القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي0%

القرآن وإعجازه العلمي مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 176

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف: محمد اسماعيل ابراهيم
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 38718
تحميل: 9136

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38718 / تحميل: 9136
الحجم الحجم الحجم
القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف:
العربية

تفسير رجال الدين: يا بنى آدم خذوا زينتكم من اللباس المادى الذى يستر العورة ومن اللباس الادبى وهو التقوى عند كل مكان للصلاة، وفى كل وقت تؤدون فيه العبادة، وتمتعوا بالاكل والشرب غير مسرفين في ذلك فلا تتناولوا المحرم، ولا تتجاوزوا الحد المعقول من المتعة، إن الله لا يرضى عن المسرفين.

النظرة العلمية: يرى علماء الطب أن الآية تبصر الناس بضرر الاكثار من الاكل والشرب لان الطب الحديث يقول إن للجسم حاجته المحدودة من الطعام والشراب والكافية لعملياته الحيوية فإن زادت عن ذلك زادت أعباء الجهاز الهضمى وإرهاقه، وزادت فضلاته ومخلفاته التى قد تتراكم في الجسم وتلقى عبئا على الاجهزة الاخرى المختلفة فتجهد الكبد والقلب والكلى، كما أن الافراط في الاكل يسبب التخمة التى تساعد على ظهور أمراض كثيرة مثل تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم والنقرس والروماتزم وأمراض القلب.

ويجب أن يعمل الانسان بقول الرسول: حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه.

ولنا في الصوم خير علاج لتطهير الجسم من شرور الافراط في الاكل والشرب.

وقال تعالى في سورة الرحمن آية - ٦٢ - ٦٨:( وَ مِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ‌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ‌ مُدْهَامَّتَانِ‌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ‌ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاکِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ‌ )

١٦١

تفسير علماء الدين: ومن دون الجنتين السابقتين جنتان أخريان فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان، خضراوان قد اشتدت خضرتهما حتى مالت إلى السواد فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان، فيهما عينان فوارتان بالماء لا تنقطعان، فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان، فيهما فاكهة من صنوف مختلفة ونخل ورمان.

النظرة العلمية: يثبت العلم أن أكثر الطعام فائدة للانسان الفاكهة بأنواعها المختلفة فقد جمع سبحانه فيها من الغذاء والدواء ما جعلها مكتملة العناصر اللازمة لصحة الابدان وقد خص الله العليم الخبير بما خلق بعض أنواع الفاكهة التى ذكرها في هذه الآية بأنها ذات فائدة غذائية أكثر من غيرها وهذه هى النخل والرمان، أما النخل فقد دلت التحاليل الكيميائية على أن التمر يحتوى على نسبة مرتفعة من السكريات(٧٦ % تقريبا) ويستفيد الجسم من التمر في إنتاج طاقة عالية وسعر حرارى كبير علاوة على ما يحتوى عليه من عناصر الكلسيوم والحديد والفسفور وكميات من الفيتامينات الواقية من مرض البلاجرا مما يجعل التمر غذاء كاملا، أما الرمان فيحتوى لبه وعصيره على نسبة مرتفعة من حمض الليمونيك الذى يساعد بتأثيره على تقليل أثر الحموضة في البول والدم مما يكون سببا في تجنب مرض النقرس وتكوين حصى الكلى، كما أن عصير الرمان به نسبة لا بأس بها من السكريات السهلة الاحتراق والمولدة للطاقة، كما أن به مادة عفصية قابضة تقى الامعاء مما يصيبها من إسهال، كما أن قشور سيقان أشجار الرمان تستخدم في القضاء على الدودة الشرطية.

١٦٢

وقال تعالى في سورة البقرة آية - ١٧٣:( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْکُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) .

تفسير علماء الدين: حرم الله عليكم أيها المؤمنون أكل الميتة التى لم تذبح من الحيوان وكذلك الدم ومثله في التحريم لحم الخنزير وما ذكر وقت ذبحه غير إسم الله من أسماء الوثن وغيره.

النظرة العلمية: تدل التحاليل الطبية لجسم الحيوان الميت أنه مات نتيجة مرض أصابه وهذا المرض يجعل لحمه فاسدا ومضرا بالانسان إذا أكله وقد يكون مرضا معديا، ودلت كذلك على أن في دم جميع المواد السامة والميكروبات التى تعرض الانسان للامراض الفتاكة بحياته، كما أظهرت التحاليل أن لحم الخنزير فيه مواد ضارة وديدان إذا دخلت جسم الانسان أضرت بصحته.

قال تعالى في سور المؤمنون آية - ٢٠:( وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآکِلِينَ ) .

تفسير علماء الدين: وخلقنا لكم شجرة الزيتون التى تنبت في منطقة طور سيناء، وفى ثمارها زيت تنتفعون به وهو إدام للآكلين.

النظرة العلمية: يقرر العلم أن شجرة الزيتون من الاشجار الخشبية التى تعمر طويلا لمدد تزيد على مئات السنين وتثمر أثمارا مستمرة بغير جهد من الانسان، كما

١٦٣

تتميز بأنها دائمة الخضرة جميلة المنظر، وتفيد الابحاث العلمية أن الزيتون يعتبر مادة غذائية جيدة ففيه نسبة كبيرة من البروتين كما يتميز بوجود الاملاح الكلسية والحديدية والفسفاتية وهى مواد هامة وأساسية في غذاء الانسان، وعلاوة على ذلك فإن الزيتون يحتوى على فيتامين ا، ب ويستخرج من ثماره زيت الزيتون الذى يحتوى على نسبة عالية من الدهون السائلة التى تفيد الجهاز الهضمى عامة والكبد خاصة، ويفضل زيت الزيتون كافة أنواع الدهون الاخرى نباتية أو حيوانية لانه لا يسبب أمراضا للدورة الدموية أو الشرايين كغيره من الدهون، كما أنه ملطف للجلد إذ يجعله ناعما مرنا، ولزيت الزيتون استعمالات أخرى كثيرة في الصناعة إذ يحضر منه بعض الصناعات ويدخل في تركيب أفضل أنواع الصابون وخير ما نختم الكلام عن أهمية الزيتون من ناحيتيه الغذائية والدوائية أن الله سبحانه وهو العليم الخبير بما خلق يقسم به في قوله تعالى:(والتين والزيتون وطور سيناء، والبلد الامين) للتنويه بشأن الزيتون وبركته وعظيم منفعته، ويقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إشادة بنعمة الزيتون،(إثتدموا بزيته وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة).

يقول الله تعالى في سورة المرسلات آية - ١ - ٧:( وَ الْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً ، وَ النَّاشِرَاتِ نَشْراً فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيَاتِ ذِکْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً ، إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ) .

تفسير علماء الدين: أقسم الله بالآيات المنزلة على لسان جبريل إلى النبى بالعرف والخير وبالآيات القاهرات سائر الاديان الباطلة تنسفها نسفا، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية في قلوب العالمين نشرا عظيما، وبالآيات الفارقات بين الحق والباطل فرقا واضحا

١٦٤

وبالآيات الملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذارا لهم أو إنذارا - فلا تكون لهم حجة بأن الذى توعدونه من مجئ يوم القيامة لنازل حتما ولا ريب فيه.

النظرة العلمية: يرى العلم بتفسير العصرى أن هذه الآيات قد يكون فيها وصف واقعى دقيق ينطبق على الطائرات الحربية الحديثة بمختلف حركاتها وبجميع أفعالها فهى تعصف بقنابلها المدمرة وتترك الناس كالعصف المأكول، وفى أثناء قيامها بذلك تنشر المنشورات وتلقيها على الجنود وعلى غيرهم في ميادين الحرب وعلى الاهالى والسكان المدنيين للاخبار عما تريده الدولة المحاربة، وتفرق بصولتها الجبارة بين الكتائب والفصائل والتجمعات فرقا بحيث لا يستقر تحتها شئ ولا يثبت أى جمع بلى إنه بمجرد رؤيتها يتفرق الناس ويختفون في الكهوف والملاجئ والمخابئ، فالملقيات ذكرا يعنى ما تذكره وما تقصده من أعمال في منشوراتها عذرا تعتذر به عن إلقاء الدمار والتخريب على الاماكن البريئة كالمساجد والمعابد والمستشفيات، أو نذرا أى إنذارا للاعداء ومطالبتهم بالخضوع والاذعان والتسليم، وهذه النظرة العصرية قد يكون فيها فكرة عن امتداد معانى الآيات إلى عصورنا والله سبحانه أعلم بمراده، وإنما هذه محاولة قد يكون فيها رأى صحيح أو غير صحيح وقد أوردناها مثلا من الامثلة التى تخطر لبعض المفكرين في عصرنا.

وقال تعالى في سورة يونس آية - ٢٤:( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا کَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْکُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ کَذٰلِکَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَکَّرُونَ‌ )

١٦٥

تفسير علماء الدين: ما حالة الحياة الدنيا في روعتها وبهجتها، ثم في فناتها بعد ذلك إلا كحالة الماء ينزل من السماء فيختلط به نبات الارض مما يأكله الناس والحيوان فيزدهر ويثمر وتزدان به الارض نضارة وبهجة حتى إذا بلغت الزينة تمامها، وأيقن أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها أمرنا بزوالها، فجعلناها شيئا محصودا، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل، ففى كلتا الحالتين نضارة وازدهارا يبتهج الناس بها ثم يعقبهما زوال ودمار، وكما بين الله ذلك بالامثال الواضحة يبين الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم يتفكرون ويعقلون).

النظرة العلمية: تتجه بعض النظرات العلمية في هذه الآية الكريمة إلى تفسيرها تفسيرا عصريا في ضوء ما جد في العالم من القنابل الذرية، ويقول هذا التفسير أن الكفار والاشرار ممن سكنوا الدنيا وظنوا أنهم بما تيسر لهم من المخترعات الحديثة قادرون على إصلاح الدنيا عمارتها، كما أنهم قادرون عليها هدما وتخريبا وأنه لم يقو عندهم هذا الظن إلا بعد حصولهم على العلم الموصل إلى اختراع القنابل الذرية، ويفهم من هذه الآية أن أصحاب هذه القنابل سوف يسلط بعضهم على بعض فيتحاربون بها ويكون ذلك سببا في خراب الدنيا وجعلها حصيدا، وتحمل هذه الآية في طياتها رأيا آخر علميا وهو أن الدمار عندما يصيب الارض يوم القيامة يجئ ليلا أو نهارا، والحقيقة أن الوقت واحد ولكنه يكون نهارا في نصف الكرة الارضية وليلا في النصف الآخر لان الارض بموقعها أمام الشمس يكون نصفها مضيئا أى نهارا ونصفها الآخر مظلما أى ليلا.

١٦٦

وقال تعالى في سورة النحل آية - ٥٨( وَ إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَ هُوَ کَظِيمٌ‌ ) .

تفسير علماء الدين: وهم إذا أخبر أحدهم بأنه ولدت له أنثى صار وجهه مسودا من الحزن وهو مملوء غيظا يكظمه.

النظرة العلمية: لقد قررت الابحاث الطبية والنفسية أن الوجه مرآة النفس وذلك لان شكل الوجه يتوقف على الحالة التى تكون عليها العضلات التى تتحرك داخل الدهن تحت الجلد، وتتوقف حركتها على حالة أفكارنا وانفعالاتها فالغيظ المكظوم يظهر على الوجه فيحتقن ويظهر محمرا أولا، وإذا اشتد كظم الغيظ وطال أمد احتقان الوجه يبدو مسودا وهو ما يشاهد فعلا.

وقال تعالى في سورة يس آية - ٦٨:( وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلاَ يَعْقِلُونَ ؟ ) .

تفسير علماء الدين: ومن نطل عمره نرده من القوة إلى الضعف، أفلا يعقلون قدرتنا على ذلك ليعلموا أن الدنيا دار فناء وأن الآخرة هى دار البقاء؟ ! النظرة العلمية: لقد قرر العلم أن طول العمر يؤدى إلى الشيخوخة وأن الشيخوخة مرحلة من مراحل الضعف الذى ينتاب الكائن البشرى فتؤدى به إلى ضعف قواه وإلى

١٦٧

ضمور عضلاته وإلى انخفاض مستوى قدرات أعضائه وكفاء‌تها الوظيفية، وقد عبر القرآن بكلمة نكس، وهى في معناها تدل على إطالة العمر إلى حد أن يبلغ الانسان أرذله وتعود حالته إلى حالة الطفولة في الضعف والعجز، وفى نظر العلم والعلماء أن حياة الانسان تأخذ ثلاث مراحل هى: النمو والنضج ثم الضمور الذى من أهم أسبابه الشيخوخة لزيادة قوى الهدم للجسم على فوة بنائه، وذلك لان خلايا الجسم كلها في تغير مستمر، وكذلك خلايا الدم ماعدا خلايا المخ والنخاع فإنها لا تتغير مدى الحياة، فإذا كانت نسبة تجدد الحلايا كنسبة هلاكها لا تظهر أعراض الضعف، أما إذا ازدادت نسبة هلاك الخلايا على تجددها في أى عضو ظهر ضمور هذا العضو، وعلى ذلك فكلما تقدم السن تضاء‌لت نسبة التجدد وظهر الضمور العام الذى هو فترة الضعف الاخيرة التى تشكل نهاية حياة الانسان وخاتمه مطافه في دنياه، وقد أكد القرآن هذه الحالة في قوله تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُکُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْکُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ) (سورة غافر) وقوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) (سورة الروم) وقوله تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاکُمْ وَ مِنْکُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) (سورة النحل)

١٦٨

خلاصة البيان في ثبوت الاعجاز العلمى للقرآن إن خير ما نختم به هذا الكتاب هو التأكيد بأن إعجاز القرآن سواء من ناحيته البيانية أو العلمية هو حقيقة كبرى واضحة وضوح الشمس في رابعة النار، ويتجلى وضوحها لكل من درس علوم القرآن دراسة صحيحة، واستطاع أن يزداد علما بما وصل إليه العلماء المتخصصون في مباحث العلوم الطبيعية من فلك وكيمياء وطب ورياضة وهندسة، أو تزود من العلوم الاجتماعية والنفسية والكونية بقسط وافر لوجد في القرآن الكريم ثروة من العلوم والمعارف وكنزا من القوانين والنواميس التى أودعها الله في الكائنات والمخلوقات، وهى السنن الكونية التى وصفها الله بقوله تعالى:(فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا).

وهذه السنن والقوانين التى أوجدها الله في ملكوته بحكمته، وأجراها بتدبيره قد استطاع الانسان المفكر أن يهتدى إلى بعض منها بتوفيق من الله، وظهر له ما فيها من التوافق والتطابق بين ما وصل إليه من معلومات وما في الكون من حقائق ثابتة فدل ذلك على إعجاز القرآن العلمى، ومعلوم أن القرآن نزل على محمد رسول الله ليكون قبل كل شئ كتاب هداية للناس جميعا، وأنه في جملته وتفصيله دعوة حق تهدى إلى عبادة الله وحده وترك ما يعبد الناس من الطواغيت والاصنام والاوثان والايمان الوثيق بالله وكتبه ورسله وبالغيب وبالقضاء خيره وشره، وأنه إلى جانب ما يدعو إليه من التقى ومكارم الاخلاق فإنه يحض على النظر والتأمل والتدبر فيما خلق الله في الارض وفى السماء من بدائع الكائنات وروائع المخلوقات الدالة على جلال صانعها والشاهدة على قدرته وحكمته.

١٦٩

وقد شاء‌ت إرادة الله العليم الخبير أن يودع في القرآن كنزا ثمينا من العلوم القيمة المتعلقة بأمور الدين والدنيا، وقد عرض سبحانه هذه العلوم القرآنية في كتابه المقدس بصورة تخالف تمام المخالفة ما عليه كتب البشر القائمة على عرض مادتها بأسلوب المقدمات والتجارب والبراهين والنتائج بل جاء على نسق فريد من البيان المعجز الذى يسوق روائع المعانى ودقائق العلوم والمعارف خلال ما يلقيه من الحكم والمواعظ، وما يبديه من الترغيب والترهيب وما يبينه من الاوامر والنواهى والاحكام والشرائع وما يعرضه من العبر في ثنايا القصص والامثال فصار بذلك كتابا مقدسا حافلا بكل رائع من الآيات لفظا ومعنى وحقيقة وشريعة، فلا عجب أن يكون المعجزة الآلهية الخالدة، التى تدل على أن الاسلام هو دين الله الحق، وأنه المنهج الربانى الصالح لكل زمان ومكان وقد وصف الله في هذا القرآن كل ما أبدعه من مخلوقاته وصف العليم الخبير بأسرارها وأحوالها ومقوماتها بعبارات وإشارات ودلالات كانت وقت نزولها في عصر النبوة فوق إدراك عقول عامة الناس لتفشى البداوة والجهل في ذلك الحين، ولكنها كانت مفهومة فهما دينيا رائقا في قلوب الذين آمنوا إيمانا خالصا، وكانت روح الايمان تضئ أرواحهم فيرون آيات الله وبهائها في نفوسهم ساطعة الرواء.

وتؤكد السيرة النبوية أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه كان نبيا أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأنه عاش في صباه راعى غنم وفى شبابه مزاولا للتجارة وبعد زواجه اشتغل في مال زوجته بالتجارة، ولم يكن له أى؟ شاط في تحصيل العلم أو الاجتماع بأهل الكتاب لتلقى علومهم، ولذلك يتسأل الناس: من أين لمحمد النبى الامى هذا العلم الربانى الغزير؟ ومن أين له كل هذه الفيوضات من بحار

١٧٠

العلوم الالهية والكونية التى هى فوق مدارك البسر في زمان نزولها؟، إنها ولا شك من عند الله الذى أوحاها إليه في كتابه المبين، وما ألهمه إياها لبيان رسالة الدين الاسلامى الحنيف لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينطق عن الهوى.

ولما انتشر الاسلام وعم نوره شيئا فشيئا تقدمت العلوم بتأثيره خلال العصور التالية التى أخذ العلماء والفقهاء فيها يدوسون القرآن دراسة مستفيضة ويتوسعون في فهم معانيه وأسراره ومقاصده، وقد ساعدهم على تلك الدراسة ما ابتكره المفكرون من وسائل وأجهزة ومختبرات، وما قدمه الامراء المسلمون والحكام المستنيرون من تأييد وتشجيع للعلماء لاحياء دولة العلم حتى استطاعوا بفضل جدهم واجتهادهم أن يضعوا أسس العلوم والمعارف التى قامت عليها الحضارة الاسلامية الزاهرة، وقد مكنت كشوف علماء المسلمين الناس أن يعرفوا ما في الكون من كائنات لها مقوماتها وقوانينها وعناصرها ذات المزايا والخصائص والسنن التى تحكمها، وفى ضوء هذه الكشوف العلمية المادية ظهرت آيات الاعجاز العلمى في القرآن واضحة جلية مع ما ظهر فيه من إعجازات أخرى كثيرة فيه من أبرزها إعجازه التشريعى.

لقد بدأنا الباب الثالث من هذا الكتاب بلمحة عن كوكبنا الارضى وما يحيط به من سماء ونجوم وكواكب، وأشربا إلى أن هذا الكوكب كان في وقت من الاوقات قطعة من جرم الشمس انفصلت عنها، وفى خلال مرور ملايين السنين بعد الانفصال أخذت تبرد وتغمرها المياه التى تكونت من الغازات المنتشرة حولها وصارت بذلك صالحة لقيام الحياة بها للنبات والحيوان والانسان وقد برهن على ذلك علماء الفلك قديما بفضل اجتهادهم ومثابرتهم على المشاهدة

١٧١

والملاحظة الدقيقة والاستنتاج مما يرونه ويدركونه من ظاهرات الكون حولهم وتكرار حدوثها باستمرار وانتظام.

وبعد ذلك بقرون عديدة جاء‌ت دولة العلم الحديئة بإمكانياتها الهائلة واختراعاتها المدهشة لتؤكد للعالم بأدلة مادية محسوسة على صحة بعض ما قرره العلماء والفلاسفة القدماء وذلك بعد ما تمكن العلم بوسائله المبتكرة من الوصول إلى القمر والمريخ في رحلات الفضاء التى تحدث وتتكرر على مرأى ومسمع من أهل عصرنا، وأتى رواد الفضاء بالدليل القاطع على أن القمر جزء من الارض وأن الارض جزء من الشمس بما أحضروه من تراب القمر وصخوره التى فحصوها وحللوها فوجدوها لا تختلف في مكوناتها وخصائصها عن تربة الارض وصخورها وأحوالها، كما وجدوا أنها متفقة في أعمارها التى تقدر بنحو خمسة بلايين من السنين.

وقد أثبتت الابحاث قديما وحديثا أن المجموعة الشمسية كانت كتلة واحدة، وأن الشمس انفجرت تحت تأثير عوامل مختلفة وتناثرت أجزاء منها كانت مختلفة الاحجام والاوزان وتباعدت هذه الاجزاء عن الشمس بمسافات تتناسب مع أحجامها وأوزانها، واحتفظ كل منها بحركته حول نفسه وبدورته حول الشمس في مداره الخاص ويدل على ذلك قول الله تعالى:(وكل في فلك يسبحون).

ويقرر العلم الحديث أن ملكوت الله العظيم والممتد بلا نهاية والمتسع باستمرار فيه بلايين النجوم ذات الاقدار المختلفة حجما ولمعانا وكل واحد من هذه النجوم يتفجر كما انفجرت شمسنا مكونة مجموعاتها من الكواكب الدائرة حولها، وبهذه الانفجارات الكثيرة للنجوم يتسع نطاق ملك الله، ثم إن هذه النجوم كانت أجزاء من سدم هائلة هى السحب الكونية التى كانت متصلة ثم انفصل

١٧٢

بعضها عن بعض بسبب هذه الانفجارات التى حدثت بصورة دقيقة ومحكمة وتركت ما تناثر منها في حركة منتظمة بلا خلل ولا تصادم بينها، وهذا مصداق قوله تعالى:( وَ السَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ‌ ) سورة الذاريات آية - ٤٧.

والحقائق الثابتة والمشاهدة بأجهزتنا الدقيقة في الصور الفوتغرافية العديدة التى حصلنا عليها تدلنا دلالة واضحة على أن جميع ما في الكون الشاسع من حجم الذرة إلى حجم أكبر النجوم لا تتحرك أو تدور أو تسبح في أفلاكها إلا بحكمة فائقة وتقدير منتاه في الدقة حيث لا شئ مطلقا في ملك الله يتحرك حركة عشوائية لانه سبحانه قدر كل شئ تقديرا وأحكمه إحكاما.

وإليك هاتين الآيتين لزيادة التأكيد على الاعجاز العلمى للقرآن: الاولى قوله تعالى في سورة الحجر آية ١٤ - ١٦:( وَ لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‌ لَقَالُوا إِنَّمَا سُکِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‌ وَ لَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) وتبين هذه الآية أن الله سبحانه يخبرنا بدليل علمى أن أهل مكة ما كانوا يؤمنون حتى لو تحقق لهم ما يطالبون به من دلائل مادية محسوسة يرونها إذا ما فتح الله لهم بابا يدخلون منه إلى أقطار السموات ليجولوا في أرجائها ليروا ما كان يبدو لهم من جمال الانوار وبهجة الالوان وقت الشفق والغسق فلا يرون وقتها إلا ظلاما دامسا خاليا من زينة الكواكب كما يرى رواد الفضاء الظلام المطبق في رحلاتهم لان الشمس لا تظهر أنوارها إلا بوجود ذرات التراب وذرات بخار الماء في الجو المحيط بنا لتعكس أنوارها وهذه الذرات غير موجودة في الفضاء الخارجى ولذلك يقولون إمعانا في التكذيب لقد سحرنا محمد وسكر أبصارنا فعميت بهذا السحر عن رؤية ما كنا نراه من قبل من زينة الكواكب.

والآية الثانية قوله تعالى في سورة النور آية - ٤٣:

١٧٣

( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُکَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَکَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) وتشير هذه الآية إلى السحب الركامية التى تسوقها الرياح وتجعلها متراكمة فوق بعضها وينزل منها المطر ويتكون فيها البرد كالحصى الذى يتساقط مع المطر الغزير كالجبال فينفع بعض الناس ويضر بآخرين، وفى هذه السحب تتكون شحنات كهربائية سالبة وموجبة ينشأ عن احتكاكها الرعد والبرق الذى يذهب شدة ضوء‌ه بالابصار، وهذه كلها حقائق أثبتها العلم الحديث ولم تكن معروفة من قبل، والخلاصة أن دولة العلم كلما ازدادت اتساعا ورسوخا كلما ازدادت أسرار القرآن وعلومه وآياته تألقا وتوهجا وذلك مصداق قوله تعالى:( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) سورة فصلت آية - ٥٣ ونختم هذا الكتاب بقول:(لا إله إلا الله) لانها كلمة التوحيد التى نمت وأورقت وأثمرت شجرة الايمان بالقرآن، ولهذا كانت فاتحة الكتاب هى تعريف بالله وبالطريق الهادى إليه في إيجاز بليغ يلخص مضمون القرآن كله في سبع آيات تشمل الحمد لله وطلب الهداية والنعم والحفظ من الضلال والمضلين، فاجعل اللهم القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور بصائرنا وطريق سعينا إليك بالعمل بما فيه آمين.

[ تم بحمد الله ].

١٧٤

الفهرس

القرآن وإعجازه العلمي محمد اسماعيل ابراهيم ١

القرآن وإعجازه العلمى ٣

الباب الاول: القرآن ١٢

الباب الثانى: القرآن روح الدعوة الاسلامية ومحور ثقافتها ٣١

الله هو الخلاق العظيم ٣٢

القرآن كتاب الله المبين تفسير القرآن ٣٣

مراحل التفسير ومناهجه ٣٤

مرحلة التفسير بالرأى ٣٧

لماذا تتفاوت تفاسير القرآن ٤٠

الاعجاز العلمى في آيات القرآن ٤٢

تفسير القرآن في ضوء العلوم الحديثة ٤٤

القرآن يهدى القلوب التى تتدبره وتنير العقول التى تتفهمه ٤٦

الباب الثالث: العلوم الكونية في القرآن ٥٤

لمحة في كوكبنا الارضى ٥٦

الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له ومتدبر فيه ٥٧

آيات قرآنية مع تفسير لها قديما وحديثا عن نشأة الكون ٥٩

معنى السماء ٦٠

قانون الجاذبية ٧٠

المجموعة الشمسية ٧٤

معجزة القرآن في وصف الكائنات ٧٦

١٧٥

الكائنات الحية والخلايا ٨٧

ظهور الحياة على الارض ٩٠

الجسد والروح ٩٩

علم الاجنة ١٠٨

الفهرس ١٧٥

١٧٦