اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152615 / تحميل: 9465
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١: -

النص والاجتهاد

تأليف الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس الله سره

تحقيق وتعليق أبو مجتبى

بسم الله الرحمن الرحيم(١)

[ خطبة الكتاب ]

الحمد لله الذي اختص عبده ورسوله محمدا بما اختصه به من الكرامة والمنزلة والزلفى لديه، فعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاه من الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين، و " الله أعلم حيث يجعل رسالته " فختم به النبوة والوحي ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة المتعلقة بأفعال المكلفين(٢) فحلال محمد هو الحلال إلى يوم القيامة، وكذلك حرامه وسائر أحكامه(٣) ، سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وهذا مما أجمع عليه

____________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد والأئمة من آله شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء وعلى الصالحين من ذريتهم ومواليهم في كل خلف ورحمة الله وبركاته (منه قدس).

(٢) دون ما كان منها متعلقا بأصول الدين كالتوحيد والعدل والنبوة والبعث والجنة والنار والثواب والعقاب، فان هذه وأمثالها مما جاء به آدم وسائر من بعده من الأنبياء حتى خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين (منه قدس).

(٣) مضمون الحديث القائل: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة. وسائل الشيعة ج ١٨ / ١٢٤ ح ٤٧ (*).

٢١

كافة، كإجماعهم على نبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينبس(١) منهم واحد بكلمة من خلاف فيه، ولا رتم بها أبدا. وقد علموا - ولله الحمد - ان الشرائع الإسلامية قد وسعت الدنيا والآخرة بنظمها وقوانينها وحكمتها في جميع أحكامها وقسطها في موازينها، وانها المدنية الحكيمة الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كل مكان وزمان، على اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم.

لم يبق شارع الإسلام " وهو علام الغيوب جل وعلا " غاية الا أوضح سبيلها وأقام لأولي الألباب دليلها، وحاشاه تعالت آلاؤه أن يوكل الناس إلى آرائهم، أو يذرهم يسرحون في دينه على غلوائهم، بل ربطهم - على لسان عبده وخاتم رسالته - بحبليه، وعصمهم بثقليه، وبشرهم بالهدى ما ان أخذوا بهديهما، وأنذرهم الضلال ان لم يتمسكوا بهما، واخبرهم انهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما حتى يردا عليه الحوض(٢) ، فهما معا مفزع الأمة ومرجعها بعد نبيها، فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلف عنهما أو عن أحدهما مفارق لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

____________________

(١) أي ما تكلم، وكذا ما نبس ولا رتم (منه قدس).

(٢) أشارة إلى حديث الثقلين الآتي مع مصادره تحت رقم - ١٥ -.

(٣) مشيرا إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن وعترته: " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم " راجع الحديث في: الصواعق المحرقة ص ١٤٨ و ٢٢٦ ط المحمدية وص ٨٩ و ١٣٦ ط الميمنية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٣ ط بيروت، كنز العمال ج ١ ص ١٦٨ ح ٩٥٨ ط ٢، الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠ ط مصر، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤١ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٧ و ٢٩٦ ط اسلامبول، الغدير للأميني ج ١ ص ٣٤ وج ٣ ص ٨٠ ط بيروت.

٢٢

مثلهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قومه(٤) ، فليس لأحد - وان عظم شأنه - أن يتبع غير سبيلهم،( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (٥)

وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن الله تعالى آية أو عن رسوله سنة الا على ظاهرهما المتبادر منهما إلى الأذهان، وليس له أن يحيد عن الظاهر المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة، الا بسلطان مبين، فان كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره عمل بمقتضاه، والا فقد ضل وابتدع.

هذا ما عليه الأمة المسلمة - امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله - بجميع مذاهبها، فان من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة، فضلا عن نصوصها الصريحة.

جروا في الأخذ بهما، والعمل على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل اللغات كلها، فان أهل اللغات بأسرهم انما يحملون ألفاظهم المطلقة على ما يسبق منها إلى أذهانهم من المعاني، لا يتأولون منها - عند انطلاقها - شيئا، ولا يحملونها على ما تقتضيه أغراضهم ومصالحهم، شخصية كانت أم عامة.

نعم رأيت - بكل أسف - بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة ونصوصهما

____________________

(٤) مشيرا إلى حديث السفينة الآتي تحت رقم (١٧) فراجع.

(٥) أخرج ابن مردويه في تفسير الآية: ان المراد بمشاققة الرسول هنا انما هي المشاققة في شأن علي وان الهدى في قوله بعد ما تبين له الهدى انما هو شأنهعليه‌السلام وأخرج العياشي في تفسيره نحوه، والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، في ان سبيل المؤمنين انما هو سبيلهمعليهم‌السلام (منه قدس). تفسير على بن إبراهيم القمي ج ١ ص ١٥٢ ط النجف، البرهان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٤١٥ ط طهران. (*)

٢٣

الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على معارضتهما طوعا وكرها بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة ولا دبرة(١) فانا لله وإنا إليه راجعون.

وقد قال الله تعالى:( ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) )

وقال عز سلطانه:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (٣) )

( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (٤) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (٥) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٦) )

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٧) .

فنطقهصلى‌الله‌عليه‌وآله كالقرآن الحكيم( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٨)

فليس لمن يؤمن بهذه الآيات أو يصدق بنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها، وما كان القوم كحائدين، وانما كانوا كمجتهدين متأولين( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فانا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١) أي لا يعرف له وجه (منه قدس).

(٢) الحشر آية ٧.

(٣) الأحزاب آية ٣٦.

(٤) النساء آية ٦٥.

(٥) التكوير آية ١٩.

(٦) الحاقة آية ٤٠.

(٧) النجم آية ٣.

(٨) فصلت آية ٤٢ (*).

٢٤

واليك في كتابنا هذا (النص والاجتهاد) من موارد تأولهم للنصوص واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة، وبلابل المحن والإحن ونوائب الزمن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

فخذها إليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها ولك بعد ذلك رأيك، والله الهادي إلى الحق والصواب، واليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٦: -

[ الفصل الأول ] [ تأول أبى بكر واتباعه ] [ المورد (١) يوم السقيفة ]

إذ بسط أبو بكر يده ليبايع بالخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعه من بايعه طوعا، وبايعه - بعد ذلك - آخرون كرها(٦) مع علمهم جميعا بعهد رسول

____________________

(٦) وقد تخلف عن بيعة أبى بكر جماعة منهم: ١ - على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - الفضل بن العباس ٤ - عتبة بن أبى لهب ٥ - سلمان الفارسي ٦ - أبو ذر الغفاري ٧ - عمار بن ياسر ٨ - المقداد ٩ - البراء بن عازب ١٠ - أبى بن كعب ١١ - سعد بن أبى وقاص ١٢ - طلحة بن عبيد الله ١٣ - الزبير بن العوام ١٤ - خزيمة بن ثابت ١٥ - فروة بن عمرو الأنصاري ١٦ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٧ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى مات في خلافة عمر. وجماعة من بني هاشم راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٢٥٩ ط ٢ بمصر وج ٢ ص ٢٥١ ط آخر و =>

٢٥

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بها إلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، وقد رأوه وسمعوه ينص عليه مستمرا في تكرار هذا النص من مبدأ أمره - في نبوته - إلى منتهى عمره الشريف. ويورده بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) (٧) إذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ومربي العلماء الأعلام الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر يومئذرحمه‌الله تعالى، أيام كنا في خدمته(١) وكان إذ ذاك شيخ الأزهر، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصوصها مناظرات

____________________

=> ج ٣ ص ٦٤ ط آخر أيضا، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ ص ١٠٥ ط ٣ بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ١٣١ - ١٣٤ ط ١ بمصر، الغدير للأميني ج ٥ ص ٣٧٠ - ٣٧١ وج ٧ ص ٧٦ و ٧٧ ط بيروت، مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٣٠١ ط دار الأندلس بيروت، أسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ٢٢٢ ط مصر، تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٨ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٣١ ط دار صادر، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٣ و ١٠٥ ط الغرى، سمط النجوم العوالي للعاصمى المكى ج ٢ ص ٢٤٤ ط السلفية، السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٦ ط البهية بمصر.

استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر. راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ٢١٩ وج ٦ ص ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل وج ١ ص ٧٤ وج ٢ ص ٤ - ١٩ ط ١، وغيرها.

(٧) وكتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) المطبوع ملحقا بالمراجعات ط بغداد والطبعة الثانية في بيروت ١٤٠٢ ه‍.

(١) وذلك سنة ١٣٢٩ والتي بعدها بعد رجوعنا من الجامعة العلمية في النجف الأشرف (منه قدس) (*).

٢٦

ومراجعات خطية، بذلنا الوسع فيها ايغالا في البحث والتمحيص، وإمعانا فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق، فكانت تلك المراجعات بيمن نقيبة الشيخ سفرا من انفع أسفار الحق، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره والحمد لله على التوفيق(١) .

وها هي تلك، منتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث، وقلب واع لما يقوله الفريقان، ورأي جميع ولب رصين، فلا تفوتنكم أيها الباحثون. نعم لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه.

أمعنوا في أهداف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومراميه من أقواله وأفعاله. التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور، ولا تغلبنكم العاطفة على إفهامكم وعقولكم، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول، لا يأبهون بشئ من صحتها، ولا من صراحتها، والله تعالى يقول:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٨) فأين تذهبون، أيها المسلمون( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٩) .

ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة، والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. على ان حياة النبي بعد النبوة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص منذ يوم الإنذار في دار أبي طالب(١٠) فما بعده من الأيام حتى سجيصلى‌الله‌عليه‌وآله على فراش الموت

____________________

(١) وقد بلغت مائة واثنتي عشرة مراجعة (منه قدس).

(٨) سورة التكوير آية: ١٩ - ٢٢.

(٩) سورة الحاقة آية: ٣ - ٥.

(١٠) إذا دعا عشيرته الأقربين لينذرهم، وكان آخر كلامه معهم ان أخذ بيد على =>

٢٧

..

____________________

=> فقال: ان هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فلتراجع المراجعة ٢٠ والتي بعدها من المراجعات (منه قدس).

حديث الدار يوم الإنذار وفيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىعليه‌السلام : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".

راجع: تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣١٩ - ٣٢١ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ط دار صادر في بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٣ ص ٢١٠ و ٢٤٤ وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج ١ ص ٣١١ ط البهية بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ ط الميمنية بمصر، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧١ ح ٥١٤ و ٥٨٠ ط ١ بيروت، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٢ ط ١ وج ١٥ ص ١١٥ ح ٣٣٤ ط ٢، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ ص ٨٥ ح ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤١ ط ١ بيروت، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص ١٠٤ الطبعة الأولى سنة ١٣٥٤ ه‍

وفى الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب حذف من الحديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " وان يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم " ! وأكبر شاهد مراجعة الطبعة الأولى والطبعات الأخرى، جريدة السياسة المصرية لمحمد حسين هيكل ملحق عدد - ٢٧٥١ - بتاريخ ١٢ ذي القعدة ١٣٥٠ ه‍ ص ٥ وص ٦ من ملحق عدد: - ٢٧٨٥ - ذكر الحديث بتمامه، تفسير الخازن ج ٣ ص ٣٧١ و ٣٩٠ ط مصر، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج ٢ ص ١١٨ ط ٣، تفسير الطبري ج ١٩ ص ١٢١ ط ٢ ولكن المؤلف أو الطابع حرف آخر الحديث فحذف قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم " وذكر بدله " ان هذا أخي وكذا وكذا ! ! " فيا للعجب لهذه الأعمال التي تنطوي على الحقد الدفين والحسد المشين مع انه ذكر الحديث تاما في تاريخه ج ٢ ص ٢١٩ كما تقدم. وبلفظ آخر: وفيه نزل قوله تعالى: "( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) " الشعراء: ٢١٤ يوجد في =>

٢٨

والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي. وقد قدمت إليكم الا أني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ". ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض "(١١) . وكفى بنصوص

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧٢ ح ٥١٤ وج ٢ ص ٤٢٠ ح ٥٨٠ ط ١ بيروت، مسند أحمد ج ١ ص ١١١ ط الميمنية بمصر، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٠٤ - ٢٠٦ ط الحيدرية وص ٨٩ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى الحنفي ص ٣٨ ط الحيدرية وص ٤٤ ط النجف، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٦ ط ١ وج ١٥ ص ١١٣ و ١١٥ ط ٢، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ و ٤٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٠٥ ط اسلامبول وص ١٢٢ ط الحيدرية، تاريخ أبى الفداء ج ١ ص ١١٩ ط القسطنطنية، الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ٩٧ ط مصر، تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٣٥١ ط مصر. وبلفظ ثالث يوجد في: خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٨٦ ط الحيدرية وص ٣٠ ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٨٣ ط النجف، مجمع الزوائد ج ٨ ص ٣٠٢ وج ٩ ص ١١٣ ط القدسي. ولاجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) تحت رقم - ٧١١ - ط بيروت .

(١١) يوجد في: الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٥ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٣٤٢ ط الحيدرية.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " علي مع القرآن والقرآن مع على لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يوجد في: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٢٤ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك ج ٣ ص ١٢٤ وصححه أيضا، المناقب للخوارزمي الحنفي =>

٢٩

الثقلين حكما بين الفريقين(١٢) ، وخصائص علي كل نص جلي:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (١٣) .

استأثروا بالأمر يوم السقيفة، متأولين نصوص لا يلوون على شئ، وقد قضوا أمرهم بينهم بدون أن يؤذنوا به أحدا من بني هاشم وأوليائهم(١٤) وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، حتى كأنهمعليهم‌السلام لم يكونوا ثقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأعدال كتاب الله عزوجل(١٥) .

____________________

=> ص ١١٠ ط الحيدرية وص ١٠٧ ط تبريز، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٥٥ ط دار النصر بالقاهرة، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٤ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣ ط السعادة، إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، الغدير للأميني ج ٣ ص ١٨٠ ط بيروت، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعيدية، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية وج ١ ص ٣٨ و ٨٨ وج ٢ ص ١٠ و ٦١ و ١٠٨ و ١١٠ ط العرفان بصيدا، فيض القدير للشوكاني ج ٤ ص ٣٥٨، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ ص ٢٤٢ ط مصر، غاية المرام ص ٥٤٠ (باب) ٤٥ ط ايران، أسنى المطالب للحوت ص ٢٠١ ح ٨٩٨.

(١٢) سوف تأتى مصادره تحت رقم (١٥)

(١٣) سورة ق: ٣٧.

(١٤) لم يحضر أحد من بني هاشم السقيفة بل كانوا متخلفين راجع المصادر تحت رقم (٦)

(١٥) إشارة إلى النصوص الصريحة في السنن الصحيحة، التي أنزلت العترة من منزلة الكتاب فجعلتهما القدوة لأولى الألباب، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرجها =>

٣٠

.

____________________

=> الترمذي والنسائي والإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيص المستدرك، وابن أبى شيبة وأبو يعلى في سننهما، وابن سعد في الطبقات، وغير واحد من أصحاب السنن بطرق متعددة وأسانيد كثيرة، والتفصيل في المراجعة ٨ من مراجعاتنا (منه قدس).

أقول: إشارة إلى مضمون الحديث المتواتر وهو حديث الثقلين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨ ط بيروت وج ١٣ ص ١٩٩ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ دار إحياء الكتب العربية بمصر، مصابيح السنة للبغوي ص ٢٠٦ ط القاهرة وج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٥٠٣ وج ٣ ص ٣٨٥ ط دار الكتب العربية، الشرف المؤبد للنبهاني أيضا ص ١٨ ط مصر، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٢ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٥ و ٤٤٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٤١ و ٣٧٠ ط اسلامبول

وبلفظ ثان قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الأخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٩ ط دار الفكر بيروت وج ١٣ ص ٢٠٠ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، نظم درر السمطين للزرندى ص ٢٣١ ط النجف، الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٧ و ٣٠٦ ط مصر، ذخائر العقبى ص ١٦ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ٨٩ ط الميمنية وص ١٤٧ و ٢٢٦ ط المحمدية، أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ١٢ =>

٣١

وأمان الأمة من الاختلاف(١٦)

____________________

=> ط مصر، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ١٣٥ ط دار النصر بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٠ و ٢٢٦ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٣٦ و ١٩١ و ٢٩٦ ط اسلامبول، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ ط مصر، عبقات الأنوار ج ١ من حديث الثقلين ص ٢٥ ط اصفهان، كنز العمال ج ١ ص ٤٤ ح ٨٧٤ ط ١ وج ١ ص ١٥٤ ط ٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٤٥١ ط مصر، تفسير الخازن ج ١ ص ٤ ط مصر، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح وص ٢٠٦ ط الخيرية، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق.

وفى لفظ ثالث عن زيد بن ثابت قال: " قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". راجع: الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٦. مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ط ١، فرائد السمطين للحموينى ج ٢ / ١٤٤ عن زيد بن ثابت قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدى ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ".

وعن أبى سعيد الخدري أيضا: " إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". الفضائل لأحمد بن حنبل ص ٢٠ ح ٣٥ ترجمة الحسين وح ٣٦. ويوجد هذا الحديث بألفاظ أخرى متعددة ومصادر كثيرة جدا ولأجل المزيد من الاطلاع راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٠ و ٣١ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ ط في بغداد وبيروت مع المراجعات).

(١٦) إشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم =>

٣٢

وسفينة نجاتها من الضلال(١٧) . وباب حطتها(١٨) .

____________________

=> قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم في ص ١٤٩ من الجزء ٣ من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (منه قدس). والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩١ و ١٤٠ ط الميمنية وص ١٥٠ و ٢٣٤ ط المحمدية وصححه، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٥٧ ط الحيدرية، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١. ولأجل المزيد من المصادر راجع كتاب (سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع ملحقا بالمراجعات في بغداد وبيروت تحت رقم - ٤١ -).

(١٧) إشا رة إلى ما أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبى ذر ص ١٥١ من الجزء ٣ من المستدرك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (منه قدس). وراجع أيضا: تلخيص المستدرك للذهبي، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٥ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى ص ٣٠ و ٣٧٠ ط الحيدرية وص ٢٧ و ٣٠٨ ط اسلامبول، الصواعق المحرقة ص ١٨٤ و ٢٣٤ ط المحمدية وص ١١١ و ١٤٠ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص، إسعاف الراغبين للصبان ص ١٠٩ ط السعيدية و ١٠٢ ط العثمانية، جواهر البحار ج ١ / ٣٦١، الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٥.

(١٨) إشارة إلى ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبى سعيد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة بني إسرائيل من دخله غفر له (منه قدس). راجع: كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٨ ط الحيدرية وص ٢٣٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٨، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢ ط دار =>

٣٣

وكأنهم لم يكونوا من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس(١٩) بل كأنهم انما كانوا ممن عناهم الشاعر في المثل السائر.

____________________

=> النصر بمصر، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٣ ط الحلبي، ينابيع المودة ص ٢٨ و ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٠ و ٣٥٨ ط الحيدرية، رشفة الصادى لأبي بكر الحضرمي ص ٧٩ ط مصر، الصواعق المحرقة ص ٩١ ط الميمنية وص ١٥٠ ط المحمدية وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وان شئت المزيد فراجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٩ و ٤٠) ففيهما عشرات المصادر.

وفى لفظ آخر يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". يوجد في: حلية الأولياء ج ٤ ص ٣٠٦ ط السعادة بمصر، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى الشافعي ص ١٣٢ ح ١٧٣ و ١٧٦ ط ١ بطهران، ذخائر العقبى ص ٢٠ ط القدسي، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٨، إحياء الميت ص ١١٣، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ١٣٢ ط الميمنية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٣ / ١٢٣ ط مصر، ينابيع المودة ص ١٨٧ و ١٩٣ ط اسلامبول وص ٢٢١ و ٢٢٨ ط الحيدرية، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ١٠٤ ط مطبعة الزهراء. وغيرها من المصادر.

(١٩) نقل الإمام الصبان في كتابه - إسعاف الراغبين - والشيخ يوسف النبهاني في - الشرف المؤبد - وغير واحد من الثقات بالإسناد إلى أبى ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدى الرأس الا بالعينين، ومن أراد تفصيل هذه الأحاديث وما يجرى مجراها فعليه بمراجعاتنا، ولا سيما المراجعة ٦ وما بعدها حتى المراجعة ١٣ (منه قدس). راجع: إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١٠ ط السعيدية وص ١٠٢ ط العثمانية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكى ص ٨ ط الحيدرية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٢ ط بيروت، الشرف المؤبد للنبهاني. (*)

٣٤

ويقضي الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود(٢٠)

أجل قضي الأمر في السقيفة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقى بين عترته الطاهرة وأوليائهم ثلاثة أيام، وهم حوله يتقطعون حسرات، ويتصعدون زفرات قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهم والغم ما يذيب لفائف القلوب، ومن الرعب والوجل ما تميد به الجبال ومن الهول والفرق ما أطار عيونهم، وضيق الأرض برحبها عليهم.

وأولئك في معزل عن المسجى ثلاثا - بأبي وأمي - يرهفون لسلطانه عزائمهم ويشحذون لملكه آراءهم، لم يهتموا في شئ من أمره، حتى قضوا أمرهم مستأثرين به. وما ان فاءوا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم، أو التحريق عليهم(٢١) كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة :

____________________

(٢٠) هذا البيت.

(٢١) تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، وحسبك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة) كما في ص ١٣٠ وفى ص ١٣٤ من المجلد الأول من شرح النهج الحميدى. وأخرجه ابن جرير الطبري في موضعين في أحداث السنة الحادية عشرة من تاريخ الأمم والملوك. وذكره ابن قتيبة في أوائل كتابه - الإمامة والسياسة -. وابن عبد ربه المالكي في حديث السقيفة في الجزء الثاني من العقد الفريد.

والمسعودي في مروج الذهب نقلا عن عروة بن الزبير في مقام الاعتذار عن أخيه عبدالله، إذ هم بالتحريق على بني هاشم حين تخلفوا عن بيعته. وابن الشحنة حيث ذكر بيعة السقيفة في كتابه (روضة المناظر). وأبو الفداء حيث أتى على ذكر أخبار أبى بكر في تاريخه الموسوم بالمختصر في أخبار البشر. ورواه الشهرستاني عن النظام عند ذكره للفرقة النظامية من كتاب - الملل والنحل - ونقله العلامة الحلي في (نهج الصدق) عن كتاب (المحاسن وأنفاس الجواهر) وغرر ابن خنزابة. وأفرد أبو مخنف لبيعة السقيفة كتابا فيه التفصيل (منه قدس) =>

٣٥

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقى عليك بها

ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها(٢٢)

فلو فرض ان لا نص بالخلافة على أحد من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرض كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب، أو أخلاق، أو جهاد، أو علم، أو عمل، أو إيمان، أو إخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل، بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان من مانع شرعي أو عقلي أو عرفي، يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ؟ ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية مؤقتا حتى يستتب أمر الخلافة ؟

أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين ؟ وهم وديعة النبي لديهم، وبقيته فيهم، وقد قال الله تعالى:( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢٣) أليس على حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الأمة، ويحرص على

____________________

=> تهديد عمر عليا وفاطمة بالإحراق: راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ١٢ ط مصر، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج ٤ / ٢٥٩ و ٦٠ ط ٢ بمصر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٤ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ٢ / ٥٦ وج ٦ / ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٧ ط دار الفكر، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٢ ط دار المعارف بمصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٥٧ ط بيروت، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٦، أعلام النساء ج ٣ / ١٢٠٧، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج ٧ / ١٦٤، بحار الأنوار ج ٢٨ / ٣٢٨ و ٣٣٩ ط الجديد، الغدير للأميني ج ٧ / ٧٧ ط بيروت، عبدالله بن سبأ ج ١ / ١٠٨ ط بيروت.

(٢٢) ديوان حافظ إبراهيم

(٢٣) سورة التوبة: ١٢٨ (*).

٣٦

سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - ان لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر - ؟ ! وحسبها يومئذ فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قارعة تفترش بها القلق، وتتوسد الأرق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء، فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى إلى حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها، وأجمع لكلمة الأمة، واقرب إلى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مهما كلفهم الأمر، فخافوا من التريث أن يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه، فان آل محمد إذا حضروا المشورة ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، واغتنموا اشتغال الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم إلى واجباتهم بتجهيز جنازتهم المفداة.

وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل أقدامهم، واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد الأوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الأمر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الأوسي، ومعن بن عدي حليف الأنصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما، فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعا فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين.

٣٧

فاحتدم الجدال بين المهاجرين والأنصار، واشتدت الخصومة حتى ارتفعت أصواتهم بها وكادت الفتنة أن تقع، فقام أبو بكر بكلام أثنى فيه على الأنصار، واعترف لهم بالجميل خاطبا ودهم بلين ورقة

واحتج عليهم: بأن المهاجرين شجرة رسول الله وبيضته التي تفقأت عنه، ورشحهم للوزارة إذا تمت للمهاجرين الإمرة، ثم أخذ بضبعي عمر وأبي عبيدة فأمر المجتمعين بمبايعة أيهما شاؤا، وما ان فعل ذلك حتى تسابق إلى بيعته عمر وبشير، وما ان بايعاه حتى تبارى إلى بيعته أسيد بن الحضير، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد(٢٤) واشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة بكل طريق، وكان أشدهم في ذلك عمر، ثم أسيد وخالد وقنفذ(١) بن عمير بن جدعان التميمي(٢٥) وما بويع أبو بكر حتى أقبلت به الفئة التي بايعته تزفه إلى مسجد

____________________

(٢٤) ولأجل المزيد من المصادر راجع: كتاب عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٨٢ - ١٣٢.

(١) كان هؤلاء مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمةعليها‌السلام وحسبك ما هو منقول عنهم في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج. وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري - كما في ص ١٣٠ من المجلد الأول من شرح النهج - قال: لما بويع أبو بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فخرج عمر حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، ومنك بعد أبيك وايم الله ما هذا بما نعى ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان آمر بتحريق البيت عليهم. (الحديث) (منه قدس).

(٢٥) استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر: راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١٩ وج ٦ / ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٧٤ وج ٢ / ٤ - ١٩ ط ١ بمصر .(*)

٣٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زفاف العروس(٢٦) والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمة لقي بين أولئك المولهين والمولهات من الطيبين والطيبات، فما وسع أمير المؤمنينعليه‌السلام حينئذ الا التمثيل بقول القائل ؟

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائل(٢٧)

وكانعليه‌السلام على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وانه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وان ذلك يوجب التغرير في الدين والخطر بالأمة، فاختار الكف احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح العام، وتقديما للأهم على المهم، عهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . صبر أمير المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى(١) .

نعم قعد في بيته ساخطا مما فعلوه، حتى أخرجوه كرها(٢٨) احتفاظا بحقه المعهود به إليه

____________________

(٢٦) نص على زفافه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص ٨ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس). وج ٦ / ١٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٧) نقل تمثله بهذا البيت أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب - السقيفة - كما في ص ٥ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس). شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٦ / ١٤ بتحقيق أبو الفضل.

(١) وتفصيل هذه الأمور كلها في رسالتنا - فلسفة الميثاق والولاية - وحسبك المراجعة ٨٢ و ٨٤ من كتابنا - المراجعات - فان فيهما من التفصيل ما يثلج الغليل. وكذلك التنبيه المعقود في الفصل الثامن من - فصولنا المهمة - فراجع (منه قدس).

(٢٨) أخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة - كما في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى - عن الشعبى حديثا قال فيه: فانطلق عمر وخالد بن الوليد إلى بيت فاطمة فدخل عمر ووقف خالد على الباب، فقال عمر للزبير: ما هذا =>

٣٩

واحتجاجه على من استبد به(٢٩) وما أبلغ حجته إذ قال مخاطبا لأبي بكر :

فأن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

____________________

=> السيف ؟ قال: أعددته لأبايع عليا. قال وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف وضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخرجوا الزبير إلى خالد ومن معه، وكان معه جمع كثير أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد، ثم قال عمر لعلى: قم فبايع. فتلكأ وأحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى فحملوه ودفعوه إلى خالد كما دفعوا الزبير وساقهما عمر ومن معه من الرجال سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله، (الحديث)، ومن استقصى ما كان منهم يومئذ تجلت له الحقيقة في قول أبى بكر عند موته: وددت إني لم أكشف عن بيت فاطمة ولو أغلق على حرب.

وأخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة أيضا من حديث أبى لهيعة عن أبى الأسود: ان عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم الله، وأخرجوا عليا والزبير يسوقهما عمر سوقا، وأخرج أبو بكر الجوهري: ان عمر جاء إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاجتمعوا عليه حتى ندر السيف من يده، فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يسوقهم سوقا عنيفا. (الحديث)، فراجعه في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج، وكل ما ذكرناه هنا تجده هناك (منه قدس).

أخراج الإمام أمير المؤمنين (ع) كرها لأجل البيعة: راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٣٣٥ ط لجنة التأليف والنشر في مصر وج ٢ / ٢٨٥ ط آخر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ٤١٥ ط أفست بيروت وج ٦ / ١١ و ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٩) مطالبة الإمام (ع) بحقه واحتجاجه عليهم =>

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وثانياً : أنّ الواقع التأريخي للمجتمع الرأسمالي الحديث لا يمكن أن يعتبر صورة صادقة لكلّ مجتمع يسمح بالملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج ، ولا أن تعمّم النتائج التي ينتهي إليها الباحث من درسه المجتمع الرأسمالي الحديث على كلّ مجتمع آخر يتّفق معه في القول بالملكيّة الخاصة وإن اختلفت معه في الإطارات والحدود

وإنّما أدانت الماركسيّة مبدأ الملكية الخاصة بكلّ النتائج التي تمخّض عنها المجتمع الرأسمالي تجاوباً مع فكرتها الأساسية في تفسير التأريخ ، القائلة : بأنّ العامل الاقتصادي الذي تعبّر عنه نوعية الملكية السائدة في المجتمع هو حجر الزاوية في الكيان الاجتماعي كلّه فكلّ ما يحدث في المجتمع الرأسمالي تنبع جذوره الواقعية من القاعدة الاقتصادية من الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج فتزايد البؤس ، وشبكات الاحتكار ، وفظائع الاستعمار ، وجيوش العاطلين من العمل ، واستفحال التناقض في صميم المجتمع ، كلّ تلك الأمور نتائج حتّمية وحلقات من التسلسل التأريخي المفروض على كلّ مجتمع يؤمن بالملكية الخاصة

وتتلخّص وجهة نظرنا حول آراء الماركسيّة هذه عن المجتمع الرأسمالي في نقطتين :

إحداهما : أنّها تخلط بين الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج وواقعها الرأسمالي المتميز بطبيعة اقتصادية وسياسية وفكرية معيّنة ، فتعتبر مضاعفات هذا الواقع الفاسد نتائج حتمية لكلّ مجتمع يسمح بالملكية الخاصة .

والأخرى : أنّها على خطأ في الأسس العلمية الاقتصادية المزعومة التي تستمدّ منها الماركسية طابعها العلمي في تحليلها لتناقضات المجتمع الرأسمالي وتطوّراته التأريخية .

تناقضات الرأسمالية :

ولنبدأ الآن بأهمّ تناقضات المجتمع الرأسمالي في رأي الماركسيّة أو المحور الرئيسي للتناقض بتعبير آخر ، وهو الربح الذي يدرّه الإنتاج بالأجرة على الرأسماليين من مالكي وسائل الإنتاج ففي الربح يكمن سرّ التناقض المزعوم ولغز الرأسمالية كلّها الذي حاولماركس الكشف عنه في القيمة الفائضة ، فهو يؤمن بأنّ البضاعة مدينة بقيمتها للعمل المأجور الذي أنفق عليها فإذا اشترى الرأسمالي كمّية من الخشب بدينار ، ثمّ استأجر العامل ليصنع من ذلك الخشب سريراً يبيعه بدينارين ، فقد حصل

١٨١

الخشب على قيمة جديدة وهي الدينار الثاني الذي انضمّ إلى قيمة الخشب الخام ومصدر هذه القيمة الجديدة هو العمل وفقاً للقانون الماركسي في القيمة فيجب لكي يربح مالك الخشب والأدوات شيئاً أن لا يدفع إلى العامل إلاّ جزءاً من القيمة الجديدة ـ التي خلقها العامل ـ بوصفه أجراً على عمله ويحتفظ لنفسه بالجزء الآخر من القيمة باعتباره ربحاً خاصاً به وعلىهذا الأساس يصبح من الضروري دائماً أن ينتج العامل قيمة تزيد على أجرته ، وهذه الزيادة هي التي يسمّيها ماركس بالقيمة الفائضة ، ويعتبرها المصدر العام لأرباح الطبقة الرأسمالية كلّها

ويزعمماركس ـ هو يفسّر لنا الربح في هذا الضوء ـ : أنّ هذا هو التفسير الوحيد للمسألة الرأسمالية كلّها فإنّنا إذا حلّلنا عملية الإنتاج الرأسمالي نجد أنّ المالك اشترى من التاجر كلّ ما يحتاج إليه الإنتاج من مواد وأدوات ، واشترى من العامل كلّ ما يحتاجه الإنتاج من طاقة بشرية وهاتان مبادلتان إذا فحصنا التبادل فيهما وجدنا أنّه من ناحية المنفعة الاستعمالية يمكن أن ينتفع كلا الشخصين المتبادلين ؛ لأنّ كلاً منهما يستبدل بضاعة ـ ذات منفعة استعمالية ـ لا يحتاجها ببضاعة يحتاج إلى منفعتها ولكن هذا لا ينطبق على القيمة التبادلية ، فإنّ تبادل البضائع في شكله الطبيعي هو تبادل متعادلات ، وحيث يوجد التعادل لا يمكن أن يوجد الربح ؛ لأنّ كلّ فرد يعطي بضاعة ويتسلّم بدلاً عنها بضاعة ذات قيمة تبادلية مساوية ، فمن أين يحصل على قيمة فائضة أو على ربح ؟!

ويستمرّماركس في تحليله مؤكّداً : أنّ من المستحيل فرض حصول البائع أو المشتري على الربح اعتباطاً لتمتّعه بامتياز بيعه للبضاعة بأعلى من ثمن اشترائها ، أو اشترائه لها بأرخص من قيمتها ؛ لأنّه في النتيجة سوف يخسر ما ربحه حينما يبدّل دوره فينقلب مشترياً بعد أن كان بائعاً ، أو بائعاً بعد أن كان مشترياً فلا يمكن أن تتشكّل قيمة فائضة ، لا عن كون البائعين يبيعون البضائع بأكثر من قيمتها ، ولا عن كون الشارين يشرونها بأقلّ من قيمتها .

وليس من الممكن أيضاً القول بأنّ المنتجين يحصلون على قيمة فائضة ؛ لأنّ المستهلكين يدفعون ثمن البضائع أغلى من قيمتها ، فيكون لأصحاب البضائع ـ بصفتهم منتجين ـ امتياز البيع بسعر أغلى ، فإنّ هذا الامتياز لا يفسّر اللّغز ؛ لأنّ كلّ منتج يعتبر من ناحية أخرى مستهلكاً ، فيخسر بصفته مستهلكاً ما يربحه بوصفه منتجاً .

١٨٢

وهكذا ينتهيماركس من هذا التحليل إلى : أنّ القيمة الفائضة التي يربحها الرأسمالي ليست إلاّ جزءاً من القيمة التي أسبغها عمل العامل على المادة ، وقد ظفر المالك بهذا الجزء لسبب بسيط ؛ وهو أنّه لم يشتر من العامل ـ الذي استخدمه عشر ساعات ـ عمله في هذه المدّة ليكون ملزماً بالتعويض عن عمله بما يساويه ، أو بكلّ القيمة التي خلقها بتعبير آخر فإنّ العمل لا يمكن أن يكون سلعة يشتريها الرأسمالي بقيمة تبادلية معيّنة ؛ لأن العمل هو جوهر القيمة عندماركس ، فكلّ الأشياء تكتسب قيمتها من العمل ، وأمّا العمل فلا يكتسب قيمته من شيء ، فليس هو سلعة إذن ، وإنّما السلعة التي اشتراها المالك من العامل هي قوّة العمل ، هذه السلعة التي تُحدّد قيمتها بكمّية العمل اللازم للحفاظ على تلك القوّة وتجديدها ، أي بكمّية العمل الضروري لإعاشة العامل والمحافظة على قواه فالمالك اشترى من العامل إذن قوّة عمل عشر ساعات لا العمل نفسه ، وقد اشترى تلك القوّة بالقيمة التي تضمن للعامل خلق تلك القوّة وتجديدها وهي الأجور ولمّا كان عمل عشر ساعات أكثر من العمل الذي يتوقّف عليه تجديد قوى العامل وإعاشته ، فسوف يبقى الرأسمالي محتفظاً بالفارق بين قيمة قوّة العمل التي سلّمها إلى العامل والقيمة التي خلقها العمل التي تسلّمها من العامل وهذا الفارق هو فائض القيمة الذي يربحه الرأسمالي

وفي هذا الضوء يعتقدماركس بأنّه كشف عن التناقض الرئيسي في جهاز الرأسمالية ، الذي يتمثّل : في أنّ المالك يشتري من العامل قوّة عمله ولكنّه يتسلّم منه العمل نفسه ، وأنّ العامل هو الذي يخلق القيمة التبادلية كلّها ، ولكن المالك يضطرّه إلى التنازل والاكتفاء بجزء من القيمة التي خلقها ويسرق الجزء الآخر بوصفه فائضاً ، وعلى هذا الأساس يقوم الصراع الطبقي بين الطبقة المالكة والطبقة العاملة

وهذه النظرية (نظرية القيمة الفائضة ) تعتبر قبل كلّ شيء : أنّ المنبع الوحيد لقيمة السلع هو العمل الذي أُهرق فيها فإذا تسلّم العامل كلّ القيمة التي خلقها في السلعة لم يبقَ لغيره شيء يربحه فيجب لكي يوجد ربح للمالك أن يقتطع نصيباً لنفسه من القيمة التي أوجدها العامل في منتوجه فنظرية القيمة الفائضة ـ إذن ـ ترتكز بصورة أساسية على قانون القيمة عند الماركسيّة ، وهذا الارتباط بين النظرية والقانون يوحّد مصيرهما ، ويجعل من فشل القانون علمياً سبباً لسقوط النظرية ، وسقوط كلّ النظريات في الاقتصاد الماركسي التي تقوم على أساس ذلك القانون

١٨٣

[ مناقشة نظرية القيمة الفائضة : ]

وقد استطعنا أن نعرف في دراستنا في لقانون القيمة عندماركس بوصفه العمود الفقري للاقتصاد الماركسي كلّه أنّ العمل ليس هو الجوهر الأساسي للقيمة التبادلية ، وإنّما تقاس القيمة بمقياس ذاتي سيكولوجي وهو الرغبة الاجتماعية ، وإذا كانت الرغبة هي جوهر القيمة التبادلية ومصدرها ، فلن نضطر إلي تفسير الربح ـ دائماً ـ بكونه جزءاً من القيمة التي يخلقها العمل ، كما صنعماركس ، بل لا يمكن أن نغفل حينئذٍ ـ [ في ] عملية تكوّن القيمة للسلع ـ نصيب المواد الطبيعية الخام ـ ذات الندرة النسبية ـ من قيمة تلك السلع فالمادّة الخشبية مثلاً ، بوصفها مادّة طبيعية نادرة نسبياً ـ وليست كالهواء ـ تتمتّع بقوّة تبادلية وتساهم في تكوين القيمة التبادلية للسرير الخشبي في ضوء المقياس السيكولوجي للقيمة ، بالرغم من عدم إنفاق عمل بشري في سبيل إنتاجها وهكذا كلّ المواد الطبيعية التي تتجسّد في مختلف السلع المنتجة والتي أهملتها الماركسية تماماً، ولم تؤمن بأيّ دور لها في تكوين القيم التبادلية للسلع ، زاعمةً : أنّها ليست ذات قيمة تبادلية ما دامت لا تعبّر عن عمل منفق على إيجادها

صحيح أنّ المادة الخام وهي في باطن الأرض مثلاً وبصورة مجرّدة عن العمل البشري تبدو تافهة ، ولا تكتسب أهمّية خاصة إلاّ عند امتزاجها بالعمل البشري ، ولكنّ هذا لا يعني أنّ المادة ليس لها قيمة تبادلية ، وأنّ القيمة كلّها ناتجة عن العمل وحده كما ترى الماركسية ، إذ كما ينطبق هذا الوصف على المادة المعدنية في الأرض كذلك ينطبق أيضاً على العمل المنفق على استخراج المادّة وتعديلها ، فإنّ هذا العمل إذا عزل عن تلك المادة المعدنية لم تكن له قيمة إطلاقا ً. فمن السهل أن نتصور تفاهة هذه الكمّية من العمل البشري التي أنفقت على استخراج معدن كالذهب لو أنّها كانت منفقة في مجالات العبث والمجون أو على استخراج صخور لا تجدي نفعاً فالعنصران إذن ( المادّة والعمل ) متفاعلان متضامنان في تكوين القيمة التبادلية للكمّية المستخرجة من المعدن مثلاً ، ولكلّ منها دور إيجابي في تكوين بضاعة الذهب التي تتمتّع بقيمة تبادلية خاصة وفقاً للمقياس السيكولوجي لها

١٨٤

وكما يصبح للمواد نصيبها من قيمة السلع في ضوء المقياس السيكولوجي للقيمة ، كذلك يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مختلف عناصر الإنتاج فالناتج الزراعي لا يستمد قيمته التبادلية من كمية العمل المنفقة على إنتاجه فحسب ، بل إنّ للأرض أثراً في هذه القيمة ، بدليل أنّ تلك الكمية من العمل نفسها قد تنفق في زراعة الأرض بما هي أقل صلاحية له فتحصل على ناتج لا يتمتّع بنفس تلك القيمة التبادلية التي يملكها الناتج الأوّل وإذا كان للمواد الخام وعناصر الإنتاج المختلفة أثر في تكوين قيمة السلعة فليست القيمة كلّها ـ إذن ـ نابعة من العمل ، وليس صاحب العمل هو المصدر الوحيد لقيمة السلعة ، وبالتالي ليس من الواجب أنتكون القيمة الفائضة ( الربح ) جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل ، ما دام يمكن أن تكون تعبيراً عمّا لمواد الإنتاج الطبيعية من نصيب في قيمة السلعة المنتجة

ويبقى بعد ذلك سؤال واحد يتّصل بهذه القيمة التي تستمدّها السلعة من الطبيعة : فلمن تكون هذه القيمة ؟ ومن الذي يملكها ؟ وهل يملكها العامل أو شخص سواه ؟

وهذه نقطة أخرى خارجة عن نطاق البحث ، وإنّما النقطة التي كنا ندرسها هي علاقة القيمة الفائضة بالعمل ، وهل يجب أن تكون جزءاً من القيمة التي يخلقها العمل أو يمكن أن تكون نابعة من مصدر آخر ؟ فـ (ماركس ) حين اعتبر العمل أساساً وحيداً للقيمة لم يستطع أن يفسّر القيمة الفائضة (الربح ) إلاّ على اقتطاع جزء من القيمة التي يخلقها العامل ، وأمّا في ضوء مقياس آخر للقيمة كالمقياس السيكولوجي ، فمن الممكن تفسير القيمة الفائضة دون أن نضطر إلى اعتبارها جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل فبالمجتمع تزداد دائماً القيم التبادلية التي يملكها ـ كما تزداد ثروته باستمرار ـ عن طريق اندماج كمّيات جديدة من العمل بالمواد الطبيعية وتكوين سلع جاهزة عن هذا الطريق تحمل قيمة تبادلية مستمدّة من العنصرين المندمجين فيها ، من العمل والمادة الطبيعية الأمرين اللذين استطاعا ـ بالاندماج والاشتراك ـ : أن يولّدا قيمة جديدة لم تكن توجد في كلّ منهما حالة وجوده بصورة مستقلة عن آخر

١٨٥

وهناك شيء آخر أقصته الماركسية من حسابها لدى محاولة استكشاف سرّ الربح دون أن نجد مبرّراً لإقصائه حتى إذا أخذنا بقانون القيمة عند ماركس ، وهو : القدر الذي يخلقه المالك نفسه من قيمة بسبب مواهبه التنظيمية والإدارية التي يستعملها في تسيير المشروع الصناعي أو الزراعي وقد أثبتت التجارب بكلّ وضوح أنّ مشاريع متساوية في رؤوس أموالها والأيدي العاملة التي تشتغل فيها قد تختلف اختلافاً هائلاً في الأرباح التي تجنيها طبقاً لكفاءات التنظيم ، فالإدارة عنصر عملي ضروري في عملية الإنتاج ونجاحها ، ولا يكفي لتحقيق عملية الإنتاج ونجاحها أن تتوفّر القوى العاملة وأدوات الإنتاج والمواد اللازمة فحسب ، بل تحتاج عجلة الإنتاج إلى قائد يعيّن المقدار اللازم وجوده من القوى العاملة والمواد والأدوات ، ويحدّد النِسب التي تمتزج بها جميعاً ، ويوزّع الواجبات على مختلف أنواع العمّال والموظّفين ، ويشرف إشرافاً تامّاً على سير العملية الإنتاجية ، ثمّ يبحث ـ بعد ذلك ـ عن منافذ لتوزيعها وإيصالها إلى المستهلكين .

فإذا كان العمل هو جوهر القيمة فيجب أن يكون للعمل القيادي والتنظيمي نصيب من القيمة التي يخلقها العمل في السلعة ، ولا يمكن لماركس أن يفسّر الربح على ضوء نظرية القيمة الفائضة إلاّ بالنسبة إلى القيمة التي يربحها الرأسمالي الربوي ، أو المشاريع الرأسمالية التي لا يساهم فيها المالك بإدارة وتنظيم .

[ نقد التناقضات الطبقية : ]

وإذا انهارت نظرية القيمة الفائضة تبعاً لانهيار أساسها العلمي المتمثّل في قانون القيمة عند الماركسية ، فمن الطبيعي أن نرفض حينئذ التناقضات الطبقية التي تستنتجها الماركسية من هذه النظرية ، كالتناقض بين العامل والمالك بوصفه سارقاً يقتطع من العامل الجزء الفائض من القيمة التي يخلقها ، والتناقض بين ما يشتريه المالك من العامل وما يتسلّمه منه ، إذ يشتري منه ـ في زعم الماركسية ـ طاقة العمل ويتسلّم منه العمل نفسه

١٨٦

فالتناقض الأوّل يتوقّف على تفسير الربح في ضوء نظريّة القيمة الفائضة ، وأمّا في ضوء آخر فليس من الضروري أن يكون الربح جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل لنفسه ما دام للقيمة مصدر غير العمل ، وبالتالي ليس من الضروري في نظام العمل بالأجرة أن يسرق المالك من العامل شيئاً من القيمة التي يخلقها ، ليكون الصراع الطبقي بين المالك والعامل قضاءً محتوماً في هذا النظام صحيح أنّ من مصلحة المستأجرين تخفيض الأجور ، ومن مصلحة الأجراء رفعها ، فهم مختلفون في مصالحهم كما قد تختلف مصالح الأجراء أو المستأجرين أنفسهم وصحيح أنّ أيّ ارتفاع أو هبوط في الأجرة يعني إضراراً بالجانب الآخر في الوقت الذي يستفيد منه أحد الجانبين ، ولكنّ هذا يختلف عن المفهوم الماركسي للتناقض الطبقي الذي يجعل التناقض والابتزاز داخلاً في صميم العلاقة بين المستأجر والأجير مهما كان لونها وشكلها

فالتناقض الطبقي في طابعه العلمي الموضوعي الصارم القائم على أسس الاقتصاد الماركسي هو الذي ينهار بانهيار تلك الأسس وأمّا التناقض بمعنى اختلاف المصالح الذي يجعل أحد الفريقين يكافح في سبيل رفع الأجور والفريق الآخر يحاول الاحتفاظ بمستواها فهو تناقض ثابت ، ولا يرتبط بالأسس العلمية المزعومة للاقتصاد الماركسي ، بل هو نظير اختلاف مصالح البائعين والمشترين الذي يدفع بالبائعين إلى محاولة رفع الأثمان بينما يعمل المشترون لمقابلة ذلك

وكذلك اختلاف مصالح العمال الفنّيين وغيرهم ، إذ أنّ من مصلحة الفنّي أن يحتفظ لعمله بمستوى عال من الأجر ، بينما يكون من مصلحة سائر العمال أن يطالبوا بمساواة كاملة في الأجور .

وأمّا التناقض الثاني بين ما يشريه المالك من العامل وما يسلّمه إليه ، فهو يتوقّف على الرأي الماركسي السابق ، القائل بأنّ السلعة التي يشتريها المالك من العامل ـ في مجتمع يسمح بالعمل المأجور ـ هي قوّة العمل لا العمل نفسه ، كما يردّد ذلك الاقتصاد الرأسمالي المبتذل على حدّ تعبير الماركسية ؛ لأنّ العمل في رأس ماركس هو جوهر القيمة ومقياسها ، فلا يمكن أن تكون له قيمة قابلة للقياس والتقدير حتى يباع بتلك القيمة ، وعلى العكس من ذلك قوّة العمل ، فإنّها تعبّر عن كمّية من العمل المنفق عليها ـ أو على إعاشة العامل بتعبير آخر ـ فتقاس قيمة قوّة العمل بالعمل المنفق في سبيلها ، وتصبح بذلك سلعة ذات قيمة يمكن أن يشتريها المالك من العامل بتلك القيمة .

١٨٧

ولكنّ الحقيقة التي يقرّرها الاقتصاد الإسلامي بهذا الصدد هي : أنّ المالك لا يتملّك ولا يشتري من العامل عمله كما يرى الاقتصاد الرأسمالي المبتذل على حد تعبير الماركسية ، ولا يشتري أيضاً قوّة العمل كما يقرّر الاقتصاد الماركسي ، فلا العمل ولا قوّة العمل هو السلعة أو المال الذي يشتريه المالك من العامل ويدفع الأجرة ثمناً له ، وإنّما يشتري المالك من العامل منفعة عمله ، أي الأثر المادّي الذي ينتجه العمل في المادة الطبيعية فإذا استأجر مالك الخشب والأدوات عاملاً ، ليصنع من ذلك الخشب سريراً ، فهو يدفع له الأجرة ثمناً للهيئة أو التعديل الذي سوف يطرأ على الخشب فيجعله سريراً نتيجة لعمل العامل فهذا التعديل الذي يصبح الخشب به سريراً هو الأثر المادّي للعمل وهو بالتالي منفعة العمل التي يشتريها المستأجر من العامل بالأجرة فمنفعة العمل شيء مغاير للعمل ولطاقة العمل ، وهي كذلك ليست جزءاً من كيان الإنسان وإنّما هي بضاعة لها قيمة بمقدار ما لتلك المنفعة من أهمية ، وفقاً للمقياس السيكولوجي العام للقيمة ( مقياس الرغبة الاجتماعية ) فالمالك إذن يشتري من العامل منفعة عمله ، ويتسلّم هذه المنفعة ضمن الخشب الذي أصبح بالتعديل سريراً في مثالنا السابق ، دون أي تناقض بين ما يشتريه وما يتسلّمه(١) .

ولا يفوتنا أن نلاحظ الفرق بين منفعة العمل والمواد الطبيعية الخام النادرة نسبياً ، كالخشب والمادّة المعدنية ، فإنّها وإن كانت جميعاً ذات قيم تبادلية ، وفقاً للمقياس العام في القيمة ، غير أنّ منفعة العمل ـ وهي حالة التعديل تحصل في المادة الطبيعية نتيجة للعمل ، كالخشب الذي يصبح سريراً ـ بوصفها ذات بضاعة ناتجة عن عمل إنساني تتمتّع بعنصر الإرادة والاختيار فمن الممكن للإرادة الإنسانية أن تتدخّل في جعل هذه البضاعة نادرة ، وبالتالي في رفع ثمنها ، كما تقوم به نقابات العمال في البلدان الرأسمالية ولهذا يبدو ـ لأوّل وهلة ـ كأن هذه البضاعة تحدّد أثمانها اعتباطاً ووفقاً لمدى القوى السياسية لتلك النقابات ، ولكنّ الواقع أنّها تخضع لنفس المقياس العام للقيمة ، غير أنّ الإدارة الإنسانية بإمكانها أن تتدخّل أحياناً فتجعل المقياس يرتفع وتزداد بذلك الأجور

ـــــــــــــــ

(١) راجع منية الطالب في حاشية المكاسب ١ : ٦١ .

١٨٨

[ المراحل الأخرى من التحليل الماركسي للرأسمالية : ]

ولنواصل الآن ـ بعد أن درسنا نظرية القيمة الفائضة ـ استعراض المراحل الأخرى من تحليل الماركسية للمجتمع الرأسمالي فقد عرفنا حتى الآن : أنّماركس وضع نظرية القيمة الفائضة على أساس قانونه الخاص في القيمة ، وفسّر في ضوئها طبيعة الربح الرأسمالي ، وانتهى من ذلك إلى أنّ التناقض الأساسي في الرأسمالية يكمن في الربح الرأسمالي بوصفه سرقة يقتطعها المالك من القيمة التي يخلقها العامل المأجور

وحين فرغماركس من فكرتيه الأساسيتين المتشابكتين ( قانون القيمة ، ونظرية القيمة الفائضة ) ، واطمأن إلى كشفهما عن التناقض الأساسي في الرأسمالية ، بدأ يستنتج في ضوئها قوانين هذا التناقض التي تسوق الرأسمالية إلى حتفها المحتوم

فأوّل هذه القوانين : قانون الصراع والكفاح الطبقي الذي يخوضه الأُجراء ضدّ الطبقة الرأسمالية والفكرة في هذا القانون ترتكز على التناقض الأساسي ـ الذي كشفت عنه نظرية القيمة الفائضة ـ بين ما يدفعه الرأسمالي إلى العامل من أجور وما يتسلّمه من نتاج ، فحيث إنّ الرأسمالي يقتطع من العامل جزءاً من القيمة التي يخلقها ولا يدفع إليه إلاّ جزءاً منها ، فهو يقف من العامل موقف السارق ، وهذا يؤدّي ـ بطبيعة الحال ـ إلى قيام صراع عنيف بين الطبقة المسروقة والطبقة السارقة ويجيء بعد ذلك دور قانون آخر ليعمل في تشديد هذا الصراع ومضاعفته ، وهو قانون : انخفاض الربح ، أو بكلمة أخرى : اتجاه معدّل الأرباح دائماً إلى الهبوط وترتكز الفكرة في هذا القانون على الاعتقاد بأنّ التنافس بين مشاريع الإنتاج الذي يسود المراحل الأولى من الرأسمالية يؤدّي إلى المزاحمة والسباق بين المنتجين الرأسماليين أنفسهم ، ومن طبيعة هذا السباق أن يدفع الإنتاج الرأسمالي إلى الأمام ، ويجعل كلّ رأسمالي حريصاً على إنماء مشروعه وتحسينه سعياً وراء المزيد من الربح ، ولا يجدّ كلّ فرد من الطبقة المالكة ـ لأجل هذا ـ مناصاً عن تحويل جزء من أرباحه إلى رأس مال ، والاستفادة بصورة مستمرة من التقدّم العلمي والتكنيكي في تحسين الأدوات والآلات ، أو استبدالها بما هي أكثر كفاءة وأضخم إنتاجاً ؛ ليستطيع أن يواكب حركة الإنتاج الرأسمالي مع منافسيه الآخرين ، ويعصم نفسه من السقوط في منتصف الطريق فهناك إذن في وضع المجتمع الرأسمالي قوّة ترغم الرأسمالي على تراكم رأس المال وتحسين الأدوات وتنميتها ، وهي قوّة المزاحمة بين الرأسماليين أنفسهم

١٨٩

وينبثق عن هذه الضرورة لتراكم رأس المال قانون اتجاه معدّل الأرباح دائماً إلى الهبوط لأنّ الإنتاج الرأسمالي ـ في نموّه ـ يتزايد اعتماده على الآلات والمعدّات تبعاً للتقدّم العلمي في هذا المضمار ، وتقلّ الكمّية التي يحتاجها من العمل بصورة متناسبة مع تقدّم الآلات وتكاملها وهذا يعني انخفاض القيمة الجديدة التي يخلقها الإنتاج تبعاً لانخفاض كمّية العمل المنفق في هذا السبيل ، فينخفض الربح الذي يعبّر عن جزء من تلك القيمة الجديدة

ولا يملك الرأسماليون إزاء هذه الضرورة ( ضرورة انخفاض الربح ) من علاج إلاّ مطالبة العمّال بكمّيات أكبر من العمل بنفس الأجرة السابقة ، أو تخفيض نصيبهم من القيمة الجديدة التي يخلقونها بالتقليل من أجورهم وبذلك يشتدّ الصراع بين الطبقتين ويصبح تزايد البؤس والحاجة في أوساط العمال قانوناً حتمياً في المجتمع الرأسمالي .

ومن الطبيعي أن تنجم بعد ذلك أزمات شديدة ؛ لعدم تمكّن الرأسماليين من تصريف بضائعهم نتيجة لانخفاض مستوى القدرة الشرائية عند الجماهير ، ويصبح من الضروري التفتيش عن أسواق خارج الحدود ، فتبدأ الرأسمالية مرحلتها الاستعمارية والاحتكارية في سبيل ضمان أرباح الطبقة الحاكمة ويتهاوى تحت نير الاحتكار الضعفاء نسبياً من الطبقة البورجوازية ، فيضيق نطاق هذه الطبقة تدريجياً ، بينما يتّسع نطاق الطبقة الكادحة ؛ إذ تتلقّى بكلّ حرارة أولئك البورجوازيين الضعفاء الذين يخرّون صرعى في معركة الاحتكار الرأسمالي ومن ناحية أخرى : تبدأ الطبقة البورجوازية تفقد مستعمراتها بفضل الحركات التحرّرية في تلك المستعمرات ، وتتفاقم الأزمات شيئاً بعد شيء ، حتى يصل المنحنى التأريخي إلى النقطة الفاصلة ويتحطّم الكيان الرأسمالي كلّه في لحظة ثورية يشعل نارها الكادحون والعمال

[ دراسة التحليل الماركسي للرأسمالية : ]

هذه صورة ملخّصة عن مراحل التحليل الماركسي للرأسمالية ، يمكننا الآن تحليلها في ضوء دراستنا السابقة .

فمن الملاحظ بوضوح أنّ قانون الصراع الطبقي القائم على أساس التناقض الكامن في الربح ، يتوقّف مصيره على نظرية القيمة الفائضة فإذا انهارت هذه النظرية ـ كما رأينا ـ تلاشى التناقض العلمي المزعوم وبطلت فكرة الصراع الطبقي المستوحاة من ذلك التناقض .

١٩٠

وأمّا قانون انخفاض الربح ، فهو نتيجة للقاعدة المركزية في الاقتصاد الماركسي ، وهي قانون القيمة فإنّماركس يرى في انخفاض كمّية العمل المنفقة خلال الإنتاج بسبب تحسين الآلات وكثرتها ، سبباً لانخفاض قيمة السلعة وضآلة الربح ؛ لأنّ القيمة ليست إلاّ وليدة العمل ، فإذا قلّت كمّية العمل بسبب تزايد الآلات انخفضت القيمة وتقلّص الربح الذي يعبر عن جزء من القيمة المنتجة وإذا كان قانون انخفاض الربح مرتكزاً على تلك القاعدة المركزية القائلة : أنّ العمل هو الجوهر الوحيد للقيمة ، فيسقط تبعاً لسقوط تلك القاعدة في دراستنا السابقة ، ويصبح من الممكن علمياً أن يتناقض معدّل الربح بزيادة الآلات والمواد الخام وانخفاض كمّية العمل ما دام العمل ليس هو الجوهر الوحيد للقيمة .

ولنأخذ ـ بعد ذلك ـ قانون البؤس المتزايد إنّ هذا القانون يقوم على أساس التعطّل الناتج عن إحلال الآلات والوسائل الحديثة محلّ العمّال في عملية الإنتاج ، فكلّ جهاز أو تحسين جديد في الجهاز يقذف بعدد من العمّال إلى الشارع ولمّا كانت حركة الإنتاج في تقدّم مستمر ، فسوف ينمو جيش العاطلين الذي يطلق عليهماركس اسم :الجيش الاحتياطي للرأسماليين ، وينمو تبعاً له البؤس والفاقة والموت جوعاً هنا وهناك .

وفي الحقيقة أنّ هذا القانون استمدهماركس من تحليل (ريكاردو ) للآلات وأثرها على حياة العمّال فقد سبق ( ريكاردو ) إلى نظرية التعطّل بسبب تضاؤل الحاجة إلى الأيدي العاملة بعد صنع المقدار المطلوب من الآلات الأكثر كفاية وقد أضافماركس إلى ذلك ظاهرة أخرى تنجم عن إحلال الآلات محلّ العمل ، وهي إمكان إشغال أيّ إنسان سوي في عملية الإنتاج الآلي حتى النساء والأطفال ، دون حاجة إلى خبرة سابقة ، وبهذا يستبدل العمّال الماهرون بغيرهم بأجورٍ أرخص ، وتهبط قدرة العمّال المساومة في الأجور وبالتالي يزداد البؤس ويتفاقم يوماً بعد يوم .

وحينما وجد الماركسيون ـ بعد ماركس ـ أنّ البؤس في المجتمعات الرأسمالية والأوروبية والأمريكية لا ينمو ولا يشتدّ وفقاً لقانونماركس ، اضطروا إلى تأويل القانون ، فزعموا : أنّ البؤس النسبي في تزايد وإن كانت حالة العمّال ـ إذا أخذت بصورة منعزلة عن حالة الرأسماليين ـ تتحسّن على مرّ الزمن بسبب شتّى المؤثّرات والعوامل ، وفي هذا نجد مثالاً من عدّة أمثلة بيّناها خلال دراستنا لخلط الماركسية بين قوانين الاقتصاد والحقائق الاجتماعية ، والدمج بينهما بطريقة تؤدّي إلى نتائج خاطئة بسبب إصرار الماركسية على تفسير المجتمع كلّه في ضوء الظواهر الاقتصادية ولنفترض مثلاً:

١٩١

أنّ الحالة النسبية للعمّال تتردّى على مرّ الزمن ـ أي : حالتهم بالنسبة إلى الرأسماليين ـ ولكنّها من ناحية أخرى بما هي حالة منظوراً إليها بصورة مستقلة تتحسّن وتزداد رخاء وسعةً ، فمن حقّ الماركسية ـ إذا صح هذا ـ أن تعبّر عن هذه الظاهرة تعبيراً اقتصادياً محدّداً ، ولكن ليس من حقّها أن تعبّر عنها تعبيراً اجتماعياً فتعلن عن ضرورة تزايد البؤس في المجتمع فإنّ تردّي الحالة النسبية لا يعني بؤساً ما دامت تتحسّن بصورة مستقلّة وإنّما اضطرّت الماركسية إلى هذا التعبير بالذات لتصل عن طريق ذلك إلى استكشاف القوّة الحتمية الدافعة إلى الثورة ، وهي البؤس المتعاظم باستمرار ولم تكن الماركسية لتصل إلى هذا الكشف لو لم تستعر للظواهر الاقتصادية أسماء اجتماعية ، ولو لم تطلق على حالة التردّي النسبي اسم : البؤس .

وأخيراً ، فما هي أسباب الحاجة والفاقة التي كان يجدهاماركس مخيّمة على المجتمع الرأسمالي ؟

إنّ الحاجة والفاقة وألوان الفقر والتسكّع لم تنشأ عن السماح بالملكيّة الخاصّة لوسيلة الإنتاج ، وإنّما نشأت عن الإطار الرأسمالي لهذه الملكيّة ، عن اكتساح هذا الملكيّة الخاصة لكلّ وسائل الإنتاج وعدم الاعتراف بمبدأ الملكيّة العاملة إلى جانبه ، ولا بحقوق ثابتة في الأموال الخاصّة للضمان الاجتماعي ، ولا بحدود خاصة لتصرّفات المالكين في أموالهم وأمّا إذا سمح المجتمع بالملكيّة الخاصة لوسيلة الإنتاج ، ووضع إلى جانب ذلك مبادئ الملكيّة العامّة لقسم كبير من وسائل الإنتاج ، والضمان الاجتماعي ، والحرية الاقتصادية المحدودة بحدود من المصلحة العامة تَحُول دون تمركز الأموال في أيدي فئة قليلة أمّا إذا قام المجتمع بذلك كلّه فلن يوجد في المجتمع ـ الذي يوفّق بين هذه المبادئ ـ ظِلّ للبؤس أو ظاهرةٌ من ظواهر الحاجة والشقاء التي نبعت من طبيعة النظام الرأسمالي في المجتمعات الأوروبية

وأمّا الاستعمار فقد رأينا أنّ الماركسية تفسّره تفسيراً اقتصادياً خالصاً أيضاً ، فتعتبره نتيجة حتمية للمرحلة العليا من الرأسمالية حين تعود الأسواق والخيرات الداخلية غير كافية لتمشية مصالح الطبقة الرأسمالية ، فتضطرّ إلى امتلاك أسواق وخيرات البلاد الخارجية عن طريق الاستعمار

ولكن الواقع أنّ الاستعمار ليس تعبيراً اقتصادياً عن المرحلة المتأخّرة من الرأسمالية ، وإنّما هو التعبير العملي بصورة أعمق عن العقلية المادّية بمقاييسها الخُلُقية ومفاهيمها عن الحياة وأهدافها وغاياتها ، فإنّ هذه العقلية هي التي جعلت الحصول على أكبر ربح مادّي ممكن هو الهدف الأعلى ، بقطع النظر عن نوعية الوسائل وطابعها الخُلقي ، ونتائجها في المدى البعيد

١٩٢

والدليل على هذا من الواقع ، أنّ الاستعمار بدأ منذ بدأت الرأسمالية وجودها التأريخي في المجتمعات الأوروبية بعقليتها ومقاييسها ، ولم ينتظر حتى تصلّ الرأسمالية إلى مرحلتها العُليا وليكون تعبيراً عن ضرورة اقتصادية خالصة فقد اقتسمت الدول الأوروبية البلاد الضعيفة في مطلع الرأسمالية بكلّ وقاحة واستهتار فكان لبريطانيا الهند وبورما وجنوب أفريقيا ومصر والسودان وغيرها ولفرنسا الهند الصينيّة والجزائر ومراكش وتونس ومدغشكر وغيرها من المستعمرات ، وكان لألمانيا قطاعات في غربي أفريقيا وجزر الباسفيك ، ولإيطاليا طرابلس الغرب والصومال ، ولبلجيكا بلاد الكونغو ، ولروسيا قطاعات في آسيا ، ولهولندا جزائر الهند .

فالسبب الأصيل والأسبق للاستعمار يكمن في الواقع الروحي والمزاج الخُلقي للمجتمع ، لا في مجرّد السماح بالملكيّة الخاصة لوسيلة الإنتاج فإذا سمح بهذه الملكية في مجتمع يتمتّع بواقع روحي وخُلقي وسياسي يختلف عن الواقع الرأسمالي ، فليس الاستعمار بمفهومه الرأسمالي قانوناً حتمياً له

وأمّا الاحتكار فهو الآخر ليس ـ أيضاً ـ نتيجة حتمية للسماح بالملكيّة الخاصة لأداة الإنتاج ، وإنّما هو نتيجة للحريّات الرأسمالية بشكلها المطلق ، وللمبدأ القائل : بعدم جواز التدخّل في مجرى الحياة الاقتصادية للناس أمّا حين توضع للملكية الخاصة قيودها وحدودها ، ويجعل النشاط الاقتصادي تحت مراقبة دقيقة تستهدف الحيلولة دون الاحتكار وتحكّم فئة قليلة في الأسواق التجارية ، فسوف لا يجد الاحتكار طريقه الرأسمالي المعبّد إلى التحطيم والتدمير .

١٩٣

مع الماركسيّة ٢

المذهب الماركسي

تمهيد

ما هي الاشتراكية والشيوعية ؟

نقد المذهب بصورة عامة

نقد تفصيلي للمذهب

تمهيد :

قلنا في مستهلّ هذا الكتاب : إنّ المذهب الاقتصادي عبارة عن نهج خاص للحياة ، يطالب أنصاره بتطبيقه لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه ، بوصفه المخطّط الأفضل الذي يحقّق للإنسانية ما تصبو إليه من رخاء وسعادة على الصعيد الاقتصادي وأمّا العلوم الاقتصادية ، فهي دراسات منظمّة للقوانين الموضوعية التي تتحكّم في المجتمع كما تجري في حياته الاقتصادية .

فالمذهب : تصميم عمل ودعوة والعلم : كشف أو محاولة كشف عن حقيقة وقانون لهذا السبب كان المذهب عنصراً فعالاً وعاملاً من عوامل الخلق والتجديد وأمّا العلم فهو يسجّل ما يقع في مجرى الحوادث الاقتصادية كما هو دون تصرّف أو تلاعب

وعلى هذا الأساس فصلنا بين المادّية التأريخية والمذهب الماركسي في بحثنا هذا مع الماركسية ، فالمادّية التأريخية التي تناولناها في القسم الأوّل من البحث هي : علم قوانين الإنتاج في تطوّره ونموّه ونتائجه الاجتماعية في مختلف الحقول الاقتصادية والسياسية والفكرية ، وبكلمة أخرى : هي علم الاقتصاد الماركسي الذي يفسّر التأريخ كلّه تفسيراً اقتصادياً ، في ضوء القوى المنتجة والمذهب الماركسي : هو النظام الاجتماعي الذي تتزّعم الماركسية الدعوة إليه ، وقيادة الإنسانية إلى تحقيقه فالماركسية تقف في المادّية التأريخية موقف العالم الطبيعي من قوانين الطبيعة وتقف بصفتها المذهبية موقف الدعوة والتبشير

١٩٤

وبالرغم من هذين الوجهين المختلفين للعلم والمذهب ، فإنّ الصلة وثيقة جداً بين المادّية التأريخية والماركسية المذهبية لأنّ المذهب ـ الذي تتبنّى الماركسية الدعوة إليه ـ ليس في الحقيقة إلاّ تعبيراً قانونياً وشكلاً تشريعياً لمرحلة معيّنة من مراحل المادّية التأريخية ، وجزءاً محدوداً من المنحنى التأريخي العام ، الذي تفرضه حركة الإنتاج الصاعدة وقوانين تطوّره وتناقضاته فالماركسية حين تتقمّص ثوب الداعية المذهبي إنّما تعبّر بذلك عن الحقيقة التأريخية لتلك القوانين فهي لا تنظر الدعوة إلاّ بوصفها تنفيذاً لإرادة التأريخ وتحقيقاً لمقتضيات العامل الاقتصادي الذي يقود القافلة البشرية اليوم نحو مرحلة جديدة ، هي المرحلة التي تتجسّد فيها مخطّطات المذهب الماركسي .

ولهذا السبب كان يطلقماركس على مذهبه اسم : (الاشتراكية العلمية ) ، تمييزاً لها عن سائر الاشتراكيات التي عبّر أصحابها فيها عن اقتراحاتهم ومشاعرهم النفسية وليس عن الضرورة التأريخية وقوانينها ، فصاغوا مذاهبهم بعيدين عن الحساب العلمي ودراسة القوى المنتجة ونموّها

وفي المذهب الماركسي مرحلتان تطالب الماركسية ـ من ناحية مذهبية ـ بتطبيقهما تباعاً ، وتؤكّد ـ من ناحية المادّية التأريخية ـ على ضرورتهما التأريخيّة كذلك ، وهما : المرحلة الاشتراكية ، ثمّ الشيوعية فالشيوعية تعتبر من ـ وجهة رأي المادّية التأريخية ـ أعلى مرحلة من مراحل التطوّر البشري ؛ لأنّها المرحلة التي يحقّق فيها التأريخ معجزته الكبرى ، وتقول فيها وسائل الإنتاج كلمتها الفاصلة وأمّا المرحلة الاشتراكية التي تقوم على أنقاض المجتمع الرأسمالي ، وتحتل موقع الرأسمالية مباشرة ، فهي : من ناحية تعبّر عن الثورة التأريخية المحتومة على الرأسمالية حين تأخذ بالاحتضار ، ومن ناحية أخرى تعتبر شرطاً ضرورياً لإيجاد المجتمع الشيوعي ، وقيادة السفينة إلى شاطئ التأريخ

١٩٥

ما هي الاشتراكية والشيوعية ؟

ولكلّ من المرحلتين ـ الاشتراكية والشيوعية ـ معالمها الرئيسية التي تميّزها عن المرحلة الأخرى فإنّ المرحلة الاشتراكية تتلخّص معالمها الرئيسية وأركانها الأساسية فيما يلي :

أوّلاً : محو الطبقية وتصفية حسابها نهائياً بخلق المجتمع اللاطبقي .

وثانياً : استلام البروليتاريا للأداة السياسية ، بإنشاء حكومة دكتاتورية قادرة على تحقيق الرسالة التأريخية للمجتمع الاشتراكي .

وثالثاً : تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج الرأسمالية في البلاد ـ وهي الوسائل التي يستثمرها مالكها عن طريق العمل المأجور ـ واعتبارها ملكاً للمجموع

ورابعاً : قيام التوزيع على قاعدة : (مِن كلٍّ حَسْبَ طاقته ، ولكلٍّ حَسْب عمله ) .

وعندما تصل القافلة البشرية إلى قمّة الهرم التأريخي ، أو إلى الشيوعية الحقيقة يحدث التطوّر والتغبير في أكثر تلك المعالم والأركان فالشيوعية تحتفظ بالركن الأوّل من أركان الاشتراكية ، وهو محو الطبقية ، وتتصرّف في سائر مقوماتها وأركانها الأخرى فبالنسبة إلى الركن الثاني تضع الشيوعية حداً نهائياً لقصّة الحكومة والسياسة على مسرح التأريخ ، حيث تقضي على حكومة البروليتاريا ، وتحرر المجتمع من نير الحكومة وقيودها كما أنّها لا تكتفي بتأميم وسائل الإنتاج الرأسمالية فحسب ، كما تقرر الاشتراكية في الركن الثالث ، بل تذهب إلى أكثر من هذا ، فتلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الفردية أيضاً ( وهي التي يستثمرها المالك بنفسه لا عن طريق الأُجراء ) وكذلك تحرّم الملكية الخاصة لبضائع الاستهلاك وأثمانها .

وبكلمة شاملة : تلغي الملكية الخاصة إلغاءً تاماً في الحقلين الإنتاجي والاستهلاكي معاً ، وكذلك تجري تعديلاً حاسماً في القاعدة التي يقوم على أساسها التوزيع في الركن الرابع ، إذ تركز التوزيع على قاعدة : (من كلٍّ حَسْب طاقته ، ولكلٍّ على حَسْب حاجته )

هذا هو المذهب الماركسي بكلتا مرحلتيه : الاشتراكية والشيوعية ومن الواضح أنّ لدراسة المذهب ـ أيّ مذهب ـ أساليب ثلاثة :

الأوّل : نقد المبادئ والأسس الفكرية التي يرتكز عليها المذهب .

والثاني : دراسة مدى انطباق تلك المبادئ والأسس على المذهب الذي أقيم عليها

١٩٦

والثالث : بحث الفكرة الجوهرية في المذهب من ناحية إمكان تطبيقها ، ومدى ما تتمتّع به الفكرة من واقعية وإمكان ، أو استحالة وخيال من ناحية أخرى

وسوف نأخذ في دراستنا للمذهب الماركسي بهذه الأساليب الثلاثة مجتمعة

نقد المذهب بصورة عامة

ونواجه منذ البدء في دراسة الماركسية المذهبية ـ على ضوء الأساليب السابقة ـ أهم وأخطر سؤال على صعيد البحث المذهبي ، وهو السؤال عن الدليل الأساسي الذي يرتكز عليه المذهب ، ويبرّر بصورة منطقية الدعوة إليه وتبنّيه ، وبالتالي تطبيقه وبناء الحياة على أساسه

إنّماركس لا يستند في تبرير الاشتراكية والشيوعية إلى قِيم ومفاهيم خلقية معينة في المساواة ، كما يتّجه إلى ذلك غيره من الاشتراكيين الذين يصفهمماركس بأنّهم : خياليون وذلك لأنّ القيم والمفاهيم الخُلقية ليست في رأي الماركسية إلاّ وليدة العامل الاقتصادي ، والوضع الاجتماعي للقوى المنتجة فلا معنى للدعوة إلى وضع اجتماعي على أساس خُلقي بحت .

وإنّما يستندماركس إلى قوانين المادّية التأريخية ، التي تفسر حركة التأريخ في ضوء تطوّرات القوى المنتجة وأشكالها المختلفة فهو يعتبر تلك القوانين الأساس العلمي للتأريخ ، والقوّة التي تصنع له مراحله المتعاقبة في نقاط زمنية محدّدة ، وفقاً لوضع القوى المنتجة وشكلها الاجتماعي السائد

ويرى في هذا الضوء : أنّ الاشتراكية نتيجة محتومة لتلك القوانين التي تعمل عملها الصارم في سبيل تحويل المرحلة الأخيرة للطبقة ـ وهي المرحلةالرأسمالية ـ إلى مجتمع اشتراكي لا طبقي أمّا كيف تعمل قوانين المادّية التأريخية الماركسية على أنقاض الرأسمالية ؟! فهذا ما يشرحه ماركس ـ كما مرّ بنا سابقاً ـ في بحوثه التحليلية للاقتصاد الرأسمالي ، التي حاول أن يكشف فيها عن التناقضات الجذرية التي تسوق الرأسمالية ـ وفقاً لقوانين المادّية التأريخية ـ إلى حتفها ، وتصل بالركب البشري إلى المرحلة الاشتراكية ، وبكلمات قلائل : إنّ قوانين المادّية التأريخية هي القاعدة العامة لكلّ مراحل التأريخ في رأي ماركس ، والأسس التحليلية في الاقتصاد الماركسي ـ كقانون القيمة ، ونظرية القيمة الفائضة ـ هي عبارة عن محاولة تطبيق تلك القوانين على المرحلة الرأسمالية ، والاشتراكية المذهبية هي النتيجة الضرورية لهذا التطبيق ، والتعبير المذهبي عن المجرى التأريخي المحتوم للرأسمالية ، كما تفرضه القوانين العامّة للتأريخ .

١٩٧

ونحن في بحثنا الموسّع عن المادّية التأريخية ـ بقوانينها ومراحلها ـ قد انتهينا إلى نتائج غير ماركسية فقد عرفنا بوضوح أنّ الواقع التأريخي للإنسانية لا يسير في موكب المادّية التأريخية ، ولا يستند محتواه الاجتماعي من وضع القوى المنتجة وتناقضاتها وقوانينها كما تبينّا ـ من خلال دراستنا لقوانين الاقتصاد الماركسي ـ خطأ الماركسية في الأسس التحليلية التي فسّرت في ضوئها تناقض الرأسمالية من جهات شتى ، وزحفها المستمر نحو نهايتها المحتومة فإنّ تلك التناقضات كانت ترتكز كلّها على القانون الماركسي للقيمة ونظرية القيمة الفائضة فإذا انهارت هاتان الركيزتان تداعى البناء كلّه

وحتى إذا افترضنا أنّ الماركسيّة كانت على صواب في دراستها التحليلية للاقتصاد الرأسمالي ، فإنّ تلك الأسس إنّما تكشف عن القوّة أو التناقضات التي تحكم على الرأسمالية بالموت البطيء حتى تلفظ آخر أنفاسها ، ولكنّها لا تبرهن على أنّ الاشتراكية الماركسية هي البديل الوحيد الذي يحلّ محلّ الرأسمالية في المجرى التأريخي للتطوّر ، بل هي تفسح المجال لأشكال اقتصادية متعدّدة أن تحتلّ مركز الرأسمالية من المجتمع ، سواء الاشتراكية الماركسية كاشتراكية الدولة بلون من ألوانها ، أو الاقتصاد المزدوج من أشكال متعدّدة للملكية ، أو إعادة توزيع الثروة من جديد على المواطنين في إطار الملكية الخاصة ، وما إلى ذلك من أشكال تعالج أزمة الرأسمالية دون الاضطرار إلى الاشتراكية الماركسيّة .

وبذلك تخسر الماركسية المذهبية برهانها العلمي ، وتفقد طابع الضرورة التأريخية الذي كانت تستمدّه من قوانين المادّية التأريخية ، والأسس الماركسية في التأريخ والاقتصاد وبعد أن تنزع الفكرة المذهبية عنها الثوب العلمي تبقى في مستوى سائر الاقتراحات المذهبية

١٩٨

[ نقد تفصيلي للمذهب ]

الاشتراكية :

ولنأخذ الآن بدراسة الأركان والمعالم الرئيسية للاشتراكية بشيءٍ من التفصيل

[١ ـ محو الطبقية : ]

فالركن الأوّل : هو محو الطبقية الذي يضع حداً فاصلاً لما زخر به تأريخ البشرية ـ على مرّ الزمن ـ من ألوان الصراع ؛ لأنّ مردّ تلك الألوان إلى التناقض الطبقي الذي نتج عن انقسام المجتمع إلى مالكين ومعدمين ، فإذا قامت الاشتراكية وحوّلت المجتمع إلى طبقة واحدة زال التناقض الطبقي ، واختفت كلّ ألوان الصراع ، وساد الوئام والسلام إلى الأبد .

وتقوم الفكرة في هذا على أساس رأي المادّية التأريخية القائل : إنّ العامل الاقتصادي هو العامل الأساسي الوحيد في حياة المجتمع فقد أدّى هذا الرأي بالماركسية إلى القول : بأنّ حالة الملكية الخاصة التي قسّمت المجتمع إلى مالكين ومعدمين ، هي الأساس الواقعي للتركيب الطبقي في المجتمع ، ولكل ما يتمخّض عنه هذا التركيب من تناقض وصراع وما دام المجتمع الاشتراكي يلغى الملكية الخاصة ، ويؤمّم وسائل الإنتاج فهو ينسف الأساس التأريخي للطبقية ، ويصبح من المستحيل أن يواصل التركيب الطبقي وجوده بعد زوال الشروط الاقتصادية التي كان يرتكز عليها .

وقد عرفنا في دراستنا للمادّية التأريخية : أنّ العامل الاقتصادي ، ووضع الملكية الخاصة ، ليس هو الأساس الوحيد لكلّ التركيبات الطبقية على مسرح التأريخ فكم من تركيب طبقي كان يقوم على أسس عسكرية أو سياسية أو دينية ؟! كما رأينا فيما سبق فليس من الضروري تأريخياً أن تختفي الطبقية بإزالة الملكية الخاصة ، بل من الممكن أن يحدث للمجتمع الاشتراكي تركيب طبقي على أساس آخر

ونحن إذا حلّلنا المرحلة الاشتراكية وجدنا أنّها تؤدّي ـ بطبيعتها الاقتصادية والسياسية ـ إلى خلق لون جديد من التناقض الطبقي بعد القضاء على الأشكال الطبقية السابقة .

١٩٩

أمّا الطبيعة الاقتصادية للمرحلة الاشتراكية ، فتمثّل في مبدأ التوزيع القائل : (من كلٍّ حسب طاقته ، ولكلٍّ حسب عمله ) وسوف نرى عند دراسة هذا المبدأ : كيف أنّه يؤدّي إلى خلق التفاوت من جديد ؟! فلنأخذ الآن الطبيعة السياسية للمرحلة الاشتراكية بالبحث والتمحيص .

إنّ الشرط الأساسي للتجربة الثورة الاشتراكية أن تتحقّق على أيدي ثوريين محترفين يتسلّمون قيادتها إذ ليس من المعقول أن تباشر البروليتاريا بجميع عناصرها قيادة الثورة وتوجيه التجربة ، وإنّما يجب أن تمارس نشاطها الثوري في ظلّ القيادة والتوجيه لذلك أكّد لينين ـ بعد فشل ثورة (١٩٠٥م) ـ على : أنّ الثوريين المحترفين هم وحدهم الذين يستطيعون أن يؤلّفوا حزباً جديداًبلشفيِّ الطراز (١) وهكذا نجد أنّ القيادة الثورية للطبقة العاملة كانت ملكاً طبيعياً لمن يدعون أنفسهم بالثوريين المحترفين ، كما كانت القيادة الثورية للفلاحين والعمّال في ثورات سابقة ملكاً لأشخاص ليسوا من الفلاحين والعمّال ، مع فارق واحد بين الحالين ، وهو أنّ الامتياز القيادي للأشخاص في المرحلة الاشتراكية لا يعبّر عن نفوذ اقتصادي ، وإنّما ينشأ عن خصائص فكرية وثورية وحزبية خاصة

وقد كان هذا اللون الثوري والحزبي ستاراً على واقع التجربة الاشتراكية التي مرّت بها أوروبا الشرقية حَجَبَ الحقيقة عن الناس ، فلم يستطيعوا أن يتبيّنوا ـ بادئ الأمر ـ في تلك القيادة الثورية للتجربة الاشتراكية ، بذرة لأفظع ما تصف الماركسية من ألوان الطبقية في التأريخ ؛ لأنّ هذه القيادة يجب أن تستلم السلطة بشكل مطلق لطبيعة المرحلة الاشتراكية في رأي الماركسية القائل : بضرورة قيام دكتاتورية وسلطة مركزية مطلقة ؛ لتصفية حسابات الرأسمالية نهائياً فقد وصف( لينين ) طبيعة السلطة في جهاز الحزب التي تمتلك السلطة الحقيقة في البلاد خلال الثورة قائلاً :

( في المرحلة الراهنة من الحرب الأهلية الحادّة ، لا يمكن لحزب شيوعي أن يقدر على أداء واجبه إلاّ إذا كان منظّماً بأقصى نمط مركزي ، وإلاّ إذا سيطر عليه نظام حديدي يوازي النظام العسكري ، وإلا إذا كان جهازه المركزي جهازاً قوياً متسلّطاً يتمتّع بصلاحيات واسعة وبثقة أعضاء الحزب الكلّية ) .

ـــــــــــــــ

(١) قيود الملكية الخاصة : ٨٩ ، نقله عن القانون الدستوري والنظم السياسية ، القسم الثالث : ١١٦ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741