دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري0%

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 357

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 59762
تحميل: 7409

توضيحات:

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59762 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف:
العربية

الشيعة قد اسرفوا في التشنيع عليهم من غير ان يتفهموا المراد منه، مع العلم بأن البداء بالمعنى الذي نذهب اليه لا يتنافى مع اصول الاسلام، ولا يلزمه شيء من المحاذير، وغالى اكثرهم في التشنيع على الشيعة فادعوا بأن فكرة البداء من مخترعات المختار بن عبيدة الثقفي ومنه انتقلت الى الشيعة واصبحت عقيدة لهم على حد تعبيرهم، وذلك حينما بلغ الصراع اشده بينه وبين مصعب بن الزبير، وارسل جيشاً لحرب مصعب بقيادة احد اتباعه (احمد بن شميط) وقال لهم: ان الوحي قد أخبره بأن الظفر سيكون لكم، وشاءت الصدف ان ينهزم اتباعه في جميع المعارك التي دارت بينهم وبين الزبيريين، فقال لهم، لقد وعدني ربي بالنصر، ثم بدا له، وتلى عليهم قوله تعالى:

«يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب» واضافوا الى ذلك انه كان احياناً يخبر اصحابه بامور ينسبها الى الله تعالى بقصد تضليل البسطاء والمغفلين من اتباعه، فاذا ظهر لهم خلافها، قال بدا لربكم، وانطلقوا من هذه الاساطير الى ان هذه المقالة راجت بين الشيعة، واصبحت جزء من عقائدهم، فأضافوا الى اقوال الائمة على حد تعبيرهم، وفسروا البداء بأن الله سبحانه يتعلق علمه بشيء، ثم يبدو له تركه لوجود مفسدة فيه كانت خافية عليه اولاً، او لرجحان تركه على فعله، ولازم ذلك تبدل ارادته وتجدد علمه، وذلك لا يكون الا لمن يجهل العواقب وتخفى عليه جهات الصلاح والفساد، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

بهذا التسلسل لتاريخ البداء، وبهذا المعنى الذي لا يتناسب مع عظمة الخالق انطلق الكتاب والمؤلفون وغيرهم للهجوم على الشيعة قديماً وحديثاً، مع العلم بأن الشيعة وبخاصة الاثنا عشرية منهم ينزهون الله سبحانه ويعظمونه اكثر من جميع الفرق، ويرون ان البداء بهذا المعنى

٢٢١

كفر وجحود يستحق قائله الخزي والعذاب الاليم، وقد لعن الامام اصحاب هذه المقالة كا جاء في بعض مرويات الكافي حول هذا الموضوع.

فقد روى عن منصور بن حازم انه قال: سألت ابا عبد الله (ع) هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس؟ فقال: لا من قال هذا اخزاه الله، قلت أرأيت ما كان، أرأيت ما هو كائن الى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال: بلى قبل ان يخلق الله الخلق.

ومهما كان الحال فلفظ البداء يتحمل المعنيين التاليين، الاول الظهور والابانة، ومنه قوله تعالى: «وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون». وقوله: «وبدا لهم سيئات ما كسبوا».

الثاني تغير الارادة وتبدل العزيمة، تبعاً لتغير العلم وتجدده، وهو بهذا المعنى لا يجوز بالنسبة اليه تعالى، ولا يقول به احد من الامامية كما ذكرنا.

والمعنى الاول هو الذي يقصده الشيعة من البداء الذي نصت عليه بعض المرويات عن الائمة (ع).

قال الشيخ المفيد في رسالته التي شرح فيها رسالة الصدوق في الاعتقادات: والاصل في البداء هو الظهور، قال تعالى في سورة الزمر:

«وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون» أي ظهر لهم من افعال الله ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم، وقال في السورة المذكورة:

«وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم» أي ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم، واضاف الى ذلك. ان العرب تقول: قد بدا لفلان عمل

٢٢٢

حسن، وكلام فصيح، كما يقولون بدا من فلان، فتكون اللام بمعنى من وقائمة مقامها، والمعنى في قول الامامية بدا لله كذا أي ظهر له فيه، وبتقدير ان اللام بمعنى من، يكون المراد من هذه الكلمة، ظهر منه.

والمتحصل من ذلك ان البداء الذي نقول به هو بمعنى الظهور والابانة، ونسبته الى الله فيما لو قلنا بدا لله كذا أي ظهر من الله ما كان خافياً على جميع مخلوقاته ولم يكن في حسابهم.

وقد اكد هذا المعنى الشيخ الكراجكي في كنز الفوائد حيث قال: ان المراد من البداء ان يظهر للناس خلاف ما توهموه، وينكشف لهم غير ما كانوا يعتقدون من دوام الامر واستمراره، وسمي هذا النوع بالبداء لمشابهته لمن يأمر بالشيء او يخبر به ثم ينهى عنه في وقته.

وتفسير البداء بهذا المعنى ليس بعيداً عن مفاد بعض الروايات التي جاء فيها انه من علم الله المكنون الذي لم يظهر لاحد، حتى للانبياء والمرسلين، وانه من افضل ما عبد به الله الى غير ذلك من المرويات التي ربطت بين الايمان به والايمان الاكيد بالله، ذلك بأن هذا التفسير للبداء مفاده ان ما ظهر للناس هو من علمه المكنون الذي لم يطلع عليه احداً من عباده ولم يكن محتسباً ظهوره او مظنوناً وقوعه، وافتراض البداء من هذا العلم لا بد وان يقترن بالاقرار والاعتراف لله سبحانه بالاحاطة بكل شيء والقدرة المطلقة التي لا تحيط بها الظنون ولا تحدها الاوهام، واذا بلغ الانسان من الايمان بالله الى هذه المرتبة يصبح في أعلى درجات الايمان وفي مصاف الاولياء والصديقين الذين يراقبون الله في جميع حالاتهم وتصرفاتهم.

ومما يؤكد ارادة هذا المعنى من البداء، ما جاء في اوائل المقالات للمفيدرحمه‌الله . حيث قال: وانما يوصف من افعاله بالبداء ما لم

٢٢٣

يكن محتسباً ظهوره او مظنوناً وقوعه، اماماً علم كونه، او غلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ البداء.

هذا مع العلم بأن نسبة البداء الى الله والحالة هذه لا تخلو من التجوز كما نص على ذلك الكراجكي في كنز الفوائد.

ولو تغاضينا عن كل ذلك، وقلنا ان البداء المنسوب اليه من صفاته تعالى، فلا بد وان يكون المراد منه حين ينسب اليه انه قادر على ان يرفع ويضع ويمحو ويثبت، واثبات القدرة له بهذا النحو لا يعني تجدداً في علمه ولا تغييراً في ارادته، ذلك لان علمه وارادته يتعلقان بالاشياء بما هي مقدرة له وتحت تصرفه وسلطانه.

٢٢٤

البداء في صحيح البخاري

على ان البداء الوارد في مرويات الشيعة وارد بهذا اللفظ في مرويات السنة وفي صحاحهم.

فقد روى البخاري عن ابي عمرة ان ابا هريرة حدثه انه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ان ثلاثة من بني اسرائيل ابرص واعمى واقرع بدا لله ان يبتليهم، فبعث اليهم ملكاً فأتى الابرص، فقال: أي شيء احب اليك، فقال لون حسن وجلد حسن، قد قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه، فأُعطي لونا حسناً وجلداً حسناً، ثم قال له: أي المال أحب اليك، فقال: الابل، فأُعطي ناقة عشراء، وأتى الاقرع فقال: أي شيء احب اليك، قال شعر حسن، ويذهب عني هذا قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه واعطي شعراً حسناً، ثم قال له: فأي المال أحب اليك، فقال: البقر، فأعطاه بقرة حاملاً، وأتى الاعمى فقال: أي شيء احب اليك، قال: يرد الله الي بصري، فمسحه فرد الله اليه بصره، قال: فأي المال أحب اليك، قال: الغنم، فأعطاه شاة ولوداً، وجاء في الحديث ان الابل والبقر والغنم تكاثرت عند هؤلاء حتى اصبح لكل واحد منهم قطيع من هذه الاصناف، ثم ان الملك أتى الابرص والاقرع والاعمى كلاً على صورته، وطلب من كل واحد منهم ان يعطيه مما عنده، فرده الاقرع والابرص، فأرجعهما الله الى ما كان عليه، وأعطاه الاعمى فزاده الله وأبقاه مبصراً(١) .

فهذه الرواية صريحة في نسبة البداء الى الله تعالى وربما كانت أظهر في المعنى المنسوب الى الشيعة من الرواية التي ورد فيها هذا اللفظ بين مروياتهم كما يبدو ذلك من صيغة الرواية التي ورد فيها لفظ البداء.

____________________

(١) انظر المجلد الثاني من الصحيح للبخاري ص ٢٥٩.

٢٢٥

هذا بالاضافة الى بعض المرويات التي تؤدي معنى البداء المنسوب الى الشيعة وان لم يرد فيها لفظه صريحاً، فقد جاء في رواية البخاري التي وصف فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رحلته الى السماء ليلة المعراج، انه مر على موسى (ع) فقال له بما أمرك ربك؟ فقال: أمرني بخمسين صلاة كل يوم، فقال له: أُمتك لا تستطيع ذلك، واني والله لقد جربت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة، فارجع الى ربك واسأله التخفيف، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فرجعت اليه فوضع منها عشراً، فأخبرت موسى بذلك فأمرني أن أرجع اليه مرة أُخرى، فرجعت اليه مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة بأمر من موسى وفي كل مرة يخفف منها عشراً حتى استقرت على الخمس صلوات في اليوم الواحد، وجاء في الرواية ان موسى اشار عليه أن يرجع ويطلب منه تخفيفها فامتنع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حياء من ربه(١) .

ونحن لا ننسب لاخواننا أهل السنة من خلال هذه المرويات ما لا يتفق مع اصول الاسلام وفروعه ولا نستغل وجودها بين مروياتهم للتشنيع والتشويه لآثارهم ومعتقداتهم ولو كنا نحمل مثل هذه الروح الشريرة لكان من أيسر الامور علينا ونرغب اليهم ان ينظروا الى المقامين بعين واحدة وان يرجعوا الى كتب علماء الشيعة التي تعبر عن رأيهم في مثل هذه المواضيع، وان لا يستبدوا بتفسير بعض المرويات حسب أهوائهم ونزعاتهم لانا اقدر منهم على رد الصاع صاعين.

____________________

(١) ص ٣٣٨ و ص ٢١١ ج ٢ وتكررت في المجلد الرابع وغيره. والجمود على ظاهر الرواية يلزمه احد امرين اما تكليف العباد بما لا يطيقون حيث انه كلفهم بما لا يقدرون عليه كما جاء فيها عن لسان موسى واما ان الله سبحانه حينما فرض الصلاة على المسلمين لم يكن يعلم قدرتهم على اداء هذا المقدار، كما وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يعلم ذلك حتى جاء موسى وكشف لله ولرسوله عن واقع حالهم تعالى الله عما يرويه ابو هريرة وكعب الاحبار وحشوية العامية علواً كبيراً.

٢٢٦

القدر في صحيح البخاري والكافي

فقد روى عن زيد بن وهب عن عبد الله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ان احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوماً، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع برزقه وأجله أشقي او سعيد، فوالله ان الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع او ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع او ذراعين، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.

وروي عن انس بن مالك ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: وكل الله بالرحم ملكاً فيقول: أي ربي نطفة، أي ربي علقة، أي ربي مضغة، فاذا أراد الله ان يقضي خلقها، قال: أي ربي ذكر أم انثى، أشقي أم سعيد، فما الرزق، فما الاجل فيكتب كذلك في بطن أُمه.

وروى عن عمران بن حصين ان رجلاً قال يا رسول الله: ايعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم، قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له.

وروى عن ابي هريرة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم انت ابونا خيبتنا واخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده اتلومني على أمر

٢٢٧

قدره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فحج آدم موسى وكررها ثلاثاً. الى غير ذلك من المرويات التي أوردها البخاري في صحيحه حول القدر المتفقة في مضامينها(١) .

وجاء في الكافي حول هذا الموضوع عن منصور بن حازم ان أبا عبد الله الصادق (ع) قال: ان الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه الله سعيداً لم يبغضه أبداً، وان عمل شراً أبغض عمله ولم يبغضه، لما يصير اليه، فاذا أحب الله شيئاً لم يبغضه ابداً، واذا أبغض شيئاً لم يحبه ابداً(٢) .

وروى عن احمد بن محمد بن خالد بسنده الى علي بن حنظلة ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال: يسلك بالسعيد طريق الاشقياء حتى يقول الناس: ما اشبهه بهم، بل انه منهم، ثم تتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعادة حتى يقول الناس: ما اشبهه بهم بل انه منهم، ثم تتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعادة حتى

____________________

(١) انظر ص ١٤٣ وما بعدها من المجلد الرابع.

(٢) والمراد من قوله ان الله خلق السعادة والشقاء قبل ان يخلق خلقه انه تعالى علم ما سيكون من امر الانسان من حيث اختياره لسلوك طريق السعادة او الشقاء فقدرعليه ما يختاره وكتبه مع السعداء او الاشقياء فأحب السعيد وابغض الشقي. ومع ذلك فلو صدر من الشقي عمل صالح احب منه ذلك العمل. ولو صدر من السعيد عمل قبيح ابغضه وان كان هو في ذاته محبوباً له سبحانه. فهذه الرواية وما ورد بهذا المضمون لا تدل على ان الانسان مسير في اعماله لما قدر عليه ولا يختار من امره شيئاً كما يدعي القائلون بهذه المقالة ولعل المرويات التي اوردها البخاري وغيره من محدثي السنة من جملة الدوافع على انتشار هذه المقالة بين محدثي السنة وفقهائهم وجميع اصنافهم مع انها لو صحت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بد من تأويلها بما ذكرنا.

٢٢٨

يقول الناس، ما اشبهه بهم بل هو منهم، ثم يتداركه الشقاء، ان من كتبه الله سعيداً وان لم يبق من الدنيا فواق ناقة ختم له بالسعادة(١) .

وروى عن ابي بصير انه قال: كنت بين يدي ابي عبد الله الصادق (ع) جالساً وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يابن رسول الله من اين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم الله عليهم في علمه بالعذاب على عملهم، فقال: ايها السائل حكم الله عز وجل لا يقوم له احد من خلقه بحقه، فلما حكم بذلك وهب لأهل محبته القوة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم، ومنعهم اطاقة القبول فوافقوا ما سبق لهم في علمه، ولم يقدروا أن يأتوا حالاً تنجيهم من عذابه، لان علمه أولى بحقيقة التصديق(٢) .

وروى في الكافي في باب الجبر والقدر ما يرفع الالتباس ويفسر المراد من القدر، عن سهل بن زياد واسحاق بن محمد، قالا: كان أمير المؤمنين جالساً في الكوفة بعد منصرفه من صفين، اذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، وقال له: يا امير المؤمنين اخبرنا عن مسيرنا الى أهل الشام ابقضاء من الله وقدر؟ فقال (ع) أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد الا بقضاء من الله وقدر، فقال له الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال له مه يا شيخ، والله لقد عظم الله لكم الاجر في مسيركم وانتم سائرون، وفي مقامكم وانتم مقيمون، وفي منصرفكم وانتم

____________________

(١) هذا الحديث يتفق مع الحديث الذي رواه البخاري عن النبي اتفاقاً كلياً.

(٢) فحكم الله عليهم نشأ من علمه باختيارهم طرق الشقاء والسعادة وحيث علم منهم ذلك وعلمه لا يمكن ان يخلف حكم عليهم وامدهم بالقوة والقدرة فهم قادرون على الشر والخير وجوداً وعدماً. اذ لا تصدق القدرة الا اذا تساوت بالنسبة للوجود والعدم وبذلك يصح الثواب والعقاب والمدح والذم.

٢٢٩

منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا اليه مضطرين.

فقال له الشيخ، كيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا اليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له اتظن انه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن، ولكان المذنب اولى بالاحسان من المحسن، والمحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها.

ان اللّه كلف تخييراً، ونهى تحذيراً، واعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً ولم يملِّك مفوضاً، ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلاً، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثاً، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(١) .

____________________

(١) ان النزاع في القضاء والقدر ونسبتهما الى الافعال يرجع تاريخه الى القرن الاول الذي انتشرت فيه الدعوة الاسلامية خارج البلاد العربية واتصل المسلمون العرب بغيرهم من الامم ذات الديانات المختلفة، وقد تشعبت فيهما الآراء، فقال فريق بأن تعلق الارادة بالاشياء يوجب سلب الاختيار، ولازم ذلك ان يكون الانسان مجبوراً في افعاله، وقال فريق آخر وهم المفوضة بأن الانسان مختار في افعاله، وقال فريق آخر وهم المفوضة بأن الانسان مختار في افعاله، والارادة الالهية لم تتعلق بشيء من افعال الانسان وقد نفى الامام (ع) في جوابه للسائل كلا الامرين فقال: لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب أي لو كان قضاء حتماً وقدراً لازماً بنحو لا يكون للعبد ارادة واختيار في افعاله يكون العقاب من الله على القبيح ظلماً لانه هو الفاعل ولا يستحق الانسان على الخير شيئاً لانه مدفوع الى فعله قهراً وبدون ارادة واختيار وقد دفع شبهة التفويض بقوله (ع): ولم يعص مغلوباً. أي ان الانسان لو كان خالقاً لفعله من غير ان يكون لله رأي في ذلك. كانت مخالفته لما كلفه الله به من الافعال غلبة منه على الله سبحانه. كما وان قوله (ع) ولم يطع مكرهاً تعريض بالمجبرة الذين ذهبوا الى ان الانسان مسير للقضاء الحتمي والقدر اللازم ولا يملك الاختيار في شيء من حالاته.

٢٣٠

وقد اورد في الكافي مجموعة من المرويات عن الائمة (ع) تفسر المراد من القدر والقضاء الذي يجب الايمان بهما وتنص على ان القدر والقضاء لا يسلبان ارادة العبد وقدرته على افعاله، مع العلم بأنه هو الذي أمد الانسان شقياً كان في علم الله، ام سعيداً بالقدرة والقوة على مزاولة اعماله والاتيان بها.

فقد جاء في رواية يونس بن عبد الرحمن عن حفص بن قرط عن ابي عبد الصادق (ع) ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من زعم ان الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم ان الخير والشر بغير مشيئة الله فقد اخرج الله عن سلطانه، ومن زعم ان المعاصي بغير قوة الانسان فقد كذب على الله، ومن كذب على الله ادخله الله النار(١) .

وروى عن علي بن الحكم عن صالح النيلي انه قال: سألت ابا عبد الله (ع) هل للعباد من الاستطاعة شيء فقال: اذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم، قلت وما هي؟ قال الآلة، مثل الزاني اذا زنى كان مستطيعاً للزنى حين زنى ولو انه ترك الزنى ولم يزن كان مستطيعاً لتركه اذا ترك، ثم قال: ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير، ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعاً، قلت فعلى ماذا يعذبه! قال بالحجة البالغة، والآلة التي ركبها فيهم، ان الله لم يجبر احداً على معصيته، ولا أراد ارادة حتم الكفر من احد، ولكن حين

____________________

(١) فقد ابطل بهذه الرواية مزاعم الفريقين المجبرة والمفوضة لان من زعم ان الله يأمر بالسوء والفحشاء يدعي بأن ارادة الله هي التي تسير الانسان بنحو لا يملك من امره شيئاً ومن زعم بأن الخير والشر بغير مشئية تعالى فقد عزل الله من سلطانه فلا بد من الواسطة بين القولين وذلك بأن نقول: مع ان الله قضى وقدر فقد اعطى الانسان والقدرة على افعاله والقوة عليها فهو يفعل بالقدرة التي وهبها له على الفعل والترك، فاذا فعل او ترك يصح نسبة الفعل او الترك اليه من حيث تساوي قدرته بالنسبة اليهما.

٢٣١

كفر كان في ارادة الله ان يكفر، وهم في ارادته وفي علمه ان لا يصيروا الى شيء من الخير، قلت: أراد منهم أن يكفروا قال ليس هذا أقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم وليست هي ارادة حتم وانما هي ارادة اختيار(١) .

____________________

(١) والفقرة الاخيرة من هذه الرواية تؤيد ما علقناه على الرواية السابقة كما يبدو ذلك من قوله: علم انهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم، أي انه لما علم بأنهم سيختارون الكفر بالقدرة التي خلقها الله فيهم بنحو يكون الوجود والعدم في مقدورهم. لما علم فيهم ذلك ارادة فيهم اراده اختيار أي ارادة تتعلق به من حيث اختيارهم له وقدرتهم على ايجاده وليست الارادة في المقام الا علمه باختيارهم الكفر والعصيان.

٢٣٢

من كتاب العلم في صحيح البخاري

لقد اشتمل كتاب العلم من الصحيح للبخاري على مجموعة من الابواب المختلفة، وحشد فيها طائفة من المرويات عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نذكر منها نماذج بنصها الحرفي، ونترك للقارئ الحكم على هذه المرويات ومناسباتها، فقد جاء في باب فضل العلم عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة انه قال: بينما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مجلس يحدث القوم جاءه اعرابي فقال له: متى الساعة يا رسول الله؟ فمضى النبي في حديثه، فقال بعض القوم: لقد سمع رسول الله وكره قوله. وقال آخرون، انه لم يسمع حتى اذا أنهى حديثه، قال أين أراد السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة، قال: كيف اضاعتها قال: اذا اسند الامر الى غير اهله(١) .

وفي باب ما جاء في العلم روى عن انس بن مالك انه قال: بينما نحن جلوس مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم علقه، وقال لهم: أيكم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبي متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا هذا الرجل الابيض المتكئ، فقال الرجل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اني سائلك ومشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك، فقال

____________________

(١) واسناد الامر الى غير اهله انما يكون اذا غلب الجهل على العلم وعمت الفوضى وانتشر الفساد والمنكر بين الناس. واصبح اولياء الامور من دعاة الشر والفساد. فعندها ينبغي للانسان ان يعتصم بدينه ويترقب ساعة الخلاص والفرج.

٢٣٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سل عما بدا لك، فقال أسألك بربك ورب من قبلك، الله أرسلك الى الناس كلهم، فقال اللهم نعم، قال انشدك بالله الله أمرك ان نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة، قال اللهم نعم، قال انشدك بالله الله امرك ان تأخذ هذه الصدقة من اغنيائنا وتقسمها على فقرائنا، قال اللهم نعم، قال الرجل: آمنت بما جئت به وانا رسولك لمن ورائي من قومي(١) .

وفي باب فضل من علم وعلم، روى عن ابي بردة عن ابي موسى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلاء والعشب الكثير، وكانت منها اجادب امسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، واصاب منها طائفة اخرى انما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلاء، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به.

وفي باب رفع العلم وظهور الجهل روى عن انس بن مالك انه قال: لأُحدثكم حديثاً لا يحدثكم به احد بعدي، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من اشراط الساعة ان يقل العلم، ويظهر الجهل والزنا، وتكثر

____________________

(١) لم يكن الذين آمنوا بمحمد على وتيرة واحدة فمنهم المعاند الذي كان يتحكم ويقترح على النبي المعجزات والخوارق التي يعجز عن ايجادها الانسان كانشقاق القمر وتكليم الشجر وتسبيح الحصى ونحو ذلك ومعلوم ان هذا النوع من الآيات اذا وجد النبي ضرورة ملحة اليها دعا الله لايجادها ومنهم من آمن به حينما سمع آيات القرآن التي يعجز البشر عن الاتيان بمثله ومنهم من آمن به لانه يعلم من حاله بأنه لا يعرف الكذب ولا يقول الا الحق كالذي ردد عليه هذه الاسئلة ومنهم من اسلم دجلاً او خوفاً وطمعاً.

٢٣٤

النساء وتقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد(١) .

ومن الممكن ان يكون المراد من قلة العلم وكثرة النساء وغيرهما من الفقرات التي تشتمل عليها، هو انه اخبار سينتهي اليه الانسان وقد انتهى الى اكثره وهو عدم استعمال العلماء علمهم فيما يعود على البشرية بالخير ويخفف عنها آلام الفقر والبؤس والمرض، وقد استعملوه بدلاً عن ذلك للسيطرة على الشعوب واستغلال ثرواتها وخيراتها وضع آلات الدمار والخراب التي تستنزف القسم الاكبر من امكانيات الشعوب وخيرات الارض، كما تضع الدول الكبرى في عصرنا الحاضر التي تنفق آلاف المليارات على وسائل الدمار وعشرات الملايين يموتون جوعاً هنا وهناك.

فالعلم الذي يعطي هذه النتائج السيئة لا يعد علماً ما دام مسخراً لشهوات الانسان واهوائه بل هو في واقعه أسوأ من الجهل، واضرار الجهل اذا قيست بأضراره لا تكون شيئاً مذكوراً، ولو قدر لتلك الدول الكبرى التي تملك آلات الدمار ان تصطدم تتعرض البشرية لكارثة لا يحصي نتائجها الا الله ويصبح لكل خمسين إمرأة رجل واحد، كما وان اكثر المتقمصين لثوب رجل الدين ويتاجرون به يتسببون لتنكر الناس منه وحتى للخروج منه احياناً.

وفي باب فضل العلم روى عن ابن عمر انه قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: بينا أنا نائم أُتيت بقدح لبن فشربت حتى اني لأرى الري

____________________

(١) انظر ج ١ من صحيح البخاري ص ٢١ و ٢٣ و ٢٦ والظاهر ان هذه الامور ليست من العلامات الحتمية لقيام الساعة وليست من اسبابها وانما هي من المقارنات بمعنى انه عند حدوث الساعة لا بد وان يكون العالم في مثل هذه الحالات من الفوضى وانتشار الفساد والمنكرات وانصراف الناس عن الاديان واهلها.

٢٣٥

يخرح من اظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا فما اولته يا رسول الله قال: بالعلم!

وفي باب الحرص على الحديث روى عن أبي هريرة انه قال: قيل يا رسول الله: من اسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال لقد ظننت يا ابا هريرة ان لا يسألني عن هذا الحديث احد قبلك لما رأيت من حرصك على الحديث، اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله الا الله خالصاً من قلبه ونفسه.

ولقد روى هذا الحديث ابو هريرة ليثبت ان الرسول قد شهد له بالحرص على رعاية الحديث في مقابل الشبهات التي أُثيرت حوله حينما اكثر من الرواية عنه وتعرض للتكذيب والضرب احياناً واعرض الناس عن حديثه.

وفي باب كتابة العلم روى عن عبد الله بن العباس انه قال: لما اشتد برسول الله الوجع قال: آتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقال عمر بن الخطاب: ان النبي قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس وهو يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه(١) .

واكثر المحدثين رووا عنه انه قال ان النبي ليهجر أي انه يتكلم بدون وعي وتصور من شدة الوجع والالم.

وروى في باب حفظ العلم عن أبي هريرة انه قال: ان الناس يقولون اكثر ابو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت احداً، ثم

____________________

(١) انظر ج ١ ص ٢٧ و ٣٠ و ٣٢ من الصحيح للبخاري.

٢٣٦

قال: ان اخواننا المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق، وان اخواننا الانصار كان يشغلهم العمل في اموالهم، وان ابا هريرة كان يلزم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون.

وروى عنه انه قال قلت لرسول الله: اني اسمع منك حديثاً كثيراً انساه، قال ابسط ردائك فبسطته فغرف بيده، ثم قال ضمه فضممته فما نسيت شيئاً بعده وقال: حفظت من رسول الله وعائين، اما احدهما فبثثته، واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم(١) .

____________________

(١) وبالطبع ان الوعاء الثاني الذي لم يحدث به ابو هريرة هو الاسرار الالهية التي لا تتحملها عقول البشر، ولم يحط بها علماً سوى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وابو هريرة، ولذا لو حدث بها لقطع المسلمون بلعومه لان العقول لا تتحملها في عصر الصحابة الاولين، ولما جاء دور معاوية والامويين وجد مجالاً لبثه فحدث منه عن فضل الامويين والشام وسكانها وفضائل عثمان ومعاوية وغيرهما ممن اعلن العداء لعلي (ع) وآله الكرام. انظر ص ٢٤ و ٣٧

٢٣٧

من كتاب العلم في الكافي

روى الكليني في باب فرض العلم ووجوب طلبه عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم، الا ان الله يحب بغاة العلم.

وروى عن الفضل بن عمر انه قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: عليكم بالتفقه في الدين، لا تكونوا اعراباً، فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامه، ولم يزك له عملاً.

وروى عن جميل بن دراج ان ابان بن تغلب قال: سمعت الامام الصادق يقول: لوددت ان اصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا في دينهم. وروى عن أبي حمزة الثمالي ان أبا جعفر الباقر كان يقول: عالم ينتفع بعلمه افضل من سبعين عابداً(١) .

وروى عن السكوني انه قال: روى الامام الصادق عن آبائه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا خير في العيش الا لرجلين عالم مطاع او مستمع داع.

____________________

(١) ومن هذه الرواية يظهر ان العلم مهما كان نوعه اذا افاد الناس في معاشهم او معادهم يكون محبوباً لله سبحانه. والعالم الذي يتجه بعلمه لخير الانسان اذا كان مؤمناً بالله ورسوله افضل من العابد بسبعين مرة لان العابد لا ينفع الا نفسه، والعالم الذي يستعمل علمه في الخير ينفع الملايين من البشر لانه يسهل لهم سبيل الحياة الحرة الكريمة، ويقربهم الى الله سبحانه.

٢٣٨

وروى عن حماد بن عيسى عن القداح عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ان فضل العالم على العابد كفضل القمر على النجوم ليلة البدر. وان العلماء ورثة الانبياء، وانهم لم يورثوا غير العلم فمن أخذ منه اخذ بحظ وافر.

وروى عن ابي بصير ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال: من علم خيراً فله مثل أجر من عمل به، قلت فان علمه غيره يجري ذلك له؟ قال: ان علمه الناس كلهم جرى له، قلت فان مات، قال: وان مات.

وفي باب صفة العلماء، روى معاوية بن وهب ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، ولمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم.

وروى عن الحارث بن المغيرة، ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال: في تفسير قوله تعالى: «انما يخشى اللّه من عباده العلماء» ان الآية تعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم».

وروى عن الحلبي عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان امير المؤمنين (ع) كان يقول: الا اخبركم بالفقيه؟ الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ومن لم يؤمنهم من عقاب الله، ولم يرخص لهم في معصية الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه الى غيره، الا لا خير في علم ليس فيه تفهم، الا لا خير في عبادة ليس فيها تدبر، الا لا خير في عبادة لا فقه فيها، الا لا خير في نسك لا ورع فيه.

وروى عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (ع) ان امير المؤمنين (ع) كان يقول: يا طالب العلم ان للعلم ثلاث علامات. العلم

٢٣٩

والحلم والصمت، وللمتكلف ثلاث علامات، ينازع من فوقه بالمعصية، ويظلم من دونه بالغلبة، ويظاهر الظلمة(١) .

وروى عن ابي جعفر الباقر: ان علي بن الحسين (ع) كان يقول: يسخي نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول الله عز وجل: «أولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها» وهو ذهاب العلماء(٢) .

وروى عن سفيان بن عيينة، ان ابا جعفر الباقر (ع) قال: لمجلس اجلسه الى من اثق به اوثق في نفسي من عمل سنة.

وروى في باب النهي عن القول بغير علم روي عن ابي عبيدة الحذاء ان ابا جعفر الباقر (ع) قال: من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه.

وروى عن داود بن فرقد ان عبد الله بن شبرمة احد القضاة لابي جعفر المنصور قال: ما ذكرت حديثاً سمعته من جعفر بن محمد، الا كاد قلبي ان يتصدع. قال: حدثني ابي عن جدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ابن شبرمة واقسم بالله ما كذب ابوه على جده ولا جده على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من عمل بالمقاييس فقد هلك واهلك، ومن افتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك واهلك.

وفي باب استعمال العلم روى عن امير المؤمنين (ع) انه سمع

____________________

(١) أي يكون لهم عوناً ونصيراً على ظلمهم.

(٢) والمقصود من الرواية ان الآية الكريمة تجعل نفسه سخية في حب الموت او القتل. انظر ص ٢٠ و ٣١ و ٣٢ و ٣٥ و ٣٦ و ٣٨ من المجلد الاول اصول الكافي.

٢٤٠