القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي0%

القرآن وإعجازه العلمي مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 176

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف: محمد اسماعيل ابراهيم
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 38727
تحميل: 9136

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38727 / تحميل: 9136
الحجم الحجم الحجم
القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف:
العربية

وبدهى أن القرآن لم ينزل ليكون كتاب طبيعة أو كيمياء أو فلك أو طب أو تاريخ أو غير ذلك من مختلف العلوم بل هو كتاب هداية، لانه لو نزل مفصلا للنظريات العلمية الحديثة لما فهمه العرب الاميون وقتئذ، ولم يؤد القرآن رسالته التى نزل من أجلها وهى نزع الشرك والجهالة والضلال والشرور والمفاسد المتأصلة في النفوس، وقد كانت أكثر الآيات الملكية التى نزلت خلال ثلاث عشرة سنة تدعو بصفة عامة إلى التوحيد ومحاربة الشرك بأساليب الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والتفقه في أصول الدين، ثم نزلت الآيات المدنية بعد ذلك لكى تمكن الايمان في القلوب وتدعو إلى أهداف أخرى تقوم على التشريع وتنظيم المجتمع وبث روح الاخوة والتعاون والحض على الجهاد في سبيل الله وغير ذلك من سياسة الجماعات والدول الرشيدة.

وكان النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا وجه إليه أحد سؤالا عن أمور كونية أو مسائل طبيعية أو غير ذلك مما يستلزم الاجابة عليه الدخول في تفاصيل علمية فوق مستوى ثقافة عصره فإن الله سبحانه يوحى إلى رسوله بإجابات سديدة مبسطة تقبلها العقول قبولا حسنا، فمن ذلك مثلا قوله تعالى في سورة البقرة آية ١٨٩:( يَسْأَلُونَکَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ ) وهكذا يأتى الجواب سهل الفهم كافيا للاقناع بأن اختلاف أوجه القمر هى لحكمة معرفة الاوقات وبخاصة مواقيت الشهور ومواعيد الحج التى تهم السائلين.

وقد جاء‌ت في بعض التفاسير القديمة آراء غير صحيحة وتأويلات خاطئة لا تقبلها العقول السليمة فكان لابد من معارضتها ودحضها بإعادة النظر في تفسيرها على وجهها الصحيح لان السكوت على ذلك وترك القديم على قدمه وخطأه هو نوع من الجمود والتخلف وحجر على العقول والقلوب المتفتحة لرؤية حقائق القرآن بنور العلم والايمان.

٤١

الاعجاز العلمى في آيات القرآن

يجب على المسلم ألا يختلط عليه الامر بين رسالتى الدين والعلم وألا ينظر إليهما على أنهما أمران مختلفان تجب المقارنة والمفاضلة بينهما بل هما في حقيقة أمرهما رسالتان متكاملتان، وكلاهما يساعدان على تثبيت الايمان في القلوب، لان العلم نور يهدى إلى الحق ما دام علما نافعا، والدين في جوهره هداية ربانية للعقول والقلوب ونفحات سماوية للارواح والنفوس.

ويجب على المسلم ألا تخدعه مظاهر التقدم العلمى المادى الذى برع فيه أهل أوروبا وأمريكا وبخاصة في علوم الذرة والتكنولوجية وغزو الفضاء فهذه كلها ليست كل شئ لاسعاد البشرية وشقاء عللها، وإنما العلوم الدينية المستمدة من القرآن والسنة وأنباع هديها إلى جانب العلوم الدنيوية هى البلسم الواقى من العلل والشافى من أمراض النفوس.

والقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وكلامه جل جلاله صفة من صفاته التى تجلى بها على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانت تلك الآيات التى بهرت العقول بروعتها وأدخلت الايمان في القلوب بقدسيتها وروحانيتها، وبصدق حقائقها المطلق الذى لا يأنيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإن صدق اليقين الذى نزل به القرآن جعل لكلماته تأثيرا قويا لا تنال منه الايام، وبهذا يظل هدى القرآن على الدهر شبابا ناضرا دائما، وإعجازا متجددا لا ينقطع مدده وإلهامه للمؤمنين العاملين به.

ويكفى للدلالة على حيوية القرآن وقوة تأثيره أن من يسمعه بوعى أو يقرأه بتدبر لمبانيه ومعانيه أو يدرسه للوقوف على أسراره يؤمن إيمانا عميقا أنه وحى السماء،

٤٢

وليس من كلام بشر، فهاهو عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه بعد ما قرأ بعض آيات من القرآن في بيت أخته التى ذهب للانتقام منها لاسلامها نراه يتحول من مشرك عنيد وعدو لدود للاسلام والمسلمين يتحول إلى مؤمن قوى، ويسارع إلى مقابلة النبى حيث كان مجتمعا مع أتباعه المسلمين يعلمهم ويزكيهم في دار الارقم بن الارقم ويعلن له إسلامه وانضمامه إلى جماعة المسلمين بمكة، أسلم وهو يعلم ما سوف يلقاه من عشيرته وقومه من معارضة وإيذاء.

مفهوم العلم والعلماء قديما وحديثا: لقد صارت كلمة العلم مع تطور الزمن ذات مدلولين، فقديما كان مدلولها العلم القائم على العلوم الدينية وما يتفرع عنها من علوم التوحيد وعلم الفقه وعلم التفسير وعلم اللغة والبلاغة وعلم الحديث إلى غير ذلك من العلوم المتصلة بالدعوة الاسلامية وتاريخها وقرآنها وأحاديثها النبوية، وكان الدارسون لهذه العلوم هم العلماء والفقهاء وأهل العلم وقتئذ، وكانوا هم قادة الفكر والرأى والعلم قبل عصرنا هذا، ويقول الامام الغزالى في هذا الموضوع: إن العلم المقصود هو العلم بالله وصفاته وملائكته ورسله وملكوت السماوات والارض وعجائب النفوس الانسانية والحيوانية من حيث أنها مرتبة بقدرة الله لا من حيث ذواتها لان المقصود الاقصى هو العلم بالله، وأما العمل فمقصود به أساسا مجاهدة الهوى حتى تزول الحوائل التى ربما أعاقت الانسان عن العلم بالله تعالى.

أما مدلول العلم حديثا فإنه يختلف عن المعنى القديم المشار إليه سابقا، إذ ظهر من وقت قريب جماعة تقول عن عصرنا الحاضر إنه عصر العلم والعمل ويقصدون بذلك أن العلم بمفهوم عصرنا هو العلم الطبيعى القائم على دراسة ما في الكون من مواد وعناصر وكائنات لها خصائصها الذاتية ونواميسها التى تحكمها من كيمياء

٤٣

وطبيعية وميكانيكا وغير ذلك من علوم الطب والرياضة والفلك وما يتضمنه ذلك من حقائق كونية، وأن العمل في إطار هذا المفهوم للعلم فهو تطبيق العلم عمليا بإستعمال الاجهزة والادوات والوسائل الاخرى الحديثة من مختبرات ومراصد وتجارب واستنباطات منطقية وغير ذلك: وفى ضوء هذين المدلولين للعلم يرى المفسرون العصريون لآيات القرآن أنه من الضرروى أن يشتمل تفسيرهم الناحيتين الدينية والعلمية ودون الاكتفاء بناحية واحدة منهما.

تفسير القرآن في ضوء العلوم الحديثة

إن هذا النوع من التفسير لبعض الآيات الكونية والطبيعية وغيرها ذات الطابع العلمى منهج جديد ومحاولة موفقة إن شاء الله تعالى لاظهار ما في القرآن من إعجاز علمى أو تشريعى لم يعرفه المفسرون القدامى المعرفة التامة، ولم يكن ذلك عن إغفال لشأنها وإنما كان ذلك منهم لانهم نظروا إليها نظرة تأمل وإجلال وتقديس باعتبارها مظهر لقدرة الله العظيمة في خلق هذا الكون وروعة حكمته وتدابيره؟ لجميع ما فيه من كائنات ومخلوقات، ولكن عندما تقدم العلم واتسعت آفاقه مع تطور المدنية والحضارة أخذت أنظار العلماء تتجه إلى ما جاء به القرآن من حقائق علمية سبقت نهضة الانسان العلمية بعدة قرون.

فمن المعلوم أن القرآن نزل على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلال القرن السادس الميلادى أى قبل عصر نهضة أوروبا التى بدأت طلائعها في القرن الرابع عشر الميلادى واستمرت في نمو وإزدهار وحققت نتائج قيمة من الكشوف العلمية في مختلف العلوم والفنون والآداب التى حررت العقول من الجهل والخرافات التى كانت سائدة ومسيطرة في العصور الوسطى ومما يذكره التاريخ من قضايا هذا العصر الوسيط أنه قامت بين رجال الدين

٤٤

المسيحى وبين رجال العلم مخاصمات ومنازعات خطيرة في أمور علمية اعتبرها رجال الدين خروجا على ما في الكتب المقدسة من نصوص لم يفهموها وحرفوها وغيروا وبدلوا فيها تبعا لاهوائهم وتحقيقا لمصالحهم ومنافعهم الخاصة.

ومن أمثلة هذه الخلافات ما قرره علماء الفلك بعد الدراسة والبحث الوثيق من أن الارض ليست مركز الكون كما كان يعتقد رجال الدين الذين اعتبروا ذلك الرأى خروجا على حرمة الدين فكفروا كل من اعتقد ذلك الرأى واضطهدوهم بل أهدروا دماء‌هم.

وإليك نموذجا يوضح اختلاف التفاسير قديما وحديثا وكيف أن إدراك المعانى للآيات يتفاوت من فهم إلى فهم ومن عصر إلى عصر كما في الآيات الآتية: قال الله تعالى في سورة ص آية – ٣٠- ٣٣:( وَ وَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ‌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْنَاقِ ) فقد فسرت هذه الآية الكريمة قديما بأن سيدنا سليمانعليه‌السلام لما عرضت عليه الخيل في وقت صلاة العصر شغلته وألهته عن الصلاة فتملكه الغضب وأخذ يقطع سيقان هذه الخيول وأعناقها بالسيف.

وهذا التفسير ينافى ما جاء في الآية من أن سليمانعليه‌السلام كان نعم العبد الاواب فكيف يصدر عن نبى أثنى عليه القرآن هذا الثناء أن يكون قاسيا إلى حد قتل الخيول البريئة التى هى عدة المؤمنين في قتال أعداء الدين والزود عن حياض الاوطان بغير ذنب جنته.

وقد فسرت الآيات بعد ذلك تفسيرا معقولا أقرب إلى الواقع المفهوم وهو أن سليمانعليه‌السلام عرضت عليه بعد الظهر الخيل الاصيلة التى تسكن حين وقوفها

٤٥

وتسرع حين سيرها، فقال سليمان إنى أشربت حب الخيل لانها عدة الخير وهو الجهاد في سبيل الله وأن حبها نشأ عن ذكرى لربى، وما زال مشغولا بعرضها حتى غابت عن ناظريه، ثم إنه أمر بردها عليه ليتعرف أحوالها، فأخذ يمسح سوقها وأعناقها ترفقا بها وحبا لها واستئناسا لها.

وبعد أن تقدم العلم كثيرا نجد أن الانسان قد توصل في مجال الطب البيطرى إلى أن ما فعله سيدنا سليمانعليه‌السلام كان هو الاسلوب الامثل في معاملة الحيوانات واستئناسها بإدخال الطمأنينة والهدوء عليها بأن يربت على رؤوسها ورقابها وظهورها عندما يريد فحصها أو استخدامها، ومن ذلك يتضح ما بين التفسيرين من فرق شاسع.

القرآن يهدى القلوب التى تتدبره وتنير العقول التى تتفهمه

لقد آمن بالاسلام وبالقرآن أفراد وجماعات كثيرة من غير المسلمين، وكان إسلامهم نتيجة تأثير القرآن في نفوسهم بطريق مباشر أو غير مباشر، فأما عن تأثيره المباشر فقد اعترفت به أفراد من علماء أوروبا ذوى الالباب والفطر السليمة ممن سمعوا القرآن أو قرأوه وفهموا بعض أسراره وإعجازه، ومن أمثلة ذلك ما فهمه أحد الاطباء من قوله تعالى في سورة النساء آية - ٥٦:( کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) فأدرك أن وراء هذه الآية حقيقة علمية ما كانت معلومة للناس وقت نزول القرآن، وأنه لابد أن يكون من كلام عليم خبير بتركيب جسم الانسان، وبشبكة الاعصاب الدقيقة التى تنتشر أطرافها في الطبقة الجلدية وهى التى نستقبل الاحساس بالحرارة والبرودة والالم والراحة.

فهم ذلك الطبيب من الآية أن تجدد الالم الذى انقطع بحرق الجلد لا يكون

٤٦

إلا بإعادة الجلد حيا كما كان لكى يتجدد ألمه مرارا وتكرارا كلما تبدل الجلد في كل مرة بعد حرقه، وتأكد الطبيب بأن هذا الكلام لا يصدر إلا من عالم خبير بتركيب الجسم البشرى ووظيفة الاعصاب المنتشرة في كيانه، وأن هذا الكلام نزل منذ قرون بعيدة على لسان نبى أمى لم يدرس علم الطب ولا التشريح فأيقن أن هذا كلام من أرسل محمدا رسولا فآمن به وأسلم.

ومثل آخر لربان بحرى كان يجول البحار ويشاهد أحوالها ومظاهرها ليلا ونهارا وما تتعرض له عن عواصف وسحب وأمواج متلاطمة ورياح عاتية وظلمات وغير ذلك مما كابده خلال سنين عمله في البحار والمحيطات، فإنه لما قرأ في سورة النور آية - ٤٠ قوله تعالى:( أَوْ کَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَکَدْ يَرَاهَا ) قال في نفسه إن أحدا لا يستطيع أن يصف هذا الوصف الدقيق لاحوال البحار وظواهرها الجوية إلا من كان بحارا شق عباب الماء وعاين تقلبات الاحوال فيه، وأن محمدا الذى نزل عليه هذا الكلام لم يكن في يوم من أيامه بحارا كما أنه لم يركب البحر في حياته وعاش في وسط الصحراء البعيدة كل البعد عن عالم البحار فمن أين له هذه المعلومات الدقيقة التى لا يعرفها سوى الملاحون؟ إنه ولا شك كلام عليم خبير وهو الله سبحانه فآمن وأسلم بأن محمدا رسول الله حقا وصدقا.

وهناك شعوب أسلمت وآمنت بالقرآن بطريق غير مباشر ومن أمثلة هؤلاء سكان إندونيسيا وما حولها وسكان شرق قارة أفريقية ووسطها حيث نزل بساحتهم التجار العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى هذه الجهات النائية للاتجار وتعاملوا مع أهلها معاملة كلها الصدق والامانة والوفاء ومكارم الاخلاق فراعتهم هذه الاخلاق السامية والمبادئ العالية التى كانوا عليها وعلموا أن مزاياهم الجميلة هذه هى من

٤٧

أثر القرآن وتعاليم الاسلام التى أكسبتهم هذه الفضائل والمكارم وصاغتهم هذه الصياغة الكريمة التى لا مئيل لها فيمن عرفوا من الناس فآمنوا بالاسلام دينا وبالقرآن معجزة لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

بمثل هذه الآيات السالفة الذكر وآثارها في العقول والنفوس كان إيمان كثير من المسيحيين وغيرهم من الملل الاخرى من ذوى الالباب والفطن الذين ما كانوا يعرفون معنى الاعجاز البيانى أو البلاغى في لغة القرآن وإنما عرفوا منه الاعجاز العلمى الذى وجدوه في كثير من الآيات العلمية مثل قوله تعالى:( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)(يخرج الميت من الحى ويخرج الحى من الميت)(وجعلنا الرياح لواقح)(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)(وإن من شئ إلا يسبح بحمده)(والسماء ذات الحبك)( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (وفى هذا ما يؤكد أن الكون هو كتاب الله الصامت، وآن القرآن هو كتاب الله الناطق بما يدل على علم الله بأسراره).

وهذه الآيات وأمثالها لم يفهمها السلف الصالح على وجهها العلمى وإنما رأوا فيها أنها دلائل على قدرة الله تعالى وعظمته، وأنها شاهدة على أنه سبحانه بديع السماوات والارض، ولا شك أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعرض في

٤٨

تفسيره لمثل هذه الآيات من الناحية العلمية التفصيلية التى هى فوق مستوى عقولهم فقد أمر الله نبيه أن يخاطب الناس على قدر عقولهم.

وقبل الكلام عن الاعجاز العلمى للقرآن يجب أن نعرف أن المعجزة هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد النبى تأييدا لنبوته، ومعجزات القرآن كثيرة ومتنوعة كان أبرزها عند نزولها الاعجاز البيانى الذى تحدى به العرب أهل الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بشئ من مثله فعجزوا، وللقرآن إعجازات أخرى منها الاعجاز العلمى والاعجاز التشريعى والسياسى والحربى والنفسى وكلها شاهدة على روعة القرآن وعظمته وقدسيته وأنه كلام الله الحق.

وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز مطلقا أن نخضع القرآن للتفسير العلمى لان من نظريات العلم ما يتغير ويتطور ولا يثبت على حال، وإذا اختلفت النظرة العلمية في وقت من الاوقات مع الآية القرآنية فيرجع ذلك إلى أن العلم الذى يتطور من وقت لآخر لم يصل بعد إلى مستوى مفهوم الآية، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) أى أن ما لم يتفق مع الآية القرآنية من النظريات العلمية فإنه سوف يظهر مستقبلا بعد طول الدرس وللبحث والتنقيب لان كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم أنه سبحانه يقول عن القرآن:(ثم إن علينا بيانه) أى أنه سوف يشرحه ويبين أسراره في مستقبل الاعصر والدهور.

٤٩

مقارنة بين بعض ما جاء به القرآن وبين ما في الكتب السماوية الاخرى: إن القرآن الكريم فيه من العلوم والمعارف والمبادئ والآداب أضعاف أضعاف ما جاء في الكتب المقدسة السابقة، فالعهد القديم مثلا كان أكثر الكتب السماوية تناولا للناحية العلمية قبل القرآن، ونجده لم يتعرض إلا لثلاثة موضوعات فقط بإيجاز وهى: خلق الارض وخلق ما عليها من كائنات وبعض سير الانبياء من لدن آدمعليه‌السلام إلى أنبياء بنى إسرائيل فقط، وكان تناوله لهذه الموضوعات محدودا، أما القرآن فقد تناول الحقائق الكونية وما يدور حولها من مظاهر ثم ما يتعلق بقصص الانبياء بصورة أصح وأدق بكثير عما جاء في الكتب السماوية الاخرى، كما أنه رسم الطريق الصحيح للبحث العلمى عن طريق النظر والتدبر والتأمل واستعمال الفكر القويم في فهم القرآن.

وعلى سبيل المثال ما ورد في التوراة عن نبى الله سليمانعليه‌السلام كان شيئا يحط من قدره ويصفه بأنه حاد عن طريق الايمان باستخدام الجن، واعتبرت خوارق المعجزات التى ظهرت على يديه من قبيل السحر، ولكن القرآن الكريم نفى عنه هذه التهم الباطلة نفيا باتا بقوله تعالى في سورة البقرة آية - ١٠٢:( وَ مَا کَفَرَ سُلَيْمَانُ وَ لٰکِنَّ الشَّيَاطِينَ کَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَکَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَ مَارُوتَ وَ مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَکْفُرْ ) وشتان بين ما جاء به القرآن عن نبى معصوم وبين ما جاء في التوراة كتاب العهد القديم من قدح وذم في نبى كريم.

وفيما يلى طائفة من الآيات القرآنية ذات المدلولات العلمية التى لا شك مطلقا في توافق العلم معها توافقا تاما لا تناقض فيه لاثبات الاعجاز العلمى في آيات القرآن، وقد أتبعت في عرض هذه الآيات الخطوات الآتية:

٥٠

أولا: ذكر الآية ومكانها من القرآن الكريم.

ثانيا: التفسير الدينى الوارد في كثير من التفاسير المعتبرة لرجال الدين.

ثالثا: التفسير بالرأى العلمى المطابق لاحدث ما وصل إليه العلماء من نظريات صحيحة متفقة مع القرآن.

رابعا: عرض مبسط لبعض مبادئ العلوم المتصلة بالآيات بأسهل أسلوب يفهمه القارئ العادى إذا لزم الامر ذلك لزيادة التأكيد بين صلة العلم بالقرآن.

ويجب ألا يغيب عن البال مطلقا أن الله سبحانه وهو خالق السماوات والارض وما فيهن هو الذى أنزل القرآن مبينا فيه علمه القديم بكل حقائقه وأسراره وأحكامه وظواهره وخوافيه، ويكفى للدلالة على ذلك قوله تعالى في سورة الحج آية - ٧٠:( أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذٰلِکَ فِي کِتَابٍ إِنَّ ذٰلِکَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) .

وقد قلت في كتابى:(مع الله) في باب(كلام الله) بأسلوب الشعر المنثور ما يأتى: كلما سمعنا كلام الله يتلى حق تلاوته اهتزت منا النفوس تأثرا بروح معانيه وسمت بنا الروح تعرج إلى ملكوت الله متطلعة إلى الملا الاعلى ومغانيه.

وكأننا كلما سمعناه يتلى بخشوع نسمع جديدا من الوحى يسمو ويعلو في مراميه وكأن هذا الجديد منطلق لا يقف عند حد في قلوب السامعين المستغرقين فيه وهذا لون من الاعجاز لا تجده في غيره أبدا لانه لا شئ من القول يدانيه فأى كلام هذا الذى كلما تلوناه ووعيناه وجدناه أعمق وأوسع من مبانيه أنه كلام الله الحق، وكفاه شرفا أنه تنزيل من رب العالمين ولا ريب فيه.

والقرآن كلام الله القدسى والكتاب العلوى الذى أودعه الله أخبار الغابرين وجعل في قصصه مواعظ حسنة ودروسا قيمة وكلها ذكرى للذاكرين

٥١

وما فرط الله في القرآن من شئ يصلح شأن العباد في دنياهم والدين وقد دامت آياته الباهرة تتلى وهى تتألق بأنوارها في قلوب المؤمنين وقد سبقت علومه مستحدثات العلم والعلماء ولم يكونوا لها سابقين لان القرآن أتى بكليات العلوم دون تفصيل لها لانه كتاب شرع ودين لقد ظن البعض أن معجزة القرآن في بلاغته وفاتهم أنه كنز من العلم ثمين.

وقد أنزل الله في القرآن كل ما تحتاج إليه البشرية من دستور عالمى رشيد ووضح فيه بأسلوب عذب ما يسعد وما يشقى وما يضر الناس وما يفيد وحذر العباد من فتنة الدنيا وزينتها، وخوفهم من هول يوم القيامة الشديد وبين لهم فيه طرق الهدى بيانا يقبله العقل ولا حاجه بعده إلى مزيد فهو كتاب الله الذى يتمشى مع الفطرة السليمة وأنه عنها لا يحيد وهو بهذه الحقيقة يغزو القلوب التى آمنت به طوعا بغير ترهيب أو تهديد لانه كلام مشرق بنور الحق لا غموض فيه أبدا وفيه إقناع ومنطق سديد.

٥٢

٥٣

الباب الثالث: العلوم الكونية في القرآن

قال تعالى:( قُلِ انْظُرُوا مَا ذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ) [ سورة يونس آية - ١٠١]

عرض القرآن الكريم الكثير من الحقائق الكونية ولكنه عندما يعرض أى قضية من قضايا الكون العلمية لا يعرضها بأساليب البشر باستعمال المقدمات والدلائل والمعادلات واستنباط النتائج وإنما يقدمها بالاشارة أو الرمز أو المجاز أو الاستعارة أو بالعبارات التى تومض في العقل بنور روحى باهر، إنه سبحانه ينزل آيات قد لا يدرك معناها أو يفهم حقائقها وأسرارها في وقتها كل المعاصرين لنزولها لان العلم بقوانين الكون كان محدود الآفاق وقتئذ، ولكنه سبحانه يعلم أن المستقبل سوف يأتى بشرح لهذه الآيات في ضوء علوم عصورها، ومصداق ذلك قوله تعالى:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).

وتدل الدلائل على أن العلماء الذين درسوا الآيات الكونية في القرن فيما بعد وطبقوها على ما وصل إليه العلم في زمانهم في الفلك أو الطب أو الطبيعة أو الكيمياء أو الاحياء وغيرها من العلوم وجدوا تطابقا وتوافقا علميا رائعا أكد لهم أن القرآن كتاب الله الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

لذلك كان علماء الفلك وعلماء الطب أكثر الناس إيمانا بعظمة الخالق المبدع وأسبقهم إقرارا بألوهيته لما رأوه رأى العين من أن القرآن الكريم الذى نزل على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه منذ أربعة عشر قرنا من الزمان كان هو نهاية العلم الذى يصلون إليه كلما جد جديد في بحثهم، وهذا هو العلم الذى

٥٤

جاء به النبى الامى محمد الذى لم يكن هو ولا قومه ولا عصره يعرف شيئا من فلك أو جيولوجيا أو كيمياء أو طب أو غير ذلك.

وقد أدرك الناس مكانة العلم في القرآن الذى هو دستور الاسلام، من أن أول ما نزل من وحى السماء على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قوله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذى خلق) ثم إنه سبحانه أقسم بأداة العلم وهى القلم في قوله تعالى:(ن والقلم وما يسطرون) فدين الاسلام وكتابه هو كنز العلوم التى حثنا القرآن في آياته مرارا على النظر إلى صنع الله في مخلوقاته والتأمل فيها والتفكير في خواصها وأسرارها والعلم بها.

وإنه من الخطأ أن يتوهم الواهمون بأن العلم هو ما أتى به أهل الغرب، أو أنه علم العصور الذى يتطور من حين إلى حين، إذ الحقيقة أن علوم الدين الاسلامى هى نهاية العلم، وقد ثبت أن مبادئه وشرائعه منذ نزلت وإلى أن يرث الله الارض ومن عليها هى خير المبادئ والشرائع لكل زمان ومكان.

وأن الاسلام دين واحد لا يتعدد في نظمه ولا يتطور في أصوله، وليس هناك إسلام قديم يناسب عصره وإسلام جديد يتفق مع أهواء البشر وتقلباتهم.

ويجب أن يؤمن كل مسلم بأن ما يجد في عصرنا من إدراك علمى لآيات القرآن ليس معناه أن حقائق القرآن تغيرت أو تطورت في ذاتها، وإنما الذى يتغير ويتطور هو عقل الانسان الذى يتسع إذا استنار وفكره إذا استقام مع كثرة البحث والدرس والتجريب فيبدو له القرآن على حقيقته الاصلية الخالدة.

٥٥

لمحة في كوكبنا الارضى

جاء‌ت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن السماء والارض والنجوم والشمس والقمر، وعن ظاهرات اختلاف الليل والنهار وجريان الشمس وتكون السحب ونزول الامطار وكذلك ذكرت ما يوجد على الارض من جبال وأنهار ونبات وأشجار وحيوان وحشرات، كما وردت آيات تبين خلق الانسان وسلالاته وما يتعلق بحياته وجهاده وسعادته أو شقائه وذكرت غير ذلك كثيرا من شتى المخلوقات التى أوجدها لله في ملكه وحثنا على مشاهدتها والتدبر في روائعها.

وقد اهتدى الانسان بما وهبه الله من ملكات واستعدادات عقلية أن يعرف الكثير عن عالمنا الذى نعيش فيه واستطاع أن يكشف لنا عن أن الكرة الارضية لبثت زهاء عشرين مليونا من القرون بلا حياة ولا أحياء تدب عليها، وذلك خلال الازمنة والحقب الجيولوجية وقبل ظهور الحياة عليها.

ولم يكن هناك على سطح الكرة الارضية وقتئذ سوى الصخور والمياه ولا شئ غير ذلك وفي تلك الازمنة السحيقة أخذت العوامل الجوية ولحركات والاضطرابات الباطنية تفتت الصخور ويترسب فتاتها على هيئة طبقات رسوبية يستقر بعضها فوق بعض على قيعان البحار والمحيطات كما تنتظم الصحف في الكتب ورقة فوق أخرى.

وبعد هذا النوم العميق في حياة الكرة الارضية بدأت معالم الحياة ومواكبها تظهر في صور بدائية من عوالم الحشرات والنباتات والاشجار والغابات، وتغير وجه الارض مرارا وصار عاليها سافلها تحت تأثير العوامل الجوية والحركات الباطنية فكانت الكائنات الحية من نبات وحيوان تنطمر في باطن الارض،

٥٦

وتترك آثارها فيه كما كانت عليه من حجم وهيئة وكيان في حياتها، وهذه هى الحفربات التى يعثر عليها علماء الجيولوجيا في بحثهم ودراستهم لطبقات الارض، وهم يشبهون الصخور الرسوبية وما فيها من حفريات بأنها السطور التى كتبتها الارض في سجل تاريخها الطويل الحافل بتطوراتها وتقلباتها، وهذا هو سفر التاريخ الاعظم الذى ما يزال علم الجيولوجيا يستمد منه الحقائق تلو الحقائق مع كل حفر وتعمق في البحث لاظهار معالم الحياة والاحياء في عهودها القديمة جدا، وهى عهود لها أزمان تقدر بالآف الملايين من السنين ولا يعرف مددها إلا الله الازلى الذى لا أول له ولا آخر.

الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له ومتدبر فيه

إن الارض التى يعيش عليها الانسان وغيره من المخلوقات هى جزء ضئيل جدا في ملكوت الله، بل هى ذرة أول أو أقل في عالم الاكوان الذى هو مجموعات هائلة من مجرات هائلة ونجوم لا حصر لعددها ولا نهاية لامتدادها خلقها الله سبحانه بقدرته وإرادته، وأوجد فيها أنواعا شتى من مخلوقاته، ودبر أمورها تدبيرا محكما قائما على العدل والرحمة والاحسان والاتقان لانه جل جلاله لم يخلقها عبثا بل أوجدها لحكمة عليا أرادها هى معرفة عباده له وواجب عبادته وحده.

وقد شاء‌ت إرادة الله أن يجعل هذا الكون العجيب كتابا مفتوحا يقرأه كل من يتأمله ويتدبره بعين العقل والفكر والوجدان ليتضح أماما بصيرته ما فيه من روعة وجمال وبهاء وما أودعه الله في نظامه الدقيق من قوانين ونواميس تحكمة وتنظمه، وقد اجتهد في قراء‌ة صحف هذا الكتاب الكونى علماء مفكرون وباحثون ملهمون وخبراء متخصصون استطاعوا مع طول الدرس والبحث أن يكشفوا في عصورنا الحديثة عن كثير من أسرار الكون في ضوء

٥٧

العلوم التى وضعوا قواعدها في الطب والفلك والرياضيات والكيمياء والجيولوجيا والهندسة والتكنولوجيا وعلوم الانسان والحيوان والنبات والحشرات وغير ذلك من مختلف العلوم التى هدى الله بها الانسان أن يتعلم ما لم يعلم من علم الله الواسع في ملكوت السماوات والارض.

وقد نزل في كثير من آيات القرآن إشارات إلى العلوم الكونية وغيرها مما تمكن الانسان بواسطتها أن يصل إلى معرفة قوانينها وقواعدها ونظرياتها بعد نزول القرآن بعدة قرون، وكان من فضل الله على الناس أنه وجه أنظارهم إلى الكون ليدرسوه ويتعرفوا على ما جاء في الآيات القرآنية عن حقائق عنه، وقد استطاع أولو الالباب من العلماء أن يلمسوا الصلة الوثيقة بين ما أوحى به القرآن من قبل وما كشف عنه العلم من بعد وما تأكد من سبق القرآن بأكثر من أربعة عشر قرنا بهذه المعلومات عن الكون وما فيه وأنها في جوهرها تتفق مع العلم الحديث الصحيح في معظم نظرياته التى انتهى من إقرارها بعد ثبوتها.

وفيما يلى عرض لمختلف الآيات الكونية وغيرها، وكل آية منها مفسرة أولا تفسيرا يتفق مع وجهة نظر علماء الدين، وثانيا مفسرة تفسيرا عصريا يتمشى مع الآراء العلمية التى ثبتت صحتها، وزيادة في توثيق الصلة بين النص القرآنى والعلوم الحديثة وتوافقهما أضفت فقرات موجزة لبعض النظريات العلمية المؤيدة للقرآن مع شرح مبسط لها.

٥٨

آيات قرآنية مع تفسير لها قديما وحديثا عن نشأة الكون

قال الله تعالى في سورة فصلت آية - ١١:( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَ هِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ‌، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) تفسير علماء الدين: ثم عمد سبحانه إلى خلق السماء وهى على هيئة دخان فوجدت، ثم إن خلقه للسماوات والارض - على وفق إرادته - هين عليه بمنزلة ما يقال للشئ احضر - راضيا أو كارها فيطيع وأتم خلق السماوات سبعا في يومين أخرين.

النظرة العلمية: يقول العلم إن للقصود بكلمه دخان في الآية السديم وهو السحب الكونية أو المجرات التى نشأت فيها السماء والارض، والسماوات السبع التى يرد ذكرها في كثير من الآيات هى على أرجح الاقوال الكواكب السبع السيارة المعروفة، وأن اليومين المذكورين في الاية هما في رأى الجيولوجيا الزمنين الذين استغرق كل منهما ملايين السنين لتكوين هذه السماوات، وأحد هذين الزمنين انقضى وقت أن كانت الارض مرتوفة أى متصلد بالسديم، والآخر بعد أن انفتقت الارض أى انفصلت عن السديم، وإليك وصفا علميا للمجرات.

المجرات(الصدم) المجرات جمع مجرة وهى كما يفسرها العلم سحابة ضخمة من غازات ومواد صلبة وعناصر أخرى مختلفة تتحرك بسرعة داخلها، وهى تتجاذب فيما بينها،

٥٩

وقد أطلق عليها علماء الفلك من العرب اسم المجرة لانها تشبه النهر الجارى، وقوام الكون المرئى يربو حتى الآن على ألف مليون مجرة تظهر على الالواح الفوتوغرافية التى يستخدمها العلماء لتصويرها، أما الكون غير المرئى فلا يعلمه إلا الله الذى وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم وتتباعدا المجرات بعضها عن بعض بسرعة هائلة فيتسع تبعا لذلك حجم الكون وتتولد فيه مجرات جديدة من الغازات الكونية بنفس الطريقة التى تكونت بها المجرات القديمة وهذا ما يطلق عليه العلماء نظرية تمدد الكون مصداقا لقوله تعالى:(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) والكرة الارضية موجودة في إحدى هذه المجرات المعروفة باسم طريق التبانة لانها تشبهه منظر التبن عندما يتبعثر على الطريق، والكرة الارضية هى إحدى أقراد المجموعة الشمسية التى سيأتى الكلام عنها فيما بعد.

معنى السماء

ترد كلمة السماء والسماوات مرارا وتكرارا في القرآن، وإليك بيانا وتعريفا علميا عنها: يفسر العلم السماء بأنها الكرة الكونية الجامعة لكل الافلاك والنجوم في مجرتنا أى حدود عالمنا المادى، وهذا يوافق تفسير الامام محمد عبده إذ يقول: السماء إسم لما علاك وارتفع فوق رأسك، وأنت إنما تتصور عند سماعك لفظ اسماء هذا الكون الذى فوقك، وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجرى في مسالكها وتتحرك في مداراتها، وهذا هو السماء، وقد بناه الله أى رفعه وجعل كل كوكل منه لبنة من بناء سقف فيه أو جدران تحيط به، وقد تجاذبت هذه الكواكب السيارة بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء

٦٠