القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي0%

القرآن وإعجازه العلمي مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 176

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف: محمد اسماعيل ابراهيم
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 38716
تحميل: 9136

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38716 / تحميل: 9136
الحجم الحجم الحجم
القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف:
العربية

القرآن وإعجازه العلمي

محمد اسماعيل ابراهيم

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

القرآن وإعجازه العلمى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدمة

لا أرانى في حاجة إلى التأكيد على من يطالع هذا الكتاب أننى أعددته رغبة منى في إثبات إعجاز القرآن بأى وجه من الوجوه، لان إعجازه حقيقة ثابتة وقضية واضحة وضوح الشمس منذ أن نزل القرآن على النبى معجزة كبرى تحدى بها البلغاء والحكماء وأهل الكتب السماوية فعجزوا عن تحديها وأقروا بصدقها وتساميها، ويكفى للدلاله على علو شأنها قوله تعالى:(وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وقوله تعالى:(قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)، وها هى القرون تلو القرون تمر، وها هى العلوم قد إزدهرت والفنون قد أينعت؟ ولم يقدر أحد أن يأتى بمثل هذا الكتاب في أسلوبه أو منهجه أو هديه.

وغاية قصدى من وضع هذا الكتاب أو قصد غيرى مما كتبوا على نسقه وفى موضوعه من العلماء الاجلاء في إعجاز القرآن إنما كان أولا وقبل كل شئ للتشرف والاستمتاع بالنظر في كتاب الله بعين الاجلال والاعظام والايمان بقداسته، ثم للاشادة بسموه وروعته والتذكير بعلو مكانته بين الكتب السماوية

٣

الاخرى فقد حفظه الله من أى تبديل أو تغيير في نصه أو رسمه تحقيقا لقول الله تبارك وتعالى:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) بل إنه جل شأنه كرم هذا الكتاب فقال:(لا يمسه إلا المطهرون) فليس بعد ذلك غاية لتكريم أو تعظيم هذا القرآن المجيد.

واعتقادى أن أى محاولة من البشر لاظهار عظمة القرآن وقدسيته إنما هى وليدة رغبة إيمانية مخلصة فيها ما يشبه التأسى بموقف نبى الله إبراهيمعليه‌السلام وهو خليل الله عندما قال بروح الواثق من قدرة الله تعالى:(رب أرنى كيف تحيى الموتى، قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبى).

والقرآن المجيد حافل بالكثير من الآيات الدالة على علم الله المحيط بكل ما في الكون من مخلوقات وكائنات وما فيه من نواميس وسنن وقوانين أوجدها سبحانه خاضعة لارادته وأمره، وقد نزلت هذه الآيات الكونية وغيرها من آيات الاعجاز العلمى في وقت لم يكن أهل الجزيرة العربية ومن حولها من الاقطار على علم بأسرارها فلما تقدم الانسان وازدادت علومه ومعارفه بدأت آيات القرآن تظهر أمام بصيرته بمعانيها العلمية الباهرة، وتكشف عن إعجازها الرائع.

والمسلمون يعيشون الآن في عصر زاهر بالعلم وقد بهرهم فيه ما وصل إليه أهل أوروبا وأمريكا من تفوق ظاهر في العلوم والفنون والآداب وبخاصة علم التكنولوجيا وقد سبقوا فيها الدول الاسلامية بأشواط بعيدة الامر الذى جعل ضعاف العقول يسيئون الظن بالاسلام ويحسبون أنه سبب قصورهم وتخلفهم في ذلك المضمار، وهم في ذلك الوهم نسوا أو تناسوا أن الدين الاسلامى بقرآنه المجيد وسنته المطهرة هو الذى خلق من العرب أهل البادية خير أمة أخرجت للناس وأسسوا أعظم الدول وأرقى الحضارات وأكثر الاصول العلمية التى اقتبس أهل الغرب منها علومهم وفنونهم.

٤

وواجب كل مسلم ألا يختلط عليه الامر في حقيقة كل من الدين والعلم، أو أن ينظر إليهما على اعتبار أن كلا منهما مستقل عن الآخر، إذ الواقع أنهما صنوان متكاملان أصلا ومتحدان غاية ومنهجا لخدمة البشرية، فلا الدين يجافى العلم ولا العلم يعارض الدين، بل إن الدين بدوره يحض على طلب العلم والاستزادة منه، كما أن نور العلم يظهر لنا ما في الدين من جلال وبهاء وسمو روحى.

والقرآن كتاب الله المجيد الذى يجب على المسلمين أن يحرصوا على حفظه كله أو بعضه عن ظهر قلب والعمل به بحيث يكلف الآباء أبناء‌هم منذ نعومة أظفارهم باستظهار قصار سوره، ويكلف الشباب بتلاوته دائما وفهمه، كما يجب ألا يتوانى الكهول عن دراسته وتطبيقه في حياتهم قولا وعملا، لان القرآن هو الكتاب الجامع لكنوز العلم النافع وهو الدستور الهادى إلى الطريق المستقيم وأن اتباعه نصا وروحا هو الوسيلة العملية الموصلة إلى سعادة الدارين.

وقد نشط علماء الدين على مر العصور واجتهدوا في فهم القرآن والتدبر في آياته وتفسيرها وألفوا في ذلك كتبهم القيمة التى تعتبر من أجل وأبرك ما تركه السلف للخلف، ولكن أغلب ما صدر عنهم من التفسير يدل على أنهم نظروا إلى للقرآن على أنه كتاب دين وهداية وتهذيب وترغيب وترهيب دون تعمق فيما انطوى عليه من معانى علمية أخرى أبعد غاية وأجل شأنا، وقد عنيت الاجيال التالية للسلف الصالح بإعادة النظر في القرآن في ضوء ما كان يجد في مجال العلم الحديث من تطور وتقدم في كل عصر.

وفى عصرنا الحديث أخذت دولة العلم تزداد إتساعا وعمقا في أبحاثها وتنوعا في موضوعاتها، وذلك بفضل الطرق التى استحدثها الانسان في الكشف عن الحقائق بالمشاهدة والملاحظة والمقارنة واستعمال الاجهزة والمجاهر والمختبرات وإجراء

٥

التجارب حتى تمكن بذلك من الوصول إلى نظريات وقوانين وعلوم وفنون لم تكن موجودة من قبل في معارف من سبقوه من العلماء والباحثين.

وعندما جدد العلماء النظر في القرآن الكريم وحاولوا فهمه فهما عصريا وتفسيره في ضوء هذه العلوم الحديثة ظهر بوضوح أن آيات القرآن الكريم لها معان أوسع وأشمل مما فهم العلماء السابقون منها، وتبين بجلاء أن القرآن الكريم جاء بكثير من حقائق الكون ونواميسه وأصول العلوم الحديثة قبل أن يهتدى الانسان إلى معرفتها بمئات السنين وهذا هو الاعجاز كل الاعجاز الكامن في القرآن وأسرار آياته.

وهكذا يتجلى لنا الدين الاسلامى بقرآنه المجيد وسنة المطهرة وكأنه كنز العلوم والمعارف لانه متصل أشد الاتصال بالعلم قديمه وحديثه، وأنه ليس بمعزل عن الحياة ومشاكلها وتطوراتها، وأنه ما جاء ليعادى العلم وأهله وإنما جاء ليقدم للبشرية منتهى العلم وأنفعه ويقودها إلى طريق الحق واليقين في كل أمر من أمور ديننا ودنيانا، وهو بذلك يؤكد ويحقق قول الله تعالى:( مَا فَرَّطْنَا فِي الْکِتَابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) .

(سورة الانعام آية ٣٨) وتحدثا بنعم الله علي أذكر أننى بعد أن قمت بعون من الله بتأليف كتابى(معجم الالفاظ والاعلام القرآنية) وجدتنى راغبا بل مشدودا ومساقا إلى خدمة كتاب الله مرة أخرى في محاولة ترادونى أن أكتب في إعجاز القرآن العلمى على قدر بضاعتى الضئيلة في هذا المجال وقد عزمت وتوكلت مستعينا بحول الله وقوته وبما ألفه العلماء في ذلك، أملا في أن يكون في عملى هذا ما يزيد القارئ للقرآن علما بجلال حقائقه وروعة أسراره وأن يمحو الله به الغشاوة عن أعين الذين عميت أبصارهم عن أنواره، وطمعا في أن بزيل به ظلمات الشكوك والريب

٦

من قلوب الذين كفروا بما جاء في هذا الكتاب من الحق ويهديهم إلى سواء السبيل.

ومما يشجعنى على تأليف هذا الكتاب أنى آنست في كثير من شبابنا المثقف رغبة ملحة في استجلاء معانى الآيات القرآنية بفهم عصرى وميلا إلى الاستزادة من أسرارها ومراميها، وهذه ظاهرة تدعو إلى الاستجابة لها والحث على دوامها وتشجيعها وأرجو أن يقابلها العلماء ورجال الدين من ائمة الدعوة إلى الله تعالى بكل ترحيب وإهتمام وأن يرووا ظمأ الظامئين من فيوض القرآن العذبة وأرجو الله أن يجعل من كتابى هذا منهلا سائغا رويا لمن يطالعه بوعى سديد.

وإنه من المفيد لمن يقرأ هذا الكتاب أن يتعرف على محتوياته واتجاهاته فهو يشمل الابواب الثلاثة الآتية:

الباب الاول : وفيه تمهيد لزيادة التعريف بالقرآن والتأكيد على أنه كتاب الله الذى لا ريب فيه والذى يأمر الشرع بتلاوته.

إظهار موقف العرب من القرآن وقت نزوله وتصديهم له بالتكذيب والحجود.

الباب الثانى : وفيه بيان عن سبب نزول القرآن معجزة معنوية دون غيرها.

من المعجزات الحسية التى كانت لغيره من الانبياء.

عرض لعلم تفسير القرآن والادوار التى مر بها في مختلف العصور.

الباب الثالث : وفيه طائفة من الآيات التى تدل على إعجازها العلمى مع تفسيرها الدينى أولا ثم شرحها في ضوء العلوم الحديثة بفهم عصرى لها.

٧

وقد إقتضى هذا الباب الاخير الاهتمام بعرض موجز لبعض مبادئ العلوم الحديثة في أبسط أسلوب ومن غير تعمق في تفصيلاتها لبيان توافقها وتطابقها مع منهج القرآن إذا إقتضى الامر زيادة الايضاح.

ولا يسعنى وأنا أختم هذه المقدمة إلا أن أحمد الله حمدا كثيرا، وأثنى على فضله ثناء جميلا على ما أولانى من إتاحة الفرصة لتحقيق أمنية عزيزة على نفسى كنت أتمناها لاعداد هذا الكتاب وطبعه ونشره عسى أن يكون لى من وراء ذلك ما أنشده وهو إظهار أقباس من نور القرآن في إعجازه العلمى الذى أعتقد أن كثيرا من المتعلمين المتقين يتطلعون إلى استجلاء أسراره العليا لكى يحققوا لانفسهم مزيدا من العلم والايمان ومزيدا من التمكن والعرفان ببعض ما جاء في آيات القرآن من إعجاز علمى غاية في الروعة والبيان، ولعل في مطالعة غير المسلمين لها ما يحملهم على الايمان بالقرآن وأنه كتاب الاسلام حقا وصدقا.

ولابد لى وأنا أقدم كتابى هذا أن أقول وحق أن ليس لى فيه من فضل يذكر في تأليفه أكثر من أنى تتبعت آيات الاعجاز العلمى: بالبحث والتنقيب عنها ثم جمعها والتنسيق لها، ثم عرض ما قطفته من ثمرات العلماء الاجلاء وآراء الخبراء النجباء الذين كان لهم فضل السبق في فهم القرآن وتفسير آياته في ضوء العلوم الحديثة التى هدى الله عباده إلى وضع قواعدها وهى العلوم التى أصبحت حقائق لا يعتورها شك لان العلماء كرسوا حياتهم في بحثها ودارستها بالفحص والتجريب حتى صارت لهم حصيلة تزداد نماء ورسوخا وتنوعا وتفرعا، وصارت لها مع آيات الله توافق عجيب وتطابق رائع حقا.

وهناك حقيقة أخرى في هذا الاعجاز العلمى المشهود في قرء‌اننا وهو أن هذا الاعجاز لم ينته بعد بل هو قائم وممتد على طول العصور القادمة، وسوف تشهد

٨

القرون المقبلة من إعجاز القرآن آفاقا جديدة لان الشواهد دلت على أنه كلما تقدم العلم وتعمق الانسان في بحوره يجد مع كل ظاهرة علمية كانت في طى الخفاء أن لها أصولا في القرآن سابقة عليها، وسوف يبقى هذا السبق سمة ملازمة للقرآن ومستوعبة لكل ما سوف تأتى به العلوم على مدى الازمان، وفى هذا ما يؤكد ويحقق قول الله تبارك وتعالى:( سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) .

وإنى أدعو الله الكريم أن يقبل عملى هذا قبولا حسنا وأن يجعل منه كتابا ينطق بالصدق ويدعو إلى ذكر الله والتذكير بجلاله وعظمته وأن يحيى به قلوب من قرأه بوعى وانتفع به في دينه ودنياه، وتأكد أن كل ما يدعوا إليه هو التدبر في ملك الله بقلب سليم.

والله الهادى إلى سواء السبيل؟ المؤلف محمد اسماعيل ابراهيم ٢٢ شارع المنتزه بالزمالك بالقاهرة

٩

١٠

١١

الباب الاول: القرآن

( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) (سورة البروج آية ٢١)

القرآن الكريم هو كلام رب العالمين نزل به الروح الامين على خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد لهداية الناس أجمعين، وقد جاء معجزة خالدة تحدى بها الاسلام العرب فعجزوا عن مجاراتها فيما حوت من إعجاز في نظمها وأسلوبها وما اشتملت عليه من روائع الشرائع والحكم والعلوم والامثال، وإن أفضل استهلال لموضوع هذا الكتاب هو أن نبدأ بذكر بعض ما ورد من وصف للقرآن في كتاب الله الكريم وما جاء في سنة رسوله العظيم عنه، وما نطق به لسان الحق من الخلق أجمعين تمهيدا للتعريف بجلال القرآن وحقيقة قدسيته، ثم نشفع ذلك بما يجب معرفته بالضرورة من أنه معجزة الاسلام الكبرى: آيات من كتاب الله تعالى في وصف القرآن: يقول الله تبارك وتعالى في أول سورة البقرة تعريفا بالقرآن:( ألم، ذٰلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‌ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) .

ويقول سبحانه وتعالى في أول سورة الكهف:( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْکِتَابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ، قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاکِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) .

ويقول جل من قائل في سورة المائدة آية - ١٦:

١٢

( قد جاء‌كم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) .

وقال تعالى في سورة الانعام آية - ١٥٥:( وَ هٰذَا کِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَکٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ ) .

وقال تعالى في سورة فصلت آية(١ - ٤):( حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌ کِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ‌ ) .

ما جاء في أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن القرآن:(أفضل عبادة أمتى تلاوة القرآن)(القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم)(نوروا منازلكم بالصلاة وتلاوة القرآن)(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(أهل القرآن أهل الله وخاصته)(وهم الحافظون له والعاملون بما فيه)(إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، فقيل يا رسول الله وما جلاؤها؟ فقال:(تلاوة القرآن وذكر الموت)(ما من أحد يعلم ولده القرآن إلا نوج يوم القيامة بتاج في الجنة) وفى حديث طويل للرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال:(ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قيل يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله

١٣

تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن أتبع الهدى من غيره أضله الله فهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذى لا تزيغ به الاهواء، ولا تلتبس به الالسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الاتقياء، ولا يخلق على كثرة التكرار، ولا تنقضى عجائبه، وهو الذى لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا:(إنا سمعنا قرآنا عجبا) من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم).

وفى خطبة من خطبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:(إن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنة سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن).

وعن عبدالله بن مسعودرضي‌الله‌عنه قال:(قال لى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقرأ القرآن) قال:(فقلت يا رسول الله أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال:(إنى أشتهى أن أسمعه من غيرى).

أقوال بعض العلماء في القرآن: ذكر السيوطى في تعريف القرآن: إن القرآن إنما صار معجزا لانه جاء بأفصح الالفاظ في أحسن نظم التأليف متضمنا أصح المعانى من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته، ودعائه إلى طاعته، وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم؟ وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم، وأمر بمعروف ونهى عن منكر وإرشاد إلى محاسن الاخلاق وزجر عن مساويها، واضعا كل شئ منها موضعه الذى

١٤

لا يرى شئ أولى منه، ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعا أخبار القرون الاولى الماضية، وما نزل من مثلات الله بمن مضى، وعائد منهم منبئا عن الكوائن المستقبلة والاعصار الآتية من ذلك، جامعا في ذلك بين الحجة والمحتج له، والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك أكد اللزوم ما دعا إليه وأنبأ عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.

وقال بعض العلماء عن مضمون القرآن أنه اشتمل على أنواع من الاعمال كلف الله بها عبادة للقيام بأدائها وهى: أولا: معاملة بين الله والعبد وهى العبادات التى لا تصح إلا بالنية، ومنها عبادات محضة وهى الصلاة والصوم، وعبادة مالية اجتماعية وهى الزكاة، وعبادة بدنية اجتماعية وهى الحج وقد اعتبرت هذه العبادات بعد الايمان أساس الاسلام.

ثانيا: معاملة بين العباد بعضهم مع بعض وهى أقسام منها:

(ا) مشروعات لتأمين الدعوة بالجهاد بالنفس والمال في سبيل الله.

(ب) مشروعات للاسرة وهى ما يتعلق بالزواج والطلاق والمواريث.

(ج) مشروعات لبيان المعاملة بين الناس من بيع وإجارة وهى بالمعاملات.

(د) مشروعات لبيان العقوبات على الجرائم وهى القصاص والحدود.

وقد عرف الاستاذ فريد وجدى مقاصد القرآن بقوله:(القرآن وحى إلهى نزل به الروح الامين جبريل على قلب رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون للعاملين نذيرا وبشيرا، وعقيدتنا معشر المسلمين أنه الكتاب الجامع لاشتات الحكم ومتفرقات الاصول، وأنه فيه خلاصة سائر الكتب السماوية المتقدمة وأنه

١٥

جاء بالناموس الاعظم لكمال الحياتين الدنيوية والاخروية، وأنه آخى بين طبيعتى الانسان الجسدية والروحية، وأنه أنزل للعالمين أجمعين وروعيت فيه مصالحهم على قسطاس مستقيم، ولا جرم أن كتابا هذا شأنه لابد أن يكون راميا إلى قصد ومتوخيا في تعاليمه دستورا، ولابد أن يكون قد وعد وأوعد، وبشر وأنذر، ورغب ونفر، وبنى وهدم، وقوى ووهن، ووصل وقطع، وسلك لكل ذلك مسالك خاصة أدته إلى المكانة التى بلغها في نفوس الآخذين به قديما وحديثا.

القرآن آخر الكتب السماوية: جاء في بعض الآثار عن عدد الصحف السماوية المنزلة ما روى عن أبى ذر الغفارى قال:(قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل على أنبيائه؟ قال الرسول: مائة صحيفة وأربعة كتب، فقد أنزل على آدم عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان(وهو القرآن) وقد نزلت الكتب المقدسة جميعها دفعة واحدة إلا القرآن فقد نزل منجما أى مفرقا.

فالقرآن آخر الكتب السماوية أنزله رب العزة جل جلاله على خاتم أنبيائه ورسله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ثبت نزوله بكل من الدليلين العقلى والنقلى، أما الدليل العقلى فهو ما تضمنه هذا الكتاب من وجوه الاعجاز الذى تحدى الانس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عجزا مطلقا وما يزال التحدى قائما إلى يوم القيامة.

وأما الدليل النقلى فهو ما نقله إلينا السلف الصالح الذين عاشوا في زمن النبى وعاصروه، فقد ثبت بالتواتر الذى لا يرقى إليه شك أن القرآن كلام الله الذى

١٦

كان ينزل على النبى ويوحى إليه به بمرأى ومسمع من عشيرته وصحابته المعاصرين والملازمين له، وكان النبى يأمر كتاب الوحى أن يسجلوا آياته فور نزولها على رقاع من العظم أو الجلد أو الجريد أو الحجارة وعلى كل ما كان ميسورا وصالحا للكتابة عليه وقتئذ.

موقف العرب إزاء الدعوة الاسلامية والقرآن: لم يجد النبى من العرب عامة ومن قريش خاصة عندما أعلن دعوته بدين الاسلام سوى الصد والتكذيب والسخرية والاستهزاء والايذاء، فقد رموه بالكهانة تارة وبالجنون تارة أخرى، كما أعلنوا التنكر للقرآن وقالوا عنه إنه سحر مفترى، وقد تعرض النبى وكل أتباعه من المؤمنين لاشد ألوان الاذى والاعتداء ولم يثنه ذلك عن مواصلة جهاده وإعلان دعوته للتوحيد والحط شأن معبوداتهم من الاصنام والاوثان، وقد حاولوا أن يصرفوه عن دعوته بكل وسائل الارهاب وبالوعد والوعيد فكان يرد عليهم قائلا:(إن الله بعثنى رسولا وأنزل علي كتابا، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فإن تقبلوا منى ماجئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه على أصبر لامر ربى حتى يحكم بينى وبينكم).

استعانة قريش باليهود في معارضة النبى وتحدى القرآن: استعان القرشيون في معارضة الدعوة الاسلامية وقرآنها بأحبار اليهود لانهم أهل كتاب يدعو للتوحيد لعلهم يجدوا لديهم أدلة يدحضون بها ما أنزل من الوحى على النبى، وكان اليهود يومئذ من ألد أعداء الاسلام ورسوله لانهم

١٧

يعتقدون أن النبى المنتظر سيكون من بنى إسرائيل لا من العرب، فأوعز اليهود لقريش أن يسألوا النبى عن ثلاثة أشياء فإن أخبرهم بهن فهو نبى مرسل، وإن لم يجب عنها فهو مدع منتحل للنبوة، وقالوا سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول، وعن رجل طواف، وعن الروح، وقد نزل الوحى بالاجابة عن هذه الاسئلة بأن الفتية الذين ذهبوا في الدهر هم أهل الكهف، وقد ذكر القرآن قصتهم، وأن الرجل الطواف هو ذوالقرنين المذكورة قصته أيضا في القرآن، أما عن الروح فكانت الاجابة عليها قوله تعالى:(الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

عناد قريش وتخبطهم في تكذيب القرآن: لقد كانت قريش أحرص الناس على إطفاء نور القرآن والطعن في إعجازه والسعى في إخفاء حقائقه وإبعاد تأثيره القوى في نفوس من يسمعه عن القبائل وذلك بالدعايات الكاذبه، ولو كان في مقدروهم معارضة القرآن والاتيان بشئ من مثلة لفعلوا، ولكنهم قالوا عن القرآن إنه سحر كما جاء ذلك في قوله تعالى:( وَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ کَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ‌ ) (سورة الاحقاف آية - ٧) ثم قالوا عن القرآن إنه شعر شاعر فرد القرآن عليهم بقوله تعالى:( وَ مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَ مَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ‌ ) (سورة يس آية - ٦٩) ثم عادوا فقالوا أنه أساطير الاولين علمها له غيره من العارفين بها فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله:( وَ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اکْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُکْرَةً وَ أَصِيلاً ) (سورة الفرقان آية - ٥) وقد اتهمه بعضهم بالجنون فرد القرآن عليهم بقوله تعالى:( وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ، بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ‌ ) :(سورة الصافات آية - ٣٦، ٣٧).

١٨

شهادة الوليد بن المغيرة أبلغ فصحاء العرب في القرآن: أعيت الحيل القرشيين في محاربة القرآن بتكذبيه وإطفاء نوره والحد من تأثيره في قلوب سامعيه فاجتمعوا عند الوليد بن المغيرة أحد بلغاء العرب يتشاورون فيما يمكن عمله لابطال سحر البيان في هذا القرآن العجز الذى كانت وفود القبائل الآتية إلى مكة للحج تستمع إلى النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يرتله فيبلغ تأثير القرآن أعماق نفوسهم ويروعهم أسلوبه ومعناه، وحارت قريش في أمرها وكيف يصدون هذه القبائل عن الاجتماع بمحمد والاستماع لرسالته فكانوا يقولون لهم مرة إنه كاهن، ومرة أخرى يقولون عنه أنه ساحر ومرة ثالثة يقولون عنه إنه شاعر ولكن عقلاء القبائل ما كانت في قرارة نفسها تصدق هذا الكلام المناقض لجلال ما يسمعون من آيات القرآن والذكر الحكيم.

وأخيرا استقر رأى قريش أن يوزعوا أنفسهم عند مفارق الطريق الموصلة إلى مكة ويجلسون عند مداخلها لمقابلة القادمين وتحذيرهم من مقابلة محمد أو الاستماع إلى حديثه وقرآنه، ولما كانت قريش مسموعة الكلمة في العرب فكان كثير من هؤلاء الوافدين ينقادون لرأيهم، وكان الوليد بن المغيرة أشد المؤمنين بأن ما يتلوه محمد من القرآن حق لا ريب فيه، وكان يقول لقومه عن القرآن:(إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه، وكان ينصح قومه أن يتركوا محمدا وشأنه لانه توسم مجسه المرهف أن دعوة محمد ستكون لها شأن وأى شأن.

معجزة النبى الكبرى هى القرآن: إن كلمة القرآن لفظ مشتق من مادة قرأ وهى أول كلمة نزل بها الوحى على النبى في غار حراء إشارة إلى مكانة القراء‌ة التى هى السبيل إلى العلم وسر التقدم

١٩

والارتقاء في الحياة وكانت معجزة النبى هى القرآن الذى كان يتلوه المسلمون في حياته والذى سوف يتلوه من بعده ألوف مؤلفة لا حصر لها إلى يوم القيامة ولم تكن معجزته معجزة مادية محسوسة كمعجزات الانبياء السابقين وقد طالبه قومه بإلحاح بمعجزة حسية ملموسة حتى يؤمنوا برسالته، والقرآن يقص علينا ذلك في قوله تعالى في سورة الاسراء - آية ٩٢.

( لن تؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء علينا كما زعمت كسفا، أو تأتى بالله والملائكة قبيلا، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا تقرأه ) فكان الجواب على هذا التحدى أن قال الرسول بأمر الله(قيل سبحان ربى ! هل كنت إلا بشرا رسولا؟) وكان هذا هو الجواب المفحم بالحق والصدق أمام تعنت المتعنتين المطالبين بالبراهين المادية.

لماذا كانت معجزة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هى القرآن؟ إن السر في أن يكون القرآن هو معجزة النبى الكبرى تتجلى في أنها المعجزة المعنوية القدسية ذات الاسرار الروحية المتصلة بالملا الاعلى، وأن فيه علوما وفيوضات آلهية جعلته الكنز الربانى الخالد على الدهر وأن له البقاء والنماء المعنوى والروحى ما دامت الالسنة ترتل آياته والقلوب تخشع عند سماعها والجلود والجوارح تلين وقت التأثر بها، ولم تشأ إرادة الله الحكيم العليم أن يجعل معجزة النبى معجزة مادية حسية كما كانت معجزات الانبياء من قبل عندما ظهرت للعيان ثم اختفت لانها عاشت في ذاكرة الناس مع حياة أنبيائها فقط، فلما ذهبوا ذهبت وانطوت بموتهم، وإنما أرادها الله لنبيه محمد أن تكون معجزته قرآنا خالدا على الدهر، وتبقى معجزة حية ما دام النبى حيا وأن تظل كذلك حية بعد موته

٢٠