كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 52399
تحميل: 17386

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52399 / تحميل: 17386
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الغرض، ولذا يسقط به الأمر، كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقلياً لا شرعياً، وذلك لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان، ما لم يكن بينهما جامع في البين، لاعتبار نحو من السنخية بين العلة والمعلول.

وعليه: فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي، لبيان أن الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين.

وإن كان بملاك أنه يكون في كل واحد منهما غرض، لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه، كان كل واحد واجباً بنحو من الوجوب، يستكشف عنه تبعاته، من عدم جواز تركه إلا إلى الآخر، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما، والعقاب على تركهما، فلا وجه في مثله للقول بكون الواجب هو(١) أحدهما لا بعينه مصداقاً ولا مفهوماً، كما هو واضح، إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان الأمر بأحدهما بالملاك الأول، من أن الواجب هو الواحد الجامع بينهما، ولا أحدهما معينا، مع كون كل منهما مثل الآخر في أنه وافٍ بالغرض [ولا كل واحد منهما تعينا مع السقوط بفعل أحدهما، بداهة عدم السقوط مع إمكان استيفاء ما في كل منهما من الغرض، وعدم جواز الإيجاب كذلك مع عدم إمكانه](٢) فتدبر.

بقي الكلام في أنه هل يمكن التخيير عقلاً أو شرعاً بين الأقل والاكثر، أولا؟

____________________

(١) فإنه وإن كان مما يصح أن يتعلق به بعض الصفات الحقيقية ذات الإضافة كالعلم، فضلاً عن الصفات الاعتبارية المحضة كالوجوب والحرمة وغيرهما، مما كان من خارج المحمول الذي ليس بحذائه في الخارج شيء غير ما هو منشأ انتزاعه، إلا أنه لا يكاد يصح البعث حقيقة إليه، والتحريك نحوه، كما لا يكاد يتحقق الداعي لإرادته، والعزم عليه، ما لم يكن مائلاً إلى إرادة الجامع، والتحرك نحوه، فتأمل جيداً (منهقدس‌سره ).

(٢) أثبتناها من «ب».

١٤١

ربما يقال، بأنه محال، فإن الأقل إذا وجد كان هو الواجب لا محالة، ولو كان في ضمن الأكثر، لحصول الغرض به، وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائداً على الواجب، لكنه ليس كذلك، فإنه إذا فرض أن المحصِّل للغرض فيما إذا وجد الأكثر، هو الأكثر لا الأقل الذي في ضمنه، بمعنى أن يكون لجميع أجزائه حينئذ دخل في حصوله، وإن كان الأقل لو لم يكن في ضمنه كان وافياً به أيضاً، فلا محيص عن التخيير بينهما، إذ تخصيص الأقل بالوجوب حينئذ كان بلا مخصص، فإن الأكثر بحده يكون مثله على الفرض، مثل أن يكون الغرض الحاصل من رسم الخط مترتباً على الطويل إذا رسم بماله من الحد، لا على القصير في ضمنه، ومعه كيف يجوز تخصيصه بما لا يعمه؟ ومن الواضح كون هذا الفرض بمكان من الإمكان.

إن قلت: هبه في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد، لم يكن للأقل في ضمنه وجود على حدة، كالخط الطويل الذي رسم دفعة بلا تخلّل سكون في البين، لكنه ممنوع فيما كان له في ضمنه وجود، كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث، أو خط طويل رسم مع تخلّل العدم في رسمه، فإن الأقل قد وجد بحدِّه، وبه يحصل الغرض على الفرض، ومعه لا محالة يكون الزائة عليه مما لا دخل له في حصوله، فيكون زائداً على الواجب، لا من أجزائه.

قلت: لا يكاد يختلف الحال بذاك، فإنه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض على الأقل في ضمن الأكثر، وإنما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام، ومعه كان مترتباً على الأكثر بالتمام.

وبالجملة إذا كان كل واحد من الأقل والأكثر بحدِّه مما يترتب عليه الغرض، فلا محالة يكون الواجب هو الجامع بينهما، وكان التخيير بينهما عقلياً إن كان هناك غرض واحد، وتخييراً شرعياً فيما كان هناك غرضان، على ما عرفت.

١٤٢

نعم لو كان الغرض مترتباً على الأقل، من دون دخل للزائد، لما كان الأكثر مثل الأقل وعدلاً له، بل كان فيه اجتماع الواجب وغيره، مستحباً كان أو غيره، حسب اختلاف الموارد، فتدبر جيداً.

فصل

في الوجوب(١) الكفائي:

والتحقيق أنه سنخ من الوجوب، وله تعلق بكل واحد، بحيث لو أخلّ بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعاً، وإن سقط عنهم لو أتى به بعضهم، وذلك لأنه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد، حصل بفعل واحد، صادر عن الكل أو البعض.

كما أن الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة، واستحقاقهم للمثوبة، وسقوط الغرض بفعل الكل، كما هو قضية توارد العلل المتعدِّدة على معلول واحد.

فصل

لا يخفى أنه وإن كان الزمان مما لا بد منه عقلاً في الواجب إلا أنه تارة مما له دخل فيه شرعاً فيكون موقّتاً، وأخرى لا دخل له فيه أصلاً فهو غير موقت، والموقت إما أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدره فمضيّق، وإما أن يكون أوسع منه فموسّع.

ولا يذهب عليك أن الموسع كلّي، كما كان له أفراد دفعيّة، كان له أفراد تدريجية، يكون التخيير بينها كالتخيير بين أفرادها الدفعية عقلياً.

ولا وجه لتوهم أن يكون التخيير بينها شرعياً، ضرورة أن نسبتها إلى الواجب نسبة أفراد الطبائع إليها، كما لا يخفى، ووقوع الموسّع فضلاً عن

____________________

(١) في «ب»: في الوجوب الواجب الكفائى.

١٤٣

إمكانه، مما لا ريب فيه، ولا شبهة تعتريه، ولا اعتناء ببعض التسويلات كما يظهر من المطوّلات.

ثم إنه لا دلالة للأمر بالموقّت بوجه على الأمر به في خارج الوقت، بعد فوته في الوقت، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به.

نعم لو كان التوقيت بدليل منفصل، لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت، وكان لدليل الواجب إطلاق، لكان قضيّة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله.

وبالجملة: التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب، كذلك ربما يكون بنحو تعدُّد المطلوب، بحيث كان أصل الفعل، ولو في خارج الوقت مطلوباً في الجملة، وإن لم يكن بتمام المطلوب، إلا أنه لابد في إثبات أنه بهذا النحو من دلالة، ولا يكفي الدليل على الوقت إلا فيما عرفت، ومع عدم الدلالة فقضية أصالة البراء‌ة عدم وجوبها في خارج الوقت، ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت، فتدبر جيداً.

فصل

الأمر بالأمر بشيء، أمر به لو كان الغرض حصوله، ولم يكن له غرض في توسيط أمر الغير به إلا تبليغ(١) أمره به، كما هو المتعارف في أمر الرسل بالأمر أو النهي. وأما لو كان لغرض من ذلك يحصل بأمره بذاك الشيء، من دون تعلق غرضه به، أو مع تعلق غرضه به لا مطلقاً، بل بعد تعلق أمره به، فلا يكون أمراً بذاك الشيء، كما لا يخفى.

وقد انقدح بذلك أنه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر، على كونه أمراً به، ولا بد في الدلالة

____________________

(١) في «ب»: بتبليغ.

١٤٤

عليه من قرينة عليه.

فصل

إذا ورد أمر بشئ بعد الأمر به قبل امتثاله فهل يوجب تكرار ذاك الشيء، أو تأكيد الأمر الأول، والبعث الحاصل به؟ قضية إطلاق المادة هو التأكيد، فإن الطلب تأسيساً لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين، من دون أن يجيء تقييد لها في البين، ولو كان بمثل (مرّة اخرى) كي يكون متعلق كلٍّ منهما غير متعلق الاخر، كما لا يخفى، والمنساق من إطلاق الهيئة، وإن كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده، إلا أن الظاهر هو انسباق التأكيد عنها، فيما كانت مسبوقة بمثلها، ولم يذكر هناك سبب، أو ذكر سبب واحد.

١٤٥

١٤٦

المقصد الثاني:

في النواهي

١٤٧

١٤٨

المقصد الثاني: في النواهي

فصل

الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب، مثل الأمر بمادته وصيغته، غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود، وفي الآخر العدم، فيعتبر فيه ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلاً، نعم يختص النهي بخلاف، وهو: إن متعلق الطلب فيه، هل هو الكف، أو مجرد الترك وأن لا يفعل؟

والظاهر هو الثاني، وتوهم أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار، فلا يصح أن يتعلق به البعث والطلب، فاسد، فإن الترك أيضاً يكون مقدوراً، وإلا لما كان الفعل مقدوراً وصادراً بالإرادة والاختيار، وكون العدم الأزلي لا بالاختيار، لا يوجب أن يكون بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلاً للتكليف.

ثم إنه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار، كما لا دلالة لصيغة الأمر وإن كان قضيتهما عقلاً تختلف ولو مع وحدة متعلقهما، بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الأمر مرة والنهي أخرى، ضرورة أن وجودها يكون بوجود فرد واحد، وعدمها لا يكاد يكون إلا بعدم الجميع، كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار، إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال، فإنه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة، إلا بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية.

١٤٩

وبالجملة قضية النهي، ليس إلا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له، كانت مقيدة أو مطلقة، وقضية تركها عقلاً، إنما هو ترك جميع أفرادها.

ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف، أو عدم إرادته، بل لابد في تعيين ذلك من دلالة، ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة، ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات، فتدبر جيداً.

فصل

اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد وامتناعه على أقوال:(١) ثالثها (٢) : جوازه عقلاً وامتناعه عرفاً، وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور:

الأول : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين، ومندرجاً تحت عنوانين، بأحدهما كان مورداً للامر، وبالآخر للنهي، وإن كان كلياً مقولاً على كثيرين، كالصلاة في المغصوب، وإنما ذكر لإخراج ما إذا تعدد متعلق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجوداً، ولو جمعهما واحد مفهوماً، كالسجود لله تعالى، والسجود للصنم مثلاً، لا لإخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية.

الثاني : الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة(٣) ، هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل، هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي، بحيث يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد، أو لا يوجبه، بل يكون حاله حاله، فالنزاع في سراية كل

____________________

(١) راجع مطارح الأنظار / ١٢٩. في اجتماع الأمر والنهي.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان للأردبيلي ٢: ١١٠.

(٣) في «ب» العبادات.

١٥٠

من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر، لاتحاد متعلقيهما وجوداً، وعدم سرايته لتعددهما وجهاً، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الأخرى، فإن البحث فيها في أن النهي في العبادة [أو المعاملة](١) يوجب فسادها، بعد الفراغ عن التوجه إليها.

نعم لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع، يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.

فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح، وأماما أفاده في الفصول(٢) ، من الفرق بما هذه عبارته:

(ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم، وهو أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا؟ أما في المعاملات فظاهر، وأما في العبادات، فهو أن النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة، وإن كان بينهما عموم مطلق، وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الإطلاق والتقييد، بأن تعلق الأمر بالمطلق، والنهي بالمقيد) انتهى موضع الحاجة، فاسد، فإن مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات، لا يوجب التمايز بين المسائل، ما لم يكن هناك اختلاف الجهات، ومعه لا حاجة أصلاً إلى تعددها، بل لابد من عقد مسألتين، مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها، وعقد مسألة واحدة في صورة العكس، كما لا يخفى.

ومن هنا انقدح أيضاً فساد الفرق، بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلاً، وهناك في دلالة النهي لفظاً، فإن مجرد ذلك لو لم يكن تعدد الجهة في البين، لا يوجب إلا تفصيلاً في المسألة الواحدة، لا عقد مسألتين، هذا مع

____________________

(١) أثبتناها من «ب».

(٢) الفصول / ١٤٠، فصل في دلالة النهي على فساد المنهي عنه.

١٥١

عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ، كما سيظهر.

الثالث : إنه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط، كانت المسألة من المسائل الأصولية، لا من مبادئها الأحكامية، ولا التصديقية، ولا من المسائل الكلامية، ولا من المسائل الفرعية، وإن كانت فيها جهاتها، كما لا يخفى، ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى، يمكن عقدها معها من المسائل، إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الأصول، وإن عقدت كلامية في الكلام، وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام، وقد عرفت في أول الكتاب(١) أنه لا ضير في كون مسألة واحدة، يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين، لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة، كانت بإحداهما من مسائل علم، وبالأخرى من آخر، فتذكر.

الرابع : إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه، أن المسألة عقلية، ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ، كما ربما يوهمه التعبير بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول، إلا أنه لكون الدلالة عليهما غالباً بهما، كما هو أوضح من أن يخفى، وذهاب البعض(٢) إلى الجواز عقلاً والامتناع عرفاً، ليس بمعنى دلالة اللفظ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنان، وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين، وإلا فلا يكون معنى محصلاً للامتناع العرفي، غاية الأمر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع، فتدبر جيداً.

الخامس : لا يخفى أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الايجاب والتحريم، كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي،

____________________

(١) في الأمر الأول من مقدمة الكتاب / ٧.

(٢) الأردبيلي في شرح الإرشاد ٢ / ١١٠.

١٥٢

ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما، غير خالية عن الاعتساف، وإن سلم في صيغتهما، مع أنه فيها ممنوع(١) .

نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الإطلاق، بمقدمات الحكمة الغير الجارية في المقام، لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام، وكذا ما وقع في البين من النقض والابرام، مثلاً إذا أمر بالصلاة والصوم تخييراً بينهما، وكذلك نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار، فصلى فيها مع مجالستهم، كان حال الصلاة فيها حالها، كما إذا أمر بها تعييناً(٢) ، ونهى عن التصرف فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع، ومجيئ أدلة الطرفين، وما وقع من النقض والإبرام في البين، فتفطن.

السادس : إنه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة في مقام الامتثال، بل ربما قيل: بأن الإطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح، إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال.

ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال، وهو اجتماع الحكمين المتضادين، وعدم الجدوى في كون موردهما موجهاً بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين، أو عدم لزومه، وأن تعدد الوجه يجدي في رفعها، ولا يتفاوت في ذلك أصلاً وجود المندوحة وعدمها، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.

نعم لابد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلاً، لمن يرى التكليف بالمحال محذوراً ومحالاً، كما ربما لابد من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك أيضاً.

وبالجملة لا وجه لاعتبارها، إلا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال، وعدم

____________________

(١) في «ب»: ممنوعة.

(٢) في «ب»: تعيّناً.

١٥٣

لزوم التكليف بالمحال، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال، فافهم واغتنم.

السابع : إنه ربما يتوهم تارةً أن النزاع في الجواز والامتناع، يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع، وأما الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد فلا يكاد يخفى، ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي، ولو كان ذا وجهين على هذا القول.

وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع، لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتاً عليه، وإن اتحد وجوداً، والقول بالامتناع على القول بالافراد، لاتحاد متعلقهما شخصاً خارجاً، وكونه فرداً واحداً.

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين، فإن تعدد الوجه إن كان يجدي بحيث لايضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد، لكان يجدي ولو على القول بالافراد، فإن الموجود الخارجي الموجه بوجهين، يكون فرداً لكل من الطبيعتين، فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين، لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين، وإلا لما كان يجدي أصلاً، حتى على القول بالطبائع، كما لا يخفى، لوحدة الطبيعتين وجوداً واتحادهما خارجاً، فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجوداً غير ضائر بتعددهما وكونها طبيعتين، كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجوداً غير ضائر بكونه فرداً للصلاة، فيكون مأموراً به، وفرداً للغصب فيكون منهياً عنه، فهو على وحدته وجوداً يكون اثنين، لكونه مصداقاً للطبيعتين، فلا تغفل.

الثامن : إنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع، إلا إذا كان في كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقاً، حتى في مورد

١٥٤

التصادق والاجتماع، كي يحكم على الجواز بكونه فعلاً محكوماً بالحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوماً بأقوى المناطين، أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى، كما يأتي تفصيله(١) .

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك، فلا يكون من هذا الباب، ولا يكون مورد الاجتماع محكوماً إلا بحكم واحد منها، إذا كان له مناطه، أو حكم آخر غيرهما، فيما لم يكن لواحد منهما، قيل بالجواز والامتناع، هذا بحسب مقام الثبوت.

وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات، فالروايتان الدالّتان على الحكمين متعارضتان، إذا احرز أن المناط من قبيل الثاني، فلابد من حمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير، وإلا فلا تعارض في البين، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين، فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلاً، لكونه أقوى مناطاً، فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلاً، بل لابد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات، كما يأتي الإشارة(٢) إليها.

نعم لو كان كل منها متكفلاً للحكم الفعلي، لوقع بينهما التعارض، فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة، لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة، فتفطن.

التاسع : إنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب، أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها، مشتملة على مناط الحكم مطلقاً، حتى في حال الاجتماع، فلو كان هناك ما دلّ على ذلك من إجماع أو غيره فلا إشكال، ولو لم يكن إلا إطلاق دليلي الحكمين، ففيه تفصيل وهو:

إن الإطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي، لكان دليلاً على ثبوت

____________________

(١ و٢) راجع التنبيه الثاني من تنبيهات اجتماع الأمر والنهي، ص ١٧٤.

١٥٥

المقتضي والمناط في مورد الاجتماع، فيكون من هذا الباب، ولو كان بصدد الحكم الفعلي، فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز، إلا إذا علم إجمالاً بكذب أحد الدليلين، فيعامل معهما معاملة المتعارضين. وأما على القول بالامتناع فالإطلاقان متنافيان، من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلاً، فإن انتفاء أحد المتنافيين، كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له، يمكن أن يكون لأجل انتفائه، إلا أن يقال: إن قضية التوفيق بينهما، هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي، لو لم يكن أحدهما أظهر، وإلا فخصوص الظاهر منهما.

فتلخص أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين، كان من مسألة الاجتماع، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه، فهو من باب التعارض مطلقاً، إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولوعلى الجواز، وإلا فعلى الامتناع.

العاشر (١) : إنه لا إشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر على الجواز مطلقاً، ولو في العبادات، وإن كان معصية للنهي أيضاً، وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الأمر، إلا أنه لا معصية عليه، وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الأمر به مطلقاً في غير العبادات، لحصول الغرض الموجب له، وأما فيها فلا، مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيراً، فإنه وإن كان متمكناً - مع عدم الالتفات - من قصد القربة، وقد قصدها، إلا أنه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرب به أصلاً، فلا يقع مقرباً، وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة، كما لا يخفى. وأما إذا لم يلتفت إليها قصوراً، وقد قصد القربة بإتيانه، فالأمر

____________________

(١) من هنا إلى ص ١٨٤ عند قوله «ضرورة أنه لو لا جلعه» سقط من نسخة (أ) المعتمدة عندنا.

١٥٦

يسقط، لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به، لاشتماله على المصلحة، مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً، فيحصل به الغرض من الأمر، فيسقط به قطعاً، وإن لم يكن امتثالاً له بناءً على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعاً، لا لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن أو القبح، لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله.

مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك، فإن العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين سائر الأفراد في الوفاء بغرض(١) الطبيعة المأمور بها، وإن لم تعمه بما هي مأمور بها، لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

ومن هنا انقدح أنه يجزي، ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة، وعدم كفاية الإتيان بمجرد المحبوبية، كما يكون كذلك في ضد الواجب، حيث لا يكون هناك أمر يقصد أصلاً.

وبالجملة مع الجهل قصوراً بالحرمة موضوعاً أو حكماً، يكون الإتيان بالمجمع امتثالاً، وبداعي الأمر بالطبيعة لا محالة، غاية الأمر أنه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها، لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في مقام فعلية الأحكام، لكان مما تسعه وامتثالاً لأمرها بلا كلام.

وقد انقدح بذلك الفرق بين ما اذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين، وقدم دليل الحرمة تخييراً أو ترجيحاً، حيث لا يكون معه مجال للصحة أصلاً، وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع.

وقيل بالامتناع، وتقديم جانب الحرمة، حيث يقع صحيحاً في غير مورد من موارد الجهل والنسيان، لموافقته للغرض بل للأمر، ومن هنا علم أن

____________________

(١) في «ب»: لغرض، وما أثبتناه من النسخ المطبوعة هو الأصحّ.

١٥٧

الثواب عليه من قبيل الثواب على الإطاعة، لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذكرناه، وجه حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة، مع النسيان أو الجهل بالموضوع، بل أو الحكم إذا كان عن قصور، مع أن الجلّ لو لا الكلّ قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر، فلتكن من ذلك على ذكر.

إذا عرفت هذه الامور، فالحق هو القول بالامتناع، كما ذهب إليه المشهور، وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل، أو يمكن أن يقال، من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال، يتوقف على تمهيد مقدمات:

إحداها : إنه لاريب في أن الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها، وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان، وإن لم يكن بينها مضادة ما لم يبلغ إلى تلك المرتبة، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الإنشائية قبل البلوغ اليها، كما لا يخفى، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال، بل من جهة أنه بنفسه محال، فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضاً.

ثانيتها : إنه لا شبهة في أن متعلق الأحكام، هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه، وهو فاعله وجاعله، لا ما هو اسمه، وهو واضح، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه، بحيث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهناً، لا كان بحذائه شئ خارجاً ويكون خارج المحمول، كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية(١) ، إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات، ضرورة أن البعث ليس نحوه، والزجر لا يكون عنه، وإنما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ

____________________

(١) في «ب»: الغصبية.

١٥٨

متعلقاتها، والإشارة إليها، بمقدار الغرض منها والحاجة إليها، لا بما هو هو وبنفسه، وعلى استقلاله وحياله.

ثالثتها : إنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون، ولا ينثلم به وحدته، فإن المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد، وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة، بل بسيط من جمبع الجهات، ليس فيه حيث غير حيث، وجهة مغايرة لجهة أصلاً، كالواجب تبارك وتعالى، فهو على بساطته ووحدته وأحديته، تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا، لكنها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الأحد.

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

رابعتها : إنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد، إلّا ماهية واحدة وحقيقة فاردة، لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو إلا تلك الماهية، فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة، وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده، فيكون الواحد وجوداً واحداً ماهية وذاتاً لا محالة، فالمجمع وإن تصادق عليه متعلقا الأمر والنهي، إلا أنه كما يكون واحداً وجوداً، يكون واحداً ماهية وذاتاً، ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

ومنه يظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة، على القولين في تلك المسألة، كما توهم في الفصول(١) ، كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج، وعدم تعدده، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له، وإن مثل الحركة في دار من أي

____________________

(١) راجع الفصول / ١٢٥.

١٥٩

مقولة كانت، لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها، وقعت جزء‌اً للصلاة أو لا، كانت تلك الدار مغصوبة أو لا(١) .

إذا عرفت ما مهدناه، عرفت أن المجمع حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً، كان تعلق الأمر والنهي به محالاً، ولو كان تعلقهما به بعنوانين، لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه، متعلقاً للأحكام لا بعناوينه الطارئة عليه، وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلق بالطبائع لا الأفراد(٢) ، فإن غاية تقريبه أن يقال: إن الطبائع من حيث هي هي، وإن كانت ليست إلا هي، ولا تتعلق بها الأحكام الشرعية، كالآثار العادية والعقلية، إلا أنها مقيدة بالوجود، بحيث كان القيد خارجاً والتقيد داخلاً، صالحة لتعلق الأحكام بها، ومتعلقا الأمر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلاً، لا في مقام تعلق البعث والزجر، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

أما في المقام الأول، فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وإن كانا متحدين فيما هو خارج عنهما، بما هما كذلك.

وأما في المقام الثاني، فلسقوط أحدهما بالإطاعة، والآخر بالعصيان بمجرد الإتيان، ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد؟

وأنت خبير بأنه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت، من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجوداً ولا ماهية، ولا تنثلم به وحدته أصلاً، وأن المتعلق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما

____________________

(١) وقد عرفت أن صدق العناوين المتعددة، لا تكاد تنثلم به وحدة المعنون - لا ذاتاً ولا وجوداً - غايته أن تكون له خصوصية بها يستحق الاتصاف بها، ومحدوداً بحدود موجبة لانطباقها عليه، كما لا يخفى، وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه أصلاً، فتدبر جيداً (منهقدس‌سره ).

(٢) كما في قوانين الأصول ١ / ١٤٠.

١٦٠