اقتصادنا

اقتصادنا10%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152662 / تحميل: 9466
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وثانياً : أنّ الواقع التأريخي للمجتمع الرأسمالي الحديث لا يمكن أن يعتبر صورة صادقة لكلّ مجتمع يسمح بالملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج ، ولا أن تعمّم النتائج التي ينتهي إليها الباحث من درسه المجتمع الرأسمالي الحديث على كلّ مجتمع آخر يتّفق معه في القول بالملكيّة الخاصة وإن اختلفت معه في الإطارات والحدود

وإنّما أدانت الماركسيّة مبدأ الملكية الخاصة بكلّ النتائج التي تمخّض عنها المجتمع الرأسمالي تجاوباً مع فكرتها الأساسية في تفسير التأريخ ، القائلة : بأنّ العامل الاقتصادي الذي تعبّر عنه نوعية الملكية السائدة في المجتمع هو حجر الزاوية في الكيان الاجتماعي كلّه فكلّ ما يحدث في المجتمع الرأسمالي تنبع جذوره الواقعية من القاعدة الاقتصادية من الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج فتزايد البؤس ، وشبكات الاحتكار ، وفظائع الاستعمار ، وجيوش العاطلين من العمل ، واستفحال التناقض في صميم المجتمع ، كلّ تلك الأمور نتائج حتّمية وحلقات من التسلسل التأريخي المفروض على كلّ مجتمع يؤمن بالملكية الخاصة

وتتلخّص وجهة نظرنا حول آراء الماركسيّة هذه عن المجتمع الرأسمالي في نقطتين :

إحداهما : أنّها تخلط بين الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج وواقعها الرأسمالي المتميز بطبيعة اقتصادية وسياسية وفكرية معيّنة ، فتعتبر مضاعفات هذا الواقع الفاسد نتائج حتمية لكلّ مجتمع يسمح بالملكية الخاصة .

والأخرى : أنّها على خطأ في الأسس العلمية الاقتصادية المزعومة التي تستمدّ منها الماركسية طابعها العلمي في تحليلها لتناقضات المجتمع الرأسمالي وتطوّراته التأريخية .

تناقضات الرأسمالية :

ولنبدأ الآن بأهمّ تناقضات المجتمع الرأسمالي في رأي الماركسيّة أو المحور الرئيسي للتناقض بتعبير آخر ، وهو الربح الذي يدرّه الإنتاج بالأجرة على الرأسماليين من مالكي وسائل الإنتاج ففي الربح يكمن سرّ التناقض المزعوم ولغز الرأسمالية كلّها الذي حاولماركس الكشف عنه في القيمة الفائضة ، فهو يؤمن بأنّ البضاعة مدينة بقيمتها للعمل المأجور الذي أنفق عليها فإذا اشترى الرأسمالي كمّية من الخشب بدينار ، ثمّ استأجر العامل ليصنع من ذلك الخشب سريراً يبيعه بدينارين ، فقد حصل

١٨١

الخشب على قيمة جديدة وهي الدينار الثاني الذي انضمّ إلى قيمة الخشب الخام ومصدر هذه القيمة الجديدة هو العمل وفقاً للقانون الماركسي في القيمة فيجب لكي يربح مالك الخشب والأدوات شيئاً أن لا يدفع إلى العامل إلاّ جزءاً من القيمة الجديدة ـ التي خلقها العامل ـ بوصفه أجراً على عمله ويحتفظ لنفسه بالجزء الآخر من القيمة باعتباره ربحاً خاصاً به وعلىهذا الأساس يصبح من الضروري دائماً أن ينتج العامل قيمة تزيد على أجرته ، وهذه الزيادة هي التي يسمّيها ماركس بالقيمة الفائضة ، ويعتبرها المصدر العام لأرباح الطبقة الرأسمالية كلّها

ويزعمماركس ـ هو يفسّر لنا الربح في هذا الضوء ـ : أنّ هذا هو التفسير الوحيد للمسألة الرأسمالية كلّها فإنّنا إذا حلّلنا عملية الإنتاج الرأسمالي نجد أنّ المالك اشترى من التاجر كلّ ما يحتاج إليه الإنتاج من مواد وأدوات ، واشترى من العامل كلّ ما يحتاجه الإنتاج من طاقة بشرية وهاتان مبادلتان إذا فحصنا التبادل فيهما وجدنا أنّه من ناحية المنفعة الاستعمالية يمكن أن ينتفع كلا الشخصين المتبادلين ؛ لأنّ كلاً منهما يستبدل بضاعة ـ ذات منفعة استعمالية ـ لا يحتاجها ببضاعة يحتاج إلى منفعتها ولكن هذا لا ينطبق على القيمة التبادلية ، فإنّ تبادل البضائع في شكله الطبيعي هو تبادل متعادلات ، وحيث يوجد التعادل لا يمكن أن يوجد الربح ؛ لأنّ كلّ فرد يعطي بضاعة ويتسلّم بدلاً عنها بضاعة ذات قيمة تبادلية مساوية ، فمن أين يحصل على قيمة فائضة أو على ربح ؟!

ويستمرّماركس في تحليله مؤكّداً : أنّ من المستحيل فرض حصول البائع أو المشتري على الربح اعتباطاً لتمتّعه بامتياز بيعه للبضاعة بأعلى من ثمن اشترائها ، أو اشترائه لها بأرخص من قيمتها ؛ لأنّه في النتيجة سوف يخسر ما ربحه حينما يبدّل دوره فينقلب مشترياً بعد أن كان بائعاً ، أو بائعاً بعد أن كان مشترياً فلا يمكن أن تتشكّل قيمة فائضة ، لا عن كون البائعين يبيعون البضائع بأكثر من قيمتها ، ولا عن كون الشارين يشرونها بأقلّ من قيمتها .

وليس من الممكن أيضاً القول بأنّ المنتجين يحصلون على قيمة فائضة ؛ لأنّ المستهلكين يدفعون ثمن البضائع أغلى من قيمتها ، فيكون لأصحاب البضائع ـ بصفتهم منتجين ـ امتياز البيع بسعر أغلى ، فإنّ هذا الامتياز لا يفسّر اللّغز ؛ لأنّ كلّ منتج يعتبر من ناحية أخرى مستهلكاً ، فيخسر بصفته مستهلكاً ما يربحه بوصفه منتجاً .

١٨٢

وهكذا ينتهيماركس من هذا التحليل إلى : أنّ القيمة الفائضة التي يربحها الرأسمالي ليست إلاّ جزءاً من القيمة التي أسبغها عمل العامل على المادة ، وقد ظفر المالك بهذا الجزء لسبب بسيط ؛ وهو أنّه لم يشتر من العامل ـ الذي استخدمه عشر ساعات ـ عمله في هذه المدّة ليكون ملزماً بالتعويض عن عمله بما يساويه ، أو بكلّ القيمة التي خلقها بتعبير آخر فإنّ العمل لا يمكن أن يكون سلعة يشتريها الرأسمالي بقيمة تبادلية معيّنة ؛ لأن العمل هو جوهر القيمة عندماركس ، فكلّ الأشياء تكتسب قيمتها من العمل ، وأمّا العمل فلا يكتسب قيمته من شيء ، فليس هو سلعة إذن ، وإنّما السلعة التي اشتراها المالك من العامل هي قوّة العمل ، هذه السلعة التي تُحدّد قيمتها بكمّية العمل اللازم للحفاظ على تلك القوّة وتجديدها ، أي بكمّية العمل الضروري لإعاشة العامل والمحافظة على قواه فالمالك اشترى من العامل إذن قوّة عمل عشر ساعات لا العمل نفسه ، وقد اشترى تلك القوّة بالقيمة التي تضمن للعامل خلق تلك القوّة وتجديدها وهي الأجور ولمّا كان عمل عشر ساعات أكثر من العمل الذي يتوقّف عليه تجديد قوى العامل وإعاشته ، فسوف يبقى الرأسمالي محتفظاً بالفارق بين قيمة قوّة العمل التي سلّمها إلى العامل والقيمة التي خلقها العمل التي تسلّمها من العامل وهذا الفارق هو فائض القيمة الذي يربحه الرأسمالي

وفي هذا الضوء يعتقدماركس بأنّه كشف عن التناقض الرئيسي في جهاز الرأسمالية ، الذي يتمثّل : في أنّ المالك يشتري من العامل قوّة عمله ولكنّه يتسلّم منه العمل نفسه ، وأنّ العامل هو الذي يخلق القيمة التبادلية كلّها ، ولكن المالك يضطرّه إلى التنازل والاكتفاء بجزء من القيمة التي خلقها ويسرق الجزء الآخر بوصفه فائضاً ، وعلى هذا الأساس يقوم الصراع الطبقي بين الطبقة المالكة والطبقة العاملة

وهذه النظرية (نظرية القيمة الفائضة ) تعتبر قبل كلّ شيء : أنّ المنبع الوحيد لقيمة السلع هو العمل الذي أُهرق فيها فإذا تسلّم العامل كلّ القيمة التي خلقها في السلعة لم يبقَ لغيره شيء يربحه فيجب لكي يوجد ربح للمالك أن يقتطع نصيباً لنفسه من القيمة التي أوجدها العامل في منتوجه فنظرية القيمة الفائضة ـ إذن ـ ترتكز بصورة أساسية على قانون القيمة عند الماركسيّة ، وهذا الارتباط بين النظرية والقانون يوحّد مصيرهما ، ويجعل من فشل القانون علمياً سبباً لسقوط النظرية ، وسقوط كلّ النظريات في الاقتصاد الماركسي التي تقوم على أساس ذلك القانون

١٨٣

[ مناقشة نظرية القيمة الفائضة : ]

وقد استطعنا أن نعرف في دراستنا في لقانون القيمة عندماركس بوصفه العمود الفقري للاقتصاد الماركسي كلّه أنّ العمل ليس هو الجوهر الأساسي للقيمة التبادلية ، وإنّما تقاس القيمة بمقياس ذاتي سيكولوجي وهو الرغبة الاجتماعية ، وإذا كانت الرغبة هي جوهر القيمة التبادلية ومصدرها ، فلن نضطر إلي تفسير الربح ـ دائماً ـ بكونه جزءاً من القيمة التي يخلقها العمل ، كما صنعماركس ، بل لا يمكن أن نغفل حينئذٍ ـ [ في ] عملية تكوّن القيمة للسلع ـ نصيب المواد الطبيعية الخام ـ ذات الندرة النسبية ـ من قيمة تلك السلع فالمادّة الخشبية مثلاً ، بوصفها مادّة طبيعية نادرة نسبياً ـ وليست كالهواء ـ تتمتّع بقوّة تبادلية وتساهم في تكوين القيمة التبادلية للسرير الخشبي في ضوء المقياس السيكولوجي للقيمة ، بالرغم من عدم إنفاق عمل بشري في سبيل إنتاجها وهكذا كلّ المواد الطبيعية التي تتجسّد في مختلف السلع المنتجة والتي أهملتها الماركسية تماماً، ولم تؤمن بأيّ دور لها في تكوين القيم التبادلية للسلع ، زاعمةً : أنّها ليست ذات قيمة تبادلية ما دامت لا تعبّر عن عمل منفق على إيجادها

صحيح أنّ المادة الخام وهي في باطن الأرض مثلاً وبصورة مجرّدة عن العمل البشري تبدو تافهة ، ولا تكتسب أهمّية خاصة إلاّ عند امتزاجها بالعمل البشري ، ولكنّ هذا لا يعني أنّ المادة ليس لها قيمة تبادلية ، وأنّ القيمة كلّها ناتجة عن العمل وحده كما ترى الماركسية ، إذ كما ينطبق هذا الوصف على المادة المعدنية في الأرض كذلك ينطبق أيضاً على العمل المنفق على استخراج المادّة وتعديلها ، فإنّ هذا العمل إذا عزل عن تلك المادة المعدنية لم تكن له قيمة إطلاقا ً. فمن السهل أن نتصور تفاهة هذه الكمّية من العمل البشري التي أنفقت على استخراج معدن كالذهب لو أنّها كانت منفقة في مجالات العبث والمجون أو على استخراج صخور لا تجدي نفعاً فالعنصران إذن ( المادّة والعمل ) متفاعلان متضامنان في تكوين القيمة التبادلية للكمّية المستخرجة من المعدن مثلاً ، ولكلّ منها دور إيجابي في تكوين بضاعة الذهب التي تتمتّع بقيمة تبادلية خاصة وفقاً للمقياس السيكولوجي لها

١٨٤

وكما يصبح للمواد نصيبها من قيمة السلع في ضوء المقياس السيكولوجي للقيمة ، كذلك يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مختلف عناصر الإنتاج فالناتج الزراعي لا يستمد قيمته التبادلية من كمية العمل المنفقة على إنتاجه فحسب ، بل إنّ للأرض أثراً في هذه القيمة ، بدليل أنّ تلك الكمية من العمل نفسها قد تنفق في زراعة الأرض بما هي أقل صلاحية له فتحصل على ناتج لا يتمتّع بنفس تلك القيمة التبادلية التي يملكها الناتج الأوّل وإذا كان للمواد الخام وعناصر الإنتاج المختلفة أثر في تكوين قيمة السلعة فليست القيمة كلّها ـ إذن ـ نابعة من العمل ، وليس صاحب العمل هو المصدر الوحيد لقيمة السلعة ، وبالتالي ليس من الواجب أنتكون القيمة الفائضة ( الربح ) جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل ، ما دام يمكن أن تكون تعبيراً عمّا لمواد الإنتاج الطبيعية من نصيب في قيمة السلعة المنتجة

ويبقى بعد ذلك سؤال واحد يتّصل بهذه القيمة التي تستمدّها السلعة من الطبيعة : فلمن تكون هذه القيمة ؟ ومن الذي يملكها ؟ وهل يملكها العامل أو شخص سواه ؟

وهذه نقطة أخرى خارجة عن نطاق البحث ، وإنّما النقطة التي كنا ندرسها هي علاقة القيمة الفائضة بالعمل ، وهل يجب أن تكون جزءاً من القيمة التي يخلقها العمل أو يمكن أن تكون نابعة من مصدر آخر ؟ فـ (ماركس ) حين اعتبر العمل أساساً وحيداً للقيمة لم يستطع أن يفسّر القيمة الفائضة (الربح ) إلاّ على اقتطاع جزء من القيمة التي يخلقها العامل ، وأمّا في ضوء مقياس آخر للقيمة كالمقياس السيكولوجي ، فمن الممكن تفسير القيمة الفائضة دون أن نضطر إلى اعتبارها جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل فبالمجتمع تزداد دائماً القيم التبادلية التي يملكها ـ كما تزداد ثروته باستمرار ـ عن طريق اندماج كمّيات جديدة من العمل بالمواد الطبيعية وتكوين سلع جاهزة عن هذا الطريق تحمل قيمة تبادلية مستمدّة من العنصرين المندمجين فيها ، من العمل والمادة الطبيعية الأمرين اللذين استطاعا ـ بالاندماج والاشتراك ـ : أن يولّدا قيمة جديدة لم تكن توجد في كلّ منهما حالة وجوده بصورة مستقلة عن آخر

١٨٥

وهناك شيء آخر أقصته الماركسية من حسابها لدى محاولة استكشاف سرّ الربح دون أن نجد مبرّراً لإقصائه حتى إذا أخذنا بقانون القيمة عند ماركس ، وهو : القدر الذي يخلقه المالك نفسه من قيمة بسبب مواهبه التنظيمية والإدارية التي يستعملها في تسيير المشروع الصناعي أو الزراعي وقد أثبتت التجارب بكلّ وضوح أنّ مشاريع متساوية في رؤوس أموالها والأيدي العاملة التي تشتغل فيها قد تختلف اختلافاً هائلاً في الأرباح التي تجنيها طبقاً لكفاءات التنظيم ، فالإدارة عنصر عملي ضروري في عملية الإنتاج ونجاحها ، ولا يكفي لتحقيق عملية الإنتاج ونجاحها أن تتوفّر القوى العاملة وأدوات الإنتاج والمواد اللازمة فحسب ، بل تحتاج عجلة الإنتاج إلى قائد يعيّن المقدار اللازم وجوده من القوى العاملة والمواد والأدوات ، ويحدّد النِسب التي تمتزج بها جميعاً ، ويوزّع الواجبات على مختلف أنواع العمّال والموظّفين ، ويشرف إشرافاً تامّاً على سير العملية الإنتاجية ، ثمّ يبحث ـ بعد ذلك ـ عن منافذ لتوزيعها وإيصالها إلى المستهلكين .

فإذا كان العمل هو جوهر القيمة فيجب أن يكون للعمل القيادي والتنظيمي نصيب من القيمة التي يخلقها العمل في السلعة ، ولا يمكن لماركس أن يفسّر الربح على ضوء نظرية القيمة الفائضة إلاّ بالنسبة إلى القيمة التي يربحها الرأسمالي الربوي ، أو المشاريع الرأسمالية التي لا يساهم فيها المالك بإدارة وتنظيم .

[ نقد التناقضات الطبقية : ]

وإذا انهارت نظرية القيمة الفائضة تبعاً لانهيار أساسها العلمي المتمثّل في قانون القيمة عند الماركسية ، فمن الطبيعي أن نرفض حينئذ التناقضات الطبقية التي تستنتجها الماركسية من هذه النظرية ، كالتناقض بين العامل والمالك بوصفه سارقاً يقتطع من العامل الجزء الفائض من القيمة التي يخلقها ، والتناقض بين ما يشتريه المالك من العامل وما يتسلّمه منه ، إذ يشتري منه ـ في زعم الماركسية ـ طاقة العمل ويتسلّم منه العمل نفسه

١٨٦

فالتناقض الأوّل يتوقّف على تفسير الربح في ضوء نظريّة القيمة الفائضة ، وأمّا في ضوء آخر فليس من الضروري أن يكون الربح جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل لنفسه ما دام للقيمة مصدر غير العمل ، وبالتالي ليس من الضروري في نظام العمل بالأجرة أن يسرق المالك من العامل شيئاً من القيمة التي يخلقها ، ليكون الصراع الطبقي بين المالك والعامل قضاءً محتوماً في هذا النظام صحيح أنّ من مصلحة المستأجرين تخفيض الأجور ، ومن مصلحة الأجراء رفعها ، فهم مختلفون في مصالحهم كما قد تختلف مصالح الأجراء أو المستأجرين أنفسهم وصحيح أنّ أيّ ارتفاع أو هبوط في الأجرة يعني إضراراً بالجانب الآخر في الوقت الذي يستفيد منه أحد الجانبين ، ولكنّ هذا يختلف عن المفهوم الماركسي للتناقض الطبقي الذي يجعل التناقض والابتزاز داخلاً في صميم العلاقة بين المستأجر والأجير مهما كان لونها وشكلها

فالتناقض الطبقي في طابعه العلمي الموضوعي الصارم القائم على أسس الاقتصاد الماركسي هو الذي ينهار بانهيار تلك الأسس وأمّا التناقض بمعنى اختلاف المصالح الذي يجعل أحد الفريقين يكافح في سبيل رفع الأجور والفريق الآخر يحاول الاحتفاظ بمستواها فهو تناقض ثابت ، ولا يرتبط بالأسس العلمية المزعومة للاقتصاد الماركسي ، بل هو نظير اختلاف مصالح البائعين والمشترين الذي يدفع بالبائعين إلى محاولة رفع الأثمان بينما يعمل المشترون لمقابلة ذلك

وكذلك اختلاف مصالح العمال الفنّيين وغيرهم ، إذ أنّ من مصلحة الفنّي أن يحتفظ لعمله بمستوى عال من الأجر ، بينما يكون من مصلحة سائر العمال أن يطالبوا بمساواة كاملة في الأجور .

وأمّا التناقض الثاني بين ما يشريه المالك من العامل وما يسلّمه إليه ، فهو يتوقّف على الرأي الماركسي السابق ، القائل بأنّ السلعة التي يشتريها المالك من العامل ـ في مجتمع يسمح بالعمل المأجور ـ هي قوّة العمل لا العمل نفسه ، كما يردّد ذلك الاقتصاد الرأسمالي المبتذل على حدّ تعبير الماركسية ؛ لأنّ العمل في رأس ماركس هو جوهر القيمة ومقياسها ، فلا يمكن أن تكون له قيمة قابلة للقياس والتقدير حتى يباع بتلك القيمة ، وعلى العكس من ذلك قوّة العمل ، فإنّها تعبّر عن كمّية من العمل المنفق عليها ـ أو على إعاشة العامل بتعبير آخر ـ فتقاس قيمة قوّة العمل بالعمل المنفق في سبيلها ، وتصبح بذلك سلعة ذات قيمة يمكن أن يشتريها المالك من العامل بتلك القيمة .

١٨٧

ولكنّ الحقيقة التي يقرّرها الاقتصاد الإسلامي بهذا الصدد هي : أنّ المالك لا يتملّك ولا يشتري من العامل عمله كما يرى الاقتصاد الرأسمالي المبتذل على حد تعبير الماركسية ، ولا يشتري أيضاً قوّة العمل كما يقرّر الاقتصاد الماركسي ، فلا العمل ولا قوّة العمل هو السلعة أو المال الذي يشتريه المالك من العامل ويدفع الأجرة ثمناً له ، وإنّما يشتري المالك من العامل منفعة عمله ، أي الأثر المادّي الذي ينتجه العمل في المادة الطبيعية فإذا استأجر مالك الخشب والأدوات عاملاً ، ليصنع من ذلك الخشب سريراً ، فهو يدفع له الأجرة ثمناً للهيئة أو التعديل الذي سوف يطرأ على الخشب فيجعله سريراً نتيجة لعمل العامل فهذا التعديل الذي يصبح الخشب به سريراً هو الأثر المادّي للعمل وهو بالتالي منفعة العمل التي يشتريها المستأجر من العامل بالأجرة فمنفعة العمل شيء مغاير للعمل ولطاقة العمل ، وهي كذلك ليست جزءاً من كيان الإنسان وإنّما هي بضاعة لها قيمة بمقدار ما لتلك المنفعة من أهمية ، وفقاً للمقياس السيكولوجي العام للقيمة ( مقياس الرغبة الاجتماعية ) فالمالك إذن يشتري من العامل منفعة عمله ، ويتسلّم هذه المنفعة ضمن الخشب الذي أصبح بالتعديل سريراً في مثالنا السابق ، دون أي تناقض بين ما يشتريه وما يتسلّمه(١) .

ولا يفوتنا أن نلاحظ الفرق بين منفعة العمل والمواد الطبيعية الخام النادرة نسبياً ، كالخشب والمادّة المعدنية ، فإنّها وإن كانت جميعاً ذات قيم تبادلية ، وفقاً للمقياس العام في القيمة ، غير أنّ منفعة العمل ـ وهي حالة التعديل تحصل في المادة الطبيعية نتيجة للعمل ، كالخشب الذي يصبح سريراً ـ بوصفها ذات بضاعة ناتجة عن عمل إنساني تتمتّع بعنصر الإرادة والاختيار فمن الممكن للإرادة الإنسانية أن تتدخّل في جعل هذه البضاعة نادرة ، وبالتالي في رفع ثمنها ، كما تقوم به نقابات العمال في البلدان الرأسمالية ولهذا يبدو ـ لأوّل وهلة ـ كأن هذه البضاعة تحدّد أثمانها اعتباطاً ووفقاً لمدى القوى السياسية لتلك النقابات ، ولكنّ الواقع أنّها تخضع لنفس المقياس العام للقيمة ، غير أنّ الإدارة الإنسانية بإمكانها أن تتدخّل أحياناً فتجعل المقياس يرتفع وتزداد بذلك الأجور

ـــــــــــــــ

(١) راجع منية الطالب في حاشية المكاسب ١ : ٦١ .

١٨٨

[ المراحل الأخرى من التحليل الماركسي للرأسمالية : ]

ولنواصل الآن ـ بعد أن درسنا نظرية القيمة الفائضة ـ استعراض المراحل الأخرى من تحليل الماركسية للمجتمع الرأسمالي فقد عرفنا حتى الآن : أنّماركس وضع نظرية القيمة الفائضة على أساس قانونه الخاص في القيمة ، وفسّر في ضوئها طبيعة الربح الرأسمالي ، وانتهى من ذلك إلى أنّ التناقض الأساسي في الرأسمالية يكمن في الربح الرأسمالي بوصفه سرقة يقتطعها المالك من القيمة التي يخلقها العامل المأجور

وحين فرغماركس من فكرتيه الأساسيتين المتشابكتين ( قانون القيمة ، ونظرية القيمة الفائضة ) ، واطمأن إلى كشفهما عن التناقض الأساسي في الرأسمالية ، بدأ يستنتج في ضوئها قوانين هذا التناقض التي تسوق الرأسمالية إلى حتفها المحتوم

فأوّل هذه القوانين : قانون الصراع والكفاح الطبقي الذي يخوضه الأُجراء ضدّ الطبقة الرأسمالية والفكرة في هذا القانون ترتكز على التناقض الأساسي ـ الذي كشفت عنه نظرية القيمة الفائضة ـ بين ما يدفعه الرأسمالي إلى العامل من أجور وما يتسلّمه من نتاج ، فحيث إنّ الرأسمالي يقتطع من العامل جزءاً من القيمة التي يخلقها ولا يدفع إليه إلاّ جزءاً منها ، فهو يقف من العامل موقف السارق ، وهذا يؤدّي ـ بطبيعة الحال ـ إلى قيام صراع عنيف بين الطبقة المسروقة والطبقة السارقة ويجيء بعد ذلك دور قانون آخر ليعمل في تشديد هذا الصراع ومضاعفته ، وهو قانون : انخفاض الربح ، أو بكلمة أخرى : اتجاه معدّل الأرباح دائماً إلى الهبوط وترتكز الفكرة في هذا القانون على الاعتقاد بأنّ التنافس بين مشاريع الإنتاج الذي يسود المراحل الأولى من الرأسمالية يؤدّي إلى المزاحمة والسباق بين المنتجين الرأسماليين أنفسهم ، ومن طبيعة هذا السباق أن يدفع الإنتاج الرأسمالي إلى الأمام ، ويجعل كلّ رأسمالي حريصاً على إنماء مشروعه وتحسينه سعياً وراء المزيد من الربح ، ولا يجدّ كلّ فرد من الطبقة المالكة ـ لأجل هذا ـ مناصاً عن تحويل جزء من أرباحه إلى رأس مال ، والاستفادة بصورة مستمرة من التقدّم العلمي والتكنيكي في تحسين الأدوات والآلات ، أو استبدالها بما هي أكثر كفاءة وأضخم إنتاجاً ؛ ليستطيع أن يواكب حركة الإنتاج الرأسمالي مع منافسيه الآخرين ، ويعصم نفسه من السقوط في منتصف الطريق فهناك إذن في وضع المجتمع الرأسمالي قوّة ترغم الرأسمالي على تراكم رأس المال وتحسين الأدوات وتنميتها ، وهي قوّة المزاحمة بين الرأسماليين أنفسهم

١٨٩

وينبثق عن هذه الضرورة لتراكم رأس المال قانون اتجاه معدّل الأرباح دائماً إلى الهبوط لأنّ الإنتاج الرأسمالي ـ في نموّه ـ يتزايد اعتماده على الآلات والمعدّات تبعاً للتقدّم العلمي في هذا المضمار ، وتقلّ الكمّية التي يحتاجها من العمل بصورة متناسبة مع تقدّم الآلات وتكاملها وهذا يعني انخفاض القيمة الجديدة التي يخلقها الإنتاج تبعاً لانخفاض كمّية العمل المنفق في هذا السبيل ، فينخفض الربح الذي يعبّر عن جزء من تلك القيمة الجديدة

ولا يملك الرأسماليون إزاء هذه الضرورة ( ضرورة انخفاض الربح ) من علاج إلاّ مطالبة العمّال بكمّيات أكبر من العمل بنفس الأجرة السابقة ، أو تخفيض نصيبهم من القيمة الجديدة التي يخلقونها بالتقليل من أجورهم وبذلك يشتدّ الصراع بين الطبقتين ويصبح تزايد البؤس والحاجة في أوساط العمال قانوناً حتمياً في المجتمع الرأسمالي .

ومن الطبيعي أن تنجم بعد ذلك أزمات شديدة ؛ لعدم تمكّن الرأسماليين من تصريف بضائعهم نتيجة لانخفاض مستوى القدرة الشرائية عند الجماهير ، ويصبح من الضروري التفتيش عن أسواق خارج الحدود ، فتبدأ الرأسمالية مرحلتها الاستعمارية والاحتكارية في سبيل ضمان أرباح الطبقة الحاكمة ويتهاوى تحت نير الاحتكار الضعفاء نسبياً من الطبقة البورجوازية ، فيضيق نطاق هذه الطبقة تدريجياً ، بينما يتّسع نطاق الطبقة الكادحة ؛ إذ تتلقّى بكلّ حرارة أولئك البورجوازيين الضعفاء الذين يخرّون صرعى في معركة الاحتكار الرأسمالي ومن ناحية أخرى : تبدأ الطبقة البورجوازية تفقد مستعمراتها بفضل الحركات التحرّرية في تلك المستعمرات ، وتتفاقم الأزمات شيئاً بعد شيء ، حتى يصل المنحنى التأريخي إلى النقطة الفاصلة ويتحطّم الكيان الرأسمالي كلّه في لحظة ثورية يشعل نارها الكادحون والعمال

[ دراسة التحليل الماركسي للرأسمالية : ]

هذه صورة ملخّصة عن مراحل التحليل الماركسي للرأسمالية ، يمكننا الآن تحليلها في ضوء دراستنا السابقة .

فمن الملاحظ بوضوح أنّ قانون الصراع الطبقي القائم على أساس التناقض الكامن في الربح ، يتوقّف مصيره على نظرية القيمة الفائضة فإذا انهارت هذه النظرية ـ كما رأينا ـ تلاشى التناقض العلمي المزعوم وبطلت فكرة الصراع الطبقي المستوحاة من ذلك التناقض .

١٩٠

وأمّا قانون انخفاض الربح ، فهو نتيجة للقاعدة المركزية في الاقتصاد الماركسي ، وهي قانون القيمة فإنّماركس يرى في انخفاض كمّية العمل المنفقة خلال الإنتاج بسبب تحسين الآلات وكثرتها ، سبباً لانخفاض قيمة السلعة وضآلة الربح ؛ لأنّ القيمة ليست إلاّ وليدة العمل ، فإذا قلّت كمّية العمل بسبب تزايد الآلات انخفضت القيمة وتقلّص الربح الذي يعبر عن جزء من القيمة المنتجة وإذا كان قانون انخفاض الربح مرتكزاً على تلك القاعدة المركزية القائلة : أنّ العمل هو الجوهر الوحيد للقيمة ، فيسقط تبعاً لسقوط تلك القاعدة في دراستنا السابقة ، ويصبح من الممكن علمياً أن يتناقض معدّل الربح بزيادة الآلات والمواد الخام وانخفاض كمّية العمل ما دام العمل ليس هو الجوهر الوحيد للقيمة .

ولنأخذ ـ بعد ذلك ـ قانون البؤس المتزايد إنّ هذا القانون يقوم على أساس التعطّل الناتج عن إحلال الآلات والوسائل الحديثة محلّ العمّال في عملية الإنتاج ، فكلّ جهاز أو تحسين جديد في الجهاز يقذف بعدد من العمّال إلى الشارع ولمّا كانت حركة الإنتاج في تقدّم مستمر ، فسوف ينمو جيش العاطلين الذي يطلق عليهماركس اسم :الجيش الاحتياطي للرأسماليين ، وينمو تبعاً له البؤس والفاقة والموت جوعاً هنا وهناك .

وفي الحقيقة أنّ هذا القانون استمدهماركس من تحليل (ريكاردو ) للآلات وأثرها على حياة العمّال فقد سبق ( ريكاردو ) إلى نظرية التعطّل بسبب تضاؤل الحاجة إلى الأيدي العاملة بعد صنع المقدار المطلوب من الآلات الأكثر كفاية وقد أضافماركس إلى ذلك ظاهرة أخرى تنجم عن إحلال الآلات محلّ العمل ، وهي إمكان إشغال أيّ إنسان سوي في عملية الإنتاج الآلي حتى النساء والأطفال ، دون حاجة إلى خبرة سابقة ، وبهذا يستبدل العمّال الماهرون بغيرهم بأجورٍ أرخص ، وتهبط قدرة العمّال المساومة في الأجور وبالتالي يزداد البؤس ويتفاقم يوماً بعد يوم .

وحينما وجد الماركسيون ـ بعد ماركس ـ أنّ البؤس في المجتمعات الرأسمالية والأوروبية والأمريكية لا ينمو ولا يشتدّ وفقاً لقانونماركس ، اضطروا إلى تأويل القانون ، فزعموا : أنّ البؤس النسبي في تزايد وإن كانت حالة العمّال ـ إذا أخذت بصورة منعزلة عن حالة الرأسماليين ـ تتحسّن على مرّ الزمن بسبب شتّى المؤثّرات والعوامل ، وفي هذا نجد مثالاً من عدّة أمثلة بيّناها خلال دراستنا لخلط الماركسية بين قوانين الاقتصاد والحقائق الاجتماعية ، والدمج بينهما بطريقة تؤدّي إلى نتائج خاطئة بسبب إصرار الماركسية على تفسير المجتمع كلّه في ضوء الظواهر الاقتصادية ولنفترض مثلاً:

١٩١

أنّ الحالة النسبية للعمّال تتردّى على مرّ الزمن ـ أي : حالتهم بالنسبة إلى الرأسماليين ـ ولكنّها من ناحية أخرى بما هي حالة منظوراً إليها بصورة مستقلة تتحسّن وتزداد رخاء وسعةً ، فمن حقّ الماركسية ـ إذا صح هذا ـ أن تعبّر عن هذه الظاهرة تعبيراً اقتصادياً محدّداً ، ولكن ليس من حقّها أن تعبّر عنها تعبيراً اجتماعياً فتعلن عن ضرورة تزايد البؤس في المجتمع فإنّ تردّي الحالة النسبية لا يعني بؤساً ما دامت تتحسّن بصورة مستقلّة وإنّما اضطرّت الماركسية إلى هذا التعبير بالذات لتصل عن طريق ذلك إلى استكشاف القوّة الحتمية الدافعة إلى الثورة ، وهي البؤس المتعاظم باستمرار ولم تكن الماركسية لتصل إلى هذا الكشف لو لم تستعر للظواهر الاقتصادية أسماء اجتماعية ، ولو لم تطلق على حالة التردّي النسبي اسم : البؤس .

وأخيراً ، فما هي أسباب الحاجة والفاقة التي كان يجدهاماركس مخيّمة على المجتمع الرأسمالي ؟

إنّ الحاجة والفاقة وألوان الفقر والتسكّع لم تنشأ عن السماح بالملكيّة الخاصّة لوسيلة الإنتاج ، وإنّما نشأت عن الإطار الرأسمالي لهذه الملكيّة ، عن اكتساح هذا الملكيّة الخاصة لكلّ وسائل الإنتاج وعدم الاعتراف بمبدأ الملكيّة العاملة إلى جانبه ، ولا بحقوق ثابتة في الأموال الخاصّة للضمان الاجتماعي ، ولا بحدود خاصة لتصرّفات المالكين في أموالهم وأمّا إذا سمح المجتمع بالملكيّة الخاصة لوسيلة الإنتاج ، ووضع إلى جانب ذلك مبادئ الملكيّة العامّة لقسم كبير من وسائل الإنتاج ، والضمان الاجتماعي ، والحرية الاقتصادية المحدودة بحدود من المصلحة العامة تَحُول دون تمركز الأموال في أيدي فئة قليلة أمّا إذا قام المجتمع بذلك كلّه فلن يوجد في المجتمع ـ الذي يوفّق بين هذه المبادئ ـ ظِلّ للبؤس أو ظاهرةٌ من ظواهر الحاجة والشقاء التي نبعت من طبيعة النظام الرأسمالي في المجتمعات الأوروبية

وأمّا الاستعمار فقد رأينا أنّ الماركسية تفسّره تفسيراً اقتصادياً خالصاً أيضاً ، فتعتبره نتيجة حتمية للمرحلة العليا من الرأسمالية حين تعود الأسواق والخيرات الداخلية غير كافية لتمشية مصالح الطبقة الرأسمالية ، فتضطرّ إلى امتلاك أسواق وخيرات البلاد الخارجية عن طريق الاستعمار

ولكن الواقع أنّ الاستعمار ليس تعبيراً اقتصادياً عن المرحلة المتأخّرة من الرأسمالية ، وإنّما هو التعبير العملي بصورة أعمق عن العقلية المادّية بمقاييسها الخُلُقية ومفاهيمها عن الحياة وأهدافها وغاياتها ، فإنّ هذه العقلية هي التي جعلت الحصول على أكبر ربح مادّي ممكن هو الهدف الأعلى ، بقطع النظر عن نوعية الوسائل وطابعها الخُلقي ، ونتائجها في المدى البعيد

١٩٢

والدليل على هذا من الواقع ، أنّ الاستعمار بدأ منذ بدأت الرأسمالية وجودها التأريخي في المجتمعات الأوروبية بعقليتها ومقاييسها ، ولم ينتظر حتى تصلّ الرأسمالية إلى مرحلتها العُليا وليكون تعبيراً عن ضرورة اقتصادية خالصة فقد اقتسمت الدول الأوروبية البلاد الضعيفة في مطلع الرأسمالية بكلّ وقاحة واستهتار فكان لبريطانيا الهند وبورما وجنوب أفريقيا ومصر والسودان وغيرها ولفرنسا الهند الصينيّة والجزائر ومراكش وتونس ومدغشكر وغيرها من المستعمرات ، وكان لألمانيا قطاعات في غربي أفريقيا وجزر الباسفيك ، ولإيطاليا طرابلس الغرب والصومال ، ولبلجيكا بلاد الكونغو ، ولروسيا قطاعات في آسيا ، ولهولندا جزائر الهند .

فالسبب الأصيل والأسبق للاستعمار يكمن في الواقع الروحي والمزاج الخُلقي للمجتمع ، لا في مجرّد السماح بالملكيّة الخاصة لوسيلة الإنتاج فإذا سمح بهذه الملكية في مجتمع يتمتّع بواقع روحي وخُلقي وسياسي يختلف عن الواقع الرأسمالي ، فليس الاستعمار بمفهومه الرأسمالي قانوناً حتمياً له

وأمّا الاحتكار فهو الآخر ليس ـ أيضاً ـ نتيجة حتمية للسماح بالملكيّة الخاصة لأداة الإنتاج ، وإنّما هو نتيجة للحريّات الرأسمالية بشكلها المطلق ، وللمبدأ القائل : بعدم جواز التدخّل في مجرى الحياة الاقتصادية للناس أمّا حين توضع للملكية الخاصة قيودها وحدودها ، ويجعل النشاط الاقتصادي تحت مراقبة دقيقة تستهدف الحيلولة دون الاحتكار وتحكّم فئة قليلة في الأسواق التجارية ، فسوف لا يجد الاحتكار طريقه الرأسمالي المعبّد إلى التحطيم والتدمير .

١٩٣

مع الماركسيّة ٢

المذهب الماركسي

تمهيد

ما هي الاشتراكية والشيوعية ؟

نقد المذهب بصورة عامة

نقد تفصيلي للمذهب

تمهيد :

قلنا في مستهلّ هذا الكتاب : إنّ المذهب الاقتصادي عبارة عن نهج خاص للحياة ، يطالب أنصاره بتطبيقه لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه ، بوصفه المخطّط الأفضل الذي يحقّق للإنسانية ما تصبو إليه من رخاء وسعادة على الصعيد الاقتصادي وأمّا العلوم الاقتصادية ، فهي دراسات منظمّة للقوانين الموضوعية التي تتحكّم في المجتمع كما تجري في حياته الاقتصادية .

فالمذهب : تصميم عمل ودعوة والعلم : كشف أو محاولة كشف عن حقيقة وقانون لهذا السبب كان المذهب عنصراً فعالاً وعاملاً من عوامل الخلق والتجديد وأمّا العلم فهو يسجّل ما يقع في مجرى الحوادث الاقتصادية كما هو دون تصرّف أو تلاعب

وعلى هذا الأساس فصلنا بين المادّية التأريخية والمذهب الماركسي في بحثنا هذا مع الماركسية ، فالمادّية التأريخية التي تناولناها في القسم الأوّل من البحث هي : علم قوانين الإنتاج في تطوّره ونموّه ونتائجه الاجتماعية في مختلف الحقول الاقتصادية والسياسية والفكرية ، وبكلمة أخرى : هي علم الاقتصاد الماركسي الذي يفسّر التأريخ كلّه تفسيراً اقتصادياً ، في ضوء القوى المنتجة والمذهب الماركسي : هو النظام الاجتماعي الذي تتزّعم الماركسية الدعوة إليه ، وقيادة الإنسانية إلى تحقيقه فالماركسية تقف في المادّية التأريخية موقف العالم الطبيعي من قوانين الطبيعة وتقف بصفتها المذهبية موقف الدعوة والتبشير

١٩٤

وبالرغم من هذين الوجهين المختلفين للعلم والمذهب ، فإنّ الصلة وثيقة جداً بين المادّية التأريخية والماركسية المذهبية لأنّ المذهب ـ الذي تتبنّى الماركسية الدعوة إليه ـ ليس في الحقيقة إلاّ تعبيراً قانونياً وشكلاً تشريعياً لمرحلة معيّنة من مراحل المادّية التأريخية ، وجزءاً محدوداً من المنحنى التأريخي العام ، الذي تفرضه حركة الإنتاج الصاعدة وقوانين تطوّره وتناقضاته فالماركسية حين تتقمّص ثوب الداعية المذهبي إنّما تعبّر بذلك عن الحقيقة التأريخية لتلك القوانين فهي لا تنظر الدعوة إلاّ بوصفها تنفيذاً لإرادة التأريخ وتحقيقاً لمقتضيات العامل الاقتصادي الذي يقود القافلة البشرية اليوم نحو مرحلة جديدة ، هي المرحلة التي تتجسّد فيها مخطّطات المذهب الماركسي .

ولهذا السبب كان يطلقماركس على مذهبه اسم : (الاشتراكية العلمية ) ، تمييزاً لها عن سائر الاشتراكيات التي عبّر أصحابها فيها عن اقتراحاتهم ومشاعرهم النفسية وليس عن الضرورة التأريخية وقوانينها ، فصاغوا مذاهبهم بعيدين عن الحساب العلمي ودراسة القوى المنتجة ونموّها

وفي المذهب الماركسي مرحلتان تطالب الماركسية ـ من ناحية مذهبية ـ بتطبيقهما تباعاً ، وتؤكّد ـ من ناحية المادّية التأريخية ـ على ضرورتهما التأريخيّة كذلك ، وهما : المرحلة الاشتراكية ، ثمّ الشيوعية فالشيوعية تعتبر من ـ وجهة رأي المادّية التأريخية ـ أعلى مرحلة من مراحل التطوّر البشري ؛ لأنّها المرحلة التي يحقّق فيها التأريخ معجزته الكبرى ، وتقول فيها وسائل الإنتاج كلمتها الفاصلة وأمّا المرحلة الاشتراكية التي تقوم على أنقاض المجتمع الرأسمالي ، وتحتل موقع الرأسمالية مباشرة ، فهي : من ناحية تعبّر عن الثورة التأريخية المحتومة على الرأسمالية حين تأخذ بالاحتضار ، ومن ناحية أخرى تعتبر شرطاً ضرورياً لإيجاد المجتمع الشيوعي ، وقيادة السفينة إلى شاطئ التأريخ

١٩٥

ما هي الاشتراكية والشيوعية ؟

ولكلّ من المرحلتين ـ الاشتراكية والشيوعية ـ معالمها الرئيسية التي تميّزها عن المرحلة الأخرى فإنّ المرحلة الاشتراكية تتلخّص معالمها الرئيسية وأركانها الأساسية فيما يلي :

أوّلاً : محو الطبقية وتصفية حسابها نهائياً بخلق المجتمع اللاطبقي .

وثانياً : استلام البروليتاريا للأداة السياسية ، بإنشاء حكومة دكتاتورية قادرة على تحقيق الرسالة التأريخية للمجتمع الاشتراكي .

وثالثاً : تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج الرأسمالية في البلاد ـ وهي الوسائل التي يستثمرها مالكها عن طريق العمل المأجور ـ واعتبارها ملكاً للمجموع

ورابعاً : قيام التوزيع على قاعدة : (مِن كلٍّ حَسْبَ طاقته ، ولكلٍّ حَسْب عمله ) .

وعندما تصل القافلة البشرية إلى قمّة الهرم التأريخي ، أو إلى الشيوعية الحقيقة يحدث التطوّر والتغبير في أكثر تلك المعالم والأركان فالشيوعية تحتفظ بالركن الأوّل من أركان الاشتراكية ، وهو محو الطبقية ، وتتصرّف في سائر مقوماتها وأركانها الأخرى فبالنسبة إلى الركن الثاني تضع الشيوعية حداً نهائياً لقصّة الحكومة والسياسة على مسرح التأريخ ، حيث تقضي على حكومة البروليتاريا ، وتحرر المجتمع من نير الحكومة وقيودها كما أنّها لا تكتفي بتأميم وسائل الإنتاج الرأسمالية فحسب ، كما تقرر الاشتراكية في الركن الثالث ، بل تذهب إلى أكثر من هذا ، فتلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الفردية أيضاً ( وهي التي يستثمرها المالك بنفسه لا عن طريق الأُجراء ) وكذلك تحرّم الملكية الخاصة لبضائع الاستهلاك وأثمانها .

وبكلمة شاملة : تلغي الملكية الخاصة إلغاءً تاماً في الحقلين الإنتاجي والاستهلاكي معاً ، وكذلك تجري تعديلاً حاسماً في القاعدة التي يقوم على أساسها التوزيع في الركن الرابع ، إذ تركز التوزيع على قاعدة : (من كلٍّ حَسْب طاقته ، ولكلٍّ على حَسْب حاجته )

هذا هو المذهب الماركسي بكلتا مرحلتيه : الاشتراكية والشيوعية ومن الواضح أنّ لدراسة المذهب ـ أيّ مذهب ـ أساليب ثلاثة :

الأوّل : نقد المبادئ والأسس الفكرية التي يرتكز عليها المذهب .

والثاني : دراسة مدى انطباق تلك المبادئ والأسس على المذهب الذي أقيم عليها

١٩٦

والثالث : بحث الفكرة الجوهرية في المذهب من ناحية إمكان تطبيقها ، ومدى ما تتمتّع به الفكرة من واقعية وإمكان ، أو استحالة وخيال من ناحية أخرى

وسوف نأخذ في دراستنا للمذهب الماركسي بهذه الأساليب الثلاثة مجتمعة

نقد المذهب بصورة عامة

ونواجه منذ البدء في دراسة الماركسية المذهبية ـ على ضوء الأساليب السابقة ـ أهم وأخطر سؤال على صعيد البحث المذهبي ، وهو السؤال عن الدليل الأساسي الذي يرتكز عليه المذهب ، ويبرّر بصورة منطقية الدعوة إليه وتبنّيه ، وبالتالي تطبيقه وبناء الحياة على أساسه

إنّماركس لا يستند في تبرير الاشتراكية والشيوعية إلى قِيم ومفاهيم خلقية معينة في المساواة ، كما يتّجه إلى ذلك غيره من الاشتراكيين الذين يصفهمماركس بأنّهم : خياليون وذلك لأنّ القيم والمفاهيم الخُلقية ليست في رأي الماركسية إلاّ وليدة العامل الاقتصادي ، والوضع الاجتماعي للقوى المنتجة فلا معنى للدعوة إلى وضع اجتماعي على أساس خُلقي بحت .

وإنّما يستندماركس إلى قوانين المادّية التأريخية ، التي تفسر حركة التأريخ في ضوء تطوّرات القوى المنتجة وأشكالها المختلفة فهو يعتبر تلك القوانين الأساس العلمي للتأريخ ، والقوّة التي تصنع له مراحله المتعاقبة في نقاط زمنية محدّدة ، وفقاً لوضع القوى المنتجة وشكلها الاجتماعي السائد

ويرى في هذا الضوء : أنّ الاشتراكية نتيجة محتومة لتلك القوانين التي تعمل عملها الصارم في سبيل تحويل المرحلة الأخيرة للطبقة ـ وهي المرحلةالرأسمالية ـ إلى مجتمع اشتراكي لا طبقي أمّا كيف تعمل قوانين المادّية التأريخية الماركسية على أنقاض الرأسمالية ؟! فهذا ما يشرحه ماركس ـ كما مرّ بنا سابقاً ـ في بحوثه التحليلية للاقتصاد الرأسمالي ، التي حاول أن يكشف فيها عن التناقضات الجذرية التي تسوق الرأسمالية ـ وفقاً لقوانين المادّية التأريخية ـ إلى حتفها ، وتصل بالركب البشري إلى المرحلة الاشتراكية ، وبكلمات قلائل : إنّ قوانين المادّية التأريخية هي القاعدة العامة لكلّ مراحل التأريخ في رأي ماركس ، والأسس التحليلية في الاقتصاد الماركسي ـ كقانون القيمة ، ونظرية القيمة الفائضة ـ هي عبارة عن محاولة تطبيق تلك القوانين على المرحلة الرأسمالية ، والاشتراكية المذهبية هي النتيجة الضرورية لهذا التطبيق ، والتعبير المذهبي عن المجرى التأريخي المحتوم للرأسمالية ، كما تفرضه القوانين العامّة للتأريخ .

١٩٧

ونحن في بحثنا الموسّع عن المادّية التأريخية ـ بقوانينها ومراحلها ـ قد انتهينا إلى نتائج غير ماركسية فقد عرفنا بوضوح أنّ الواقع التأريخي للإنسانية لا يسير في موكب المادّية التأريخية ، ولا يستند محتواه الاجتماعي من وضع القوى المنتجة وتناقضاتها وقوانينها كما تبينّا ـ من خلال دراستنا لقوانين الاقتصاد الماركسي ـ خطأ الماركسية في الأسس التحليلية التي فسّرت في ضوئها تناقض الرأسمالية من جهات شتى ، وزحفها المستمر نحو نهايتها المحتومة فإنّ تلك التناقضات كانت ترتكز كلّها على القانون الماركسي للقيمة ونظرية القيمة الفائضة فإذا انهارت هاتان الركيزتان تداعى البناء كلّه

وحتى إذا افترضنا أنّ الماركسيّة كانت على صواب في دراستها التحليلية للاقتصاد الرأسمالي ، فإنّ تلك الأسس إنّما تكشف عن القوّة أو التناقضات التي تحكم على الرأسمالية بالموت البطيء حتى تلفظ آخر أنفاسها ، ولكنّها لا تبرهن على أنّ الاشتراكية الماركسية هي البديل الوحيد الذي يحلّ محلّ الرأسمالية في المجرى التأريخي للتطوّر ، بل هي تفسح المجال لأشكال اقتصادية متعدّدة أن تحتلّ مركز الرأسمالية من المجتمع ، سواء الاشتراكية الماركسية كاشتراكية الدولة بلون من ألوانها ، أو الاقتصاد المزدوج من أشكال متعدّدة للملكية ، أو إعادة توزيع الثروة من جديد على المواطنين في إطار الملكية الخاصة ، وما إلى ذلك من أشكال تعالج أزمة الرأسمالية دون الاضطرار إلى الاشتراكية الماركسيّة .

وبذلك تخسر الماركسية المذهبية برهانها العلمي ، وتفقد طابع الضرورة التأريخية الذي كانت تستمدّه من قوانين المادّية التأريخية ، والأسس الماركسية في التأريخ والاقتصاد وبعد أن تنزع الفكرة المذهبية عنها الثوب العلمي تبقى في مستوى سائر الاقتراحات المذهبية

١٩٨

[ نقد تفصيلي للمذهب ]

الاشتراكية :

ولنأخذ الآن بدراسة الأركان والمعالم الرئيسية للاشتراكية بشيءٍ من التفصيل

[١ ـ محو الطبقية : ]

فالركن الأوّل : هو محو الطبقية الذي يضع حداً فاصلاً لما زخر به تأريخ البشرية ـ على مرّ الزمن ـ من ألوان الصراع ؛ لأنّ مردّ تلك الألوان إلى التناقض الطبقي الذي نتج عن انقسام المجتمع إلى مالكين ومعدمين ، فإذا قامت الاشتراكية وحوّلت المجتمع إلى طبقة واحدة زال التناقض الطبقي ، واختفت كلّ ألوان الصراع ، وساد الوئام والسلام إلى الأبد .

وتقوم الفكرة في هذا على أساس رأي المادّية التأريخية القائل : إنّ العامل الاقتصادي هو العامل الأساسي الوحيد في حياة المجتمع فقد أدّى هذا الرأي بالماركسية إلى القول : بأنّ حالة الملكية الخاصة التي قسّمت المجتمع إلى مالكين ومعدمين ، هي الأساس الواقعي للتركيب الطبقي في المجتمع ، ولكل ما يتمخّض عنه هذا التركيب من تناقض وصراع وما دام المجتمع الاشتراكي يلغى الملكية الخاصة ، ويؤمّم وسائل الإنتاج فهو ينسف الأساس التأريخي للطبقية ، ويصبح من المستحيل أن يواصل التركيب الطبقي وجوده بعد زوال الشروط الاقتصادية التي كان يرتكز عليها .

وقد عرفنا في دراستنا للمادّية التأريخية : أنّ العامل الاقتصادي ، ووضع الملكية الخاصة ، ليس هو الأساس الوحيد لكلّ التركيبات الطبقية على مسرح التأريخ فكم من تركيب طبقي كان يقوم على أسس عسكرية أو سياسية أو دينية ؟! كما رأينا فيما سبق فليس من الضروري تأريخياً أن تختفي الطبقية بإزالة الملكية الخاصة ، بل من الممكن أن يحدث للمجتمع الاشتراكي تركيب طبقي على أساس آخر

ونحن إذا حلّلنا المرحلة الاشتراكية وجدنا أنّها تؤدّي ـ بطبيعتها الاقتصادية والسياسية ـ إلى خلق لون جديد من التناقض الطبقي بعد القضاء على الأشكال الطبقية السابقة .

١٩٩

أمّا الطبيعة الاقتصادية للمرحلة الاشتراكية ، فتمثّل في مبدأ التوزيع القائل : (من كلٍّ حسب طاقته ، ولكلٍّ حسب عمله ) وسوف نرى عند دراسة هذا المبدأ : كيف أنّه يؤدّي إلى خلق التفاوت من جديد ؟! فلنأخذ الآن الطبيعة السياسية للمرحلة الاشتراكية بالبحث والتمحيص .

إنّ الشرط الأساسي للتجربة الثورة الاشتراكية أن تتحقّق على أيدي ثوريين محترفين يتسلّمون قيادتها إذ ليس من المعقول أن تباشر البروليتاريا بجميع عناصرها قيادة الثورة وتوجيه التجربة ، وإنّما يجب أن تمارس نشاطها الثوري في ظلّ القيادة والتوجيه لذلك أكّد لينين ـ بعد فشل ثورة (١٩٠٥م) ـ على : أنّ الثوريين المحترفين هم وحدهم الذين يستطيعون أن يؤلّفوا حزباً جديداًبلشفيِّ الطراز (١) وهكذا نجد أنّ القيادة الثورية للطبقة العاملة كانت ملكاً طبيعياً لمن يدعون أنفسهم بالثوريين المحترفين ، كما كانت القيادة الثورية للفلاحين والعمّال في ثورات سابقة ملكاً لأشخاص ليسوا من الفلاحين والعمّال ، مع فارق واحد بين الحالين ، وهو أنّ الامتياز القيادي للأشخاص في المرحلة الاشتراكية لا يعبّر عن نفوذ اقتصادي ، وإنّما ينشأ عن خصائص فكرية وثورية وحزبية خاصة

وقد كان هذا اللون الثوري والحزبي ستاراً على واقع التجربة الاشتراكية التي مرّت بها أوروبا الشرقية حَجَبَ الحقيقة عن الناس ، فلم يستطيعوا أن يتبيّنوا ـ بادئ الأمر ـ في تلك القيادة الثورية للتجربة الاشتراكية ، بذرة لأفظع ما تصف الماركسية من ألوان الطبقية في التأريخ ؛ لأنّ هذه القيادة يجب أن تستلم السلطة بشكل مطلق لطبيعة المرحلة الاشتراكية في رأي الماركسية القائل : بضرورة قيام دكتاتورية وسلطة مركزية مطلقة ؛ لتصفية حسابات الرأسمالية نهائياً فقد وصف( لينين ) طبيعة السلطة في جهاز الحزب التي تمتلك السلطة الحقيقة في البلاد خلال الثورة قائلاً :

( في المرحلة الراهنة من الحرب الأهلية الحادّة ، لا يمكن لحزب شيوعي أن يقدر على أداء واجبه إلاّ إذا كان منظّماً بأقصى نمط مركزي ، وإلاّ إذا سيطر عليه نظام حديدي يوازي النظام العسكري ، وإلا إذا كان جهازه المركزي جهازاً قوياً متسلّطاً يتمتّع بصلاحيات واسعة وبثقة أعضاء الحزب الكلّية ) .

ـــــــــــــــ

(١) قيود الملكية الخاصة : ٨٩ ، نقله عن القانون الدستوري والنظم السياسية ، القسم الثالث : ١١٦ .

٢٠٠

بيعقوب » قال الرّجل: يا ابن رسول الله، ما الّذي نزل بيعقوب؟ قال: « كان يعقوب النّبيعليه‌السلام ، يذبح لعياله في كلّ يوم شاة، ويقسم لهم من الطّعام مع ذلك ما يسعهم، وكان في عصره نبي من الأنبياء كريم على الله لا يؤبه له، قد أخمل نفسه ولزم السّياحة، ورفض الدّنيا فلا يشتغل بشئ منها، فإذا بلغ من الجهد توخّى دور الأنبياء وأبناء الأنبياء والصّالحين، ووقف لها وسأل ممـّا يسأل السّؤال، من غير أن يعرف به، فإذا أصاب ما يسمك رمقه مضى لمـّا هو عليه، (ولمـّا أغري)(١) ليلة بباب يعقوب وقد فرغوا من طعامهم، وعندهم منه بقيّة كثيرة، فسأل فأعرضوا عنه، فلا هم أعطوه شيئاً ولا صرفوه، وأطال الوقوف ينتظر ما عندهم، حتّى أدركه ضعف الجهد وضعف طول القيام، فخرّ من قامته قد غشي عليه، فلم يقم إلّا بعد هَوِىّ من اللّيل، فنهض لمـّا به ومضى لسبيله، فرأى يعقوب في منامه تلك اللّيلة ملكاً أتاه فقال: يا يعقوب، يقول لك ربّ العالمين: وسعت عليك في المعيشة، وأسبغت عليك النّعمة، فيعتري ببابك نبيّ من أنبيائي كريم عليّ، قد بلغ الجهد فتعرض أنت وأهلك عنه، وعندكم من فضول ما أنعمت به عليكم ما القليل منه يحييه، فلم تعطوه شيئاً ولم تصرفوه فيسأل غيركم، حتّى غشي عليه فخرّ من قامته لاصقاً بالأرض عامّة ليلته، وأنت في فراشك مستبطن متقلّب في نعمتي عليك، وكلاكما بعيني، وعزّتي وجلالي لأبتلينّك ببليّة تكون لها حديثاً في الغابرين، فانتبه يعقوبعليه‌السلام مذعوراً، وفزغ إلى محرابه فلزم البكاء والخوف حتّى أصبح، أتاه بنوه يسألونه ذهاب يوسف معهم » ثمّ ذكر أبو جعفرعليه‌السلام قصّة يوسف بطولها.

____________________________

(١) في المصدر: وأنه أعترى ذات، والظاهر أنّه أصوب إذ أن عراه وأعتراه: غشيه طالباً معروفه (لسان العرب ج ١٥ ص ٤٤).

٢٠١

[ ٨٠٣٢ ] ١٠ - عماد الدّين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي البقاء ابراهيم بن الحسين البصري، عن أبي طالب محمّد بن الحسن، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان الدّبيلي، عن عليّ بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضّل أبي سلمة الأصفهاني، عن أبي علي راشد بن عليّ بن وائل القرشي، عن عبدالله بن حفص المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطأة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال فيما أوصاه إليه: « البركة في المال من إعطاء(١) الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين، وهم الأقربون(٢) يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، وتصدّق على المساكين، يا كميل، لا تردّن سائلاً ولو بشقّ تمرة، أو من شطر عنب، يا كميل، الصّدقة تنمى عند الله تعالى » الخبر.

ورواه الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول(٣) ، ويوجد في بعض نسخ نهج البلاغة.

[ ٨٠٣٣ ] ١١ - الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب: عن الجواهر للشّيخ الفاضل محمّد بن محاسن البادرائي، أنّه روى: أنّ عيسىعليه‌السلام قال: من ردّ السائل محروماً، لا تغشى الملائكة بيته سبعة أيّام.

____________________________

١٠ - بشارة المصطفى ص ٢٥.

(١) في المصدر: إيتاء.

(٢) وفيه: الأقربون لنا.

(٣) تحف العقول ص ١١٥.

١١ - مجموع الغرائب:

٢٠٢

[ ٨٠٣٤ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « للسّائل حقّ وإن جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٥ ] ١٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّ سائلاً كان يسأل يوماً، فقالعليه‌السلام : « أتدرون ما يقول؟ » قالوا: لا، يا ابن رسول الله قالعليه‌السلام : « يقول: أنا رسولكم إن أعطيتموني شيئاً أخذته وحملته إلى هناك، وإلا أرد إليه وكفّي صفر ».

[ ٨٠٣٦ ] ١٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لو لا أنّ السّائلين(١) يكذبون، ما قدّس من ردّهم ».

[ ٨٠٣٧ ] ١٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يقول: « اللّهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين » فقالت له إحدى زوجاته: لم تقول هكذا؟ قال: « لأنهم يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بأربعين عاماً، ثمّ قال: أنظري ألّا تزجري المسكين، وإن سأل شيئاً فلا تردّيه ولو بشقّ تمرة، واحبيه وقربيه إلى نفسك، حتّى يقرّبك الله تعالى إلى رحمته ».

[ ٨٠٣٨ ] ١٦ - وروي: أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عباده: استطعمتك فلم تطعمني، واستقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم

____________________________

١٢ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧، وفي ج ٥ ص ٥٤٨، وأخرجه في البحار ج ٩٦ ص ١٧ ح ٢ عن جامع الأخبار ص ١٦٢.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: السؤّال.

١٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٦.

١٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٠٣

تكسني، فيقول العبد: إلهي أنّه كان، وكيف كان؟ فيقول تعالى: العبد الفلاني الجائع استطعمك فما أطعمته، والفلاني العاري استكساك فما كسوته، فلأمنعنك اليوم فضلي كما منعته.

[ ٨٠٣٩ ] ١٧ - أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال - إلى أن عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها - لا يردّ سائلاً، ولا يبخل بنائل ».

[ ٨٠٤٠ ] ١٨ - البحار، عن الديلمي في أعلام الدين: عن أبي أمامة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « قال الخضرعليه‌السلام : من سُئل بوجه الله عزّوجلّ فردّ سائله، وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم، (إلّا)(١) عظم يتقعقع » الخبر.

[ ٨٠٤١ ] ١٩ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن زيد الشحّام، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً قطّ، فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن عنده، قال: يكون إن شاء الله ».

[ ٨٠٤٢ ] ٢٠ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه خرج ذات يوم معه خمسة دراهم، فأقسم عليه

____________________________

١٧ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٨ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

(١) في أعلام الدين: ولا.

١٩ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦١ ح ٢١٢.

٢٠ - لبّ اللباب: مخطوط.

٢٠٤

فقير فدفعها إليه، فلمّا مضى فإذا بأعرابي على جمل، فقال له: اشتر هذا الجمل، قال: « ليس معي ثمنه »، قال: اشتر نسية، فاشتراه بمائة درهم، ثمّ أتاه إنسان فاشتراه منه بمائة وخمسين درهماً نقداً، فدفع إلى البايع مائة، وجاء بخمسين إلى داره، فسألته - أي فاطمةعليها‌السلام - عن ذلك، فقال: « أتجّرت مع الله، فأعطيته واحداً فأعطاني مكانه عشرة ».

[ ٨٠٤٣ ] ٢١ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من نهر سائلاً، نهرته الملائكة يوم القيامة ».

٢١ -( باب جواز ردّ السّائل، بعد إعطاء ثلاثة)

[ ٨٠٤٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه وقف به سائل وهو مع جماعة من أصحابه، فسأله فأعطاه، ثمّ جاء آخر فسأله فأعطاه ثمّ جاء الثّالث(١) فأعطاه ثمّ جاء الرّابع فقال له: « يرزقنا الله وإيّاك » ثمّ قال لأصحابه: « لو أنّ رجلاً عنده مائة ألف، ثمّ أراد ان يضعها موضعها لوجد ».

[ ٨٠٤٥ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثمّ ناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده

____________________________

٢١ - لب اللباب: مخطوط.

الباب - ٢١

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٦.

(١) في المصدر زيادة: فسأله.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٦٩ ح ٥٩.

٢٠٥

فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقال: « رزقنا الله وإيّاك »(١) .

٢٢ -( باب عدم جواز الرّجوع في الصّدقة، وحكم صدقة الغلام)

[ ٨٠٤٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « إذا تصدّق الرّجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، ولا أن يستوهبها، ولا أن يملكها، بعد أن تصدّق بها، إلّا بالميراث، فإنّها(١) إن دارت له بالميراث حلّت له ».

[ ٨٠٤٧ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن كتاب الفنون، قال: نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق، فخرج فرأى جعفر الصّادقعليه‌السلام ، مصلّيا ولم، يعرفه فتعلّق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: « ما كان فيه؟ » قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره، ووزن له ألف دينار، وعاد إلى منزله ووجد هميانه، فرجع(١) إلى جعفرعليه‌السلام معتذراً بالمال فأبى قبوله، وقالعليه‌السلام : « شئ خرج من يدي لا يعود إليّ » (إلى أن)(٢)

____________________________

(١) ورد في هامش الطبعة الحجرية، منه (قدّه) ما نصّه: « هذا الخبر رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٥٥ ح ٧ بإسناده عن عجلان كما في الأصل، وفيه أنهم كانوا أربعة أعطى ثلاثة منهم وردّ الرابع فالظاهر أنّه سقط في نسخة العياشي جملة أخرى، والله العالم ».

الباب - ٢٢

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٩ ح ١٢٧٥.

(١) في الطبعة الحجرية « فانهما » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٧٤.

(١) في المصدر: فعاد.

(٢) ليس في المصدر.

٢٠٦

قال: فسأل(٣) الرّجل، فقيل: هذا جعفر الصّادقعليه‌السلام ، قال: لا جرم هذا فعال مثله.

[ ٨٠٤٨ ] ٣ - السيّد عليّ بن طاووس في مهج الدّعوات: نقلاً من كتاب عتيق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة، عن محمّد بن العبّاس العاصمي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أبيه، عن محمّد بن الرّبيع الحاجب، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - في حديث طويل - أنّه قال: « إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا » الخبر.

٢٣ -( باب استحباب التماس الدّعاء من السّائل، واستحباب دعاء السّائل لمن أعطاه)

[ ٨٠٤٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنّه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٨٠٥٠ ] ٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن القاسم، عن بريد العجلي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، قد كان الحال حسنة، وإنّ الأشياء اليوم متغيّرة، فقال: « إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم، ثمّ ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاماً، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك » قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها، حتّى بعت

____________________________

(٣) وفيه: فسأل عنه.

٣ - مهج الدعوات ص ١٩٦.

الباب - ٢٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٨.

٢ - الاختصاص ص ٢٤.

٢٠٧

وسادة لي بعشرة دراهم كما قال، وجعلت لهم طعاماً، ودعوت أصحابي عشرة، فلمّا أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي، فما مكثت حتّى مالت إليّ(١) الدّنيا.

٢٤ -( باب استحباب المساعدة على إيصال الصّدقة والمعروف إلى المستحقّ)

[ ٨٠٥١ ] ١ - الصّدوق في الخصال: عن حمزة بن محمّد العلوي(١) ، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن جعفر الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن الصّادقعليه‌السلام ، عن آبائه، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف، فإن الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٣ ] ٣ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: قال: روي أنّ الصّدقة لتجري على سبعين رجلاً، تكون أجر آخرهم كأوّلهم.

____________________________

(١) في المصدر عليّ.

الباب - ٢٤

١ - الخصال ص ١٣٤ ح ١٤٥.

(١) كذا في المصدر، وفي النسخة الحجرية « حمزة بن الحسن العلوي » راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٨١، ومجمع الرجال ج ٧ ص ٢٣٦.

٢ - الجعفريات ص ١٧١.

٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٠٨

[ ٨٠٥٤ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الخازن الأمين الذي يؤدّي ما ائتمن به، طيبة به نفسه فإنّه أحد المتصدّقين ».

[ ٨٠٥٥ ] ٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة المرأة من بيت زوجها، غير مسرفة ولا مضرّة، مع علم عدم كراهيّة، لها أجر وله مثلها، لها بما أنفقت، وله بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك ».

٢٥ -( باب مواساة المؤمن في المال)

[ ٨٠٥٦ ] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « أشدّ الأعمال ثلاثة: إنصاف النّاس من نفسك، حتّى لا ترضى لهم إلّا ما ترضى به لها منهم، ومواساة الأخ في الله(١) ، وذكر الله على كلّ حال ».

[ ٨٠٥٧ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قلت: ما أشدّ ما عمل العباد؟ قال: « إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال » الخبر.

[ ٨٠٥٨ ] ٣ - الصّدوق في مصادقة الإخوان: عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « إختبر شيعتنا في خصلتين، فإن كانتا

____________________________

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

٥ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

الباب - ٢٥.

١ - الغايات ص ٧٣.

(١) في المصدر: المال.

٢ - الغايات ص ٧٤.

٣ - مصادقة الإخوان ص ٣٦ ح ٢.

٢٠٩

فيهم (وإلّا فاغرب ثمّ اغرب)(١) ، قلت: ما هما؟ قال: المحافظة على الصّلاة(٢) ، والمواساة للإخوان وإن كان الشّئ قليلاً ».

[ ٨٠٥٩ ] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « المواساة أفضل الأعمال، وقال(١) : أحسن الإحسان مواساة الإخوان ».

[ ٨٠٦٠ ] ٥ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « يجئ أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه »، فقلت: ما أعرف ذلك فينا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلا شئ إذاً »، قلت: فالهلكة إذاً؟ قال: « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ».

[ ٨٠٦١ ] ٦ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأعمال ثلاث: إنصاف النّاس من نفسك ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كلّ حال ».

[ ٨٠٦٢ ] ٧ - أصل من أصول القدماء: قال: دخل رجل إلى جعفر بن

____________________________

(١) في المصدر: وإلّا فأعزب ثمّ أعزب.

(٢) في المصدر: الصلوات في مواقيتهن.

٤ - درر الحكم ودرر الكلم ص ٤٧ ح ١٣٥٩.

(١) نفس المصدر ص ١٨٤ ح ١٩٧.

٥ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٣.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٧ - أصل من أصول القدماء.

٢١٠

محمّدعليهما‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، ما المروّة؟ قال: « ترك الظّلم ومواساة الإخوان في السّعة » الخبر.

[ ٨٠٦٣ ] ٨ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه أوصى لبعض(١) شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم، وبرّوا في أيمانكم لأوليائكم واعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابّوا بقلوبكم » الخبر.

وباقي أخبار الباب، يأتي في أبواب العشرة من كتاب الحجّ.

٢٦ -( باب استحباب الإيثار على النّفس ولو بالقليل، لغير صاحب العيال)

[ ٨٠٦٤ ] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن سماعة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألناه عن الرّجل لا يكون عنده إلّا قوت يومه، ومنهم من عنده قوت شهر، ومنهم من عنده قوت سنة، أيعطف من عنده قوت يوم على من ليس عنده شئ؟ ومن عنده قوت شهر على من دونه؟ والسّنة(١) على نحو ذلك؟ وذلك كلّه الكفاف الذي لا يلام عليه، فقالعليه‌السلام : « هما أمران، أفضلهم(٢) فيه أحرصكم على الرّغبة فيه والأثرة على نفسه، إنّ الله عزّوجلّ

____________________________

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٦٤.

(١) في المصدر: بعض، والظاهر هو الصحيح.

الباب - ٢٦

١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٢.

(١) في المصدر: ومن عنده قوت سنة على من دونه.

(٢) وفيه: أفضلكم.

٢١١

يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) وإلّا لا يلام عليه، اليد العليا خير اليد السّفلى، ويبدأ بمن يعول ».

[ ٨٠٦٥ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « قد فرض الله التّحمل على الأبرار في كتاب الله »، قيل: وما التّحمل؟ قال: « إذا كان وجهك آثر من(١) وجهه التمست له، وقال في قول الله عزّوجلّ:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) وقال: لا تستأثر عليه بما هو أحوج إليه منك ».

[ ٨٠٦٦ ] ٣ - سبط الشّيخ الطّبرسي في مشكاة الأنوار: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه سئل: ما أدنى حقّ المؤمن على أخيه؟ قال: « أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ».

[ ٨٠٦٧ ] ٤ - وعن أنس [ قال ](١) : أنّه أهدي لرجل من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأس شاة مشوي فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا حقّاً، فبعث [ به ](٢) إليه، فلم يزل يبعث به واحد بعد واحد، حتّى تداولوا بها سبعة أبيات، حتّى رجعت إلى الأوّل، فنزل( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٢ - المؤمن ص ٤٤ ج ١٠٤.

(١) في الطبعة الحجرية « عن » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٩٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ١٨٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه ليستقيم المعنى.

٢١٢

نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وفي رواية: فتداولته تسعة أنفس، ثمّ عاد إلى الأوّل.

[ ٨٠٦٨ ] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السّلام لجميع العالم ».

[ ٨٠٦٩ ] ٦ - زيد الزرّاد في أصله: قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين، قال: « ولم ذاك؟ » فقلت: وذلك أنّا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدّينار والدّرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: « كلّا، إنّكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه، وأنكرتم الأرض وأنكرتم السّماء، [ بل ](١) والذي نفسي بيده، إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدّنيا كلّها عندهم يعدل جناح بعوضة - إلى أن قالعليه‌السلام - هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، والمؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال:( وَيُؤْثِرُونَ ) (٢) الآية - إلى أن

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٥ - الجعفريات ص ٢٣١.

٦ - أصل زيد الزرّاد ص ٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٢١٣

قال - حليتهم طول السكوت بكتمان السّر، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصوم: والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر » الخبر.

[ ٨٠٧٠ ] ٧ - وفيه: قال زيد: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان، وفي ذلك محبّة من الرّحمان، ومرغمة من الشّيطان، وتزحزح عن النّيران ».

[ ٨٠٧١ ] ٨ - الشّيخ الطّوسي في أماليه: بإسناده عن أبي ذر رحمه الله، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « جهد من مقل إلى فقير (في سرّ)(١) ».

كتاب الغايات(٢) لجعفر بن أحمد القمي: مثله.

[ ٨٠٧٢ ] ٩ - وعن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: قلت: ما أفضل الصّدقة؟ قال: « جهد المقلّ، أما سمعت الله يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ويرى هيهنا فضلاً ».

[ ٨٠٧٣ ] ١٠ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: قال: روى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه واللّفظ له، عن أبي هريرة: أنّه جاء

____________________________

٧ - أصل زيد الزراد ص ٢.

٨ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٥٣.

(١) كان في الطبعة الحجرية « محتال ».

(٢) الغايات ص ٦٨.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٠ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢١٤

رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لهذا الرّجل اللّيلة؟ » فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمةعليها‌السلام وسألها: « ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به، فقالعليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، واطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل أتت فاطمةعليها‌السلام بسراج، فوجدت الجفنة مملوّة من فضل الله، فلمّا أصبح صلى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته، نظر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وبكى بكاءً شديداً وقال: « يا أمير المؤمنين، لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة، إقرأ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) » أي مجاعة الخبر.

[ ٨٠٧٤ ] ١١ - وعن محمّد بن العتمة(١) ، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: « اللّهم وليّ المؤمنين(٢) وجار المؤمنين، اقبل قرباني اللّيلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم إنّي منعت نفسي [ مع شدّة ](٣) سغبي، أطلب القربة إليك غنماً، اللّهم فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي » فأتيته حتّى عرفته فإذا هو عليّ بن أبي طالب

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١١ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦، وعنه في البحار ج ٤١ ص ٢٩.

(١) في المصدر: الصمة.

(٢) في المصدر زيادة: وإله المؤمنين.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢١٥

عليه‌السلام ، فأتى رجلاً فأطعمه.

[ ٨٠٧٥ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن شقيق بن سلمة، عن عبدالله بن مسعود، قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة صلة العشاء، فقام رجل من بين الصّف، فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنا رجل غريب فقير، وأسألكم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاطعموني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الحبيب لا تذكر الغربة، فقد قطعت نياط قلبي، أمّا الغرباء فأربعة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: مسجد ظهراني قوم لا يصلّون فيه، وقرآن في أيدي قوم لا يقرؤون فيه، وعالم بين قوم لا يعرفون حاله ولا يتفقّدونه، وأسير في بلاد الرّوم بين الكفّار لا يعرفون الله، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذي يكفي مؤونة هذا الرّجل؟ فيبوّئه الله في الفردوس الأعلى، فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بيد السائل، وأتى به إلى حجرة فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا بنت رسول الله، انظري في أمر هذا الضّيف، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا ابن العمّ، لم يكن في البيت إلّا قليل من البرّ، صنعت منه طعاماً، والأطفال محتاجون إليه، وأنت صائم، والطّعام قليل لا يغني غير واحد، فقال: أحضريه، فذهبت وأتت بالطّعام ووضعته، فنظر إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فرآه قليلاً، فقال في نفسه: لا ينبغي أن آكل من هذا الطّعام، فإن أكلته لا يكفي الضيف، فمدّ يده إلى السّراج يريد أن يصلحه فأطفأه، وقال لسيّدة النّساءعليها‌السلام : تعلّلي في إيقاده، حتّى يحسن الضّيف أكله ثمّ إثتيني به، وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يحرّك فمه المبارك، يري الضّيف أنّه يأكل ولا يأكل، إلى أن فرغ الضّيف من

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٨٩.

٢١٦

أكله وشبع، وأتت خير النّساءعليها‌السلام بالسّراج ووضعته، وكان الطّعام بحاله، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لضيفه: لم ما أكلت الطّعام؟ فقال: يا أبا الحسن أكلت الطّعام وشبعت، ولكنّ الله تعالى بارك فيه، ثمّ أكل من الطّعام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسيّدة النّساء، والحسنانعليهم‌السلام ، وأعطوا منه جيرانهم، وذلك ممـّا بارك الله تعالى فيه، فلمّا أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام أتى إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، كيف كنت مع الضّيف؟ فقال: بحمد الله - يا رسول الله - بخير، فقال: إنّ الله تعالى تعجّب ممـّا فعلت البارحة، من إطفاء السّراج والامتناع من الأكل للضّيف، فقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: جبرائيل، وأتى بهذه الآية في شأنك( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (١) الآية ».

[ ٨٠٧٦ ] ١٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه رأى يوماً جماعة فقال: « من أنتم؟ » قالوا: نحن قوم متوكّلون، فقال: « ما بلغ بكم توكّلكم؟ » قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقالعليه‌السلام : « هكذا يفعل الكلاب عندنا »، فقالوا: كيف نفعل يا أمير المؤمنين؟ فقال: « كما نفعله، إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا ».

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٩٠.

٢١٧

٢٧ -( باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصّدقة، وتقبيل ما تصدّق به، وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السّائل)

[ ٨٠٧٧ ] ١ - الشّيخ في مجالسه: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: الصّدقة تطفئ غضب الرّب، قال: وكان يقبل الصّدقة قبل أن يعطيها السّائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست أقبل يد السّائل، إنّما أقبل يد ربي، إنها تقع في يد ربي، قبل أن تقع في يد السّائل ».

٢٨ -( باب استحباب القرض للصّدقة، وصدقة من عليه قرض، واستحباب الزّيادة في قضاء الدين)

[ ٨٠٧٨ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن ذريح المحاربي، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « أتى رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، وأسلفه أربعة أوساق، ولم يكن له غيرها، فأعطاها السائل، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله، ثمّ أنّ المرأة قالت لزوجها: أما

____________________________

الباب - ٢٧

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥.

الباب - ٢٨

١ - بل كتاب محمّد بن المثنى الحضرمي ص ٨٣.

٢١٨

آن لك أن تطلب سلفك، فتقاضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: سيكون ذلك، ففعل ذلك الرّجل مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أنّه دخل ذات يوم عند اللّيل، فقال له ابن له: جئت بشئ؟ فإنّي لم أذق شيئاً اليوم، ثمّ قال: والولد فتنة، فغدا الرّجل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: سلفي، فقال: سيكون ذلك، فقال: حتّى متى سيكون ذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأسلفه ثمانية أوساق، فقال الرّجل: إنّما لي أربعة، فقال له: خذها، فأعطاها إيّاه ».

[ ٨٠٧٩ ] ٢ - إبن شهر آشوب في المناقب: قال: روت الخاصّة والعامّة، عن الخدري: أنّ عليّاًعليه‌السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمةعليها‌السلام طعاماً، فقالت: « ما كان إلّا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين » - إلى أن قال - فخرج واستقرض من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً: ما شاء الله، فناوله عليّعليه‌السلام الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه ونام الخبر.

وهذا الخبر، رواه جماعة من أصحابنا، بألفاظ مختلفة، أجمعها وأطولها ما رواه الشّيخ أبوالفتوح الرّازي(١) في تفسيره، وقد أخرجناه في كتابا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

____________________________

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦.

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٦٣.

٢١٩

٢٩ -( باب تحريم السّؤال من غير احتياج)

[ ٨٠٨٠ ] ١ - الشيخ الطوسي في مجالسه: عن الحسين بن إبراهيم، عن محمّد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزّعفراني، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا محمّد، لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحداً - قال: ثمّ قال لي - يا محمّد، أنّه من سأل وهو بظهر(١) غنى، لقي الله مخموشاً وجهه ».

[ ٨٠٨١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في الخرائج: روى أنّ رجلاً جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما طعمت طعاماً منذ يومين، فقال: « عليك بالسّوق » فلمّا كان من الغد، دخل فقال: يا رسول الله، أتيت السّوق أمس فلم أصب شيئاً، فبتّ بغير عشاء، قال: « فعليك بالسّوق » فأتى بعد ذلك أيضاً، فقال: « عليك بالسّوق » فانطلق إليها، فإذا عير قد جاءت وعليها متاع فباعوه بفضل دينار، فأخذه الرّجل وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما أصبت شيئاً، قال: « بل أصبت من عير آل فلان شيئاً » قال: لا، قال: « بلى، ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار » قال: نعم، قال: « فما حملك على أن تكذب؟ » قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم، أتعلم ما يعمل النّاس؟ وأن أزداد خيراً إلى

____________________________

الباب - ٢٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٧.

(١) في المصدر: يظهر غنى.

٢ - الخرائج والجرايح ص ٨٠ باختلاف يسير.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741