دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري0%

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 357

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 59767
تحميل: 7409

توضيحات:

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59767 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف:
العربية

رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحد، ورواه عنه غيره بالتسلسل الى ان اصبح معروفاً مشهوراً بين جميع الطبقات التي تناقلته، فيكون الاختلاف بين المشهور والمستفيض في الطبقة الاولى، حيث انه لا يكفي وحدة الراوي في اعطاء الخبر صفة الاستفاضة، ويكفي ذلك في اعطائه صفة الشهرة اذا رواه الجماعة في غيرها من الطبقات.

ويلتقي المستفيض مع المتواتر في ان كلاً منهما لا بد وان يرويه جماعة عن مثلهم في جميع المراحل، فان حصل العلم بصدور الحديث من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله او الامام (ع) من اخبار الجماعة اعطي الحديث صفة التواتر، والا يوصف بالاستفاضة او الشهرة، ولو حصل العلم بصدق رواته من القرائن والملابسات التي تحيط به.

والمراد من الغريب في عرف المحدثين، هو الذي يشتمل على لفظ غامض بعيد عن الافهام نظراً لقلة استعماله.

والعزيز هو الذي يرويه عن مصدره اثنان فصاعداً، ولعل السر في تسميته بهذا الاسم، هو قلة وجود هذا النوع بين المرويات عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة (ع)، كما يجوز اعطاؤه هذا الوصف باعتبار قوته الحاصلة من روايته بطريقتين في جميع المراتب(١) .

وقد صنف المحدثون المرويات عن النبي والائمة «ع» الى الاصناف الاربعة التالية الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف، وشاع هذا التصنيف في عصر العلامة الحلبي المتوفى سنة ٧٢٦ واستاذه، احمد بن موسى بن جعفر(٢) ونسب اكثرهم هذا التصنيف الى العلامة واستاذه، ولاجل ذلك فقد تعرضا لهجوم عنيف من الاخباريين الذين قطعوا بصحة جميع ما رواه المحمدون الثلاثة في كتبهم الاربعة، والواقع ان هذه

____________________

(١) انظر مقباس الهداية للمامقاني.

(٢) المعروف بابن طاووس المتوفى سنة ٦٧٣.

٤١

المصطلحات ليست من مخترعات العلامة، ولا من مبتكرات استاذه، لان المتتبع لكتب الرجال والدراية يجد في طياتها ما يوحي باستعمال المتقدمين لهذه الاصطلاحات، فلقد قالوا: بأن فلاناً صحيح الحديث، وفلانا ضعيف في احاديثه وفلاناً ثقة فيما يحدث به الى غير ذلك مما يؤكد انهم قد استعملوا هذه الاوصاف في تقريظ الاحاديث والرجال ونقدهما، ولما جاء دور العلامة الحلي استعمل هذه المصطلحات ونسقها، ووضع كل واحد منها في المحل المناسب، ونظر الى الحديث بلحاظ ذاته مع قطع النظر عن الملابسات والقرائن التي كانت تحيط به، وطبق هذا المبدأ على جميع المرويات المدونة في الكتب الاربعة وغيرها، والنتيجة الحتمية التي ينتهي اليها الباحث عندما ينظر الى الحديث من حيث ذاته، هي وجود هذه الاصناف الاربعة في الكتب التي بنى الاخباريون على صحة جميع ما جاء فيها وغيرها، ولا يعني ذلك ان العلامة الحلي كان يتنكر للقرائن ولغيرها من الملابسات التي تؤكد صدور الحديث المنسوب الى النبي او الامام (ع) ولكنه يرى ان ذلك لا يجعله من قسم الصحيح، وان جاز الاخذ به والعمل بمقتضاه من غير ناحية السند، بينما نرى ان المتقدمين قد توسعوا في وصف الحديث بالصحة، واستعملوه في كل حديث اقترن بما يقتضي الاعتماد عليه، وان لم يكن صحيحاً بذاته، كوجوده في احد الاصول الاربعمائة، او لانه محفوف ببعض القرائن، او موافق لحكم العقل ، او للكتاب وللسنة القطعية، او لوجوده في احد الكتب التي الفها احد الجماعة الذين اجمعوا على صحة ما صدر عنهم، او لوجوده في احد الكتب التي عرضت على الائمة، ونالت استحسانهم، ككتاب عبيد الله الحلبي، المعروض على الامام الصادق (ع) وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الحسن العسكري (ع) او لكونه مأخوذاً من احد الكتب التي شاع في عصر الائمة الاعتماد عليها والوثوق بها ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني،

٤٢

وكتب بني سعيد، وعلي بن مهزيار، وحفص بن غياث وغيرها من الكتب والمؤلفات في الحديث، مع العلم بان بعض مؤلفي هذه الكتب ليسوا من الامامية، والبعض الآخر كان منحرفاً عن المذهب الامامي، ويرجع الى غير الامام الشرعي، الى غير ذلك من القرائن والمناسبات التي تؤكد صحة مضمون الخبر، وان لم يكن في نفسه وبلحاظ سنده مستوفياً لشرائط الصحيح التي يجب ان تتوفر في الراوي حسب الاصول المقررة في علم الدراية(١) .

ومن ذلك تبين ان الصحيح في عرف المتقدمين يتسع لكل ما يجوز الاعتماد عليه، سواء كان ذلك لناحية السند او لغيره من الاسباب التي ذكرناها فيدخل في ذلك الموثق، والحسن وحتى الضعيف المقترن ببعض القرائن، وما عدا ذلك فهو من نوع الضعيف الذي لا يجوز الاعتماد عليه بحال من الاحوال، ولعل الذي سهل للمتقدمين ان يتوسعوا في استعمال الصحيح الى هذا الحد في حين ان كثيراً من الاخبار المقبولة لم تتوفر فيها عند المتأخرين القرائن التي تؤكد صحة مضمونها، لعل الذي سهل لهم ذلك قربهم من عصر الائمة (ع) واتصالهم بالطبقة التي اهتمت بتصفية الحديث، ووضعت الحواجز والسدود في طريق المنحرفين والمهتمين بالكذب على اهل البيت (ع) بالاضافة الى ثقتهم باصحاب الاصول الاربعمائة ومؤلفاتهم واحاطتهم بالقرائن التي ترجح صدق الراوي وان لم يكن في نفسه من الممدوحين بالصدق والامانة، في حين ان اكثر هذه العوامل قد تلاشت بسبب بعد الزمان، وضياع اصول تلك المؤلفات التي دونها اصحابها واشرف على تصفيتها القيمون وغيرهم في الفترة الواقعة بعد النصف الاول من القرن الثاني الى اواسط القرن الثالث.

____________________

(١) انظر ص ٥٤ و ٥٥ من العدة للطوسي، وانظر مقباس الهداية في علم الدراية للمامقاني.

٤٣

وكيف كان فقد عرف الصحيح جماعة من المؤلفين في علم الحديث كما نص على ذلك الشهيد الثاني في كتابه (البداية في علم الدراية) بانه عبارة عن الحديث المتصل سنده بالمعصوم بواسطة الامامي العدل عن مثله في جميع الوسائط الواقعة بين المعصوم والراوي الاخير، فلو كان بين رواته واحد يفقد هذه الصفات، او بعضها لا يتصف الحديث بالصحة، كما وانه لو انقطع السند مثلاً، بان رواه خمسة واحداً عن واحد وكانوا من عدول الامامية، ولكن الراوي الاول عن الامام (ع) لم يذكر في سند الرواية لا تكون الرواية من نوع الصحيح كما يستفاد من هذا التعريف ومن تصريحاتهم.

واضاف بعضهم قيداً اخر الى تعريف الصحيح، وهو ان يكون الراوي ضابطاً، أي متقناً، لان من لم يكن كذلك لا يحصل الوثوق باقواله ومروياته، ولكن اكثر المؤلفين في علم الدراية لم يتعرضوا لهذا القيد، اعتماداً على ان اشتراط العدالة في الراوي يدل عليه بالملازمة، ذلك لان العادل اذا احس من نفسه النسيان او السهو وعدم الاتقان يمتنع من تلقاء نفسه عن الرواية اذا لم يكن جازماً ومطمئناً لما يرويه عن غيره، وافتراض غفلته وعدم التفاته الى كثرة سهوه، ونسيانه هذا الافتراض وان كان ممكناً في ذاته، الا ان مصاديقه ان لم تكن معدومة فهي نادرة للغاية، واذا بلغ الحال بالراوي الى هذا الحد، لم يعد محلاً للوثوق والاطمئنان عند عامة الناس، وتصبح مروياته بنظر العقلاء كغيرها من المرويات التي يجب التثبت فيها ان لم تكن اسوأ حالاً منها. ونص جماعة على ان القسم الصحيح من الاحاديث يشمل على ثلاثة مراتب اعلاها ان تثبت عدالة الرواة بالعلم او بشهادة العدلين، ويدخل في هذه المرتبة، ما لو كانت صفة العدالة ثابتة لبعضهم بالعلم، وللبعض الآخر بشهادة العدلين.

واوسطها ان يكون اتصاف الراوي بالصفات المطلوبة بشهادة العدل

٤٤

الواحد، الذي يحصل الوثوق والاطمئنان من شهادته، او يكون اتصاف بعضهم بتلك الصفات بواسطة شهادة العدلين، والبعض الآخر بشهادة العدل الواحد.

والمرتبة الثالثة، هي ان يتصف الراوي بالصفات المطلوبة بواسطة القواعد والاصول المعمول بها في موارد الشك وعدم العلم بالواقع، او من دراسة تاريخ الرواة وتتبع احوالهم.

ومع ان الجعفريين حتى بعد تصنيف الحديث الى الاصناف الاربعة يشترطون في الصحيح ان يكون جامعاً للصفات التي ذكرناها، تراهم احياناً يتوسعون في اطلاقه على بعض المرويات التي لم تتوفر فيها تلك الشروط، كمراسيل محمد بن ابي عميرة، وبعض الروايات التي يقتصر رواتها على بعض السند، ومن الجائز ان يكون وصف هذا النوع من المرويات بالصحة من حيث جواز العمل بها والاعتماد عليها بسبب القرائن المؤكدة لصدورها عن المعصوم (ع) لا لانها من الافراد الحقيقية للصحيح بمعناه المعروف بين المحدثين وعلماء الدراية.

الصنف الثاني من اصناف الحديث (الحسن) وهو الحديث الذي يرويه الامامي الممدوح في دينه مدحاً معتداً به عند العقلاء من غير ان ينص احد على وثاقته، ولا على فسقه وانحرافه عن المذهب، ولا بد وان يرويه الامامي الجامع لهذه الصفة عن امامي مثله الى ان ينتهي الى النبي او الامام (ع).

الصنف الثالث (الموثق) وهو الحديث الذي يرويه المستقيم في دينه، المتمسك بعقيدته، المعروف بحسن السيرة والسلوك والصدق والامانة على شرط ان لا يكون امامياً سواء كان من الشيعة الذين انحرفوا عن المخطط الامامي، كالواقفية والفطحية والزيدية وغيرهم، ام

٤٥

كان من غير الشيعة كأهل السنة وغيرهم من المذاهب الاخرى، وسواء كان جميع رواته من المخالفين للمذهب الامامي، ام كان بعضهم امامياً: والبعض الآخر عامياً، وقد نص المؤلفون في علم الدراية ان هذا النوع من الاحاديث اقوى من النوع الثاني ويقوم عليه لو تعارضاً في مورد واحد.

الصنف الرابع (الضعيف) وهو الفاقد للشروط المعتبرة في الاصناف الثلاثة الصحيح، والحسن والموثق، ومن ذلك ما لو رواه من هو متصف بالفسق، او بعض الصفات التي تشعر بعدم تورعه عن الكذب ونحوه من المعاصي، او كان جميع رواته او بعضهم من المجهولين الذين لم يتبين حالهم من حيث استقامتهم وسلامة عقيدتهم.

ومجزد الانحراف عن العقيدة الشيعية الصحيحة لا يوجب ضعف الحديث ما لم يقترن ببعض الصفات كالفسق، وعدم التورع عن الكذب ونحو ذلك مما يوحي بعدم الاطمئنان اليه، وقد ذكرنا ان غير الامامي اذا كان مستقيماً في دينه ومعروفاً بالصدق والامانة يصح الاعتماد على مروياته، ولها الافضلية على مرويات الامامي الممدوح الذي لم تثبت عدالته فيما لو تعارضت معها في مورد واحد(١) .

وتختلف مراتب الحديث الضعيف باختلاف الاسباب الموجبة لتضعيفه، فالذي يرويه المعروف بالفسق، او الكذب من الامامية اسوأ حالاً من الذي يرويه مجهول الحال والذي يرويه مجهول الحال من غيرهم اسوأ حالاً مما يرويه المجهول منهم، وهكذا كلما كانت اسباب للضعف واضحة جليلة لا تقبل المراجعة، كان الخبر ابعد عن الاعتبار واشد ضعفاً، والحال ذلك ايضاً بالنسبة الى الاصناف الثلاثة، فالذي يرويه العدل

____________________

(١) انظر مقباس الهداية في علم الدراية.

٤٦

الامامي الفقيه الورع والضابط، اصح مما يرويه العدل الامامي الفاقد لبقية هذه الصفات، والحديث الحسن المروي بطريقين او ثلاثة اقوى من المروي بطريق واحد وهكذا بالنسبة الى الموثق، وربما يكون الحسن في مرتبة الصحيح، كما لو روي بطريقين او اكثر، واقترن ببعض المرجحات، ومرد ذلك الى قوة الاطمئنان بصحة الحديث والوثوق بصدوره عن المعصوم في امثال هذه الموارد.

ثم ان هذا التصنيف المنسوب الى المتأخرين، لا يعني ان الاحاديث التي يصح العمل بها والاعتماد عليها في اثبات الاحكام وغيرها تنحصر في الاصناف الثلاثة الصحيح والحسن والموثق وغيرها يسقط عن الاعتبار مهما كان حاله، وانما هو لتمييز الاخبار الصالحة للعمل عن غيرها، مع قطع النظر عن القرائن والملابسات التي قد تجعل غير الصالح صالحاً، والصحيح غير صالح، ولذا فان الفقهاء في كثير من المناسبات يتركون الصحيح، او الموثق، ويأخذون بالضعيف المعارض لهما اعتماداً على القرائن الخارجية من الحديث، او شهرة العمل به، او لانه مروي عن طريق الجماعة الموثوقين عند المحدثين الذين لا يروون الا عن الثقات كاصحاب الاجماع وغيرهم من اصحاب الائمة(ع)(١) .

____________________

(١) اصحاب الاجماع هم الذين اجمع المحدثون والرواة على تصديقهم فيما يروونه عن الائمة (ع) وهؤلاء ستة من اصحاب الباقر، وستة من اصحاب الامام الصادق (ع) وستة من اصحاب الامام موسى بن جعفر (ع) كما نص على ذلك الشيخ ابو عمرو الكشي في رجاله، فالستة من اصحاب الباقر زرارة بن اعين، ومعروف بن خربوز وبريد العجلي، وابو بصير الاسدي والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، والستة من اصحاب الصادق (ع) جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وابان بن عثمان، والستة من اصحاب موسى، وحماد هم يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن ابي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، واحمد بن محمد بن ابي نصر.

٤٧

ومن مجموع ذلك تبين ان الفرق بين الصحيح في عرف المتقدمين، والصحيح عند المتأخرين، ان الصحيح عند المتقدمين هو الذي يصح العمل به والاعتماد عليه ولو لم يكن من حيث سنده مستوفياً للشروط التي ذكرناها والصحيح في عرف المتأخرين هو الجامع لتلك الشروط، فتكون النسبة بينهما هي العموم المطلق كما نص على ذلك في مقباس الهداية نقلاً عن فوائد الوحيد البهبهاني.

وقد قسم علماء الدراية الحديث الى اقسام كثبرة بالاضافة الى الاصناف الاربعة السالفة، كالمعنعن، والمسند، والمتصل، والمعلق والمفرد والمدرج، والمشهور، والغريب، والمصحف، والمرسل، والمقطوع، وغير ذلك، ولا يعنينا استقصاء جميع النواحي المتعلقة بهذا الموضوع.

الحديث وأصنافه عند السنة

لا يختلف الحال كثيراً بين المحدثين من سنيين وشيعيين من حيث تصنيف الحديث الى اكثر من صنفين، مع الاعتراف بان التقيم الطبيعي للحديث الذي تتطوي فيه جميع الاقسام وتتفرع عنه جميع الاصناف، هو اما ان يكون مقبولاً، او مردوداً، والمقبول يرادف الصحيح كما وان المردود يرادف الضعيف، ولكنهم مع ذلك اصطلحوا على تقسيمه الى الاقسام الثلاثة التالية.

الصحيح، والحسن، والضعيف، وبقية الفروع والمصطلحات تتفرع عن هذه الاصناف الثلاثة، وقد أنهاها بعضهم الى مائة نوع، كل نوع منها علم مستقل على حد تعبيرهم(١) .

والصحيح عندهم هو الحديث المسند الذي يتصل اسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط حتى ينتهي الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله او الى مصدره من صحابي او من هو دونه على شريطة ان لا يكون شاذاً ولا معللاً.

والشاذ هو الذي يرويه ثقة مقبول الحديث بنحو يكون مخالفاً لما يرويه الثقات، كما نص على ذلك الحافظ بن حجر في شرح النخبة، والمعلل هو المشتمل على علة خفية تخدش في صحته.

____________________

(١) انظر علوم الحديث ومصطلحاته ص ١٤٣.

٤٨

٤٩

والتقسيم الاولي للصحيح لا يعدو هذين القسمين، الصحيح لذاته والصحيح لغيره فالصحيح لذاته هو الذي يتمتع رواته بافضل الصفات واكرمها، والصحيح لغيره هو المحكوم بصحته لامر خارج عنه كالحديث الحسن الذي يقترن بما يوجب صحته، او بما يؤكد صدوره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله او غيره من الصحابة.

ونص النووي في كتابه قواعد التحديث، ان للصحيح اقساماً سبعة اعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما كان جامعاً لشروطهما في الصحيح، وان لم يدوناه في صحاحهما، ثم ما كان على شرط البخاري في الرواية، ويأتي من بعده ما كان على شرط مسلم، والنوع الاخير ما صححه غيرهما من المؤلفين في الحديث.

وقال ابن تيمية: ان اهل العلم قد اتفقوا على ان اصح الاحاديث ما رواه اهل المدينة ثم ما رواه اهل البصرة، ثم ما رواه اهل الشام وتجاهل اكثرهم مرويات الكوفيين، ووصفها بعضهم بكثرة الدغل وعدم السلامة من العلل، ولعل من ابرز اسباب هذا التنكر لمرويات الكوفيين هو التشيع الغالب على اهلها، والشيعة عند اكثر المحدثين من السنة مبتدعة وضاعون كذابون على حد تعبيرهم يغلب على حديثهم الدغل والخلل اما احاديث الشاميين فهي اصح من احاديثهم، لان رواتها قد تخرجوا من مدرسة معاوية وآل مروان الائمة البررة، وتلمذوا على ابي هريرة راوية الامويين وصنيعة معاوية بن ابي سفيان الحريص على مصلحة الاسلام، والمحتاط في امور الدين ومصالح المسلمين.

٥٠

الحسن

الحديث الحسن، هو الذي يتصل سنده بواسطة العدول واحداً عن واحد ولم يبلغوا درجة غيرهم من حيث الضبط والاتقان، ولا بد فيه بالاضافة الى ذلك ان يسلم من الشذوذ والتعليل، وهو اما حسن لذاته، وبلا توسط امر خارج عن حقيقته، واما ان يستمد حسنه من امر خارج عنه، كما لو كان احد رواته مستوراً لم تثبت اهليته او عدمها، ولكنه لم يكن مغفلاً ولا متهماً بالكذب، وبالاضافة الى ذلك كان معتضداً برواية اخرى مماثلة له باللفظ، او مؤيدة لمعناه(١) فالحديث في مثل هذه الحالة يستمد حسنه من الرواية المماثلة له، او الرواية المؤيدة لمعناه.

والمعروف بين المحدثين ان تصنيف الحديث الى الاصناف الثلاثة لم يكن قبل الترمذي المتوفى سنة ٢٧٩، ولما الف كتابه الجامع في الحديث صنفه الى هذه الاصناف الثلاثة(٢) .

ويدعى بعض المؤلفين في الحديث، ان البخاري، وان لم يتعرض لهذا النوع من الحديث، الا انه قد اشار اليه واعتبره من افراد الصحيح الذي يصح العمل به والاعتماد عليه.

____________________

(١) وتسمى المماثلة له باللفظ (بالمتابع)، والمؤيدة لمعناه بالشاهدة.

(٢) الترمذي، هو محمد بن عيسى صاحب الجامع الكبير في الحديث.

٥١

الضعيف

هو الحديث الذي لم تتوفر فيه الشروط التي ذكرناها في قسمي الصحيح والحسن، ومنه المرسل والمنقطع وغير ذلك من الاصناف الآتية، ومع ان المرسل ليس حجة في الدين كما ينص على ذلك مسلم في مقدمة صحيحه، فاكثرهم يعتمدون على مراسيل الصحابة، ويحتجون بها، ذلك لان الصحابي على حد زعمهم اذا روى حديثاً لم يتيسر له سماعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فالراجح في حقه انه يرويه عن صحابي مثله، وسقوط الراوي الاول من سند الحديث لا يمنع من صحته ولا يجب البحث عن بقية السنة، كما لا يجب البحث عن عدالة الصحابي، لان شرف الصحبة فوق جميع الاعتبارات والامتيازات.

ونص السيوطي في كتابه التدريب على ان في الصحيحين من مراسيل الصحابة ما لا يحصى، وان اكثر رواياتها تنتهي اليهم، لانهما لم يرويا الا عن العدول، والصحابة فوق الشبهات والاهواء، واعلى مراتب المرسل عند المحدثين ما رواه صحابي ثبت سماعه، ويأتي من بعده ما رواه صحابي رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يثبت سماعه منه، ثم المخضرم وهو من عاصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يتمكن من لقائه والاجتماع به، ثم المتقن كسعيد بن المسيب وامثاله، ويلي ذلك من كان يتحرى الافضل من الشيوخ، كالشعبي ومجاهد، ودون ذلك مراسيل من كان يأخذ عن كل احد كالحسن البصري وامثاله، ومن اصناف الضعيف (المنقطع)، وهو

٥٢

من سقط من سنده واحد او اكثر، او كان بين رواته احد المبهمين(١) وهو اسوأ حالاً من المرسل.

ومن انواع الضعيف المعضل، وهو الحديث الذي سقط من سنده راويان فاكثر على سبيل التوالي ولذلك سمي بالمعضل.

ومن انواعه المدلس، وهو الذي يرويه شخص عمن عاصره ولقيه، مع انه لم يسمع منه، وقد اشتهر جماعة من كبار الرواة بهذا الوصف، وتوقف جماعة في مروياتهم، كهشيم بن بشير بن ابي حازم المتوفى سنة ١٨٣، وجاء عن الذهبي انه قال: لا نزاع في انه كان من الحفاظ ولكنه كان كثير التدليس، ومنهم سفيان بن عيينة المتوفي سنة ١٩٨، روى عن جماعة من التابعين كالزهري، وزيد بن اسلم، وعمر بن دينار وغيرهم، ومع انه كان معدوداً في طليعة المدلسين، كما يبدو من نصوصهم في علم الحديث فقد احتجوا بحديثه، واعتمدوا عليه في امور الدين.

ومنهم سليمان بن مهران المعروف بالاعمش، المتوفى سنة ١٤٨، وقتادة بن دعامة بن عزيز السدوسي البصري المتوفى سنة ١١٧، وهو من المعروفين بين المحدثين بالتدليس، لانه روى عن جماعة لم يسمع منهم.

ومنهم الحسن البصري احد مشاهير التابعين، المتوفى سنة ١١٠، ونص الذهبي في ميزان الاعتدال على انه كان من قضاة الامويين، ومن المدلسين في الحديث.

ومنهم عبد الرزاق الصنعاني المتوفى سنة ٢١١، والوليد بن مسلم الدمشقي وجاء عنه انه كان يدلس عن الكاذبين والموثوقين، توفي سنة ١٩٥ ومنهم سفيان الثوري كما نص على ذلك المؤلفون في احوال المحدثين.

____________________

(١) المبهم هو الذي لم يعرف اصله ونسبه ولم تثبت عدالته.

٥٣

وجاء في توضيح الافكار المجلد الاول ص ٣٥٣و ٣٥٤، ان جميع هؤلاء الائمة المشاهير من رواة الصحيحين، ولذلك فقد اعتذر المحدثون عنهم بان تدليسهم يرجع الى ابهام الراوي، ومثل ذلك لا يوجب تجريحهم بالكذب والاغراء ونحو ذلك مما يخل بوثاقتهم، وحاول بعضهم اخراج مرويات هؤلاء من التدليس، وادخالها في المرسل، وحجتهم في ذلك ان التدليس يختص بمن روى عمن لاقاه ولم يسمع منه، فان روى شخص عمن عاصره ولم يلتق به، فالرواية من المرسل(١) .

وقال الخطيب البغدادي في الكفاية، في معرض التفرقة بين المدلس والمرسل ان الراوي لو بين انه لم يسمع الحديث من الراوي الذي دلسه منه وكشف ذلك يصبح الحديث مرسلاً غير مدلس فيه، لان الارسال لا يرافقه الابهام من طرف المرسل بانه قد سمع الحديث ممن لم يسمع منه، وانه قد التقى به، والتدليس الذي نقلناه عن هؤلاء يتضمن الارسال لا محالة، من حيث ان المدلسين قد امسكوا عن ذكر من دلسوا عنه، ويفترق هذا النوع عن المرسل من ناحية انهم ابهموا السماع ممن لم يسمعوا منه لا غير، ولم يظهر منهم ايهام السامع بانهم قد التقوا بالراوي وسمعوا منه، والذي يوهن الحديث المدلس فيه، ملازمة التدليس لايهام السامع انه قد سمع ممن لم يسمع منه، ولاجل ذلك ذم العلماء من دلس في الحديث، ولم يذموا من ارسله(٢) .

لقد حاول المؤلفون في علم الحديث بهذا اللف والدوران تنقية اخبار الصحيحين من الضعف، ودفع جميع الشبه والشكوك التي تحوم حولهما ولو بالمغالطات والتمحلات، حتى كأنهما من كتب الله المنزلة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، مع العلم بان مؤلفيها من

____________________

(١) انظر علوم الحديث ص ١٨٣.

(٢) الكفاية في علم الحديث الخطيب البغدادي ص ٣٥٧

٥٤

البشر الذين يخطئون ويصيبون كغيرهم من جميع بني الانسان الا من عصمه الله.

ومن الجائز ان يكون منشأ اعتمادهما على مرويات هؤلاء المدلسين كما وصفهم بذلك علماء الحديث هو وثوقهما بها ولو من القرائن والملابسات الخارجة عن نطاق الحديث، والاعتذار عنهما بهذا الاسلوب ليس بعيداً عن المنطق، وفي الوقت ذاته بعيد عن الغلو والاسراف في تقديسهما، هذا بالاضافة الى ان اعطاء تلك المرويات صفة الارسال لا ينفي عنها صفة الضعف لان المرسل من افراد الضعيف كما نص على ذلك المؤلفون في دراية الحديث.

ومن اقسام الضعيف الحديث المعلل، وهو الذي ينطوي على علة تمنع من صحته، وان بدا سالماً من العلل، واكثر ما يكون التعليل في الاسناد الجامع شروط الصحة ظاهراً وحينئذ قد تدرك العلة بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم الى ذلك تنبه الناقد على وهم وقع من الراوي بان يرسل حديثاً موصولاً، او يكون الحديث من نوع الموقوف، وهو في واقعة مما يسمى في عرف المحدثين بالمرفوع، او يكون مصدر العيب فيه دخول حديث في حديث، بنحو يغلب على ظن الراوي ان الحديث غير صحيح او يتردد في صحته، ويستحسن من الراوي اذا روى حديثاً معللاً ان يذكر علته(١) .

ومن اقسامه المضطرب، وهو الذي يتعدد رواياته بنحو تتساوى وتتعادل ولا يمكن ترجيح احدهما على الآخر بشيء من طرق الترجيح، ومنشأ الضعف في هذا النوع ما يقع فيه من الاختلاف من ناحية حفظ رواته وضبطهم ومن امثلة ما جاء عن ابي بكر انه قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) والمراد بالمعلل هو المشتمل على علة أي عيب يمنع من صحته، وان كان بظاهره يبدو سالماً من العيوب.

٥٥

أراك شبت يا رسول الله، قال: شيبتني هود وأخواتها رواه ابو اسحاق وحده، واختلفوا فيه على وجوه، فمنهم من رواه مرسلاً، ورواه بعضهم موصولاً، ورواه جماعة مسنداً الى ابي بكر، وآخرون اسندوه الى عائشة، واسنده فريق الى سعد، وكل هؤلاء من الثقات الذين لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض وترك الباقي، والاضطراب في السند امارة على ضعف الحديث، لان تساوي الروايات في الدرجة وعدم تعارضها يمنع من الحكم بالاصح منها، وقد يحصل الاضطراب في متن الحديث كما لو اختلفت الروايات في متنه سواء اتفقت في سنده او اختلفت فيه.

ومن اقسامه المقلوب. وهو الذي يقدم الراوي فيه المتأخر، او يؤخر فيه المتقدم، او يضع شيئاً مكان شيء وقد ضعفوا هذا النوع من الاحاديث نظراً الى ان التقديم والتأخير يكشفان في الغالب عن عدم ضبط الراوي، وذلك قد يؤدي الى عدم تفهم المراد من الحديث.

ومن اقسامه الشاذ، والمنكر، والمتروك، والمراد من الشاذ هو ما يرويه الثقة بنحو يختلف عن رواية غيره من الثقات، او لرواية غيره له ممن هو اولى منه بالقبول، والمراد من المنكر هو ما يرويه الضعيف بنحو يتعارض مع رواية الثقة الضابط، والمتروك هو الذي يرويه المتهم بالكذب او من هو ظاهر الفسق، او من غلبت عليه الغفلة والاوهام الباطلة الى غير ذلك من انواع الضعيف واصنافه.

وقد تبين من هذا العرض الموجز لاقسام الحديث ومراتبه، ان تقسيم الحديث وتصنيفه الى هذه الاقسام والاصناف يلتقي فيها الطرفان السنة والشيعة في الغالب، وموارد الخلاف بينهما لا تزيد عن الخلافات الواقعة بين علماء المذهب الواحد في هذا الموضوع وغيره من المواضيع.

والذي تجدر الاشارة اليه ان هذه العناية البالغة في الحديث واصنافه

٥٦

وحالاته كان من الممكن الاستفادة منها الى ابعد الحدود، لو تجرد الذين اهتموا بهذه المواضيع عن نزعاتهم واخذوا بالواقع الذي تفرضه الدراسة العلمية الواعية، وعرضوا الاحاديث سنداً ومتناً على علمي الدراية والرجال عرضاً عملياً بقصد تصفيته مما يسيء الى السنة، بل وحتى الى الاسلام نفسه، واهتموا باحاديث الاحكام وغيرها مما هو مدون في مجامع الحديث على علاته ومصائبه، ولكنهم لم يوفقوا لذلك، فقد رافقتهم النزعات الموروثة في جميع المراحل التي مروا بها واهتموا بالاسانيد اكثر من اهتمامهم بالمتون، مع العلم بان الاخطار الناتجة عن متونها لا تقل عن اخطار الاسانيد، واحتضنوا احاديث الاحكام تاركين غيرها من المرويات في مختلف المواضيع كأنها لا تعنيهم، مع انها ان لم تكن اولى بالدراسة والتصفية من احاديث الاحكام، فليست تلك بأولى منها ولا اكثر شمولاً واعم نفعاً، ذلك لان الدساسين والمرتزقة قد وجدوا متسعاً لهم عن طريقها للوصول الى ما يهدفون اليه وقع بلغ الحال بالوضاعين انهم كانوا اذا استحسنوا أمراً صيروه حديثاً، كما نص على ذلك بعضهم، وحجتهم في ذلك انهم يضعون له لا عليه على حد تعبيرهم.

هذا بالاضافة الى ان الخلافات المذهبية قد استحوذت عليهم في الدراسات المتعلقة بهذه المواضيع منذ تدوين الحديث الى آخر مرحلة من المراحل التي مروا بها، فقد ظهر كل فريق بمظهر المدافع عن مروياته ومجاميعه لا بمظهر الناقد النزيه الذي يهمه ان ينتقي الجوهر من الحصى، وان يدفع عن الحق شبه المبطلين والمنحرفين ولو كان الحق بجانب اخصامه ومنافسيه.

٥٧

العدالة

لما كانت العدالة من الشروط الاولية للحديث الصحيح عند الفريقين السنة والشيعة، ولما كانت عدالة الصحابة من الامور المتفق عليها بين محدثي السنة، كان من المفروض ان نتعرض لهذين الموضوعين في هذه الدراسات حول الصحيح للبخاري، والكافي للكليني، ذلك لانهما لم يدونا في هذين الكتابين الا ما صح عندهما من المرويات في مختلف المواضيع، ولان البخاري اكثر ما يعتمد في صحيحه على مرويات الصحابة مهما كان حالهم، ولا يتردد في مروياتهم ولو كانت لا تنسجم مع اصول الاسلام ومبادئه، او كانت عن طريق ابي سفيان، والحكم بن ابي العاص وامثالهما من اعداء الاسلام.

والمراد من العدالة كما يظهر من موارد استعمالها عندهم، استقامة الراوي في امور الدين، وسلامته من الفسق، ومنافيات المروءة في جميع الحالات ونص الخطيب البغدادي في (الكفاية) على ان العدل من عرف بأداء الفرائض، ولزوم ما أمر به، وتوقي ما نهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحرى الحق والواجب في افعاله ومعاملاته، والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة، واضاف الى ذلك: ان من كانت هذه حاله فهو الموصوف بانه عدل في دينه، واستدل على ذلك بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم

٥٨

يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت اخوته، وحرمت غيبته. واكثرهم يفرق بين تعديل الراوي وتزكية الشاهد، فيكتفون في تعديله بشاهد واحد، ويشترطون التعدد في التزكية، لانها نوع من الشهادة التي لا بد فيها من التعدد.

ويبدو من هذا النص وغيره من النصوص ان العدالة من الصفات القائمة بالنفس التي تعرف بآثارها كأداء الفرائض وتجنب المحرمات ومنافيات المروءة وغير ذلك مما يكشف غالباً عن وجود تلك القوة الدافعة على العمل بالواجبات وترك المحرمات، وتحري الحق والواجب في جميع الافعال والمعاملات، فلا بد والحالة هذه من تتبع احوال الراوي في اكثر حالاته ليصح الحكم عليه بالعدالة او عدمها.

وقال الدكتور صبحي الصالح: ولا ريب ان العدالة شيء زائد على مجرد التظاهر بالدين والورع، لا تعرف الا بتتبع الافعال واختبار التصرفات لتكون صورة صادقة عن الراوي(١) .

ونص في المجلد الثاني من توضيح الافكار على انه لا فرق بين تزكية الراوي وتزكية الشاهد من حيث الاكتفاء بشاهد واحد، وايد ذلك القاضي ابو بكر الباقلاني، واحتج لذلك، بان التعدد انما يجب في الشهادة، وتزكية الشاهد ليست شهادة(٢) .

ونص الشيخ عبد الصمد والد الشيخ البهائي احد اعلام الامامية في كتابه الوجيزة في دراية الحديث، ان عدالة الراوي وجرحه يثبتان

____________________

(١) انظر ص ١٣٣ من علوم الحديث.

(٢) الباقلاني احد الشيوخ الذين انتهت اليهم زعامة المذهب الاشعري في النصف الثاني من القرن الرابع، توفي سنة ٤٠٣.

٥٩

بشهادة عدل واحد عند الاكثر، ولو اجتمع الجارح والمعدل فالمشهور تقديم الجارح.

كما وان اكثر النصوص الشيعية تؤكد ان العدالة صفة قائمة في النفس، وان الطريق الى معرفتها هو فعل الواجبات وترك المحرمات، كما نص على ذلك العلامة الحلي واكثر من تأخر عنه، واضاف بعضهم الى ذلك ترك ما يتنافى مع المرءة وان لم يكن بذاته من المحرمات، وفي مقابل ذلك نص جماعة على انها ليست شيئاً آخر وراء فعل الواجبات وترك الحرام فمن فعل الواجب وترك الحرام كان عادلاً، وان لم يكن ذلك ناتجاً عن وجود صفة في النفس تدفعه الى فعل الواجب وترك الحرام، وتشدد فريق ثالث في تحديها، فقالوا: بأنها الاستقامة في امور الدين الناتجة عن الملكة القائمة في النفس، وفرعوا على ذلك بان من فعل الواجبات وترك جميع الكبائر اذا لم يكن ذلك منه بتأثير تلك القوة الدافعة على العمل والاطاعة لا يكون عادلاً، واحتجوا لذلك ببعض المرويات عن الائمة (ع) وقد جاء فيها:

ان العادل هو المعروف بالستر والعفاف، وكف البطن والفرج واليد واللسان، واجتناب الكبائر التي توعد الله عليها سبحانه بالنار: وهذه الصفات لا تجتمع في شخص ما لم يكن الخوف من الله مسيطراً عليه ومتأصلاً في نفسه، وليست الملكة في واقعها غير الخوف والرجاء الدافعين على الطاعة والاستقامة في امور الدين.

ومهما كان الحال فالظاهر ان الجميع متفقون على ان العدالة التي هي شرط في الشاهد وامام الجماعة والراوي وغير ذلك تترتب آثارها اذا كان الانسان معروفاً بالستر والعفاف وترك المعاصي، وفعل الواجبات سواء كانت من الامور القائمة بالنفس وهذه الامور كواشف عنها، ام

٦٠