الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج0%

الأسرة وقضايا الزواج مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 210

الأسرة وقضايا الزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علي القائمي
تصنيف: الصفحات: 210
المشاهدات: 61918
تحميل: 6421

توضيحات:

الأسرة وقضايا الزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61918 / تحميل: 6421
الحجم الحجم الحجم
الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١ - حُسن المعاشرة:

الزواج بداية مرحلة جديدة من المعاشرة ، تنتهي في ظلالها عزلة الرجل والمرأة ، ويبدأ عهد جديد من الألفة والأنس بينهما.وعلى أثر ذلك ، يحصل نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما ، كذلك الأمر بالنسبة للأذواق والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة.

من الضرورة بمكان أن يجلس الزوجان ، وبعد الانتهاء من عملهما إلى جانب بعضهما البعض ، ساعة على الأقل يتحدثان خلالها عن ذكرياتهما الحلوة والمرّة ، وتداول مختلف المسائل والقضايا التي تهمهما معاً ؛ ذلك أنّ الصمت المطبق يشبه في مساوئه الثرثرة في الحديث ولا يجلب معه سوى الألم.

فالأحاديث المتبادلة ، وإضافة إلى أنّها تعزز من الألفة والأنس بين الزوجين ، تخفف من عقدهما وتحدّ من توقّعات كلّ منهما.

٢ - الانسجام الفكري:

الرجل والمرأة يعضد أحدهما الآخر ويرافقه في رحلته ؛ من أجل أن يصل قارب حياتهما إلى شاطىء السعادة ، وعلى هذا ، فإنّه لا ينبغي عليهما السير في عكس الاتجاه المنشود ؛ حتى لا تتعثر رحلتهما وتتقاذفهما الأمواج.

إنّ على الزوجين ، ومن أجل استمرار حياتهما في ظلال من الطُمأنينة والأمن ، أن يحاولا تطبيع فكريهما على أساس من النقاط المشتركة والأذواق المتماثلة ؛ وفي طريق ذلك تصبح الأمور طبيعية بشرط أن يدرك كل منهما الآخر.

والزوجان العاقلان الناضجان يعمل كل منهما على مساعدة الآخر ودعمه مادياً ومعنوياً.وكثيرون هم الأفراد الذين أحرزوا نجاحات باهرة في الحياة بسبب إستفادتهم من أزواجهم فكرياً ومن خلال استلهامهم سلوكاً وأفكاراً ورؤى عايشوها وتأثروا بها.

٢١

٣ - احترام الحقوق:

هناك حقوق وواجبات من وجهة نظر الإسلام تتعين في ظلال الحياة الزوجية ، وإنّ عدم رعايتها ، أو احترامها ، يوجب عقوبات محدّدة.

وفي ضوء أداء تلك الواجبات ورعاية تلك الحقوق تتوضح بواعث النزاع والممارسات الخاطئة ، وتنشأ في ظِلال ذلك حالة من الاستقرار ، ممّا يضمن استمرار الحياة الزوجية.

ومن خلال هذه الحقوق ينمو الحب في القلوب ، والاحترام ، والإجلال ، والوفاء ، وأداء الواجب ، وغير ذلك من ضرورات الحياة المشتركة.

إن الإسلام لا يسمح أبداً بحسم الخلاف لصالح الطرف الأقوى ، أو يجعل له الحق في حل المسألة في ضوء ما يرغب.إن الممارسات يجب أن تنطلق من اعتبارات إلهية محدّدة ، وأن لا تكون مدعاة للتشكيك في قداسة الأسرة.

٤ - توزيع العمل:

من أجل استمرار الحياة الزوجية ينبغي تقسيم العمل ، بحيث لا يُنوء أحدهما تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به.ومن الخطأ الكبير أن يُلقى على عاتق المرأة مسؤولية تربية الأولاد وإدارة البيت ، في حين يجلس الرجل فارغ البال في زاوية من زوايا البيت.ومن الظلم أيضاً ، أن يلهث الرجل من الصباح إلى المساء من أجل تأمين لقمة العيش ، في حين تجلس المرأة في المنزل ناعمة البال.

ومن خلال سيرة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتضح أنّ العمل داخل البيت هو على عاتق المرأة ، بينما يبقى العمل خارج المنزل من واجبات الرجل ، وطبعاً فإنّ هذا لا يمنع الرجل - إذا ما وجد فراغاً - من مساعدة زوجته ، ولا يمنع المرأة أيضاً - إذا ما وجدت فرصة - من المبادرة إلى التخفيف عن أعباء الرجل.

إن الهدف من تقسيم العمل هو تحقيق العدالة بين الطرفين.

٢٢

٥ - التأمين:

وعلى أساس ما ذكرنا يتضح على من يقع واجب التأمين الاقتصادي وعلى من تقع وظيفة تأمين الاستقرار والدفء في الأسرة.

نعم ، من الممكن أن تكون المرأة ثريّة أو تعمل في وظيفة معينة ، ولكنّ الإسلام لم يوجب عليها الإنفاق على الرجل ؛ ذلك لأنّ الإسلام أوجب على الرجل القيام بهذه المهمّة ، ومن حق المرأة أن يوفّر لها الرجلُ المسكنَ ، والملبسَ ، والغذاء المناسب ، بل - وعلى أساس بعض الروايات - أن يرفّر لها قدراً معيناً من وسائل الزينة.

ومن الطبيعي إذن ، أن تنهض المرأة بمهمتها تجاه الرجل حيث تتولى إدارة المنزل وأن يكون تعاملها معه ودوداً ، ودافئاً ، يجعل الرجل يتلهف إلى العودة إلى البيت بشوق.وأنّ على المرأة ، واستجابة لغرائزها الطبيعية ، تربية الأطفال وجعلهم مدعاة لإشاعة الفرحة والأمل داخل البيت.

٦ - المداراة وضبط النفس:

يؤدي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما ، وأنّ القول: إن الحياة الزوجية لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين الطرفين.أمرٌ خيالي بعيد عن الحقيقة ، ولكنّ المهمّ في مثل هكذا حالات هو المداراة وضبط النفس.

إنّ الإسلام يوصي في حالة بروز نزاع عائلي أن يلجأ أحد الطرفين إلى الصمت في سبيل الله ، وأن يغضّ الطرف عن أخطاء الطرف الآخر ، وأن يتعامل معه بما يرضي الله ورسوله.وما أكثر النزاعات التي تنشأ من حساسية المرأة ، أو غيرتها ولكن فطنة الرجل ويقظته تعيد المياة إلى مجاريها ، فيخفت النزاع ويعم الاستقرار في محيط الأسرة.

إن الحياة الزوجية ترافقها المشاكل ولا يمكن تحملها إلا بالصبر وضبط النفس ، وتفويت الفرصة على شيطان الغضب ، والتسامح ، وغضّ

٢٣

الطرف قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر.وهذا رسول الله ، قمّة الخلق الإنساني ، يقول: ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ). إنّ من ينتخب لنفسه زوجة ينبغي عليه أن يحترمها.

تعزيز الروابط:

إنّ ما ذكرناه هو أسس الحياة الزوجية ، وهو الحد الأدنى من الحياة المشتركة ، وهناك من الضوابط والنقاط التي يؤدي رعايتها إلى تعزيز العلاقات بين الزوجين ويجعلها متينة ، وهي كما يلي:

١ - التصريح بالحب والمودّة:

من السهولة أن يتبادل الزوجان الحبّ ، غير أنّ إظهار ذلك وترجمته على شكل عبارة جميلة حلوة يقضي على احتمالات الشك التي قد تراود أحد الطرفين.

إن الإسلام يوجب أن نبرز عواطفنا تجاه من نحبّهم ، وهو أمرّ تتجلى ضرورته في الحياة الزوجية.إنّ المرأة ، وكما يؤكد الحديث الشريف ، لا تنسى كلمة الحبّ التي ينطقها زوجها أبداً.قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قول الرجل لزوجته: إنّي أحبك.لا يذهب من قلبها أبداً ) ( وسائل الشيعة: ١٤ / ١٠ ).

قد يبدو إظهار العاطفة بين الزوجين لدى البعض أمراً يدعو إلى السخرية ؛ انطلاقاً من كون المسألة واضحة لا تحتاج إلى دليل ، ولكنّ الأمر على العكس ، فبالرغم من وجود الحبّ إلاّ أنّ التعبير عنه أمر في غاية الضرورة حيث يعزز من قوة العلاقات الزوجية ويزيدها متانة ورسوخاً.

٢ - الاحترام المتبادل:

يجب أن يكون الاحترام متبادلاً ، وأنّ إخلال أحد الطرفين بذلك يؤدي إلى اختلال في المعادلة كلها.من ينشد احترام زوجه عليه أن يحترمه أولاً ، فوجاهة المرأة تضفي على الرجل قوّة ، وشخصية الرجل تمنح المرأة قوّة

٢٤

وتعزّز من مكانتها ، وعليه ، فمن الضروري أن يربط الزوجين نوع من الاحترام المتبادل ، وأن يبتعدا عن كل ما من شأنه أن يخلّ بهذه المعادلة.

والاحترام يتجسد من خلال الحديث ، والتعامل.فعلى صعيد الحديث: يتجلى الاحترام من خلال اللهجة الصادقة والهادئة التي تزخر بمعاني الحب ، وإذا كان هناك ما يستدعي النقد فينبغي أن يتم ذلك بأسلوب ايجابي بعيداً عن التشهير.

٣ - التزيّن:

من الضروري جداً أن يراعي الزوجان زينتهما ومظهرهما ، وأن يحاولا الظهور بالمظهر اللائق.إنّ التعاليم الإسلامية تزخر بالكثير من الوصايا عن نظافة البدن ، بدءً من الاستحمام ، وتنظيف الأسنان ، والتعطر ، وإصلاح الشعر ، وقص الأظافر ، وارتداء الثياب النظيفة ؛ وكل هذا له تأثير بالغ الأهمية في ترغيب الطرفين ببعضهما وتعزيز علاقات الحب بينهما.

هناك حديث عن الإمام الكاظمعليه‌السلام يفيد بأنّ زينة الرجل تزيد من عفّة زوجته ، فهناك العديد من النسوة اللائي انحرفن عن جادة العفّة بسبب إهمال أزواجهن لهذا الجانب الحساس من الحياة.قال الإمام الكاظمعليه‌السلام : ( إن التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء ، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهن التهيئة ).

وهناك روايات تفيد - أيضاً -: بأنّ المرأة تحب من الرجل أن يتزيّن لها كما أن الرجل يحب من زوجته ذلك. وقد نقل عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثاً يفيد: بأنّ من واجب المرأة أن تتعطّر لزوجها ، فقد شَكَت امرأة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعراض زوجها عنها فأمرها أن تتطيّب له.( فروع الكافي ).

كما ورد عن الباقرعليه‌السلام توصية للرجل بتوفير الزينة لزوجته ، حتى لو اقتصر الأمر على قلادة.يقول الإمام الباقرعليه‌السلام : ( لا ينبغي للمرأة

٢٥

أن تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها قلادة ).( وسائل الشيعة ، ج٣ ، ص ٣٣٥ ).

٤ - حفظ الروابط الزوجية:

تنشأ في ظل الزواج حالة من الاستغلال النسبي ، الذي ينجم عن حاجة الطرفين إلى بعضهما؛ بغية إشباع الغريزة الجنسية.وبالرغم من شرعية هذه المسألة ، إلاّ أنّها لا يمكن أن تكون الأساس أو المبرر الوحيد للزواج.فالزواج الذي يقوم على هذه المسألة وحدها لا بدّ وأن ينتهي إلى كارثة تبدأ باحتقار الطرفين بعضهما فور إشباع غريزتيهما.

ولذا فإنّ العلاقات الزوجية ينبغي أن تقوم على أسس معنوية ، كرضا الله ، وأداء الواجب الإلهي ، وتنفيذ السنة النبوية.إنّ أخذ هذه المقومات بنظر الاعتبار تساعد على نمو العاطفة بينهما ويوجب نضج شخصيتهما.

٥ - الذرية:

يضفي وجود الطفل في حياة الزوجين رَونقاً يزيد من جمال الحياة الزوجية ، ويعزز من أسسها ؛ ومع ظهور الطفل في سماء الأسرة يولد حب كبير يمدُّ جذوره في الأعماق ؛ إذ سرعان ما نشاهد البرود يغزو حياة بعض أولئك الذين يمتنعون عن الإنجاب بحجّة أن الأطفال سيعكرون عليهم الأجواء ، حيث ينعكس ذلك في التعامل الجاف والمتصنع ؛ فإذا أشرقت شمس الطفولة ذابت الثلوج وتدفّقت الحياة في الأسرة.

٦ - العفاف:

وأخيراً ، فإنّ العفّة والطهر هما أساس إنسانية الحياة الزوجية ، والعامل المهم في إدامة واستمرار حياتهما المشتركة.وعلى هذا ، فإنّ التعفف وطهارة الثوب مطلوبة من الرجل ، كما هي مطلوبة من المرأة ، وأنّ على الزوج أن يخلي قلبه من كل رغبة في غير زوجته ، وعلى الزوجة أن لا تنظر إلاّ إلى زوجها.وإضافة إلى الجانب الشرعي في هذه المسألة فهي أساس متين لحفظ البناء المشترك من الانهيار.

٢٦

القسم الثاني

بواعث النزاع

عادة ما تبدأ الحياة الزوجية بهدوءٍ ، وصفاء ، وراحة بال ؛ وذلك لأنّ الحياة الجديدة تحمل في طياتها جوانب عديدة تُقنع كلا الطرفين ، وتملأ قلبيهما بالرضا ، حيث يحاول كلّ منهما إقناع الآخر والاحتفاظ به.

غير أنّه مع توالي الأيام يبدأ عهد جديد ، هو عهد التقييم ، والمراجعة ، والحساب ؛ حيث يشعر أحد الطرفين بأنّه مغبون في هذه التجربة ، وعندها تبدأ مرحلة النزاع.

وللبحث عن بواعث النزاع يمكن الإشارة إلى جملة من الأسباب التي لها دور كبير في ظهور المشاكل في الحياة الزوجية.

- انعدام الخبرة في الحياة الزوجية.

- التوقعات الخارجة عن الحد ، لدى الطرفين.

- سوء الظن.

- الرغبات غير المعقولة.

- السعي لإثبات القدرة والسيطرة.

- عدم التحمّل.

- غياب التفاهم.

- الأهداف والأسباب المادية.

- الإساءة في القول.

- انحطاط الذوق.

وفي هذا القسم سنستعرض هذه الأسباب وغيرها بشيء من التفصيل.

٢٧

٢٨

الفصل الأول

غياب الخبرة في الحياة الزوجية

يمكن القول إن الحياة فنٌّ من الفنون ، فالذي يجهل السباحة مثلا سيكون أسير الامواج المتلاطمة ، حيث يهدده الغرق بين لحظة وأخرى.

والحياة فنٌّ ؛ لانطوائها على تفاصيل دقيقة ، تتطلب من الإنسان أن يكون فناناً دقيقاً ومحيطاً.وتتجلى ضرورة الإحاطة بالحياة كفن في مسألة الزواج باعتبارها واحدة من أبرز تجارب الحياة ، وأنّ ظاهرة النزاع والانفصال والطلاق في الحياة الأسرية ، إنّما تَنجم عن جهل ، وغياب للخبرة ، أو عدم الشعور بالمسؤولية ، وانعدام الالتزام في هذه القضية الحسّاسة.

إن الزواج الذي يبدأ بالإهمال في المعرفة ، أو يقوم على تصورات خاطئة مجانبة للحقيقة ، أو الخداع أحياناً ، هو زواج قَلِق متزلزل ؛ ذلك لأنّ الحياة الزوجية سرعان ما تكشف جميع الحقائق ، وتُظهر جميع الخبايا.إذن ، فالحياة الزوجية يجب أن تقوم على الحقيقة والحق ، بعيداً عن الخدع والأباطيل.

أسرار النزاع:

يسعى الزوجان في بداية حياتهما المشتركة إلى إخفاء بعض ميزاتهما الشخصية ، سواء على صعيد العيوب ، أو الأذواق ، ويحاولان في تلك الفترة الحساسة أن يغضّا طرفيهما عن بعضهما البعض.

ومن أجل البحث في الاسرار الكامنة وراء النزاع في الحياة الزوجية ، يمكن توزيعها إلى قسمين:

أ - عوامل ما قبل الزواج.

ب - وعوامل ما بعد الزواج.

٢٩

أ - عوامل ما قبل الزواج:

إنّ الكثير من النزاعات ما كانت لتوجد لو أحسن الزوجان التفكير في الحياة ، وإنّنا نشير إلى هذه الناحية ؛ من أجل أن نُلفت أنظار الشباب قبل إقدامهم على الزواج ، ونذكّر الذين تزوجوا ، إلى الاهتمام بهذه المسألة ، وهم في بداية صنع مستقبلهم المشترك.ويمكن تلخيص هذه العوامل في ما يلي:

١ - عدم التعارف:

يتطلب الزواج فرصة كافية من أجل أن يتعرف أحد الطرفين على الآخر ، وبالرغم من غنى هذه التجربة إلا أنّها تبقى عاجزة عن رفع الحجب بين الطرفين ، إلاّ في الحالات النادرة.ومع ذلك فهي ضرورية جيداً ؛ من أجل بناء حياة مشتركة على أرض صُلبة ، وواضحة تقريباً.

٢ - عدم التشاور:

مهما بلغ الشباب من شأْوٍ في العلم والمعرفة ، إلاّ أنّهم يُعتبرون عديمي الخبرة في شؤون الحياة الزوجية.ومع بالغ الأسف فإنّ كثيراً منهم ، وبسبب أسلوب تربيتهم ، يبقون بمنأىً عن تجارب الوالدين ، ولا يصغون إلى آرائهما في هذه المسائل.

إن تعاليم الإسلام توصي الشباب باستشارة من هم أكبر منهم سناً ، وأخذ وجهة نظر الوالدين في مسألة الزواج قبل الإقدام على تنفيذ هذه التجربة ؛ لتلافي تنائجها المرّة ، وهذا التأكيد يتضاعف بالنسبة للفتيات ، اللائي يمكن خداعهن بسهولة.

٣ - التصورات الخاطئة عن الحياة:

إنّ أغلب المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية ناجمة عن التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل ، إذ إنّ البعض يعيش في عالم من الأحلام الوردية ، ويتصور بأنّ المستقبل سيكون جنّة وارفة الظلال ، ولكن ، وبعد أن يلج دنياه الجديدة إذا به يبحث عن تلك الجنّة الموعودة ، فلا يعثر عليها ، فيُلقي باللوم على زوجه محمّلاً إياه مسؤولية

٣٠

ذلك ، ويبدأ بذلك فصل النزاع المرير ، الذي يفقد الحياة طعمها ومعناها ، في حين أنّ بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن تحقق على أرض الواقع.إنّ المرأة والرجل في واقع الأمر ليسا ملاكين ، وإنّنا نعيش في أرض الواقع بعيدين عن الجنّة الموعودة ، وعوالم الخيال.

٤ - الخداع:

قد ينشأ النزاع بين الزوجين بسبب بعض الخدع والمكائد التي يحوكها أحد الطرفين ، أو كلاهما ، فمثلاً يقوم الفتى والفتاة ومن أجل جذب الطرف الآخر إليه وإقناعه بالزواج بالمبالغة أو الاختلاق على صعيد وضعه المالي ، أو الأخلاقي.إضافة إلى الوعود الخوّاء التي يطلقانها في الهواء ؛ فإذا دخلا ميدان الحياة وارتفعت جميع الحجب وبرزت الحقائق والاسرار ، عندها يبدأ النزاع أو التفكير بالتخلص من بعضهما.

٥ - الشهوانية:

يسعى أكثر الشباب ومن أجل إرواء غرائزهم إلى الزواج معتقدين أنّ الحياة الزوجية هي مجرد إشباع هذا الجانب فقط ، غافلين عن أنّهم بذلك ينظرون إلى الجانب الحيواني ، الذي لا يمكن أن يكون هدفاً لتشكيل الاسرة ، هذا أولاً ، وثانياً: إنّ هكذا زيجات لن يكتب لها البقاء والاستمرار إذ سرعان ما تنطفىء الغرائز الجنسية ، ومن ثمّ ينهار البناء الذي نهضت على أساسه ، إذ يفقد الزوجان بعد ذلك الرغبة في الاستمرار في الحياة المشتركة بعد إحساسهما بالارتواء الجنسي.

إنّ الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس من التفاهم ، والألفة ، والمحبة ، والتكامل ، وأداء الواجب الإلهي ، حتى يمكن لها الاستمرار والدوام.

٦ - الاقتصار على المظاهر:

ما أكثر الأفراد الذين يخفون حقيقتهم فلا يعرف منهم سوى ظاهرهم فقط ، وما أكثر الذين يبحثون عن المظاهر فقط لدى بحثهم عن شريك لحياتهم ، إذ يقتصر همّهم على الجمال والمستوى الاقتصادي والزي وغير

٣١

ذلك ، حيث تتعدد المطبّات ولكن وبعد دخول الزوجَين عالم الحياة الزوجية ، وحيث تضعهما الحياة المشتركة على المحك ، دائماً تبرز الحقيقة كاملة وتنتهي المظاهر البرّاقة ، ويكتشفان أنّ تلك المظاهر لا أثر لها ولا دور في خلق السعادة المنشودة

إن تعاليم الإسلام الحنيف تؤكد دائماً على أن انتخاب الزوج يجب أن لا يتمّ على أساس الجمال والمال ، وأنّ الدين هو وحده أساس الاختيار في هذه المسألة البالغة الحساسية.

٧ - الاتكاء على المصالح:

نشاهد بعض الأفراد يُقدمون على الزواج انطلاقاً من مصالح معيّنة أو من أجل أن يضعوا أيديهم على الثروة ، وفي مثل هذه الحالات وبعد أن يتحقق هدفهم تنتهي جميع المبررات والأسباب التي أدّت إلى الزواج ، وتبدأ حياة النزاع والاختلافات.

إن الزواج ليس وليد المصلحة ، إنّه أسمى من ذلك ، وهو على حدّ تعبير الآية الكريمة في قوله تعالى:( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) .

٨ - الزواج المفروض:

وهو أخطر حالات الزواج على الإطلاق ، حيث يقوم الوالدان بتزويج الأبناء دون اعتبار لرغباتهم.إنّ مجرد الشعور بالقهر وحده سيدفع بالطرفين إلى الخلاص من هذه القيود ، ووضعها تحت الأقدام.

إن المرء قد يتمكن من إجبار الآخرين على تناول طعام معين ، ولكن سيكون عاجزاً عن إجبارهم على الشعور بالشهية والميل والتلذذ.

ومن المسلّم به ، أنّ أي نزاع ينشب أو خلاف فإن الزوجين سيصبّان لعناتهما على أولئك الذين فرضوا عليهما هذه الحياة وصنعوا لهما هذا الجحيم !

٣٢

ب - عوامل ما بعد الزواج:

فيما مضى ، ذكرنا بعض الحالات والعوامل التي تؤدي إلى اضمحلال الأسرة وتدهورها وهي كما أشرنا تتعلق بفترة ما قبل الزواج ، والتي ينبغي الالتفات إليها ، وأخذها بنظر الاعتبار قبل الإقدام على الزواد وتشكيل الأسرة.

وفي مقابل ذلك ، وكما أشرنا أيضاً ، توجد عوامل وأسباب ترتبط في فترة ما بعد الزواج حيث ينبغي رعايتها هي الأخرى لتلافي وقوع الخلافات ونشوب النزاعات ، ويمكن الإشارة إلى أبرزها.

١ - الجهل بالحقوق المشتركة:

في خضم الحياة المتشابكة للزوجين ينبغي للزوجين معرفة حقوق الطرف الآخر واحترامها ، ذلك أنّ أغلب حالات النزاع إنّما تنجم عن تجاهل أحد الطرفين حقوق الطرف الآخر أو جهله بها.وقد ينشأ ذلك أيضاً من التوقعات غير المحدودة لأحد الطرفين.

إنّ الحياة الزوجية تنطوي على حقوق وواجبات يتوجب على الزوجين رعايتها واحترامها ، وإنّ معرفة هذه الحقوق والواجبات أولاً هي الخطوة الأساس في طريق بناء الأسرة المنشودة.

٢ - غياب التجدد في الحياة المشتركة:

ينبغي على الزوجين السعي لتجديد حياتهما المشتركة ، وشحنها بكل ما يلفت النظر ويجلب الإهتمام.إنّ الشقاء ، والتصدع ، لا يطال الحياة الزوجية إلاّ عندما يشعر أحد الطرفين ، أو كلاهما ، بالرتابة المملّة وأنّه لا شيء جديد.

ينبغي على الزوجين التجدد لبعضهما والظهور بصورة ملفتة للنظر ، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف.

٣ - إخفاء الأسرار:

ينشب النزاع بين الزوجين أحياناً من تعمد الرجل والمرأة الاحتفاظ ببعض

٣٣

الأسرار ، أو القيام ببعض الأعمال التي من شأنها أن تُغضب الطرف الآخر ، كمعاشرة بعض الأشخاص ، أو اعتناق بعض الأفكار ، أو إخفاء بعض الحقائق.

قد ينطوي ذلك على بعض المصلحة ، ولكن ينبغي عدم التغافل عن بعض الأسرار التي تخص الحياة الأسرية ، فحينما تظهر للملأ العام يوماً ما ، عندها سيتضاعف الضرر ، وأساساً فإنّ الإنسان عدو ما يجهل ، وسينصب العداء في النتيجة على الطرف الذي تسبب في ذلك الجهل.

٤ - التدخل في الشؤون الخاصة:

كثيرة هي النزاعات التي تنجم عن تدخل أحد الطرفين في شؤون الآخر.لقد وضع الإسلام نظاماً للحياة الزوجية وعين حدوداً للزوجين وأشار إلى حقوق وواجبات كل طرف منهما ؛ وعليه فإن على الزوجين التحرك في إطار ما رسمه الإسلام لهما ، وأنّ هناك مجالات للتعاون معينة ولا ينبغي التدخل في الشؤون الخاصة إلاّ إذا طلب الطرف المعني ذلك.

قد يحدث التدخل في بعض الأحيان من طرف بعيد كالأقارب والأصدقاء ، فمثلاً: تدخل سيدة ما حياتهما كمرشد ، وتبدأ تدّخلها في شؤون الأسرة ممّا يتسبب في بعض الأحيان في حدوث الخلافات بين الزوجين ، وهذه ظاهرة عامة يعرفها الكثير.

٥ - الإحساس بالحرمان:

ما أكثر أولئك الذين يبنون لأزواجهم ، على أساس من الأحلام والآمال العريضة ، قصوراً كبيرة من الخيال ، وإذا بهم يجدونها مجرد أنقاض وخرائب ، فيشعرون بالحرمان بعد أن عاشوا - كما صورت لهم تلك الأحلام - في قصور فخمة وحياة مرفّهة.وعندما يصطدمون بالواقع المرير يخفون مشاعرهم وراء الستائر مدّة ما ، ولكنّهاا سرعان ما تسقط وتظهر جميع الحقائق ويبدأ النزاع.

٦ - الأنانية:

المشكلة الأخرى التي تعتري الحياة الزوجية وخاصة لدى الشباب ،

٣٤

هي الأنانية ، والسقوط في أسر الأهواء النفسية ، التي تمنعهم من الرؤية الواضحة للأمور ، بل يتعدى الأمر إلى رؤية الحقائق مقلوبة تماماً ، ولو أنّهم خَلَوا إلى أنفسهم وفكروا في سلوكهم وآرائهم ، بعيداً عن روح الأنانية لتكشّفت لهم الحقيقة ، وعندها تضمحل فرص الصِدام والنزاع.

وينبغي للإنسان أن يربّي نفسه على التحمل وطلب الحق والعدالة ، بشرط أن يكون ذلك منذ بدء حياته المشتركة ، وعندها ستصبح هذه الشعارات مَلَكَةً متجذِّرة في روحه.

في الوقت الحاضر:

الماضي لا يعود ، وما تحدثنا عنه يرتبط بأشياء قد حدثت ، ولا سبيل لعودتها والسؤال هنا ماذا يجب أن نفعل ؟ أمامنا ثلاث طرق لا غير: طريق الطلاق ، طريق التحمل والعذاب ، وطريق الإصلاح.

- إنّ طريق الطلاق لا يشكل حلاً مرضياً ؛ نظراً لقدسية الزواج ، الذي يعتبر اتحاداً بين شخصين عن قرار سابق ، ورغبة متبادلة ، وقد تمّ كل ذلك في ظِلال من تعاليم الإسلام وبحكم من الله سبحانه وتعالى ، فالأمر الذي يتم برضا الله لا ينتهي إلا برضاه أيضاً.

- أمّا الطريق الثاني وهو تحمّل الآلام فلا يعتبر حلاً صائباً هو الآخر ، إذ ليس من المنطقي أن يختار الإنسان العيش في جحيم لا يطاق يوقف مسيرته نحو الكامل.

- وأخيراً: الطريق الثالث ، وهو الحل الذين ينشده الإسلام والعقل: طريق الإصلاح والعودة إلى جادة الصواب ، إذ ليس من المستحيل أن يجلس الزوجان للتفاهم وبحث المشاكل في إطار من الموضوعية ؛ لدارسة وضعهما وتشخيص الداء والاتفاق على نوع الدواء المناسب.

في طريق الإصلاح:

لا يمكن بالطبع إجبار الزوجين على الاستمرار في الحياة المشتركة ، أو أن نطلب منهما تبادل الحب ، ولكن من الممكن أن نعرض لهما أسس

٣٥

الحياة المشتركة التي تحظى برضا الله سبحانه ومن ثم نطلب منهما التسليم لها واحترامها.وبالطبع ، فإنّ هذا الأمر يعتبر الحد الأدنى الذي يحقق استمرار الحياة الزوجية في جوٍّ مسالم.

من سوء الحظ أنّ الإنسان يحكّم عواطفه ومشاعره في أكثر المسائل حساسية ومصيرية ، فهو يطلب من الآخرين النزول عند رغباته دائماً ، ولو كان هناك قدر من المحبة والتسامح لمَا كان هناك من أثر للنزاع.

وينبغي للشباب أن يعتبروا ما ورد إنذاراً مبكراً لهم ، قبل أن يَلِجوا عالم الحياة الزوجية ، ينبغي لهم أن يحكّموا وألاّ ينقادوا لأهوائهم الشخصية ، وأن يُحسِنوا الاختيار ، وأن يكون هدفهم الإنسان الذي يمكن التفاهم معه ، لا الإنسان الذي يريد من الأشياء أن تدور في فلكه ومداره.

٣٦

الفصل الثاني

الطموحات اللامحدودة

في غفلة عن الحسابات الواقعية للزواج ، وتأثير البعض وإيحائهم أحياناً ، تنطلق في نفس الرجل أو المرأة طموحات لا حدّ لها ، إذ يتصور أحدهما أنّه سيحقق في ظل الزواج جميع طموحاته دون حساب ، وأن الحياة ستكون مفروشة بالرياحين ، غافلاً عن أن الدنيا لها حسابها الذي يختلف عن حساباته.

هناك بعض الطموحات المعقولة والمحسوبة ، وهذه مسألة منطقية لا يعترض عليها أحد ، لكن هناك من الطموحات ما لا يمكن أبداً تحققه على أرض الواقع.وإذن ، فينبغي الكف عنها.

الطموحات اللامعقولة:

لا يمكن استقراء جميع الطموحات الخيالية ، وسيكون عدّها مسألة في غاية الصعوبة ، وسنكتفي في هذا البحث بالإشارة إلى أهمها كظاهرة عامة.

١ - الملائكية:

ربّما تثير هذه المسألة الضحك ، عندما يطمع الرجل أو المرأة وخاصة في أوساط الشباب أن يكون الزوج ملاكاً بعيداً عن كل أشكال الخطأ ، ولهذا فهو معرّض للحساب واللوم دائماً.

إنّ تصور الزوج أو الزوجة ملاكاً قادماً من السماء لأمر غير منطقي تماماً.نحن نعيش في عالم البشر لا في عالم الملائكة ، ومن يعيش في هذا العالم لا بد أن يخطىء أو يصيب.فالإنسان مزيج من صفات متعددة ، ومن أجل خصاله الطبيعية ينبغي أن نغفر له أخطاءه ، أو نغض الطرف عنها.

٣٧

٢ - المستوى العلمي:

وهذه ظاهرة نشاهدها لدى الكثير ، حيث نجد فرقاً بين المستوى العلمي للرجل والمرأة ، وربما ظن بعضهم أنّ الحياة فصل من فصول المدرسة يجلس فيه الزوجان للبحث والمناقشة والجدَل ، وقد يتصور أحدهما أنّ السعادة تكمن في ظلال شهادة الدبلوم أو الدكتوراه.وفي هذه الحالة كان من الواجب على أولئك أن يفكّروا في ذلك من قبل ، أو أن يهيئ أحد الطرفين الظروف المناسبة لتقدم زوجه في هذا المضمار.

٣ - النظام الدقيق جداً:

نشاهد لدى البعض من الأزواج نوعاً من الوسواس - إذا صح التعبير - في النظام ، وإصرارهم على أن يكون كل شيء في مكانه ، ولذا قد ينشب النزاع حول بعض التفاصيل اليومية ، كعدم وجود القلم - مثلاً - فوق المنضدة وهلمّ جرا. صحيح أنّ الحياة تحتاج إلى قدر من النظام والبرمجة ، غير أنّ هناك فرقاً بين الأسرة ومعسكرات الجيش.

٤ - الاستسلام الكامل:

ينظر البعض ومع الأسف إلى أزواجهم على أنهم عبيد وأرِقاء ، وعليه فإنّهم مطالبون بتنفيذ ما يصدر إليهم من أوامر دون نقاش ، وهذه النظرة بالطبع تفتقد إلى الحس الإنساني ، ولا ينبغي أن يشعر الإنسان بالسعادة إذا تمكن من تحقيق ذلك ؛ ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها الزوج إذا حوّل زوجته إلى مجرد جارية ؟ وما هو النفع الذي تجنيه الزوجة إذا تحول زوجها إلى عبد ؟ أليس هذا نسفاً لمعنى الحياة ؟!.

٥ - التشديد في السيطرة:

إن معاني الحياة تكمن في الحرية ، وبالرغم من طموح الإنسان لأن يعيش حراً فإنّه يعمد إلى محاولة استعباد الآخرين ، كما يفعل ذلك بعض الأفراد بعد زواجهم ، إذ يحاولون ، وبإصرار ، مراقبة كل شيء بدِقّة ضباط

٣٨

التحقيق ، حيث البيت الزوجي في نظرهم منزل زاخر بالأسرار التي ينبغي الكشف عنها.إنّ مثل هذه الرؤية المشوّهة لا بدّ وأن تقود إلى الاصطدام والتنازع.

٦ - الإغراق في الاحترام:

الاحترام المتبادل بين الزوجين مطلوب ولا يحتاج إلى نقاش ، ولكن لكل شيء حدوده الطبيعية ، فإذا تعدّاها فقد معناه وفائدته ، كما أنّ الحياة الزوجية حياة تنبض بالعفوية والمحبة ، ولا تتناسب مع الرسميات والتشريفات التي يمكن تحملها ساعة أو ساعتين ، أمّا الحياة المشتركة التي تمتد بامتداد العمر ، وتتسع لتشمل الحياة كلها ، فلا تنسجم مع الرسميات التي تتناقض مع الحب والعلاقة الحميمة المشتركة.

٧ - العمل والسعي الفائقان:

هناك بعض النسوة اللائي ما أن يصل أزواجهن من العمل حتى يجرجرنهم إلى عمل آخر.فمثلاً تلقي المرأة طفلها الرضيع في أحضانه للقيام على راحته وشؤونه ، غافلة عن أنّ زوجها قد وصل تواً من عمل مرهق ، وأنّه يحتاج إلى قدر من الراحة.

أو نشاهد بعض الأزواج ما أن يضعوا أقدامهم في البيت حتى يطلبوا من نسائهم توفير جميع وسائل الراحة ، غافلين عن هذه الحقيقة وهي: أن الزوجة كانت تعمل منذ الصباح في إدارة المنزل ورعاية الصغار !

٨ - وأخيراً ، فإنّ هناك بعض الأفراد الذين يتمنّون نوعاً من السعادة قد رسموها في أذهانهم ويطلبون من الآخرين ممّن يشاركونهم حياتهم أن يكونوا لهم خدم في ذلك.فهم ينشدون حياة تطفح بالنجاح الكامل والدائم ، بناءً على نظرياتهم الخاصة ، وعندما يحدث قصور في ذلك فإنهم يحمّلون الآخرين مسؤولية الفشل في ذلك ، ومن ثمّ تبدأ حياة النزاع.

منشأ الطموحات:

وللسؤال عن منشأ هذه الطموحات الخيالية التي تجرّ الحياة الزوجية

٣٩

إلى أُتون النزاع والخلاف ، هناك أسباب عديدة تشكّل بمجموعها الإجابة عن هذا التساؤل.

١ - الأنانية:

ما أكثر الأفراد الذين ، وبسبب تربيتهم الخاطئة حيث ينشأون على الدلال ، تترسخ في نفوسهم نزعة السيطرة اعتقاداً منهم بأنّهم في مكانة رفيعة تؤهلهم لفرض رأيهم على الغير ، ولذا فهم يمتازون بالعناد والغرور حتى في مقابل الحق.وهذا التوجه في فرض آرائهم على الطرف الآخر يقود إلى النزاع بلا شك ؛ ذلك أنّ الآخرين ليسوا على استعداد للتنازل والاستسلام لرغباته.

٢ - الوعود القديمة:

ربّما نشاهد بعض الأزواج من الشباب في حالة من النزاع والخلاف الدائمين ، دون أن نجد سبباً واضحاً لذلك سوى الوعود القديمة التي ظهر زيفها وبطلانها فيما بعد.فالوعود التي بنيت عليها الآمال العراض تنتهي إلى لا شيء ، والينبوع العذب لم يكن سوى سراب بعيد.وفي مثل هذا الحالة لا يمكن أن نتوقع سكوت الطرف المعنيّ ، أو أن ننتظر أن يغضّ طرفه عن ذلك ، وهكذا يتفجر النزاع.

٣ - التحريض:

نشاهد ، في بعض الأحيان ، نساءً يعرن آذاناً صاغية لبعض الأفراد الماكرين ، ويتأثّرن بأحاديثهم المعسولة التي تحوي في طياتها السمُّ الزعاف ، وإذا بالزوجة تتغير تجاه شريك حياتها ، وإذا بالزوج يتغير تجاه زوجته ، كل هذا يحصل جراء حديث تافه ، كأن يقول أحدهم للمرأة ، مثلاً: يا للأسف لحياتك التي تضيع هباءً مع هذا الرجل ، وكان من الأجدر بك أن تعيشي مع رجل له كذا ، وكذا ، ومعه كذا وكذا !! وغير ذلك ، ممّا يترك آثاره السلبية لدى المرأة ، وبالتالي يظهر الفتور في حياة الزوجين وعلاقتهما.

٤٠