دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري0%

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 357

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 59772
تحميل: 7409

توضيحات:

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59772 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف:
العربية

٣٧ - عبد الله بن بحر، وصفه المؤلفون في الرجال بانه ضعيف مرتفع القول. أي انه من الغلاة المبالغين في غلوهم، ولم يتولَّ الدفاع عنه احد منهم.

٣٨ - عمر بن عبد العزيز، يروي المناكير ويخلط في احاديثه كما نص على ذلك اكثر المحدثين، ولم يتحمس للدفاع عنه احد، ولا وصفه احد بالوثاقة.

٣٩ - مسعدة بن صدقة، كان بتري المذهب، كما نص على ذلك الكشي في رجاله، ولم يتعرض احد الى توثيقه.

٤٠ - وهب بن وهب، ابو البختري، قال عنه النجاشي: انه كان كذاباً، وقال غيره: انه كان من اكذب البرية، وله عن الصادق (ع) احاديث كلها لا يوثق بها.

٤١ - الحسن بن العباس بن الحريش، نص في اتقان المقال على انه ضعيف جداً له كتاب انا انزلناه في ليلة القدر، رديء الحديث مضطرب الالفاظ وجاء في الخلاصة ونقد الرجال ان كتابه فاسد الالفاظ موضوع، وهذا الرجل لا يلتفت اليه ولا يكتب حديثه، وقد روى عنه الكليني في الكافي، باب انا انزلناه في ليلة القدر.

واحسب ان هذا العدد اليسير من المتهمين بالانحراف عن المخطط الاسلامي الصحيح يكفي لدحض مزاعم القائلين بان الشيعة يصححون جميع مرويات الكافي، ولا يرتابون في شيء منها، ذلك لان الصحيح كما ذكرنا في الفصول السابقة هو الذي يرويه العادل المستقيم في دينه عن مثله الى ان يتصل بالنبي او الامام (ع) ووجود منحرف واحد في سند الرواية يكفي لعدم الاعتداد بها ما لم تقترن ببعض القرائن التي تؤكد صدورها.

٢٠١

الواجب في صحيح البخاري

بالامكان ان ينتزع الباحث صفات الواجب عند البخاري من مروياته عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حول هذا الموضوع المنتشرة في صحيحه هنا وهناك، وبالطبع انه لم يدون فيه الا الاحاديث الصحيحة عنده، لانه اختاره من ستمائة الف حديث على حد زعم المؤلفين في التراجم كما ذكرنا، مع العلم بان البخاري في صحيحه لم يوفق الى توزيع الاحاديث على المواضيع التي تعرض لها توزيعاً كاملاً، ذلك لانه يعنون الموضوع احياناً ويروي فيه بعض الاحاديث التي تناسبه واحياناً يروي فيه ما لا يتناسب معه، لذلك فان الباحث اذا اراد ان ينتهي الى رأيه الاخير في موضوع من المواضيع التي دونها في كتابه لا بد وان يستقصي بقية الابواب ويتتبع المرويات فيها اذا كانت هذه المدونات تعبر عن رأيه في تلك المواضيع.

ولعل السر في ذلك ان البخاري لم يمهله الاجل الى انجاز كتابه ونقله من المسودات التي جمعه فيها، فوافاه الاجل قبل تبييضه وتوزيع احاديثه في الاماكن التي تناسبها، وحذف المكررات منه، كما ذكرنا سابقاً ولما جاء دور تلاميذه من بعده دونوه على علاته، ولو امهله الاجل لجاء كتابه مصنفاً ومرتباً على الابواب والمواضيع ووافياً بالغرض الذي اراده من تأليفه، وسليماً من اكثر العيوب التي لا يستطيع الباحث تجاهلها.

كما وانه لم يتعرض للواجب بعنوان خاص، بل تعرض لصفاته تعالى وبعض الخصائص التي تشير الى حقيقته في مختلف المناسبات

٢٠٢

والابواب ففي الباب الذي عقده لتفسير قوله تعالى: «ولتصنع على عيني» قارن بين عين الدجال، وعين الله في اكثر من رواية، وكلها تنص على ان الدجال اعور العين اليمنى، وان الله ليس باعور. وبهذه المناسبة روى عن موسى بن اسماعيل عن جويرية عن نافع عن عبد الله انه قال: ذكر الدجال عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ان الله لا يخفى عليكم انه ليس باعور واشار بيده الى عينه، وان الدجال اعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية.

وروى عن انس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما بعث الله من نبي الا انذر قومه الاعور الكذاب، انه اعور وان ربكم ليس باعور مكتوب بين عينيه كافر، هو الخالق المصور البارئ.

وقد اكثر من الروايات التي تنص على خروج الدجال وان عينه اليمنى عوراء وعين الله سليمة من العور، وفي خلال مروياته التي اوردها في هذا الباب روى عن عبيدة عن عبد الله انه قال، جاء حبر من الاحبار الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمد انا نجد ان الله جعل السموات على اصبع، والارضين على اصبع، والشجر على اصبع، والماء والثرى على اصبع، وسائر الخلائق على اصبع، ثم يقول انا الملك، فضحك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ورواها مرة ثانية واضاف اليها انه ضحك تعجباً وتصديقاً(١) .

وفيما يتعلق برؤية الله سبحانه وتعالى عما يصفه الجاهلون علواً كبيراً روى في شرح قوله تعالى: «وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة» عن جرير انه قال: كنا جلوساً عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ نظر الى القمر ليلة البدر فقال: انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته.

____________________

(١) انظر ص ٢٧٨ و ٢٨٠ و ٣٠٠ المجلد الرابع من الصحيح للبخاري.

٢٠٣

وروى عن جرير بن عبد الله انه قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انكم سترون ربكم عياناً.

وروى عنه ايضاً انه قال: خرج علينا رسول الله ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته وروى عن أبي هريرة مجموعة من الاحاديث بهذا المضمون، وزاد فيها انه قال: فهل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها حجاب؟ قالوا لا يا رسول الله، قال انكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه. فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الامة فيها شافعوها ومنافقوها، فيأتيهم الله فيقول انا ربكم فيقولون له: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فاذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون.

وجاء فيما رواه عن انس ان المؤمنين يحبسون يوم القيامة فيتشفعون بالانبياء، فكل نبي يأتونه يذكر خطيئته فيعتذر عن مقابلة الرب، فيأتون محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فيستأذن على ربه في داره فيأذن له، وعندما يراه في داره يخر له ساجداً ويبقى زمناً طويلاً، ثم يقول له: ارفع رأسك فيرفع رأسه ويستشفع بمن يريد فيخرج من الدار التي فيها ربه ويدخلهم الجنة، ويخرج جماعة من النار ويدخلهم الجنة ايضاً، ثم يعود فيدخل على ربه في داره، فيؤذن له ثانياً فيسجد لله، ثم يرفع رأسه ويشفع فيمن يشفع له، فيخرج منها ويدخلهم الجنة، ثم يدخل الدار التي فيها الله ثالثاً، وهكذا يصنع ذلك مراراً حتى لا يبقى في النار الا من يستحق الخلود فيها(١) .

____________________

(١) نفس المصدر ص: ٢٨٣ و ٢٨٧.

٢٠٤

ويحدث البخاري عن الله سبحانه في بعض مروياته عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله انه ينزل عن عرشه الجالس عليه في السماء السابعة الى سماء الدنيا في ثلث الليل الاخير، فقد روى عن اسماعيل عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الاغر عن ابي هريرة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخير فيقول من يدعوني فاستجيب له من يسألني فاعطيه، من يستغفرني فاغفر له، وروى هذه الرواية بالفاظها من غير زيادة في ص ١٠٠ عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، وتكرر منه هذا المضمون بهذا السند وغيره.

وفي مناسبة ثانية يصور انس بن مالك وابو هريرة الله سبحانه بصورة رجل له رجلان يضع احدهما في جهنم فيملأها، بينما جميع العصاة والكفار لا يملئون الا جانباً منها.

فقد روى عن انس انه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يلقى العصاة في النار فتقول هل من مزيد فيضع قدمه فيها فتقول قط قط.

وروى عن أبي هريرة ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يقال لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد فيضع قدمه فيها فتقول قط قط.

وروى عن ابي هريرة ايضاً ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تحاجت الجنة والنار فقالت النار اوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة ما لي لا يدخلني الا ضعفاء الناس وسقطهم، فقال الله سبحانه للجنة: انت رحمتي ارحم بك من اشاء من عبادي، وقال للنار: انما انت عذابي اعذب بك من اشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فاما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فيها، فتقول قط قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها

٢٠٥

إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه احداً، واما الجنة فينشئ الله لها خلقاً تمتلئ بهم.

وروى عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاءاً وسمعة فيذهب ليسجد فيعود وظهره طبقاً واحداً(١) وجاء في المجلد الرابع من صحيح البخاري، ان رجلاً سأل الله سبحانه ان يخرجه من النار، فاشترط عليه ان لا يسأله غير ذلك، فلما اخرجه منها سأله ان يقربه من باب الجنة، فأخذ عليه العهود والمواثيق ان لا يسأله غير ذلك، فلما قربه منها سأله ان يدخله الجنة والح في سؤاله حتى ضحك منه الله واذن له بالدخول الى الجنة(٢) .

وروى في صفحة ٣١٢ من المجلد الثاني ان رجلاً اتى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للمسلمين من يضيف هذا فاخذه احدهم وآثره على نفسه وعياله فلما اصبح جاء الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: لقد ضحك الله الليلة من فعالكما.

ويروي البخاري ايضاً عن صفوان بن محرز ان رجلاً سأل ابن عمر كيف سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في النجوى قال يدنو احدكم من ربه حتى يضع كتفه عليه، فيقول: اعملت كذا فيقول نعم، ثم يقول له اعملت كذا وكذا، وهكذا واخيراً يقول له: اني سترت عليك في الدنيا، وانا اغفرها لك اليوم، الى غير ذلك من المرويات التي اوردها البخاري في صحيحه حول رؤية الله وصفاته.

ولو انه درس هذه المرويات دراسة موضوعية وحاكم بينها وبين كتاب الله وعرضها على العقل، لو فعل ذلك لا بد وان ينتهي الى طرحها

____________________

(١) انظر ص ١٩١ و ١٩٢ المجلد الثالث من الصحيح للبخاري.

(٢) المجلد الرابع للبخاري.

٢٠٦

لانها لا تنفك عن التجسيم الذي لا يقره العقل ولا الكتاب الكريم الذي ينص على انه «لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علماً» وكيف تتفق هذه الآية مع رواية ابي هريرة التي تنص على ان الله يضع رجله في جهنم ليفي لها بوعده، فتمتلئ عند ذلك ويسكن غضبها، وكيف يرى كما يرى القمر ليلة تمامه والشمس ساعة تنجلي عنها السحب والغيوم، والله يقول: «لا تدركه الابصار». وهل ينفك القول بان له ساقاً عن انه جسم كبقية الاجسام المركبة من الساق والرجل واليد والعين وغير ذلك.

وكيف يضحك على من يرجوه طمعاً في كرمه وجوده واين تكون الدار التي يسكنها رب أبي هريرة، أفي السموات ام في الارض، واذا كان يسكن في دار، ويحويه مكان معين، فقد خلت منه بقية الدور والامكنة والجهات، واصبح كسائر الممكنات التي لا توجد الا باسبابها، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. ومن الغريب ان البخاري قد دون هذه الاحاديث في صحيحه واختارها من ستمائة الف حديث كما يزعم كل من ترجمه وكتب عن صحيحه ودون الى جانبها بعض المرويات التي تنص على ان الحديث الذي يصح الاعتماد عليه هو الذي يوافق كتاب الله ولا ينكره العقل، مع العلم بان الكتاب والعقل لا يقران شيئاً من تلك المرويات ولا تنفق معها الا بعد تأويلها والتأويل وان كان ممكناً، وواقعاً بالنسبة الى بعض المرويات، ولكنه لا يتعين الا اذا كانت شروط الاعتماد على الرواية متناً وسنداً متوفرة فيها، ولم يتوفر في هذه المرويات شيء من ذلك.

على انه قد دون في ص ٢٧٤ من المجلد الرابع ان السيدة عائشة قالت: من حدثكم ان محمداً رأى ربه فقد كذب، لان الله لا تدركه الابصار، ومن حدثكم انه يعلم الغيب فقد كذب، لانه لا يعلم الغيب الا الله، وجاء في رواية ثانية عنها انها قالت لعامر بن مسروق وقد سألها عن

٢٠٧

الله هل يرى: ولقد وقف شعري مما قلت، من حدثك ان محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: «لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار، وهو اللطيف الخبير» «وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحياً او من وراء حجاب» ومن حدثك انه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: «ما تدري نفس ماذا تكسب غداً» ومن حدثك بانه قد كتم شيئاً مما اوحي اليه فقد كذب(١) .

هذه الرواية تتنافى مع المرويات التي تنص على انه يرى كما يرى القمر ليلة تمامه والشمس ساعة تنجلي عنها السحب والغيوم، ولا بد من تكذيب احدى الطائفتين، ولا شك ان رواية السيدة عائشة تتفق مع الكتاب ويؤيدها العقل فهي اولى بالقبول والاعتبار، ومروياتها اقرب الى الواقع من مرويات ابي هريرة، ولو قال قائل ان تلك المرويات مستوحاة من كتاب الله تعالى حيث جاء في بعض آياته ما يشير الى ان له وجهاً ويداً ورجلاً، وانه يجلس على عرشه وغير ذلك، قلنا في جوابه ان القرآن يفسر بعضه بعضاً ولا بد من ملاحظة سياق الآية واسباب نزولها، وضم اولها الى آخرها وبالاضافة الى ذلك لا بد من تحكيم العقل عندما يصطدم به الظاهر منها، لا سيما بعد ان كان القرآن يتحمل اكثر من معنى واحد، وكل واحد من المعاني اذا كان مقبولاً تتحمله الآيات بمجموعها ومفرداتها، ومما لا شك فيه ان تفسير اليد بالقوة، والوجه بالقدرة، والاستواء بالاستيلاء، ومجيء الرب بمجيء اوامره ونواهيه هو المتعين من تلك الآيات، ويتناسب مع الاسلوب القرآني وبلاغته، وفي نفس الوقت يندفع محذور التجسيم والتشبيه الذي يلازم الاخذ بظواهر تلك المفردات.

ولعل الذي دعا المحدث الجليل محمد بن اسماعيل الى تدوين هذه المرويات في جامعه، ان رواتها من الصحابة والصحابة لا ينطقون عن الهوى لانهم فوق الشبهات والاهواء كما زعم الجمهور من اهل السنة.

____________________

(١) انظر ص ٢٧٤ / ج / ٤ و ص ١٩٣ / ج / ٣

٢٠٨

الواجب في الكافي

لقد تعرض الكليني في كتابه الكافي للواجب وصفاته، ودون فيه بعض المرويات التي تتعرض لحدوث العالم واثبات الصانع وصفاته الثبوتية والسلبية وغير ذلك مما يليق بذاته، فروى عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الامام علي بن موسى الرضا (ع) انه قال:

دخل رجل من الزنادقة على ابي الحسن الرضا (ع) وعنده جماعة من اصحابه فقال له الامام (ع): ايها الرجل ارأيت ان كان القول قولكم وليس هو كما تقولون السنا واياكم شرعاً سواء لا يضرنا ما صمنا وصلينا وزكينا واقررنا، فسكت الرجل، ثم قال ابو الحسن الرضا (ع) وان كان القول قولنا وهو الحق الستم قد هلكتم ونجونا فقال رحمك الله: اوجدني كيف هو واين هو، فقال الامام (ع) ويلك ان الذي ذهبت اليه غلط، هو اين الاين بلا اين، وكيف الكيف بلا كيف، فلا يعرف بالكيفية ولا بالاينية، ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء، فقال الرجل: اذن انه لا شيء اذا لم يدرك بحاسة من الحواس، فقال ابو الحسن: ويلك لما عجزت حواسك عن ادراكه انكرت ربوبيته، ونحن اذا عجزت حواسنا عن ادراكه ايقنا انه ربنا لا يشبه شيئاً من الاشياء. فقال له الرجل: فاخبرني متى كان، فقال ابو الحسن: فاخبرني متى لم يكن فاخبرك متى كان.

قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال ابو الحسن عليه السلام: اني لما نظرت الى جسدي ولم يكن فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول

٢٠٩

ودفع المكاره عنه وجر المنفعة اليه، علمت ان لهذا البنيان بانياً فاقررت به، مع ما ارى من دوران الفلك بقدرته، وانشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت ان لهذا مقدراً ومنشئاً(١) .

وروى عن هشام بن الحكم ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال في جواب بعض الملحدين: لا يخلو قولكم انهما اثنان من ان يكونا قديمين قويين، او يكونا ضعيفين، او يكون احدهما قوياً والآخر ضعيفاً، فان كانا قويين فلم لا يدفع احدهما صاحبه ويتفرد بالتدبير، وان زعمت ان احدهما قوي والآخر ضعيف ثبت انه واحد للعجز الظاهر في الثاني.

فان قلت انهما اثنان لم يخل من ان يكونا متفقين من كل جهة او مفترقين من كل جهة، فلما رأينا ان الخلق منتظم، والفلك جار، والتدبير واحد والشمس والليل والقمر والنهار دل صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على ان المدبر واحد، ثم ان ادعيت انهما اثنان يلزمك فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما، فيلزمك ثلاثة، فان ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى يكون بينهما فرجة فيكونوا خمسة، ثم يتناهى العدد الى ما لا نهاية له في الكثرة. فقال الزنديق: فما الدليل عليه؟ قال ابو عبد الله الصادق (ع) وجود الافاعيل دلت على ان صانعاً صنعها، الا ترى انك اذا نظرت الى بناء مشيد مبني علمت ان له بانياً وان كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

قال فما هو؟ قال الامام (ع): شيء لا كالاشياء غير انه لا جسم ولا

____________________

(١) هذا الاسلوب في مقام الاستدلال على وجود الصانع قد تكرر في أحاديث اهل البيت (ع) وقد اورد في الكافي مجموعة من الاحاديث بهذا المضمون وتكرر في القرآن ايضاً هذا النوع من الاستدلال بالمعلول على وجود العلة.

٢١٠

صورة ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الاوهام، ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الازمان(١) .

وقد اورد الكليني عشرات الاحاديث عن الائمة (ع) حول التوحيد والصفات، واكثرها تنص على انه واحد لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا يدرك بالحواس، ولا تحيط به الاوهام، ولا تحويه الامكنة والازمان.

وجاء في بعضها عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال: اياكم والتفكر في الله، ولكن اذا اردتم ان تنظروا الى عظمته، فانظروا الى عظيم خلقه.

____________________

(١) وملخص هذا الدليل الذي استدل به الامام على وجود الصانع، هو ان المبدأ الاول لو كان اثنين، فلا يخلو من ان يكونا قديمين قويين او ضعيفين، او يكون احدهما قوياً والآخر ضعيفاً، والمراد بالقوي ان يكون قادراً على فعل الكل وفاعلاً له بالارادة والمراد بالضعيف هو الذي لا يقوى على فعل الكل ولا يستبد به ولا يصلح لمقاومة القوي، فان كانا قويين فيلزم ان يدفع كل منهما صاحبه ويتفرد به. ولازم ذلك عدم وقوع الفعل في مثل هذه الحالة. وان كان احدهما ضعيفاً. فيلزم من ضعف وجود احتياجه الى العلة الموجدة. فيكون ممكناً وان كانا ضعيفين. فلا يخلو من ان يكونا متفقين في الحقيقة من كل جهة بحيث لا يكون لكل منهما جهة تشخيص يتعين بها عن صاحبه ولازم ذلك وحدتهما وهو خلاف المفروض. وان كانا مفترقين من كل جهة. فانتظام الخلق وائتلاف الامر يدل على وحدة المدبر. ثم ان فرض الاثنينية ولو من جهة يلزمه ان يكون بينهما مميز فاصل وقد عبر عنه الامام (ع) بالفرجة. وهذا المميز لا بد وان يكون قديماً موجوداً بذاته ولازم ذلك تعدد القديم كما ذكر الامام (ع).

٢١١

وتعرض في كتاب التوحيد لمسألة الرؤية التي اثبتها اهل السنة واورد مجموعة من الاحاديث تنص على انه لا يرى في الدنيا والآخرة.

فمن ذلك ما رواه ابو الحسن الموصلي عن أبي عبد الله الصادق (ع) انه قال: جاء حبر الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) فقال يا امير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال (ع) ويلك ما كنت لاعبد رباً لم اره.

قال: وكيف رأيته؟ قال ويلك: لا تدركه العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان.

وروى عن ابي هاشم الجعفري انه قال: سألت ابا الحسن الرضا (ع) عن الله هل يوصف فقال: اما تقرأ القران قلت بلى، قال: اما قرأت قوله تعالى: لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار قلت بلى. قال: ان اوهام القلوب اكبر من ابصار العيون، فهو لا تدركه الاوهام وهو يدرك الاوهام.

واضاف الى ذلك ابو هاشم الجعفري في رواية اخرى ان ابا الحسن قال: يا ابا هاشم ان اوهام القلوب ادق من ابصار العيون، انت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك، واوهام القلوب لا تدركه فكيف تدركه ابصار العيون.

وروى عن صفوان بن يحيى انه قال: سألني ابو قرة المحدث ان ادخه على ابي الحسن الرضا (ع) فاستأذنته في ذلك، فاذن له ودخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتى انتهى الى التوحيد، فقال ابو قرة انا روينا ان الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فجعل لموسى الكلام ولمحمد الرؤية فقال ابو الحسن الرضا (ع) فمن المبلغ عن الله الى الثقلين من الانس والجن لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علماً،

٢١٢

وليس كمثله شيء، اليس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال بلى، قال كيف يجيء رجل الى الخلق جميعاً فيخبرهم انه جاء من عند الله وانه يدعوهم الى الله بأمر الله، فيقول: لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، ثم يقول: انا رأيته بعيني واحطت به علماً، وهو على صورة البشر اما تستحون، ما قدرت الزنادقة ان ترميه بهذا ان يكون يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.

قال ابو قرة، فانه يقول: ولقد رآه نزلة اخرى، فقال ابو الحسن: ان بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: ما كذب الفؤاد ما رأى يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم اخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، وآيات الله غير الله، وقال: ولا يحيطون به علماً، واذا رأته الابصار فقد احاطت به علماً ووقعت المعرفة.

فقال ابو قرة فنكذب الروايات(١) فقال ابو الحسن (ع) اذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها، وقد اجمع المسلمون على انه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الابصار، وليس كمثله شيء، الى غير ذلك من الروايات التي اوردها في الكافي حول امتناع الرؤية في الدنيا والآخرة(٢) .

وجاء في الكافي المجلد الاول في باب النهي عن وصفه بغير ما وصف به نفسه، ان عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن اعين الى ابي عبد الله الصادق (ع) ان قوماً بالعراق يصفون الله بالصورة والتخطيط، فان رأيت جعلني الله فداك ان تكتب الي بالمذهب الصحيح

____________________

(١) المراد من الروايات التي أشار اليها ابو قرة ما اوردناه عن البخاري حول هذا الموضوع من مرويات ابي هريرة وانس بن مالك وغيرهما مما هو موجود في صحاح اهل السنة.

(٢) انظر ص ٩٦ من المجلد الاول اصول الكافي.

٢١٣

من التوحيد، فكتب الي: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب اليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصر وتعالى عما يصفه الواصفون المشبهون الله بخلقه المفترون على الله فاعلم رحمك الله، ان المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه(١) هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان(٢) .

وقد اورد في الكافي اثنتي عشرة رواية في هذا الباب وكلها تؤكد مضمون هذه الرواية. وروى في باب النهي عن التجسيم والتصوير عن علي بن حمزة انه قال: قلت لابي عبد الله الصادق (ع) سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم ان الله جسم صمدي نوري معرفته ضرورة يمن الله بها على من يشاء من خلقه، فقال (ع) سبحان من لا يعلم احد كيف هو الا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يحد ولا يحس، ولا تدركه الابصار ولا الحواس، ولا يحيط به شيء، ولا جسم، ولا صورة، ولا تخطيط ولا تحديد.

وروي عن محمد بن زيد انه قال: جئت الى الرضا (ع) اسأله عن التوحيد، فاملى عليه. الحمد لله فاطر الاشياء انشاء ومبتدعها ابتداعاً بقدرته وحكمته، لا من شيء فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع خلق ما شاء كيف شاء متوحداً بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبيته لا

____________________

(١) المراد من نفي البطلان هو النهي عن تجريده عن الصفات لان تجريده عن جميع الصفات يلزم منه التعطيل والمراد من نفي التشبيه أي عدم وصفه بصفات مخلوقاته بنحو يلزم منه تشبيهه بهم والمقصود بقوله (ع): فلا نفي ولا تشبيه عدم جواز نفي الصفات عنه نفياً باتاً وعدم جواز تشبيهه بمخلوقاته كما يصنع الاشاعرة.

(٢) ص ١٠٠ ج ١.

٢١٤

تضبطه العقول ولا تبلغه الاوهام، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به مقدار عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الابصار، وضلت فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب، واستتر بغير ستر، وعرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا اله الا الله الكبير المتعال.

واكثر المرويات التي ذكرها الكليني حول نفي التجسيم تشير الى ان هشام بن الحكم، وهشام بن سالم كانا يذهبان الى القول به، ولعل نسبة التجسيم التي الصقت بهما ظلماً وعدواناً، كانت من جملة الدوافع لسؤال الائمة عن هذه الناحية، بالاضافة الى شيوع هذه المقالة بين محدثي السنة وفقهائهم.

ولكن المتتبع لتاريخ هشام بن الحكم بصورة خاصة يطمئن الى برائته من هذه التهمة(١) وقد ذكرنا في الفصول السابقة ان مرويات الكافي ليست كلها جامعة لشروط الصحة، وان القسم الاكبر منها يدخل في نوع الضعيف نتيجة للتصنيف الذي احدثه الحلي واستاذه.

ويؤيد ذلك ان بين هذه المرويات التي تنسب التجسيم لهشام بن الحكم رواية علي بن أبي حمزة التي يدعي فيها ان هشاماً يقول: ان الله جسم صمدي نوري، وعلي بن ابي حمزة من ضعفاء الرواة، ومتهم بالكذب، ووضع الاحاديث، وبالاضافة الى ذلك، فقد كان من وكلاء الامام موسى بن جعفر، وتحت يده من امواله ثلاثون الف دينار، انكرها بعد وفاته، وانحرف عن المخطط الاثني عشري، وقد أطال المؤلفون في الرجال الحديث عنه، وجاء في بعض نصوصهم انه كان من المجدين في اطفاء نور الله.

____________________

(١) لقد تعرضنا لهذا الموضوع مفصلاً في كتابنا الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة في خلال حديثنا عن التجسيم وما يترتب عليه من اللوازم الفاسدة التي لا يمكن الالتزام بها بحال من الاحوال.

٢١٥

وقد روى عنه الكليني في مختلف المواضيع، ولعل ذلك من حيث اعتماد محمد بن عمير، وصفوان بن يحيى على بعض مروياته، وهما لا يرويان الا عن ثقة، كما يدعي ذلك بعض المؤلفين في الرجال(١) .

وممن نسب التجسيم لهشام بن الحكم يونس بن ظبيان، فقد روى عنه في الكافي انه قال دخلت على ابي عبد الله الصادق (ع)، فقلت له: ان هشام بن الحكم يقول قولاً عظيماً ويزعم: ان الله جسم ويونس بن ظبيان من الغلاة الوضاعين للحديث، وقد لعنه الامام علي بن موسى (ع) ومنهم علي بن العباس الذي يروي عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني، فقد روى عن الحسن بن عبد الرحمن انه قال: قلت لابي عبد الله: ان هشام بن الحكم زعم ان الله جسم ليس كمثله شيء، عالم قادر سميع بصير متكلم ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحداً، ليس شيء منها مخلوقاً، فقال قاتله الله، اما علم ان الجسم محدود والكلام غير المتكلم، معاذ الله وابرأ الى الله من هذا القول.

وعلي بن العباس من المذمومين، والمتهمين بالغلو كما نص على ذلك المؤلفون في الرجال(٣) .

ومهما كان الحال فالروايات التي تنسب التجسيم لهشام بن الحكم وغيره من اصحاب الائمة، والتي تعطي للائمة خصائص الخالق، وغير ذلك من الروايات المنافية لكتاب الله وسنة نبيه، هذا النوع من بين مرويات الكافي، لم تتوفر فيها شروط الرواية التي يصح الاعتماد عليها في الاصول والفروع كما ذكرنا.

____________________

(١) انظر اتقان المقال ص ٢٢٢ و ٢٢٣.

(٢) نفس افمصدر ص ٣٩٤ و ٣٩٥.

(٣) المصدر السابق ص ٣٢٧.

٢١٦

وروى في الكافي في باب صفات الذات عن محمد بن مسلم ان ابا جعفر الباقر (ع) قال في تحديد صفاته: انه واحد احدي المعنى، ليس بمعان كثيرة مختلفة، قال قلت: جعلت فداك يزعم قوم من اهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع، فقال: كذبوا والحدوا وشبهوه، تعالى عن ذلك، انه سميع بصير يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع، قال قلت: يزعمون انه بصير على ما يعقلونه(١) فقال (ع) كذبوا انما يعقل ما كان بصفة المخلوق، وليس الله كذلك.

وروى عن هشام بن الحكم ان الامام الصادق (ع) قال في جواب الزنديق الذي سأله عن الله سبحانه: هو سميع بصير يسمع بغير جارحة ويبصر بغير آلة، سميع بنفسه، ويبصر بنفسه، وليس قولي انه سميع بنفسه انه شيء والنفس شيء آخر، ولكني اردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وافهاماً لك اذ كنت سائلاً، فاقول سميع بكله لا ان كله له بعض، لان الكل لنا له بعض، ولكني اردت افهامك، وليس مرجعي في ذلك كله الا انه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى(٢) .

وفي بيان المراد من الآية: «الرحمن على العرش استوى» من كتاب

____________________

(١) أي من الابصار بآلة البصر اما لانه جسم مركب من مجموعة اجزاء ومنها آلة البصر. او لان صفاته غير ذاته كما يدعي الاشاعرة وملخص الجواب. انهم يثبتون لله تعالى ما يعقلونه من صفاتهم. والله منزه عن مشابهتهم.

(٢) والذي اراده الامام (ع) من ذلك ان الله ليس له نفس وبعض كما هو الحال بالنسبة لمن يسمع ويبصر من مخلوقاته بل جرى في كلامه مع السائل على المألوف في مقام التخاطب بقصد افهام السائل ويعني بذلك انه لا يسمع ويبصر بآلة ترسم الصور في عقله وذهنه. ولو كان كذلك لزمك تعدد القديم.

٢١٧

التوحيد اورد بعض المرويات التي تفسر المراد من العرش والاستواء عليه، والحركة والانتقال فقد روى عن عيسى بن يونس ان ابن ابي العوجاء قال لابي عبد الله الصادق (ع) في بعض محاوراته معه: ذكرت الله فاحلت على غائب، فقال ابو عبد الله: ويلك كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهدهم واليهم اقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى اشخاصهم، ويعلم اسرارهم.

فقال ابن ابي العوجاء اهو في كل مكان، اليس اذا كان في السماء كيف يكون في الارض، واذا كان في الارض كيف يكون في السماء فقال ابو عبد الله: انما وصفت المخلوق الذي اذا انتقل من مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار اليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم، فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون الى مكان اقرب منه الى مكان.

وروى عن عبد الرحمن بن الحجاج انه قال: سألت ابا عبد الله الصادق (ع) عن قول الله تعالى «الرحمن على العرش استوى» فقال: استوى في كل شيء، فليس شيء اقرب اليه من شيء، لم يبعد عنه بعيد، ولم يقرب منه قريب استوى في كل شيء(١) .

وقد اطال في الكافي في عرض المرويات عن الائمة (ع) حول التوحيد، وما يتفرع عنه، وتضمنت تلك المرويات دفع جميع الشبه والآراء التي راجت في ذلك العصر بين فرق المسلمين، وتنزيهه عن الجسمية والشبه

____________________

(١) ومن هذه الرواية وغيرها مما جاء حول تفسير هذه الآية ان المراد من العرش هو جميع مخلوقاته. والاستواء عليه كناية عن الاستيلاء والاشراف فيكون المعنى المتحصل من هذه الآية انه قد استولى واشرف على جميع مخلوقاته وتساوت نسبته الى جميعها من حيث علمه وقدرته عليها واحاطته بها.

٢١٨

بمخلوقاته، وعن كل ما لا يليق بذاته تعالى من الصفات والنعوت وغير ذلك مما اثبته له الملاحدة والمشبهة والاشاعرة، واقتصرنا على هذه النماذج من المرويات تهرباً من التطويل. على ان بقية الروايات لا تختلف عن هذه النماذج الا بالاسلوب وعرض الفكرة، واحياناً قد يختصر الامام او يطيل في عرض الفكرة وتقريبها حسب المناسبات ويختلف ذلك باختلاف حال السائل(١) .

____________________

(١) انظر ص ٧٨ و ٨١ و ٩٦ و ١٠٠ و ١١٧ و ١٢٨ وما بعدها المجلد الاول.

٢١٩

البداء في الكافي

لقد روى الكليني في باب البداء ست عشرة رواية، وجاء في بعضها ان الاقرار والاعتراف لله بالبداء من الايمان، وفي بعضها الآخر ان الايمان لا يتم بدونه، وانه من افضل العبادات.

وجاء في رواية زرارة عن ابي عبد الله (ع) انه قال: ما عبد الله بشيء مثل البداء، وفي رواية هشام بن سالم، ما عظم الله بمثل البداء.

وفي رواية محمد بن مسلم ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال: ما بعث الله نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال، الاقرار له بالعبودية، وخلع الانداد، وان الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء.

وروى الفضيل بن يسار عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال: العلم علمان، فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه احداً من خلقه، وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله، فانه سيكون، لا يكذب نفسه، ولا ملائكته ورسله، وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويثبت ما يشاء.

وجاء في رواية ابي بصير ان هذا النوع من العلم منه يكون البداء، الى غير ذلك من المرويات التي أوردها الكليني وغيره حول البداء ومن هذه المرويات تكونت فكرة البداء عند الامامية، ولكن المشوشين على

٢٢٠