الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج0%

الأسرة وقضايا الزواج مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 210

الأسرة وقضايا الزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علي القائمي
تصنيف: الصفحات: 210
المشاهدات: 61894
تحميل: 6419

توضيحات:

الأسرة وقضايا الزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61894 / تحميل: 6419
الحجم الحجم الحجم
الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأُسرة وقضايا الزواج

الدكتور علي القائمي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

الإهداء

إلى الشباب الذين ارتبطوا

برباط الزواج المقدس

استجابة للسنن الإلهية ، ومن أجل

بناء جو أُسري دافئ

وإلى الشباب الذين وقعوا فريسة

للأنانية والنرجسية

من الذين يعيشون هاجس الطلاق

والانفصال

إليهم جميعاً ، ومن أجل حياة أكثر

دفءً ، وصميميةً ، وحباً

أهدي هذا الكتاب

٣

٤

مقدِّمة المترجم

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً )

يعتبر البعض ظاهرة النزاع في الحياة الزوجية ظاهرة خطيرة ، تهدد الأسرة وتقود سفينة الزواج إلى الارتطام بالصخور ، والغرق ، لا محالة.

إنّ الحبّ المتبادل بين الزوجين هو الأساس في ديمومة الحياة المشتركة واستمرارها ، وهذا لا يعني أنّه قادر على تذويب الاختلافات ، فالناس مختلفون هكذا خلقهم الله.ولا يمكن لهذا الرباط المقدّس أن يلغي أو يُوحّد الأمزجة المختلفة.وفي هذه الحالة لا بدّ من حدوث الاصطدام بين الزوجين.والمهم ، في كل ذلك ، أن يشعر الزوجان بحاجتهما إلى الحياة المشتركة معاً ، وأنّهما يفضّلا استمرارها.

أمّا تلك المعارك الصغيرة التي تنشب بين فترة وأخرى فهي مِلْح الحياة ، كما يقولون ، ولا بدّ للزوجين بعدها من تقديم التنازلات ، ومن ثمّ االلقاء ، ولو في منتصف الطريق.

٥

٦

القسم الأوّل

الفصل الأوّل

مدخل

تمثّل بعض الموضوعات في هذا الفصل بحوثاً في مجال الأسرة والشباب ، أعدّت في الواقع تلبيةً لرغبات بعض المستمعين الأعزاء.أدعوه تعالى أن يعمّم فائدتها.

الحياة ليست قصة مترعة بالألم والعذاب ، كما يراها بعض المتشائمين.وهي ليست حكايةٌ جميلةٌ تطفح بالسعادة ، كما قد يتصورها بعض البسطاء.

الحياة يمكن أن تؤتي ثمارها المنشودة إذا ما نهضت على أساس من العقيدة والمبادئ ، ينطلق منها الإنسان لتحقيق الأهداف الكبرى التي آمن بها ، وعندها سيشعر بقدر من السعادة.

المتشائمون ينظرون إلى الحياة فيرونها حسب تصوراتهم مختلّة الموازين ، منعدمة الاتزان ، وعندما يجدون أنفسهم عاجزين عن تعديل مسارها فإنّهم يشعرون بالمرارة واليأس.

الحياة في ساحة العمل:

كثيراً ما نشاهد أفراداً يَلِجون مسرح الحياة وفي أذهانهم رؤى وأحلام ولكن وبعد أن يكتشفوا أنّ الحياة تزخر بالألم ، والعذاب ، والصراع ، إذا بهم يتنحّون جانباً وينزوون بعيداً.إنّ وجود نفوس حائرة ضائعة في مسرح الحياة تعيش هاجس التشاؤم والألم ، ووجود نفوسٍ تسلك طرقاً مذلِّة من أجل تحقيق بعض المتع الرخيصة

٧

مالئين حياتهم وحياة الآخرين مرارة وألماً إنّ كل ذلك ، إنّما ينجم عن غياب الرؤية الواضحة ، والإدراك العميق ، لمسألة الحياة.

ينحصر همّ الكثيرين في البحث عن مظاهر الحياة ، لا عن معانيها وسبر أغوارها ، فلا يتعدى اهتمامهم دائرة الخبز ، والجنس ، ومظاهر الحياة الفارغة ، باذلين أقصى طاقاتهم في تحقيق ما تصبو إليه نفوسهم ، غافلين عن مسائل الحياة الحسّاسة والمهمّة ؛ فهم يرون سعادتهم في الضجيج والغناء ، لا في العمل وأداء الواجب.

ومن الطبيعي أن نرى هؤلاء ، وعندما تعترضهم أمواج الحياة وتحول بينهم وبين تحقيق رغباتهم ، نراهم يذرفون الدموع لاعنين الأرض والسماء ؛ لا لشيءٍ ، إلاّ لأنّ الحياة قد حرمتهم من تحقيق بعض اللذائذ.

النزاع في الحياة الزوجية:

من المسائل التي تؤدي إلى نشوب النزاع في الحياة الزوجية ، خاصّة لدى الشباب ، هي الاختلاف في الرؤى والنظرة إلى الحياة ، وهذه المسألة لا تتوقف عند الشباب ، بل إنّها تنسحب أيضاً لتشمل أعماراً أكبر.

يخوض الشباب مع الفتاة تجربة الزواج المثيرة ، ولدى كل منهما رؤاه وأحلامه وآماله العريضة ، وعادة ما يغطّي الخيال مساحة واسعة من معلومات كل منهما عن الطرف الآخر ، وعلى هذا الأساس يبدآن ببناء حياتهما المستقبلية في جهل بإمكاناتهما وقدرات كلٍّ منهما.

ولكن ، بعد أن يقضيا شهرين أو عامين في هدوء ، تبدأ مرحلة من الحساب والتقييم ومراجعة الأمور ، حيث تبدّد الشمس ضباب الخيال والأوهام ، وعندها تترسب في الأعماق تراكمات السلوك ، ويسعى خلالها كل طرف التغاضي عنها والسكوت عليها ؛ وفي لحظة اشتعال الشرارة ينفجر الموقف ، وتظهر إلى السطح جميع العقد الدفينة ، ويبدأ فصل من النزاع والمواجهة.

وتؤكد البحوث بأنّ النزاع قد ينشب في بدايته حول بعض التفاصيل

٨

التافهة ، ثمّ سرعان ما يتصاعد ليهدد البناء الأسري برمّته ، فمن كلمة جارحة إلى العراك والضرب ، إلى التفكير الجدّي بالطلاق والإنفصال النهائي.

بواعث النزاع:

للبحث في السبب ، أو الأسباب ، التي تكمن وراء النزاع بين الزوجين ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

- المفاهيم الخاطئة عن الحياة ، خاصة حياة الأسرة.

- جهل الطرفين ببعضهما قبيل خوض تجربة الزواج.

- عدم تفهم كل طرف لتقاليد وعادات وسلوك الطرف الآخر.

- سعي أحد الطرفين لإثبات قدرته وسيطرته على الطرف الآخر.

- إفراغ شحنات الغضب الناجمة عن عوامل خارجية في محيط الأسرة.

- غياب العقل والانقياد إلى العواطف.

- انعدام أو محدودية القابلية على تحمل الآلام والحرمان.

- إطلاق الأحكام جزافاً دون روية وتعقل.

- الندم على الزواج والشعور بالغبن.

- الحسد وإساءة الظن بالطرف الآخر.

- غياب روح التسامح والإيثار.

- التعلق بشخص آخر على أمل أن يكون زوجاً بديلاً.

- وأخير انعدام التوافق الروحي بين الطرفين، الذي يبقى بحد ذاته، العامل المهم وراء تدهور الحياة الزوجية وانحطاط الأسرة.

النزاع لدى مَن ؟

إضافة إلى ما ذكرنا آنفاً ، هناك أسباب وعلل تدفع إلى النزاع ، ولكن السؤال هو: لدى مَن يشتد الميل إلى المنازعة ؟ والجواب:

٩

- لدى الأشخاص الذين لا يتمتعون ، وبسبب صغر أعمارهم ، بالتجربة الكافية.

- لدى أولئك الذين يعانون من الشعور بالحقارة والنقص.

- لدى الذين يدلّون بثروتهم أو منصبهم أو أقاربهم.

- لدى أولئك الذين لا يمكنهم ، وبسبب نقص في تربيتهم ، من السيطرة على أنفسهم.

- لدى بعض الذين يظنون أنّ بإمكانهم تحقيق جميع ما تصبو إليه أنفسهم.

- لدى الذين يعتبرون أزواجهم رقيقاً يمكنهم توجيههم أينما يريدون.

- لدى الأثرياء من الذين يرون الحياة في إطار الرفاه والثراء.

- لدى الذي يتمتعون بالمراكز الاجتماعية ، ممّن ينظرون إلى الناس على أنهم عبيد وأرقّاء لهم.

- وأخيراً ؛ لدى أولئك الذين يعيشون مرحلة الطفولة بالرغم من بلوغهم سنّ الثلاثين أو الأربعين ، ويتوقعون من الآخرين أن يعاملوهم بالدَلال.

نتائج النزاع:

ينتهي النزاع إلى إحدى نتيجتين ، لا ثالث لهما ، إيجابية أو سلبية.وإيجابية النتيجة بمعنى: أنّ الطرف وبسبب أعماله الناجمة عن الغضب والعنف قد تمكن من حسم النزاع لصالحه ، حيث يتمكن من دفع زوجه إلى الاستسلام خوفاً.والسؤال هنا: أيّة قيمة لهذه الحياة التي يسودها الخوف ؟ إنّ تحويل المنزل إلى غابة وسيادة قانون الأقوى لا يبعث على الافتخار ، وإنّ تحكيم قانون الأقوى وتسخير جميع الحيوانات في الغابة لا يمكن أن يكون باعثاً على الاعتزاز.

وقد لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية ، أي لا ينتهي لصالح أحد الطرفين ، بل ينتهي بهزيمة الطرفين معاً ؛ صراع مستمر ، عراك دائم ، ضرب ، وبالتالي يتصاعد دخان النزاع ليحرق عيون الجميع ، خاصة الأطفال الأبرياء الذين يجدون أنفسهم في مهب العاصفة الهوجاء ، التي سوف تقذفهم بعيداً في عالم الضياع والانحراف.

١٠

أساس الحياة المشتركة:

تحتاج الحياة الزوجية المشتركة إلى مراعاة مجموعة من القواعد والضوابط ، التي لا يمكن بدونها الاستمرار في تلك الحياة ، ذلك ؛ أنّ الحياة الزوجية إنّما تقوم على المودّة والحب ؛ لكي يمكن العيش في ظِلال من الطمأنينة والسلام ، يمكن خلالها طي الطريق والوصول إلى الكمال المنشود.

فالحياة المشتركة الخالية من آثار الحب والتضحية والتسامح تافهة ، لا معنى لها.والحياة بدون المودّة والإحترام المتبادل حياة مذلّة لا قيمة لها ، بل لا يمكن أن نسمِّيها حياة.

إنّ ما يبعث على الأسف أن يجعل الزوجان من البيت جبهة للقتال ، أو معسكراً حربياً ، أو سجناً رهيباً ، تطغى فيه صرخات الغضب والكراهية على رفرفات السلام.فالزوجان اللذان يخفقان في النفوذ إلى روح كل منهما لا يمكنهما أبداً تحقيق جو عائلي آمن ، وحياة مشتركة هادئة ؛ ولذا فإنّ الإسلام قد عيّن حقوقاً وضوابط في الحياة الزوجية ، ودعا الرجل والمرأة إلى الإلتزام بها ، وأن يخطو كلٌّ منهما ضمن المسافة المحدّدة له ، في مسار من شأنه أن يجنّب الطرفين احتمالات التصادم ونشوب النزاع.

الزواج والواجب:

من خصائص عقيدتنا الإسلامية ذلك التأكيد العميق على الزواج.وعلى هذا ، فلا يمكن للرجل والمرأة - على حد سواء - الاستمرار في حياة العزوبية ، مهما حاولا ذلك ، والطريق الوحيد في الاستمرار في الحياة هو في الاحترام المتبادل بين الطرفين ، لا في الإذلال والاستخفاف.وهذه المسألة ضرورية من ناحيتين:

الأولى: قداسة الزواج كرباط الهي.

الثانية: تحمّل مسؤولية تربية وتوجيه الأبناء.

إنّ الحصول على الولد وحده ليس مدعاة للفخر والاعتزاز ، بل إنّ ما يبعث على الاعتزاز - في الواقع - هو تربية الأبناء ، وبناء شخصيتهم ، وتقديمهم

١١

إلى المجتمع أفراداً صالحين.وعلينا أن لا ننسى أبداً بأنّنا مسؤولون عن أولادنا ، وإنّهم يتعلمون منّا دروس الحياة ، وأسلوب العيش.

ولذا ، فإنّ علينا ، ومن أجل أن نوفر السعادة للجيل الناشئ ، أن نتحمل مسؤوليتنا ، وأن نتحلّى بروحٍ التسامح والتضحية ، وأن نقنع بالحدّ الممكن من الحياة ، واضعين في حسابنا شركاء حياتنا ، وأن نحاول على الدوام استقبال كل ما يواجهنا في مسؤوليتنا تجاه أسرنا وأطفالنا بروح من الصبر ، وأن نسعى دائماً في توظيف طاقاتنا من أجل حياة أفضل.

عملنا وهدفنا:

عملنا يقوم في هذا البحث على طريق خدمة الأسرة وتوجية الأزواج الشباب لكي يمكنهم إشاعة جو من الهدوء النسبي وقضاء أوقات الفراغ في ما يجعلهم أفراداً صالحين.

وهدفنا أن نفتح لهم الطريق الذي ينقذهم من المصائب والويلات والحياة المريرة ؛ وما أكثر أولئك الذين يمكنهم الوصول إلى ينابيع السعادة ، ولكنّهم بسبب جهلهم وأخطائهم قد جانبوا الطريق الصائب فسقطوا في هاوية الشقاء.

إنّ الحياة الزوجية تمتلك أرضية التفاهم مهما تفاقمت الخلافات ، وتصاعدت الاختلافات ، وبإمكان الرجل والمرأة التوقف لحظة لمراجعة الأمور ، والتفاهم ، واتخاذ القرار الذي يضمن لهم سعادتهم وسعادة أبنائهم.

أسلوب العمل:

وقد رُتب الأسلوب المعتمد في هذا البحث على أساس ما ورد في رسائل وشكاوى عديدة ، ودراسة وجهات نظر الطرفين في العديد من الحالات.

لا شكّ أنّ الآراء المطروحة في هذا البحث تستند إلى التعاليم الإلهية والإسلامية في هذا المضمار ، وقد اجتهدنا حسب طاقتنا وقدراتنا الفكرية في صياغة أسلوب يوافق الشريعة السمحاء.

١٢

إنّنا نؤمن بأنّ تعاليم الأنبياء وفي طليعتهم نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من أهل بيته ، قد قدمت حلولاً شاملة لكل مشكلات الحياة ، وأنّهمعليهم‌السلام قد رسموا الطريق الذي يؤدي إلى الحقيقة ، حيث السعادة الإنسانية.ومن جملة ما بيّنه الإسلام في ذلك الحياة الزوجية في مراحلها الأولى ، أي منذ انتخاب الزوج ، إلى الحياة الجنسية ، إلى مختلف شؤون الأسرة.

إنّ اطلاع الشباب على رأي الإسلام وتعاليمه في ذلك لا بدّ وأن يكون له الأثر الفاعل في الحدّ من انحطاط الأسر وتفككها.

وهذا الكتاب خطوة في الطريق إلى علاج العديد من المشكلات ، وطرح حلول مستلهَمة من تعاليم السماء ، من أجل إشاعة الدفء في الحياة العائلية ، ومن ثمّ وضع الجيل الصاعد في الطريق الذي يؤدي به إلى غدٍ مشرق.

١٣

الفصل الثاني

أهداف الحياة العائلية

مرَّ عهد الصبا ، ورحلت أيامه المفعمة طهراً وصفاءً ، وانتهى عهد الدلال ورعاية الوالدين وتضحياتهما مرَّ كل هذا دون عودة ،كحُلمٍٍ ورديّ ، وها نحن نعيش مرحلةً أخرى ، وعهداً زاخراً بالمسؤوليات الجسام

إنّها مرحلة التأمل ، والتدبر ، والتكامل مرحلة تتطلب منّا أن نقف على أقدامنا ونفكر في المستقبل. ومن المؤكد جداً أنّنا إذا لم نفكر بأنفسنا ومن أجل أنفسنا فإنّه لا يوجد من يفكر نيابة عنّا ويتحمل مسؤولياتنا.

إنّ أعباء الحياة الجسام ، وطول الطريق ، يدفعنا إلى التفكير والبحث عن شريك يخفف عنّا قدراً من تلك الأعباء ، شريك يتحمل معنا مصاعب الطريق ، ومتاعب الحياة.إنسانٌ يشاركنا حلاوة الحياة ومرارتها ، إنسانٌ يدركنا ويتفهمنا ، يفرح لفرحنا ويحزن لحزننا ، إنسانٌ يقوم بدور المنقذ إذا ما هاجمتنا أمواج الحياة ، وأخيراً: شريكٌ في كل شيء ، ومن أجل كلِّ شيء ، شريكٌ ورفيقُ دربٍ يبدد بأنْسه وحشة الطريق.

انطلاقاً من كل ما ذكرنا، نسعى إلى تشكيل الأسرة. وعلى ضوء ذلك ، نحاول أن نصلح ، أو نعالج ، أو نرمم ، البناء الأسري.ومن خلال ذلك نحاول أن نتعرف أهداف الزواج ؛ لكي تتضح لنا الحقيقة ، بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون.

وإذا كان واقع أُسَرِنا كما ينبغي فلنسعَ إلى التكامل أكثر فأكثر ، والمضي قدماً نحو الهدف المنشود.وإذا كان الواقع عكس ذلك أو صورة مشوّهة عنه ، فلنبادر إلى مراجعة أنفسنا ، وإنقاذ البقية الباقية من عمرنا ؛ قبل فوات الأوان.

١٤

أهداف الزواج:

السؤال هنا: لماذا تزوَّجنا ؟ هل تظن الفتاة أنّ زواجها جاء إثر مؤامرة دبّرها الوالدان للتخلص من شرّها ؟! أو أنّهما شعرا بالملل منها ؟

وهل يعتقد الفتى أنّه تزوّج لكي يبحث عن المتاعب ؟ أو أنه يتمتع بثروة هائلة تدفعه للبحث عن شخص أو مجموعة أشخاص لكي ينفق عليهم ؟ هل إنّ هدف الزواج هو إضافة همٍّ إلى الهموم ؟ أو محاولة للتخفيف من هموم الحياة ؟.

هل إنّ الهدف من ذلك هو رغبتهم في المعاناة والألم ؟ أو الركون إلى راحة وارفة الظلال ، تهبهم الشعور بالطمأنينة والسلام ؟

إنّ الكثير منّا قد أخطأ الطريق اللاحب ، وضاع في متاهات دروب مظلمة.إنّ الزواج ، وتشكيل الأسرة ، له أهدافٌ وأغراضٌ ، وإنّ أخْذها بنظر الاعتبار سيحلّ الكثير الكثير من المشكلات ، ويخفِّف من حِدَّة النزاعات ، ويضع الزوجين في الطريق الصائب الذي يقودهم إلى حياة زاخرة بالحب ، مفعمة بالمودّة والصفاء.

إنّ أهمّ أهداف الزواج هي كما يلي:

أولاً - الحصول على الاستقرار:

إنّ نمو الإنسان ووصوله إلى مرحلة البلوغ يتسبب في ظهور تغيرات متعددة تطال الإنسان ، جسماً ، وروحاً ، وفكراً ، تشكّل بمجموعها نداء الزواج.وفي هذه المرحلة ينبغي على الإنسان أن يستجيب إلى هذا النداء الطبيعي ؛ فإن التغافل عن ذلك ، أو إهماله ، سيؤدي إلى بروز الاضطرابات النفسية العنيفة التي لا يمكن أن تهدأ إلاّ بعد العثور على إنسان يشاركه حياته ، وعندها سيشعر بالهدوء والسلام.

وإذن ، فإنّ أحد أهداف الزواج هو تحقيق حالة من الاستقرار النفسي ، والبدني ، والفكري ، والأخلاقي، وفي ظلال هذه الحياة المشتركة ينبغي على الزوجين العمل على تثبيت هذه الحالة التي تمكنهم من النمو الشامل.

ولقد أثبتت التجارب أنّه عندما تزداد أمواج الحياة عنفاً ، وحين يهدّد

١٥

خطر ما أحد الزوجين فإنّهما يلجآن إلى بعضهما لتوفير حالة من الأمن ؛ يمكنهما من مواجهة الحياة والمضي قدماً.وعليه ، فإنّ الزواج ينبغي أن يحقّق حالة الاستقرار ، وإلاّ فإنّ الحياة سوف تكون جحيماً لا يطاق.

ثانياً - التكامل:

ينتاب الفتى والفتاة لدى وصولهما سن البلوغ إحساس بالنقص ، ويتلاشى هذا الإحساس في ظل الزواج وتشكيل الأسرة ؛ حيث يشعر الطرفان بالتكامل الذي يبلغ ذروته بعد ولادة الطفل الأوّل.

ويؤثر الزواج تأثيراً بالغ الأهمية في السلوك ، وتبدأ مرحلة من النضج والاتجاه نحو الكمال ، حيث تختفي الفوضى في العمل والتعامل ، بعد أن يسعى كلّ طرف بإخلاصِ وصميميةِ تسديد الطرف الآخر وإسداء النُصح إليه ، وخلال ذلك تُولد علاقة إنسانية تعزز من روابط الطرفين ، وتساعدهما في المضي قدماً نحو الكمال المنشود.

ثالثاً - الحفاظ على الدين:

ما أكثر أولئك الذين دفعت بهم غرائزهم فسقطوا في الهاوية ، وتلوثت نفوسهم ، وفقدوا عقيدتهم.ولذا، فإنّ الزواج يجنّب الإنسان السقوط في تلك المنزلقات الخطرة ؛ وقد ورد في الحديث الشريف: ( من تزوج فقد أحرز نصف دينه ) والزواج لا يَكْفُل للمرء عدم السقوط فحسب ، بل يوفّر له جواً من الطُمأنينة ، يمكّنه من عبادة الله سبحانه والتوجه إليه ، ذلك أن إشباع الغرائز بالشكل المعقول يخلّف حالة من الاستقرار النفسي الذي يعتبر ضرورة من ضرورات الحياة الدينية.

وعلى هذا ، فإن الزواج الذي يعرّض دين الانسان إلى الخطر ، الزواج الذي يخلّصه من الوقوع في حبائل الغريزة الجنسية ليقع في حبائل أخرى مثل الكذب والخيانة والممارسات المحرّمة ، لا يمكن أن يعتبر زواجاً ؛ بل فخاً جديداً للشقاء ، والزواج الذي تنجم عنه المشاكل والنزاعات ، وايذاء الجيران بالصراخ .الزواج الذي يكدّر صفو الأقرباء والأصدقاء ليس زواجاً ، بل عقاباً.

١٦

رابعاً - بقاء النسل:

لقد أودع الله الرغبة لدى الإنسان لاستمرار النوع.ولا شكّ أنّ مجيء الأطفال كثمرة للزواج يعتبر ، لدى أولئك الذين يبحثون عن اللذائذ والمتع فقط ، أشخاصاً مزاحمين وغير مرغوب فيهم.ولذا فإن للزواج بعداً معنوياً ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار لكي يكون مدعاة للتكامل ، والسير في طريق الكمال.

وما أكثر الزيجات التي آلت إلى الفشل ؛ بسبب غياب البعد الإلهي فيها ، وما أكثر الفتيات والشبان الذين تزوجوا من أجل الثراء أو الجمال أو الشهرة ، ولكن ، وبعد مرور وقت قصير ، شعروا بالمرارة وغرقوا في بحرٍ من المشكلات.

أساس الحياة الزوجية:

إنّ عدم تفهم مسألة الزواج ، والتغافل عن الحقوق الزوجية ، وإهمال الممارسات التي كان ينبغي العمل بها تؤدي إلى زيجات فاشلة.وانطلاقاً مما ورد في القرآن الكريم ، من إشارات ، وما ورد في الأحاديث والروايات ، فإنّ مقومات الحياة الزوجية هي كما يلي:

١ - المودّة والصفاء:

ينبغي أن تسود الحياة الزوجية علاقات المودّة والمحبة والصفاء ؛ فإنّ الحياة الخالية من الحبّ لا معنى لها ، كما إنّ ارتباط الزوجين ، الذي يؤدي إلى ظهور جيل جديد ، يجعلهما في موضع المسؤولية المشتركة.

والمودّة ، من وجهة قرآنية ، هي الحب الخالص.لا ذلك الحبّ الذي يطفو على السطح ، كالزَبَد.الحبّ المنشود هو الحبّ الذي يضرب بجذوره في الأعماق.وعلى هذا ، فإن الأسرة التي تتوفر فيها هكذا مواصفات سوف يشملها الله بعطفه ورضوانه.

ينبغي أن يكون الزوجان صديقين حميمين ؛ يتقاسمان حلاوة الحياة ومرارتها ، وأن يحلاّ مشكلاتها في جوٍّ هادىءٍ ، يبث أحدهما همّه للآخر ، ويُودِعه

١٧

أسراره.وإنّ الحياة الزوجية التي تفتقد هذا المستوى من الثقة المتبادلة ، هي في الواقع محرومة من رحمة الله.

٢ - التعاون:

إنّ أساس الحياة الزوجية يقوم على التعاون ، ومساعدة كل من الزوجين للآخر ، في جوٍّ من الدعم المتبادل وبذل أقصى الجهود في حل المشاكل وتقديم الخدمات المطلوبة.صحيح أن للزوج وظيفته المحدَّدة ، وللزوجة هي الآخرى وظيفتها المحدَّدة ، ولكنّ الصداقة والمحبة يلغي هذا التقسيم ، ويجعل كلاً منهما نصيراً للآخر ، وعوناً.وهذا ما يضفي على الحياة جمالاً ، وحلاوة ، إذ ليس من الإنسانية ، أبداً ، أن تجلس المرأة قُرب الموقد وتنعم بالدفء ، في حين يكافح زوجها وسط الثلوج ، أو بالعكس ، بذريعة أن لكل منهما وظيفته !

٣ - التفاهم:

تحتاج الحياة المشتركة إلى التفاهم والتوافق ، فبالرغم من رغبة أحد الطرفين في الآخر ، إلاّ إنّ ذلك لا يلغي وجود أذواق مختلفة وسلوك متباين ، وليس من المنطق أبداً أن يحاول أحدهما إلغاء الآخر في هذا المضمار ، بل إنّ من الطبيعي هو إرساء نوع من التوافق والتفاهم ، حيث تقتضي الضرورة أن يتنازل كل طرف عن بعض آرائه ونظرياته لصالح الطرف الآخر ؛ في محاولة لردم الهُوّة التي تفصل بينهما ، ومدّ الجسور المشتركة على أساس من الحب الذي يقضي بإجراء كهذا ، وأن لا يُبدي أي طرفٍ تعصباً في ذلك ؛ ما دام الأمر في دائرة الشرعية التي يحددها الدين.

٤ - السعي نحو الاتحاد:

الحياة تشبه، إلى حدٍّ بعيد ، مرآة صافية، فوجود أقل غبار يشوّه الرؤية فيها ، ولذا ينبغي السعي دائماً لحفظها جلية صافية.

إنّ الحياة المشتركة تحتاج إلى التآلف والاتحاد ، ولذا فإنّ على الزوجين أن يتحدّا فكرياً ، وأن ينعدم ضمير الأنا تماماً في الجو الأسري.

١٨

فيجب أن يكون القرار مشتركاً ، وأن يدعم كلٌّ منهما رأي الآخر.أمّا المسائل التي تبرز فيها وجهات النظر المختلفة فإنّ أفضل حل لها هو السكوت والمداراة إلى أن يتوصل الطرفان إلى حلّ مشترك ، آخذين بنظر الاعتبار أنّ النزاع سيوجه ضربة عنيفة لهما ، ولأطفالهما.

٥ - رعاية الحقوق:

وأخيراً ، فإنّ الحدّ الأدنى في الحياة الزوجية هو رعاية كل طرف لحقوق الطرف الآخر واحترامها.ومن المؤكد أنّ أقصى ما وصلت إليه مختلف المذاهب والعقائد في حقوق الزوجية موجود في النظام الإسلامي ( سنبحث ذلك فيما بعد ).

الاستعداد للحياة:

الإدعاء بأنّ الحياة الزوجية خالية من النزاع يفتقد إلى أساس ، إلاّ أنّ أكثر المنازعات إنّما تنجم عن نفاذ الصبر وعدم القدرة على التحمّل.إنّ الحياة بشكل عام تحتاج إلى الإيمان والصبر والتحمّل ، وهذه المسألة تنعكس بوضوح في الحياة المشتركة التي تستوجب توفّر هذه الخصال.

إنّ الحياة بحر متلاطم الأمواج ، يحتاج المرء فيه إلى الإيمان والصبر ؛ لكي يمكنه من تسيير قاربه نحو شاطىء السلام.

١٩

الفصل الثالث

ضرورات الحياة المشتركة

يتعاقد الفتى والفتاة على عهد في الحياة المشتركة وتشكيل الأسرة ، ويقرران ، تبعاً لذلك ، العيش معاً تحت سقف واحد ، وأن يقف أحدهما إلى جانب الآخر إلى الأبد ، والسير سويّة في الطريق الذي انتخباه ، طريق الحياة الزوجية وتربية الجيل.

إنّ عهداً كهذا لا يمكن المحافظة عليه بيسر وسهولة ، ذلك أنّ الحياة المشتركة تلزمها العديد من الضوابط والشروط ، التي لا يمكن بدونها الاستمرار والدوام ، فالزواج يستلزم استعداداً مسبقاً من قبل الطرفين يجنبهما الوقوع في المزالق ، ويستلزم كذلك يقظة كاملة في الشهور الأولى لكي يمكن إرساء دعائم متينة للبناء الجديد.وهذا التأكيد يتضاعف في الأيام الأولى التي تكون عادة أياماً قلقة متزلزلة ، فأقل خطأ يحصل سوف يلقي بظلاله القاتمة في النفس ، ويشعرها بالمرارة.وأساساً فإن الزواج تحمّل للمسؤولية ، إذ لا يمكن - بأي حال من الأحوال - أن تستمر بعده حالة العزوبية من الشعور بالتجرد ، وفراغ البال.

أسس الحياة المشتركة:

هناك ، فيما أعتقد ، أسس وضوابط ضرورية في الحياة المشتركة ، ينبغي على الطرفين رعايتها واحترامها ؛ وإلاّ فإنّ العشَّ الزوجي سيكون في معرض عاصفة ثلجية وستمتد جذور الكراهية ، التي سرعان ما تؤدي إلى نشوب النزاع وبداية النهاية.وفي هذا البحث محاولة لأن نستعرض - ببساطة - بعضاً منها:

٢٠