا رأيتك» وقال فيه أبو الحسن موسىعليه‌السلام :«كذلك يكون المؤمن اذا نوّر اللّه قلبه» الى ما سوى هذه من كلمات الأئمة فيه، التي دلّت على تقديرهم له وإِعجابهم به.

وهو الراوي للدعاء الطويل العظيم الشأن في بلاغته ومقاصده العالية عن زين العابدينعليه‌السلام الذي يُقرأ في سحر شهر رمضان، المعروف بدعاء أبي حمزة. وقد وثّقه أهل السنّة أيضاً ورووا عنه.

جابر الجعفي :

جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام وقضى نحبه أيام أبي عبد اللّهعليه‌السلام عام ١٢٨ وقيل عام ١٣٢، وقد روى عن الباقر خاصّة سبعين ألف حديث، ومن تتبّع أحاديثه عرف أنه كان ممّن يحمل أسرارهما، ويروي الكرامات الباهرة لهما.

أمره الباقرعليه‌السلام بإظهار الجنون فأظهره، فكان يدور في رحبة مسجد الكوفة والصبيان حوله وهو يقول : أجد منصور بن جمهور أميراً غير مأمور، فما مضت الأيام حتّى ورد من هشام بن عبد الملك الى واليه بالكوفة أن انظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إِليّ برأسه، فالتفت الى جلسائه وسألهم عن جابر، فقالوا : كان رجلاً له فضل وعلم وحديث وحجّة فجن، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب فأشرف عليه فاذا هو مع الصبيان يلعب على القصب، فقال : الحمد للّه الذي عافاني مِن قتله، ومن ثمّ انكشف السرّ في أمر الباقرعليه‌السلام له بإظهار الاختلاط، ثمّ لمّا اطمأنّ عاد الى حالته الاُولى، ولم تمضِ الأيام حتّى كان ما قاله في منصور بن جمهور.

وذكر اليعقوبي في تاريخه (٣ : ٨١) حديثاً عن جابر وإِخباره عمّا سيقع من أمر بني العبّاس والدعوة لهم وشأن قحطبة فيها، وكان قحطبة بالقرب منهم يستمع فأشار اليه جابر، وقال : لو أشاء أن أقول هو هو لقلت.

١٢٨

ومن هذا ومثله تعرف أنه كان مستودع الأسرار، وجاءت فيه مدائح جمّة وترحّم عليه الصادقعليه‌السلام ، وقيل إِنه ممّن انتهى اليه علم الأئمةعليهم‌السلام ، ولذلك ترى أرباب الحديث والرجال من العامّة بين موثّق له وطاعن فيه بأنه رافضي غال يقول بالرجعة، مع اعتراف الذهبي بأنه من اكبر علماء الشيعة.

جميل بن درّاج :

جميل بن درّاج بن عبد اللّه النخعي روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وكفّ بصره آخر عمره، ومات أيام الرضاعليه‌السلام وهو من الستة أصحاب الصادقعليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه، وسبق في أبان بن عثمان عدّهم وقيل إِن جميلاً كان أفقههم.

وجاءت فيه مدائح تكشف عن علوّ في الدرجة، منها أن الصادقعليه‌السلام تلا هذه الآية :( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ) (١) ثمّ أهوى بيده الى جماعة كانوا عنده وفيهم جميل بن درّاج، فقالوا : أجل جعَلنا اللّه فداك لا نكفر بها، وكان معروفاً بالعبادة وطول السجود.

الحارث بن المغيرة النصري :

الحارث بن المغيرة النصري، روى عن الباقر والصادق والكاظم عليهم سلام اللّه، وكان من ذوي الدرجات الرفيعة، كما شهدت بذلك عدة أحاديث، منها قول الصادقعليه‌السلام لجماعة منهم يونس بن يعقوب :«أما لكم من مستراح تستريحون اليه، ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري» على أن يونس بن يعقوب كان من ذوي المنازل العالية، ومع علوّ شأنه أمره الصادق بالرجوع الى الحارث، والشواهد على جلالته وعلوّ منزلته كثيرة.

______________________

(١) الأنعام : ٨٩.

١٢٩

حريز :

حريز بن عبد اللّه الأزدي الكوفي السجستاني، ونسب الى سجستان لإكثاره السفر والتجارة اليها فعرف بها، وكان من فقهاء الرواة وله عدّة كتب في الفقه وقد روى عن الصادقعليه‌السلام مشافهة وبالواسطة أخباراً كثيرة، وقيل إِنه لم يروِ عن الصادقعليه‌السلام مشافهة إِلا حديثين، ولكن هذا الزعم يخالف ما هو مرويّ عنه في كتب الفقه بلا واسطة، ومن سبَر كتب الحديث عَرف أنه كثير الرواية عنه مشافهة، وكتبه تُعدّ من الاُصول، وقد قتل في سجستان في جماعة من الشيعة، وسبب ذلك أن له أصحاباً يقولون بمقالته، وكان الغالب على أهل سجستان الشراة - الخوارج - وكان أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنينعليه‌السلام وسبّه، فيخبرون حريزاً ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك فيأذن لهم، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل، فلا يتوهّمون على الشيعة لقلّة عددهم، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم، وما زال الأمر هكذا حتّى وقفوا على الأمر فطلبوا الشيعة، فاجتمع أصحاب حريز اليه في المسجد، فهدموا عليهم حيطان المسجد وقلبوا أرضه عليهم، رحمة اللّه عليهم.

حفص بن سالم :

أبو ولاد الحنّاط حفص بن سالم الجعفي مولاهم الكوفي، كان ممّن روى عن الصادقعليه‌السلام ، وله أصل رواه عنه عدّة من الثقات، وهو متّفق على وثاقته، ولم يغمز فيه أحد بشيء.

وقيل : خرج مع زيد وصوّب خروجه الصادقعليه‌السلام وليس تصويبه بمستغرب، وإِنما كان يدع أمر زيد لئلا ينسب اليه فيكون هدفاً لبلاء نبي اُميّة.

حفص بن غياث القاضي :

حفص بن غياث النخعي الكوفي القاضي، ولّي القضاء لهرون الرشيد ببغداد الشرقيّة، ثمّ ولاه قضاء الكوفة، وبها مات عام ١٩٤ كما ذكر ذلك النجاشي، وذكر أن كتابه الذي يرويه عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام مائة وسبعون حديثاً أو نحوها.

وهو على الأشهر عامّي المذهب ثقة في الرواية، وقد أجمعت الطائفة على العمل برواية جماعة ليسوا من الشيعة، وحفص أحدهم وليس التشيّع السبب الوحيد لقبول الرواية، وإِنما المدار على وثاقة الراوي مهما كان مذهبه.

١٣٠

وربّما استظهر بعضهم من رواياته أنه شيعي إِمامي، ولكن العاميّة عنه أشهر، وكان اذا حدّث عن الإمام الصادقعليه‌السلام يقول :«حدّثني خير الجعافرة جعفر بن محمّد» ولا يخفى عليك أن مثل هذا البيان من الراوي يرشدنا الى عدم تشيّعه، إِلا أن يريد إِخفاء تشيّعه.

حماد بن عثمان :

حمّاد بن عثمان بن زياد الرواسي الكوفي الملقّب بالناب، روى عن الصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام ، مات بالكوفة عام ١٩٠ وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات، وهو من أصحاب الصادقعليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، والإقرار لهم بالفقه، وقد مرَّ عدُّهم في أبان بن عثمان، ولحمّاد اخوان وهما الحسين وجعفر ولدا عثمان، وهما أيضاً من الرواة الثقات الأخيار الأفاضل.

حمّاد بن عيسى :

أبو محمّد حمّاد بن عيسى الجهني البصري غريق الجحفة، روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام وعاش الى زمن الجوادعليه‌السلام ولم تعرف له رواية عن الرضا والجوادعليهما‌السلام ، وهو من الستّة أصحاب الصادقعليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه كما سلف في أبان بن عثمان، وكان صدوقاً متحرّزاً في حديثه، فقد روي عنه أنه قال : سمعت من أبي عبد اللّهعليه‌السلام سبعين حديثاً فلم أزل أدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين، وقد سبق في استجابة دعائهعليه‌السلام «ج ١ : ٢٥٤» أن حمّاداً سأله في أن يدعو له بكثرة الحجّ، وأن يرزقه ضياعاً حسنة وداراً حسنة، وزوجة من أهل البيوتات صالحة، وأولاداً أبراراً، فدعا له الصادق بما طلب، وقيّد الحجّ بخمسين حجّة، فاستجاب اللّه دعاء الصادقعليه‌السلام له، فكان حاله كما طلب، ولما حجّ في الحادية والخمسين أيام الجوادعليه‌السلام ووصل الى الجحفة وأراد أن يحرم دخل وادي قناة ليغتسل ويحرم، وهو وادٍ يسيل من الشجرة فأخذه السيل ومرّ به، فتبعه غلمانه وأخرجوه من الماء ميّتاً، فمن ثمّ سمّي غريق الجحفة.

وقيل : إِن الذي دعا له بتلك الطلبات هو الامام الكاظمعليه‌السلام وكان غرقه عام ٢٠٩.

١٣١

حمران بن أعين :

حمران بن أعين الشيباني مولاهم أخو زرارة، روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام ، منزلته عندهم لا يضارعه فيها من رجالهم إِلا نادر، وكيف ترى مقام من يقول له الباقرعليه‌السلام :«أنت من شيعتنا في الدنيا والآخرة» ويقول فيه :«حمران من المؤمنين حقاً لا يرجع أبداً» ويقول فيه الصادقعليه‌السلام :«مات واللّه مؤمناً» ويقول فيه : «حمران مؤمن من أهل الجنّة لا يرتاب أبداً، لا واللّه لا واللّه» ويقول فيه :«ما وجدت أحداً أخذ بقولي، وأطاع أمري، وحذا حذو أصحاب آبائي غير رجلين رحمهما اللّه، عبد اللّه بن أبي يعفور، وحمران بن أعين، أما إِنهما مؤمنان خالصان من شيعتنا» ويقول فيه :«حمران مؤمن لا يرتدّ أبداً» ويقول فيه :«نِعم الشفيع أنا وآبائي لحمران بن أعين يوم القيامة نأخذه بيده ولا نزايله (١) حتّى ندخل الجنّة جميعاً» الى نظائر هذه الكلمات الواردة فيه عنهماعليهما‌السلام ، وهذه كما ترى تنبئ عن ارتفاع مقامه عندهم درجة لا يشاركه فيها إِلا قليل، على كثرة رجالهم، وكثرة أهل الورع والهُدى فيهم، كما قرأت وستقرأ، وكما دلّت هذه الكلم على ارتفاع منزلته لديهم دلّت على رسوخ إِيمانه، وثبات يقينه، الى حدّ يؤمن من تضعضعه، وإِن مرَّت عليه العواصف وساورته المحن ونهشته النوائب، على أن عصره من أهمّ العصور التي اختبرت المحن والفتن فيها سرائر الرجال، لا سيّما أهل العلم والفضيلة منهم لما لهم من المكانة بين الناس يوم ذاك.

وما كان حمران فقيهاً فحسب، بل كان من علماء الكلام، وحملة الكتاب، ويذكر اسمه في أهل القراءات، وكان أيضاً من علماء اللغة والنحو فهو جامع لجهات الفضل.

حمزة بن الطيّار :

حمزة بن الطيّار كان ثقة عظيم الشأن، من رجال الفقه والكلام، مات أيام الصادقعليه‌السلام ، وجاءت فيه أحاديث تعرب عن إِيمان راسخ، وولاء ثابت لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقوَّة دفاع عنهم، وحجّة قاطعة، مثلما رواه الكشي ص ٢٢٣ عن هشام بن الحكم «قال : قال لي أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ما فعل ابن الطيّار ؟ قال : قلت : مات، فقالعليه‌السلام : رحمه اللّه ولقّاه نضرة وسروراً فقد كان شديد الخصومة عنّا أهل البيت».

______________________________

(١) نفارقه.

١٣٢

ومثله ما رواه عن مؤمن الطاق أيضاً، وما رواه عن أبان الأحمر عن الطيّار«قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه‌السلام : بلغني أنك كرهت مناظرة الناس وكرهت الخصومة، فقال : أما كلام مثلك فلا يكره، من اذا طار أحسن أن يقع، وان وقع أحسن أن يطير، فمن كان هكذا فلا نكره كلامه» .

والطيّار لقب له ولأبيه محمّد بن عبد اللّه مولى فزارة، وكان من أصحاب الباقرعليه‌السلام وكان الباقر يفاخر به، روى الكشي ص ٢٢ عن حمزة ابنه«قال : سألني أبو عبد اللّه عليه‌السلام عن قراءة القرآن، فقلت : ما أنا بذلك، قال : لكن أبوك، قال : وسألني عن الفرائض، فقلت : وما أنا بذلك، فقال : لكن أبوك، ثمّ قال : إِن رجلاً من قريش كان لي صديقاً وكان عالماً قارياً فاجتمع هو وأبوك عند أبي جعفر عليه‌السلام ، وقال : ليقبل كلّ واحد منكما على صاحبه، ويسأل كلّ واحد منكما صاحبه، ففعلا، فقال القرشي لأبي جعفر عليه‌السلام : قد علمت ما أردت، أردت أن تعلمني أن في أصحابك مثل هذا، قال : هو ذاك، فكيف رأيت» .

فكيف ترى من يحمله الباقرعليه‌السلام على المناظرة ؟ ومن يحمله الصادقعليه‌السلام على المخاصمة ؟ فهما إِذن من ذوي الحجج النواصع، والقوّة في الخصومة.

داود بن فرقد :

داود بن فرقد الأسدي الكوفي، روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات، وله كلام مع بعض الزيديّة دلّ على اشتهاره بالتشيُّع وسرعة جوابه وحسنه حتّى ضحك منه أبو عبد اللّهعليه‌السلام ، وذلك ما رواه الكشي ص ٢٢١ عنه«قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه‌السلام : إِن رجلاً خلفي حين صلّيت المغرب في مسجد رسول اللّه عليه وآله فقال : ( ما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ) (١) فعلمت أنه يعنيني، فالتفتُّ اليه وقلت : ( إِن الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم ) (٢) فاذا هو هرون بن سعد (٣) قال : فضحك أبو عبد اللّه عليه‌السلام ، ثمّ قال : أصبت الجواب قبل الكلام بإذن اللّه، وقال داود : جعلت فداك لاجرم واللّه ما تكلّم بكلمة، فقال أبو عبد اللّه عليه‌السلام : ما أحد أجهل منهم، إِن في المرجئة فتيا وعلما وفي الخوارج فتيا وعلما، وما أحد أجهل منهم» .

______________________

(١) النساء : ٨٨.

(٢) الأنعام : ١٢١.

(٣) الكوفي الزيدي، وقد جاء عن الصادقعليه‌السلام ذمّه سوى ما ذكر ههنا.

١٣٣

داود الرقي :

داود بن كثير الرقي الكوفي الأسدي مولاهم، روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام وعاش الى أيام الرضاعليه‌السلام ، وله حديث كثير لا سيّما في الكرامات والفضائل، وله أصل رواه عنه جماعة من الثقات، ولكثرة ما رواه من كراماتهم نسبوه الى الغلوّ وهو سهو.

وجاء فيه حديث كثير يدلّ على علوّ منزلته مثلما رواه الكشي ص ٢٥٤ عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال :«أنزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ونظر الى داود الرقي وقد ولّى فقال :«مَن سرَّه أن ينظر الى رجل من أصحاب القائم عليه‌السلام فلينظر الى هذا» وفي موضع آخر : «أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد» فهذا ومثله يرشدنا الى سموّ منزلته في الدين واليقين سوى الوثاقة في الرواية.

زرارة

زرارة بن أعين الشيباني مولاهم، روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام ، ومات عام ١٥٠، فأدرك من أيام الكاظمعليه‌السلام سنتين.

وماذا يقول القائل في زرارة ؟ وهل يستطيع ذو براعة ويراعة أن يأتي بكلمة تجمع فضل زرارة ؟ وكفى عن بيان مقامه، ورفيع شأنه، ما جاء فيه عن أئمة الهدىعليهم‌السلام ، وكفى منه ما سبق ذكره في بريد العجلي، بيد أننا نذكر ههنا شيئاًلم يسبق ذكره هناك، فإن الصادقعليه‌السلام قال له مرّة :«يا زرارة إِن اسمك في اسامي أهل الجنّة بغير ألف» قال :«نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكني لقّبت زرارة» وقال :«لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب» وقال للفيض بن المختار(١) :«فاذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس واومأ بيده الى زرارة» وقال في حديث آخر :«رحم اللّه زرارة (٢) لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي» وقال الرضاعليه‌السلام :«أترى أن أحداً أصدع بحقّ من زرارة» الى أمثال هذه الأحاديث، وهذه الأحاديث تغنيك عن قول كلّ فصيح يريد أن يترجم زرارة معرباً عمّا له من فضل وعلم ومقام لدى أهل البيت.

______________________

(١) الجعفي الكوفي، روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام وهو من ثقات رواتهم.

(٢) ظاهر هذا الحديث أن زرارة مات أيام الصادقعليه‌السلام ، إِلا أن يكون الصادق ترحّم عليه وهو حي.

١٣٤

وما كان زرارة فقيهاً فحسب بل كان يجمع عدّة فضائل حتّى قال ابن النديم في الفهرست في شأنه : زرارة أكبر رجال الشيعة فقهاً وحديثاً ومعرفة بالكلام والتشيّع.

وقال النجاشي : شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، وقال أبو غالب الزراري كما حكي عنه : روي أن زرارة كان وسيماً جسيماً أبيض، فكان يخرج الى الجمعة وعلى رأسه برنس أسود وبين عينيه سجادة وفي يده عصاً فيقوم الناس سماطين ينظرون اليه لحسن هيئته فربما رجع من طريقه، وكان خصماً جدلاً لا يقوم أحد بحجّته صاحب إلزام وحجّة قاطعة إِلا أن العبادة أشغلته عن الكلام، والمتكلّمون من الشيعة تلاميذه.

فزرارة قد جمع الفضل كلّه ولكن شهرته في الفقه غلبت على فضائله الاُخر، ومن غاض في بحر الفقه عرف ما لهذا الرجل من حديث، حتّى لتكاد لا تجد باباً من أبواب الفقه إِلا وله فيه حديث أو أحاديث، وهو أحد الستة الاُول أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، والإقرار لهم بالفقه، ولا غرو لو عدّ زرارة أفقههم.

وكان زرارة معروفاً بالعلم والفضيلة والقرب من أهل البيت وهذا اكبر جرم عند أعدائهم، فما زال في خطر من جراء ذلك، فكان الإمام ينال منه أحياناً ليدفع بذلك عنه الخطر، ومن ثمّ جاءت أحاديث تطعن فيه، وقد كشف عن سبب ذلك القدح الصادق نفسه، فقال في حديث طويل رواه الكشي ص ٩١ : إِني أنا أعيبك دفاعاً مني عنك فإن الناس والعدوّ يسارعون الى من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبّه ونقرّبه - الى أن قال - فأحببت ان أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منّا دافع شرّهم عنك، الحديث، فمن ههنا نعرف مكانة زرارة لديهم وشأن تلك الأحاديث القادحة.

زيد الشحّام :

أبو اُسامة زيد الشحّام الازدي الكوفي، روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وقيل : وعن الكاظم أيضاً، وهو من الوثاقة وجلالة القدر بمكان رفيع، وقد حكي عن الشيخ المفيد طاب رمسه قوله فيه: إِنه من فقهاء أصحاب الصادقينعليهما‌السلام الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا وأحكام الدين.

١٣٥

وجاءت فيه أحاديث تشهد له بعلوّ الدرجة، منها ما رواه الكشي ص ٢١٦ عن زيد نفسه «قال : قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : اسمي في تلك الأسامي ؟ - يعني في كتاب أصحاب اليمين - قال : نعم» وما رواه أيضاً عنه :«قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه‌السلام فقال لي : يا زيد جدّد التوبة واحدث عبادة، قال : قلت : نعيت إِليَّ نفسي، قال : فقال : يا زيد ما عندنا لك خير وأنت من شيعتنا - الى أن قال - : يا زيد كأني أنظر اليك في درجتك في الجنّة، ورفيقك فيها الحارث بن المغيرة النصري» (١) الى غير هذا ممّا يرشدنا الى علوّ مقامه ورفيع درجته.

زيد الشهيد :

زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، روى عن أبيه السجّادعليه‌السلام وكفى من روايته عنه روايته للصحيفة السجّادية التي جمعت فنوناً من العلم والأدب والفصاحة والبلاغة والتي تعرّفك كيف الخضوع للمولى في دعائه ومسألته والتي هي وحدها دلالة واضحة على إِمامة الأئمة من أهل البيت، لأن ديباجتها تدلّك على أن الناطق بها ليس من أمثال البشر، الذين يقع عليهم البصر.

وروى عن أخيه الباقر وابن أخيه الصادق أيضاًعليهما‌السلام وكان يرى إِمامة الصادق ويدعو له في السرّ، وما ادَّعى الإمامة لنفسه أيام حياته وجهاده قط، وإنما ادّعيت فيه بعد وفاته، وقد استشهد في الكوفة عام ١٢١ فبكاه الصادقعليه‌السلام وترحّم عليه، وأنفق على عيال من قُتل معه، وقد جمع زيد صفات فاضلة قّلما تجتمع برجل سوى المعصومين، كالفقه والورع والسخاء والشجاعة والزهادة والعبادة وغيرها، ولكن بأعلى مراتب هذه الصفات، وقد سبقت الاشارة الى شيء من حاله «١ : ٤٨».

______________________

(١) هذا الحديث دالّ على أن موته كان أيام الصادقعليه‌السلام فلا يكون ممّن روى عن الكاظمعليه‌السلام .

١٣٦

سدير الصيرفي :

سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي الكوفي مولى، روى عن ثلاثة من الأئمةعليهم‌السلام السجّاد والباقر والصادق، وروى عن كثير من الثقات، وبعض منهم من أصحاب الإجماع، جاء فيه مدائح وتقدير له مثل قول الصادقعليه‌السلام لزيد الشحّام :«يا شحّام إِني طلبت إِلهي في سدير وعبد السلام ابن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما اللّه لي وخلّى سبيلهما» وقوله وكان عنده سدير :« إِن اللّه اذا أحبّ عبداً غته (١) بالبلاء غتاً، وإِنا وإِيّاكم يا سدير لنصبح به ونمسي» فاستيهابه من اللّه دلالة على كبر منزلة عنده وتقدير له، وكفى بعلوّ درجته أنه ممّن يحبّه اللّه ويغمره بألطاف بلائه، الى ما سوى ذلك من الأحاديث.

الأعمش :

أبو محمّد سليمان بن مهران الاعمش الأسدي الكوفي، اتفقت الخاصّة والعامّة على وثاقته وفضله وجلالته، وقد أثنى العامّة عليه الثناء الجميل، واعترفوا له بالمزايا الحميدة مع اعترافهم بتشيّعه، فهذا الذهبي في ميزان الاعتدال يقول : «أبو محمّد أحد الأئمة الثقات عداده في صغار التابعين» ويقول : «فالأعمش عدل صادق ثبت، صاحب سُنّة وقرآن» الى غيره من مؤلّفي الرجال والتراجم.

وكان راوية لفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حتّى أن الخاصّة والعامّة روت أن المنصور سأله: كم تحفظ من الحديث في فضائل عليعليه‌السلام ؟ قال له : عشرة آلاف حديث، وفي بعض الروايات على بعض النسخ أو ألف حديث، ولعلّ هذا الترديد منه كان حذراً من المنصور لعلمه بما يحقده على أولاد عليعليه‌السلام ، ولمّا انتبه المنصور لقصد الأعمش من الترديد أراد أن يطمئنّه عمّا اختلج في نفسه، فقال له : بل عشرة آلاف كما قلت أوّلاً.

قيل : إِن ولادته كانت سنة قتل الحسينعليه‌السلام وهي سنة ٦١، ووفاته في الخامس والعشرين من ربيع الأول عام ١٤٨، وهي سنة وفاة الصادقعليه‌السلام .

______________________

(١) الغت يأتي لمعان أظهرها في المقام - الغط.

١٣٧

سماعة

سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسنعليهما‌السلام ، مات بالمدينة، وله حديث كثير في الفقه وروى كثيراً من زيارات الأئمة ومن دعاء الصادقعليه‌السلام ، وله كتاب رواه عنه ثقات الرواة، ومنهم جماعة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد نسبوه الى الوقف ولم يثبت، وعلى أيّ حال فهو ثقة في الرواية من دون ريب.

صفوان الجمّال :

صفّوان بن مهران الجمّال الأسدي الكاهلي الكوفي، روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وكان جمّالاً فلزمه هذا اللقب، وكان شديد التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، عاملاً بأوامرهم، مواظباً على القيام بخدماتهم وقد سبق في عنوان - الصادق في العراق - (١ : ١٢٩) ما يشهد لذلك كما يدلّ عليه بيعه لجماله امتثالاً لأمر الكاظمعليه‌السلام ، وأنّبه الرشيد على ذلك وقال له : إِني لأعلم من أشار اليك بهذا، أشار عليك موسى بن جعفر، فواللّه لولا حسن صحبتك لقتلتك.

وكفى هذا العمل منه استماعاً لأمر إِمامه وإِن عرّض نفسه للهلاك، وكان من أجلّة الرواة وأعلامهم الثقات، وحديثه جمّ كثير يرويه عنه الثقات الأعلام، وله كتاب رواه عنه رجال الوثاقة والإجماع.

عبد الرحمن بن الحجّاج :

عبد الرحمن بن الحجّاج البجلي الكوفي، روى عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام وعاش حتّى لقي الرضاعليه‌السلام ، ومات في أيامه، وكان من شيوخ أصحاب أبي عبد اللّهعليه‌السلام وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين، وجاء الشيء الكثير في إِطرائه والثناء عليه من الأئمةعليهم‌السلام وقد بشّروه بالموت بالمدينة وبحسن المنقلب، وله كتب يرويها عنه الثقات الأعلام، وبعضهم من أهل الإجماع، وكان من رجال الكلام البارزين ذوي الحجّة اللازمة والقوَّة في العارضة، حتّى قال له أبو عبد اللّهعليه‌السلام :«يا عبد الرحمن كلّم أهل المدينة فإني أحبّ أن يرى في رجال الشيعة مثلك» على أنه ما كان ليسمح بالكلام لأصحابه إِلا لقليل منهم أمثال أبان بن تغلب والطيّار ونفر سواهما، حذراً من العثار والخروج عن ربقة التقيّة، فلا يسمح لأحد إِلا لمن يعتمد على حُجّته وحُسن أدبه في المناظرة.

١٣٨

عبد السلام بن سالم :

عبد السلام بن سالم البجلي الكوفي، روى عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام وله كتاب يرويه ثقات الرواة، وكان من فقهاء أصحاب الصادقينعليهما‌السلام والرؤساء الأعلام والمأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، والذين لا يطعن عليهم، ولا طريق الى ذمّ أحد منهم، كما عن الشيخ المفيد طاب ثراه.

عبد السلام بن عبد الرحمن :

عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي، عدّه ابن شهراشوب في المناقب من خواصّ الصادقعليه‌السلام ، وقد سبق في سدير قول الصادقعليه‌السلام لزيد الشحّام ودموعه تجري على خدّيه : يا شحّام إِني طلبت الى إِلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما لي وخلّى سبيلهما، وهذا ممّا ينبئ عن تقدير أبي عبد اللّهعليه‌السلام وحبّه لهما، وعطفه عليهما وكفاهما هذا شأناً وعلوّ منزلة.

عبد اللّه بن أبي يعفور :

عبد اللّه بن أبي يعفور العبدي الكوفي، كان من أصحاب الصادقينعليهما‌السلام ، ومات زمن أبي عبد اللّه، ولا تحضرني كلمة تفرغ عن علوّ مقامه، وتفصح عن جلالة قدره، وما كان عليه من صلابة الايمان، وقوّة اليقين، والاستقامة في العقيدة، ولنترك ذلك الى مخرّجه ومثقّفه الإمام الصادقعليه‌السلام ليعرب لنا عن حاله، فإنه أعلم بشأنه وبسيرته وسريرته فإنه كتب الى المفضّل بن عمر الجعفي حين مضى لربّه عبد اللّه بن أبي يعفور : «يا مفضّل عهدت اليك عهدي، كان الى عبد اللّه بن أبي يعفور، فمضى رضي اللّه عنه موفياً للّه جلّ وعزّ ولرسوله ولإمامه بالعهد المعهود للّه، وقُبض صلوات اللّه على روحه محمود الأثر، مشكور السعي، مغفوراً له، مرحوماً برضى اللّه ورسوله وإِمامه عنه، بولادتي من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان في عصرنا أحد أطوع للّه ولرسوله ولإمامه منه، فما زال كذلك حتّى قبضه اللّه برحمته، وصيّره الى جنّته، ساكناً فيها مع رسول اللّه وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما، أنزله اللّه بين المسكنين، مسكن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسكن أمير المؤمنينعليه‌السلام وإن كانت المساكن واحدة، والدرجات واحدة فزاده اللّه رضىً من عنده ومغفرةً من فضله برضاي عنه».

١٣٩

لولا أن الصادقعليه‌السلام هو المخبر عن عبد اللّه وعمّا كان عليه من تقوى وطاعة لما كنا نعتقد بأن أحداً من البشر يبلغ تلك المرتبة وذلك الرضى.

ولقد جاء فيه من الإطراء والإفصاح عن علوّ مقامه وثبات يقينه ما لم يجئ في أحد سواه إِلا القليل، وقد سبق شيء منه في حمران، وهو القائل لإمامه الصادق : لو فلقت رمّانة بنصفين، فقلت هذا حلال وهذا حرام لشهدتّ أن الذي قلت حلال حلال، وأن الذي قلت حرام حرام، فقال : رحمك اللّه، رحمك اللّه.

وهذا التسليم والتفويض والطاعة والامتثال هو الذي صيّره بتلك الرتبة الرفيعة، وإِن كان من عرف إِمامه وجب أن يكون كما كان عليه عبد اللّه ولكن أنّى لنا بتلك النفوس الزكيّة المطيعة.

عبد اللّه بن بكير :

عبد اللّه بن بكير بن أعين الشيباني مولاهم، روى عن الباقر والصادقعليهما‌السلام وهو من الستة أصحاب الصادق الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم كما سبق في أبان بن عثمان، وعُدَّ في أجلّة الفقهاء والعلماء، ومن أصحاب الاُصول المدوَّنة والمصنّفات المشهورة، وقد رُمي بالفطحيّة، فإن صحَّ فلا يضرّ فساد عقيدته في وثاقته في روايته، وعلى أيّ حال فهو ثقة في الرواية من دون ريب، وقد سبق ذكر أبيه بكير وجلالة شأنه.

عبد اللّه بن سنان :

عبد اللّه بن سنان بن طريف الكوفي مولى قريش أو بني هاشم خاصّة، روى عن الصادقعليه‌السلام ، وقيل : وعن الكاظم أيضاً وهو غير بعيد لأنه قد عاصره، وكان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد، ومع ذلك فقد كان من شيعة أهل البيت والفقهاء الصلحاء، والثقات الأجلاء، الذين لا يطعن عليهم بشيء، ولقد قال فيه الصادقعليه‌السلام :«أما أنه يزيد على السنّ خيراً» .

وقد شاهد من الصادقعليه‌السلام كرامة باهرة دلّت على كريم مقامه عند أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، وأنه من حملة أسراره، وله كتب يرويها عنه أجلّة الرواة ومشاهير الثقات.

١٤٠