كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 52403
تحميل: 17386

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52403 / تحميل: 17386
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القطع بعدم حجيته لدى الشارع، وعدم كون المكلف معذوراً - إذا عمل به فيهما - فيما أخطأ، بل كان مستحقاً للعقاب - ولو فيما أصاب - لو بنى على حجيته والاقتصار عليه لتجريه، فافهم.

وثالثاً: سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به، لكن قضيته ليس إلا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر، لا خصوص الظن بالطريق، وقد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالباً.

فصل

لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقاً منصوباً شرعاً؛ ضرورة أنه معها لا يجب عقلاً على الشارع أن ينصب طريقاً، لجواز اجتزائه بما استقل به العقل في هذا الحال، ولا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل، لقاعدة الملازمة، ضرورة أنها إنما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي، والمورد هاهنا غير قابل له، فإن الإطاعة الظنية التي يستقل العقل بكفايتها في حال الانسداد إنما هي بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزيد منها، وعدم جواز اقتصار المكلف بدونها، ومؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه، وهو واضح.

واقتصار المكلف بما دونها، لما كان بنفسه موجباً للعقاب مطلقاً، أو فيما أصاب الظن، كما أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلى أمرٍ بها أو نهي عن مخالفتها، كان حكم الشارع فيه مولوياً بلا ملاك يوجبه، كما لا يخفى، ولا بأس به إرشادياً، كما هو شأنه في حكمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية.

وصحة نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية إليه، لا تنافي استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد، كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح، من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها

٣٢١

مولوياً، لما عرفت.

فانقدح بذلك عدم صحة تقرير المقدمات إلا على نحو الحكومة دون الكشف، وعليها فلا إهمال في النتيجة أصلاً، سبباً ومورداً ومرتبة، لعدم تطرق الإهمال والإجمال في حكم العقل، كما لا يخفى.

أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها.

وأما بحسب الموارد، فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الإطاعة الظنية، إلا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام، واستقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام، كما في الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر.

وأما بحسب المرتبة، فكذلك لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الإطمئنان من الظن بعدم التكليف(١) ، إلا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر.

وأما على تقرير الكشف، فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه، فلا إهمال فيها أيضاً بحسب الأسباب، بل يستكشف حينئذ أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيق، وإلا فلا مجال لاستكشاف حجية(٢) غيره، ولا بحسب الموارد، بل يحكم بحجيته في جميعها، وإلا لزم عدم وصول الحجة، ولو لأجل التردد في مواردها، كما لا يخفى.

ودعوى الاجماع(٣) على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدّاً.

____________________

(١) كذا صححه في «ب»، وفي «أ»: فكذلك لا يستقل إلا بكفاية مرتبة الاطمئنان من الظن إلا على... إلخ.

(٢) في «ب»: حجة.

(٣) ادعاه الشيخ (قده) فرائد الأصول / ١٣٩.

٣٢٢

وأما بحسب المرتبة، ففيها إهمال، لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافياً، فلا بد من الاقتصار عليه، ولو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه، فلا إهمال فيها بحسب الأسباب، لو لم يكن فيها تفاوت أصلاً، أو لم يكن بينها إلا واحد، وإلا فلابد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه، بإجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب، حتى ينتهي إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت بينها، فيحكم بحجية كلها، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار، فيقتصر عليه.

وأما بحسب الموارد والمرتبة، فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه، فتدبر جيداً.

ولو قيل: بأن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلاً، فالإهمال فيها يكون من الجهات، ولا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق بمراعاة اطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار، لو لم يلزم منه محذور، وإلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال، فتأمل فإن المقام من مزال الأقدام.

وهم ودفع : لعلك تقول: إن القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد، ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضاً.

لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله، لأجل اليقين بأنه لو كان شيء حجة شرعاً كان هذا الشيء حجة قطعاً، بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر، لا الدليل على الملازمة.

ثم لا يخفى أن الظن باعتبار ظن(١) بالخصوص، يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل

____________________

(١) في «ب»: الظن.

٣٢٣

بنفسه، فإنه حينئذ يقطع بكونه حجة، كان غيره حجة أو لا، واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد، ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة، ولكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره، لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار، وبالجملة الأمر يدور بين حجية الكل وحجيته، فيكون مقطوع الاعتبار.

ومن هنا ظهر حال القوة، ولعل نظر من رجح بها إلى هذا الفرض، وكان منع شيخنا العلامة(١) - أعلى الله مقامه - عن الترجيح بهما(٢) ، بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه، أو الطريق ولو لم يصل أصلاً، وبذلك ربما يوفق بين كلمات الأعلام في المقام، وعليك بالتأمل التام.

ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بهما(٣) إنما هو على تقدير كفاية الراجح، وإلا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية، فيختلف الحال باختلاف الأنظار بل الأحوال.

وأما تعميم النتيجة(٤) بأن قضية العلم الإجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه، فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب الطريق ولو لم يصل أصلاً، مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل إلا على وفق المثبتات من الأطراف دون النافيات، إلا فيما إذا كان هناك نافٍ من جميع الأصناف، ضرورة أن الاحتياط فيها يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم، حيث لا ينافيه، كيف؟ ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية، كما لا يخفى، فما ظنك بما لا يجب الأخذ بموجبه إلا من باب الاحتياط؟ فافهم.

____________________

(١) فرائد الأصول / ١٤٢، وأما المرجح الثاني.

(٢) في «ب»: بها.

(٣) في «ب»: بها.

(٤) هذا ثالث طرق «تعميم النتيجة» الذي نقله الشيخ (قده) عن شيخه المحقق شريف العلماء (قده)، واستشكل عليه، فرائد الأصول ١٥٠.

٣٢٤

فصل

قد اشتهر الإشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة، وتقريره على ما في الرسائل(١) أنه:

(كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطاً للإطاعة والمعصية، ويقبح على الآمر والمأمور التعدي عنه، ومع ذلك يحصل الظن و خصوص الاطمئنان من القياس، ولا يجوّز الشارع العمل به؟ فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن، أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكناً، جرى في غير القياس، فلا يكون العقل مستقلاً، إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس [بل وأزيد](٢) واختفى علينا، ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع، إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه، وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص). انتهى موضع الحاجة من كلامه، زيد في علو مقامه.

وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال، بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقاً على عدم نصب الشارع طريقاً واصلاً، وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلاً، بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي، فلا موضوع لحكمه مع أحدهما، والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلا كنصب شيء، بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي، فلا يكون نهيه عنه رفعاً لحكمه عن موضوعه، بل به يرتفع موضوعه، وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا كالأمر بما لا يفيده، وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه، وكما لا يصح بلحاظ حكمه الإشكال فيه، لا يصح الإشكال فيه بلحاظه.

____________________

(١) فرائد الأصول / ١٥٦.

(٢) أثبتناها من فرائد الأصول.

٣٢٥

نعم لا بأس بالإشكال فيه في نفسه، كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير، تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق.

غاية الأمر تلك المحاذير - التي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب - كانت في الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة، ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الإشكال على دليل الانسداد بخروج القياس، ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة، قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل، وقد عرفت أنه بمكان من الفساد.

واستلزام إمكان المنع عنه، لاحتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا، وإن كان موجباً لعدم استقلال العقل، إلا أنه إنما يكون بالإضافة إلى تلك الأمارة، لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع بمقدار الكفاية، وإلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل؛ ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعه، على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع(١) .

وقياس حكم العقل(٢) بكون الظن مناطاً للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطاً لها في حال الانفتاح، لا يكاد يخفى على أحد فساده، لوضوح أنه مع الفارق؛ ضرورة أن حكمه في العلم على نحو التنجز، وفيه على نحو التعليق.

ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الإشكال بالنهي عن القياس، مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد للظن، بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعاً، مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك، وليس إلا لأجل أن حكمه به معلق على عدم النصب، ومعه لا حكم له، كما هو كذلك مع النهي عن بعض أفراد الظن، فتدبر جيّداً.

____________________

(١) سيأتي تحقيقه في الفصل الآتي.

(٢) ذكره الشيخ (قده) في فرائد الأصول / ١٥٦.

٣٢٦

وقد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن الإشكال: تارة(١) بأن المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة، وأخرى(٢) بأن العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة، وذلك لبداهة أنه إنما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه، بملاحظة حكم العقل بحجية الظن، ولا يكاد يجدي صحته كذلك في ذب الإشكال في صحته بهذا اللحاظ، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.

وأما ما قيل في جوابه(٣) ، من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد، أو منع حصول الظن منه بعد انكشاف حاله، وأن ما يفسده أكثر مما يصلحه، ففي غاية الفساد، فإنه مضافاً إلى كون كل واحد من المنعين غير سديد - لدعوى الإجماع على عموم المنع مع إطلاق أدلته وعموم علته، وشهادة الوجدان بحصول الظن منه في بعض الأحيان - لا يكاد يكون في دفع الإشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه بمفيد، غاية الأمر أنه لا إشكال مع فرض أحد المنعين، لكنه غير فرض الإشكال، فتدبر جيداً.

فصل

إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص ، فالتحقيق أن يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد: إنه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه، فضلاً عما إذا ظن، كما أشرنا إليه في الفصل السابق، فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص، فإن كفى، وإلا فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وإن احتمل، مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد، وإن انسد باب هذا الاحتمال معها، كما لا يخفى، وذلك ضرورة أنه لا احتمال مع الاستقلال

____________________

(١) هذا سابع الوجوه التي ذكرها الشيخ (قده) في الجواب عن الإشكال، فرائد الأصول / ١٦١.

(٢) هو الوجه السادس الذي أفاده الشيخ (قده) واستشكل عليه، فرائد الأصول / ١٦٠.

(٣) راجع الوجهين الأولين من الوجوه السبعة التي ذكره الشيخ (قده) فرائد الأصول / ١٥٧.

٣٢٧

حسب الفرض ومنه قد انقدح أنه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو فيهما، فافهم.

فصل

لا فرق في نتيجة دليل الانسداد، بين الظن بالحكم من أمارة عليه، وبين الظن به من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية، كقول اللغوي فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه، وهو واضح، ولا يخفى أن اعتبار ما يورثه [لا محيص عنه فيما](١) إذا كان مما ينسد فيه باب العلم، قول أهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد، ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد.

نعم لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات الخارجية، إلا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بالخصوص، أو ذاك المخصوص، ومثله الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي، كالظن بأن راوي الخبر هو زرارة بن أعين مثلاً، لا آخر.

فانقدح أن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد، ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي، لا من باب الشهادة ولا من باب الرواية.

تنبيه : لا بيعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور، مهما أمكن في الرواية، وعدم الاقتصار على(١) الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي، وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي أو ما بحكمه عقلاً، فتأمل جيداً.

فصل

إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الاحكام هو حجية الظن فيها،

____________________

(١) وفي «ب»: يختص بما.

(١) في «أ»: بالظن.

٣٢٨

لاحجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها، فيتبع مثلاً في وجوب صلاة الجمعة يومها، لا في إتيانها، بل لابد من علم أو علمي بإتيانها، كما لا يخفى.

نعم ربما يجري نظير مقدمت الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية، من انسداد باب العلم به غالباً، واهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفة(١) الواقع بإجراء الأصول فيه مهما أمكن، وعدم وجوب الاحتياط شرعاً أو عدم إمكانه عقلاً، كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلاً، فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ أيضاً، فافهم.

خاتمة : يذكر فيها أمران استطراداً:

الأول : هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلاً في الفروع العملية، المطلوب فيها أولاً العمل بالجوارح، يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له، أو لا؟.

الظاهر لا، فإن الأمر الاعتقادي وإن انسد باب القطع به، إلا أن باب الاعتقاد إجمالاً - بما هو واقعه والانقياد له وتحمله - غير منسد، بخلاف العمل بالجوارح، فإنه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالاحتياط، والمفروض عدم وجوبه شرعاً، أو عدم جوازه عقلاً، ولا أقرب من العمل على وفق الظن.

وبالجملة: لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الأعمال الجوانحية على الظن فيها، مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها، فلا يتحمل إلا لما هو الواقع، ولا ينقاد إلا له، لا لما هو مظنونه، وهذا بخلاف العمليات، فإنه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد.

نعم يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن، من باب وجوب المعرفة لنفسها، كمعرفة الواجب تعالى وصفاته أداءً لشكر بعض نعمائه، ومعرفة

____________________

(١) في «ب»: بمخالفته.

٣٢٩

أنبيائه، فإنهم وسائط نعمه وآلائه، بل وكذا معرفة الإمامعليه‌السلام على وجه صحيح(١) ، فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك، ولاحتمال الضرر في تركه، ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر، إلا ما وجب شرعاً معرفته، كمعرفة الإمامعليه‌السلام على وجه آخر غير صحيح، أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته، وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص، لا من العقل ولا من النقل، كان أصالة البراء‌ة من وجوب معرفته محكمة(٢) .

ولا دلالة لمثل قوله تعالى( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ ) (٣) الآية، ولا لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس)(٤) ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته بالعموم، ضرورة أن المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته، والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة، فلا إطلاق فيه أصلاً، ومثل آية النفر(٥) ، إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب، لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته، كما لا يخفى، وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه، لا بصدد بيان ما يجب العلم به.

ثم إنه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً، حيث أنه ليس بمعرفة قطعاً، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذوراً إن كان عن قصور لغفلة أو لغموضة(٦) المطلب مع قلة الاستعداد، كما هو المشاهد في

____________________

(١) وهو كون الإمامة كالنبوة منصباً إلهياً يحتاج إلى تعيينه - تعالى - ونصبه، لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين، وهو الوجه الآخر (منهقدس‌سره الشريف).

(٢) هذا تعريض بما أفاده الشيخ (قده) انتصاراً للعلامة، فرائد الأصول / ١٧٠.

(٣) الذاريات: ٥٦.

(٤) وقريب منه: الكافي ٣ / ٢٦٤، والتهذيب ٢ / ٢٣٦.

(٥) التوبة: ١٢٢.

(٦) في «ب»: الغموضية.

٣٣٠

كثير من النساء بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد، ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف، فإنه كالجبلّي للخلف، وقلما عنه تخلف(١) .

والمراد من المجاهدة في قوله تعالى( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (٢) هو المجاهدة مع النفس، بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، وهي التي كانت أكبر من الجهاد، لا النظر والاجتهاد، وإلا لأدى إلى الهداية، مع أنه يؤدي إلى الجهالة والضلالة، إلا إذا كانت هناك منه - تعالى - عناية، فإنه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق، لا بصدد الحق، فيكون مقصراً مع اجتهاده، ومؤاخذا إذا أخطأ على قطعه واعتقاده.

ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم، فيما يجب تحصيله عقلاً لو أمكن، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه، بل بعدم جوازه، لما أشرنا إليه(٣) من أن الأمور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها، فلا إلجاء فيها أصلاً إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم، بخلاف الفروع العملية، كما لا يخفى.

وكذلك لا دلالة من النقل على وجوبه، فيما يجب معرفته مع الإمكان شرعاً، بل الأدلة الدالّة على النهي عن اتباع الظن، دليل على عدم جوازه أيضاً.

وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا، أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة، أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها، لعدم وضوح الأمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن تقصير، كما لا يخفى، فيكون(٤) معذوراً عقلاً.

____________________

(١) في «ب»: يتخلف.

(٢) العنكبوت / ٦٩.

(٣) أشار إليه في الأمر الأوّل من خاتمة دليل الانسداد / ٣٢٩.

(٤) ولا ينافي ذلك عدم استحقاقه درجة، بل استحقاقه دركة لنقصانه بسبب فقدانه للإيمان به تعالى أو =

٣٣١

ولا يصغى إلى ما ربما قيل: بعدم وجود القاصر فيها، لكنه إنما يكون معذوراً غير معاقب على عدم معرفة الحق، إذا لم يكن يعانده، بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله.

هذا بعض الكلام مما يناسب المقام، وأما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر والإسلام، فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة.

الثاني : الظن الذي لم يقم على حجيته دليل، هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة، أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة، أو يرجح به أحد المتعارضين، بحيث لولاه على وفقه لما كان ترجيح لأحدهما، أو كان للآخر منهما، أم لا؟

ومجمل القول في ذلك: إن العبرة في حصول الجبران أو الرجحان بموافقته، هو الدخول بذلك تحت دليل الحجية، أو المرجحية الراجعة إلى دليل الحجية، كما أن العبرة في الوهن إنما هو الخروج بالمخالفة عن تحت دليل الحجية، فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره أو بصحة مضمونه، ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به، فراجع أدلة اعتبارها.

وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد لاختصاص دليل الحجية بحجية الظهور في تعيين المراد، والظن من أمارة خارجية به لا يوجب ظهور اللفظ فيه كما هو ظاهر، إلا فيما أوجب القطع ولو إجمالاً باحتفافه بما كان موجباً لظهوره فيه لولا عروض انتفائه، وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره، وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره، إلا فيما كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده، أو وجود قرينة مانعة

____________________

= برسوله، أو لعدم معرفة أوليائه، ضرورة أن نقصان الإنسان لذلك يوجب بعده عن ساحة جلاله تعالى، وهو يستتبع لا محالة دركة من الدركات، وعليه فلا إشكال فيما هو ظاهر بعض الروايات والآيات، من خلود الكافر مطلقاً ولو كان قاصراً، فقصوره إنما ينفعه في دفع المؤاخذة عنه بما يتبعها من الدركات، لا فيما يستتبعه نقصان ذاته ودنو نفسه وخساسته، فإذا انتهى إلى اقتضاء الذات لذلك فلا مجال للسؤال عنه، ب‍(لم ذلك؟) فافهم (منهقدس‌سره ).

٣٣٢

عن انعقاد ظهوره فيما فيه ظاهر لولا تلك القرينة، لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة ولا دليل اعتبار الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره، أو ظن بعدم إرادة ظهوره.

وأما الترجيح بالظن، فهو فرع دليل على الترجيح به، بعد سقوط الأمارتين بالتعارض من البين، وعدم حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه، وإن بقي أحدهما بلا عنوان على حجيته، ولم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به.

وإن ادعى شيخنا(١) العلامة - أعلى الله مقامه - استفادته من الأخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة، على ما في(٢) تفصيله في التعادل والترجيح(٣) .

ومقدمات الانسداد في الأحكام إنما توجب حجية الظن بالحكم أو بالحجة، لا الترجيح به ما لم يوجب ظن بأحدهما، ومقدماته في خصوص الترجيح لو جرت إنما توجب حجية الظن في تعيين المرجح، لا أنه مرجح إلا إذا ظن أنه - أيضاً - مرجح، فتأمل جيّداً، هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل.

وأما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس، فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح، فيما لا يكون لغيره أيضاً، وكذا فيما يكون به أحدهما(٤) ، لوضوح أن الظن القياسي إذا كان على خلاف ما لولاه لكان حجة - بعد المنع عنه - لا يوجب خروجه عن تحت دليل حجيته(٥) ، وإذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية، وهكذا لا يوجب ترجيح أحد المتعارضين، وذلك لدلالة دليل المنع على إلغائه الشارع رأساً، وعدم جواز استعماله في الشرعيات قطعاً، ودخله في واحد منها نحو استعمال له فيها، كما لا يخفى، فتأمل جيداً.

____________________

(١) فرائد الأصول / ١٨٧، حيث قال الثالث: ما يظهر من بعض الأخبار... إلخ.

(٢) في «ب»: على ما يأتي تفصيله.

(٣) في «أ»: التراجيح.

(٤) في «ب»: أحدهما.

(٥) في «ب»: الحجية.

٣٣٣

٣٣٤

المقصد السابع:

الأصول العمليّة

٣٣٥

٣٣٦

المقصد السابع: في الأصول العملية

وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل، مما دل عليه حكم العقل أو عموم النقل، والمهم منها أربعة، فإن مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية(١) ، وإن كان مما ينتهي إليه فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته، إلا أن البحث عنها ليس بمهم، حيث إنها ثابتة بلا كلام، من دون حاجة إلى نقض وإبرام، بخلاف الأربعة، وهي: البراء‌ة والاحتياط، والتخيير والاستصحاب: فإنها محل الخلاف بين الأصحاب، ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث وبيان ومؤونة حجة وبرهان، هذا مع جريانها في كل الأبواب، واختصاص تلك القاعدة ببعضها، فافهم.

____________________

(١) لا يقال: إن قاعدة الطهارة مطلقاً، تكون قاعدة في الشبهة الموضوعية، فإن الطهارة والنجاسة من الموضوعات الخارجية التي يكشف عنها الشرع.

فإنه يقال: أولاً: نمنع ذلك، بل إنهما من الأحكام الوضعية الشرعية، ولذا اختلفتا في الشرائع بحسب المصالح الموجبة لشرعهما، كما لا يخفى.

وثانياً: إنهما لو كانتا كذلك، فالشبهة فيهما فيما كان الاشتباه لعدم الدليل على أحدهما كانت حكمية، فإنه لا مرجع لرفعها إلا الشارع، وما كانت كذلك ليست إلا حكمية (منهقدس‌سره ).

٣٣٧

فصل

لو شك في وجوب(١) شيء أو حرمته، ولم تنهض عليه حجة جاز شرعاً وعقلاً ترك الأول وفعل الثاني ، وكان مأموناً من عقوبة مخالفته، كان عدم نهوض الحجة لأجل فقدان النص أو إجماله، واحتماله الكراهة أو الاستحباب، أو تعارضه فيما لم يثبت بينهما رجيح، بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم يكن ترجيح في البين.

وأما بناء على التخيير - كما هو المشهور - فلا مجال لأصالة البراء‌ة وغيرها، لمكان وجود الحجة المعتبرة، وهو أحد النصين فيها، كما لا يخفى، وقد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة:

____________________

(١) لا يخفى أن جمع الوجوب والحرمة في فصل، وعدم عقد فصل لكل منهما على حدة، وكذا جمع فقد النص وإجماله في عنوان عدم الحجة، إنما هو لأجل عدم الحاجة إلى ذلك، بعد الاتحاد فيما هو الملاك، وما هو العمدة من الدليل على المهم، واختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول، لا يوجب تخصيصه بعنوان على حدة.

وأما ما تعارض فيه النصان فهو خارج عن موارد الأصول العملية المقررة للشاك على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير، كما أنه داخل فيما لا حجة فيه - بناء على سقوط النصين عن الحجية - وأما الشبهة الموضوعية فلا مساس لها بالمسائل الأصولية، بل فقهية، فلا وجه لبيان حكمها في الأصول إلا استطراداً فلا تغفل، (منهقدس‌سره ).

٣٣٨

أما الكتاب : فبآيات أظهرها قوله تعالى:( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ) (١) .

وفيه: إن نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منة منه تعالى على عباده، مع استحقاقهم لذلك، ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية، لما صح الاستدلال بها إلا جدلاً، مع وضوح منعه، ضرورة أن ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم مما علم بحكمه، وليس حال الوعيد بالعذاب فيه إلا كالوعيد به فيه، فافهم.

وأما السنة : فبروايات(٢) منها: حديث الرفع(٣) ، حيث عدّ (ما لا يعلمون) من التسعة المرفوعة فيه، فالالزام المجهول ممّا لا يعلمون، فهو مرفوع فعلاً وإن كان ثابتاً واقعاً، فلا مؤاخذة عليه قطعاً.

لا يقال: ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية، كي ترتفع بارتفاع التكليف المجهول ظاهراً، فلا دلالة له على ارتفاعها(٤) .

فإنه يقال: إنها وإن لم تكن بنفسها أثراً شرعياً، إلا أنها مما يترتب عليه بتوسيط ما هو أثره وباقتضائه، من إيجاب الاحتياط شرعاً، فالدليل على رفعه دليل على عدم إيجابه المستتبع لعدم استحقاقه العقوبه على مخالفته.

لا يقال: لا يكاد يكون إيجابه مستتبعاً لاستحقاقها على مخالفة التكليف

____________________

(١) الإسراء: ١٥.

(٢) في «ب»: فروايات.

(٣) الكافي / ٢ كتاب الإيمان والكفر، باب ما رفع عن الأمة، الحديث ٢، الفقيه ١ / ٣٦، الباب ١٤، الحديث ٤، والخصال ٢ / ٤١٧، باب التسعة.

(٤) مع أن ارتفاعها وعدم استحقاقها بمخالفة التكليف المجهول هو المهم في المقام، والتحقيق في الجواب أن يقال - مضافاً إلى ما قلناه - أن الاستحقاق وإن كان أثراً عقلياً، إلا أن عدم الاستحقاق عقلاً، مترتب على عدم التكليف شرعاً ولو ظاهراً، تأمل تعرف، (منهقدس‌سره ).

٣٣٩

المجهول، بل على مخالفة(١) نفسه، كما هو قضية إيجاب غيره.

فإنه يقال: هذا إذا لم يكن إيجابه طريقياً، وإلا فهو موجب لاستحقاق العقوبة على المجهول، كما هو الحال في غيره من الإيجاب والتحريم الطريقيين، ضرورة أنه كما يصح أن يحتج بهما صح أن يحتج به، ويقال لم أقدمت مع إيجابه؟ ويخرج به عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان، كما يخرج بهما.

وقد انقدح بذلك، أن رفع التكليف المجهول كان منّة على الأمة، حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته(٢) من إيجاب الاحتياط، فرفعه، فافهم.

ثم لا يخفى(٣) عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية في (ما لا يعلمون)، فإن ما لا يعلم من التكليف مطلقاً كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع والوضع شرعاً، وإن كان في غيره لابد من تقدير الآثار أو المجاز في إسناد الرفع إليه، فإنه ليس ما اضطروا وما استكرهوا... إلى آخر التسعة بمرفوع حقيقة.

نعم لو كان المراد من الموصول في (ما لا يعلمون) ما اشتبه حاله ولم يعلم عنوانه، لكان أحد الأمرين مما لا بد منه أيضاً. ثم لا وجه(٤) لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح أن المقدر في غير واحد غيرها، فلا محيص عن أن يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها، أو تمام آثارها التي تقتضي المنة رفعها، كما أن ما يكون بلحاظه الإسناد إليها مجازاً، هو هذا، كما لا يخفى.

فالخبر دل على رفع كل أثر تكليفي أو وضعي كان في رفعه منة على الأمة، كما

____________________

(١) في «ب»: مخالفته.

(٢) في «ب»: قضية.

(٣) خلافاً لما أفاده الشيخ، فرائد الأصول / ١٩٥.

(٤) المصدر السابق.

٣٤٠