الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج0%

الأسرة وقضايا الزواج مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 210

الأسرة وقضايا الزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علي القائمي
تصنيف: الصفحات: 210
المشاهدات: 61897
تحميل: 6420

توضيحات:

الأسرة وقضايا الزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61897 / تحميل: 6420
الحجم الحجم الحجم
الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإذا حصل خطأ ما من أحد الطرفين فعليه أن يبادر إلى الاعتذار من صاحبه ، وعلى الآخر أن يقبل اعتذاره ويستقبله بالأحضان.على الزوجين أن يتجاوزا ذلك بسرعة ؛ إنّها مجرد غيمة صيف عابرة ، ما أسرع أن تمر ويصحو الجو مرة أخرى.

إن الحياة المشتركة تعني المشاركة في كل شيء ، يعني تنوع الأذواق ، واختلاف المشارب ، وتعايش كل ذلك في جو من التفاهم ، والاحترام الكامل والمتبادل.ينبغي أن يكون هناك تفاهم قبل اتخاذ أي قرار يهمّ الأسرة ، وينبغي أن يستشير أحدهما الآخر في كل شيء يهمهما معاً ، ذلك أنّ التفاهم والتشاور يعزز من أسس البناء العائلي ويشيع الدفء في الأسرة ويشعر الطرفين معاً بالقوة.

ضرورة التحكيم:

ربما ينشب النزاع ويعلو صوت العراك بين الزوجين ، حتى ليضيع صوت أحدهما أمام صراخ الآخر ويضيع صوت العقل بينهما ويختفي دوره تماماً.وإذن ، فلا بدّ هنا من انتخاب حَكَم يفصل بينهما بعدما طغت المشاعر والعواطف ، ولم يبقَ من أمل في التفاهم بينهما معاً بمعزل عن الآخرين ، فكل منهما يعتقد بأنّ الحق إلى جانبه ، وأن الآخر هو المعتدي.

ومهما بلغت تجربة الرجل وخبرته في الحياة فإنه يبقى جاهلاً بعض نواحيها ، وهو إذن يحتاج إلى من يرشده في بعض الأمور.

إنّ تحكيم إنسان مجرّب له خبرته في الحياة يهيىء فرصة ذهبية لحلّ النزاع واقناع الطرفين به ، وهذا ما أوصى به القرآن الكريم ، وأوجبه بعض الفقهاء كأمر ضروري قبل الإقدام على الطلاق ، الذي يعتبر في الواقع كارثة اجتماعية لها آثارها الوخيمة.

فكرة التحكيم:

إنّ فكرة التحكيم هي: لجوء المرأة والرجل وبعد اشتداد النزاع ووصوله

١٢١

حداًيستحيل فيه التفاهم بينهما إلى شخص يتمتع بالمؤهلات المطلوبة ، وذلك لفض النزاع والوصول إلى الحل المنشود.

إنّ اشتداد النزاع لا بدّ وأن يعمي الطرفين عن رؤية الحق والحقيقة ، واكتشاف الحل ، فلكل منهما قناعاته وأحكامه المسبقة في ذلك ، وكل منهما وبسبب توتر أحاسيسه وتأزم مشاعره يعتبر الحق إلى جانبه وأنه الطرف المظلوم في القضية ، ومن هنا تأتي فكرة التحكيم ؛ لتهيىء رؤية أكثر وضوحاً للمسألة ، وتوفر كذلك الموضوعية في وضع الحلول المطلوبة ، لاصلاح ما فسد من الأمور وإعادة المياه إلى مجاريها.

إنّ على من يقوم بهذه المهمة أن يكون ممثلاً حقيقياً للطرفين دون أدنى تحيز لأحدهما على حساب الآخر ، وأن يكون همهم الأوّل والأخير هو الإصلاح ووضع حدّ لكل أشكال الاستبداد في التعامل ، وأن يضع يده على أصل المشكلة ، فقد يعامل الرجل زوجته كما لو كانت جارية لديه ، أو تعامل المرأة زوجها كما لو كان خادماً لديها.

إنّ المرأة والرجل يجب أن يسلما لأوامر القرآن في تسيير حياتهما المشتركة ، وليس من حق أيّ منهما الاعتراض بعد ذلك على ما يصدر من رأي في حل خلافاتهما.ولذا فإنّ فكرة التحكيم إنّما تأتي من انسداد جميع الطرق الأخرى في حلّ النزاع ، وهذه المسألة تعكس مدى اهتمام الإسلام بالأسرة ككيان اجتماعي ينبغي صيانته من خطر التفكك والانحلال.

المقومات:

وفيما يخص من يقع عليه مسؤولية التحكيم ، وكما أشار إليه القرآن الكريم في انتخاب حكم من قبل الزوج يمثله في المفاوضات مع آخر يمثّل الزوجة بغية بحث أسس النزاع والتوصل إلى نتيجة ترضي الطرفين.ولذا فإنّ من مقومات ذلك الحكم أن يكون محيطاً بالحوادث والمشاكل ، وعلى بيّنة من الأسباب وبواعث نزاع الزوجين وخلافاتهما وله

١٢٢

خبرة وتجربة في الحياة تؤهله لذلك العمل الحساس ، ذلك أنّ الحكم سيكون موضعاً لجميع الأسرار والعلل الحقيقية التي أدّت أو تؤدي إلى توتر العلاقات الزوجية.وعلى الحكم أن يكون إنساناً جديراً عاقلاً وورعاً تقياً وموضوعياً في بحثه لا يبغي سوى العدل والحق وأن يكون همه الأول والأخير هو الإصلاح.

الخيارات:

وهنا يختلف الفقهاء في مدى صلاحيات الحكمين ودائرة تحركهما ، فالقرآن الكريم يشير إلى دائرة الإصلاح ، وهكذا كان تحرك الأئمة من أهل البيت في هذا المضمار ، ولذا فإن مهمة الحكمين هي التحرك في حدود ما يصلح الحياة الزوجية ، وترميم ما هدّمه النزاع من علاقات وما ضيع من واجبات وحقوق ، لكي تستأنف الأسرة مسارها الطبيعي مرة أخرى.

ولا تنحصر مهمّة الحكمين في بحث النزاع بينهما فقط ، بل وإقناع كل من الطرفين بأخطائه وضرورة تصحيحها ؛ لكي تعود الحياة إلى مجاريها الطبيعية ، ولذا فليس من حق الحكمين أبداً اتخاذ قرار بالطلاق دون علم الزوجين ، وإذا حدث وتوصل الحكمان إلى هذه النتيجة ، فعليهما إعلام الزوجين بذلك فقط ، ومن ثمّ الانسحاب وترك القرار لهما إلاّ إذا طلب الزوجان منهما ذلك.

تأخير الطلاق:

إنّ مهمة التحكيم هي السعي إلى اصلاح ذات البين ورفع الخلافات وحلّ النزاعات ، ولذا فإن على الحكمين أن يتمتعا بِنَفَسٍ طويل في هذه المهمة ، وذلك لأنّ بعض الخلافات تستلزم وقتاً طويلاً من أجل حلّها وإزالتها.ومهمة الحكمين بالدرجة الأولى تنصبّ على تأجيل الطلاق ، واقناع الطرفين باستبعاده عن دائرة تفكيرهما ، آخذين مصلحة الأطفال بنظر الاعتبار.

١٢٣

وإذا نجح الحكمان في هذه الخطوة فإنّهما يكونان قد قطعا منتصف الطريق في حل الأزمة ، فالتريث في اتخاذ قرار الطلاق ودراسة ذلك من جميع الوجوه سوف يوفر فرصاً كبيرة للحلّ.ولذا فإنّ الإسلام يؤكد على من يتم على يديه إجراء الطلاق أن يوضح للزوجين خطورة ما يقدمان عليه ، ويعرّفهما بواجباتهما وحقوقهما الزوجية ، وأن يتجاوزا خلافاتهما والعودة إلى بيت الزوجة.

قبول التحكيم:

إنّ مسألة التحكيم ، وكما أشرنا إلى ذلك ، هي انتخاب ممثل ينوب عن الزوجين ، وطرح مسائل النزاع على بساط البحث ، ولذا فإنّ على الزوجين قبول النتائج دون عناء ومكابرة.إنّ عليهما أن يسلما لحكم الشرع والعقل ، وأن لا يركبا رأسيهما عنادا وتكبّراً.

ينبغي أن يدع المرء في مثل هذه الحالات أنانيته وغروره جانباً ، وأن يترك للحكمين المجال ويفتح أمامهما الطريق في مهمتهما الإصلاحية ، وأن يقبل النتائج حتى لو جاءت في غير مصلحته ، بل حتى لو جاءت خلافاً لما هو واقع ، إذ ينبغي قبولها تأدباً واحتراماً.

حذار من الشيطان:

الخطر كل الخطر من الشيطان إذا ركب أحد الزوجين أو كلاهما وأعماهما عن الرؤية الواضحة ، وذلك لأنّ تغير نظرة الرجل إلى زوجته ، ورؤية نفسه أعظم منها وأكرم لدى الله ، أو العكس ، سوف يجر وراءه المشاكل والمتاعب.

إنّ كلا الزوجين يتمتعان على حد سواء بكرامة الإنسانية وهما عضوان من أعضاء المجتمع وكلاهما أيضاً عبدان من عباد الله.فدعوا المنَّ والأذى ، ودعوا الجارح من الكلام ، واجتنبوا الضرب وابتعدوا عن حياة العراك ، إذ ليس من اللائق أن يترك الإنسان التفاهم بمنطق العقل واللجوء إلى التفاهم باليدين.

١٢٤

إنّ ضعف أحدكما لا يبرر استبداد الآخر وتحوله إلى دكتاتور ، وأنّ الله للظالمين بالمرصاد.

أسأله تعالى أن يمنّ على الجميع العمر الهانئ الطويل والحياة الطبية النابعة من راحة الضمير.

١٢٥

١٢٦

القسم الرابع

نتائج النِّزاع

تحدثنا في فصول سابقة عن البواعث التي تكمن وراء النزاع ومواقف الزوجين تجاه بعضهما البعض ، وفي هذا القسم سنتحدث عن نتائج النزاع ، وما يترتب على ذلك من آثار نفسية وأخلاقية وأخروية.

كما سنتحدث عن الطلاق وآثاره الخطيرة ، وما ورد من روايات وأحاديث تحذر من الإقدام عليه ، وما يترتب على ذلك من نتائج ، خاصة على الأطفال الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن حنان الوالدين ، وخاصة حنان الاُم الذي لا يمكن التعويض عنه بشيء آخر.

١٢٧

١٢٨

الفصل الأوّل

مَرارَة الحياة

الزواج طموح بالسعادة ، يسعى الزوجان من خلال ارتباطهما معاً إلى تحقيقه على أرض الواقع، وذلك لأنّ الحياة دون زواج معناها القلق والشعور بالوحدة والحرمان.

فالحياة المشتركة في ظلال الزواج توفر شعوراً عميقاً بالاستقرار ، غير أنّ الاختلاف في وجهات النظر بين الزوجين وسعي أحدهما أو كلاهما إلى فرض نفسه ومحاولة السيطرة على الآخر ، يؤدي إلى فشل هذه المؤسسة ، ومن ثمّ انتفاء الثمار المتوخاة من ورائها.

إنّ فشل الزواج لا يعني فشل مشروع اجتماعي فحسب ، بل يؤدي إلى إخفاق إنساني أيضاً ، يحوّل الرجل والمرأة إلى مجرد هيكلين ميتين تحركهما أمواج الحياة.ربّما يعيش الزوجان في أيامهما الأولى مشاعر السعادة ؛ ذلك لأنّهما ما يزالان يعيشان رُؤاهما وأحلامهما.ولكن ، وبعد أن تمر الأيام وبسبب تصادمهما لسبب أو آخر ، تظهر بعض الإنحرافات وتتحول تلك الجنة الصغيرة إلى جحيم لا يطاق.

وعندما يكون الإنسان جاهلاً فإنّ بإمكأنّه أن يحوّل جو الأسرة الهادئ إلى مسرح رهيب مليء بالمرارة واليأس ، يفقد الإنسان خلالها إقباله على الحياة ، بل وحتّى ميله للطعام ، ويحوّل المنزل إلى مكان يضم أناساً غرباء ، منسحبين على أنفسهم ، يعالجون أحزانهم ويعيشون معاناتهم.

١٢٩

آثار النزاع:

إنّ النزاع بين الزوجين يختلف تماماً عن أي نزاع آخر ينشب بين شخصين غريبين ، حيث ينتهي كل شيء بعد ساعة ويمضي كل منهما في طريقه ، أمّا في الحياة الزوجية ، التي تعني حياة مشتركة تحت سقف واحد بين شخصين اختارا تلك الحياة معاً ، فإنّ أي نزاع قد ينشب بينهما يترك مضاعفات خطيرة ومريرة في عدة أصعدة يمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي:

١ - في شكل الحياة:

إنّ النزاع يترك آثاره في شكل الحياة داخل المنزل ، ويتحول الزوجان بسببه إلى شخصين غريبين يعيشان معاً ، كما يشعر الصغار بالقلق وإحساس بالخوف من نشوب معركة بين الوالدين لا تعرف عواقبها ، وهكذا يخيم صمت ثقيل في جنبات المنزل ، ينزوي فيه الأطفال خائفين في جو يشوبه الحذر.

٢ - في قوة العلاقات:

يسيطر نوع من البرود القاتل على العلاقات الزوجية إثر نشوب الخلاف بينهما وينظر كل منهما إلى الآخر على أنّه السبب في شقائه وتعاسته ، فتزول مشاعر الثقة بينهما ويحل مكانها شعور بالعداء ؛ حيث يحاول كل منهما تحقير الآخر وإذلاله ؛ كما يذهب ضحية النزاع ذلك الشعور بالاستقرار والطمأنينة ، حيث تحل مشاعر القلق والتحفز للنزاع والمواجهة ، ومحاولة كل من الطرفين إلحاق الأذى بالآخر.

٣ - في الجانب النفسي:

من الطبيعي أن يخلّف النزاع في الحياة الزوجية آثاراً خطيرة في الجانب النفسي ، وقد يبدو النزاع نوعاً من التنفيس عن بعض العقد النفسية ، ولكنه في الواقع يغطي عليها ويزيدها تجذراً في الأعماق ممّا يضاعف من خطرها في المستقبل.

١٣٠

إن النزاع لا يؤدي إلى تصدع العلاقات الزوجية فحسب ، بل تتعدى آثاره إلى إحداث تصدع فكري وتمزق نفسي.وبالرغم من إحساس أحد الزوجين بأنّه يَرُدُّ اعتباره ، أو أنّه يحقّق وجوده ، من خلال إيذاء الآخر إلاّ أنّه في الواقع يؤذي نفسه أيضاً ، وأنّه يوجّه إليها طعنات نجلاء سوف تظهر آثارها في المستقبل ، ذلك أنّه يقضي على مشاعر الحب وينابيع المودّة في أعماقه ، والتي هي أساس السعادة في الحياة.

٤ - تأنيب الضمير:

وقد يصل الإيذاء والظلم الذي يمارسه أحد الزوجين بحق الآخر حداً يدفعه لارتكاب عمل ما ، يتصور خلاصه فيه ، وعندها تحدث هزّة عنيفة يستيقظ فيها الضمير ، فيعيش حالة مأساوية من عذاب الوجدان وتأنيب الضمير بسبب ؛ ما ارتكبه من خطأ فادح بحق شريك حياته ، وقد تتضاعف الحالة لتتخذ شكل مرض نفسي خطير.

إنّ النزاع الزوجي ، الذي يؤدي إلى ظلم أحد الطرفين أو تعريض سمعته للخطر ، سوف يحدث آثاراً لا يمكن تفاديها أبداً ، قد تقوده إلى الانتحار ووضع حدّ لحياته ، أو إلى إحداث شرخ خطير في شخصيته يهدد سلامته النفسية ، وهو أمر لا بد أن يجر من ورائه عقوبة الله بحق الظالم عاجلاً أم آجلاً.

٥ - خلق حالة التشاؤم:

النزاع في الحياة الزوجية يخلق حالة من التشاؤم في الحياة ويجعلها سوداء خالية من كل المعاني الجميلة ، وفي تلك الأثناء يرى أحدهما الخلاص عن طريق البحث عن إنسان آخر يشاطره الحب ، وعندما يعثر على ضالّته تلك ، نلاحظ استمرار حالة التشاؤم لديه ، إذ لا يمكن التخلص منها بسهولة مما يجعل الحياة في رأيه خواء في خواء.

وإذن ، فإنّ النزاع في الحياة الزوجية وإن انتهى إلى بعض الحلول إلاّ أن آثاره النفسية تستمر مدة طويلة وقد لا تنتهي إلاّ مع انتهاء الحياة.

١٣١

٦ - تدمير القابليات:

ينمو الإنسان في الجو الآمن المطمئن وتنمو لديه قابلياته ، وتنفجر في داخله الاستعدادات والمواهب ، وذلك لأنّ حاسّة الإبداع تترعرع في الحياة المستقرة الهادئة ، في حين أنّها تتراجع وتذبل وتموت في الحياة المضطربة القلقة.وما أكثر الأفراد الذين انحدروا بعد زواجهم ، وانحطّت قابلياتهم ، وتدنّت مواهبهم ، وذبلت استعداداتهم وانتهت قدراتهم ؛ كل ذلك بسبب حالة النزاع والمواجهة التي تسيطر على حياة الزوجين ، حيث يبقى الفكر مشغولاً ، والخاطر مبلبلاً ، والنفس مشوّشة لا تعرف الطمأنينة والراحة والاستقرار ، وقد تصل الأمور إلى حالة من الهذيان المستمر الذي يفقد الحياة معانيها الجميلة.

٧ - الحرمان:

صحيح أنّنا لا نعيش من أجل أن نتمتع ونلهو في هذه الحياة ، وأنذ هدف الحياة أسمى من كل المتع الدنيوية ، وأنّ واجب الإنسان هو آداء واجبه في الحياة النزيهة بعيداً عن الآثام والمعاصي.ولكن ، هذا لا يعني الحرمان ، فالحياة الإنسانية زاخرة بكل ألوان المتع البريئة ، زاخرة بكل ألوان السعادة ، وأنّ على الإنسان أن لا ينسى نصيبه في هذه الدنيا.

إنّ عمر الإنسان هو رأسماله في الدنيا والآخرة ، وعلى هذا فينبغي عليه أن ينفق عمره في ما ينفعه في دنياه وأخراه وأن لا يسمم حياته بعمل يجرّ وراءه القلق هنا والعذاب هناك.

إنّ من يخلو قلبه من حبّ الله لا بد وأن يتيه في دروب الضياع التي تقوده إلى السقوط والانحلال المادي والمعنوي ، وبالتالي العذاب في يوم القيامة.

٨ - العقاب الأخروي:

وأخيراً فإن من آثار النزاع ونتائجه هو العقاب الأخروي الذي ينتظر الظالم ، فالله للظالمين بالمرصاد.

١٣٢

إنّ كل ظلم في الحياة الزوجية يعني ظلماً اجتماعياً بحق إنسان له كرامته ، وهو أمر لا يمكن تلافيه بالتوية ، ذلك أنّ الله سبحأنّه قد يتجاوز عن الذنوب التي يرتكبها الإنسان بحق نفسه كشرب الخمر مثلاً ، ولكن عندما يشمل الذنب إيذاء الآخرين وظلمهم فإن المسألة هنا في غاية التعقيد.

ولذا ، فإن على الإنسان أن يحسب لذلك اليوم حسابه ، إذ لا يسوغ لأحد - كائناً من يكون - أن يستغل موقعه وقدرته في سحق الآخرين وإذلالهم ثمّ يكون في مأمن من عقاب الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا وأنّ الله ورسوله بريئان ممّن أضرّ بامرأته حتى تختلع منه.

وقال أيضاً: من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها.

وقال أيضاً: إنّي لأتعجب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها.

وقال عليعليه‌السلام : لا يكن أهلك أشقى الخلق بك.

عندما ينشب الخلاف:

من الطبيعي أن يصطدم الزوجان وأن يشتعل النزاع بينهما ، إلا أنّ من الضروري جداً ، عدم تجاوز الحدّ الطبيعي خلال ذلك ، أي أن لا يكون الهجوم - إذا صح التعبير - قاسياً بحيث يسحق الزوجة - على سبيل المثال - ويحطّم قلبها ، وبالتالي يصعب إصلاح الأمور وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً.

ففي بعض الأحيان يكون النزاع من العنف بحيث يحطم صورة الحياة ، ويدمّر السعادة لدى المرأة ، وحتى لو كان هناك نيّة في الطلاق ، لمنافاته مع الجانب الإنساني.وذلك لأنّ الله خلق الإنسان وأودع لديه قدرة على بيان ما يبغيه أو يريده من خلال المنطق السليم ؛ ولذا ينبغي على الإنسان ، وحتى في أشدّ الساعات حراجة ، أن يتمالك نفسه وأن لا ينطق لسأنّه إلاّ بما يرضي الله ورسوله.

١٣٣

السعي من أجل إعادة الصفاء:

إنّ الأصل في الجو العائلي هو أن يسوده الصفاء ، فإذا حصل سوء تفاهم فينبغي عدم تصعيده إلى حالة من النزاع ، فإذا نشب النزاع فيتوجب أن يكون في مستوى بحيث يكون من السهل إصلاح ما فسد من الأمر.

إنّ من واجب الإنسان هو أن يعيش دنياه بسلوك يليق بإنسانيته ، لا أن يظلم ويفسد ويتهم الآخرين بالباطل ، وذلك لأنّ الإنسان هو الذي يمنح الحياة جمالها ؛ من خلال إحسانه ، وهو الذي يسلبها تلك الصورة الجميلة إذا ما أساء في سلوكه وسيرته.

إنّ واجبنا الاخلاقي والشرعي يحتم علينا أن نسعى دائماً للحيلولة دون وقوع ما ينغص الحياة الزوجية ، وأنّ على الزوجين السعي إلى التفاهم دائماً ، فهو الأسلوب الوحيد لحل جميع المشاكل ، وأن يكون شعارهما دائماً العمل على اجتثاثها من الجذور قبل أن تستفحل وتشتد أشواكها ، وتكون عقبة كأْداء في الطريق.

إنّ الحياة المشتركة تكشف للزوجين أخلاقهما ، وتعرّف أفكارهما.ولذا فإنّ الرجل ، ومن خلال معرفته تلك ، يمكنه العمل على تنمية الجانب الإيجابي في زوجته واحتواء جانبها السلبي في نفس الوقت.وهذا الأمر ينسحب على المرأة - أيضاً - من خلال مداراة زوجها وتعاملها الحسن معه.

دعائم السلام:

ما هو الضرر الذي يلحق الرجل إذا ما أقدم على مصالحة زوجته ؟ ما هو الذي يمكن أن يلحق به لو غض النظر عن الإساءة ، وخطا الخطوة الأولى في المصالحة ؛ فقد تفعل الابتسامة ما لا تفعله جميع الوسائل في تحقيق وتثبيت دعائم الحب في الأسرة والعائلة.

إنّ الهدف من وراء الزواج هو الإلفة والإتحاد والاستقرار ، وبتعبير القرآن: السكن.إذن ، فإنّ ما يحقق تلك الأهداف هو الحب والمودّة والصبر والتحمل وكل المواهب الإنسانية السامية ، أمّا النزاع ، والمواجهة ، والغضب ، فلا عاقبة لها سوى الخسران.

١٣٤

الفصل الثاني

الشِّجار

من الطبيعي جداً أن يصطدم الزوجان في أفكارهما وأذواقهما ، على أن هذا ليس مدعاة للشجار والنزاع ، بل ينبغي أن يتخذا مواقف مناسبة في علاج وحلّ المشاكل التي تنجم جرّاء ذلك الإختلاف الفكري أو الذوقي ، ولو حصل النزاع الذي لا مفرّ منه فيتوجب على كلا الزوجين عدم تصعيده ليشمل دائرة أوسع ، وحدوداً لا يمكن السيطرة عليها ، وأن يكون التفاهم نصب أعينهما دائماً.

إنّ وسائل حل النزاع الذي يهدد الحياة الزوجية ينبغي أن ينطلق من قاعدة الحب والصميمية ، أمّا إذا استمر الزوجان في عنادهما ولجاجتهما فإنّ زوبعة النزاع سوف تتحول إلى عاصفة مدمرة تقتلع البناء الأسري من جذوره.

الحياة صراع ، نعم ، هذا صحيح ، ولكنّه صراع مع الحرمان ، صراع مع البؤس ، صراع مع الشر .وفي كل ذلك تقتضي الضرورات أن يتّحد الزوجان ، وأن يضعا أيديهما في أيدي البعض ويشقّا طريقهما معاً في الحياة.

أساس المشكلة:

وأساس المشكلة هو في تفكير أحد الزوجين وشعوره بالتفوق على صاحبه ، والسعي من أجل قهره والسيطرة عليه.وعندما يشعر المرء بأنّ من يشاركه حياته هو إنسان يتمتع بكرامته الإنسانية ، وأنّه لا ينقصه أو يزيده شيء ، عندها تنتفي أغلب دوافع وبواعث النزاع في الحياة الأسرية.

١٣٥

فالبحث عن ذريعة للنزاع والجدل ، وعدم تحمل الآخر ، ومحاولة سحقه أو الانتقام منه ، لا يؤدي إلاّ إلى التعقيد وتهديد حاضر الأسرة ومستقبلها ، وخلال ذلك لا يجني الطرفان سوى المرارة والألم والعذاب.إنّنا نطلب من كلا الزوجين أن يتضامنا وأن يحمي كل منهما الآخر ، لا أن ينتقم منه.

اللَوم:

لعلنا ننسى أو نتناسى بأنذ الكلام والقدرة على النطق واحدة من نعم الله التي لا تحصى ، وأنّ من موجبات الشكر أن يسعى الإنسان دائماً للإستفادة من هذه النعمة في ما يرضي الله سبحأنّه.وإذن ، فليس من اللائق ولا من المفيد أن يلوم المرء زوجه أو يصب عليه ألواناً من التقريع والكلام الذي لا طائل من ورائه.فما أكثر الكلام الذي ينتهي في لحظات ، ولكن آثاره المريرة تبقى في القلب ، وما أكثر الكلام الذي يبني السدود الرهيبة والحواجز التي يتعذر هدمها بين الزوجين ، فإذا التقيا حدثت المواجهة وبدأ النزاع.

الهجران:

يؤدي النزاع في بعض الحالات إلى أن يهجر أحد الزوجين رفيقه ويتركه وحيداً ، وكان الأجدر بهما حل النزاع عن طريق الحوار والتفاهم ؛ ويمكن القول بأنّ هذه الحالة من السلوك هو امتداد لمرحلة الطفولة ، حيث ( يزعل ) الصبي أو البنت ثمّ يدير ظهره وينصرف ضارباً عرض الجدار اعتبارات الصداقة أو الزمالة غير آبهٍ بما تتركه لدى الآخرين من الآثار والآلام.

إنّ القطيعة في الحياة الزوجية لا تعبّر عن نضج في السلوك إلاّ في بعض الحالات عندما تكون إجراء يوفّر للآخر فرصة لمراجعة نفسه ومواقفه ، أمّا أن تتحول إلى نوع من الضغط وممارسة للتعذيب ، فأمر يتنافى وأبسط المبادئ الزوجية.

١٣٦

تضييق الخناق:

لا يسفر النزاع في الحياة الزوجية إلاّ عن الألم والعذاب للطرفين ، ناهيك عن التقصير في أداء الواجب وضياع الحق ، وإذا بالمنزل الذي ينبغي أن يتحوّل إلى عش دافىء يصبح جحيماً يحرق الزوجين ويدفعهما إلى الفرار والخلاص ، وما أكثر الذين دفعهم هذا الإحساس إلى الإقدام على أعمال هي في حقيقتها ردود فعل متشنجة لا تخلّف سوى المرارة والألم.

تقاليد جاهلية:

بالرغم من التقدم الذي أحرزته البشرية في عصرنا الراهن ، إلاّ أنّنا ما نزال نشهد في السلوك الإنساني عادات جاهلية ومظاهر متخلّفة تدعو إلى التأمل ، فما زال البعض يتصرف انطلاقاً من قانون الأقوى أو قانون الغابة أو البقاء للأقوى ، إلى غير ذلك من العادات الجاهلية.

ويتجلّى قبح مثل هذه التصرفات في محيط الأسرة عندما يتحول الرجل - مثلاً - إلى جلاّد أو سجّان ، أو حاكم مستبد ، وعندها تنزوي كل الأشياء الجميلة في البيت ، الذي يتحول إلى مجرد سجن أو قفص ، يحلم ساكنوه بالخلاص منه.ولا ننسى هنا المواقف المتشنجة التي يبديها الضحية والتي تزيد من تعقيد الأوضاع وتزيدها مأسوية.

وإذا كنا مسلمين حقاً فيجب أن نجعل ديننا مثلاً أعلى لثقافتنا ، وأن نزيح عن طريقنا كل العادات الجاهلية التي تصطدم مع السنن الإلهية والأخلاقية السامية.

الضرب:

إنّ ما يدعو للتأسف والمرارة هو وجود بعض الأزواج من الذين يفتقدون الشعور بالمسؤولية والذين لا يجدون أو يجيدون وسيلة للتفاهم مع شركاء حياتهم سوى الضرب جاعلين من البيت حلبة للملاكمة.

إنّ هذه التصرفات تتنافى مع إنسانية الإنسان ، إضافة إلى تناقضها مع ديننا كمسلمين لنا في رسول الله والأئمة من أهل بيته أسوة حسنة.

١٣٧

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إني لأتعجب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها ).

البيت دنيا المرأة ، ومملكتها التي تحيى فيها ومن أجلها ، وهي التي يمكنها أن تبثه دفئاً وتملأه عاطفاً وحناناً وتجعل منه عشاً.

إنّك بضربك زوجتك إنّما تسحق جميع تلك الأحاسيس وجميع تلك العواطف وتجعلها تحت قدميك ، وتجعل من شريكة حياتك إنساناً شقيّاً بائساً.وماذا يجديك من وجود امرأة مقهورة في بيتك ؟ وأيَّ مجدٍ تحصل عليه من وراء سحق كائن اختار الحياة معك ، وإلى جوارك ؟

إنّ المرأة ، ذلك المخلوق الحساس ، هي في حقيقتها أم تضم بين حناياها أطفالك ، فهل تدرك ماذا يفعل الضرب بأمومتها ؟ وأي آثار مدمّرة يلحق بها كزوجة تشاطرك هموم الحياة ؟

نتائج الضرب:

لا يسفر الضرب إلاّ عن قلوب محطمة ومشاعر جريحة وعواطف ممزقة ، كما أنّك بضربك زوجتك تقضي على الاحترام المتبادل بينكما ، وتدق إسفينا في علاقتكما الزوجية الحميمة ، التي قد تتدهور وتنتهي إلى الطلاق.

ينبغي أن يتحول البيت الزوجي إلى عش دافىء وسكن وارف الظلال ، لا إلى حلبة للمصارعة والعراك ، أو غابة رهيبة يسودها قانون الأقوى.إنّك بسلوكك هذا تنسف ذلك السكن الآمن ، والمأوى المطمئن ، وتمزّق ذلك الوجه الجميل للحياة الزوجية لتبدأ حالة من التشرد والضياع.

تعاليم الإسلام:

إنّ السلوك الفظ والمعاملة المذلّة تتناقض وتعاليم الإسلام الذي يأمرنا بالإحسان إلى المرأة ، فكيف إذا تعدى الأمر ذلك إلى الاعتداء عليها بالضرب ؟! أليس من القبح أن يضرب المرء زوجه وشريك حياته ورفيق دربه ؟!

١٣٨

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة ).

وقالعليه‌السلام : ( اتّقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة ، فإن خياركم خياركم لأهله ).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره ).

ويعبر الإمام عليعليه‌السلام عن المرأة أنّها ريحانة وليست قهرمانة.إنّ الإسلام يأمرنا بمداراة المرأة والإحسان إليها وغض النظر عن بعض أخطائها.

العقاب الإلهي:

لا يختلف النزاع في الحياة الزوجية عن أي نزاع آخر ، إن لم يكن أسوأ منه ، وهو يعني وجود قضية معينة ووجود ظلم وظالم وبريء.وفي هذه الحالة فإنّ للشرع القول الفصل في ذلك.

الحق هو أسمى قيم الإسلام الحنيف كما أن القوة لا تبرر أبداً تجاوز المرء حدّه والاعتداء على الآخرين بالضرب والشتم

فهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .يحذّر من الإساءة والعدوان على المرأة: ( ألا وأنّ الله ورسوله بريئان ممّن أضرّ بامرأةٍ حتى تختلع منه ).

وفيما يخص عدوان المرأة على زوجها قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها ).

وإضافة إلى كل ذلك فإنّ الظلم يتسبب في تعذيب الضمير وقلق الوجدان ، وهو أمر يسلب من المرء إحساسه وبالسعادة وراحة البال واطمئنان الخاطر.

الاكتشاف:

وإذا كان للنزاع الزوجي من حسنات فإنّها تكمن في وضع الزوجين

١٣٩

على المحك في اختبار دقيق يكشف أخلاقهما ، وتوجهاتهما وقيمهما وما تنطوي عليه من دوافع، فالرجل يكتشف امرأته ، والمرأة تكتشف زوجها وتعرف إلى أي مدىّ يمكنها الثقة به ، والاعتماد عليه واللجوء إليه.

وما أكثر النزاعات التي تهبّ كأنّها عاصفة مدمّرة ولكنها تغادر بسرعة ، وتسفر عن استقرار نفسي مدهش ، حيث يُولد حب عنيف يربط الزوجين بعلاقات وعُرى وثيقة ، ولا ننسى - أيضاً - أنّ النزاع يساعد الزوجين على ترتيب مواقعها وإعادة حساباتهما ، ومن ثمّ التصرف بقدر من الحكمة أكثر ، ممّا يوفّر فرصة للتفاهم في المستقبل.

في طريق الإصلاح:

إنّني أوصي جميع الأزواج رجالاً ونساءً بعدم الاختلاف والتنازع ، ولكن لو حصل ذلك فإنّي أؤكد على عدم توسيع رقعة النزاع ؛ لما في ذلك من الأضرار المدمّرة التي تؤثر في البناء العائلي من الأساس.

فإذا حصل وتأزّمت الأوضاع وتوتّرت الأجواء في البيت الزوجي فليحاول المرء أن يجعل من تلك البروق والرعود ، ومن تلك الغيوم مطر من الرحمة ، يغسل بمياهه آثار تلك العاصفة.

علينا أن نسعى دائماً لرفع الاختلاف ، وأن نصلح ذات بيننا ونرسي دعائم الحب ، وأن نرفع من شخصيتنا ونسمو بها إلى مراتب الكمال.وهل هناك ما هو أعظم من الإسلام طريقاً ومن الإسلام مدرسة تعلمنا أسلوب العيش وطرق الحياة.

١٤٠