دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري0%

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 357

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 59780
تحميل: 7409

توضيحات:

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59780 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف:
العربية

كانت هي العدالة الشرعية التي اعتبرها الشارع موضوعاً للآثار المختلفة حسب المقامات، وتفسيرها بهذا المعنى ليس بعيداً عن ظاهر النصوص التي تعرضت لحالها، وقد جاء في بعضها، من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم هو ممن حرمت غيبته، وكملت مروءته وظهرت عدالته، وفي بعضها اذا كان ظاهر الانسان مأموناً جازت شهادته، وليس عليك ان تسأل عن باطنه الى غير ذلك من النصوص التي تشير الى ان العدالة ليست شيئاً آخر وراء فعل الواجبات وترك المحرمات.

وقد تعرض الفقهاء بمناسبة حديثهم عن العدالة ومنافياتها الى تصنيف المعاصي الى صغائر وكبائر ونص اكثرهم على ان الاصرار على الصغائر وعدم التوبة عنها من نوع الكبائر، لان الاصرار عليها يلازم الاستخفاف باوامر الله والامن من العقوبة، وجاء عن الامام محمد الباقر (ع) ان الاصرار على الذنب امن من مكر الله ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون، و نص اكثرهم على ان الكبيرة هي ما توعد الله عليه بالعذاب في كتابه وعلى لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله واعتمدوا في ذلك على رواية عبد العظيم ابن عبد الله الحسني عن ابي جعفر الجواد (ع) وجاء فيها ان عمرو بن عبيد دخل على الامام الباقر (ع) وبعد ان استقر به المجلس تلا قوله تعالى: ان تجتنبوا كبائر الاثم والفواحش، ثم قال: احب ان اعرف الكبائر من كتاب الله، قال ابو جعفر (ع): يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك بالله، قال سبحانه: ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، وبعده اليأس من روح الله، لان الله يقول: لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون، ومضى الامام (ع) يعدد الكبائر التي نص عليها القرآن حتى عد اثنين وعشرين نوعاً منها.

وجاء عن الامام الرضا (ع) انها خمس وثلاثون نوعاً، وعد منها

٦١

قتل النفس، والزنا والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين. والفرار من الزحف. واكل مال اليتيم. ومعونة الظالمين والركون اليهم. والربا. وقذف المحصنات وغير ذلك من المحرمات المنصوص عليها في الكتاب والسنة، وتقسيم المعاصي الى الصغائر والكبائر. هذا التقسيم يمكن ان يكون نسبياً بمعنى ان كل معصية بالنسبة لما فوقها صغيرة، وبالنسبة لما هو دونها كبيرة فلو قلنا بذلك تصبح كل معصية من المعاصي صالحة للوصفين، ويكون الفاعل مستحقاً للعقاب باعتبار كونه عاصياً مع قطع النظر عن نوع المعصية ووصفها، ويدل على ذلك قوله تعالى:

ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم، حيث ان الآية بظاهرها تنص على ان مطلق المعصية سبب لهذا الجزاء.

ومما لا شك فيه ان عدالة الراوي تثبت بشاهدين عدلين بمقتضى الادلة الدالة على حجية البينة وقيامها مقام العلم في جميع موارد العمل بها، اما الشاهد الواحد، فقد نص اكثر الفقهاء على الاكتفاء به في تعديل الراوي، كما نص على ذلك الشيخ عبد الصمد في الوجيزة، والمامقاني في مقباس الهداية وغيرهما، وفي مقابل ذلك لم يكتف بعض الفقهاء بالشاهد الواحد لان عدالة الراوي كغيرها من الموضوعات التي لا بد من احرازها بطريق العلم او ما يقوم مقامه، وليس ذلك الا البينة التي تتألف من شاهدين.

ورجح الشيخ الانصاري الاكتفاء بكل ما يفيد الوثوق والاطمئنان بعدالته بما في ذلك العدل الواحد اذا حصل من شهادته الاطمئنان بها اعتماداً على بعض النصوص التي لم تشترط اكثر من الوثوق والاطمئنان كقوله (ع) لا تصلِّ الا خلف من تثق بدينه وورعه، وقوله: اذا كان مأموناً جازت شهادته، ونحو ذلك مما يشير الى ان المعول على الاطمئنان بالشاهد وامام الجماعة والراوي، سواء حصل ذلك من استقصاء حاله

٦٢

مباشرة، او من شهادة العدلين، او العدل الواحد(١) واضاف الى ذلك بعضهم ان الاقتصار على البينة في هذه المسألة يؤدي الى الغاء كثير من المرويات، لعدم تيسر البينة على عدالة الراوي، لا سيما مع بعد المسافة بينه وبين الشاهد، على ان التعديل والتجريح الموجودين في كتب الرجال مبنيان على الحدس الذي لا يفيد الا الظن، والاكتفاء به يرجع الى الاعتماد على الاطمئنان من أي طريق كان، وشهادة العدل الواحد لا تقصر احياناً عن افادة هذه المرتبة.

____________________

(١) انظر رسالة الشيخ مرتضى في العدالة.

الفصل الثالث : في الصحابة

٦٣

٦٤

٦٥

٦٦

الصحابي في اللغة مشتق من الصحبة، ويوصف بها كل من صحب غيره طالت المدة او قصرت.

وعند المحدثين، هو كل مسلم رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال البخاري في صحيحه: من صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله او رآه من المسلمين فهو من اصحابه.

وجاء عن احمد بن حنبل انه قال: افضل الناس بعد صحابة الرسول من البدريين كل من صحبه سنة او شهراً، او يوماً، او رآه، وله من الصحبة على قدر ما صحبه(١) .

ونص بعضهم على ان اصحاب الحديث يعطون وصف الصحبة لكل من روى عن النبي حديثاً او كلمة او رآه، وممن صرح بذلك ابن حجر في المجلد الاول من الاصابة: واضاف الى ذلك مؤمناً به، ثم قال: ويدخل في قولنا مؤمناً به، كل مكلف من الجن والانس، ونص غيره على دخول الجن الذين امنوا به في الصحابة ايضاً(٢) ، وفي مقابل ذلك يشترط بعضهم

____________________

(١) انظر الكفاية ص ٥١، وتلقيح فهوم أهل الآثار ص ٢٧.

(٢) انظر المجلد الاول من الاصابة ص ١٠ و ١١.

٦٧

في اعطاء المسلم وصف الصحبة، ان يقيم معه سنة او سنتين، ويغزو معه غزوة او غزوتين، كما جاء عن سعيد بن المسيب.

ونص القاضي ابو بكر الباقلاني، على ان الصحبة لا يوصف بها الا من كثرت صحبته، واتصل لقاؤه، ولا يجري هذا الوصف على من لقي النبي ساعة ومشى معه خطا، او سمع منه حديثاً(١) والرأي الشائع الذي يؤيده اكثرهم هو اعطاء هذا الوصف لكل من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله او ولد في حياته، وعدوا محمد بن ابي بكر من الصحابة، مع انه ولد في حجة الوداع آخر ذي القعده، قبل وصول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى مكة في السنة العاشرة من الهجرة وقبل وفاته بثلاثة اشهر، وتتفاوت درجات الصحابة عندهم فقد نص بعضهم انهم اثنتا عشر طبقة اعلاها السابقون الى الاسلام من الطبقة الاولى، وادناها الذين ادركوه في حجة الوداع لا غير.

وقد اجمعوا على ان افضلهم ابو بكر وعمر، ويأتي من بعدهما عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب (ع) ومن بعدهما الباقون من العشرة المبشرين بالجنة، ثم تتسلسل درجاتهم وطبقاتهم حسب تقدم اسلامهم، ومواقفهم من الجهاد والخدمات التي قدموها الى الاسلام والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتثبت الصحبة بالامور التالية:

التواتر، والشهرة، والشياع الذي لم يبلغ حد التواتر، وبخبر الصحابي الواحد وخبر التابعي، ولو كان واحداً بناء على الرأي الراجح من كفاية الواحد في التزكية(٢) .

ومهما كان الحال في تحديد المقصود من الصحابي حسب اصطلاحهم فلقد توسع المؤلفون

____________________

(١) الكفاية ص ٥١.

(٢) السنة قبل التدوين ص ٣٩٤ والاصابة ج/١ ص ١٣و ١٤.

٦٨

في علمي الحديث و الرجال في البحث عن الحديث و اقسامه و الرواة و احوالهم ، درسوا احوال الرجال جيلا بعد جيل، حتى اذا تحققوا من احوال الراوي، وانه كان نقي السيرة صادق الايمان ضابطاً متقناً أميناً وصفوه بالوثاقة، ووصفوا مروياته بالصحة، واذا وجدوا فيه ما يشعر بعدم الامانة في الحديث، او عدم الاستقامة في الدين، وصفوه بما يتناسب مع حاله، وتركوا جميع مروياته، الا اذا اقترنت ببعض القرائن التي تؤكد صدورها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله او عن صحابته، ولو وجدوا له قادحاً ومادحاً وجارحاً ومعدلاً اخذوا بالجارح وتركوا المادح والمعدل، وبهذه المناسبة يقول ابن الصلاح:

اذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم لانه يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، فاذا كان عدد المعدلين اكثر من عدد الجارحين، قبل تعين الاخذ بالتعديل، والصحيح الذي عليه الجمهور ان الجرح اولى بالرعاية والاعتبار، ومع انهم احتاطوا في الاخذ بالحديث الى هذا الحد، ووضعوا الاصول والقواعد للتاكد من احوال الراوي وسلامة الحديث مما يوجب عدم الاطمئنان بصحته، وطبقوا اصول علمي الدراية والرجال على جميع الرواة مهما بلغوا من العظمة والعلم والدين، مع انهم وضعوا الجميع على اختلاف طبقاتهم ومكانتهم في قفص الاتهام، وبحثوا عن احوالهم بتحفظ ودقة، وقفوا من الصحابة مكتوفي الايدي واعتبروهم من العدول الذين لا يجوز عليهم نقد او تجريح وقالوا: (ان بساطهم قد طوي) على اختلاف طبقاتهم واعمارهم، واضافوا الى ذلك ان جميع ما صدر عنهم من الغلط والانحراف والشذوذ لا يسلبهم صفة العدالة لان صحبتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تكفر عنهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، مهما بلغ شأنها وتعاظم خطرها على حد تعبير الجمهور الاعظم من محدثي السنة ومؤلفيهم في هذه المواضيع، والذين خرجوا على هذا الرأي ولم يفرقوا بين الصحابة

٦٩

وغيرهم لا يمثلون رأي السنة في هذه المسألة، بل تعرضوا لاعنف الهجمات وأسوأ الاتهامات المعادية من الجمهور الاعظم، الذين يقدسون كل من رأى النبي، او سمع حديثه ولو كان طفلا صغيراً، ولعلنا بهذه الوقفة القصيرة مع الجمهور القائلين بأن الصحابة لا يخضعون للنقد والتجريح وان جميع الشروط التي ينص عليها علم الدراية يجب ان تطبق على الراوي والرواية ما لم يكن الراوي لها صحابياً.

لعلنا بهذه الوقفة معهم نستطيع ان نكشف عما يكمن وراء هذا الافراط في الغلو بجميع من اسموهم بالصحابة من الاخطار التي تسيء الى السنة النبوية والى الاسلام نفسه الذي ألغى جميع الامتيازات والاعتبارات التي لا تعكس جهات الخير والكرامة في الانسان واعتبر العمل الصالح هو المائز بين الطيب والخبيث والصالح والفاسد مع العلم بأن الكثير منهم قد اسرفوا في ارتكاب المعاصي والمنكرات وخالفوا الضرورات من دين الاسلام.

٧٠

عدالة الصحابة

يدعي الجمهور من السنة، ان للصحبة شرفاً عظيماً يمنح المتصف بها امتيازاً يجعله فوق مستوى الناس اجمعين، ولو باشر المنكرات، واسرف في المعاصي واتباع الشهوات، وينطلقون من هذا الغلو الى انهم عدول مجتهدون في جميع ما صدر منهم، فمن اصاب في آرائه واعماله الواقع فله ثواب من أدرك الحق وعمل به، ومن أخطأ فله أجر المجتهدين العارفين فعدالتهم ثابتة بتعديل الله لهم وثنائه عليهم على حد تعبير الغزالي في المستصفى، وعندما تنتهي الرواية اليهم يجب الوقوف عندها، وليس لاحد ان يطبق عليها اصول علم الدراية وقواعده، ولو كان الراوي لها مروان بن الحكم او ابو سفيان او غيرهما ممن وصفهم القرآن بالنفاق والرسول الكريم بالارتداد.

قال ابن حجر في المجلد الاول من الاصابة: اتفق أهل السنة على ان الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذاذ من المبتدعة، واضاف الى ذلك ان عدالتهم ثابتة بتعديل الله لهم، ونقل عن ابن حزم. بأنهم جميعاً عدول ومن أهل الجنة قطعاً على حد تعبيره، ومن قال بأنهم كغيرهم من الناس يتفاوتون بمقدار اعمالهم وخدماتهم وجهادهم فقد تعرض لاعنف الهجمات من جمهور أهل السنة.

وقال الغزالي في المستصفى: والذي عليه السلف وجماهير الخلف ان عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل اياهم وثنائه عليهم في كتابه وهو

٧١

معتقدنا فيهم، الا ان يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لم يثبت، فلا حاجة لهم الى التعديل، قال تعالى: كنتم خير امة اخرجت للناس ومضى يسرد الادلة على عدالتهم من الكتاب والسنة، واضاف اليها انه لو لم ترد النصوص القرآنية والنبوية بعدالتهم لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والاموال وقتل الآباء والاهل في موالاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته، لو لم ترد النصوص لكانت هذه النواحي كافية في عدالتهم، وبعد ان تعرض لبعض الآراء التي تحملهم مسؤولية اعمالهم وتصرفاتهم المنسوبة الى بعض اعيان المعتزلة وغيرهم، بعد ان عرضها قال: وكل هذه الاقوال جرأة على السلف، ومخالفة للسنة، واخيراً رجح الرأي الشائع بين فقهاء السنة ومحدثيهم فيما يتعلق بتصرفات الصحابة المنافية لاصول الاسلام وفروعه، الذي ينص على انهم مجتهدون في كل ما وقع منهم، فالمصيب منهم مأجور، والمخطئ معذور(١) .

ويؤكد البعض من السنة ان الصحابة كغيرهم من الرواة من حيث وجوب الفحص عن عدالتهم والتوثق منها(٢) ، وانصار هذا القول بين من يرى انهم كغيرهم من الناس، وان الصحبة لا ترفع من شأن احد طالت ام قصرت، وبين من يدعي ان عدالتهم استمرت الى ان وقع الخلاف بينهم، وباشروا الفتن وأراقوا الدماء، وتنافسوا على أمور الدنيا، ومنذ ذلك الحين اصبحوا كغيرهم معرضين للنقد والتجريح والتفسيق ولغير ذلك مما يجوز على جميع الناس، و أسرف بعض المعتزلة اسرافاً لا مبرر له في حكمه على تلك الفئات المتخاصمة ، فذهب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد الى وجوب طرح الرواية اذا انتهت اليهم ولو كان الراوي لها علياً (ع)، لاحتمال ان يكون هو المبطل في خصومته لعائشة ورفيقيها،

____________________

(١) انظر المستصفى ص ٢٠٤، ٢٠٥.

(٢) القائلون بذلك لا يمثلون رأي الجمهور كما ذكرنا سابقاً.

٧٢

ولمعاوية وانصاره، كما يرى ذلك واصل بن عطاء، بينما يؤكد عمرو بن عبيد، الزعيم الثاني للمعتزلة بعد واصل انهم جميعاً قد خرجوا عن العدالة ولا تصح شهادتهم على باقة بقل، على حد تعبيره.

وجاء في الفرق بين الفرق للبغدادي. ان ابا الهذيل العلاف، والجاحظ، واكثر القدرية على رأي واصل بن عطاء في علي (ع) وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم ممن اشترك في الحروب والخصومات في تلك الفترة من تاريخ الاسلام.

ومهما كان الحال فالمحدثون والفقهاء من المنتسبين الى المذاهب الاربعة الا ما شذ منهم متفقون على عدالة الصحابة وعدم التوقف في مروياتهم عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ورجحان الاقتداء بهم في امور الدين وغيرها، ولم يعرف الخلاف في ذلك الا من بعض المتأخرين، كالشيخ صالح مهدي المقبلي، المتوفى في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، والشيخ محمد عبدو، والشيخ رشيد رضا، وغيرهم، ولكن هؤلاء وان كانوا من اعلام السنة، ولكنهم لا يمثلون الا انفسهم في هذه المسألة.

قال الاستاذ محمود ابو ريه: واذا كان الجمهور على ان الصحابة كلهم عدول، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة، واعتبروهم جميعاً معصومين عن الخطأ والسهو والنسيان، فان هناك كثيراً من المحققين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة، وانما قالوا: كما قال العلامة المقبلي: انها أغلبية لا عامة، وانه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو والهوى، ويؤيدون رأيهم بأن الصحابة ان هم الا بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم، مما يرجع الى الطبيعة البشرية، ويعززون حكمهم بما وقع في عهده من المنافقين والكذابين وبما وقع بعده من الحروب والفتن والخصومات التي لا تزال آثارها الى اليوم، وستبقى الى ما بعد هذا اليوم(١) .

____________________

(١) انظر الاضواء ص ٣٢٢ و ٣٢٣، والمستصفى ص ١٠٥.

٧٣

واستدلَّ القائلون بعدالة الصحابة ببعض الآيات والاحاديث المروية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي تثبت هذه الصفة لجميع الصحابة على حد زعمهم. فمن ذلك قوله تعالى في الآية من سورة الفتح:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذٰلِکَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) .

وقال تعالى في سورة التوبة:( وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

وقال في سورة الانفال:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هَاجَرُوا وَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولٰئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِيمٌ ) .

وقال في سورة الحشر:( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَاناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ‌ وَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَ الْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‌، وَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَ لاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّکَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‌ ) .

وقال في سورة الفتح:( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) .

بهذه الآيات وغيرها مما اشتمل على مدحهم بالايمان والصدق

٧٤

وعلى وعدهم بالمغفرة والجنان، التي اعدها الله للمؤمنين العاملين، قد استدل الجمهور من السنة على عدالة الصحابة وانهم فوق الشبهات والاهواء (وان بساطهم قد طوي) وليس لاحد ان يتردد في شيء من تصرفاتهم واعمالهم على حد تعبير بعض المحدثين من السنة والذي لا يمكن التنكر له، هو ان هذه الآيات ونظائرها تدل دلالة واضحة لا تقبل الجدل والتشكيك على ان لبعضهم من القداسة وعلو المنزلة ما ليس لاحد من الناس وبخاصة من اشترك معه في حروبه وغزواته، وضحى في سبيل تلك الدعوة بالمال والنفس والاولاد، واخلص له في السر والعلانية، هؤلاء لا يجحد فضلهم الا كل معاند لا يؤمن بيوم الحساب، اما ثبوت العدالة والقداسة لكل من رآه او سمع حديثه، او ادرك عصره ولو طفلاً صغيراً مهما صنع بعد ذلك من المنكرات واقترف من الذنوب والآثام كما جرى ذلك لكثير منهم، فهو نوع من التهويش والتضليل الذي لا يقره المنطق بل ولا العقل، ولا تؤيده تلك النصوص ولو من بعيد، ذلك لان من وصفهم الله بتلك الآيات بالشدة على الكفار والركوع والسجود والهجرة والجهاد وغير ذلك من الاوصاف لا ينكر احد فضلهم، ولا يتردد في عدالتهم، ومن المعلوم ان الذين عاصروا الرسول ورووا حديثه، بل وحتى الذين ناصروا دعوته لم تتوفر في اكثرهم تلك الصفات التي اشتملت عليها الآيات الكريمة، بل من بينهم المنافق والفاسق والمتخاذل والمتستر بالاسلام خوفاً او طمعاً، ومن ينتظر الفرص ويراقب الظروف ويهيئ المناسبات ليقوم بدوره في وجه تلك الدعوة المباركة، ولو بالفتك بالرسول اذا اقتضى الامر، كما اشار القرآن نفسه الى ذلك في بعض آياته، هذا بالاضافة الى ان المتتبع لسير الحوادث، وتاريخ الصحابة في حياة الرسول وبعد وفاته لا يرتاب في ان الذين عاصروا الرسول بل وحتى الذين كانوا ألصق به من جميع الناس لم يلتزموا سيرته وسنته وساقتهم الاهواء الى ممارسة ما استطاعوا من الملذات

٧٥

والشهوات، لقد احبوا وكرهوا وخاصموا وانتقموا واستحل بعضهم دماء الآخرين في سبيل الجاه والسلطان. ان هؤلاء الذين ألبسوا جميع الصحابة ثياب القديسين واعطوهم صفات الانبياء والمرسلين، قد ناقضوا انفسهم فصدقوا التاريخ فيما رواه من اعمالهم الطيبة ومواقفهم الخالدة، وكذبوه في غير ذلك من المرويات التي تصور لنا جشعهم وانهماكهم في المعاصي والمنكرات، مع العلم بأن التاريخ الذي روى لنا محاسن اخبارهم، روى لنا سيئات اعمالهم بشكل اوثق واقرب الى منطق الاحداث التي توالت خلال تلك الفترة من تاريخهم المشحون بالاحداث والمتناقضات، والتنافس على المال الحرام والجاه والسلطان.

ومجمل القول، ان الآيات التي استدل بها الجمهور على عدالة الصحابة لا يستفاد منها اكثر من التنويه بفضل من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه ابتغاء مرضاة الله وطمعاً في ثوابه، كما يبدو ذلك بعد الرجوع اليها وملاحظة اسباب نزولها وملابساتها فالآية الاولى بمنطوقها تنص على ان جماعة من انصار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا اشداء على الكفار رحماء بينهم، قد انصرفوا الى العبادة حتى ظهرت آثار ذلك في جباههم ووجوههم، وهذه الصفات لم تتوفر الا في عدد محدود من الصحابة فضلاً عن جميعهم.

والآية الثانية لم تتعرض الا للسابقين في فعل الخيرات والطاعات وتفضيلهم على غيرهم من الكسالى والمقصرين، فهي من حيث مؤداها اشبه بقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من سن سنه حسنة كان له اجر من عمل بها: ومن سن سنة سيئة كان عليه وزر من عمل بها.

وجاء عن جماعة من المفسرين، ان الآية تشير الى من صلى مع النبي القبلتين، وقال آخرون: انها نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان،

٧٦

وقال بعضهم انها فيمن اسلم قبل الهجرة، وعلى جميع التقادير فهي لا تفيد الجمهور، ولا تؤيد ادعائهم من قريب او بعيد(١) .

والآية الثالثة، نزلت فيمن هاجر من مكة الى المدينة، بعد ان هاجر الرسول اليها، كما جاء في مجمع البيان للطبرسي، وقد مدحهم الله سبحانه، لانهم هاجروا من ديارهم و اوطانهم في مكة ولحقوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الى المدينة، كما مدح من آواهم ونصر الرسول، ووصفهم بأنهم المؤمنون حقاً، ولا يعارض احد من المسلمين في أن اولئك بهجرتهم، وهؤلاء بنصرتهم وتضحياتهم وايثارهم على انفسهم من المرضيين عند الله سبحانه بالنسبة الى هذا الموقف الذي وقفوه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا لا يمنع من صدور المخالفات الكثيرة من بعضهم التي توجب وصفهم بالنفاق او الارتداد كما نصت على ذلك بعض المرويات، على ان الصفات التي اشتملت عليها الآية لم تتوفر في جميع الصحابة، كي تثبت لهم العدالة التي يدعيها الجمهور، وهكذا الحال بالنسبة الى الآية من سورة الحشر، فان ثبوت الفضل للفقراء والمهاجرين، والذين تلقوهم ونصروهم وآثروهم على انفسهم، ولمن بايعه بيعة الرضوان، في مقابل هذه التضحيات، لا يلزم منه ثبوته لكل من رأى النبي او روى عنه ولو حديثاً، او سمع منه كلمة(٢) . وقد استدل القائلون بعدالة الصحابة بالاضافة الى تلك الآيات ببعض المرويات عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابي سعيد الخدري ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا تسبوا احداً من اصحابي، فان احدكم لو انفق مثل احدهم ذهباً ما ادرك مد احد ولا نصيفه.

وروى الترمذي عنه في صحيحه انه قال: الله الله في اصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن احبهم فبحبي احبهم، ومن ابغضهم فببغضي

____________________

(١) انظر احكام القرآن للجصاص: ج ٣ ص ١٨٠ ومجمع البيان: ج ٣ تفسير سورة التوبة.

(٢) انظر مجمع البيان وغيره من كتب التفسير ج ٥

٧٧

ابغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك ان يأخذه.

وجاء عن ابي موسى الاشعري ان رسول الله قال النجوم آمنة للسماء، فاذا ذهبت النجوم أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي آمنة لأمتي فاذا ذهب اصحابي أتى أُمتي ما يوعدون.

وجاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: خير القرون قرني، ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم ثم يفشو الكذب.

وقد أورد هذه المرويات الاستاذ محمد عجاج الخطيب في كتابه السنة قبل التدوين، كما استدل بها كل من نكلم عن الصحابة واحوالهم، وانتهى الاستاذ الخطيب من هذه المرويات الى النتيجة التالية.

فقال: وقد اجمعت الامة على عدالتهم جميعاً الا افراداً معدودين اختلف في عدالتهم لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة، فلا يجوز لاحد ان يتعداهم خشية ان يخالف الكتاب والسنة اللذين نصا على عدالتهم، وبعد تعديل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم لا يحتاج احد منهم الى تعديل احد، واضاف الى ذلك. على انه لو لم يرد من الله تعالى و رسوله الكريم شيء في تعديلهم لوجب تعديلهم، لما كانوا عليه من دعم الدين والدفاع عنه، ومناصرتهم للرسول والهجرة اليه والجهاد بين يديه، وبذل المهج والاموال واخيراً انتحل صفة الاجتهاد لهم، حيث لم يجد ما يعتذر به عن بعض تصرفاتهم وللمجتهد ان يصنع ما يشاء، ما دام يفعل بوحي من اجتهاده، حتى ولو خالف الضرورات، واستحل جميع المنكرات كما وقع لكثير منهم. ومما ذكرنا تبين ان الجمهور القائلين بعدالة جميع من رأى النبي، او سمع حديثه، لا يملكون الادلة الكافية، التي تغنيهم عن التعسف واللف والدوران لاثبات العدالة المزعومة، ذلك لان ما جاء

٧٨

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من المرويات التي تدل على تمجيدهم، وعدم ايذائهم، وانهم امان لأهل الارض، هذه المرويات لو صحت لا تدل على انهم قد بلغوا من الدين مبلغاً يعصمهم عن اتباع اهوائهم وشهواتهم، ويدفعهم الى الامتثال واجتناب المحرمات، ومن الجائز ان يكون الثناء عليهم باعتبار ان صحبتهم للنبي والتفافهم حوله يشكل مجموعة متماسكة لحماية الاسلام من اخطار الغزو المرتقب في كل لحظة من داخل البلاد وخارجها، هذا التكتل باعتباره من مظاهر القوة التي تمكن سير الدعوة كان محبوباً للّه سبحانه. مع قطع النظر من خصوصيات الافراد التي تخص كل واحد من حيث تصرفاته وأعماله. هذا بالاضافة الى ان حديث لا تسبوا اصحابي، واصحابي كالنجوم(١) . هذا الحديث من حيث اشتماله على صيغة الجمع، لا يتعين للشمول والاستيعاب، بل يصح منه ولو بالنسبة الى المخلصين في ولائهم العاملين بأوامر الله المتمسكين بسنته وسيرته، ولا ينكر احد وجود مجموعة كبيرة من اتباعه، قد تفانوا في خدمة الاسلام، واخلصوا في اعمالهم وجهادهم طمعاً في مرضاة الله وثوابه، والحديث ونظائره على تقدير صدوره من النبي لا بد وان يكون ناظراً الى تلك الفئة من بين اتباعه، ومن غير المعقول ان يقصدهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على جهة العموم، وهو المخاطب بتلك الآيات التي وصفت فريقاً منهم بالنفاق والبغي وفريقاً بالتآمر على حياته واحباط جميع مساعيه وجهوده التي بذلها في سبيل الدين وتبثيت دعائمه، من غير المعقول ان يقصدهم جميعاً من تلك النصوص، ويقف موقف المدافع عنهم المجامل لهم والآيات الكثيرة تنادي بنفاقهم، وتكشفهم على واقعهم كي لا يغتر بهم احد من اصحابه الطيبين، وحتى لا تكون الصحبة ستاراً لأصحاب الشهوات والمطامع يستغلونها لاغراضهم ولكي لا تكون

____________________

(١) لقد ذكر هذا الحديث ابن القيم في الجزء الثاني من اعلام الموقعين، ونص على انه من الاحاديث الموضوعةصلى‌الله‌عليه‌وآله ٢٢٣.

٧٩

للصحابي تلك الحصانة التي تمنع من نقده وتجريحه.

وقلما تخلو سورة من سور القرآن من التشهير بهم والتحذير من دسائسهم، وسميت سورة التوبة بالفاضحة، كما جاء عن عبد الله بن العباس لانها فضحتهم وكشفت عن واقعهم.

وجاء عنه انه قال: ما زال القرآن ينزل بالمنافقين حتى خشينا ان لا يبقى احد امين من الصحابة.

وسميت المبعثرة لانها تبعثر اسرار المنافقين وتبحث عنها، كما سميت البحوث، والمدمومة والحافرة والمثيرة الى غير ذلك من الاسماء التي تتناسب مع مضامين تلك السورة بكاملها(١) .

قال تعالى، في معرض التهديد والتوبيخ للمنافقين «لو كان عرضا قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك، ولكن بعدت عليهم الشقة، وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون انفسهم والله يعلم انهم لكاذون، عفا الله عنك لمك أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين».

وهذه الآية قد كشفت عن سوء نواياهم، واشارت الى المخطط الذي تبنوه ضد الدعوة كما تشعر بعتاب الله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث اذن لهم بالتخلف عنه في بعض غزواته كما تؤكد الآية التي بعدها.

قال تعالى:( لاَ يَسْتَأْذِنُکَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُکَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ، وَ لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لٰکِنْ کَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ‌ ) .

_____________________________

(١) انظر مجمع البيان طبع صيدا / ج / ٣ وغيره من كتب التفسير.

٨٠