اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152617 / تحميل: 9465
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١: -

النص والاجتهاد

تأليف الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس الله سره

تحقيق وتعليق أبو مجتبى

بسم الله الرحمن الرحيم(١)

[ خطبة الكتاب ]

الحمد لله الذي اختص عبده ورسوله محمدا بما اختصه به من الكرامة والمنزلة والزلفى لديه، فعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاه من الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين، و " الله أعلم حيث يجعل رسالته " فختم به النبوة والوحي ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة المتعلقة بأفعال المكلفين(٢) فحلال محمد هو الحلال إلى يوم القيامة، وكذلك حرامه وسائر أحكامه(٣) ، سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وهذا مما أجمع عليه

____________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد والأئمة من آله شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء وعلى الصالحين من ذريتهم ومواليهم في كل خلف ورحمة الله وبركاته (منه قدس).

(٢) دون ما كان منها متعلقا بأصول الدين كالتوحيد والعدل والنبوة والبعث والجنة والنار والثواب والعقاب، فان هذه وأمثالها مما جاء به آدم وسائر من بعده من الأنبياء حتى خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين (منه قدس).

(٣) مضمون الحديث القائل: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة. وسائل الشيعة ج ١٨ / ١٢٤ ح ٤٧ (*).

٢١

كافة، كإجماعهم على نبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينبس(١) منهم واحد بكلمة من خلاف فيه، ولا رتم بها أبدا. وقد علموا - ولله الحمد - ان الشرائع الإسلامية قد وسعت الدنيا والآخرة بنظمها وقوانينها وحكمتها في جميع أحكامها وقسطها في موازينها، وانها المدنية الحكيمة الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كل مكان وزمان، على اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم.

لم يبق شارع الإسلام " وهو علام الغيوب جل وعلا " غاية الا أوضح سبيلها وأقام لأولي الألباب دليلها، وحاشاه تعالت آلاؤه أن يوكل الناس إلى آرائهم، أو يذرهم يسرحون في دينه على غلوائهم، بل ربطهم - على لسان عبده وخاتم رسالته - بحبليه، وعصمهم بثقليه، وبشرهم بالهدى ما ان أخذوا بهديهما، وأنذرهم الضلال ان لم يتمسكوا بهما، واخبرهم انهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما حتى يردا عليه الحوض(٢) ، فهما معا مفزع الأمة ومرجعها بعد نبيها، فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلف عنهما أو عن أحدهما مفارق لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

____________________

(١) أي ما تكلم، وكذا ما نبس ولا رتم (منه قدس).

(٢) أشارة إلى حديث الثقلين الآتي مع مصادره تحت رقم - ١٥ -.

(٣) مشيرا إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن وعترته: " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم " راجع الحديث في: الصواعق المحرقة ص ١٤٨ و ٢٢٦ ط المحمدية وص ٨٩ و ١٣٦ ط الميمنية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٣ ط بيروت، كنز العمال ج ١ ص ١٦٨ ح ٩٥٨ ط ٢، الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠ ط مصر، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤١ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٧ و ٢٩٦ ط اسلامبول، الغدير للأميني ج ١ ص ٣٤ وج ٣ ص ٨٠ ط بيروت.

٢٢

مثلهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قومه(٤) ، فليس لأحد - وان عظم شأنه - أن يتبع غير سبيلهم،( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (٥)

وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن الله تعالى آية أو عن رسوله سنة الا على ظاهرهما المتبادر منهما إلى الأذهان، وليس له أن يحيد عن الظاهر المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة، الا بسلطان مبين، فان كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره عمل بمقتضاه، والا فقد ضل وابتدع.

هذا ما عليه الأمة المسلمة - امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله - بجميع مذاهبها، فان من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة، فضلا عن نصوصها الصريحة.

جروا في الأخذ بهما، والعمل على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل اللغات كلها، فان أهل اللغات بأسرهم انما يحملون ألفاظهم المطلقة على ما يسبق منها إلى أذهانهم من المعاني، لا يتأولون منها - عند انطلاقها - شيئا، ولا يحملونها على ما تقتضيه أغراضهم ومصالحهم، شخصية كانت أم عامة.

نعم رأيت - بكل أسف - بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة ونصوصهما

____________________

(٤) مشيرا إلى حديث السفينة الآتي تحت رقم (١٧) فراجع.

(٥) أخرج ابن مردويه في تفسير الآية: ان المراد بمشاققة الرسول هنا انما هي المشاققة في شأن علي وان الهدى في قوله بعد ما تبين له الهدى انما هو شأنهعليه‌السلام وأخرج العياشي في تفسيره نحوه، والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، في ان سبيل المؤمنين انما هو سبيلهمعليهم‌السلام (منه قدس). تفسير على بن إبراهيم القمي ج ١ ص ١٥٢ ط النجف، البرهان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٤١٥ ط طهران. (*)

٢٣

الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على معارضتهما طوعا وكرها بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة ولا دبرة(١) فانا لله وإنا إليه راجعون.

وقد قال الله تعالى:( ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) )

وقال عز سلطانه:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (٣) )

( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (٤) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (٥) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٦) )

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٧) .

فنطقهصلى‌الله‌عليه‌وآله كالقرآن الحكيم( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٨)

فليس لمن يؤمن بهذه الآيات أو يصدق بنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها، وما كان القوم كحائدين، وانما كانوا كمجتهدين متأولين( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فانا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١) أي لا يعرف له وجه (منه قدس).

(٢) الحشر آية ٧.

(٣) الأحزاب آية ٣٦.

(٤) النساء آية ٦٥.

(٥) التكوير آية ١٩.

(٦) الحاقة آية ٤٠.

(٧) النجم آية ٣.

(٨) فصلت آية ٤٢ (*).

٢٤

واليك في كتابنا هذا (النص والاجتهاد) من موارد تأولهم للنصوص واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة، وبلابل المحن والإحن ونوائب الزمن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

فخذها إليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها ولك بعد ذلك رأيك، والله الهادي إلى الحق والصواب، واليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٦: -

[ الفصل الأول ] [ تأول أبى بكر واتباعه ] [ المورد (١) يوم السقيفة ]

إذ بسط أبو بكر يده ليبايع بالخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعه من بايعه طوعا، وبايعه - بعد ذلك - آخرون كرها(٦) مع علمهم جميعا بعهد رسول

____________________

(٦) وقد تخلف عن بيعة أبى بكر جماعة منهم: ١ - على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - الفضل بن العباس ٤ - عتبة بن أبى لهب ٥ - سلمان الفارسي ٦ - أبو ذر الغفاري ٧ - عمار بن ياسر ٨ - المقداد ٩ - البراء بن عازب ١٠ - أبى بن كعب ١١ - سعد بن أبى وقاص ١٢ - طلحة بن عبيد الله ١٣ - الزبير بن العوام ١٤ - خزيمة بن ثابت ١٥ - فروة بن عمرو الأنصاري ١٦ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٧ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى مات في خلافة عمر. وجماعة من بني هاشم راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٢٥٩ ط ٢ بمصر وج ٢ ص ٢٥١ ط آخر و =>

٢٥

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بها إلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، وقد رأوه وسمعوه ينص عليه مستمرا في تكرار هذا النص من مبدأ أمره - في نبوته - إلى منتهى عمره الشريف. ويورده بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) (٧) إذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ومربي العلماء الأعلام الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر يومئذرحمه‌الله تعالى، أيام كنا في خدمته(١) وكان إذ ذاك شيخ الأزهر، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصوصها مناظرات

____________________

=> ج ٣ ص ٦٤ ط آخر أيضا، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ ص ١٠٥ ط ٣ بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ١٣١ - ١٣٤ ط ١ بمصر، الغدير للأميني ج ٥ ص ٣٧٠ - ٣٧١ وج ٧ ص ٧٦ و ٧٧ ط بيروت، مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٣٠١ ط دار الأندلس بيروت، أسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ٢٢٢ ط مصر، تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٨ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٣١ ط دار صادر، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٣ و ١٠٥ ط الغرى، سمط النجوم العوالي للعاصمى المكى ج ٢ ص ٢٤٤ ط السلفية، السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٦ ط البهية بمصر.

استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر. راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ٢١٩ وج ٦ ص ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل وج ١ ص ٧٤ وج ٢ ص ٤ - ١٩ ط ١، وغيرها.

(٧) وكتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) المطبوع ملحقا بالمراجعات ط بغداد والطبعة الثانية في بيروت ١٤٠٢ ه‍.

(١) وذلك سنة ١٣٢٩ والتي بعدها بعد رجوعنا من الجامعة العلمية في النجف الأشرف (منه قدس) (*).

٢٦

ومراجعات خطية، بذلنا الوسع فيها ايغالا في البحث والتمحيص، وإمعانا فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق، فكانت تلك المراجعات بيمن نقيبة الشيخ سفرا من انفع أسفار الحق، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره والحمد لله على التوفيق(١) .

وها هي تلك، منتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث، وقلب واع لما يقوله الفريقان، ورأي جميع ولب رصين، فلا تفوتنكم أيها الباحثون. نعم لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه.

أمعنوا في أهداف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومراميه من أقواله وأفعاله. التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور، ولا تغلبنكم العاطفة على إفهامكم وعقولكم، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول، لا يأبهون بشئ من صحتها، ولا من صراحتها، والله تعالى يقول:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٨) فأين تذهبون، أيها المسلمون( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٩) .

ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة، والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. على ان حياة النبي بعد النبوة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص منذ يوم الإنذار في دار أبي طالب(١٠) فما بعده من الأيام حتى سجيصلى‌الله‌عليه‌وآله على فراش الموت

____________________

(١) وقد بلغت مائة واثنتي عشرة مراجعة (منه قدس).

(٨) سورة التكوير آية: ١٩ - ٢٢.

(٩) سورة الحاقة آية: ٣ - ٥.

(١٠) إذا دعا عشيرته الأقربين لينذرهم، وكان آخر كلامه معهم ان أخذ بيد على =>

٢٧

..

____________________

=> فقال: ان هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فلتراجع المراجعة ٢٠ والتي بعدها من المراجعات (منه قدس).

حديث الدار يوم الإنذار وفيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىعليه‌السلام : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".

راجع: تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣١٩ - ٣٢١ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ط دار صادر في بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٣ ص ٢١٠ و ٢٤٤ وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج ١ ص ٣١١ ط البهية بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ ط الميمنية بمصر، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧١ ح ٥١٤ و ٥٨٠ ط ١ بيروت، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٢ ط ١ وج ١٥ ص ١١٥ ح ٣٣٤ ط ٢، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ ص ٨٥ ح ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤١ ط ١ بيروت، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص ١٠٤ الطبعة الأولى سنة ١٣٥٤ ه‍

وفى الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب حذف من الحديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " وان يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم " ! وأكبر شاهد مراجعة الطبعة الأولى والطبعات الأخرى، جريدة السياسة المصرية لمحمد حسين هيكل ملحق عدد - ٢٧٥١ - بتاريخ ١٢ ذي القعدة ١٣٥٠ ه‍ ص ٥ وص ٦ من ملحق عدد: - ٢٧٨٥ - ذكر الحديث بتمامه، تفسير الخازن ج ٣ ص ٣٧١ و ٣٩٠ ط مصر، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج ٢ ص ١١٨ ط ٣، تفسير الطبري ج ١٩ ص ١٢١ ط ٢ ولكن المؤلف أو الطابع حرف آخر الحديث فحذف قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم " وذكر بدله " ان هذا أخي وكذا وكذا ! ! " فيا للعجب لهذه الأعمال التي تنطوي على الحقد الدفين والحسد المشين مع انه ذكر الحديث تاما في تاريخه ج ٢ ص ٢١٩ كما تقدم. وبلفظ آخر: وفيه نزل قوله تعالى: "( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) " الشعراء: ٢١٤ يوجد في =>

٢٨

والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي. وقد قدمت إليكم الا أني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ". ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض "(١١) . وكفى بنصوص

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧٢ ح ٥١٤ وج ٢ ص ٤٢٠ ح ٥٨٠ ط ١ بيروت، مسند أحمد ج ١ ص ١١١ ط الميمنية بمصر، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٠٤ - ٢٠٦ ط الحيدرية وص ٨٩ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى الحنفي ص ٣٨ ط الحيدرية وص ٤٤ ط النجف، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٦ ط ١ وج ١٥ ص ١١٣ و ١١٥ ط ٢، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ و ٤٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٠٥ ط اسلامبول وص ١٢٢ ط الحيدرية، تاريخ أبى الفداء ج ١ ص ١١٩ ط القسطنطنية، الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ٩٧ ط مصر، تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٣٥١ ط مصر. وبلفظ ثالث يوجد في: خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٨٦ ط الحيدرية وص ٣٠ ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٨٣ ط النجف، مجمع الزوائد ج ٨ ص ٣٠٢ وج ٩ ص ١١٣ ط القدسي. ولاجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) تحت رقم - ٧١١ - ط بيروت .

(١١) يوجد في: الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٥ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٣٤٢ ط الحيدرية.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " علي مع القرآن والقرآن مع على لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يوجد في: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٢٤ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك ج ٣ ص ١٢٤ وصححه أيضا، المناقب للخوارزمي الحنفي =>

٢٩

الثقلين حكما بين الفريقين(١٢) ، وخصائص علي كل نص جلي:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (١٣) .

استأثروا بالأمر يوم السقيفة، متأولين نصوص لا يلوون على شئ، وقد قضوا أمرهم بينهم بدون أن يؤذنوا به أحدا من بني هاشم وأوليائهم(١٤) وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، حتى كأنهمعليهم‌السلام لم يكونوا ثقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأعدال كتاب الله عزوجل(١٥) .

____________________

=> ص ١١٠ ط الحيدرية وص ١٠٧ ط تبريز، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٥٥ ط دار النصر بالقاهرة، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٤ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣ ط السعادة، إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، الغدير للأميني ج ٣ ص ١٨٠ ط بيروت، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعيدية، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية وج ١ ص ٣٨ و ٨٨ وج ٢ ص ١٠ و ٦١ و ١٠٨ و ١١٠ ط العرفان بصيدا، فيض القدير للشوكاني ج ٤ ص ٣٥٨، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ ص ٢٤٢ ط مصر، غاية المرام ص ٥٤٠ (باب) ٤٥ ط ايران، أسنى المطالب للحوت ص ٢٠١ ح ٨٩٨.

(١٢) سوف تأتى مصادره تحت رقم (١٥)

(١٣) سورة ق: ٣٧.

(١٤) لم يحضر أحد من بني هاشم السقيفة بل كانوا متخلفين راجع المصادر تحت رقم (٦)

(١٥) إشارة إلى النصوص الصريحة في السنن الصحيحة، التي أنزلت العترة من منزلة الكتاب فجعلتهما القدوة لأولى الألباب، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرجها =>

٣٠

.

____________________

=> الترمذي والنسائي والإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيص المستدرك، وابن أبى شيبة وأبو يعلى في سننهما، وابن سعد في الطبقات، وغير واحد من أصحاب السنن بطرق متعددة وأسانيد كثيرة، والتفصيل في المراجعة ٨ من مراجعاتنا (منه قدس).

أقول: إشارة إلى مضمون الحديث المتواتر وهو حديث الثقلين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨ ط بيروت وج ١٣ ص ١٩٩ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ دار إحياء الكتب العربية بمصر، مصابيح السنة للبغوي ص ٢٠٦ ط القاهرة وج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٥٠٣ وج ٣ ص ٣٨٥ ط دار الكتب العربية، الشرف المؤبد للنبهاني أيضا ص ١٨ ط مصر، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٢ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٥ و ٤٤٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٤١ و ٣٧٠ ط اسلامبول

وبلفظ ثان قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الأخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٩ ط دار الفكر بيروت وج ١٣ ص ٢٠٠ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، نظم درر السمطين للزرندى ص ٢٣١ ط النجف، الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٧ و ٣٠٦ ط مصر، ذخائر العقبى ص ١٦ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ٨٩ ط الميمنية وص ١٤٧ و ٢٢٦ ط المحمدية، أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ١٢ =>

٣١

وأمان الأمة من الاختلاف(١٦)

____________________

=> ط مصر، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ١٣٥ ط دار النصر بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٠ و ٢٢٦ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٣٦ و ١٩١ و ٢٩٦ ط اسلامبول، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ ط مصر، عبقات الأنوار ج ١ من حديث الثقلين ص ٢٥ ط اصفهان، كنز العمال ج ١ ص ٤٤ ح ٨٧٤ ط ١ وج ١ ص ١٥٤ ط ٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٤٥١ ط مصر، تفسير الخازن ج ١ ص ٤ ط مصر، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح وص ٢٠٦ ط الخيرية، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق.

وفى لفظ ثالث عن زيد بن ثابت قال: " قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". راجع: الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٦. مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ط ١، فرائد السمطين للحموينى ج ٢ / ١٤٤ عن زيد بن ثابت قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدى ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ".

وعن أبى سعيد الخدري أيضا: " إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". الفضائل لأحمد بن حنبل ص ٢٠ ح ٣٥ ترجمة الحسين وح ٣٦. ويوجد هذا الحديث بألفاظ أخرى متعددة ومصادر كثيرة جدا ولأجل المزيد من الاطلاع راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٠ و ٣١ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ ط في بغداد وبيروت مع المراجعات).

(١٦) إشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم =>

٣٢

وسفينة نجاتها من الضلال(١٧) . وباب حطتها(١٨) .

____________________

=> قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم في ص ١٤٩ من الجزء ٣ من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (منه قدس). والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩١ و ١٤٠ ط الميمنية وص ١٥٠ و ٢٣٤ ط المحمدية وصححه، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٥٧ ط الحيدرية، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١. ولأجل المزيد من المصادر راجع كتاب (سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع ملحقا بالمراجعات في بغداد وبيروت تحت رقم - ٤١ -).

(١٧) إشا رة إلى ما أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبى ذر ص ١٥١ من الجزء ٣ من المستدرك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (منه قدس). وراجع أيضا: تلخيص المستدرك للذهبي، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٥ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى ص ٣٠ و ٣٧٠ ط الحيدرية وص ٢٧ و ٣٠٨ ط اسلامبول، الصواعق المحرقة ص ١٨٤ و ٢٣٤ ط المحمدية وص ١١١ و ١٤٠ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص، إسعاف الراغبين للصبان ص ١٠٩ ط السعيدية و ١٠٢ ط العثمانية، جواهر البحار ج ١ / ٣٦١، الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٥.

(١٨) إشارة إلى ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبى سعيد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة بني إسرائيل من دخله غفر له (منه قدس). راجع: كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٨ ط الحيدرية وص ٢٣٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٨، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢ ط دار =>

٣٣

وكأنهم لم يكونوا من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس(١٩) بل كأنهم انما كانوا ممن عناهم الشاعر في المثل السائر.

____________________

=> النصر بمصر، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٣ ط الحلبي، ينابيع المودة ص ٢٨ و ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٠ و ٣٥٨ ط الحيدرية، رشفة الصادى لأبي بكر الحضرمي ص ٧٩ ط مصر، الصواعق المحرقة ص ٩١ ط الميمنية وص ١٥٠ ط المحمدية وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وان شئت المزيد فراجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٩ و ٤٠) ففيهما عشرات المصادر.

وفى لفظ آخر يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". يوجد في: حلية الأولياء ج ٤ ص ٣٠٦ ط السعادة بمصر، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى الشافعي ص ١٣٢ ح ١٧٣ و ١٧٦ ط ١ بطهران، ذخائر العقبى ص ٢٠ ط القدسي، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٨، إحياء الميت ص ١١٣، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ١٣٢ ط الميمنية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٣ / ١٢٣ ط مصر، ينابيع المودة ص ١٨٧ و ١٩٣ ط اسلامبول وص ٢٢١ و ٢٢٨ ط الحيدرية، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ١٠٤ ط مطبعة الزهراء. وغيرها من المصادر.

(١٩) نقل الإمام الصبان في كتابه - إسعاف الراغبين - والشيخ يوسف النبهاني في - الشرف المؤبد - وغير واحد من الثقات بالإسناد إلى أبى ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدى الرأس الا بالعينين، ومن أراد تفصيل هذه الأحاديث وما يجرى مجراها فعليه بمراجعاتنا، ولا سيما المراجعة ٦ وما بعدها حتى المراجعة ١٣ (منه قدس). راجع: إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١٠ ط السعيدية وص ١٠٢ ط العثمانية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكى ص ٨ ط الحيدرية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٢ ط بيروت، الشرف المؤبد للنبهاني. (*)

٣٤

ويقضي الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود(٢٠)

أجل قضي الأمر في السقيفة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقى بين عترته الطاهرة وأوليائهم ثلاثة أيام، وهم حوله يتقطعون حسرات، ويتصعدون زفرات قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهم والغم ما يذيب لفائف القلوب، ومن الرعب والوجل ما تميد به الجبال ومن الهول والفرق ما أطار عيونهم، وضيق الأرض برحبها عليهم.

وأولئك في معزل عن المسجى ثلاثا - بأبي وأمي - يرهفون لسلطانه عزائمهم ويشحذون لملكه آراءهم، لم يهتموا في شئ من أمره، حتى قضوا أمرهم مستأثرين به. وما ان فاءوا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم، أو التحريق عليهم(٢١) كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة :

____________________

(٢٠) هذا البيت.

(٢١) تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، وحسبك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة) كما في ص ١٣٠ وفى ص ١٣٤ من المجلد الأول من شرح النهج الحميدى. وأخرجه ابن جرير الطبري في موضعين في أحداث السنة الحادية عشرة من تاريخ الأمم والملوك. وذكره ابن قتيبة في أوائل كتابه - الإمامة والسياسة -. وابن عبد ربه المالكي في حديث السقيفة في الجزء الثاني من العقد الفريد.

والمسعودي في مروج الذهب نقلا عن عروة بن الزبير في مقام الاعتذار عن أخيه عبدالله، إذ هم بالتحريق على بني هاشم حين تخلفوا عن بيعته. وابن الشحنة حيث ذكر بيعة السقيفة في كتابه (روضة المناظر). وأبو الفداء حيث أتى على ذكر أخبار أبى بكر في تاريخه الموسوم بالمختصر في أخبار البشر. ورواه الشهرستاني عن النظام عند ذكره للفرقة النظامية من كتاب - الملل والنحل - ونقله العلامة الحلي في (نهج الصدق) عن كتاب (المحاسن وأنفاس الجواهر) وغرر ابن خنزابة. وأفرد أبو مخنف لبيعة السقيفة كتابا فيه التفصيل (منه قدس) =>

٣٥

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقى عليك بها

ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها(٢٢)

فلو فرض ان لا نص بالخلافة على أحد من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرض كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب، أو أخلاق، أو جهاد، أو علم، أو عمل، أو إيمان، أو إخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل، بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان من مانع شرعي أو عقلي أو عرفي، يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ؟ ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية مؤقتا حتى يستتب أمر الخلافة ؟

أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين ؟ وهم وديعة النبي لديهم، وبقيته فيهم، وقد قال الله تعالى:( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢٣) أليس على حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الأمة، ويحرص على

____________________

=> تهديد عمر عليا وفاطمة بالإحراق: راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ١٢ ط مصر، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج ٤ / ٢٥٩ و ٦٠ ط ٢ بمصر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٤ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ٢ / ٥٦ وج ٦ / ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٧ ط دار الفكر، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٢ ط دار المعارف بمصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٥٧ ط بيروت، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٦، أعلام النساء ج ٣ / ١٢٠٧، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج ٧ / ١٦٤، بحار الأنوار ج ٢٨ / ٣٢٨ و ٣٣٩ ط الجديد، الغدير للأميني ج ٧ / ٧٧ ط بيروت، عبدالله بن سبأ ج ١ / ١٠٨ ط بيروت.

(٢٢) ديوان حافظ إبراهيم

(٢٣) سورة التوبة: ١٢٨ (*).

٣٦

سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - ان لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر - ؟ ! وحسبها يومئذ فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قارعة تفترش بها القلق، وتتوسد الأرق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء، فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى إلى حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها، وأجمع لكلمة الأمة، واقرب إلى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مهما كلفهم الأمر، فخافوا من التريث أن يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه، فان آل محمد إذا حضروا المشورة ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، واغتنموا اشتغال الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم إلى واجباتهم بتجهيز جنازتهم المفداة.

وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل أقدامهم، واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد الأوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الأمر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الأوسي، ومعن بن عدي حليف الأنصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما، فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعا فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين.

٣٧

فاحتدم الجدال بين المهاجرين والأنصار، واشتدت الخصومة حتى ارتفعت أصواتهم بها وكادت الفتنة أن تقع، فقام أبو بكر بكلام أثنى فيه على الأنصار، واعترف لهم بالجميل خاطبا ودهم بلين ورقة

واحتج عليهم: بأن المهاجرين شجرة رسول الله وبيضته التي تفقأت عنه، ورشحهم للوزارة إذا تمت للمهاجرين الإمرة، ثم أخذ بضبعي عمر وأبي عبيدة فأمر المجتمعين بمبايعة أيهما شاؤا، وما ان فعل ذلك حتى تسابق إلى بيعته عمر وبشير، وما ان بايعاه حتى تبارى إلى بيعته أسيد بن الحضير، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد(٢٤) واشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة بكل طريق، وكان أشدهم في ذلك عمر، ثم أسيد وخالد وقنفذ(١) بن عمير بن جدعان التميمي(٢٥) وما بويع أبو بكر حتى أقبلت به الفئة التي بايعته تزفه إلى مسجد

____________________

(٢٤) ولأجل المزيد من المصادر راجع: كتاب عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٨٢ - ١٣٢.

(١) كان هؤلاء مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمةعليها‌السلام وحسبك ما هو منقول عنهم في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج. وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري - كما في ص ١٣٠ من المجلد الأول من شرح النهج - قال: لما بويع أبو بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فخرج عمر حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، ومنك بعد أبيك وايم الله ما هذا بما نعى ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان آمر بتحريق البيت عليهم. (الحديث) (منه قدس).

(٢٥) استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر: راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١٩ وج ٦ / ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٧٤ وج ٢ / ٤ - ١٩ ط ١ بمصر .(*)

٣٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زفاف العروس(٢٦) والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمة لقي بين أولئك المولهين والمولهات من الطيبين والطيبات، فما وسع أمير المؤمنينعليه‌السلام حينئذ الا التمثيل بقول القائل ؟

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائل(٢٧)

وكانعليه‌السلام على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وانه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وان ذلك يوجب التغرير في الدين والخطر بالأمة، فاختار الكف احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح العام، وتقديما للأهم على المهم، عهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . صبر أمير المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى(١) .

نعم قعد في بيته ساخطا مما فعلوه، حتى أخرجوه كرها(٢٨) احتفاظا بحقه المعهود به إليه

____________________

(٢٦) نص على زفافه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص ٨ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس). وج ٦ / ١٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٧) نقل تمثله بهذا البيت أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب - السقيفة - كما في ص ٥ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس). شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٦ / ١٤ بتحقيق أبو الفضل.

(١) وتفصيل هذه الأمور كلها في رسالتنا - فلسفة الميثاق والولاية - وحسبك المراجعة ٨٢ و ٨٤ من كتابنا - المراجعات - فان فيهما من التفصيل ما يثلج الغليل. وكذلك التنبيه المعقود في الفصل الثامن من - فصولنا المهمة - فراجع (منه قدس).

(٢٨) أخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة - كما في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى - عن الشعبى حديثا قال فيه: فانطلق عمر وخالد بن الوليد إلى بيت فاطمة فدخل عمر ووقف خالد على الباب، فقال عمر للزبير: ما هذا =>

٣٩

واحتجاجه على من استبد به(٢٩) وما أبلغ حجته إذ قال مخاطبا لأبي بكر :

فأن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

____________________

=> السيف ؟ قال: أعددته لأبايع عليا. قال وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف وضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخرجوا الزبير إلى خالد ومن معه، وكان معه جمع كثير أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد، ثم قال عمر لعلى: قم فبايع. فتلكأ وأحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى فحملوه ودفعوه إلى خالد كما دفعوا الزبير وساقهما عمر ومن معه من الرجال سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله، (الحديث)، ومن استقصى ما كان منهم يومئذ تجلت له الحقيقة في قول أبى بكر عند موته: وددت إني لم أكشف عن بيت فاطمة ولو أغلق على حرب.

وأخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة أيضا من حديث أبى لهيعة عن أبى الأسود: ان عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم الله، وأخرجوا عليا والزبير يسوقهما عمر سوقا، وأخرج أبو بكر الجوهري: ان عمر جاء إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاجتمعوا عليه حتى ندر السيف من يده، فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يسوقهم سوقا عنيفا. (الحديث)، فراجعه في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج، وكل ما ذكرناه هنا تجده هناك (منه قدس).

أخراج الإمام أمير المؤمنين (ع) كرها لأجل البيعة: راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٣٣٥ ط لجنة التأليف والنشر في مصر وج ٢ / ٢٨٥ ط آخر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ٤١٥ ط أفست بيروت وج ٦ / ١١ و ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٩) مطالبة الإمام (ع) بحقه واحتجاجه عليهم =>

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

القوانين العلمية الاقتصاد الرأسمالي ذات إطار مذهبي

عرفنا فيما سبق : أنّ المذهب الرأسمالي ليس له طابع علمي ، ولا يستمدّ مبرراته ووجوده من القوانين العلمية في الاقتصاد ونريد هنا أن نصل إلى نقطة أعمق في تحليل العلاقة بين الجانب المذهبي والجانب العلمي من الرأسمالية ، لنرى كيف أنّ المذهب الرأسمالي يحدّد إطار القوانين العلمية في الاقتصاد الرأسمالي ، ويؤثّر عليها في اتجاهها ومجراها ؟ ومعنى هذا أنّ القوانين العلمية في الاقتصاد الرأسمالي قوانينٌ علمية في إطار مذهبي خاص ، وليست قوانين مطلقة تنطبق على كلّ مجتمع وفي كلّ زمان ومكان ، كالقوانين الطبيعية في الفيزياء والكيمياء ، وإنّما يعتبر كثير من تلك القوانين حقائق موضوعية في الظروف الاجتماعية التي تسيطر عليها الرأسمالية بجوانبها الاقتصادية وأفكارها ومفاهيمها ، فلا تنطبق على مجتمع لا تسيطر عليه الرأسمالية ولا تسوده أفكارها .

ولكي يتّضح هذا يجب أن نلقي ضوءاً على طبيعة القوانين الاقتصادية التي يدرسها الاقتصاد الرأسمالي ؛ لكي نعرف كيف وإلى أيّ درجة يمكن الاعتراف لها بصفة القانون العلمي ؟

[أقسام القوانين الاقتصادية : ]

إنّ القوانين العلمية للاقتصاد تنقسم إلى فئتين :

إحداهما : القوانين الطبيعية التي تنبثق ضرورتها من الطبيعة نفسها ـ لا من الإرادة الإنسانية ـ كقانون التحديد الكلّي ، القائل : إنّ كلّ إنتاج كان يتوقّف على الأرض وما تشتمل عليه من مواد أولية محدود طبقاً للكمّية المحدودة للأرض وموادّها الأولية أو قانون الغلّة المتزايدة ، القائل : إنّ كلّ زيادة في الإنتاج تعوّض على المنتج تعويضاً أكبر نسبياً ممّا زاده في الإنفاق حتى تبلغ الزيادة إلى درجة خاصة فتخضع عندئذٍ لقانون معاكس ، وهو قانون الغلّة المتناقصة ، الذي ينصّ على أنّ زيادة الغلّة تبدأ بالتناقص النسبي عند درجة معيّنة

وهذا القوانين لا تختلف في طبيعتها وجانبها الموضوعي عن سائر القوانين الكونية التي تكشف عنها العلوم الطبيعية ، ولذلك فهي لا تحمل شيئاً من الطابع المذهبي ، ولا تتوقّف على ظروف اجتماعية أو فكرية معيّنة ، بل لا تختلف في شأنها أبعاد الزمان والمكان ، ما دامت الطبيعة التي يتعلّق بها الإنتاج هي الطبيعة في كلّ زمان ومكان

٢٢١

والفئة الأخرى : من القوانين العلمية للاقتصاد السياسي ، تحتوي على قوانين للحياة الاقتصادية ذات صلة بإرادة الإنسان نفسه ، نظراً إلى أنّ الحياة الاقتصادية ليست إلاّ مظهراً من مظاهر الحياة الإنسانية العامة التي تلعب فيها الإرادة دوراً إيجابياً فعّالاً ، في مختلف شعبها ومناحيها فقانون العرض والطلب مثلاً ـ القائل : إنّ الطلب على سلعة إذا زاد ولم يكن في المقدور زيادة الكمّيات المعروضة استجابة للزيادة في الطلب فإنّ ثمن السلعة لا بدّ وأن يرتفع ـ ليس قانوناً موضوعياً يعمل بصورة منفصلة عن وعي الإنسان ، كما تعمل قوانين الفيزياء والفلك ، وكما تعمل القوانين الطبيعية في الإنتاج التي عرضناها في الفئة الأولى ، وإنّما يمثّل قانون العرض والطلب ظواهر الحياة الواعية للإنسان ، فهو يوضح أنّ المشتري سيقدم ـ في الحالة التي ينصّ عليها القانون الآنف الذكر ـ على شراء السلعة بثمن أكبر من ثمنها في حالة مساواة الطلب للعرض ، وأنّ البائع سيمتنع في تلك الحالة عن البيع إلاّ بذلك الثمن

وتدخّل الإرادة الإنسانية في مجرى الحياة الاقتصادية لا يعني إبعاد الحياة الاقتصادية عن مجال القوانين العلمية ، واستحالة البحث العلمي فيها ، كما ذهب إلى ذلك وَهْمُ بعض المفكّرين في بداية ولادة الاقتصاد السياسي ، إذ اعتقدوا : أنّ طابع الحتمية والضرورة للقوانين العلمية يتنافى مع طبيعة الحرّية التي تعكسها الإرادة الإنسانية فإذا أخضعت الحياة الإنسانية لقوانين علمية صارمة كان ذلك مناقضاً لما يتمتّع به الإنسان في حياته من حرّية وانطلاق ، إذ يصبح لدى خضوعه لتلك القوانين آلة جامدة تسير وتتكّيف ميكانيكياً طبقاً للقوانين الطبيعية التي تتحكّم في مجرى حياته الاقتصادية .

وهذا الوهم يرتكز على مفهوم خاطئ عن الحرّية الإنسانية وإدراك معكوس للعلاقة بين الحرّية والإرادة ، وبين تلك القوانين فإنّ وجود قوانين طبيعية لحياة الإنسان الاقتصادية لا يعني أنّ الإنسان يفقد حرّيته وإرادته ، وإنّما هي قوانين للإرادة البشرية تفسّر كيف يستعمل الإنسان حرّيته في المجال الاقتصادي فلا يمكن أن تعتبر إلغاء لإرادة الإنسان وحرّيته .

٢٢٢

[ اختلاف القوانين الاقتصادية عن سائر القوانين العلمية : ]

ولكنّ هذه القوانين الاقتصادية تختلف عن القوانين العلمية في مناحي الكون الأخرى في نقطة ، وهي : أنّ هذه القوانين نظراً إلى علاقتها بإرادة الإنسان تتأثّر بكلّ المؤثّرات التي تطرأ على الوعي الإنساني ، وبكلّ العوامل التي تتدخّل في إرادة الإنسان وميوله وبَدهيٌّ أنّ إرادة الإنسان التي تعالجها تلك القوانين تتحدّد وتتكّيف وفقاً لأفكار الإنسان ومفاهيمه ، ولنوعية المذهب السائد في المجتمع ولون التشريعات التي تقيّد سلوك الأفراد فهذه العوامل هي التي تملي على الإنسان إرادته وموقفه العملي ، وحين تتغيّر تلك العوامل يختلف اتجاه الإنسان وإرادته ، وبالتالي تختلف القوانين العلمية العامة التي تفسّر مجرى الحياة الاقتصادية ، فلا يمكن في كثير من الأحيان إعطاء قانون عام للإنسانية في الحياة الاقتصادية بمختلف إطاراته الفكرية والمذهبية والروحية وليس من الصحيح علمياً أن نترقّب من الإرادة الإنسانية في مجرى الحياة الاقتصادية أن تسير وتنشط ـ دائماً وفي كلّ مجتمع ـ كما تسير وتنشط في المجتمع الرأسمالي الذي درسه الاقتصاديون الرأسماليون ، ووضعوا قوانين الاقتصاد السياسي في ضوئه ما دامت المجتمعات قد تختلف في إطاراتها الفكرية والمذهبية والروحية ، بل يجب أن تؤخذ هذه الإطارات كمدلولات ثابتة في مجال البحث العلمي ومن الطبيعي أن تتكشّف نتائج البحث حينئذٍ عن القوانين الجارية ضمن تلك الإطارات خاصة

وعلى سبيل المثال نذكر القاعدة الرئيسية التي وُضع في ضوئها كثير من قوانين الاقتصاد الكلاسيكي ، وهي : القاعدة التي تجرّد من الإنسان الاجتماعي المحسوس ، إنساناً اقتصادياً يؤمن بالمصلحة الشخصية كهدفٍ أعلى له في كلّ ميادين النشاط الاقتصادي فقد افترض الاقتصاديون ـ منذ البدء ـ أنّ كلّ فرد في المجتمع يستوحي اتّجاهه العملي في نشاطه الاقتصادي من مصلحته المادّية الخاصة دائماً ، وأخذوا يستكشفون القوانين العلمية التي تتحكّم في مثل هذا المجتمع وقد كان افتراضهم هذا على نصيب كبير من الواقع بالنسبة إلى المجتمع الرأسمالي الأوروبي وطابعة الفكري والروحي ومقاييسه الخُلُُقية والعملية غير أنّ من الممكن أن يحدث تحوّل أساسي في القوانين الاقتصادية لحياة المجتمع بمجرّد تغيير هذا الأساس ، ومواجهة مجتمع يختلف عن المجتمع الرأسمالي في القاعدة العامة لسلوك أفراده وفي الأفكار والقيم التي يؤمنون بها وليس هذا افترضاً نفترضه وإنّما هو واقع نتحدّث عنه ، فإنّ المجتمعات تختلف في العوامل التي تحدّد لها دوافع السلوك والقيم العملية في الحياة

٢٢٣

ولنأخذ مثلاً لذلك المجتمع الرأسمالي ، والمجتمع الذي دعا إليه الإسلام وتمكّن من إخراجه إلى حيز الوجود فقد عاش في ظلّ الإسلام مجتمع بشري من لحمٍ ودمٍ تختلف القاعدة العامة لسلوكه ومقاييسه العملية ، ومحتوياته الروحية والفكرية عن المجتمع الرأسمالي كلّ الاختلاف ؛ فإنّ الإسلام ـ بوصفه ديناً و مذهباً خاصاً في الحياة ـ وإن كان لا يعالج أحداث الاقتصاد معاجلة علمية ، ولكنّه يؤثّر على هذه الأحداث ومجراها الاجتماعي تأثيراً كبيراً بوصفه يعالج محور تلك الأحداث ، وهو الإنسان في مفاهيمه عن الحياة ودوافعه وغاياته ، يصهره في قالبه الخاص ويصوغه في إطاره الروحي والفكري ، وبالرغم من أنّ التجربة التي خاضها الإسلام في سبيل إيجاد هذا المجتمع كانت قصيرة ، فقد أسفرت عن أروع النتائج التي شهدتها حياة الإنسان ، وبرهنت على إمكان التحليق بالإنسان إلى آفاق لم يستطع أن يتطلّع إليها أفراد المجتمع الرأسمالي ، الغارقون في ضرورات المادّة ومفاهيمها إلى رؤوسهم

وفي النزر اليسير ممّا يحدثنا به التأريخ عن نتائج التجربة الإسلامية وروائعها ما يلقي ضوءاً على إمكانات الخير المكتنزة في نفس الإنسان ، ويكشف عن الطاقة الرسالية في الإسلام التي استطاع بها أن يجنّد تلك الإمكانات ويستثمرها لصالح القضية الإنسانية الكبرى فقد ورد في تأريخ تلك التجربة الذهبية : أنّ جماعة من غير ذوي اليسار والثروة جاءوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلين :

يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجور ؛ يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدّقون بفضول أموالهم . فأجاب النبيّ قائلاً :

٢٢٤

( أوَليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون به ؛ إنّ لكم بكلّ تسبيحة صدقة ، وبكلّ تكبيرة صدقة ، وأمرٌ بالمعروف صدقة ، ونهيٌ عن المنكر صدقة ) (١) .

فهؤلاء المسلمون الذين احتجّوا بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على واقعهم لم يكونوا يريدون الثروة بوصفها أداة من أدوات المِنعة والقوّة أو ضماناً لإشباع الرغبات الشخصية ، وإنّما عزّ عليهم أن يسبقهم الأغنياء في المقاييس المعنوية بألوان البِّر والإحسان ، وبالمساهمة في المصالح العامة على الصعيد الاجتماعي وهذا يعكس مفهوم الثروة وطبيعة الإنسان المسلم في ظلّ تجربةٍ إسلاميةٍ كاملةٍ للحياة .

وجاء في وصف الإجارات والتجارات في المجتمع الإسلامي ما حدّث به الشاطبي ، إذ كتب يقول :

( نجدهم في الإجارات والتجارات لا يأخذون إلاّ بأقلّ ما يكون من الربح أو الأجرة ؛ حتى يكون ما حاول أحدهم من ذلك كسباً لغيره لا له ولذلك بالغوا في النصيحة فوق ما يلزمهم ، كأنّهم وكلاء للناس لا لأنفسهم ، بل كانوا يرون المحاباة لأنفسهم ـ وإن جازت ـ كالغش لغيرهم ) (٢) .

ـــــــــــــــ

(١) مستدرك الوسائل ٧ : ٢٦٣ ، الباب ٤٩ من أبواب من أبواب الصدقة ، الحديث ١٠ ، مع اختلاف يسير .

(٢) الموافقات في أصول الشريعة ٢ : ١٣٤ ، المسألة الرابعة ، مبحث حظوظ المكلّف .

٢٢٥

وتحدّث محمد بن زياد عن شيء من مظاهر التعاون والتكافل في المجتمع الإسلامي فقال :

( ربّما نزل على بعضهم الضيف ، وقِدْرُ أحدهم على النار ، فيأخذها صاحب الضيف لضيفه ، فيفقد القِدْرَ صاحبُها ، فيقول : من أخذ القِدْر ؟ فيقول صاحب الضيف : نحن أخذناها لضيفنا ، فيقول صاحب القِدْر : بارك الله لكم فيها ) (١) .

وهكذا ندرك الدور الإيجابي الفعال للإسلام في تغيير مجرى الحياة الاقتصادية وقوانينها الطبيعية ، بتغيير الإنسان نفسه ، وخلق شروط روحية وفكريّة جديدة له وكذلك نعرف مدى الخطأ في إخضاع مجتمع يتمتّع بهذه الخصائص والمقوّمات لنفس القوانين التي يخضع لها مجتمع رأسمالي ، زاخر بالأنانية والمفاهيم المادّية .

ويمكننا أن نأخذ ـ على سبيل المثال أيضاً ـ قوانين توزيع الدخل ، وقوانين العرض والطلب فقوانين توزيع الدخل في الاقتصاد الرأسمالي كما يشرحها (ريكاردو ) وغيره من الأقطاب الكلاسيكيين تقضي : بتخصيص جزء منه أجراً للعامل ، يحدّد وفقاً لقيمة المواد الغذائية القادرة على إعاشة العامل والاحتفاظ بقواه ، ويقسّم الباقي على شكل ربح وفائدة وريع وقد استخلص الاقتصاد الرأسمالي من ذلك : أنّ للأجور قانوناً حديدياً لا يمكن بموجبه أن تزيد وتنقص ، وإن زادت أو انخفضت كمّية النقد التي يتسلّم بها العامل أجره تبعاً لارتفاع قيمة المواد الغذائية وهبوطها ويتلخّص هذا القانون الحديدي : في أنّ العمّال إذا ازدادت أجورهم لسبب ما فسوف تتحسّن حالتهم المعيشية ، ويقدمون بصورة أكثر على الزواج والتناسل فتكثر الأيدي العاملة ، ويتضاعف العرض ، وتنخفض الأجور إلى الحدّ الطبيعي وإذا حدث العكس ، فهبط الأجر عن مستواه الطبيعي ، أدّى ذلك إلى انتشار البؤس والمرض في صفوف العمّال ، فيقلّ عددهم وتنخفض كمّية العرض ، فترتفع الأجور .

ـــــــــــــــ

(١) الأدب المفرد ( للبخاري ) : ١٦٠ .

٢٢٦

يتقدم إلينا بهذا الاقتصاديون الكلاسيكيون بوصفه تفسيراً علمياً للواقع ، وقانوناً طبيعياً للحياة الاقتصادية ، وهو في الحقيقة لا ينطبق إلاّ ضمن حدود خاصة ، وفي مجتمعات رأسمالية لا يوجد فيها ضمان اجتماعي عام ، ويعتمد التسعير فيها على جهاز السوق وأمّا في مجتمع يسود فيه مبدأ الضمان العام لمستوى كريم من المعيشة ، كالمجتمع الإسلامي ، أو في مجتمع يُلغى فيه جهاز السوق ويجرّد عن وظيفته في تحديد الأسعار تبعاً لنسبة العرض إلى الطلب ، كالمجتمع الاشتراكي ، فلا تتحكّم فيه تلك القوانين بالشكل الذي تعمل به في المجتمع الرأسمالي

وهكذا يتّضح أنّ الهيكل العلمي العام للاقتصاد الرأسمالي ذو إطار مذهبي خاص ، وليس له قدسية القوانين العلمية المطلقة

دراسة الرأسمالية المذهبية في أفكارها وقيمتها الأساسية

إنّ المقوّمات الأساسية للمذهب الرأسمالي ـ التي استعرضناها سابقاً ـ تدلّ على أنّ حجر الزاوية في المذهب هو : حرية الإنسان في الحقل الاقتصادي بمختلف مجالاته ، من تملكٍ واستغلالٍ واستهلاكٍ. فالحرّية ـ بأشكالها المتنوّعة ـ هي الأساس الذي تنبثق منه كلّ الحقوق والقيم المذهبية التي تنادي بها الرأسمالية ، بل إنّ القوانين العلمية للاقتصاد الرأسمالي نفسها ليست إلاّ تفسيراً للواقع الموضوعي المتجمّد في إطار هذه الحرّية كما مرّ بنا .

وإذا كانت فكرة الحرّية هي الجوهر والمحتوى الأساسي للرأسمالية المذهبية ، فيجب عند دراسة المذهب الرأسمالي نقد هذه الفكرة وتحليلها ، ودرس بذورها الفكرية وما ترتكز عليه من أفكار وقِيم .

أوّل سؤال يقفز إلى مجال البحث : لماذا يجب أن يقام المجتمع على أساس الحرّية الاقتصادية ؟ وكيف نشأ حقّ الإنسان فيها ، الأمر الذي تؤكّد عليه الرأسمالية المذهبية ، وترفض الاعتراف بأيّ تحديد أساسي له ؟ ويجب أن نعرف في سبيل الإجابة على هذا السؤال : أنّ الحرّية في التفكير الرأسمالي ترتبط عادة بعدة أفكار وقيم ، تستمد منها وجودها المركزي في المذهب وصفتها كضرورة اجتماعية أو إنسانية للكيان البشري .

٢٢٧

فهي تارةً ترتبط بالفكرة القائلة : بالتوافق بين مصالح الفرد التي يندفع إلى تحقيقها بدوافعه الذاتية ، ومصالح المجتمع التي يتوقّف عليها كيانه العام فإنّ مصالح الفرد والمجتمع إذا كانت متوافقة فليس على المذهب الاجتماعي الذي يستهدف ضمان الصالح الاجتماعي إلاّ أن يطلق الحرّية للفرد ويفسح المجال لدوافعه الذاتية أن تقوده إلى تحقيق مصالحه الخاصة ، التي تؤدّي بصورة آلية إلى توفير المصالح العامّة فالحرّية على أساس هذه الفكرة ليست إلاّ أداة لتوفير تلك المصالح العامة وضمان ما يتطلّبه المجتمع من خيرٍ ورفاه ، وبصفتها أداة لذلك تكون جديرة بمركزها القاعدي في المذهب

وهي تارةً أخرى : ترتبط بفكرة تنمية الإنتاج ، وترتكز على الرأي القائل : أنّ الحرّية الاقتصادية هي أفضل قوّة دافعة للقوى المنتجة ، وأكفأ وسيلة لتفجير كلّ الطاقات والإمكانات وتجنيدها للإنتاج العام ، وبالتالي لمضاعفة الثروة الاجتماعية في البلاد ومردّ هذا ـ في الحقيقة ـ إلى الفكرة الأولى ؛ لأنّه يعبّر عن جانب من جوانب الصالح العام ، وهو توفير الإنتاج الاجتماعي الذي يمكن تحقيقه عن طريق الحرّية

وهناك فكرة ثالثة يرتبط بها مفهوم الحرّية الرأسمالية ، وهي فكرةٌ ذات طابع خُلُقي خالص ، يستعمل الرأسماليون ـ عادةً ـ في التعبير عنها عبارات غائمة ، أو غير واضحة كلّ الوضوح فيكرّرون القول : بأنّ الحرّية بوجه عام حقّ إنساني أصيل ، وتعبير عملي عن الكرامة البشرية ، وعن شعور الإنسان بها فليست هي مجرّد أداة للرّفاه الاجتماعي أو لتنمية الإنتاج ، وإنّما هي تحقيق لإنسانية الإنسان ووجوده الطبيعي الصحيح .

ومن الواضح أنّ القيمة المذهبية للحرّية الاقتصادية على أساس الفكرتين الأوليتين قيمة موضوعية ، مردها إلى النتائج والآثار التي تؤدّي إليها في واقع الحياة وأمّا على أساس الفكرة الثالثة فللحرّية بوجه عام ـ التي تعتبر الحرّية الاقتصادية جانباً منها ـ قيمة ذاتية يمليها شعور الإنسان بكرامته وإنسانيته هذه هي الأفكار التي تبرّر الرأسمالية عادة عن طريقها مفهومها عن الحرّية ، وضرورة اعتبارها قاعدة في التصميم الاجتماعي الذي يدعو إليه المذهبيّون

فهي : وسيلة لتحقيق المصالح العامّة

وهي : سبب لتنمية الإنتاج والثروة العامّة .

وهي : تعبير أصيل عن الكرامة الإنسانية وحقّ الإنسان في الحياة

٢٢٨

والآن وبعد أن استعرضنا الأسس الفكرية لفكرة الحرّية الاقتصادية ، يجب أن نتناولها بالدرس والتمحيص .

أ ـ الحرّية وسيلة لتحقيق المصالح العامة :

ترتكز هذه الفكرة : على أساس الإيمان بأنّ الدوافع الذاتية تلتقي دائماً بالمصالح العامة والرفاه الاجتماعي ، إذا توفّرت الحرّية في المجال العملي لجميع الأفراد ، فإنّ الإنسان في المجتمع الحرّ يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة والتي تؤدّي في النهاية إلى توفير المصالح العامة .

وعلى هذا الأساس خيل للاقتصاديين الرأسماليين في بادئ الأمر : أنّ ضمان سعادة المجتمع ومصالحه ليس بحاجة إلى القيم الخُلُقية والروحيّة ، وتغذية الناس بها ؛ لأنّ كلّ إنسان ـ وحتى من لا يعرف شيئاً من تلك القيم ـ يسير طبقاً لمصلحته الخاصة إذا كُفلت له الحرّية في المجال العملي ، وهذه المصلحة نفسها تواكب مصلحة المجتمع ، وتتّفق معها في نتائجها ، وإن كان الفرد مدفوعاً نحوها بدافع خاص وهكذا يمكن للمجتمع أن يستغني عن الخدمات التي تقدّمها القيم الخُلُقية والروحية ، ويصل على مصالحه بالطريقة الرأسمالية التي توفّر لكلّ فردٍ حرّيته ، وتمنحه القدرة على تقدير موقفه في ضوء مصالحه الخاصة التي تلتقي في آخر الشوط بالمصالح العامة .

ولهذا السبب كانت الحرّية التي تنادي بها الرأسمالية مجرّدة من كلّ الإطارات والقيم الخُلُقية والروحية ؛ لأنّها (حرّية) حتى في تقدير هذه القِيَم ولا يعني هذا أنّ تلك القيم لا وجود لها في مجتمع رأسمالي ، وإنّما يعني أنّ الرأسمالية لا تعترف بضرورة هذه القيم لضمان مصلحة المجتمع ، وتزعم إمكان الاستغناء عنها عن طريق توفير الحرّيات للأفراد ، وإن كان الناس أحرار في التقيّد بتلك القيم ورفضها .

ويذكر أنصار الرأسمالية في سياق الاستدلال على ذلك : أنّ الحرّية الاقتصادية تفتح مجال التنافس الحرّ بين مختلف مشاريع الإنتاج وصاحب المشروع ـ في ظلّ هذا التنافس الحرّ الذي يسود الحياة الاقتصادية ـ يخاف دائماً من تفوّق مشروع آخر على مشروعه واكتساحه له ، فيعمل بدافع من مصلحته الخاصة على تحسين مشروعه والاستزادة من كفاءاته ؛ حتى يستطيع أن يخوض معركة السباق مع المشاريع الأخرى ، ويصمد في أُتون هذا النضال الأبدى ، ومِن أهمّ الوسائل التي تتّخذ في هذا السبيل : إدخال تحسينات فنّية على المشروع وهذا يعني : أنّ صاحب المشروع في المجتمع

٢٢٩

الرأسمالي الحرّ يظل دائماً يتلقّف كلّ فكرة أو تحسين جديد على الإنتاج ، أو أيّ شيء آخر من شأنه أن يمكّنه من الإنتاج بنفقة أقل فإذا أدخل هذه التحسينات فإنّه لا يلبث أن يرى باقي المشروعات قد لحقت به ، فيبدأ مرّة ثانية في البحث عن فكرة أخرى جديدة ، حتى يحتفظ بأسبقيته على سائر المشروعات وجزاء من يتخلّف في هذا السباق هو إفلاس مشروعه ، فالمنافسة الحرّة في النظام الرأسمالي سيف مسلّط على رقاب المنظَمِّين ، يطيح بالضعيف والمهمل والمتكاسل ، ويضمن البقاء للأصلح وواضح أن هذه المنافسة تؤدّي إلى مصلحة المجتمع ؛ لأنّها تدفع إلى الاستفادة الدائمة بنتاج العقل العلمي والفنّي ، وإشباع الحاجات الإنسانية بأقلّ نفقة ممكنة .

فلا ضرورة ـ بعد هذا ـ إلى إرهاق صاحب المشروع بتربية خُلُقية معيّنة ، وترويضه على القيم الروحية أو ملء أُذنية بالمواعظ والنصائح ؛ ليجعل إشباع الحاجات الإنسانية بأقلّ نفقة ممكنة ، ويزيد من إتقان السلع وجودتها فإنّ مصلحته الخاصة كفيلة بدفعه إلى تحقيق ذلك ما دام يعيش في مجتمعٍ حرٍّ يسوده التنافس .

كما لا حاجة له إلى مواعظ تحثّه على المساهمة في أعمال البرّ والإحسان ، والاهتمام بمصالح المجتمع ؛ لأنّه يندفع إلى ذلك بدافع من مصلحته الخاصة بوصفه جزءاً من المجتمع

[ التوافق المزعوم بين المصالح العامة والمصالح الذاتية : ]

وقد أصبح اليوم حديث التوافق بين المصالح العامة والدوافع الذاتية في ظلّ الحرّية الرأسمالية أدعى إلى السخرية منه إلى القبول ؛ بعد أن ضجّ تأريخ الرأسمالية بفجائع وكوارث يقلّ نظيرها في التأريخ ، وتناقضات صارخة بين المصالح الخاصة والمصالح العامة ، وفراغ هائل أحدثه الاستغناء عن الكيان الخُلُقي والروحي للمجتمع ، فامتلأ بدلاً عن القِيم الخُلُقية والروحية بألوان من الظلم والاستهتار والطمع والجشع

ونستطيع بكلّ سهولة أن نتبيّن من خلال التأريخ التطبيقي للرأسمالية جنايات هذه الحرّية الرأسمالية ، التي رفضت كلّ التحديدات الخُلُقية والروحية وآثارها الخطيرة في مجرى الحياة الاقتصادية أولاً ، وفي المحتوى الروحي للمجتمع ثانياً ، وفي علاقات المجتمع الرأسمالي بغيره من المجتمعات ثالثاً ، حتى عاد الرأسماليون أنفسهم يؤمنون بحاجة الرأسمالية إلى التعديل والتحديد ، ويحاولون شيئاً من الترقيع والترميم ؛ للتخلّص من تلك الآثار أو إخفائها عن الأبصار ، وأصبحت الرأسمالية في صيغتها المذهبية الكاملة مذهباً تأريخياً أكثر من كونه مذهباً يعيش في واقع الحياة .

٢٣٠

أمّا في مجرى الحياة الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي ، فليست الحرّية الرأسمالية المطلقة إلاّ سلاحاً جاهزاً بيد الأقوياء يشقّ لهم الطريق ويعبّد أمامهم سبيل المجد والثروة على جماجم الآخرين ؛ لأنّ الناس ما داموا متفاوتين في حظوظهم من المواهب الفكرية والجسدية والفرص الطبيعية فمن الضروري أن يختلفوا في أسلوب الاستفادة من الحرّية الاقتصادية الكاملة التي يوفّرها المذهب الرأسمالي لهم ، وفي درجات هذه الاستفادة ويؤدّي هذا الاختلاف المحتوم بين القوي والضعيف إلى أن تصبح الحرّية التعبير القانوني عن حقّ القوي في كلّ شيء ، بينما لا تعني بالنسبة إلى غيره شيئاً ولمّا كانت الحرّية الرأسمالية لا تقرّ بالرقابة ـ مهما كان لونها ـ فسوف يفقد الثانويون في معركة الحياة كلّ ضمان لوجودهم وكرامتهم ، ويظلّون في رحمة منافسين أقوياء لا يعرفون لحرّياتهم حدوداً من القِيم الروحية والخُلُقية ، ولا يدخلون في حسابهم إلاّ مصالحم الخاصة

وقد بلغ من هدر الكرامة الإنسانية نتيجة لهذه الحرّية الرأسمالية أن بات الإنسان نفسه سلعة خاضعة لقوانين العرض والطلب ، وأصبحت الحياة الإنسانية رهن هذه القوانين ، وبالتالي رهن القانون الحديدي للأجور فإذا زادت القوى البشرية العاملة وزاد المعروض منها على مسرح الإنتاج الرأسمالي انخفض سعرها ؛ لأنّ الرأسمالي سوف يعتبر ذلك فرصة حسنة لامتصاص سعادته من شقاء الآخرين ، فيهبط بأجورهم إلى مستوى قد لا يحفظ لهم حياتهم ، ولا يمكّنهم حتى من إشباع بعض ضروراتهم ، كما قد يقذف بعدد هائل منهم إلى الشارع يقاسون آلام الموت جوعاً ؛ لا لشيءٍ إلاّ لأنّه يتمتّع بحرّية غير محدودة ، ولا بأس على العمّال من الدمار والموت جوعاً ، ما دام الاقتصاد الرأسمالي يقدّم لهم بصيصاً من الأمل ، وكوّة من نور ولكن ما هو هذا الأمل الذي يبعثه في نفوسهم ؟ إنّه هو الأمل في انخفاض عددهم بسبب تراكم البؤس والمرض ، إيْ والله ، إنّ هذا هو الأمل الذي يقدّمه القانون الحديدي للأجور إلى العمّال ، قائلاً لهم : اصبروا قليلاً حتى يصرع الجوع والبؤس قسماً كبيراً منكم فيقلّ عددكم ويصبح العرض مساوياً للطلب فترتفع أجوركم وتتحسّن حالتكم

هذا هو التوافق الأسطوري المزعوم بين الدوافع الذاتية في ظلّ الحرّية الرأسمالية والمصالح العامة هذا التوافق الذي اضطرّ الرأسماليون أنفسهم إلى التنازل عن الإيمان به والاتجاه إلى فكرة تحديد الحرّية بالقيم والضمانات .

٢٣١

وإذا كان هذا هو حظّ الحياة الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي من الحرّية الرأسمالية وآثارها فإنّ ما يصيب المحتوى الروحي للأمّة من شرارة تلك الحرّية المجرّدة أقسى وأمرّ ؛ حيث تتلاشى بصورة عامة مشاعر البرّ والخير والإحسان ، وتطغى مفاهيم الأنانية والجشع ، وتسود في المجتمع روح الصراع في سبيل البقاء ، بدلاً عن روح التعاون والتكافل وما ظنّك بفردٍ يتجاوب مع المفهوم المطلق للحرّية الرأسمالية ، إذا تطلبت منه القيم الخُلُقية والموقف الاجتماعي شيئاً من المفاداة والتضحية بمصالحه الخاصة ؟! وحتى إذا دفعته مصلحته الخاصة أحياناً إلى تحقيق المصالح العامة بوصفها في صالحه أيضاً ، فإنّ هذا وإن كان قد يؤدّي إلى نفس النتيجة التي تستهدفها القيم الروحية والخلقية من ناحية موضوعية ، ولكنّها لا تحقّق الجانب الذاتي من تلك القيم ، ولا تصنع من الإنسان إنساناً في عواطفه ومشاعره ودوافعه وبواعثه فإنّ الأخلاق ليست ذات قيمة موضوعية فحسب ، بل هي ذات قيمة ذاتية أيضاً لا تقل عن قيمتها الموضوعية في تكميل الحياة الإنسانية ، وإشاعة روح السعادة والهناء النفسي فيها وسوف نبحث في الفصل المقبل مسألة الدوافع الذاتية وعلاقتها بالمصالح العامة بصورة أوسع

ولندع الآن آثار الحرّية الرأسمالية في المحتوى الداخلي للمجتمع الرأسمالي ، ولنفترض ـ مع الأسطورة الرأسمالية ـ : أنّ الدوافع الذاتية تضمن بنفسها تحقيق المصالح العامة ، فهل يمكن لهذا الخيال المجنّح أن يقول مثل ذلك عن مصالح مختلف المجتمعات ، وأن يزعم التوافق بين المصالح الخاصة للمجتمع الرأسمالي وغيره من المجتمعات البشرية ؟ وماذا يمنع المجتمع الرأسمالي ـ إذا كان يؤمن بالحرّية الرأسمالية مجرّدة عن كلّ الإطارات الروحية والخُلُقية ـ أن يسخّر سائر الكتل البشرية لحسابه ، ويستعبدها لقضاء مآربه ؟

والواقع التأريخي للرأسمالية هو الذي يجيب على هذا السؤال ، فقد قاست الإنسانية أهوالاً مروعة على يد المجتمعات الرأسمالية نتيجة لخوائها الخُلُقي وفراغها الروحي ، وطريقتها الخاصة في الحياة وسوف تبقى تلك الأهوال وصمة في تأريخ الحضارة المادّية الحديثة ، وبرهاناً على أنّ الحرّية الاقتصادية التي لا تحدّها حدود معنوية من أفتك أسلحة الإنسان بالإنسان ، وأفظعها إمعاناً في التدمير والخراب فقد كان من نتاج هذه الحرّية مثلاً تسابق الدول الأوروبية بشكل جنوني على استعباد البشر الآمنين ، وتسخيرهم في خدمة الإنتاج الرأسمالي وتأريخ أفريقيا وحدها صفحة من صفحات

٢٣٢

ذلك السباق المحموم ، تعرّضت فيه القارّة الأفريقية لطوفان من الشقاء ، إذ قامت دول عديدة كبريطانيا وفرنسا وهولندا وغيرها ، باستيراد كمّيات هائلة من سكّان أفريقيا الآمنين وبيعهم في سوق الرقيق ، وتقديمهم قرابين للعملاق الرأسمالي وكان تجّار تلك البلاد يحرقون القرى الأفريقية ليضطر سكّانها إلى الفرار مذعورين ، فيقوم التجّار بكسبهم وسوقهم إلى السفن التجارية التي تنقلهم إلى بلاد الأسياد .

وبقيت هذه الفظائع ترتكب إلى القرن التاسع عشر ، حيث قامت بريطانيا خلاله بحملة واسعة النطاق ضدّها حتى استطاعت أبرام معاهدات دولة تستنكر الاتّجار في الرقيق ، ولكن هذه المحاولة نفسها كانت تحمل الطابع الرأسمالي ولم تصدر عن إيمان روحي بالقيم الخُلُقية والمعنوية ؛ بدليل أنّ بريطانيا التي أقامت الدنيا في سبيل وضع حد لأعمال القرصنة استبدلتها بأسلوب آخر من الاستعباد المبطن ، إذ أرسلت أسطولها الضخم إلى سواحل أفريقية لمراقبة التجارة المحرّمة من أجل القضاء عليها إي والله هكذا زعمت ، من أجل القضاء عليها ، ولكنّها مهدت بذلك إلى احتلال مساحات كبيرة على الشواطئ الغربية ، وبدأت عملية الاستعباد تجري في القارة نفسها تحت شعار الاستعمار ، بدلاً عن أسواق أوروبا التجارية !(١)

فهل نستطيع القول بعد ذلك كلّه مع الرأسماليين : بأنّ الحرّية الرأسمالية جهاز سحري يعمل بشكل تلقائي ودون أيّ اعتبار روحي وخُلُقي على تحويل سعي الناس في سبيل مكاسبهم الخاصة إلى آلة تضمن المصالح العامّة والرّفاه الاجتماعي ؟!

ب ـ الحرّية سبب لتنمية الإنتاج :

هذه هي الفكرة الثانية التي ترتكز عليها الحرّية الرأسمالية ـ كما مرّ بنا سابقاً ـ وهي تقوم على خطأ في فهم نتائج الحرّية الرأسمالية ، وخطأ آخر في تقدير قيمة الإنتاج

ـــــــــــــــ

(١) الموسوعة العربية الميسّرة ١ : ٨٧٥ ـ ٨٧٦ .

٢٣٣

فمشاريع الإنتاج في المجتمع الرأسمالي ليست وحدات ذرّية تخوض معترك السباق والتنافس ، في درجة واحدة من التكافؤ والإمكانات ليكون كلّ مشروع كفؤاً لمنافسة المشاريع الأخرى ، الأمر الذي يحافظ على بقاء التنافس الحرّ ، ويجعله أداة لتنمية الإنتاج وتحسينه بل إنّ مشاريع الإنتاج في المجتمع الرأسمالي تختلف في حجمها وكفاءتها وقدرتها على الاندماج بعضها مع البعض والحرّية الرأسمالية في هذه الحال تفسح المجال للتنافس الذي سرعان ما يؤدّي إلى صراع عنيف تُحطِّم فيه المشاريع القوّية غيرها ، وتبدأ باحتكار الإنتاج تدريجياً ، حتى تختفي كلّ ألوان التنافس وثمراته في مضمار الإنتاج فالتنافس الحرّ بالمعنى الذي ينمّي الإنتاج لا يواكب الحرّية الرأسمالية إلا شوطاً محدوداً ، ثمّ يُخلي الميدان بعد ذلك للاحتكار ، ما دامت الحرّية الرأسمالية هي التي تمتلك الموقف الاقتصادي

أمّا الخطأ الآخر الأساسي في الفكرة فهو في تقدير قيمة الإنتاج كما ذكرنا ، فهب أنّ الحرّية الرأسمالية تؤدّي إلى وِفرة الإنتاج وتنميته نوعياً وكمّياً ، وأنّ التنافس الحرّ سيستمر في ظل الرأسمالية ويحقّقّ إنتاج السلعة بأقلّ نفقة ممكنة ، فإنّ هذا لا يبرهن على قدرة الرأسمالية على توفير سعادة المجتمع ؛ وإنّما يشير إلى قدرة المجتمع في ظلّها على تحسين الإنتاج وتحقيق أكبر كمّية ممكنة من السلع والخدمات وليست هذه القدرة هي كلّ شيء في حساب الرفاه الاجتماعي الذي يعتبر المذهب مسئولاً عن ضمانه ، وإنّما هي قدرة أو طاقة قد تُنفق بالشكل الذي يكفل الرفاه والسعادة للمجتمع ، كما قد تنفق بشكلٍ معاكس والشيء الذي يحدّد الشكل الذي تنفق به الطاقة الاجتماعية للإنتاج هو الأسلوب المتّبع في توزيع الناتج العام على أفراد المجتمع فالرفاه العام ـ إذن ـ لا يتعلّق بكمّية الناتج العام بمقدار ما يتعلّق بكيفية تقسيم هذا الناتج على الأفراد

والمذهب الرأسمالي أعجز ما يكون عن امتلاك الكفاءة التوزيعية التي تضمن رفاه المجتمع وسعادة الجميع ؛ لأنّ الرأسمالية المذهبية تعتمد في التوزيع على جهاز الثمن ، وهو يعني: أنّ من لا يملك ثمن السلعة ليس له حقّ في العيش والحياة وبذلك يُقضى بالموت أو الحرمان على من كان عاجزاً عن اكتساب هذا الثمن ؛ لعدم قدرته على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات ، أو لعدم تهيؤ فرصة للمساهمة ، أو لوقوعه فريسة بيد منافسين أقوياء قد سدّوا في وجهه كلّ الفرص ولهذا كانت بطالة

٢٣٤

الأيدي العاملة في المجتمعات الرأسمالية من أفجع الكوارث الإنسانية ؛ لأنّ العامل ـ حين يستغني الرأسمالي عن خدماته لأيّ سبب من الأسباب ـ لا يجد الثمن الذي يحصل به على ضروراته وحاجاته ، ويصبح مرغماً على حياة البؤس والجوع ؛ لأنّ الثمن هو جهاز التوزيع وما دام لم يحصل منه على شيء في السوق فلا نصيب له من الثروة المنتجة مهما كانت فاحشة

فليست المبالغة في كفاءة المذهب الرأسمالي وقدرته على تنمية الإنتاج إلاّ تضليلاً وستراً للجانب المظلم منه ، الذي يحكم في مجال التوزيع بالحرمان والإعدام دون مبالاة على من لم يعرف كلمة السرّ ، ولم يحصل على القِطَع السحرية ، على النقود

وفي هذا الضوء لا يمكننا أن نعتبر مجرّد الإنتاج مبرّراً من الناحية الخُلُقية والعلمية لمختلف الوسائل التي تتيح لحركة الإنتاج انطلاقاً أوسع ، وحقلاً أخصب ؛ لأنّ وِفرة الإنتاج ـ كما عرفنا ـ ليست هي التعبير الكامل عن الرفاه الاجتماعي العام

ج ـ الحرّية تعبيرٌ أصيل عن الكرامة الإنسانية :

ولم يبق بعد هذا إلاّ الفكرة الثالثة عن الحرّية ، التي تقدّر الحرّية بمعيار ذاتي وتضفي عليها قيمة معنوية وخُلُقية أصيلة ؛ بوصفها المظهر الجوهري للكرامة وتحقيق الذات اللذين لا يعود للحياة بدونهما أيّ معنى .

[ الحرّية الطبيعية والحرّية الاجتماعية : ]

ويجب أن نشير ـ قبل كلّ شيء ـ إلى أنّ هناك لونين من الحرّية ، وهما : الحرّية الطبيعية ، والحرّية الاجتماعية فالحرّية الطبيعية هي : الحرّية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها والحرّية الاجتماعية هي : الحرّية التي يمنحها النظام الاجتماعي ، ويكفلها المجتمع لأفراده ، ولكلّ من هاتين الحرّيتين طابعها الخاص فلا بد لنا ـ ونحن ندرس مفاهيم الرأسمالية عن الحرّيةـ أن نميّز إحدى هاتين الحرّيتين عن الأخرى ؛ لئلا نمنح أحداهما صفات الأخرى وخصائصها

فالحرّية الطبيعية عنصر جوهري في كيان الإنسان ، وظاهرة أساسية تشترك فيها الكائنات الحيّة بدرجات مختلفة ، تبعاً لمدى حيويّتها ولذلك كان نصيب الإنسان من هذه الحرّية أوفر من نصيب أيّ كائن حيّ آخر ، وهكذا كلّما ازداد حظّ الكائن من الحياة عظم نصيبه من الحرّية الطبيعية

٢٣٥

ولكي نعرف جوهر هذه الحرّية الطبيعية نبدأ بملاحظة الكائنات غير الحيّة في سلوكها فإنّ الطبيعة ترسم لهذه الكائنات اتجاهات محدّدة ، وتفرض لكلّ كائن السلوك الذي لا يمكن أن يحيد عنه ، فالحجر مثلاً فرضت عليه الطبيعة سلوكاً محدّداً وفقاً لقوانين كونية عامة فلا نترقب منه مثلاً أن يتحرّك ما لم نحرّكه ، ولا نترقّب منه إذا حرّكناه أن يتحرّك في غير الاتجاه الذي نحرّكه فيه ، كما لا نتصوّر من الحجر أن يتراجع تفادياً للاصطدام بجدار يعترض طريقه فهو يفقد كلّ لون من القوّة الإيجابية ، والقدرة على تكيّفات جديدة، ولهذا لم يكن له نصيب من الحرّية الطبيعية .

وأمّا الكائن الحيّ فليس موقفه تجاه البيئة والظروف سلبياً أو مضغوطاً في اتّجاه محدّد لا محيد عنه ، بل يمتلك قدرة وطاقة إيجابية على تكييف نفسه ، وابتداع أسلوب جديد إذا لم يكن الأسلوب الاعتيادي ملائماً لظروفه وهذه الطاقة الإيجابية هي التي توحي إلينا بمفهوم الحرّية الطبيعية ؛ نظراً إلى أنّ الطبيعة وضعت بين يدي الكائن الحيّ بدائل متعدّدة ليأخذ في كلّ حال بأكثرها ملاءمة لظروفه الخاصة فالنبات الذي يعتبر في الدرجة الدنيا من سلّم الكائنات الحية نجد لديه تلك الطاقة أو الحرّية في مستوى منخفض وبدائي ، فإنّ بعض النباتات تغيّر من اتجاهها ولمجرّد اقترابها من حاجز يصلح لمنعها عن الامتداد في ذلك الاتجاه المعّين ، وتسارع إلى تكييف نفسها واتجاهها تكييفاً جديداً.

وإذا أخذنا الحيوان ـ بوصفه درجة ثانية في سلّم الحياة ـ وجدنا عنده تلك الحرّية والطاقة في نطاق أوسع وعلى مستوى أعلى ، إذ وضعت الطبيعة بين يديه بدائل كثيرة ينتخب منها في كلّ حين ما هو أكثر ملاءمة لشهواته وميوله فبينما كنا نجد الحجر لا يحيد عن اتجاهه المعّين حين نرمي به ، والنبات لا يحيد عن اتجاهه ، إلاّ في حدود معيّنة نرى الحيوان قادراً على اتخاذ مختلف الاتّجاهات في كلّ حين فالحقل الذي سمحت له الطبيعة بممارسة نشاطه الحيوي فيه أوسع وأغنى بالبدائل من الحقل الذي ظفر به النبات .

وتبلغ الحرّية الطبيعية ذروتها في الإنسان ؛ لأنّ الحقل العملي الذي منحته الطبيعة له أوسع الحقول جميعاً فبينما كانت الميول والشهوات الغريزية في الحيوان حدوداً نهائية للحقل الذي يعمل فيه فلا يستعمل الحيوان حريته إلاّ في حدود تلك الميول والشهوات ، لم يعد لها في حقل النشاط الحيوي للإنسان تلك المنزلة ؛ لأنّ الإنسان رُكّب تركيباً نفسيّاً وعضوياً خاصاً يمكّنه من قهر تلك الشهوات ، أو التحديد من مفعولها فهو حرّ حتى في الانسياق مع تلك الشهوات أو معاكستها .

٢٣٦

وهذه الحرّية الطبيعية التي يتمتّع بها الإنسان هي التي تعتبر بحقّ إحدى المقوّمات الجوهرية للإنسانية ؛ لأنها تعبير عن الطاقة الحيوية فيها فالإنسانية بدون هذه الحرّية لفظ بدون معنى .

ومن الواضح أنّ الحرّية بهذا المعنى خارجة عن نطاق البحث المذهبي ، وليس لها أيّ طابع مذهبي ؛ لأنّها منحة الله للإنسان وليست منحة مذهب معيّن دون مذهب ، لتدرس على أساس مذهبي .

وأمّا الحرّية التي تحمل الطابع المذهبي ، وتميّز المذهب الرأسمالي وتحتل القاعدة الرئيسية في كيانه ، فهي الحرّية الاجتماعية ، أي : الحرّية التي يكسبها الفرد من المجتمع لا من الطبيعة فإنّ هذه الحرّية هي التي تتّصل بالوجود الاجتماعي للإنسان وتدخل ضمن نطاق الدراسات المذهبية والاجتماعية

وإذا استطعنا أن نميّز بوضوح بين الحرّية الطبيعية والحرّية الاجتماعية أمكننا أن ندرك مدى الخطأ في منح الحرّية الاجتماعية خصائص الحرّية الطبيعية ، وفي القول : بأنّ الحرّية التي يوفّرها المذهب الرأسمالي مقوّم جوهري للإنسانية وعنصر حيوي في كيانها ؛ فإنّ هذا القول يرتكز على أساس عدم التمييز بين الحرّية الطبيعية بوصفها مقوّماً جوهرياً للوجود الإنساني ، والحرّية الاجتماعية بوصفها مسألة اجتماعية يجب أن يدرس مدى كفاءتها لبناء مجتمع سعيد ، وانسجامها مع القِيم الخُلُقية التي نؤمن بها

[ المحتوى الحقيقي للحرّية الاجتماعية والشكل الظاهري لها : ]

ولنأخذ الآن الحرّية الاجتماعية بهذا الوصف لندرس موقف المذهب الرأسمالي منها ، بعد أن استبعدنا من نطاق البحث المذهبي الحرّية الطبيعية ، وتعرّفنا على الطابع المميّز لكلّ من الحرّيتين .

ولدى تحليل هذا المفهوم ، مفهوم : الحرّية الاجتماعية ، نجد للحرّية الاجتماعية محتوى حقيقي ، وشكلاً ظاهرياً فهي ذات جانبين :

أحدهما : المحتوى الحقيقي للحرّية أو ـ كما سنعبر عنه فيما بعد ـ : الحرّية الجوهرية

والآخر : الشكل الظاهري للحرّية ، ولنطلق عليه اسم : الحرّية الشكليّة .

فهناك إذن الحرّية الاجتماعية الجوهرية ، والحرّية الاجتماعية الشكلية .

٢٣٧

أمّاالحرّية الاجتماعية الجوهرية : فهي القدرة التي يكسبها الإنسان من المجتمع على القيام بفعل شيءٍ معيّن ، وتعني هذه القدرة : أنّ المجتمع يوفّر للفرد كلّ الوسائل والشروط التي يتطلّبها القيام بذلك الفعل فإذا كفل لك المجتمع أن تملك ثمن سلعة معيّنة ووفّر هذه السلعة في السوق ولم يسمح لأيّ شخص آخر بالحصول على حقّ احتكاري في شراء السلعة ، فأنت عندئذٍ حرّ في شراء السلعة ؛ لأنّك تتمتّع اجتماعياً بكلّ الشروط التي يتوقف عليها شراء تلك السلعة وأمّا إذا كان المجتمع لا يوفّر لك ملكيّة الثمن ، أو عرض السلعة في السوق ، أو يمنح لغيرك وحده الحقّ في شرائها ، فليس لديك في الواقع حرّية جوهرية ، أو قدرة حقيقية على الشراء

وأمّاالحرّية الشكلية : فهي لا تتطلّب كلّ ذلك ، بل قد يكون الفعل مستحيلاً بالنسبة إلى الفرد ، كشراء السلعة بالنسبة إلاّ من لا يملك ثمنها ، ولكنّه بالرغم من ذلك يعتبر حرّاً اجتماعياً من الناحية الشكلية وإن لم يكن لهذه الحرّية الشكلية أيّ محتوى حقيقيّ ؛ لأنّ الحرّية الشكلية في الشراء لا تعني القدرة على الشراء فعلاً ، وإنّما تعني بمدلولها الاجتماعي : سماح المجتمع للمرء ـ ضمن نطاق إمكاناته وفرصه التي يحدّدها موقفه في حلبة التنافس مع الآخرين ـ باتخاذ أيّ أسلوب يتيح له شراء تلك السلعة فالإنسان الاعتيادي حرّ شكلياً في شراء قلم ، كما هو حرّ في شراء شركة رأسمالية ، يقدّر رأسمالها بمئات الملايين ، ما دام النظام الاجتماعي يسمح له بالقيام بأيِّ عمل ، واتخاذ أيّ أسلوب في سبيل شراء تلك الشركة الضخمة أو ذلك القلم المتواضع وأمّا قلّة الفرص أو الشروط التي تتيح له شراء الشركة أو انعدام تلك الفرص في حلبة التنافس نهائياً وعدم توفير المجتمع لها فلا يتناقض مع الحرّية الشكلية في إطارها الظاهري العام .

غير أنّ الحرّية الشكلية ليست خاوية هكذا تماماً ، بل إنّها تعني أحياناً معنى إيجابياً فرجل الأعمال الذي بدأ وجوده التجاري بشكل ناجح وإن لم يكن قادراً بالفعل على شراء شركة ضخمة ، ولكنّه ما دام يتمتّع بالحرّية الشكلية اجتماعياً فهو قادر على القيام بمختلف الأعمال في سبيل الظفر بالقدرة على شراء تلك الشركة في المدى القريب أو البعيد وعلى هذا الأساس تكون الحرّية الشكلية في شراء الشركة وامتلاكها ذات معنى إيجابي ؛ لأنّها وإن لم تسلّم إليه الشركة فعلاً ، ولكنّها تسمح له بامتحان مواهبه والقيام بمختلف النشاطات في سبيل الظفر بملكيّة تلك الشركة والشيء الذي يفقده في ظل هذه الحرّية الشكلية هو ضمان المجتمع له الحصول على الشركة ، أو الحصول على ثمنها ، فإنّ هذا الضمان الذي هو معنى الحرّية الاجتماعية الجوهرية لا تكفله الحرّية الشكلية للأفراد .

٢٣٨

فالحرّية الشكلية اجتماعياً ليست إذن خاوية دائماً ، بل هي أداة لاستثارة القوى والطاقات في الأفراد ، وتعبئتها في سبيل الوصول إلى مستويات أعلى وإن لم تقدّم شيئاً من ضمانات الفوز والنجاح .

وفي هذا الضوء نعرف أنّ الحرّية الشكلية وإن لم تكن تعني القدرة فعلاً ، ولكنّها شرطٌ ضروري لتوفّر هذه القدرة فرجل الأعمال الناجح الذي تحدثّنا عنه لم يكن ليتاح له أن يحلم بامتلاك الشركة الرأسمالية الكبيرة ، وبالتالي لم يكن ليمتلكها بالفعل بعد جهد متواصل لو لم يكن يتمتّع بالحرّية الشكلية ، ولو لم يكن يسمح له المجتمع بتجربة حظّه وإمكاناته في حلبة التنافس ، وهكذا تكون الحرّية الشكلية بالنسبة إليه أداة فعّالة وشرطاً ضرورياً لاكتساب الحرّية الجوهرية ، والقدرة الحقيقية على شراء الشركة ، بينما تبقى حرّية الأفراد الفاشلين شكلياً في تملّك الشركة حرّية اسمية فحسب ، لا تشعّ بذرة من الحقيقة .

[ موقف المذهب الرأسمالي تجاه الحرّية الاجتماعية : ]

والمذهب الرأسمالي يتبنّى الحرّية الاجتماعية الشكلية ، مؤمناً بأنّ الحرّية الشكلية هي التجسيد الكامل لمفهوم الحرّية وأمّا الحرّية الجوهرية ـ على حدّ تعبيرنا فيما سبق ـ فهي تعني في رأيه القدرة على الاستفادة من الحرّية ، وليست هي الحرّية نفسها ولذلك فهو لا يُعنى بتوفير القدرة لدى المرء ومنحه الحرّية الجوهرية ، وإنّما يترك ذلك إلى ما تسنح له من فرص ويظفر به من إمكانات ، مكتفياً بتوفير الحرّية الشكلية بالسماح له بممارسة مختلف ألوان النشاط الاقتصادي في سبيل الغايات التي يسعى إلى تحقيقها ، ورفض أيّ سلطة اجتماعية تمارس الضغط والإكراه في حقل من حقول الحياة .

فللرأسمالية موقف سلبي تجاه الحرّية الجوهرية وموقف إيجابي تجاه الحرّية الشكلية ، أي : إنّها لا تُعنى بتوفير الحرّية الأولى ، وإنّما تكفل للأفراد الحرّية الشكلية فقط .

٢٣٩

وتوجد في رأي الرأسمالية مبرّرات لذلك الموقف السلبي تجاه الحرّية الجوهرية تتلخّص في أمرين :

أحدهما : أنّ طاقة المذهب الاجتماعي ـ أي مذهب كان ـ قاصرة عن توفير الحرّية الجوهرية لكلّ شخص ، وضمان القدرة على تحقيق كل ما يسعى نحوه ويهدف إليه ؛ لأنّ كثيراً من الأفراد يفقدون المواهب والكفاءات الخاصة التي تعتبر ضرورية لتحقيق أهدافهم ، وليس في إمكان المذهب أن يجعل من المغمور نابغاً ، أو من البليد عبقرياً ، كما أنّ كثيراً من الأهداف لا يمكن أن يضمن لكلّ الأفراد الفوز بها ، فليس من المعقول ـ مثلاً ـ أن يصبح كلّ فرد رئيساً للدولة ، وأن يضمن للأفراد جميعاً القدرة على استلام منصب الرئاسة فعلاً ، وإنّما الشيء المعقول : أن يفسح المجال أمام كلّ فردٍ ليخوض المعترك السياسي أو الاقتصادي ويجرّب مواهبه ، فإمّا أن ينجح ويصل إلى الذُّروة ، وإمّا أن يقف في منتصف الطريق ، وإمّا أن يعود من المعركة خاسراً ، وعلى أيّ يحال فهو المسئول الأخير عن مصيره في المعترك ، ومدى نجاحه أو فشله

والأمر الآخر الذي تبرّر به الرأسمالية تخلّيها عن الحرّية الجوهرية : هو أنّ منح الفرد هذه الحرّية بتقديم الضمانات الكافية لنجاحه في أيّ سبيل يسلكه ، يضعف إلى مدى بعيد شعور الفرد بالمسئولية ، ويخمد الجذوة الحرارية فيه ، التي تدفعه إلى النشاط وتفرض عليه مزيداً من اليقظة والانتباه ؛ لأنّه ما دام قد ضمن المذهب له نجاحه فلا حاجة به إلى الاعتماد على شخصه واستثمار قدرته ومواهبه ، كما كان حريّاً به أن يفعل لو لم يوفّر المذهب له الحرّية الجوهرية ، والضمانات اللازمة .

وكِلا هذين المبررين صحيح إلى حدّ ما ، ولكن لا بالشكل الذي تقرّره الرأسمالية وترفض على أساسه فكرة الحرّية الجوهرية والضمان رفضاً تاماً ، فإنّ ضمان الحصول على أيّ شيء يسعى إليه الفرد في مجال نشاطه الاقتصادي وإن كان حلماً خيالياً غير ممكن التحقيق ، ومن الشطط أن يُكلّف المذهب الاجتماعي بتحقيقه ، غير أنّ توفير حدّ أدنى من الحرّية الجوهرية في المجال الاقتصادي وإعطاء ضمانات كافية لمستوى معيّن من المعيشة ، مهما كانت فرص الإنسان وشروطه ، ليس شيئاً مثالياً متعذّر التحقيق ، ولا سبباً في تجميد المواهب وطاقات النموّ والتكامل في الإنسان ، ما دامت المستويات الأكثر رقياً قيد التنافس الحرّ ، فهي تتطلّب من الأفراد جهداً ونشاطاً وتنمّي فيهم الاعتماد على أنفسهم .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741