كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 52388
تحميل: 17386

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52388 / تحميل: 17386
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المطلوب من وحدته أو تعدده، فتدبّر جيداً.

الفصل الثالث

الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والإبرام، ينبغي تقديم أمور:

أحدها : الظاهر أن المراد من (وجهه) - في العنوان - هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعاً وعقلاً، مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعاً، فإنّه عليه يكون (على وجهه) قيداً توضيحياً، وهو بعيد، مع أنّه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع، بناءً على المختار، كما تقدّم من أن قصد القربة من كيفيات الإطاعة عقلاً، لا من قيود المأمور به شرعاً، ولا الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب(١) ، فإنّه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره، إلّا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات - لا وجه لاختصاصه بالذكر على تقدير الاعتبار، فلا بدّ من إرادة ما يندرج فيه من المعنى، وهو ما ذكرناه، كما لا يخفى.

ثانيها : الظاهر أن المراد من الاقتضاء - ها هنا - الاقتضاء بنحو العلية والتأثير، لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الإتيان لا إلى الصيغة.

إن قلت: هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره، وأما بالنسبة إلى أمر آخر، كالإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي، فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره، بنحو يفيد الإجزاء، أو بنحو آخر لا يفيده.

____________________

(١) من المتكلمين، وأشار اليه في مطارح الأنظار / ١٩.

٨١

قلت: نعم، لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما، كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم، غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما، إنما هو الخلاف في دلالة دليلهما، هل أنه على نحو يستقل العقل بأن الإتيان به موجب للإجزاء ويؤثر فيه، وعدم دلالته؟ ويكون النزاع فيه صغروياً أيضاً، بخلافه في الإجزاء بالإضافة إلى أمره، فإنه لا يكون إلا كبروياً، لو كان هناك نزاع، كما نقل عن بعض(١) . فافهم.

ثالثها : الظاهر أن الإجزاء - ها هنا - بمعناه لغة، وهو الكفاية(٢) ، وإن كان يختلف ما يكفي عنه، فإن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي يكفي، فيسقط به التعبد به ثانياً، وبالأمر الاضطراري أو الظاهري الجعلي، فيسقط به القضاء، لا أنه يكون - ها هنا - اصطلاحاً، بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء، فإنه بعيد جداً.

رابعها : الفرق(٣) بين هذه المسألة، ومسألة المرة والتكرار، لا يكاد يخفى، فإنّ البحث - ها هنا - في أن الإتيان بما هو المأمور به يجزىء عقلاً، بخلافه في تلك المسألة، فإنه في تعيين ما هو المأمور به شرعاً بحسب دلالة الصيغة بنفسها، أو بدلالة أخرى.

نعم كان التكرار عملاً موافقاً لعدم الإجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للأداء، فإن البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها، بخلاف هذه المسألة؛ فإنه - كما عرفت - في

____________________

(١) وهو القاضي عبدالجبار، راجع المعتمد ١ / ٩٠.

(٢) اجزأ الشيءُ إياي: كفاني. القاموس المحيط ١/١٠ مادة الجزء.

أجزأني الشيء: كفاني. مجمع البحرين ١/٨٥ مادة جزأ.

(٣) راجع مطارح الأنظار / ١٩.

٨٢

أن الإتيان بالمأمور به بجزي عقلاً عن إتيانه ثانياً أداءً أو قضاءً، أو لا يجزىء، فلا علقة بين المسألة والمسألتين أصلاً.

إذا عرفت هذه الأمور، فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين:

الأول : إن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي - بل(١) بالأمر الاضطراري أو الظاهري أيضاً - يجزىء عن التعبد به ثانياً؛ لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الأمر بإتيان المأمور به على وجهه، لاقتضائه التعبد به ثانياً.

نعم لا يبعد أن يقال: بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانياً، بدلاً عن التعبد به أولاً، لا منضماً إليه، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة(٢) ، وذلك فيما علم أن مجرد امتثاله لا يكون علّة تامة لحصول الغرض، وإن كان وافياً به لو اكتفى به، كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه، فلم يشربه بعد، فإن الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد، ولذا لو أهريق(٣) الماء واطلع عليه العبد، وجب عليه إتيانه ثانياً، كما إذا لم يأت به أولاً، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه، وإلا لما أوجب حدوثه، فحينئذ يكون له الإتيان بماء آخر موافق للأمر، كما كان له قبل إتيانه الأول بدلاً عنه.

نعم فيما كان الإتيان علة تامة لحصول الغرض، فلا يبقى موضع للتبديل، كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أيّ القبيل، فله التبديل باحتمال أن لا يكون علة، فله إليه سبيل، ويؤيّد ذلك - بل يدلّ عليه - ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلى فرادى

____________________

(١) في نسختي «أ و ب» بل او..

(٢) راجع تنبيه المبحث الثامن من هذا الكتاب / ٧٩.

(٣) في «ب»: أهرق.

٨٣

جماعة(١) ، وأن الله تعالى يختار أحبهما إليه.

الموضع الثاني: وفيه مقامان:

المقام الأول : في أن الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري، هل يجزىء عن [القضاء و](٢) الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ثانياً، بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادةً، وفي خارجه قضاءً، أو لا يجزىء؟

تحقيق الكلام فيه يستدعي التّكلم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء، وبيان ما هو قضيّة كلّ منها من الإجزاء وعدمه، وأخرى في تعيين ما وقع عليه.

فاعلم أنه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار، كالتكليف الاختياري في حال الاختيار، وافياً بتمام المصلحة، وكافياً فيما هو المهمّ والغرض، ويمكن أن لا يكون وافياً به كذلك، بل يبقى منه شيء أمكن استيقاؤه أو لا يمكن. وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه، أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى أنه إن كان وافياً به فيجزىء، فلا يبقى مجال أصلاً للتّدارك، لا قضاءً ولا إعادةً، وكذا لو لم يكن وافياً، ولكن لا يمكن تداركه، ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصّورة إلا لمصلحة كانت فيه، لما فيه من نقض الغرض، وتفويت مقدارٍ من المصلحة، لو لا مراعاة ماهو فيه من الأهم، فافهم.

لا يقال: عليه، فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار، لإمكان استيفاء الغرض بالقضاء.

____________________

(١) الكافي: ٣ / ٣٧٩، باب الرجل يصلي وحده من كتاب الصلاة.

التهذيب: ٣ / ٢٦٩ الحديث ٩٤، وصفحة ٢٧٠ الحديث ٩٥ إلى ٩٨ الباب ٢٥.

الفقيه: ١ / ٢٥١. الحديث ٤١ إلى ٤٣ من باب الجماعة وفضلها.

(٢) أثبتناها من «أ».

٨٤

فإنّه يقال: هذا كذلك، لو لا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأمّا تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصّورة الأولى، فيدور مدار كون العمل - بمجرد الاضطرار مطلقاً، أو بشرط الانتظار، أو مع اليأس عن طروِّ الاختيار - ذا مصلحة ووافياً بالغرض.

وإن لم يكن وافياً، وقد أمكن تدارك الباقي(١) في الوقت، أو مطلقاً ولو بالقضاء خارج الوقت، فإن كان الباقي ممّا يجب تداركه فلا يجزىء، بل لابد(٢) من إيجاب الإعادة أو القضاء، وإلا فيجزىء، ولا مانع عن البدار في الصورتين، غاية الأمر يتخير في الصورة الأولى بين البدار والإتيان بعملين: العمل الاضطراري في هذا الحال، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار، والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يجزىء البدار ويستحب الإعادة بعد طروء الاختيار.

هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الأنحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله، مثل قوله تعالى( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) (٣) وقولهعليه‌السلام : (التراب أحد الطهورين)(٤) و: (يكفيك عشر سنين)(٥) هو الإجزاء، وعدم وجوب الإعادة أو القضاء، ولا بد في إيجاب الإتيان به ثانياً من دلالة دليل بالخصوص.

وبالجملة: فالمتبع هو الإطلاق لو كان، وإلا فالأصل، وهو يقتضي البراء‌ة من إيجاب الإعادة، لكونه شكّاً في أصل التكليف، وكذا عن إيجاب

____________________

(١) في «ب»: ما بقي منه.

(٢) في «أ»: ولابد.

(٣) النساء: ٤٣، المائدة: ٦.

(٤) التهذيب: ١ / ١٩٦ - ١٩٧، ٢٠٠ باب التيمم وأحكامه.

الكافي: ٣ / ٦٤. باب الوقت الذي يوجب التيمم، مع اختلاف في الألفاظ.

(٥) التهذيب: ١ / ١٩٤، الحديث ٣٥، التيمم وأحكامه، وصفحة ١٩٩، الحديث ٥٢.

٨٥

القضاء بطريق أولى، نعم لو دل دليله على أن سببه فوت الواقع، ولو لم يكن هو فريضة، كان القضاء واجباً عليه، لتحقق سببه، وإن أتى بالفرض لكنه مجرد الفرض.

المقام الثاني : في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه.

والتحقيق: إن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه، وكان بلسان تحقق ماهو شرطه أو شطره، كقاعدة الطهارة أو الحلية، بل واستصحابهما في وجه قوي، ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجرىء، فإن دليله يكون حاكماً على دليل الاشتراط، ومبيّناً لدائرة الشرط، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجباً لانكشاف فقدان العمل لشرطه، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل، وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعاً، كما هو لسان الأمارات، فلا يجزىء، فإن دليل حجيته حيث كان بلسان أنه واجد لما هو شرطه الواقعي، فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك، بل كان لشرطه فاقداً(١) .

هذا على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات، من أن حجيتها ليست بنحو السببية، وأما بناءً عليها، وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره، يصير حقيقة صحيحاً كأنه واجد له، مع كونه فاقده، فيجزىء لو كان الفاقد معه - في هذا الحال - كالواجد في كونه وافياً بتمام الغرض، ولا يجزىء لو لم يكن كذلك، ويجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي - إن وجب - وإلا لاستحب.

هذا مع إمكان استيفائه، وإلا فلا مجال لإتيانه، كما عرفت في الأمر الاضطراري.

____________________

(١) في «أ و ب»: فاقد.

٨٦

ولا يخفى أن قضية إطلاق دليل الحجية - على هذا - هو الاجتزاء بموافقته أيضاً، هذا فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية، أي بنحو الموضوعية والسببية، وأما إذا شك [فيها](١) ولم يحرز أنها على أيِّ الوجهين، فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت، واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليّاً في الوقت لا يجدي، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطاً، إلّا على القول بالأصل المثبت، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي.

وهذا بخلاف ما إذا علم أنه مأمور به واقعاً، وشك في أنه يجزىء عما هو المأمور به الواقعي الأولي، كما في الأوامر الاضطرارية أو الظاهرية، بناءً على أن يكون الحجية على نحو السببية، فقضية الأصل فيها - كما أشرنا إليه - عدم وجوب الإعادة؛ للاتيان بما اشتغلت به الذمة يقيناً، وأصالة عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف.

وأما القضاء فلا يجب بناء على أنه فرض جديد، وكان الفوت المعلق عليه وجوب لا يثبت بأصالة عدم الإتيان، إلا على القول بالاصل المثبت، وإلا فهو واجب، كما لا يخفى على المتأمل، فتأمل جيّداً.

ثم إن هذا كله فيما يجري في متعلق التكاليف، من الأمارات الشرعية والأصول العملية، وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف، كما إذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة، فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها، فلا وجه لإجزائها مطلقاً، غاية الأمر أن تصير صلاة الجمعة فيها - أيضاً - ذات مصلحة لذلك، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة، كما لا يخفى، إلا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

____________________

(١) أثبتناها من «أ».

٨٧

تذنيبان:

الأول : لا ينبغي توهم الإجزاء في القطع بالأمر في صورة الخطأ، فإنه لا يكون موافقة للأمر فيها، وبقي الأمر بلا موافقة أصلاً، وهو أوضح من أن يخفى، نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأموراً به مشتملاً على المصلحة في هذا الحال، أو على مقدار منها، ولو في غير الحال، غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منها، ومعه لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعي، وهكذا الحال في الطرق، فالإجزاء ليس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعي أو الطريقي للإجزاء - بل إنما هو لخصوصية اتفاقية في متعلقهما، كما في الإتمام والقصر، والإخفات والجهر.

الثاني : لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات، على ما عرفت تفصيله، لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد، فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل، ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية، بحسب ما يكون فيها من المقتضيات، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات، وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعليّ البعثيّ، وهو منفي في غير موارد الإصابة، وإن لم نقل بالإجزاء، فلا فرق بين الإجزاء وعدمه، إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الأمر الظاهري، وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم الاصابة، وسقوط التكليف بحصول غرضه، أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه، وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الامارة، كيف؟ وكان الجهل بها - بخصوصيتها أو بحكمها - مأخوذاً في موضوعها، فلابد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظاً فيها، كما لا يخفى.

٨٨

فصل

في مقدمة الواجب

وقبل الخوض في المقصود، ينبغي رسم أمور:

الأول : الظاهر أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة، البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فتكون مسألة أصولية، لا عن نفس وجوبها، كما هو المتوهم من بعض العناوين(١) ، كي تكون فرعية، وذلك لوضوح أن البحث كذلك لا يناسب الأصولي، والاستطراد لا وجه له، بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون عن المسائل الأصولية.

ثم الظاهر أيضاً أن المسألة عقلية، والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه، لا لفظية كما ربما يظهر من صاحب المعالم(٢) ، حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث، مضافاً إلى أنه ذكرها في مباحث الالفاظ، ضرورة(٣) أنه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ثبوتاً محل الاشكال، فلا مجال لتحرير النزاع في الإثبات والدلالة عليها بإحدى الدلالات الثلاث، كما لا يخفى.

الأمر الثّاني : إنه ربما تقسم المقدمة إلى تقسيمات:

منها: تقسيمها إلى [الـ] داخلية وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها، والخارجية وهي الأمور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه.

____________________

(١) كما في حاشية القزوينيرحمه‌الله على القوانين.

وربما يتوهم من عنوان البدائع، البدائع / ٢٩٦ عند قوله أحدهما. في آخرالصفحة.

(٢) معالم الدين في الأصول / ٦١، في مقدمة الواجب.

(٣) اشارة إلى ما اورده صاحب التقريرات على صاحب المعالم مطارح الانظار / ٣٧، في مقدمة الواجب.

٨٩

وربما يشكل(١) في كون الأجزاء مقدمة له وسابقة عليه، بأن المركب ليس إلا نفس الأجزاء بأسرها.

والحل: إن المقدمة هي نفس الأجزاء بالأسر، وذو المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع، فيحصل المغايرة بينهما، وبذلك ظهر أنه لابد في اعتبار الجزئية أخذ الشيء بلا شرط، كما لابد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع.

وكون الأجزاء الخارجية كالهيولى والصورة، هي الماهية المأخوذة بشرط لا ينافي ذلك، فإنه إنما يكون في مقام الفرق بين نفس الأجزاء الخارجية والتحليلية، من الجنس والفصل، وأن الماهية إذا أخذت بشرط لا تكون هيولى أو صورة، وإذا أخذت لا بشرط تكون جنساً أو فصلاً، لا بالإضافة إلى المركب، فافهم.

ثم لا يخفى أنه ينبغي خروج الأجزاء عن محل النزاع، كما صرح به بعض(٢) وذلك لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتاً، وإنما كانت المغايرة بينهما اعتباراً، فتكون واجبة بعين وجوبه، ومبعوثاً إليها بنفس الأمر الباعث إليه، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر، لامتناع اجتماع المثلين، ولو قيل بكفاية تعدد الجهة، وجواز اجتماع الأمر والنهي معه، لعدم تعددها ها هنا؛ لأن الواجب بالوجوب الغيري، لو كان إنما هو نفس الأجزاء، لا عنوان مقدميتها والتوسل بها إلى المركب المأمور به؛ ضرورة أن الواجب بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشائع مقدمة، لأنه المتوقف عليه، لا عنوانها، نعم يكون هذا العنوان علة لترشح الوجوب على المعنون.

____________________

(١) هو المحقق صاحب حاشية المعالم.

(٢) وهو سلطان العلماء كما في بدائع الأفكار / ٢٩٩.

٩٠

فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف كل جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسي والغيري، باعتبارين، فباعتبار كونه في ضمن الكل واجب نفسي، وباعتبار كونه مما يتوسل به إلى الكل واجب غيري، اللهم إلا أن يريد أن فيه ملاك الوجوبين، وإن كان واجباً بوجوب واحد نفسي لسبقه، فتأمل(١) ، هذا كله في المقدمة الداخلية.

وأما المقدمة الخارجية، فهي ما كان خارجاً عن المأمور به، وكان له دخل في تحققه، لا يكاد يتحقق بدونه، وقد ذكر لها أقسام، وأُطيلَ الكلامُ في تحديدها بالنقض والابرام، إلا أنه غير مهم في المقام.

ومنها : تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية:

فالعقلية هي(٢) ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدمة بدونه.

والشرعية على ما قيل: ما استحيل وجوده بدونه شرعاً، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية؛ ضرورة أنه لا يكاد يكون مستحيلاً ذلك شرعاً، إلا إذا أُخذ فيه شرطاً وقيداً، واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده، يكون عقليّاً.

وأما العادية، فإن كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة، بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها، إلا أن العادة جرت على الإتيان به بواسطتها، فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية، إلا أنه لا ينبغي توهم دخولها في محل

____________________

(١) وجهه: إنه لا يكون فيه أيضاً ملاك الوجوب الغيري، حيث أنه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكل يتوقف على وجوده، وبدونه لا وجه لكونه مقدمة، كي يجب بوجوبه أصلاً، كما لا يخفى. وبالجملة: لا يكاد يجدي تعدد الاعتبار الموجب للمغايرة بين الأجزاء والكل في هذا الباب، وحصول ملاك وجوب الغيري المترشح من وجوب ذي المقدمة عليها، لو قيل بوجوبها، فافهم (منهقدس‌سره ).

(٢) في «أ و ب» فهي.

٩١

النزاع، وإن كانت بمعنى أن التوقف عليها وإن كان فعلاً واقعياً، كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح، إلا أنه لاجل عدم التمكن من الطيران الممكن عقلاً فهي أيضاً راجعة إلى العقلية؛ ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلاً لغير الطائر فعلاً، وإن كان طيرانه ممكناً ذاتاً، فافهم.

ومنها : تقسيمها إلى مقدمة الوجود، ومقدمة الصحة، ومقدمة الوجوب، ومقدمة العلم.

لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود، ولو على القول بكون الأسامي موضوعة للأعم؛ ضرورة أن الكلام في مقدمة الواجب، لا في مقدمة المسمى بأحدها، كما لا يخفى.

ولا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع، وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها، وكذلك المقدمة العلمية، وإن استقل العقل بوجوبها، إلا أنه من باب وجوب الإطاعة إرشاداً ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز، لا مولويّاً من باب الملازمة، وترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدمة.

ومنها : تقسيمها إلى المتقدم، والمقارن، والمتأخر، بحسب الوجود بالإضافة إلى ذي المقدمة، وحيث أنها كانت من أجزاء العلة، ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول أشكل الأمر في المقدمة المتأخرة، كالأغسال الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض، والاجازة في صحة العقد على الكشف كذلك، بل في الشرط أو المقتضي المتقدم على المشروط زماناً المتصرم حينه، كالعقد في الوصية والصرف والسلم، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه، لتصرمها حين تأثيره، مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زماناً، فليس إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصاً بالشرط المتأخر في

٩٢

الشرعيات - كما اشتهر في الألسنة - بل يعم الشرط والمقتضي المتقدِّمين المتصرِّمين حين الأثر.

والتحقيق في رفع هذا الإشكال أن يقال: إن الموارد التي توهم انخرام القاعدة فيها، لا يخلو إما [أن] يكون المتقدم أو المتأخر شرطاً للتكليف، أو الوضع، أو المأمور به.

أما الأول : فكون أحدهما شرطاً له، ليس إلا أن للحاظه دخلاً في تكليف الامر، كالشرط المقارن بعينه، فكما أن اشتراطه بما يقارنه ليس إلا أن لتصوره دخلاً في أمره، بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الأمر، كذلك المتقدم أو المتأخر.

وبالجملة: حيث كان الأمر من الأفعال الاختيارية، كان من مبادئه بما هو كذلك تصوِّر الشيء بأطرافه، ليرغب في طلبه والأمر به، بحيث لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره، فيسمى كل واحد من هذه الأطراف التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته شرطاً، لأجل دخل لحاظه في حصوله، كان مقارناً له أو لم يكن كذلك، متقدماً أو متأخراً، فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطاً، كان فيهما كذلك، فلا إشكال، وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقاً ولو كان مقارناً، فإن دخل شيء في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به، ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه، وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده، فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن، فأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن؟ فتأمل تعرف.

وأما الثاني : فكون شيء شرطاً للمأمور به ليس إلا ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجه وعنوان، به يكون حسناً أو متعلقاً للغرض، بحيث لولاها لما كان كذلك، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات، مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه، والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلاً، كما لا يخفى على المتأمل، فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجباً لكونه

٩٣

معنوناً بعنوان، يكون بذلك العنوان حسناً و متعلقاً للغرض، كذلك إضافته إلى متأخر أو متقدم، بداهة أن الاضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضاً، فلو لا حدوث المتأخر في محله، لما كانت للمتقدم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والأمر به، كما هو الحال في المقارن أيضاً، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله، بلا انخرام للقاعدة أصلاً؛ لان المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلا طرف الإضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن، وقد حقق في محله أنه بالوجوه والإعتبارات، ومن الواضح أنها تكون بالإضافات.

فمنشأ توهم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخر، وقد عرفت أن إطلاقه عليه فيه، كإطلاقه على المقارن، إنما يكون لأجل كونه طرفاً للإضافة الموجبة للوجه، الذي يكون بذاك الوجه مرغوباً ومطلوباً، كما كان في الحكم لأجل دخل تصوره فيه، كدخل تصور سائر الأطراف والحدود، التي لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة في التكليف، أو لما صح عنده الوضع.

وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الإشكال، في بعض فوائدنا(١) ، ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم، فافهم واغتنم.

ولا يخفى أنها بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع، وبناء على الملازمة يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق، إذ بدونه لا تكاد تحصل الموافقة، ويكون سقوط الأمر بإتيان المشروط به مراعىً بإتيانه، فلولا اغتسالها في الليل - على القول بالاشتراط - لما صح الصوم في اليوم.

الأمر الثالث : في تقسيمات الواجب

منها : تقسيمه إلى المطلق والمشروط، وقد ذكر لكل منهما تعريفات

____________________

(١) تعليقة المصنّف على فرائد الأصول، كتاب الفوائد / ٣٠٢، فائدة في تقدم الشرط على المشروط.

٩٤

وحدود، تختلف بحسب ما أُخذ فيها من القيود، وربما أُطيل الكلام بالنقض والإبرام(١) في النقض على الطرد والعكس، مع أنها - كما لا يخفى - تعريفات لفظية لشرح الاسم، وليست بالحد ولا بالرسم، والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط، بل يطلق كل منهما بما له من معناه العرفي، كما أن الظاهر أن وصفي الإطلاق والاشتراط، وصفان إضافيان لا حقيقيان، وإلا لم يكد يوجد واجب مطلق، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور، لا أقل من الشرائط العامة، كالبلوغ والعقل.

فالحريّ أن يقال: إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه، إن كان وجوبه غير مشروط به، فهو مطلق بالإضافة إليه، وإلا فمشروط كذلك، وإن كانا بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس.

ثم الظاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه، أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط، بحيث لا وجوب حقيقة، ولا طلب واقعاً قبل حصول الشرط، كما هو ظاهر الخطاب التعليقي؛ ضرورة أن ظاهر خطاب (إن جاء‌ك زيد فأكرمه) كون الشرط من قيود الهيئة، وأن طلب الإكرام وإيجابه معلق على المجيء، لا أن الواجب فيه يكون مقيداً به، بحيث يكون الطلب والإيجاب في الخطاب فعليّاً ومطلقاً، وإنما الواجب يكون خاصاً ومقيداً، وهو الإكرام على تقدير المجيء، فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة، كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة(٢) أعلى الله مقامه، مدعياً لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة

____________________

(١) مطارح الأنظار / ٤٣، الفصول / ٧٩، هداية المسترشدين / ١٩٢، قوانين الأصول ١ / ١٠٠، البدائع/٣٠٤.

(٢) مطارح الأنظار / ٤٥ - ٤٦ و ٥٢، في مقدمة الواجب.

هو الشيخ مرتضى بن محمد امين الدزفولي الانصاري النجفي، ولد في دزفول ١٢١٤، قرأ أوائل أمره على عمه الشيخ حسين ثم خرج مع والده إلى زيارة مشاهد العراق وهو في العشرين من عمره، بقي في كربلاء آخذاً عن الاستاذين السيد محمد مجاهد وشريف العلماء أربع =

٩٥

واقعاً، ولزوم كونه من قيود المادة لبّاً، مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ظاهراً.

أما امتناع كونه من قيود الهيئة، فلانه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة، حتى يصح القول بتقييده بشرط ونحوه، فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة، فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة.

وأما لزوم كونه من قيود المادة لبّاً، فلأن العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه، فإمّا أن يتعلق طلبه به، أو لا يتعلق به طلبه أصلاً، لا كلام على الثاني.

وعلى الأوّل: فإما أن يكون ذاك الشيء مورداً لطلبه وأمره مطلقاً على اختلاف طوارئه، أو على تقدير خاص، وذلك التقدير، تارة يكون من الأمور الاختيارية، وأُخرى لا يكون كذلك، وماكان من الأمور الاختيارية، قد يكون مأخوذاً فيه على نحو يكون مورداً للتكليف، وقد لا يكون كذلك، على اختلاف الأغراض الداعية إلى طلبه والأمر به، من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، والقول بعدم التبعية، كما لا يخفى، هذا موافق لما أفاده بعض الأفاضل(١) المقرر لبحثه بأدنى تفاوت، ولا يخفى ما فيه.

____________________

= سنوات، ثم عاد إلى وطنه، ثم رجع إلى العراق واخذ من الشيخ موسى الجعفري سنتين، عزم زيارة مشهد خراسان ماراً في طريقه على كاشان، فاز بلقاء استاذه النراقي مما دعاه إلى الاقامة فيها نحو ثلاث سنين، ورد دزفول سنة ١٢١٤ ثم عاد إلى النجف الاشرف سنة ١٢٤٩ فاختلف إلى مدرسة الشيخ علي بن الشيخ جعفر، ثم انتقل بالتدريس والتاليف، ووضع اساس علم الاصول الحديث، تخرج عليه الميرزا الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي وغيرهما له مؤلفات منها «الرسائل» في الاصول و «المكاسب» انتهت اليه رئاسة الامامية. توفي في ١٨ جمادي الاخرة سنة ١٢٨١ ودفن في المشهد الغروي (اعيان الشيعة ١٠ / ١١٧).

(١) هو العلامة الميرزا أبوالقاسم النوريرحمه‌الله، على ما في مطارح الأنظار، كما تقدم آنفاً.

٩٦

أما حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة، فقد حققناه سابقاً(١) ، إن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاماً كوضعها، وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء، وإنما الفرق بينهما أنها وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات، فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى، بل من مشخصات الاستعمال، كما لا يخفى على أولي الدراية والنهى.

فالطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق، قابل لأن يقيد، مع أنه لو سلم أنه فرد، فانما يمنع عن التقيد لو أنشئ أوّلاً غير مقيد، لا ما إذا أنشئ من الأول مقيداً، غاية الأمر قد دل عليه بدالين، وهو غير إنشائه أولاً ثم تقييده ثانياً، فافهم.

فإن قلت: على ذلك، يلزم تفكيك الإنشاء من المنشأ، حيث لا طلب قبل حصول الشرط.

قلت: المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله، فلابد أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث، وإلا لتخلف عن إنشائه، وإنشاء أمر على تقدير كالإخبار به بمكان من الإمكان، كما يشهد به الوجدان، فتأمل جيداً.

وأما حديث(٢) لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّاً ففيه: إن الشيء إذا توجه إليه، وكان موافقاً للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها، كما يمكن أن يبعث فعلاً إليه ويطلبه حالاً؛ لعدم مانع عن طلبه كذلك، يمكن أن يبعث إليه معلقاً، ويطلبه استقبالاً على تقدير شرط متوقّع الحصول لأجل مانع عن الطلب

____________________

(١) راجع صفحة ١١ و ١٢ من هذا الكتاب، الأمر الثاني في تعريف الوضع.

(٢) هذه هي الدعوى الإيجابية التي ادعاها الشيخ (قده)، من رجوع الشرط إلى المادة لباً. مطارح الأنظار /٥٢، في مقدمة الواجب.

٩٧

والبعث فعلاً قبل حصوله، فلا يصح منه إلا الطلب والبعث معلقاً بحصوله، لا مطلقاً ولو متعلقاً بذاك على التقدير، فيصح منه طلب الإكرام بعد مجيء زيد، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للإكرام المقيد بالمجيء، هذا بناء على تبعية الأحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح.

وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور به، والمنهي عنه فكذلك؛ ضرورة أن التبعية كذلك، إنما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية، لا بما هي فعلية، فإن المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز، كما في موارد الأصول والأمارات على خلافها، وفي بعض الأحكام في أول البعثة، بل إلى يوم قيام القائم عجل الله فرجه، مع أن حلال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الأحكام باقياً مرّ الليالي والأيام، إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع(١) الظلام، كما يظهر من الأخبار المروية(٢) عن الأئمةعليهم‌السلام .

فان قلت: فما فائدة الانشاء؟ إذا لم يكن المنشأ به طلباً فعلياً، وبعثاً حالياً.

قلت: كفى فائدة له أنه يصير بعثاً فعليّاً بعد حصول الشرط، بلا حاجة إلى خطاب آخر، بحيث لولاه لما كان فعلاً متمكناً من الخطاب، هذا مع شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلاً بالنسبة إلى الواجد للشرط، فيكون بعثاً فعليّاً بالإضافة إليه، وتقديريّاً بالنسبة إلى الفاقد له، فافهم وتأمل جيّداً.

____________________

(١) في «ب»: (وارتفع الظلام).

(٢) الكافي: ١، كتاب فضل العلم، باب البدع والرأي والمقاييس الحديث ١٩.

الكافي: ٢ كتاب الإيمان والكفر، باب الشرائع، الحديث ٢ مع اختلاف يسير.

٩٨

ثم الظاهر دخول المقدّمات الوجودية للواجب المشروط، في محل النزاع(١) أيضاً، فلا وجه لتخصيصه بمقدّمات الواجب المطلق، غاية الأمر تكون في الإطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدمة كأصل الوجوب بناءً على وجوبها من باب الملازمة.

وأما الشرط المعلق عليه الإيجاب في ظاهر الخطاب، فخروجه مما لا شبهة فيه، ولا ارتياب:

أما على ما هو ظاهر المشهور والمتصور، لكونه مقدمة وجوبية.

وأما على المختار لشيخنا العلامة(٢) - أعلى الله مقامه - فلانه وإن كان من المقدمات الوجودية للواجب، إلا أنه أخذ على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه، فانه جعل الشيء واجباً على تقدير حصول ذاك الشرط، فمعه كيف يترشح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب؟ وهل هو إلا طلب الحاصل؟ نعم على مختاره -قدس‌سره - لو كانت له مقدمات وجودية غير معلق عليها وجوبه، لتعلق بها الطلب في الحال على تقدير اتفاق وجود الشرط في الاستقبال، وذلك لأن إيجاب ذي المقدمة على ذلك حالي، والواجب إنما هو استقباليّ، كما يأتي في الواجب المعلق(٣) ، فإن الواجب المشروط على مختاره، هو بعينه ما اصطلح عليه صاحب الفصول(٤) من المعلق، فلا تغفل.

هذا في غير المعرفة والتعلم من المقدمات، وأما المعرفة، فلا يبعد القول بوجوبها، حتى في الواجب المشروط - بالمعنى المختار - قبل حصول شرطه، لكنه لا بالملازمة، بل من باب استقلال العقل بتنجز الأحكام على الأنام بمجرد قيام

____________________

(١) كما في مطارح الأنظار / ٤٤.

(٢) من رجوع الشرط إلى المادة لبّاً، مطارح الأنظار / ٤٥ - ٤٦ و ٥٢، في مقدمة الواجب.

(٣) سيأتي في الصفحة ١٠٣ من هذا الكتاب، عند قوله: وربما أشكل...الخ.

(٤) الفصول / ٧٩ في آخر الصفحة.

٩٩

احتمالها، إلا مع الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف، فيستقل بعده بالبراء‌ة، وإن العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان، والمؤاخذة عليها بلا برهان، فافهم.

تذنيب : لا يخفى أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط، بلحاظ حال حصول الشرط على الحقيقة مطلقاً، وأمّا بلحاظ حال قبل حصوله فكذلك على الحقيقة على مختاره(١) -قدس‌سره - في الواجب المشروط؛ لأن الواجب وإن كان أمراً استقباليّاً عليه، إلا أن تلبّسه بالوجوب في الحال، ومجاز على المختار، حيث لا تلبّس بالوجوب عليه قبله، كما عن البهائي(٢) رحمه‌الله تصريحه بأن لفظ الواجب مجاز في المشروط، بعلاقة الأوْل أو المشارفة.

وأما الصيغة مع الشرط، فهي حقيقة على كل حال لاستعمالها على مختاره(٣) -قدس‌سره - في الطلب المطلق، وعلى المختار في الطلب المقيد، على نحو تعدد الدالّ والمدلول، كما هو الحال فيما إذا أريد منها المطلق المقابل للمقيد، لا المبهم المقسم، فافهم.

ومنها : تقسيمه إلى المعلق والمنجز، قال في الفصول(٤) : إنه ينقسم

____________________

(١) مطارح الأنظار / ٤٥ - ٤٦ و ٥٢ في مقدمة الواجب.

(٢) زبدة الأصول / ٤٦ مخطوط.

هو بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الجبعي العاملي، ولد في بعلبك عام ٩٥٣ ه‍، انتقل به والده وهو صغير إلى الديار العجمية، أخذ عن والده وغيره من الجهابذة، ولي بها شيخ الإسلام، ثم أخذ في السياحة ثلاثين سنة، واجتمع في أثناء ذلك بكثير من أرباب الفضل، ثم عاد وقطن بأرض العجم، له كتب كثيرة منها «الحبل المتين» و «الزبدة» في الأصول و «حاشية الشرح العضدي على مختصر الأصول» وغيرها، له شعر كثير بالعربية والفارسية. قال تلميذه العلّامة المولى محمد تقي المجلسي: ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلوّ مرتبته أحداً، توفي سنة ١٠٣١. (أمل الآمل ١/١٥٥ رقم ١٥٨).

(٣) راجع المصدر المتقدم في هامش رقم (١).

(٤) الفصول / ٧٩ آخر الصفحة.

١٠٠