القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي0%

القرآن وإعجازه العلمي مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 176

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف: محمد اسماعيل ابراهيم
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 38759
تحميل: 9150

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38759 / تحميل: 9150
الحجم الحجم الحجم
القرآن وإعجازه العلمي

القرآن وإعجازه العلمي

مؤلف:
العربية

سرعة دورانها حول نفسها التى تبلغ سرعتها نحو ألف ميل في الساعة وأن جزئيات من الغازات والعناصر المحيطة بوسط الكرة الارضية تنطلق بقوة الطرد المركزية إلى الخارج حول خط الاستواء مما يساعد على الانبعاج أى زيادة في شكلها عند خط الاستواء ونقص في طرفى القطبين.

وقال تعالى في سورة النمل آية - ٨٨:( وَ تَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ کُلَّ شَيْ‌ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) .

تفسير علماء الدين: إنك يا محمد ترى الجبال وقت النفخة الاولى تحسبها جامدة ساكنة مستقرة وهى تمر في الهواء مر السحب صنع الله الذى أتقن كل شئ من الخلق وأنه خبير بما تفعلون من الخير والشر(ومعنى ذلك في رأيهم أن حركة الجبال هذه لا تكون إلا يوم القيامة فقط).

النظرة العلمية يقرر العلم الحديث أن الكرة الارضية منذ نشأتها تدور حول نفسها باستمرار أمام الشمس مرة في كل يوم، وأنها تدور مرة كل سنة حول الشمس، شأنها في ذلك شأن جميع الاجرام السماوية التى تسبح في أفلاكها بانتظام، وعلى ذلك فكل ما على الارض من جبال وبحار وغلاف جوى كلها تشترك مع الارض في دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس مع ملاحظة أن كلمة تحسب الواردة في الآية بمعنى تظن لا تتفق مطلقا مع ثبوت كل شئ يوم القيامة الذى

٨١

لا شئ فيه سوى اليقين الذى لا شك فيه، ولا ظنون بأى حال من الاحوال، والذى لا شك فيه أن الارض متحركة حول نفسها وحول الشمس في وقت واحد وليست ثابتة لانها لو كانت ثابتة لما حدث الليل والنهار ولما حدثت الفصول الاربعة.

وقال تعالى في سورة الفرقان آية - ٤٥، ٤٦:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى رَبِّکَ کَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاکِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ) .

تفسير علماء الدين: أنظر إلى صنع ربك كيف بسط الظل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس من المشرق إلى المغرب ولو شاء لتركه دائما ثم جعل الشمس تزيل منه بما يحل محله من أشعتها فكانت الشمس دالة عليه ولولاها ما عرف الظل، ولو شاء الله لجعل الظل ساكنا مطبقا على الناس فتفوت مصالحهم ومرافقهم.

النظرة العلمية: في هذه الآية دليل قوى على دوران الارض حول نفسها، وأن هذا الدوران ضرورى للكائنات الحية فوق الارض لانها لو كانت غير متحركة لسكن الظل ولم يتغير طولا أو قصرا، ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الكرة الارضية باستمرار، بينما يظل النصف الآخر ليلا دائما وهذا ما يسبب اختلافا كبيرا في التوازن الحرارى على الارض ويؤدى ذلك إلى هلاك البشر من شدة الحرارة أو من شدة البرودة، والله سبحانه قد جعل نسخ الظل بالشمس تدريجيا وبمقدار، ولم يجعله دفعة واحدة وفي ذلك منافع للناس تحفظ عليهم نظام حياتهم ونشاطهم.

٨٢

وقال الله تعالى في سورة الزمر آية - ٥:( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُکَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَ يُکَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) .

تفسير علماء الدين: يقول المفسرون الاوائل إن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والارض متلبسة بالحق والصواب على ناموس ثابت يلف الليل على النهار، ويلف النهار على الليل على صورة الكرة وذلل الشمس والقمر لارادته ومصلحة عباده وكل منهما يسير في فلكه إلى وقت محدود عنده وهو يوم القيامة.

النظرة العلمية تدل الآية على شيئين هما كروبة الارض ودورانها حول نفسها لان معنى التكوير هو لف الشئ على الشئ على سبيل التتابع أى الدوران كما تدل على أن كلا من الشمس والقمر يجرى أى يتحرك في مداره وأن لكل حركة زمنا محددا فالقمر له حركته الشهرية وللشمس حركتها حول نفسها ثم حركتها في مسارها وقد ثبت ذلك بالمشاهدة وبالوسائل والاجهزة الفلكية ويرى العلماء أن للشمس نهاية عندما تستنفد وقودها الذرى ولا يكون ذلك إلا عند فناء الكون حسب تقدير الله وتدبيره لانه سبحانه قدر كل شئ تقديرا.

وقال تعالى في سورة النازعات آية ٣٠:( وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِکَ دَحَاهَا )

٨٣

تفسير علماء الدين: والارض بعد ذلك بسطها على الماء ومهدها لسكنى الناس.

النظرة العلمية: توضح المعاجم اللغوية أن كلمة دحاها تؤدى معنى أنه جعلها كالدحية أى كالبيضة لان الادحوة معناها بيضة النعام أو مكان بيض النعام ويكون عادة مستدير الشكل، ولا شك أن هذا يطابق شكل الارض الحقيقى الذى تدل عليه البراهين النظرية والعملية، كما تؤكده الصور التى سجلتها آلات التصوير أثناء رحلات الاقمار الصناعية في الفضاء، ولفظ دحا يدل على شيئين هما البسط مع الاتساع والتكوير في التكوين، وهذه روعة في التعبير عن أن الارض التى نراها أمامنا في الظاهر مبسوطة فسيحة الارجاء هى في واقع الامر مستديرة كالبيضة، وهذا تقدير العزيز الحكيم الذى أتقن كل شئ خلقه.

والانسان في سيره على سطح الارض لا يزيد في حجمه عن نملة ضئيلة جدا تتحرك فوق منطاد ضخم جدا ولا ترى حولها غير استواء طريقها عليه ولا ترى أى انحناء أو استدارة أينما كانت فوقه.

وقال الله تعالى في سورة البقرة آية - ٢٢:( الَّذِي جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَ السَّمَاءَ بِنَاءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

تفسير علماء الدين: إن الله وحده هو الذى مهد لكم الارض وبسط رقعتها ليسهل عليكم

٨٤

الاقامة فيها والانتفاع بهما، وجعل ما فوقكم من السماء وأجرامها وكواكبها كالبنيان المشيد وأمدكم بالماء الذى هو سبب الحياة والنعمة أنزله عليكم من السماء فجعله سببا في إخراج النبات والاشجار المثمرة التى رزقكم بفوائدها فلا يصح مع هذا أن تتصوروا أن لله نظراء تعبدونهم لانه ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الاصلية تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك فلا تنحرفوا عن ذلك.

النظرة العلمية: يرى العلم الحديث أن موضع الاعجاز في هذه الآية قوله تعالى والسماء بناها، فقد أثبت العلم بما لا يقيل الشك أن السماء في معناها الواقعى والطبيعى هى كل ما يحيط بالارض من جميع أقطارها ابتداء من الغلاف الجوى الذى يرتفع بنحو ثلاثمائة كيلومتر فوق سطح الارض وكأنه بحر من الهواء حول الكرة الارضية ثم إنه بعد هذا الغلاف الجوى يوجد فراغ كونى تسبح فيه ملايين الاجرام السماوية في أعماقه السحيقة وهى تتجاذب فيما بينها وتتحرك في تماسك واتزان في طبقة بعد طبقة وكأنها البناء المحكم، أو كأنها السقف المبنى فوق الارض، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وقال تعالى في سورة الانبياء آية ٣٠:( وَ جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ کُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ‌ ) .

تفسير علماء الدين: فسرها المفسرون السابقون بأن الله خلق جميع الاحياء من ماء الذكر والانثى، وأن كل شئ من الكائنات الحية يحتاج إلى الماء في حياته، أفلا يؤمن أهل مكة بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالقرآن؟

٨٥

النظرة العلمية: يقرر العلم الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة أن الماء يدخل في بناء أى جسم حى إذ هو في الحقيقة قوام حياته، فالماء في نظر العلم هو المكون الاصلى في تركيب مادة الخلية، والحلية هى وحدة البناء في كل شئ حى نباتا كان أو حيوانا، كما أن علم الكيمياء في أبحاثه الحديثة قد أثبت أن الماء عنصر لازم وفعال في كل ما يحدث من التحولات والتفاعلات التى تتم داخل الاجسام فهو إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في هذا التفاعل أو ناتج عنه، وتقول الآيات الكريمة في قصة خلق آدم أبى البشرعليه‌السلام أنه خلق من طين، والطين هو خليط من الماء والتراب أى أن الماء عنصر أساسى في تكوين أى شئ حى.

وقال تعالى في سورة طه - آية ٥٠:( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى کُلَّ شَيْ‌ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) .

تفسير علماء الدين: ربنا الذى منح نعمة الوجود لكل موجود، وخلقه على الصورة التى اختارها سبحانه له، ووجهه لما خلق.

النظرة العلمية: يرى العلم بنور الايمان أن قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته قد أودعت في كل شئ خلقه صفاته الخاصة التى تؤهله لاداء وظيفته التى خلق لها ومن أجلها بصورة مدهشة تجعل الانسان يقر بعظمة الله جل جلاله ووحدانيته، فكل مخلوق

٨٦

لم يخلق عبثا وإنما خلق ليؤدى الدور الذى أهلته له مقوماته وقدراته واستعداداته.

الكائنات الحية والخلايا

توصل العلم عن طريق الدراسات المجهرية وهى التى تستعمل فيها المجاهر أى مكبرات الصور إلى درجة كبيرة من التقدم فقد توصل إلى اكتشاف أن الحيوانات والنباتات لا تتركب أجسامها من كتلة واحدة تندمج أجزاء مادتها بعضها في بعض، وإنما تتركب من عدد ضخم من الوحدات الصغيرة التى تعرف بالخلايا(جمع خلية).

ولا توجد الخلايا منفردة ومتباعدة وإنما تتجمع في كتل وتتراص على هيئة صفائح دقيقة، ويطلق على هذه التجمعات اسم الانسجة، وهذه الانسجة تتجمع بدورها لتكون الاعضاء.

ويتم التكاثر التزاوجى بأن ينتج الحيوان خلايا اصطلح على تسميتها بالخلايا الشقيقة، وهى إما خلايا مؤنثة(أى بويضات) وإما خلايا مذكرة(أى حيوانات منوية) والبويضة عادة كبيرة الحجم عديمة الحركة وهى مزودة بكميات من المواد الغذائية، أما الحيوانات المنوية فهى صغيرة جدا ورفيعة، وهى مزودة بأعضاء للحركة تساعدها على بلوغ البويضة، فإذا ما أخصبت البويضة بحيوان منوى فإنها تندمج معه وتتحد به وتدخل في مرحلة تعرف بمرحلة التكوين، وبعد ذلك تنقسم خلايا البويصة إلى عدد كبير من الخلايا، وتأخذ هذه الخلايا بعد ذلك في التمايز والتخصص لان لكل نوع منها وظائف معينة.

٨٧

ويتركب جسم الكائن الحى إما من خلية واحدة ويسمى وحيد الخلية أو يتركب من عدد كبير من الخلايا ويسمى عديد الخلايا، وهناك خلايا نباتية للنبات وأخرى حيوانية للحيوان، وقد ساعدت المجاهر على تكبير الخلية إلى درجة عظيمة وأمكن بذلك دراسة مقومات الخلية وتركيبها لان العين المجردة ما كانت لتستطيع الكشف عنها لشدة صغرها.

وتتركب الخلية الحيوانية من:

١ - جدار وهو غشاء رقيق شفاف يحيط بالخلية.

٢- البروتوبلازم وهو المادة الحية في الخلية ويتكون من مادة هلامية شفافة قوامها مادة بروتينية معقدة التركيب ومختلطة بمادة دهنية، وتحتوى الخلية على نسبة كبيرة من الماء وبعض العناصر الاخرى من الكربون والاكسجين والاروت والكبريت والفسفور، وللبروتوبلازم القدرة على هضم الغذاء وتمثيله وأكسدته وإخراج الفضلات، كما أن له القدرة على النمو والحركة والتكاثر.

وقال تعالى في سورة الانعام آية - ١٢٥:( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاَمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً کَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ کَذٰلِکَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ‌ ) .

تفسير رجال الدين: فمن يرد الله أن يرشده لدينه يشرح قلبه لقبول الاسلام حتى يسلم ومن يرد

٨٨

أن يضله يتركه ضالا كافرا ويترك قلبه ضيقا لا يجد النور إلى قلبه منفذا ولا مجازا كالمكلف الصعود إلى السماء.

النظرة العلمية: يرى العلم الحديث في هذه الآية حقيقة علمية تؤكد وجود الضغط الجوى الذى اكتشفه أحد العلماء الطليان المسمى تورشيلى في منصف القرن السابع عشر، فقد قاس هذا الضغط وقدره بما يساوى وزن ٧٦ س.م مكعب من الزئبق، وقد اجتهد بعد ذلك علماء الطبيعة في دراسة الغلاف الجوى وغازاته وإرتفاعه ومقدار وزنه وتخلخله، وأن الانسان على سطح الارض يتحمل قدرا معينا من هذا الضغط على جسمه، فاذا ارتفع الانسان بالصعود على جبل أو ركوب الطائرة فإن هذا القدر من الضغط يقل تدريجا بحسب مقدار الارتفاع ويؤثر ذلك في تنفسه ويشعر بضعف حتى إذا وصل إلى إرتفاع ١٢٠٠٠ قدم فوق سطح البحر يحس بصعوبة شديدة في التنفس وضيق في الصدر يجعل مجرد الكلام متعذرا عليه، فهل بعد ذلك برهان على أن هذا القرآن كلام الله الذى يعلم السر وأخفى؟ وليتأمل ذوو الالباب في هذا الاعجاز العلمى الباهر ما عرفه أحد قبل نزول القرآن فسبحان من هذا كلامه.

قال تعالى في سورة الفرقان آية - ٤٨:( وَ أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ) .

تفسير علماء الدين: ولقد أنزلنا من السماء ماء طاهرا مزيلا للانجاس والاوساخ.

٨٩

النظرة العلمية: يقول العلم في معنى هذه الآية الكريمة أن الله يمن على البشر بإنزال الماء طاهرا إليهم من السماء، وفى ذلك إشارة إلى أن ماء المطر عند بدء تكوينه يكون في أعلى درجات النقاء بعد تبخره وتخلصه من جميع شوائبه فإنه يكون نقيا وخاليا من أى شئ ينجسه أو يكدره فهو لذلك صالح للتطهر به من الاوضار والادران حسية كانت أو للتطهر به من الاحداث الصغرى والكبرى.

ظهور الحياة على الارض

دلت أبحاث علماء الفلك والرياضيات والجيولوجيا وغيرها من العلوم الطبيعية والكونية التى كرسوا حياتهم للتعمق في دراستها وفهمها أن ظهور الحياة على الارض لها قصة استغرفت بلايين السنين وهى تمثل كيفية التدرج في نشأة الحياة النباتية والحيوانية على سطح الارض.

وتبدأ القصة بعدما بردت الارض وتكونت بحارها وجبالها وسهولها وغلافها الجوى واستعدت لاستقبال الحياة عليها وذلك بعد تعرضها خلال ملايين السنين لتطورها من حال إلى حال.

ثم جاء ميلاد الحياة على الارض سرا ازليا لا يعلم حقيقته إلا الله الخالق البارئ المصور سبحانه، ولكن الانسان الذى وهبه الله العقل ورأى آثار قدرة الله في مخلوقاته حاول أن يكشف هذا السر فهداه تفكيره وبحثه وإلهام الله له إلى معرفة ما يأتى:

١ - أن أول ظهور للحياة على الارض كان فوق سطح الماء والمحيطات والمستنقعات وعلى شواطئ المسطحات المائية التى تكونت عندها مادة الطين حيث اختلط الماء بالتراب.

٩٠

٢ - أن من عفن الطين المنتن نشأت أبسط وأصغر أنواع الحياة التى نراها ممثلة في بعض أنواع البكتيريا وبعض الكائنات وحيدة الخلية التى لم تتميز بعد على أنها نبات أو حيوان.

٣ - أن من هذا الاصل المشترك لجميع الكائنات نبت فرعان من الخلايا المجهرية أى التى لا ترى إلا بواسطة المجاهر المكبرة تولد من أحدهما النبات ومن الآخر الحيوان.

٤ - أن فرع الحلايا المكونة للنبات؟ رعان ما استحدثت طريقة عجيبة لتركيب مادة الكلوروفيل الخضراء في هيكلها لتكسب بها الطاقة من ضوء الشمس وتستعين بها على استخلاص الكربون من غاز ثانى أكسيد الكربون الموجود في الجو ثم تحويله إلى مواد سكرية ونشوية وكان هذا بدء ممارسة عملية التمثيل الضوئى لنمو النبات.

٥ - أن الخلايا أخذت بعد ذلك تحيط أجسامها الدقيقة بجدران من هذه المواد الكربونية في هيئة السليولوز، وكانت تستعمل الطاقة التى تنبعث في أجسامها نتيجه التمثيل الضوئى داخل هذه الجدران في التحرك.

٦ - أن هذه الخلايا كانت أول الخلق وهى كائنات متناهية في الدقة تعيش في غير جلبة أو ضوضاء ويأتيها رزقها رغدا من الهواء وماء البحر وأملاحه.

٧ - أن زمنا طويلا من العصور والاحقاب مضى على هذه الخلايا وهى تنمو وتتطور وأن البحار كانت تغص بكائنات لا عدد لها من هذه العضويات الاولى التى كانت الاصل في جميع أعضاء مملكة النبات التى تكاثرت وغطت الارض بأعشابها وأشجارها وغاياتها الضخمة الكثيفة قبل وجود الانسان.

٩١

٨ - أن عالم الحيوان قام كذلك مع الخلايا التى انقسمت وكونت الحيوانات التى عاشت على النبات وغيره وصارت أنواعا مختلفة من الاحياء على الارض.

قال تعالى في سورة نوح آية - ١٣، ١٤:( مَا لَکُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ، وَ قَدْ خَلَقَکُمْ أَطْوَاراً ) تفسير علماء الدين: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته حتى ترجو تكريمكم بإنجائكم من العذاب، وقد خلقكم كرات متدرجة نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحما.

النظرة العلمية: تدل الابحاث العلمية في خلق الانسان أنه كانت هناك قبل ظهور آدمعليه‌السلام صور وصنوف من المخلوقات جاء الانسان ذروة لها في التكوين والتقويم، ويقول القرآن عن الله أنه هو:(الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) أى أنه هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في نوع الانسان المتفوق وذلك بعد أن مر بالانسان قبل وجوده حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ونظرية التطور في خلق الانسان أصبحت حقيقة ولها براهين تؤيدها.

قال تعالى في سورة نوح آية - ١٧، ١٨:( وَ اللَّهُ أَنْبَتَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ، ثُمَّ يُعِيدُکُمْ فِيهَا وَ يُخْرِجُکُمْ إِخْرَاجاً )

٩٢

تفسير علماء الدين: والله أنشأكم من الارض فنبتم نباتا عجيبا، ثم يعيدكم في الارض بعد الموت، ويخرجكم منها إخراجا محققا لا محالة.

النظرة العلمية: يقرر العلم أن الانسان هو ابن هذه الارض ومصداق ذلك قوله تعالى:(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) وأكثر من ذلك يحدثنا القرآن في صراحة أن الانسان نبتة من نبات الارض، وقد أكد القرآن الكريم حقيقة معدن آدم وهو الطين في أشكاله التى ذكرها القرآن في قوله أنه من طين، أو من حمأ مسنون، أو من طين لازب أو من سلالة من طين، أو من صلصال كالفخار.

وأن الانسان الاول وهو آدمعليه‌السلام بعد خلقه من الطين وصار جسما حيا من لحم وعظم ودم وأعصاب ثم صار تكوينه بعد ذلك عن طريق آخر هو من نطفة من منى يمنى.

قال تعالى في سورة الطارق آية - ٥، ٦، ٧:( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ‌، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرَائِبِ ) .

تفسير علماء الدين: فليفكر الانسان من أى شئ خلق؟ ! خلق من ماء متدفق، يخرج هذا الماء من بين صلب الرجل وعظام الصدر وهى الترائب للمرأة.

٩٣

النظرة العلمية: ظهر من الدراسات الطبية الحديثة أن الصلب هو منطقة العمود الفقرى للرجل وأن الترائب هى عظام الصدر للمرأة، كما أظهرت للتحاليل الكيمائية أن الماء الدافق هو سائل الرجل المنوى الذى يحتوى على الحيوانات الحية في النطفة، وقد سمى دافقا لانه يندفع وقت الملامسة الجنسية من ذكر الرجل وحده دون الانثى التى لا يتدفق منها سوى إفرازإت تسيل لمجرد تليين الجهاز التناسلى وترطيبه.

وقال تعالى في سورة الجاثية آية - ٣ - ٥:( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ‌، وَ فِي خَلْقِکُمْ وَ مَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‌، وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

تفسير علماء الدين: أن في خلق السماوات والارض من بديع صنع الله لدلالات قوية على ألوهيته ووحدانيته يؤمن بها المصدقون بالله بفطرهم السليمة، وفي خلق الله لكم على ما أنتم عليه من حسن الصورة وبديع الصنع وما يفرق وينشر من الدواب على اختلاف الصور والمنافع لدلالات قوية واضحة لقوم يستيقنون بأمورهم بالتدبر والتفكر، وفي اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر والنور والظلام مع تعاقبهما عى نظام ثابت، وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الارض بالانبات بعد موتها بالجدب، وتصريف الرياح إلى جهات متعددة مع اختلافها برودة وحرارة وقوة وضعفا علامات واضحة على كمال قدرة الله لقوم فسكروا بعقولهم فخلص يقينهم.

٩٤

النظرة العلمية: توجه هذه الآيات نظر الانسان إلى عدة آيات بينات من قدرة الله وإبداعه في كل ما صنع من آيات ملكه، ومن ذلك إنها تلفت النظر إلى قوله تعالى:(وتصريف الرياح) فهذه العبارة الموجزة في كلماتها وراء‌ها حقائق علمية رائعة، فهذه الرياح التى هى الهواء المتحرك فوق غلاف الارض الجوى إنما تتحرك بتأثير حرارة الشمس التى تجعله يخف ويرتفع ويحل محله هواء بارد ثقيل يندفع نحو منطقة الضغظ المنخفض بنظام دقيق فيه تصريف للرياح وتوجيه لها في هبوبها من مكان إلى مكان معين، وينشأ عن حركة الرياح نتائج لها أهميتها في حياة الناس فهى تسوق السحاب المطرة إلى الارض المجدبة، وتساعد السفن الشراعية في سيرها، وتحمل اللقاح إلى النباتات النامية وتوزع الحرارة والبرودة في دورات منتظمة على الارض وغير ذلك من حكمة الله في تصريف الرياح فقد قال تعالى في سورة الاعراف آية - ٥٧( وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ کَذٰلِکَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ‌ ) ، وقد أثبت العلم الدورة الهوائية على سطح الكرة الارضية وكيف يكون تصريفها من جهة إلى أخرى.

الماء ورد ذكر الماء في القرآن ٦٣ مرة، وهو سائل شفاف لا لون له ولا طعم ولا رائحة، ويتكون أساسا من اتحاد غازى الاكسيجين والايدروجين مع غيرهما.والماء أكثر المواد مقدارا وحجما بالكرة الارضية وهو يكون الغلاف

٩٥

المائى على سطحها، ولو أن الارض كانت كرة ملساء لا تعاريج ولا تضاريس في سطحها لغطاها ذلك الماء بغلاف سمكه نحو ميليين، أما وسطح الارض بين منخفض ومرتفع فقد تجمع الماء منذ النشأة الاولى في مناطق هبوط القشرة الارضية مكونا المحيطات والبحار التى تشغل أكثر من ثلثى مساحة الكرة ومياهها ملحة وهذه الملوحة ضرورية لحفظها من التغير والعطن، أما مياه الانهار فعذبة لانها تنزل من السحب التى تبخرت من المحيطات ثم تكاثفت وسقطت أمطارا غزيرة خالية من أى شائبة.

والماء عماد الحياة في الارض لكل كائن حى من نبات وإنسان وحيوان وقد أشار القرآن الكريم في كثير من آياته عن عظم أهميته في إحيائها فيقول تعالى:( وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) سورة النحل آية - ٦٥.

( وَ جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ کُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ ) سورة الانبياء آية - ٣٠:( وَ اللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) سورة النور آية - ٤٥.

( وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً ) سورة الفرقان آية - ٥٤.

( وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى‌ ) سورة طه آية - ٥٣.

ويحتوى جسم الانسان على حوالى ٧٠ % من وزنه ماء لان له أهمية خاصة في الجسم كموصل لعناصر الغذاء إلى خلايا الجسم وإفراز للمواد الضارة في الجسم وتلطيف لدرجة حرارة الجسم عن طريق تبخره في الرئتين والجلد، ومصادر المياه

٩٦

في الجسم هو ما نشربه منه، وما تحتوى الاطعمة عليه من نسب مختلفة من الماء ومما يتتج عن أكسدة بعض المواد الغذائية وتفاعل بعضها مع بعض داخل الجسم.

والماء يعمل على إذابة المواد الغذائية بعد هضمها حتى يتمكن الجسم من امتصاصها، والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوى والسائل النخاعى وغيرها من السوائل التى تتكون منه في الجسم من إفرازات كالعرق والبول والدموع والمخاط، ويثبت العلم أن الماء أكثر ضرورة للانسان من الغذاء فبيما الانسان يمكنه أن يعيش نحو ٦٠ يوما بدون أكل لا يمكنه أن يعيش بدون الماء أكثر من أسبوع على أقصى تقدير ولو فقد الجسم ٢٠ % من مائه فإنه يكون معرضا للموت.

قال الله تعالى في سورة ص آية - ٧١، ٧٢:( إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ‌ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ‌ ) .

تفسير علماء الدين: قال الله لملائكته إنى خالق بشرا أى آدم من طين فإذا جمعت خلقه وجعلت الروح فيه فخروا له ساجدين.

النظرة العلمية: تصرح آلاية بأن الاصل الذى خلق الله منه آدم أبا البشر هو الطين الذىهو مزيج من الماء والتراب، ويقرر العلم الحديث أن الحياة ظهرت على هذه

٩٧

الارض أول ما ظهرت على شواطئ المسطحات المائية حيث يتكون بجوارها الطين الذى ينشأ، منه الزبد والحمأ المسنون والطحالب فالنبات فالحيوان فالانسان، وأن هذا التطور في حالات الطين وأشكاله السالفة الذكر حدثت عبر ملايين السنين حتى أثمرت شجرتها الاولى، وكان أكمل وأكرم ثمره من ثمارها في النهاية هو الانسان.

والقرآن الكريم لم يبين لنا كيف تفرعت هذه الشجرة حتى كان الانسان أحد فروعها، ولكن أشار في أكثر من آية إلى الصلة الوثيقة بين الانسان وعالم الاحياء الناشئ من الماء الممزوج بالتراب.

ففى قوله تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) (سورة النور آية ٤٥): وقوله سبحانه:( وَ جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ کُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ ) سورة الانبياء آية ٣٠: دلالة قوية على أن الاحياء كلها - ومنها الانسان - مخلوقة من مادة واحدة هى الماء، وللماء هو المادة اللازمة بل الاصيلة لتكوين الطين، إذ لا وجود للطين إلا مع الماء وبالماء.

يقول الله تعالى في سورة الاسراء آية - ٧٠:( وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) .

وتدل هذه الآية الكريمة على أن الله كرم أولاد أبينا آدمعليه‌السلام بحسن القوام والقدرة على النطق والكلام وتخير الاشياء اللازمة لهم، وأنه أعطاهم

٩٨

الكرامة والعزة، وأنه هيأ الوسائل لحملهم في البر على الدواب وفي البحر على السفن ورزقهم من خير الطعام وفضلهم على كثير من المخلوقات بالعقل والتفكير تفضيلا عظيما.

والرأى العلمى السائد أن الانسان وحيد النشأة أى أن السلالة البشرية كلها انحدرت من أب واحد هو آدم ولكن هجرات ذريته القديمة واستقرارهم في بيئات طبيعية مختلفة جعلت كل جماعة تتشكل بحسب ظروف تلك البيئة، وكان من الممكن أن تلتزم كل جماعة بصفاتها ومميزاتها الجنسية ولكنها اختلطت بالزواج من الاجناس الاخرى فأخذ عامل الوراثة يعمل عمله في الصفات الجسمية لكل جنس فخلطها بعضها ببعض حتى لا يمكن أن نجد جنسا نقيا في أى دولة في الوقت الحاضر.

الجسد والروح

الانسان مكون من جسد وروح، أما الجسد فقد قام علم الطب بدراسته وتشريح جميع أجزائه وأعضائه وقد تبين له ما في خلق الانسان من معجزات وآيات تدعو إلى الايمان بقدرة الله وحكمته وإبداعه في خلق أجهزته الدقيقة التكوين، فسبحان الله الخالق البارئ المصور الذى له الاسماء الحسنى.

وقد جعل الله سبحانه وتعالى الانسان خليفته في أرضه، وكان أبوالبشر آدم أول خليفة له، وقد علمه الاسماء كلها وأمر الملائكة بالسجود له سجود تكريم وتعظيم لشأنه، فقد قال تعالى في سورة الحجر آية ٢٨ وما بعدها:(وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون، فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا أبليس أبى أن يكون

٩٩

مع الساجدين، قال ياإبليس مالك ألا تكون مع الساجدين، قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون، قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين).

وقد ذكرت الكتب المقدسة قصة آدم وما جرى من مخالفته لامر ربه وهبوطه إلى الارض، وهى قصة تدل بوضوح على أن الشجرة المحرمة ووسوسة الشيطان لآدم بالاكل منها ثم إبداء الندم وطلب المغفرة إنما كانت التجربة البشرية المستمرة التى قدرها الله لعباده في هذه الدنيا ما دامت السماوات والارض ليبتلى الخلق أيهم أحسن عملا، وكان القرآن أصدق الحديث عن قصة آدمعليه‌السلام .

نظرة عابرة في عالم الانسان وصف بعض العلماء القدماء الانسان بأنه عالم أصغر انطوى فيه العالم الاكبر حسا ومعنى، وشبهوا جسده بأنه كالارض وعظامه كالجبال وجوفه كالبحر وأمعاؤه كالانهار وعروقه كالجداول وشعره كالنبات، وهذا تشبيه عادى لاظهار حالته الموافقة لصورة الارض، أما حالته المعنوية والنفسية والروحية فقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تصفها وصف العليم الخبير بكل أحوالها ظاهرها وخافيها، وقد أجمل المولى سبحانه وصف طبائع الانسان فقال تعالى في سورة الاحزاب آية - ٧٢:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ کَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) وتدل هذه الآية الكريمة على أن التكاليف من الواجبات التى يفرضها الدين ويأمر بها الشرع أمر صعب التنفيذ يخافه ويخشاه أقوى الافوياء وتنوء بحمله الجبال على مكانتها وضخامتها إذا حاولت القيام به، ولكن الانسان على ضعفه وجهله غامر وحملها فظلم نفسه لانه حملها ما لا تطيق حمله.

١٠٠