القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي22%

القرآن وإعجازه العلمي مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 176

  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40344 / تحميل: 9932
الحجم الحجم الحجم
القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وبدهى أن القرآن لم ينزل ليكون كتاب طبيعة أو كيمياء أو فلك أو طب أو تاريخ أو غير ذلك من مختلف العلوم بل هو كتاب هداية، لانه لو نزل مفصلا للنظريات العلمية الحديثة لما فهمه العرب الاميون وقتئذ، ولم يؤد القرآن رسالته التى نزل من أجلها وهى نزع الشرك والجهالة والضلال والشرور والمفاسد المتأصلة في النفوس، وقد كانت أكثر الآيات الملكية التى نزلت خلال ثلاث عشرة سنة تدعو بصفة عامة إلى التوحيد ومحاربة الشرك بأساليب الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والتفقه في أصول الدين، ثم نزلت الآيات المدنية بعد ذلك لكى تمكن الايمان في القلوب وتدعو إلى أهداف أخرى تقوم على التشريع وتنظيم المجتمع وبث روح الاخوة والتعاون والحض على الجهاد في سبيل الله وغير ذلك من سياسة الجماعات والدول الرشيدة.

وكان النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا وجه إليه أحد سؤالا عن أمور كونية أو مسائل طبيعية أو غير ذلك مما يستلزم الاجابة عليه الدخول في تفاصيل علمية فوق مستوى ثقافة عصره فإن الله سبحانه يوحى إلى رسوله بإجابات سديدة مبسطة تقبلها العقول قبولا حسنا، فمن ذلك مثلا قوله تعالى في سورة البقرة آية ١٨٩:( يَسْأَلُونَکَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ ) وهكذا يأتى الجواب سهل الفهم كافيا للاقناع بأن اختلاف أوجه القمر هى لحكمة معرفة الاوقات وبخاصة مواقيت الشهور ومواعيد الحج التى تهم السائلين.

وقد جاء‌ت في بعض التفاسير القديمة آراء غير صحيحة وتأويلات خاطئة لا تقبلها العقول السليمة فكان لابد من معارضتها ودحضها بإعادة النظر في تفسيرها على وجهها الصحيح لان السكوت على ذلك وترك القديم على قدمه وخطأه هو نوع من الجمود والتخلف وحجر على العقول والقلوب المتفتحة لرؤية حقائق القرآن بنور العلم والايمان.

٤١

الاعجاز العلمى في آيات القرآن

يجب على المسلم ألا يختلط عليه الامر بين رسالتى الدين والعلم وألا ينظر إليهما على أنهما أمران مختلفان تجب المقارنة والمفاضلة بينهما بل هما في حقيقة أمرهما رسالتان متكاملتان، وكلاهما يساعدان على تثبيت الايمان في القلوب، لان العلم نور يهدى إلى الحق ما دام علما نافعا، والدين في جوهره هداية ربانية للعقول والقلوب ونفحات سماوية للارواح والنفوس.

ويجب على المسلم ألا تخدعه مظاهر التقدم العلمى المادى الذى برع فيه أهل أوروبا وأمريكا وبخاصة في علوم الذرة والتكنولوجية وغزو الفضاء فهذه كلها ليست كل شئ لاسعاد البشرية وشقاء عللها، وإنما العلوم الدينية المستمدة من القرآن والسنة وأنباع هديها إلى جانب العلوم الدنيوية هى البلسم الواقى من العلل والشافى من أمراض النفوس.

والقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وكلامه جل جلاله صفة من صفاته التى تجلى بها على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانت تلك الآيات التى بهرت العقول بروعتها وأدخلت الايمان في القلوب بقدسيتها وروحانيتها، وبصدق حقائقها المطلق الذى لا يأنيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإن صدق اليقين الذى نزل به القرآن جعل لكلماته تأثيرا قويا لا تنال منه الايام، وبهذا يظل هدى القرآن على الدهر شبابا ناضرا دائما، وإعجازا متجددا لا ينقطع مدده وإلهامه للمؤمنين العاملين به.

ويكفى للدلالة على حيوية القرآن وقوة تأثيره أن من يسمعه بوعى أو يقرأه بتدبر لمبانيه ومعانيه أو يدرسه للوقوف على أسراره يؤمن إيمانا عميقا أنه وحى السماء،

٤٢

وليس من كلام بشر، فهاهو عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه بعد ما قرأ بعض آيات من القرآن في بيت أخته التى ذهب للانتقام منها لاسلامها نراه يتحول من مشرك عنيد وعدو لدود للاسلام والمسلمين يتحول إلى مؤمن قوى، ويسارع إلى مقابلة النبى حيث كان مجتمعا مع أتباعه المسلمين يعلمهم ويزكيهم في دار الارقم بن الارقم ويعلن له إسلامه وانضمامه إلى جماعة المسلمين بمكة، أسلم وهو يعلم ما سوف يلقاه من عشيرته وقومه من معارضة وإيذاء.

مفهوم العلم والعلماء قديما وحديثا: لقد صارت كلمة العلم مع تطور الزمن ذات مدلولين، فقديما كان مدلولها العلم القائم على العلوم الدينية وما يتفرع عنها من علوم التوحيد وعلم الفقه وعلم التفسير وعلم اللغة والبلاغة وعلم الحديث إلى غير ذلك من العلوم المتصلة بالدعوة الاسلامية وتاريخها وقرآنها وأحاديثها النبوية، وكان الدارسون لهذه العلوم هم العلماء والفقهاء وأهل العلم وقتئذ، وكانوا هم قادة الفكر والرأى والعلم قبل عصرنا هذا، ويقول الامام الغزالى في هذا الموضوع: إن العلم المقصود هو العلم بالله وصفاته وملائكته ورسله وملكوت السماوات والارض وعجائب النفوس الانسانية والحيوانية من حيث أنها مرتبة بقدرة الله لا من حيث ذواتها لان المقصود الاقصى هو العلم بالله، وأما العمل فمقصود به أساسا مجاهدة الهوى حتى تزول الحوائل التى ربما أعاقت الانسان عن العلم بالله تعالى.

أما مدلول العلم حديثا فإنه يختلف عن المعنى القديم المشار إليه سابقا، إذ ظهر من وقت قريب جماعة تقول عن عصرنا الحاضر إنه عصر العلم والعمل ويقصدون بذلك أن العلم بمفهوم عصرنا هو العلم الطبيعى القائم على دراسة ما في الكون من مواد وعناصر وكائنات لها خصائصها الذاتية ونواميسها التى تحكمها من كيمياء

٤٣

وطبيعية وميكانيكا وغير ذلك من علوم الطب والرياضة والفلك وما يتضمنه ذلك من حقائق كونية، وأن العمل في إطار هذا المفهوم للعلم فهو تطبيق العلم عمليا بإستعمال الاجهزة والادوات والوسائل الاخرى الحديثة من مختبرات ومراصد وتجارب واستنباطات منطقية وغير ذلك: وفى ضوء هذين المدلولين للعلم يرى المفسرون العصريون لآيات القرآن أنه من الضرروى أن يشتمل تفسيرهم الناحيتين الدينية والعلمية ودون الاكتفاء بناحية واحدة منهما.

تفسير القرآن في ضوء العلوم الحديثة

إن هذا النوع من التفسير لبعض الآيات الكونية والطبيعية وغيرها ذات الطابع العلمى منهج جديد ومحاولة موفقة إن شاء الله تعالى لاظهار ما في القرآن من إعجاز علمى أو تشريعى لم يعرفه المفسرون القدامى المعرفة التامة، ولم يكن ذلك عن إغفال لشأنها وإنما كان ذلك منهم لانهم نظروا إليها نظرة تأمل وإجلال وتقديس باعتبارها مظهر لقدرة الله العظيمة في خلق هذا الكون وروعة حكمته وتدابيره؟ لجميع ما فيه من كائنات ومخلوقات، ولكن عندما تقدم العلم واتسعت آفاقه مع تطور المدنية والحضارة أخذت أنظار العلماء تتجه إلى ما جاء به القرآن من حقائق علمية سبقت نهضة الانسان العلمية بعدة قرون.

فمن المعلوم أن القرآن نزل على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلال القرن السادس الميلادى أى قبل عصر نهضة أوروبا التى بدأت طلائعها في القرن الرابع عشر الميلادى واستمرت في نمو وإزدهار وحققت نتائج قيمة من الكشوف العلمية في مختلف العلوم والفنون والآداب التى حررت العقول من الجهل والخرافات التى كانت سائدة ومسيطرة في العصور الوسطى ومما يذكره التاريخ من قضايا هذا العصر الوسيط أنه قامت بين رجال الدين

٤٤

المسيحى وبين رجال العلم مخاصمات ومنازعات خطيرة في أمور علمية اعتبرها رجال الدين خروجا على ما في الكتب المقدسة من نصوص لم يفهموها وحرفوها وغيروا وبدلوا فيها تبعا لاهوائهم وتحقيقا لمصالحهم ومنافعهم الخاصة.

ومن أمثلة هذه الخلافات ما قرره علماء الفلك بعد الدراسة والبحث الوثيق من أن الارض ليست مركز الكون كما كان يعتقد رجال الدين الذين اعتبروا ذلك الرأى خروجا على حرمة الدين فكفروا كل من اعتقد ذلك الرأى واضطهدوهم بل أهدروا دماء‌هم.

وإليك نموذجا يوضح اختلاف التفاسير قديما وحديثا وكيف أن إدراك المعانى للآيات يتفاوت من فهم إلى فهم ومن عصر إلى عصر كما في الآيات الآتية: قال الله تعالى في سورة ص آية – ٣٠- ٣٣:( وَ وَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ‌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْنَاقِ ) فقد فسرت هذه الآية الكريمة قديما بأن سيدنا سليمانعليه‌السلام لما عرضت عليه الخيل في وقت صلاة العصر شغلته وألهته عن الصلاة فتملكه الغضب وأخذ يقطع سيقان هذه الخيول وأعناقها بالسيف.

وهذا التفسير ينافى ما جاء في الآية من أن سليمانعليه‌السلام كان نعم العبد الاواب فكيف يصدر عن نبى أثنى عليه القرآن هذا الثناء أن يكون قاسيا إلى حد قتل الخيول البريئة التى هى عدة المؤمنين في قتال أعداء الدين والزود عن حياض الاوطان بغير ذنب جنته.

وقد فسرت الآيات بعد ذلك تفسيرا معقولا أقرب إلى الواقع المفهوم وهو أن سليمانعليه‌السلام عرضت عليه بعد الظهر الخيل الاصيلة التى تسكن حين وقوفها

٤٥

وتسرع حين سيرها، فقال سليمان إنى أشربت حب الخيل لانها عدة الخير وهو الجهاد في سبيل الله وأن حبها نشأ عن ذكرى لربى، وما زال مشغولا بعرضها حتى غابت عن ناظريه، ثم إنه أمر بردها عليه ليتعرف أحوالها، فأخذ يمسح سوقها وأعناقها ترفقا بها وحبا لها واستئناسا لها.

وبعد أن تقدم العلم كثيرا نجد أن الانسان قد توصل في مجال الطب البيطرى إلى أن ما فعله سيدنا سليمانعليه‌السلام كان هو الاسلوب الامثل في معاملة الحيوانات واستئناسها بإدخال الطمأنينة والهدوء عليها بأن يربت على رؤوسها ورقابها وظهورها عندما يريد فحصها أو استخدامها، ومن ذلك يتضح ما بين التفسيرين من فرق شاسع.

القرآن يهدى القلوب التى تتدبره وتنير العقول التى تتفهمه

لقد آمن بالاسلام وبالقرآن أفراد وجماعات كثيرة من غير المسلمين، وكان إسلامهم نتيجة تأثير القرآن في نفوسهم بطريق مباشر أو غير مباشر، فأما عن تأثيره المباشر فقد اعترفت به أفراد من علماء أوروبا ذوى الالباب والفطر السليمة ممن سمعوا القرآن أو قرأوه وفهموا بعض أسراره وإعجازه، ومن أمثلة ذلك ما فهمه أحد الاطباء من قوله تعالى في سورة النساء آية - ٥٦:( کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) فأدرك أن وراء هذه الآية حقيقة علمية ما كانت معلومة للناس وقت نزول القرآن، وأنه لابد أن يكون من كلام عليم خبير بتركيب جسم الانسان، وبشبكة الاعصاب الدقيقة التى تنتشر أطرافها في الطبقة الجلدية وهى التى نستقبل الاحساس بالحرارة والبرودة والالم والراحة.

فهم ذلك الطبيب من الآية أن تجدد الالم الذى انقطع بحرق الجلد لا يكون

٤٦

إلا بإعادة الجلد حيا كما كان لكى يتجدد ألمه مرارا وتكرارا كلما تبدل الجلد في كل مرة بعد حرقه، وتأكد الطبيب بأن هذا الكلام لا يصدر إلا من عالم خبير بتركيب الجسم البشرى ووظيفة الاعصاب المنتشرة في كيانه، وأن هذا الكلام نزل منذ قرون بعيدة على لسان نبى أمى لم يدرس علم الطب ولا التشريح فأيقن أن هذا كلام من أرسل محمدا رسولا فآمن به وأسلم.

ومثل آخر لربان بحرى كان يجول البحار ويشاهد أحوالها ومظاهرها ليلا ونهارا وما تتعرض له عن عواصف وسحب وأمواج متلاطمة ورياح عاتية وظلمات وغير ذلك مما كابده خلال سنين عمله في البحار والمحيطات، فإنه لما قرأ في سورة النور آية - ٤٠ قوله تعالى:( أَوْ کَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَکَدْ يَرَاهَا ) قال في نفسه إن أحدا لا يستطيع أن يصف هذا الوصف الدقيق لاحوال البحار وظواهرها الجوية إلا من كان بحارا شق عباب الماء وعاين تقلبات الاحوال فيه، وأن محمدا الذى نزل عليه هذا الكلام لم يكن في يوم من أيامه بحارا كما أنه لم يركب البحر في حياته وعاش في وسط الصحراء البعيدة كل البعد عن عالم البحار فمن أين له هذه المعلومات الدقيقة التى لا يعرفها سوى الملاحون؟ إنه ولا شك كلام عليم خبير وهو الله سبحانه فآمن وأسلم بأن محمدا رسول الله حقا وصدقا.

وهناك شعوب أسلمت وآمنت بالقرآن بطريق غير مباشر ومن أمثلة هؤلاء سكان إندونيسيا وما حولها وسكان شرق قارة أفريقية ووسطها حيث نزل بساحتهم التجار العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى هذه الجهات النائية للاتجار وتعاملوا مع أهلها معاملة كلها الصدق والامانة والوفاء ومكارم الاخلاق فراعتهم هذه الاخلاق السامية والمبادئ العالية التى كانوا عليها وعلموا أن مزاياهم الجميلة هذه هى من

٤٧

أثر القرآن وتعاليم الاسلام التى أكسبتهم هذه الفضائل والمكارم وصاغتهم هذه الصياغة الكريمة التى لا مئيل لها فيمن عرفوا من الناس فآمنوا بالاسلام دينا وبالقرآن معجزة لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

بمثل هذه الآيات السالفة الذكر وآثارها في العقول والنفوس كان إيمان كثير من المسيحيين وغيرهم من الملل الاخرى من ذوى الالباب والفطن الذين ما كانوا يعرفون معنى الاعجاز البيانى أو البلاغى في لغة القرآن وإنما عرفوا منه الاعجاز العلمى الذى وجدوه في كثير من الآيات العلمية مثل قوله تعالى:( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)(يخرج الميت من الحى ويخرج الحى من الميت)(وجعلنا الرياح لواقح)(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)(وإن من شئ إلا يسبح بحمده)(والسماء ذات الحبك)( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (وفى هذا ما يؤكد أن الكون هو كتاب الله الصامت، وآن القرآن هو كتاب الله الناطق بما يدل على علم الله بأسراره).

وهذه الآيات وأمثالها لم يفهمها السلف الصالح على وجهها العلمى وإنما رأوا فيها أنها دلائل على قدرة الله تعالى وعظمته، وأنها شاهدة على أنه سبحانه بديع السماوات والارض، ولا شك أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعرض في

٤٨

تفسيره لمثل هذه الآيات من الناحية العلمية التفصيلية التى هى فوق مستوى عقولهم فقد أمر الله نبيه أن يخاطب الناس على قدر عقولهم.

وقبل الكلام عن الاعجاز العلمى للقرآن يجب أن نعرف أن المعجزة هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد النبى تأييدا لنبوته، ومعجزات القرآن كثيرة ومتنوعة كان أبرزها عند نزولها الاعجاز البيانى الذى تحدى به العرب أهل الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بشئ من مثله فعجزوا، وللقرآن إعجازات أخرى منها الاعجاز العلمى والاعجاز التشريعى والسياسى والحربى والنفسى وكلها شاهدة على روعة القرآن وعظمته وقدسيته وأنه كلام الله الحق.

وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز مطلقا أن نخضع القرآن للتفسير العلمى لان من نظريات العلم ما يتغير ويتطور ولا يثبت على حال، وإذا اختلفت النظرة العلمية في وقت من الاوقات مع الآية القرآنية فيرجع ذلك إلى أن العلم الذى يتطور من وقت لآخر لم يصل بعد إلى مستوى مفهوم الآية، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) أى أن ما لم يتفق مع الآية القرآنية من النظريات العلمية فإنه سوف يظهر مستقبلا بعد طول الدرس وللبحث والتنقيب لان كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم أنه سبحانه يقول عن القرآن:(ثم إن علينا بيانه) أى أنه سوف يشرحه ويبين أسراره في مستقبل الاعصر والدهور.

٤٩

مقارنة بين بعض ما جاء به القرآن وبين ما في الكتب السماوية الاخرى: إن القرآن الكريم فيه من العلوم والمعارف والمبادئ والآداب أضعاف أضعاف ما جاء في الكتب المقدسة السابقة، فالعهد القديم مثلا كان أكثر الكتب السماوية تناولا للناحية العلمية قبل القرآن، ونجده لم يتعرض إلا لثلاثة موضوعات فقط بإيجاز وهى: خلق الارض وخلق ما عليها من كائنات وبعض سير الانبياء من لدن آدمعليه‌السلام إلى أنبياء بنى إسرائيل فقط، وكان تناوله لهذه الموضوعات محدودا، أما القرآن فقد تناول الحقائق الكونية وما يدور حولها من مظاهر ثم ما يتعلق بقصص الانبياء بصورة أصح وأدق بكثير عما جاء في الكتب السماوية الاخرى، كما أنه رسم الطريق الصحيح للبحث العلمى عن طريق النظر والتدبر والتأمل واستعمال الفكر القويم في فهم القرآن.

وعلى سبيل المثال ما ورد في التوراة عن نبى الله سليمانعليه‌السلام كان شيئا يحط من قدره ويصفه بأنه حاد عن طريق الايمان باستخدام الجن، واعتبرت خوارق المعجزات التى ظهرت على يديه من قبيل السحر، ولكن القرآن الكريم نفى عنه هذه التهم الباطلة نفيا باتا بقوله تعالى في سورة البقرة آية - ١٠٢:( وَ مَا کَفَرَ سُلَيْمَانُ وَ لٰکِنَّ الشَّيَاطِينَ کَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَکَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَ مَارُوتَ وَ مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَکْفُرْ ) وشتان بين ما جاء به القرآن عن نبى معصوم وبين ما جاء في التوراة كتاب العهد القديم من قدح وذم في نبى كريم.

وفيما يلى طائفة من الآيات القرآنية ذات المدلولات العلمية التى لا شك مطلقا في توافق العلم معها توافقا تاما لا تناقض فيه لاثبات الاعجاز العلمى في آيات القرآن، وقد أتبعت في عرض هذه الآيات الخطوات الآتية:

٥٠

أولا: ذكر الآية ومكانها من القرآن الكريم.

ثانيا: التفسير الدينى الوارد في كثير من التفاسير المعتبرة لرجال الدين.

ثالثا: التفسير بالرأى العلمى المطابق لاحدث ما وصل إليه العلماء من نظريات صحيحة متفقة مع القرآن.

رابعا: عرض مبسط لبعض مبادئ العلوم المتصلة بالآيات بأسهل أسلوب يفهمه القارئ العادى إذا لزم الامر ذلك لزيادة التأكيد بين صلة العلم بالقرآن.

ويجب ألا يغيب عن البال مطلقا أن الله سبحانه وهو خالق السماوات والارض وما فيهن هو الذى أنزل القرآن مبينا فيه علمه القديم بكل حقائقه وأسراره وأحكامه وظواهره وخوافيه، ويكفى للدلالة على ذلك قوله تعالى في سورة الحج آية - ٧٠:( أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذٰلِکَ فِي کِتَابٍ إِنَّ ذٰلِکَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) .

وقد قلت في كتابى:(مع الله) في باب(كلام الله) بأسلوب الشعر المنثور ما يأتى: كلما سمعنا كلام الله يتلى حق تلاوته اهتزت منا النفوس تأثرا بروح معانيه وسمت بنا الروح تعرج إلى ملكوت الله متطلعة إلى الملا الاعلى ومغانيه.

وكأننا كلما سمعناه يتلى بخشوع نسمع جديدا من الوحى يسمو ويعلو في مراميه وكأن هذا الجديد منطلق لا يقف عند حد في قلوب السامعين المستغرقين فيه وهذا لون من الاعجاز لا تجده في غيره أبدا لانه لا شئ من القول يدانيه فأى كلام هذا الذى كلما تلوناه ووعيناه وجدناه أعمق وأوسع من مبانيه أنه كلام الله الحق، وكفاه شرفا أنه تنزيل من رب العالمين ولا ريب فيه.

والقرآن كلام الله القدسى والكتاب العلوى الذى أودعه الله أخبار الغابرين وجعل في قصصه مواعظ حسنة ودروسا قيمة وكلها ذكرى للذاكرين

٥١

وما فرط الله في القرآن من شئ يصلح شأن العباد في دنياهم والدين وقد دامت آياته الباهرة تتلى وهى تتألق بأنوارها في قلوب المؤمنين وقد سبقت علومه مستحدثات العلم والعلماء ولم يكونوا لها سابقين لان القرآن أتى بكليات العلوم دون تفصيل لها لانه كتاب شرع ودين لقد ظن البعض أن معجزة القرآن في بلاغته وفاتهم أنه كنز من العلم ثمين.

وقد أنزل الله في القرآن كل ما تحتاج إليه البشرية من دستور عالمى رشيد ووضح فيه بأسلوب عذب ما يسعد وما يشقى وما يضر الناس وما يفيد وحذر العباد من فتنة الدنيا وزينتها، وخوفهم من هول يوم القيامة الشديد وبين لهم فيه طرق الهدى بيانا يقبله العقل ولا حاجه بعده إلى مزيد فهو كتاب الله الذى يتمشى مع الفطرة السليمة وأنه عنها لا يحيد وهو بهذه الحقيقة يغزو القلوب التى آمنت به طوعا بغير ترهيب أو تهديد لانه كلام مشرق بنور الحق لا غموض فيه أبدا وفيه إقناع ومنطق سديد.

٥٢

٥٣

الباب الثالث: العلوم الكونية في القرآن

قال تعالى:( قُلِ انْظُرُوا مَا ذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ) [ سورة يونس آية - ١٠١]

عرض القرآن الكريم الكثير من الحقائق الكونية ولكنه عندما يعرض أى قضية من قضايا الكون العلمية لا يعرضها بأساليب البشر باستعمال المقدمات والدلائل والمعادلات واستنباط النتائج وإنما يقدمها بالاشارة أو الرمز أو المجاز أو الاستعارة أو بالعبارات التى تومض في العقل بنور روحى باهر، إنه سبحانه ينزل آيات قد لا يدرك معناها أو يفهم حقائقها وأسرارها في وقتها كل المعاصرين لنزولها لان العلم بقوانين الكون كان محدود الآفاق وقتئذ، ولكنه سبحانه يعلم أن المستقبل سوف يأتى بشرح لهذه الآيات في ضوء علوم عصورها، ومصداق ذلك قوله تعالى:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).

وتدل الدلائل على أن العلماء الذين درسوا الآيات الكونية في القرن فيما بعد وطبقوها على ما وصل إليه العلم في زمانهم في الفلك أو الطب أو الطبيعة أو الكيمياء أو الاحياء وغيرها من العلوم وجدوا تطابقا وتوافقا علميا رائعا أكد لهم أن القرآن كتاب الله الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

لذلك كان علماء الفلك وعلماء الطب أكثر الناس إيمانا بعظمة الخالق المبدع وأسبقهم إقرارا بألوهيته لما رأوه رأى العين من أن القرآن الكريم الذى نزل على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه منذ أربعة عشر قرنا من الزمان كان هو نهاية العلم الذى يصلون إليه كلما جد جديد في بحثهم، وهذا هو العلم الذى

٥٤

جاء به النبى الامى محمد الذى لم يكن هو ولا قومه ولا عصره يعرف شيئا من فلك أو جيولوجيا أو كيمياء أو طب أو غير ذلك.

وقد أدرك الناس مكانة العلم في القرآن الذى هو دستور الاسلام، من أن أول ما نزل من وحى السماء على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قوله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذى خلق) ثم إنه سبحانه أقسم بأداة العلم وهى القلم في قوله تعالى:(ن والقلم وما يسطرون) فدين الاسلام وكتابه هو كنز العلوم التى حثنا القرآن في آياته مرارا على النظر إلى صنع الله في مخلوقاته والتأمل فيها والتفكير في خواصها وأسرارها والعلم بها.

وإنه من الخطأ أن يتوهم الواهمون بأن العلم هو ما أتى به أهل الغرب، أو أنه علم العصور الذى يتطور من حين إلى حين، إذ الحقيقة أن علوم الدين الاسلامى هى نهاية العلم، وقد ثبت أن مبادئه وشرائعه منذ نزلت وإلى أن يرث الله الارض ومن عليها هى خير المبادئ والشرائع لكل زمان ومكان.

وأن الاسلام دين واحد لا يتعدد في نظمه ولا يتطور في أصوله، وليس هناك إسلام قديم يناسب عصره وإسلام جديد يتفق مع أهواء البشر وتقلباتهم.

ويجب أن يؤمن كل مسلم بأن ما يجد في عصرنا من إدراك علمى لآيات القرآن ليس معناه أن حقائق القرآن تغيرت أو تطورت في ذاتها، وإنما الذى يتغير ويتطور هو عقل الانسان الذى يتسع إذا استنار وفكره إذا استقام مع كثرة البحث والدرس والتجريب فيبدو له القرآن على حقيقته الاصلية الخالدة.

٥٥

لمحة في كوكبنا الارضى

جاء‌ت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن السماء والارض والنجوم والشمس والقمر، وعن ظاهرات اختلاف الليل والنهار وجريان الشمس وتكون السحب ونزول الامطار وكذلك ذكرت ما يوجد على الارض من جبال وأنهار ونبات وأشجار وحيوان وحشرات، كما وردت آيات تبين خلق الانسان وسلالاته وما يتعلق بحياته وجهاده وسعادته أو شقائه وذكرت غير ذلك كثيرا من شتى المخلوقات التى أوجدها لله في ملكه وحثنا على مشاهدتها والتدبر في روائعها.

وقد اهتدى الانسان بما وهبه الله من ملكات واستعدادات عقلية أن يعرف الكثير عن عالمنا الذى نعيش فيه واستطاع أن يكشف لنا عن أن الكرة الارضية لبثت زهاء عشرين مليونا من القرون بلا حياة ولا أحياء تدب عليها، وذلك خلال الازمنة والحقب الجيولوجية وقبل ظهور الحياة عليها.

ولم يكن هناك على سطح الكرة الارضية وقتئذ سوى الصخور والمياه ولا شئ غير ذلك وفي تلك الازمنة السحيقة أخذت العوامل الجوية ولحركات والاضطرابات الباطنية تفتت الصخور ويترسب فتاتها على هيئة طبقات رسوبية يستقر بعضها فوق بعض على قيعان البحار والمحيطات كما تنتظم الصحف في الكتب ورقة فوق أخرى.

وبعد هذا النوم العميق في حياة الكرة الارضية بدأت معالم الحياة ومواكبها تظهر في صور بدائية من عوالم الحشرات والنباتات والاشجار والغابات، وتغير وجه الارض مرارا وصار عاليها سافلها تحت تأثير العوامل الجوية والحركات الباطنية فكانت الكائنات الحية من نبات وحيوان تنطمر في باطن الارض،

٥٦

وتترك آثارها فيه كما كانت عليه من حجم وهيئة وكيان في حياتها، وهذه هى الحفربات التى يعثر عليها علماء الجيولوجيا في بحثهم ودراستهم لطبقات الارض، وهم يشبهون الصخور الرسوبية وما فيها من حفريات بأنها السطور التى كتبتها الارض في سجل تاريخها الطويل الحافل بتطوراتها وتقلباتها، وهذا هو سفر التاريخ الاعظم الذى ما يزال علم الجيولوجيا يستمد منه الحقائق تلو الحقائق مع كل حفر وتعمق في البحث لاظهار معالم الحياة والاحياء في عهودها القديمة جدا، وهى عهود لها أزمان تقدر بالآف الملايين من السنين ولا يعرف مددها إلا الله الازلى الذى لا أول له ولا آخر.

الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له ومتدبر فيه

إن الارض التى يعيش عليها الانسان وغيره من المخلوقات هى جزء ضئيل جدا في ملكوت الله، بل هى ذرة أول أو أقل في عالم الاكوان الذى هو مجموعات هائلة من مجرات هائلة ونجوم لا حصر لعددها ولا نهاية لامتدادها خلقها الله سبحانه بقدرته وإرادته، وأوجد فيها أنواعا شتى من مخلوقاته، ودبر أمورها تدبيرا محكما قائما على العدل والرحمة والاحسان والاتقان لانه جل جلاله لم يخلقها عبثا بل أوجدها لحكمة عليا أرادها هى معرفة عباده له وواجب عبادته وحده.

وقد شاء‌ت إرادة الله أن يجعل هذا الكون العجيب كتابا مفتوحا يقرأه كل من يتأمله ويتدبره بعين العقل والفكر والوجدان ليتضح أماما بصيرته ما فيه من روعة وجمال وبهاء وما أودعه الله في نظامه الدقيق من قوانين ونواميس تحكمة وتنظمه، وقد اجتهد في قراء‌ة صحف هذا الكتاب الكونى علماء مفكرون وباحثون ملهمون وخبراء متخصصون استطاعوا مع طول الدرس والبحث أن يكشفوا في عصورنا الحديثة عن كثير من أسرار الكون في ضوء

٥٧

العلوم التى وضعوا قواعدها في الطب والفلك والرياضيات والكيمياء والجيولوجيا والهندسة والتكنولوجيا وعلوم الانسان والحيوان والنبات والحشرات وغير ذلك من مختلف العلوم التى هدى الله بها الانسان أن يتعلم ما لم يعلم من علم الله الواسع في ملكوت السماوات والارض.

وقد نزل في كثير من آيات القرآن إشارات إلى العلوم الكونية وغيرها مما تمكن الانسان بواسطتها أن يصل إلى معرفة قوانينها وقواعدها ونظرياتها بعد نزول القرآن بعدة قرون، وكان من فضل الله على الناس أنه وجه أنظارهم إلى الكون ليدرسوه ويتعرفوا على ما جاء في الآيات القرآنية عن حقائق عنه، وقد استطاع أولو الالباب من العلماء أن يلمسوا الصلة الوثيقة بين ما أوحى به القرآن من قبل وما كشف عنه العلم من بعد وما تأكد من سبق القرآن بأكثر من أربعة عشر قرنا بهذه المعلومات عن الكون وما فيه وأنها في جوهرها تتفق مع العلم الحديث الصحيح في معظم نظرياته التى انتهى من إقرارها بعد ثبوتها.

وفيما يلى عرض لمختلف الآيات الكونية وغيرها، وكل آية منها مفسرة أولا تفسيرا يتفق مع وجهة نظر علماء الدين، وثانيا مفسرة تفسيرا عصريا يتمشى مع الآراء العلمية التى ثبتت صحتها، وزيادة في توثيق الصلة بين النص القرآنى والعلوم الحديثة وتوافقهما أضفت فقرات موجزة لبعض النظريات العلمية المؤيدة للقرآن مع شرح مبسط لها.

٥٨

آيات قرآنية مع تفسير لها قديما وحديثا عن نشأة الكون

قال الله تعالى في سورة فصلت آية - ١١:( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَ هِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ‌، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) تفسير علماء الدين: ثم عمد سبحانه إلى خلق السماء وهى على هيئة دخان فوجدت، ثم إن خلقه للسماوات والارض - على وفق إرادته - هين عليه بمنزلة ما يقال للشئ احضر - راضيا أو كارها فيطيع وأتم خلق السماوات سبعا في يومين أخرين.

النظرة العلمية: يقول العلم إن للقصود بكلمه دخان في الآية السديم وهو السحب الكونية أو المجرات التى نشأت فيها السماء والارض، والسماوات السبع التى يرد ذكرها في كثير من الآيات هى على أرجح الاقوال الكواكب السبع السيارة المعروفة، وأن اليومين المذكورين في الاية هما في رأى الجيولوجيا الزمنين الذين استغرق كل منهما ملايين السنين لتكوين هذه السماوات، وأحد هذين الزمنين انقضى وقت أن كانت الارض مرتوفة أى متصلد بالسديم، والآخر بعد أن انفتقت الارض أى انفصلت عن السديم، وإليك وصفا علميا للمجرات.

المجرات(الصدم) المجرات جمع مجرة وهى كما يفسرها العلم سحابة ضخمة من غازات ومواد صلبة وعناصر أخرى مختلفة تتحرك بسرعة داخلها، وهى تتجاذب فيما بينها،

٥٩

وقد أطلق عليها علماء الفلك من العرب اسم المجرة لانها تشبه النهر الجارى، وقوام الكون المرئى يربو حتى الآن على ألف مليون مجرة تظهر على الالواح الفوتوغرافية التى يستخدمها العلماء لتصويرها، أما الكون غير المرئى فلا يعلمه إلا الله الذى وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم وتتباعدا المجرات بعضها عن بعض بسرعة هائلة فيتسع تبعا لذلك حجم الكون وتتولد فيه مجرات جديدة من الغازات الكونية بنفس الطريقة التى تكونت بها المجرات القديمة وهذا ما يطلق عليه العلماء نظرية تمدد الكون مصداقا لقوله تعالى:(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) والكرة الارضية موجودة في إحدى هذه المجرات المعروفة باسم طريق التبانة لانها تشبهه منظر التبن عندما يتبعثر على الطريق، والكرة الارضية هى إحدى أقراد المجموعة الشمسية التى سيأتى الكلام عنها فيما بعد.

معنى السماء

ترد كلمة السماء والسماوات مرارا وتكرارا في القرآن، وإليك بيانا وتعريفا علميا عنها: يفسر العلم السماء بأنها الكرة الكونية الجامعة لكل الافلاك والنجوم في مجرتنا أى حدود عالمنا المادى، وهذا يوافق تفسير الامام محمد عبده إذ يقول: السماء إسم لما علاك وارتفع فوق رأسك، وأنت إنما تتصور عند سماعك لفظ اسماء هذا الكون الذى فوقك، وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجرى في مسالكها وتتحرك في مداراتها، وهذا هو السماء، وقد بناه الله أى رفعه وجعل كل كوكل منه لبنة من بناء سقف فيه أو جدران تحيط به، وقد تجاذبت هذه الكواكب السيارة بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء

٦٠

الواحد بما يوضع بينها من مواد تتماسك بها.

ومما تجدر الاشارة إليه أن السماء تدل على الفراغ اللانهائى في الكون والذى لا يمكن أن يكون خلوا لا يشغله شئ بل يملاه وسط غير مادى اسمه الاثير وفي هذا الوسط غير المادى تنتقل الطاقات غير المادية مثل موجات اللاسلكى أو الراديو والرادار والضوء والحرارة، ويطلق على هذه الطاقات اسم أمواج الاثير.

وقال تعالى في سورة الانبياء آية - ٣٠:( أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ کَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ) .

تفسير علماء الدين: أو لم يعلم الذين كفروا بمحمدعليه‌السلام وبالقرآن أن السماوات والارض كانتا رتقا لم تنزل منها قطرة من مطر، ولم ينبت على الارض شئ من النبات ملتزقا بعضها على بعض ففرقناهما عن بعض بالمطر والنبات؟ ويقول تفسير آخر: أعمى الذين كفروا ولم يبصروا أن السماوات والارض كنتا في بدء خلقهما ملتصقتين بقدرتنا ثم فصلنا كلا منهما عن الاخرى.

النظرة العلمية: يتفق نص هذه الآية مع أحدث النظريات في نشأة الارض والسماء وذلك أنهما كانتا في أول أمرهما ملتصقين داخل السديم الذى يحتويهما، ثم إنهما انفصلتا نتيجة انفجارات شديدة حدثت داخل السديم وتم الانفتاق المذكور في الآية بعد أن كانتا مرتوقتين أى متصلتين بعضها ببعض وفي ذلك إشارة لما حدث في الكون من انفجارات انتشرت بسببها مادة الكون فيما حولها من فضاء وفراغ انتهت بتكوين مختلف أجرام السماء المختلفة.

٦١

وقال تعالى في سورة الواقعة آية - ٧٥، ٧٦:( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‌ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) .

تفسير علماء الدين: فأقسم حقا بمساقط النجوم عند غروبها آخر الليل وهى أوقات التهجد والاستغفار وأنه لقسم - لو تفكرون في مدلوله - عظيم الخطر بعيد الاثر.

النظرة العلمية: يقسم المولى تبارك وتعالى بمواقع النجوم لان القسم بمواقعها يوجه الانتباه إلى أن المسافات بين النجوم تبلغ حدودا لا يتصورها الخيال فمثلا نجد أن أقرب نجم إلينا في مجرتنا وهى الشمس تبعد عنا بمقدار ٥٠٠ ثانية ضوئية بينما النجم الذى يليها في القرب يبعد عنا بمقدار أربع سنوات ضوئية تقريبا، والسنة الضوئية تدل على مدى المسافة التى يقطعها الضوء في سنة كاملة علما بأن سرعد الضوء تساوى ٣٠٠ ألف كيلومتر في الثانية، ثم إن هناك مدلولا علميا آخر عن مواقع النجوم وهى أن موقع الشمس موقع بالغ الدقة في وضعه لكى تستقيم معه الحياة على كوكبنا الارضى، لانها لو تقدمت عن موضعها الاحالى لاحترقت الارض من شدة حرارتها ولو تأخرت عن موضعها لبردت الارض وتجمدت فيها البحار والمحيطات وتصير غير صالحة لحياة البشر عليها.

ويلى هذه الآية قول الله:(أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) وهذا القسم للاشادة بشأن القرآن وأنه كثير المنافع وأنه محفوظ في لوح مصون لا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة.

٦٢

وقوله تعالى في سورة الرحمن آية - ١٩، ٢٠:( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ‌، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ، فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ ؟ ) .

تفسير علماء الدين: أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران وتتماس سطوحهما وبينهما حاجز من قدرة الله لا يطغى أحدهما على الآخر فيمتزجان، وقد ذهب بعض المفسرين القدماء في تفسير هذه الآية إلى القول بأن المقصود بالبحرين الانهار والبحار ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، فبأى نعمة من تعم ربكما تجحدان؟.

النظرة العلمية: تشير هذه الاية إلى نعمة الله على عباده وهى عدم اختلاط مياه البحار المتجاورة بل جعل بينهما قانونا ثابتا يحكم فيهما العلاقة بينهما من حيث الكثافة والملوجة وما فيهما من أحياء مائية كأن بين كل بحر وآخر حاجزا غير ظاهر للعيان لم تقمه يد الانسان ولكن أقامته يد الرحمن ومن عجائب قدرة الله تعالى أنه جعل ماء النهر لا يؤثر في ماء البحر فيغير ملوحته كما لا يؤثر ماء البحر في ماء النهر لان النهر الذى يصب في البحر يكون عادة في مستوى أعلى من مستوى سطح البحر، وتدل المشاهدة على أن مياه نهر الامزون الذى يصب في المحيط الاطلسى تندفع مسافة ٢٠٠ ميل في المحيط حافظة لعذوبتها طول هذه المسافة، وفي الخليج العربى نجد عيونا من الماء العذب تفيض داخل ماء الخليج الملح بماء عذب.

٦٣

وقال تعالى في سورة الطارق آية - ١١: ١٢:( وَ السَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَ الْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ‌ وَ مَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) .

تفسير علماء الدين: أقسم بالسماء ذات المطر الذى يعود ويتكرر عل الارض ذات الانشقاق عن النبات الذى يخرج منها، إن القرآن فاصل بين الحق والباطل، وليس فيه شائبة من لهو ولعب بل هو الحق لا مرية فيه.

النظرة العلمية: يتجلى إعجاز القرآن في كلماته الحقة التى تنطوى على معان دقيقة وتحمل علما إلهيا لا علما بشريا، ففى قوله تعالى والسماء ذات الرجع أى أنها ترجع وتعيد لارض ما يصعد من بحارها ومحيطاتها من بخار الماء الذى يتجمع مكونا سحبا ثم يتكاثف ويسقط الامطار الغزيرة على الارض كما أقسم سبحانه بالارض ذات الصدع أى التى تتصدع وتتشقق ليخرج منها النبات بعد ارتوائها بماء المطر، كما أنها أيضا ذات الصدوع التى تكونت في باطنها وصارت مكامن تتفجر منها مواد الغاز الطبيعى والبترول وينابيع المياه الكبريتية وكأنها تعيد لنا ما انطوى في باطنها من النبات بعد تحوله وتحلله إلى مواد أخرى.

وقال تعالى في سورة النبأ آية ٦:( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً وَ الْجِبَالَ أَوْتَاداً ) .

تفسير علماء الدين: ألم نجعل الارض مهادا أى فراشا ومناما، والجبال أوتادا لها لكى لا تميد بهم

٦٤

النظرة العلمية: تمكن الانسان بوسائله العلمية المختلفة أن يثبت أن الجزء الصلب من القشرة الارضية يبلغ سمكه ٦٠ كيلومترا، وأن بعض هذه القشرة يرتفع مكونا الجبال وينخفض بعضها ليكون قيعان البحار والمحيطات، وأن وجود الجبال على سطح الكرة الارضية موزعة بدقة وحكمة يساعد على التوازن بين المرتفعات والمنخفضات بحيث لا تميد الارض ولا تضطرب، فكأن هذه الجبال تعمل عمل الاوتاد التى تحفظ توازن الخيمة واستقرارها.

وهناك حقيقة علمية أخرى وصل إليها البحث العلمى في توزيع الجبال واليابس والماء على سطح الارض بنسب أحجامها الحالية علاوة على التوزان بحيث لا تميد الارض ولا تحيد عن موضعها، وهى أنه لو كانت الارض بحجمها الحالى مكونة من الماء بنسبة أكبر لبلغ وزنها أقل مما هي عليه الآن ولما تمكنت من حفظ نسبة بعدها عن الشمس بل لانجذبت إليها واحترقت ولو كان أكثرها مكونا من اليابس لزاد وزنها عما هي عليه الآن ولبعدت عن الشمس البعد الذى لا تتحقق معه الحياة لانها في هذه الحالة تتجمد من شدة البرودة.

وقال تعالى في سورة آل عمران آية - ١٣٧:( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِکُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا کَيْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِينَ‌ ) .

تفسير علماء الدين: قد مضت من قبلكم أيها المؤمنون سنن الله في الامم المكذبة بإمهالهم ثم أخذهم الله بذنوبهم فتأملوا عواقبهم.

٦٥

النظرة العلمية: يقرر العلم أنه يكفى لتحصيل العلم قراء‌ته ودراسته بل يختط لنا منهجا عمليا للوطول إلى العلم الصحيح هو منهج(السير والنظر) فقى السير مشاهد مختلفة يراها السائر، وفي تأملها تبدو له ملاحظات هامة يجمعها ثم يستقرئها ليستنبط منها القوانين العامة التى تربط بعضها وهذا هو المنهج الاستقرائى الذى توصل إليه بيكون أحد العلماء الانجليز بعد نزول القرآن بألف سنة.

وقال تعالى في سورة هود آية - ٧:( وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ کَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَکُمْ أَيُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) .

تفسير علماء الدين: والله خلق السماوات والارض وما فيهما في ستة أيام، ومن قبل ذلك لم يكن في الوجود أكثر من عالم الماء ومن فوقه عرش الله، وقد خلق الله هذا الكون ليظهر بالاختبار أحوالكم وأعمالكم ويعلم من يقبل على الله بالطاعة ومن يعرض عن ذلك.

النظرة العلمية: ترد كلمة العرش في اللغة بمعنى سرير الملك، ورب العرش هو الله جل جلاله الذى وسع كرسيه السماوات والارض جميعا، وتعنى كلمة السماء كل ما أظلك وعلاك، وتشمل طبقات الهواء الذى تقل كثافته تدريجا كلما علونا حتى تصل هذه

٦٦

الطبقات العليا إلى مناطق الفراغ الكونى والفضاء اللانهائى حيث تسبح النجوم والكواكب في أفلاكها بنظام دقيق طبقا لقانون الجاذبية، وتوضح هذه الآية الكريمة ما توصلت إليه النظريات الحدينة عن نشأة الارض، وخلاصتها أن أرضنا كانت جزء‌ا متصلا بجرم الشمس ثم انفصلت وابتعدت عنها تبأثير عوامل خارجية طارئة عليها، وبعد انفصالها صارت كرة ملتهبة بداخلها مواد منصهرة لشدة حرارتها، وتحيط بها طبقات كثيفة من غازات وأبخرة أخذت تشع حرارتها الشديدة في الفضاء وتبرد شيئا فشيئا، واقترنت برودتها بانكماشها وتغضن في سطحها أى بارتفاع أجزاء منها وانخفاض أخرى، وهبوط المواد الثقيلة من عناصرها إلى مركز الارض الباطنى وطفو المواد الخفيفة منها حول قشرتها، وقد استغرقت برودة قشرة الارض ملايين سنين التى عبر عنها القرآن بستة يام، وأيام الله لا يعلم مدى مدتها وأزمانها إلا الله سبحانه وتعالى لانها تحسب بملايين السنين وفي خلال الزمن الطويل الذى استغرقته برودة القشرة الارضية تكاثرت فوقها كتل كثيفة من الغازات والابخرة، مكونة سحبا متراكمة سميكة ظللت الارض بظلمات جو قاتم يتخلله برق ورعد وانهمار للمطر بكميات هائلة من المياه التى غمرت سطح الارض وغمرت جميع المنخفضات في الارض وكونت البحار والمحيطات، كما أنها نسربت إلى الفجوات والانكسارات والشقوق داخل الارض مكونة بها المياه الجوفية، وقد استمر انهمار المطار بدون انقطاع حتى زاد وعلا التلال والهضباب والجبال وغطاها كلها ولم يبق ظاهرا على وجه الارض سوى عالم الماء ولا شئ غيره يحيط بالكرة الارضية من جميع أقطارها، ومعنى ذلك أن الارض قبل أن تقوم عليها الحياة بصورتها الحاضرة من يابس وماء ونبات وحيوان كانت عالما واحدا فقط من الماء يمتد تحت عرش الله المسيطر والمهيمن بسلطانه على الاكوان كلها.

٦٧

وهذا يذكرنا بكل جلاء ووضوح معنى الآيات التى فيها تسأل يلفت النظر إلى قدرة الله عظمته وحكمته وإرداته في ملكه بقوله تعالى:(أء‌نتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماء‌ها ومرعاها، والجبال أرساها متاعا لكم ولانعامكم).

فسبحانه من إله قادر مقتدر خلق فسوى وقدر فهدى وأمرنا بالتفكير والتدبر في مخلوقاته ومصنوعاته كما يقول تعالى في سورة العنكبوت آية - ٢٠:( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ ) وها هو القرآن يدعونا إلى التفكر في بدء الخلق منذ أن تصلبت قشرة الارض الخارجية وتكونت عليها القارات والمحيطات لذلك اجتهد علماء الجيولوجيا أن يقرأوا تاريخ الارض من طبقات الصخور الرسوبية التى تراكمت عليها وفى طياتها الكثير من بقايا الكائنات الحية التى عاشت عليها سواء كانت لحيوان أو نبات وهذه البقايا المتحجرة هى ما نسميه اليوم بالحفريات، وهى في واقعها سجل حافل بتاريخ الخليقة منذ بدايتها، وقد استطاع العلم بوسائله المتقدمة أن يقرأ كثيرا من صفحات هذا السجل ويعرف حقائق كثيرة عن نشأة الارض وتطوراتها خلال الازمنة الجيولوجية.

وقال تعالى في سورة البقرة آية - ٢٩:( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَکُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ هُوَ بِکُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ‌ ) .

٦٨

تفسير علماء الدين: إن الله هو الذى تفضل عليكم بأن خلق لمنفعتكم وفائدتكم كل النعم الموجودة في الارض، ثم توجهت إرادته إلى السماء فجعل منها سبع سماوات فيها ما ترون وما لا ترون والله محيط بكل شئ.

النظرة العلمية: جاء في تفسير علماء الفلك لهذه الآية أنه يصح أن يراد بالسماوات السبع مدارات الكواكب السيارة التى تدور حول الشمس، ويصح أن يراد بها الطبقات المختلفة لما يحيط بالارض، ذلك أن الله تعالى بعد أن أكمل تكوين الارض ودبت الحياة على سطحها وجعل حولها أجواء من طبقات أودع فيها وسائل لوقايتها من أهوال الفضاء الذى يرسل باشعاعات مهلكة وتتهاوى فيه شهب ونيازك مدمرة، وهذه الطبقات لم تعرف خواصها إلا في العصور الحديثة فأنى لمحمد النبى الامى العلم بها؟ وقال تعالى في سورة الانبياء آية - ٣٢:( وَ جَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ‌ ) .

تفسير علماء الدين: وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها أن تقع، أو يقع ما فيها عليهم، وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة على قدرتنا وحكمتنا ورحمتنا.

٦٩

النظرة العلمية: تقرر هذه الآية الكريمة أن السماوات وما فيها من أجرام حافظة لكيانها ومتماسكة فيما بينها ولا خلل يعتورها ومحفوظة من أن تقع على الارض، هي كل ما علانا وهي تبدأ بالغلاف الهوائى الذى يحمى أهل الارض من كثير من أهوال الفضاء التى لا تستقيم معها الحياة بأى حال، مثل الشهب والنيازك والاشعة الكونية وفوق الارض الغلاف الهوائى الذى تحتفظ به الارض بقوة الجاذبية ولا سبيل إلى فقده في خضم الفضاء المتناهى، وفوق الغلاف الهوائى أجرام السماء على أبعاد مختلفة وتدور دوراتها المنتظمة في أفلاكها منذ أن خلقها الله تعالى.

قانون الجاذبية

توجد في الكون نظم لها قوانين لا تتبدل ولا تتغير منذ الازل ومن أول هذه القوانين قانون الجاذبية الذى يعمل على تجميع شتات الاجزاء المادية المتقاربة في أبعاد دقيقه محددة، ولولا قوة هذا القانون لسقطت الكائنات في هاوية الفضاء، ويتركز ثقل الارض في مركز تكورها أى أن الارض تجذب الاجسام التى عليها نحوه، وقد اكتشف هذا القانون نيوتن العالم الانجليزى الذى لاحظ يوما أن تفاحة سقطت من شجرتها على الارض فأخذ يفكر في سبب سقوطها إلى أن وصل إلى قانون الجاذبية الذى يثبت أن كل جسم مادى يجذب غيره من الاجسام المادية بقوة تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما، كما يدل على ذلك علم الديناميكا، وهذا هو القانون الذى يربط الاجرام السماوية ويحفظ تماسكها وانتظامها في مداراتها.

٧٠

وقال تعالى في سورة الفرقان آية - ٦١:( تَبَارَکَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَ قَمَراً مُنِيراً ) .

تفسير علماء الدين: تعالى الرحمن وتزايد فضله، أنشأ الكواكب في السماوات وجعل لها منازل تسير فيها وجعل من الكواكب الشمس سراجا مضيئا وقمرا منيرا.

النظرة العلمية: يرى سكان الارض نجوم السماء على هيئة مجموعات تكاد تحتفظ بصورها على مر الاجيال، والبروج هى تلك المجموعات من الاجرام التى تمر أمامها الشمس أثنا دورانها الظاهرى من حول الارض، فالبروج كأنها منازل الشمس في دورانها أثناء السنة.

وكل ثلاثة منها تؤلف فصلا من فصول السنة، وعدد هذه البروج اثنى عشر وهى: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت، وفي قوله تعالى في وصف الشمس أنها سراج اشارة إلى أنها مصدر الطاقة الحرارية نظرا للتفاعلات الذرية في داخلها، والاشعاع الشمسى المنبعث من هذه الطاقة يسقط على الكواكب والارض والاقمار وسائر اجرام السماء غير المضيئة، أما القمر فينير بضياء الشمس المرتد على سطحه.

وقال تعالى في سورة يس آية - ٣٨:( وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذٰلِکَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

٧١

تفسير علماء الدين: إن الشمس تجرى ليلا ونهار لغاية محددة لها وإلى مستقر قدره الله لها زمانا ومكانا وذلك تدبير الله الغالب بقدرته والمحيط علما بكل شئ.

النظرة العلمية: يقرر علم الفلك بأن الشمس لها مجموعة من الكواكب والاقمار والمذنبات تتبعها دائما وتخضع لقوة جاذبيتها وتجعلها تدور من حولها في مدارات متتابعة بيضاوية الشكل، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها الذاتية، والخلاصة أن المجموعة الشمسية تجرى في الفضاء بسرعة محدودة وفي اتجاه محدود، وتبلغ هذه السرعة حوالى ٧٠٠ كيلومتر في الثانية، وتتم دورتها حول المركز في مدى ٢٠٠ مليون سنة ضوئية، ولم يتوصل علماء الفلك إلى معرفة هذه الحركة واتجاهها إلا في أوائل القرن العشرين فأين هذا من وقت نزول القرآن حيث لم يكن محمد النبى الامى ولا قومه يعرفون شيئا من ذلك.

وقال تعالى في سورة الرحمن آية ٣٣ - ٣٥:( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ ، يُرْسَلُ عَلَيْکُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَ نُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ ) .

تفسير علماء الدين: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والارض هاربين فأخرجوا، لا تستطيعون الخروج إلا بعوة وقهر، ولن يكون لكم ذلك،

٧٢

فبأى نعمة من نعم ربكما تكذبان؟ يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب فلا تقدران على دفع العذاب النظرة العلمية: قد يتوهم العامة من أهل عصرنا هذا عصر غزو الفضاء أن الانسان قد حقق أعظم اتجاز علمى وعملى بالصعود إلى القمر وأنه تمكن بفضل مخترعاته وأجهزته أن يسير فوق سطح القمر، وأن يحضر معه في عودته عينات من صخوره وترابه لتحليلها والتعرف على عناصرها، وظن بعض البسطاء والجهلاء بآيات القرآن أن الانسان بعمله هذا قد تمكن من النفاذ إلى أقطار السماوات وأنه حقق هذا النفاذ بسلطان العلم، والحقيقة أن هذا الزعم لا أساس له مطلقا من الصحة لان كلمة سلطان التى أولها المتأولون خطأ بمعنى سلطان العلم إنما هى في حقيقة الامر سلطان الله سبحانه وهو السلطان الآلهى الذى نفذ بقوته النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أقطار السماوات ليلة معراجه، لانه هو السلطان القاهر على إخضاع سنين الكون وقوانينه لارادة الله تعالى.

ويرى العلم الحديث في هذه القضية أن القمر الذى وصل إليه الانسان بقوة صواريخه إنما هو جرم صغير تابع للارض، وكأنما هو ضاحية قريبة من ضواحيها إذا لا يبعد عنها بأكثر من ٢٤٠٠٠٠ كيلومتر، فأين هذا البعد من أقطار السماوات التى يبلغ أبعاد القريب منها عن الارض بألف سنة ضوئية، مع العلم بأن الضوة يسير بسرعد ٣٠٠٠٠٠ كيلومتر في الثانية فكم من الكيلومترات يقطع الضوء في الدقيقة ثم في الساعة ثم في اليوم ثم في الشهر ثم في السنة أنه يقطع في السند مسافات لا تقدر بأرقامنا الحسابية وإنما هى أرقام فلكية خيالية.

ولنضرب مثلا يبين لنا استحالة الوصول إلى هذه الاقطار السحيقة أننا لو أردنا

٧٣

الوصول إلى الشمس وهى أقرب النجوم إلى الارض واستخدمنا قطارا من قطر السكة الحديدية وجعلناه يسير بسرعة ٦٠ كيلو مترا في الساعد ليلا ونهارا بدون انقطاع لوصل إليها بعد ٣٠٠ سنة، فما يالك بمدة الزمن اللازم للوصول إلى نجم يبعد عن الارض بألف سنة ضوئية.

المجموعة الشمسية

الشمس والارض والقمر والنجوم والكواكب والشهب ألفاظ جاء‌ت في القرآن كثيرا، فالشمس ذكرت ٣٣ مرة، والارض ذكرت ٤٦١ مرة، والقمر ذكر ٢٧ مرة، وهذه الاجرام السماوية هى وحدات من المجموعة الشمسية التى هى المجموعة الوحيدة من بين آلاف المجموعات التى يتألف منها الكون والتى يمكن القول بأننا نعرف عنها بعض الحقائق لاننا نعيش فيها.

وتتكون المجموعة الشمسية من نجم عظيم يشغل مركزها وهو الشمس، ومن عشر كواكب سيارة تدور حول هذا النجم في اتجاه واحد من الغرب إلى الشرق وفي مستوى واحد، وكأنها كرات مختلفة الاحجام تطفو فوق الماء، وهذه الكواكب هى: عطارد والزهرة والارض والمريخ والكويكبات والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو، وتختلف أحجام هذه الكواكب، وإن أكبرها حجما هو المشترى الذى يقع في مركز متوسط بينها، أما بقية الكواكب فإن أحجامها تتدرج في الصغر كلما بعدت عنه في كلا جانبيه، ولبعض هذه الكواكب أقمار تابعة لها تدور حولها، وللارض قمر واحد يدور حولها، وإليك تعريفات موجزة عن بعض أفراد المجموعة الشمسية وهما الشمس والقمر:

٧٤

الشمس: نجم عظم الحجم يبلغ حجمه بالنسبه لحجم الارض ٠٠٠ , ١٣٠٥ مرة وتصدر منه الحرارة والضوء، وتندلع في بعض نواحيه ألسنة من اللهب تمتد آلاف الكيلومترات في الفضاء، وتدور الشمس حول محورها كما تدور الارض حول محورها، وتكمل الشمس دورتها في ٢٦ يوما وقد تمكن العلماء من تحديد هذه المدة بملاحظة دورة البقع الشمسية وهى المعروفة باسم الكلف الشمسى على سطحها، وينبعث من هذه البقع غازات وأعاصير يمكن تسجيلها عن طريق التحليل الطيفى، لمعرفة عناصرها، وتبلغ درجة حرارة الشمس عند سطحها ٦٠٠٠ درجة مئوية ولكنها في مركزها الباطنى تربو على ١٥ مليون درجة، ورغم أن الشمس تدور حول نفسها، فإنها ليست ثابتة في مكان واحد بل إنها تسير في الفضاء وتسير معها أسرتها تنبعها وهى تجرى لمستقر لها.

القمر: تابع للارض يدور حولها مرة في كل شهر قمرى، والارض تدور في نفس الوقت حول شمس، وتبلغ سرعة القمر أثناء دورته حول الارض ٣٣٠٠ ميلا في الساعة، وتبلغ كتلة الارض ٨٠ مرة قدر كتلة القمر، ويبعد القمر عن الارض بمقدار ٢٤٠٠٠٠ كيلومتر، ويستخدم الرادار في قياس أبعاد الاجرام السماوية القريبة فقط: مثل القمر وذلك بمعرفة الزمن الذى تقطعه الموجة اللاسلكية في الذهاب ألى القمر والعودة منه، ويدور القمر حول محوره ببطئ شديد، ولذا كان يومه أطول من يومنا كثيرا، فيستغرق كل من الليل والنهار أسبوعين، أى أن الشهر القمرى نصفه نهار على وجه من القمر، ونصفه ليل على وجهه المقابل، ولذا تصل الحرارة في النصف المقابل للشمس حوالى ١٣٠ درجة مئوية، بينما تهبط أثناء الليل في النصف الآخر إلى حوالى ١٥٠ درجة مئوية تحت الصفر.

٧٥

معجزة القرآن في وصف الكائنات

لقد جاء حديث القرآن عن الكائنات التى أبدعتها يد القدره مناسبا لجميع الناس على اختلاف درجات عقولهم وأفهامهم فكان لهم من ظاهره معان واضحة سهلة تصور لهم روعة صنعة الخالق كما يشاهدونها أمامهم، وتبين لهم ما فيها من آيات القدرة العظيمة المبدعة ودلائل العلم الواسع المحيط بكل شئ والموجه للعقول إلى فهم رحمة الله ومبلغ لطفه بعباده لكي يتعرفوا منها بالتعقل والتبصر على خالق الخلق وجلال ذاته وكمال صفاته إذ الصنعة دليل ساطع على قدرة الصانع وإبداعه.

ولكن المتأملين في حديث القرآن من أهل العلم والخبرة بالكائنات يرون في ألفاظ القرآن وعباراته أنها فوق معانيها الظاهرة وأن لها معان دقيقة تنطوى على اصول وجوامع من العلم الواسع الدقيق الذي لم يكن معروفا للناس من قبل ولم يتعرفوا عليه إلا بعد انتشار العلم الحديث بينهم في القرنين الاخيرين، وانكشفت هذا المعاني للمتأملين من أصحاب العقول الراجحة في ضوء علومهم الخاصة إما من صريح النص القرآني أو من إشارات ورموز لها.

وقال تعالى: في سورة يس آية - ٣٩:( وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ‌ ) تفسير علماء الدين: والقمر جعلنا له منازل كمنازل الشمس، وهو يزيد وينقص حتى يصير كالعذق للقوس أو السباطة اليابسة إذا حال عليها الحول وجفت.

٧٦

النظرة العلمية: دلت الدراسات الفلكية على أن القمر يدور حول نفسه، وفي نفس الوقت يطوف حول الارض مرة واحدة في كل شهر، ولا يظهر لنا من القمر مدة دورته هذه سوى وجه واحد هو الوجه المواجه للارض، أما جهة الآخر فلم ولن يراه سكان الارض، وتعرف دورته هذه بالشهر القمري، وفي كل يوم من هذا الشهر يبدو لنا القمر بأوجه مختلفة، ففي أول الشهر يكون في المحاق لانمحاق نوره أي اختفائه ثم يكون بعد سبعة أيام في التربيع الاول، ثم يكون بدرا في وسط الشهر ثم يكون في التربيع الثاني بعد الاسبوع الثالث، ثم يكون في المحاق آخر الشهر وهكذا دواليك، وبذلك يعرف الناس المواقيت.

وتعبير القرآن بالعرجون القديم الذي لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة هو تشبيه علمى يمثل لنا حالة القمر الواقعية بأنه لا حضرة فيه ولا ماء ولا حياة، وقد تحقق ذلك فعلا بعد أن تمكن الانسان أخيرا من النزول على سطح القمر والسير فوقه ومشاهدة معالمه المقفرة، فسبحان من بيده ملكوت كل شئ وهو على كل شئ قدير.

وقال الله تعالى في سورة يس آية ٤٠:( لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَ کُلٌّ فِي فَلَکٍ يَسْبَحُونَ‌ ) .

تفسير علماء الدين: إن الشمس لا يصلح لها أن تطلع في سلطان القمر فيذهب ضوؤه، ولا الليل

٧٧

يطلع في سلطان النهار فيذهب ضوؤه بل إن الشمس والقمر والنجوم كل منها في أفلاكها تدور ولا تخرج عنها.

وتفسيرا آخر يقول: لا الشمس يتأتى لها أن تخرج على نواميسها فتلحق القمر وتدخل في مداره ولا الليل يتأتى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه بل هما متعاقبان وكل الاجرام السماوية تسبح في أفلاك لا تخرج عنها.

النظرة العلمية: يثبت العلم الحديث أنه لا يمكن أن تدرك الشمس القمر ولا يمكن أن يتلاقيا لان كلا منهما يجرى في مدار مواز للآخر فيستحيل أن يتقابلا لان الخطين المتوازين لا يتلاقيان أبدا، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار لان ذلك يتطلب من الارض أن تدور عكس اتجاهها الطبيعى الذى هو من الغرب إلى الشرق، وهو أمر مخالف لناموس الكون والله سبحانه يقول في كتابه العزيز:(إنا كل شئ خلقناه بقدر).

وقال تعالى في سورة يونس آية - ٥:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذٰلِکَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‌ ) .

تفسير علماء الدين: إن ربكم هو الذى جعل الشمس تشع بالضياء وجعل القمر يرسل النور، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها فيختلف نوره تبعا لهذه المنازل لتسعينوا بهذا

٧٨

في تقدير مواقيتكم وتعلموا عدد السنين والحساب، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة وهو سبحانه يبسط في كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته لكى تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.

النظرة العلمية: كشفت هذه الآية الكريمة عن حقائق لم تكن معروفة للناس قبل نزولها، كشفت عن أن الشمس نجم تنبعث منه حرارة وضوء كما هو شأن سائر النجوم التى هى أجرام ملتهبة ومضيئة في آن واحد، وأن القمر كوكب أى جسم بارد مظلم يستمد ضوء‌ه وحرارته من الشمس، وأن القمر يتحرك في مداره مرة في كل شهر بتوقيت دقيق يعرف منه عدد الايام وحسابها في الشهور والاعوام فلولا هذه الحركة المنتظمة ما عرف الانسان وقته ولا كيف يحسب الشهور والاعوام.

فهل كل هذا النظام الدقيق والتدابير المحكمة يحدث عبثا واعتباطا وبلا غاية؟ كلا ! إنه تقدير العزيز الحكيم الذى أراده رحمة بمخلوقاته وكائناته التى جعل الارض مستقرا لها ومجالا لنشاطها.

وقال الله تعالى في سورة يونس آية - ٦( إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) .

تفسير علماء الدين: إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان وفى خلق السماوات

٧٩

والارض وما فيهما من الكائنات لادلة واضحة وحججا بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه.

النظرة العلمية: يقرر العلم الحديث أن طول كل من الليل والنهار يختلف باستمرار على مدار السنة، وأن هذا الاختلاف في التوقيت يرجع إلى دوران الارض حول الشمس وحول محورها المائل على مداره بمقدار ٢ / ١ و ٢٣ مما يجعل الليل يطول أو يقصر بحسب تعامد الشمس على المكان أو ميلها عنه، وهذه حقائق كونية تكون في حكم البدهيات لمن يدرس مبادئ الجغرافيا.

وقال تعالى في سورة الرعد آية ٤١:( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا؟ وَ اللَّهُ يَحْکُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُکْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ‌ ) .

تفسير علماء الدين: إن الارض التى استولى عليها الكافرون يأخذها منهم المؤمنون جزء‌ا بعد جزء وبذلك تنقص عليهم الارض من حولهم، والله وحده هو الذى يحكم بالنصر أو الهزيمة وبالثواب أو العقاب ولا راد لحكمه، وحسابه سريع في وقته فلا يحتاج حكمه إلى وقت طويل لان عنده علم كل شئ.

النظرة العلمية: تحتمل هذه في تفسيرها علميا أنها تطابق ما وصل إليه علماء الفلك من أن الكرة لارضية تفلطحت عند القطبين وانبعجت عند خط الاستواء بسبب

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176