اقتصادنا

اقتصادنا0%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف: الصفحات: 741
المشاهدات: 146435
تحميل: 8781

توضيحات:

اقتصادنا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146435 / تحميل: 8781
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فالرأسمالية إذن لا تستطيع أن تستند في موقفها السلبي من الحرّية الجوهرية والضمان ، إلى استحالة إعطاء مثل هذا الضمان، أو القول : بأنّ هذا الضمان يشلّ الطاقة الحرارية في النشاط الإنساني ؛ مادام يمكن للمذهب أن يوفّر درجة معقولة من الضمان ، ويفتح خارج حدود هذه الدرجة مجالات للتنافس الذي يذكي القابليات وينمّيها

والحقيقة : أنّ موقف الرأسمالية السلبي من فكرة الضمان والحرّية الجوهرية كان نتيجة حتمية لموقفها الإيجابي من الحرّية الشكلية لأنّها حين تبنّت الحرّية الشكلية وأقامت كيانها المذهبي عليها كان من الضروري لها أن ترفض فكرة الضمان ، وتقف موقفها السلبي من الحرّية الجوهرية ، لأنّ الحرّية الجوهرية والحرّية الشكلية متعارضتان فلا يمكن توفير الحرّية الجوهرية في مجتمع يؤمن بمبدأ الحرّية الشكلية ويحرص على توفيرها لجميع الأفراد في مختلف المجالات ، فإنّ حرّية رجال الأعمال في استخدام العامل ورفضه ، وحرّية أصحاب الثروات في التصرّف في أموالهم طبقاً لمصالحهم الخاصة كما يقرّره مبدأ الحرّية الشكليّة ، يعني عدم إمكان وضع مبدأ ضمان العمل للعامل ، أو ضمان المعيشة لغير العامل من العاجزين ؛ لأنّ وضع مثل هذه الضمانات لا يمكن أن يتمّ بدون تحديد تلك الحرّيات التي يتمتّع بها أصحاب العمل وأرباب الثروة فأمّا أن يُسمح لأصحاب العمل أو المال بالتصرّف وفقاً لإرادتهم ، فتوفّر بذلك لهم الحرّية الشكلية ، ويصبح من غير الممكن إعطاء ضمانات للعمل أو المعيشة وأمّا أن تعطى هذه الضمانات فلا يسمح لأصحاب العمل والمال أن يتصرّفوا كما يحلو لهم ، وفي ذلك خروج على مبدأ الحرّية الشكلية ، القائل : بضرورة السماح لكلّ أحد بالتصرّف في المجال الاقتصادي كما يريد ولمّا كانت الرأسمالية تؤمن بهذا المبدأ ، فقد وجدت نفسها مضطرّة إلى رفض فكرة الضمان ـ فكرة الحرّية الجوهرية ـ حفاظاً على توفير الحرّية الشكلية لجميع الأفراد على السواء

وبينما أخذ المجتمع الرأسمالي بالحرّية الشكلية وطرح الحرّية الجوهرية وفكرة الضمان جانباً ، وقف المجتمع الاشتراكي موقفاً معاكساً ، إذ قضت الاشتراكية الماركسية فيه على الحرّية الشكلية بإقامة جهاز دكتاتوري يتولّى السلطة المطلقة في البلاد ، وزعمت أنّها عوّضت عن تلك الحرّية الشكلية بحرّية جوهرية ، أي : بما تقدّمه للمواطنين من ضمانات للعمل والحياة .

٢٤١

وهكذا أخذ كلّ من المذهبين بجانب من الحرّية وطرح الجانب الآخر ، ولم يُحلّ هذا التناقض المستقطب بين الحرّية الشكلية والحرّية الجوهرية ، أو بين الشكل والجوهر إلاّ في الإسلام ، الذي آمن بحاجة المجتمع إلى كلا اللونين من الحرّية ، فوفّر للمجتمع الحرّية الجوهرية بوضع درجة معقولة من الضمان تسمح لجميع أفراد المجتمع الإسلامي بالحياة الكريمة وممارسة متطلّباتها الضرورية ، ولم يعترف في حدود هذا الضمان بالحرّية ، وفي نفس الوقت لم يجعل من هذا الضمان مبرّراً للقضاء على الحرّية الشكلية وهدر قيمتها الذاتية والموضوعية ، بل فتح السبيل أمام كلّ فرد ، خارج حدود الضمان ، ومنحه من الحرّيات ما ينسجم مع مفاهيمه عن الكون والحياة فالمرء مضمون بدرجة وفي حدود خاصة ، وحرّ خارج هذه الحدود .

وهكذا امتزجت الحرّية الجوهرية والحرّية الشكلية معاً في التصميم الإسلامي ، هذا الامتزاج الرائع الذي لم تنتجه الإنسانية ـ في غير ظلّ الإسلام ـ إلى التفكير فيه وتحقيقه إلا في غضون هذا القرن الأخير ، إذ بدأت المحاولات إلى إقرار مبدأ الضمان والتوفيق بينه وبين الحرّية ؛ بعد أن فشلت تجربة الحرّية الرأسمالية فشلاً مريراً

وعلى أيّ حال فقد ضحّت الرأسمالية بفكرة الضمان والحرّية الجوهرية في سبيل الحرّية الشكلية

وهنا نصل إلى النقطة الأساسية في دراستنا لنتساءل : ما هي تلك القيم التي ترتكز عليها الحرّية الشكلية في المذهب الرأسمالي والتي سمحت للرأسمالية أن تهدر جوهر الحرّية وضماناتها في سبيلها ؟

ويجب أن نستبعد هنا كلّ المحاولات الرامية إلى تبرير الحرّية الشكلية بمبرّرات موضوعية اجتماعية ؛ كوصفها بأنّها أداة لتوفير الإنتاج العام ، أو لتحقيق الرَّفاه الاجتماعي ؛ فقد مرّت بنا هذه المبرّرات ودرسناها ولم تصمد للدرس والامتحان ، وإنّما نُعنى الآن بمحاولة الرأسمالية لتفسير قيمة الحرّية تفسيراً ذاتياً .

فقد يقال بهذا الصدد : إنّ الحرّية جزء من كيان الإنسان وإذا سلب الإنسان حرّيته فقد بذلك كرامته ، ومعناه الإنساني يتميّز به عن سائر الكائنات وهذا التعبير المهلهل لا ينطوي على تحليل علمي للقيمة الذاتية للحرّية ولا يمكن أن يجذب سوى من يستهويه التلاعب بالألفاظ ؛ لأنّ الإنسان إنّما يتميّز كيانه الإنساني الخاص عن سائر الكائنات بالحرّية الطبيعية بوصفه كائناً طبيعياً ، لا بالحرّية الاجتماعية باعتباره كائناً اجتماعياً ، فالحرّية التي تعتبر شيئاً من كيان الإنسان هي الحرّية الطبيعية لا الاجتماعية التي تُمنح وتُسلب تبعاً للمذهب الاجتماعي السائد

٢٤٢

وقد يقال : إنّ الحرّية بمدلولها الاجتماعي تعبّر عن نزعة أصيلة في نفس الإنسان ، وحاجة من حاجاته الجوهرية فالإنسان بوصفه يتمتّع بالحرّية الطبيعية يميل ذاتياً إلى أن يكون حرّاً من ناحية المجتمع الذي يعيش ضمنه في سلوكه وعلاقاته مع الآخرين ، كما كان حرّاً من الناحية الطبيعية ومن وظيفة المذهب الاجتماعي أن يعترف بالنزعات والميول الأصيلة في الإنسان ويضمن إشباعها ؛ لكي يصبح مذهباً واقعياً ينسجم مع الطبيعة الإنسانية التي يعالجها ويشرّع لها ، فلا يمكن لمذهب إذن أن يكبت في الإنسان نزعته الأصلية إلى الحرّية .

وهذا صحيح إلى حدٍّ ما ، ولكنّنا نقول من الناحية الأخرى : أنّ من وظيفة المذهب الاجتماعي الذي يريد أن يرسي بنيانه على قواعد مكينة من النفس البشرية ، أن يعترف بمختلف النزعات الأصلية في الإنسان ، وبحاجاته الجوهرية المتنوّعة ويسعى إلى التوفيق والملائمة بينها وليس من المستساغ ـ لكي يكون المذهب واقعياً وإنسانياً ـ أن يعترف بإحدى تلك النزعات الأصيلة ويضمن إشباعها إلى أقصى حدّ على حساب النزعات الأخرى .

فالحرّية ـ مثلاً ـ وإن كانت نزعة أصيلة في الإنسان ؛ لأنّه يرفض بطبعه القسر والضغط والإكراه ، ولكن لهذا الإنسان حاجات جوهرية وميولاً أصيلة أخرى ، فهو بحاجة ماسة ـ مثلاً ـ إلى شيء من السكينة والاطمئنان في حياته ؛ لأنّ القلق يرعبه ، كما ينغّصه الضغط والإكراه فإذا فقد كلّ الضمانات التي يمكن للمجتمع أن يؤدّيها له في حياته ومعيشته خسر بذلك حاجة من حاجاته الجوهرية ، وحرم من إشباع ميله الأصيل إلى الاستقرار والثقة

كما أنّه إذا خسر حرّيته تماماً ، وقام جهاز اجتماعي يملي عليه إرادته بالضغط والإكراه كان قد فقد حاجة جوهرية أخرى ، وهي حاجته إلى الحرّية التي تعبّر عن نزعة أصيلة في نفسه ، فالتوفيق الدقيق الحكيم بين حاجة الإنسان الأصيلة إلى الحرّية ، وحاجته الأصيلة إلى شيء من الاستقرار والثقة ، وسائر حاجاته الأصيلة الأخرى ، هو العملية التي يجب أن يؤدّيها المذهب للإنسانية ، إذا حاول أن يكون واقعياً قائماً على أسس راسخة من الواقع الإنساني وإمّا أن تطرح الميول والحاجات الأخرى جانباً ، ويضّحى بها لحساب حاجة أصيلة واحدة ، كي يتوفّر إشباعها إلى أبعد الحدود ـ كما فعل المذهب الرأسمالي ـ فهذا ما يتعارض مع أبسط الواجبات المذهبية

٢٤٣

وأخيراً : فإنّ موقف الرأسمالية من الحرّية والضمان لئن كان خطأ فهو مع هذا ينسجم مع الإطار العام للتفكير الرأسمالي كلّ الانسجام ؛ لأنّ الضمان ينطوي على فكرة تحديد حرّيات الأفراد والضغط عليها ، ولا تستطيع الرأسمالية أن تجد لهذا الضغط والتحديد مسوغاً على أساس مفاهيمها العامة عن الكون والإنسان وذلك أنّ الضغط والتحديد قد يستمدّ مبرّره من الضرورة التأريخية كما تعتقد الماركسية في ضوء المادّية التأريخية ، إذ ترى أنّ دكتاتورية البروليتاريا التي تمارس سياسة الضغط والتحديد من الحرّيات في المجتمع الاشتراكي تنبع من الضرورة الحتمية لقوانين التأريخ .

ولكنّ الرأسمالية لا تؤمن بالمادّية التأريخية بتسلسلها الماركسي الخاص وقد يستمد الضغط والتحديد مبررة من الإيمان بسلطة عليا تمتلك حقّ تنظيم الإنسانية وتوجيهها في حياتها ، ووضع الضمانات المحدّدة لحرّيات الأفراد ، كما يعتقد الدين ، إذ يرى أنّ للإنسان خالقاً حكيماً من حقّه أن يصنع له وجوده الاجتماعي ويحدّد طريقته في الحياة .

وهذا ما لا يمكن للرأسمالية أن تقرّه في ضوء مفهومها الأساسي القائل بفصل الدين عن واقع الحياة ، وسحبه من كلّ الحقول الاجتماعية العامة

وقد يبرّر الضغط والتحديد بوصفه قوّة نابعة من داخل الإنسان ، ومفروضة عليه من ضميره الذي يفرض عليه قيماً خلقية ، وحدوداً معيّنة لسلوكه مع الآخرين وموقفه من المجتمع ، ولكنّ الضمير ليس بمفهومه في فلسفة الأخلاق عند الرأسمالية إلاّ انعكاساً داخلياً للعرف أو العادات ، أو أيّ تحديد آخر يفرض على الفرد من الخارج فالضمير في نهاية التحليل ضغط خارجي وليس نابعاً من الأعماق الداخلية .

وهكذا تنتهي الرأسمالية إلى العجز عن تفسير الضغط على الحرّية عن طريق الضرورة التأريخية ، أو الدين ، أو الضمير وهكذا يرتبط موقفها من الحرّية بجذورها الفكرية ومفاهيمها الرئيسية عن الكون والإنسان ، عن التأريخ والدين والأخلاق .

وعلى هذا الأساس وضعت الرأسمالية مفهومها السياسي عن الحكومة ومختلف السلطات الاجتماعية فهي لا ترى مبرراً لتدخّل هذا السلطات في حرّيات الأفراد إلاّ بالقدر الذي يتطلّبه الحفاظ عليها وصيانتها عن الفوضى والاصطدام ، لأنّ هذا هو القدر الذي يسمح به الأفراد أنفسهم وأمّا التدخّل خارج هذه الحدود فلا مسوّغ له من حتمية تأريخية ، أو دين، أو قيم وأخلاق ومن الطبيعي عندئذٍ أن تنتهي الرأسمالية من تسلسلها الفكري إلى التأكيد على : الحرّية في المجال الاقتصادي ، ورفض فكرة قيام السلطة بوضع أيّ ضمانات أو تحديدات

٢٤٤

هذه هي مفاهيم الرأسمالية في ترابطها العام الذي ينتهي إلى الأُسس الفكرية العامة .

وهذه هي وجهة النظر التي يجب تمحيص تلك المفاهيم ، وبالتالي تفنيدها ، على أساس تلك النظرة .

الكتاب الأوّل ٣

اقتصادنا في معالمه الرئيسية :

١ ـ الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي .

٢ ـ الاقتصاد الإسلامي جزء من كل .

٣ ـ الإطار العام للاقتصاد الإسلامي .

٤ ـ الاقتصاد الإسلامي ليس علماً .

٥ ـ علاقات التوزيع منفصلة عن شكل الإنتاج .

٦ ـ المشكلة الاقتصادية في نظر الإسلام، وحلولها .

١ ـ الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي

يتألّف الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي من أركان رئيسية ثلاثة ، يتحدّد وفقاً لها محتواه المذهبي ويتميّز بذلك عن سائر المذاهب الاقتصادية الأخرى في خطوطها العريضة ، وهذه الأركان هي كما يلي :

١ـ مبدأ الملكية المزدوجة

٢ـ مبدأ الحرّية الاقتصادية في نطاق محدود

٣ـ مبدأ العدالة الاجتماعية

وسوف نتناول هذه الأركان الرئيسية بالشرح والتفسير فنكوّن فكرة عامة عن الاقتصاد الإسلامي ، كي يتاح لنا مجال البحث بصورة أوسع في تفاصيله وخصائصه المذهبية

٢٤٥

١ـ مبدأ الملكية المزدوجة

يختلف الإسلام عن الرأسمالية والاشتراكية في نوعية الملكية التي يقرّرها اختلافاً جوهرياً ؛فالمجتمع الرأسمالي يؤمن بالشكل الخاص الفردي للملكيّة ، أي : بالملكيّة الخاصة ، كقاعدة عامّة فهو يسمح للأفراد بالملكية الخاصة لمختلف أنواع الثروة في البلاد تبعاً لنشاطاتهم وظروفهم ولا يعترف بالملكية العامة إلاّ حين تفرض الضرورة الاجتماعية ، وتبرهن التجربة على وجوب تأميم هذا المرفق أو ذاك فتكون هذه الضرورة حالة استثنائية يضطرّ المجتمع الرأسمالي على أساسها إلى الخروج عن مبدأ الملكية الخاصة ، واستثناء مرفق أو ثروة معينة من مجالها

والمجتمع الاشتراكي على العكس تماماً من ذلك ؛ فإنّ الملكية الاشتراكيّة فيه هي المبدأ العام الذي يطبّق على كلّ أنواع الثروة في البلاد ، وليست الملكية الخاصة لبعض الثروات ـ في نظره ـ إلاّ شذوذاً واستثناءاً ، قد يعترف به أحياناً بحكم ضرورة اجتماعية قاهرة

وعلى أساس هاتين النظرتين المتعاكستين ، للرأسمالية والاشتراكية، يطلق اسم : (المجتمع الرأسمالي ) على كلّ مجتمع يؤمن بالملكية الخاصة بوصفها المبدأ الوحيد ، وبالتأميم باعتباره استثناءاً ومعالجة لضرورة اجتماعية ، كما يطلق اسم : (المجتمع الاشتراكي ) على كل مجتمع يرى أنّ الملكية الاشتراكية هي المبدأ ، ولا يعترف بالملكية الخاصة إلاّ في حالات استثنائية

٢٤٦

وأمّا المجتمع الإسلامي فلا تنطبق عليه الصفة الأساسية لكلّ من المجتمعين ؛ لأنّ المذهب الإسلامي لا يتّفق مع الرأسمالية في القول : بأنّ الملكية الخاصة هي المبدأ ولا مع الاشتراكية في اعتبارها للملكية الاشتراكية مبدأ عاماً ، بل إنّه يقرّر الأشكال المختلفة للملكية في وقت واحد ، فيضع بذلك مبدأ الملكية المزدوجة (الملكية ذات الأشكال المتنوعة ) بدلاً عن مبدأ الشكل الواحد للملكية الذي أخذت به الرأسمالية والاشتراكية فهو يؤمن بالملكية الخاصة ، والملكية العامة ، وملكية الدولة(١) ويخصّص لكلّ واحدٍ من هذه الأشكال الثلاثة للملكية حقلاً خاصاً تعمل فيه ، ولا يعتبر شيئاً منها شذوذاً واستثناءً ، أو علاجاً موقّتاً اقتضته الظروف

ولهذا كان من الخطأ أن يسمّى المجتمع الإسلامي : مجتمعاً رأسمالياً وإن سمح بالملكية الخاصة لعدّة من رؤوس الأموال ووسائل الإنتاج ؛ لأنّ الملكية الخاصة عنده ليست هي القاعدة العامة كما أنّ من الخطأ أن نطلق على المجتمع الإسلامي اسم المجتمع الاشتراكي ، وإن أخذ بمبدأ الملكية العامة ، وملكية الدولة في بعض الثروات ورؤوس الأموال ؛ لأنّ الشكل الاشتراكي للملكية ليس هو القاعدة العامة في رأيه وكذلك من الخطأ أيضاً أن يعتبر مزاجاً مركّباً من هذا وذاك ؛ لأنّ تنوع الأشكال الرئيسية للملكية في المجتمع الإسلامي لا يعني أنّ الإسلام مزج بين المذهبين : الرأسمالي والاشتراكي ، وأخذ من كلّ منهما جانباً وإنّما يعبّر ذلك التنوّع في أشكال الملكية عن : تصميمٍ مذهبيٍّ أصيل قائم على أسس وقواعد فكرية معيّنة ، وموضوع ضمن إطار خاص من القيم والمفاهيم ، تناقض الأسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت عليها الرأسمالية الحرة ، والاشتراكية الماركسية

ـــــــــــــــ

(١) أمّا الملكية الخاصة فهي معروفة ولا حاجة إلى الإشارة إلى موارها وأمّا الملكية العامة فمثل الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّها مشتركة بين المسلمين إذا لم تكن مواتاً حين الفتح وسائل الشيعة ٢٥ : ٤٣٥ ، الباب ١٨ من أبواب كتاب إحياء الموات ، وكذا هم شركاء في الماء والنار والكلأ ما لم يكن ملك أحدٍ بعينه المصدر نفسه : ٤١٧ ، الباب ٥

ومثال ملكية الدولة : الأنفال وكلّ أرض ملكتها بغير قتال وكلّ أرضٍ مواتٍ ، وميراث من لا وارث له ، وما غنمه المسلمون بغير إذن الإمام ، وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ( لجنة التحقيق )

٢٤٧

وليس هناك أدلّ على صحة الموقف الإسلامي من الملكية القائم على أساس مبدأ الملكية المزدوجة من واقع التجربتين الرأسمالية والاشتراكية ، فإنّ كلتا التجربتين اضطرّتا إلى الاعتراف بالشكل الآخر للملكية الذي يتعارض مع القاعدة العامة فيهما ؛ لأنّ الواقع برهن على خطأ الفكرة القائلة بالشكل الواحد للملكية فقد بدأ المجتمع الرأسمالي منذ أمد طويل يأخذ بفكرة التأميم وينزع عن بعض المرافق إطار الملكية الخاصة ، وليست حركة التأميم هذه إلاّ اعترافاً ضمنياً من المجتمعات الرأسمالية بعدم جدارة المبدأ الرأسمالي في الملكية ، ومحاولة لمعالجة ما نجم عن ذلك المبدأ من مضاعفات وتناقضات

كما أنّ المجتمع الاشتراكي من الناحية الأخرى ، وجد نفسه ـ بالرغم من حداثته ـ مضطرّاً أيضاً إلى الاعتراف بالملكية الخاصة قانونياً حيناً وبشكل غير قانوني أحياناً أخرى ، فمن اعترافه القانوني بذلك ما تضمّنته المادة السابعة في الدستور السوفيتي ، من النصّ على :

( أنّ لكلّ عائلة من عوائل المزرعة التعاونية ـ بالإضافة إلى دخلها الأساسي الذي يأتيها من اقتصاد المزرعة التعاونية المشترك ـ قطعة من الأرض خاصة بها وملحقة بمحلّ السكن ، ولها في الأرض اقتصاد إضافي ومنزل للسكنى وماشية منتجة وطيور وأدوات زراعية بسيطة كملكية خاصة )(١)

وكذلك سمحت المادة التاسعة بتملّك الفلاحين الفردّيين والحرفيين لمشاريع اقتصادية صغيرة ، وقيام هذه الملكيات الصغيرة إلى جانب النظام الاشتراكي السائد

ـــــــــــــــ

(١) الاشتراكية : ١٤٤

٢٤٨

٢ـ مبدأ الحرّية الاقتصادية في نطاق محدود

والثاني من أركان الاقتصاد الإسلامي : السماح للأفراد على الصعيد الاقتصادي بحرّية محدودة بحدود من القيم المعنوية والخلقية التي يؤمن بها الإسلام

وفي هذا الركن نجد أيضاً الاختلاف البارز بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي فبينما يمارس الأفراد حرّيات غير محدودة في ظلّ الاقتصاد الرأسمالي ، وبينما يصادر الاقتصاد الاشتراكي حرّيات الجميع ، يقف الإسلام موقفه الذي يتّفق مع طبيعته العامة فيسمح للأفراد بممارسة حرّياتهم ضمن نطاق القيم والمُثل ، التي تهذب الحرّية وتصقلها ، وتجعل منها أداة خير للإنسانية كلّها

والتحديد الإسلامي للحرّية الاجتماعية في الحقل الاقتصادي على قسمين :

أحدهما : التحديد الذاتي الذي ينبع من أعماق النفس ، ويستمد قوته ورصيده من المحتوى الروحي والفكري للشخصية الإسلامية

والآخر : التحديد الموضوعي ، الذي يعبر عن قوّة خارجية تحدد السلوك الاجتماعي وتضبطه

[ التحديد الذاتي للحرّية : ]

أمّا التحديد الذاتي : فهو يتكوّن طبيعياً في ظلّ التربية الخاصة التي ينشئ الإسلام عليها الفرد في المجتمع الذي يتحكّم الإسلام في كلّ مرافق حياته ( المجتمع الإسلامي ) فإن للإطارات الفكرية والروحية التي يصوغ الإسلام الشخصية الإسلامية ضمنها ، حين يعطي فرصةَ مباشرةِ واقع الحياة وصنع التأريخ على أساسه إنّ لتلك الإطارات قوّتها المعنوية الهائلة ، وتأثيرها الكبير في التحديد ذاتياً وطبيعياً من الحرّية الممنوحة لأفراد المجتمع الإسلامي ، وتوجيهها توجيهاً مهذّباً صالحاً ، دون أن يشعر الأفراد بسلب شيء من حرّيتهم ؛ لأنّ التحديد نبع من واقعهم الروحي والفكري ، فلا يجدون فيه حدّاً لحرّياتهم ولذلك لم يكن التحديد الذاتي تحديداً للحرّية في الحقيقة ، وإنّما هو عملية إنشاء للمحتوى الداخلي للإنسان الحرّ ، إنشاءً معنوياً صالحاً ، حيث تؤدّي الحرّية في ظلّه رسالتها الصحيحة

٢٤٩

وقد كان لهذا التحديد الذاتي نتائجه الرائعة وآثاره الكبيرة في تكوين طبيعة المجتمع الإسلامي ومزاجه العام ، وبالرغم من أنّ التجربة الإسلامية الكاملة كانت قصيرة الأمد فقد آتت ثمارها ، وفجّرت في النفس البشرية إمكاناتها المثالية العالية ، ومنحتها رصيداً روحياً زاخراً بمشاعر العدل والخير والإحسان ، ولو قدّر لتلك التجربة أن تستمر وتمتدّ في عمر الإنسانية أكثر ممّا امتدّت في شوطها التأريخي القصير لاستطاعت أن تبرهن على كفاءة الإنسانية لخلافة الأرض ، ولصنعت عالماً جديداً زاخراً بمشاعر العدل والرحمة ، واجتثت من النفس البشرية أكثر ما يمكن استئصاله من عناصر الشر ودوافع الظلم والفساد

وناهيك من نتائج التحديد الذاتي أنّه ظل وحده هو الضامن الأساسي لأعمال البرّ والخير في مجتمع المسلمين ، منذ خسر الإسلام تجربته للحياة وفقد قيادته السياسية وإمامته الاجتماعية ، وبالرغم من ابتعاد المسلمين عن روح تلك التجربة والقيادة ، بعداً زمنياً امتدّ قروناً عديدة ، وبعداً روحياً يقدّر بانخفاض مستوياتهم الفكرية والنفسية ، واعتيادهم على ألوان أخرى للحياة الاجتماعية والسياسية بالرغم من ذلك كلّه ، فقد كان للتحديد الذاتي الذي وضع الإسلام نواته في تجربته الكاملة للحياة دوره الإيجابي الفعّال في ضمان أعمال البرّ والخير ، التي تتمثّل في إقدام الملايين من المسلمين بملء حرّيتهم المتبلورة في إطار ذلك التحديد على دفع الزكاة وغيرها من حقوق الله ، والمساهمة في تحقيق مفاهيم الإسلام عن العدل الاجتماعي ، فماذا تقدّر من نتائج في ضوء هذا الواقع لو كان هؤلاء المسلمون يعيشون التجربة الإسلامية الكاملة ، وكان مجتمعهم تجسيداً كاملاً للإسلام في أفكاره وقيمه وسياسته ، وتعبيراً عملياً عن مفاهيمه ومُثُله ؟!

[ التحديد الموضوعي للحرّية : ]

وأمّا التحديد الموضوعي للحرّية ، فنعني به : التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي من خارج بقوة الشرع ، ويقوم هذا التحديد الموضوعي للحرّية في الإسلام على المبدأ القائل : إنّه لا حرّية للشخص فيما نصّت عليه الشريعة المقدسة من ألوان النشاط التي تتعارض مع المُثُل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها

٢٥٠

وقد تمّ تنفيذ هذا المبدأ في الإسلام بالطريقة التالية :

أولاً : كفلت الشريعة في مصادرها العامة النصّ على المنع عن مجموعة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية ، المعيقة ـ في نظر الإسلام ـ عن تحقيق المُثُل والقيم التي يتبنّاها الإسلام ، كالرِّبا والاحتكار(١) ، وغير ذلك(٢) .

وثانياً : وضعت الشريعة مبدأ إشراف وليِّ الأمر على النشاط العام وتدخّل الدولة لحماية المصالح العامة وحراستها بالتحديد من حرّيات الأفراد فيما يمارسون من أعمال وقد كان وضع الإسلام لهذا المبدأ ضرورياً لكي يضمن تحقيق مُثُله ومفاهيمه في العدالة الاجتماعية على مرّ الزمن فإنّ متطلّبات العدالة الاجتماعية التي يدعو إليها الإسلام تختلف باختلاف الظروف الاقتصادية للمجتمع ، والأوضاع المادّية التي تكتنفه ، فقد يكون القيام بعمل مضرّاً بالمجتمع وكيانه الضروري في زمان دون زمان ، فلا يمكن تفصيل ذلك في صِيَغٍ دستورية ثابتة ، وإنّما السبيل الوحيد هو فسح المجال لوليِّ الأمر ليمارس وظيفته بصفته سلطة مراقبة وموجّهة ومحدّدة لحرّيات الإفراد فيما يفعلون أو يتركون من الأمور المباحة في الشرع ، وفقاً للمثل الإسلامي في المجتمع

ـــــــــــــــ

(١) قوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) سورة البقرة : ٢٧٥ وسائل الشيعة ١٨ : ١١٧ ، الباب الأوّل من أبواب الرِّبا و ١٧ : ٤٢٣ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة

(٢) كالقمار ، قال تعالى :( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) سورة المائدة : ٩٠ وسائل الشيعة ١٧ : ١٦٤ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به

٢٥١

والأصل التشريعي لمبدأ الإشراف والتدخّل هو القرآن الكريم ، في قوله تعالى :

( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) .

فإنّ هذا النصّ دلّ بوضوح على وجوب إطاعة أولي الأمر ولا خلاف بين المسلمين في أنّ أولي الأمر هم أصحاب السلطة الشرعية في المجتمع الإسلامي ، وإن اختلفوا في تعيينهم وتحديد شروطهم وصفاتهم ، فللسلطة الإسلامية العليا ـ إذن ـ حقّ الطاعة والتدخّل لحماية المجتمع وتحقيق التوازن الإسلامي فيه ، على أن يكون هذا التدخّل ضمن دائرة الشرعية المقدّسة فلا يجوز للدولة أو لولي الأمر أن يحلّل الرِّبا ، أو يجيز الغش ، أو يعطّل قانون الإرث ، أو يلغي ملكية ثابتة في المجتمع على أساس إسلامي وإنّما يُسمح لولي الأمر في الإسلام بالنسبة إلى التصرفات والأعمال المباحة في الشريعة أن يتدخّل فيها ، فيمنع عنها أو يأمر بها وفقاً للمثل الإسلامي للمجتمع فإحياء الأرض ، واستخراج المعادن ، وشقّ الأنهار ، وغير ذلك من ألوان النشاط والاتجار أعمال مباحة سمحت بها الشريعة سماحاً عاماً ووضعت لكلّ عمل نتائجه الشرعية التي تترتّب عليه ، فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع عن القيام بشيء من تلك التصرفات أو يأمر به ـ في حدود صلاحياته ـ كان له ذلك ، وفقا ًللمبدأ الآنف الذكر

ـــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٥٩

٢٥٢

وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطبّق مبدأ التدخّل هذا حين تقضي الحاجة ويتطلّب الموقف شيئاً من التدخّل والتوجيه ومن أمثلة ذلك : ما جاء في الحديث الصحيح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( من أنّه قضى بين أهل المدينة في مشارب النخل : أنّه لا يمنع نفع الشيء وقضى بين أهل البادية : أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ) (١)

فإنّ من الواضح لدى الفقهاء أنّ منع نفع الشيء أو فضل الماء ليس محرّماً بصورة عامة في الشريعة المقدسة وفي هذا الضوء نعرف أنّ النبي لم يحرّم على أهل المدينة منع نفع الشيء ، أو منع فضل الماء بصفته رسولاً مبلّغاً للأحكام الشرعية العامة ، وإنّما حرّم ذلك بوصفه وليِّ الأمر المسئول عن تنظيم الحياة الاقتصادية للمجتمع وتوجيهها توجيهاً لا يتعارض مع المصلحة العامة التي يقدّرها وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل الرواية تعبّر عن تحريم النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بالقضاء لا بالنهي ، نظراً إلى أنّ القضاء لون من الحكم (٢)

وسوف نتناول هذا المبدأ ( مبدأ الأشراف والتدخّل) ، بشكل أوسع وبصورة أكثر وضوحاً وتحديداً في بحثٍ مقبل

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤٢ ، الباب ٧ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢

(٢) وقد اعتقد بعض الفقهاء [ مسالك الأفهام ١٢ : ٤٤٦ ، وجواهر الكلام ٣٨ : ١١٩ ] في قضاء النبيّ ( بأنّ لا يمنع فضل الماء أو نفع الشيء ) : أنّه نهي كراهة لا نهي تحريم وإنّما اضطروا إلى هذا النوع من التأويل وانتزاع طابع الحتم والوجوب عن قضاء النبيّ ، اعتقاداً منهم بأنّ الحديث لا يتحمّل إلاّ أحد معنيين : فإمّا أن يكون نهي النبيّ تحريماً فيصبح منع فضل الماء والكلأ محرّماً في الشريعة ، كتحريم الخمر وغيره من المحرّمات العامة وإمّا أن يكون النهي ترجيحاً واستحساناً لسخاء المالك بفضل ماله ولما كان المعنى الأوّل غريباَ عن الذهنية الفقهية فيجب الأخذ بالتفسير الثاني

ولكن هذا في الواقع لا يبرر تأويل قضاء النبيّ وتفسيره بالترجيح والاستحسان ما دام من الممكن أن نحتفظ لقضاء النبي بطابع الحتم والوجوب ، كما يشعّ به اللفظ ، ونفهمه بوصفه حكماً صدر من النبيّ بما هو وليّ الأمر ، نظراً إلى الظروف الخاصة التي كان المسلمون يعيشونها ، وليس حكماً شرعياً عامّاً كتحريم الخمر أو الميسر ( المؤلّف قدّس سرّه )

٢٥٣

٣ ـ مبدأ العدالة الاجتماعية

والركن الثالث في الاقتصاد الإسلامي هو : مبدأ العدالة الاجتماعية ، التي جسدها الإسلام فيما زوّد به نظام توزيع الثروة في المجتمع الإسلامي من عناصر وضمانات تكفل للتوزيع قدرته على تحقيق العدالة الإسلامية ، وانسجامه مع القيم التي يرتكز عليها فإنّ الإسلام حين أدرج العدالة الاجتماعية ضمن المبادئ الأساسية التي يتكوّن منها مذهبه الاقتصادي لم يتبنَ العدالة الاجتماعية بمفهومها التجريدي العام ، ولم ينادِ بها بشكلٍ مفتوحٍ لكلّ تفسير ، ولا أوكله إلى المجتمعات الإنسانية التي تختلف في نظرتها للعدالة الاجتماعية باختلاف أفكارها الحضارية ومفاهيمها عن الحياة وإنّما حدّد الإسلام هذا المفهوم وبلوره في مخطّط اجتماعيٍّ معيّن ، واستطاع ـ بعد ذلك ـ أن يجسّد هذا التصميم في واقع اجتماعي حيّ تنبض جميع شرايينه وأوردته بالمفهوم الإسلامي للعدالة

فلا يكفي أن نعرف من الإسلام مناداته بالعدالة الاجتماعية ، وإنّما يجب أن نعرف أيضاً تصوّراته التفصيلية للعدالة ، ومدلولها الإسلامي الخاص والصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعية تحتوي على مبدأين عامّين ، لكلّ منهما خطوطه وتفصيلاته :

أحدهما : مبدأ التكافل العام

والآخر : مبدأ التوازن الاجتماعي

وفي التكافل والتوازن بمفهومهما الإسلامي تحقّق القيم الاجتماعية العادلة ، ويوجد المثل الإسلامي للعدالة الاجتماعية ، كما سنرى في فصلٍ قادم(١)

وخطوات الإسلام التي خطاها في سبيل إيجاد المجتمع الإنساني الأفضل عبر تجربته التأريخية المشعّة كانت واضحة وصريحة في اهتمامه بهذا الركن الرئيسي من اقتصاده

وقد انعكس هذا الاهتمام ـ بوضوح ـ في الخطاب الأوّل الذي ألقاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي أوّل عمل سياسي باشره في دولته الجديدة

فإنّ الرسول الأعظم دشّن بياناته التوجيهية ـ كما في الرواية ـ بخطابه هذا :

( أمّا بعد ، أيّها الناس ، فقدّموا لأنفسكم ، تعلمنَّ والله ليصعقنَّ أحدكم ثمّ ليدعنَّ غنمه ليس لها راع ، ثمّ ليقولنَّ له ربّه : ألم يأتك رسولي فبلّغك ، وآتيتك مالاً وأفضلتُ عليك ؟! فما قدّمت لنفسك ؟! فَلَيَنْظُرنَّ يميناً وشمالاً فلا يرى شيئاً ، ثمّ لَيَنظرنَّ قدّامه فلا يرى غير جهنّم فمن استطاع أن يقي وجهه

ـــــــــــــــ

(١) سيأتي البحث عن المبدأين في فصل : مسئولية الدولة في الاقتصاد الإسلامي .

٢٥٤

من النار ـ ولو بشقّ تمرةٍ ـ فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمةٍ طيبة ؛ فإنّها تجزى الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) (١) .

وبدأ عمله السياسي بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وتطبيق مبدأ التكافل بينهم(٢) ؛ بُغية تحقيق العدالة الاجتماعية التي يتوخّاها الإسلام

فهذه هي الأركان الأساسية في الاقتصاد الإسلامي :

أولاً : ملكية ذات أشكال متنوّعة ، يتحدّد التوزيع في ضوئها

ثانياً : حرّية محدودة بالقيم الإسلامية ، في مجالات : الإنتاج ، والتبادل ، والاستهلاك

ثالثاً : عدالة اجتماعية تكفل للمجتمع سعادته ، قوامها التكافل والتوازن

[ الواقعية والأخلاقية في الاقتصاد الإسلامي : ]

وللمذهب الاقتصادي في الإسلام صفتان أساسيتان تشعّان في مختلف خطوطه وتفاصيله ، وهما : الواقعية ، والأخلاقية فالاقتصاد الإسلامي اقتصاد واقعي وأخلاقي معاً في غاياته التي يرمي إلى تحقيقها ، وفي الطريقة التي يتّخذها لذلك

فهو اقتصاد واقعي في غايته ؛ لأنّه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية ، بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة ، ويحاول دائماً أن لا يرهق الإنسانية في حسابه التشريعي ، ولا يحلق بها في أجواء خيالية عالية فوق طاقاتها وإمكاناتها وإنّما يقيم مخطّطه الاقتصادي دائماً على أساس النظرة الواقعية للإنسان ، ويتوخى الغايات الواقعية التي تتّفق مع تلك النظرة فقد يلذّ لاقتصادٍ خياليٍّ كالشيوعية مثلاً أن يتبنّى غاية غير واقعية ، ويرمي إلى تحقيق إنسانية جديدة طاهرة من كلّ نوازع الأنانية ، قادرة على توزيع الأعمال والأموال بينها دون حاجة إلى أداة حكومية تباشر التوزيع ، سليمة من كلّ ألوان الاختلاف أو الصراع غير أنّ هذا لا يتّفق مع طبيعة التشريع الإسلامي ، وما اتصف به من واقعية في غاياته وأهدافه

ـــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ٦ : ٣٦٧ ، الحديث ١٦١٠١ ، مع اختلاف يسير

(٢) السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٢

٢٥٥

وهو ـ إلى هذا ـ واقعيّ في طريقته أيضاً ، فكما يستهدف غايات واقعية ممكنة التحقيق ، كذلك يضمن تحقيق هذه الغايات ضماناً واقعياً مادّياً ، ولا يكتفي بضمانات النصح والتوجيه التي يقدّمها الوعّاظ والمرشدون ؛ لأنّه يريد أن يخرج تلك الأهداف إلى حيّز التنفيذ ، فلا يقنع بإيكالها إلى رحمة الصدف والتقادير فحين يستهدف مثلاً إيجاد التكافل العام في المجتمع لا يتوسّل إليه بأساليب التوجيه واستثارة العواطف فحسب ، وإنّما يسنده بضمان تشريعي يجعله ضروري التحقيق على كلّ حال

والصفة الثانية للاقتصاد الإسلامي وهي الصفة الأخلاقية ، تعني ـ من ناحية الغاية ـ : أنّ الإسلام لا يستمدّ غاياته التي يسعى إلى تحقيقها في حياة المجتمع الاقتصادية من ظروف مادّية وشروط طبيعة مستقلّة عن الإنسان نفسه ، كما تستوحي الماركسية غاياتها من وضع القوى المنتجة وظروفها ، وإنّما ينظر إلى تلك الغايات بوصفها معبّرة عن قيم عملية ضرورية التحقيق من ناحية خُلقية فحين يقرّر ضمان حياة العامل مثلاً ، لا يؤمن بأنّ هذا الضمان الاجتماعي الذي وضعه نابع من الظروف المادّية للإنتاج مثلاً ، وإنّما يعتبره ممثّلاً لقيمة عملية يجب تحقيقها ، كما سندرس ذلك بصورة مفصلة خلال بحوث هذا الفصل.

وتعني الصفة الخُلقية ـ من ناحية الطريقة ـ : أنّ الإسلام يهتم بالعامل النفسي خلال الطريقة التي يضعها لتحقيق أهدافه وغاياته فهو في الطريقة التي يضعها لذلك لا يهتمّ بالجانب الموضوعي فحسب ـ وهو أن تُحقّق تلك الغايات ـ وإنّما يعنى بوجه خاص بمزج العامل النفسي والذاتي بالطريقة التي تُحقّق تلك الغايات فقد يؤخذ من الغني مال لإشباع الفقير مثلاً ، ويتأتّى بذلك للفقير أن يشبع حاجاته ، وتوجد بذلك الغاية الموضوعية التي يتوخّاها الاقتصاد الإسلامي من وراء مبدأ التكافل ولكن هذا ليس هو كلّ المسألة في حساب الإسلام ، بل هناك الطريقة التي تمّ بها تحقيق التكافل العام لأنّ هذه الطريقة قد تعني مجرد استعمال القوّة في انتزاع ضريبة من الأغنياء لكفالة الفقراء ، وهذا وإن كفى في تحقيق الجانب الموضوعي من المسألة ـ أي : إشباع الفقير ـ ، ولكنّ الإسلام لا يقرّ ذلك ما دامت طريقة تحقيق التكافل مجرّدة عن الدافع الخُلقي ، والعامل الخيِّر في

٢٥٦

نفس الغني ولأجل ذلك تدخّل الإسلام وجعل من الفرائض المالية ـ التي استهدف منها إيجاد التكافل ـ عبادات شرعية ، يجب أن تنبع عن دافع نفسيّ نيّر يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي ، بشكل واع ٍمقصودٍ ، طلباً بذلك رضا الله تعالى والقرب منه(١)

ولا غروَّ أن يكون للإسلام هذا الاهتمام بالعامل النفسي ، وهذا الحرص على تكوينه روحياً وفكرياً طبقاً لغاياته ومفاهيمه ، فإنّ لطبيعة العوامل الذاتية التي تعتلج في نفس الإنسان أثرها الكبير في تكوين شخصية الإنسان ، وتحديد محتواه الروحي ، كما أنّ للعامل الذاتي أثره الكبير على الحياة الاجتماعية ومشاكلها وحلولها وقد بات من الواضح لدى الجميع اليوم : أنّ العامل النفسي يلعب دوراً رئيسياً في المجال الاقتصادي ، فهو يؤثّر في حدوث الأزمات الدورية التي يضجّ من ويلاتها الاقتصاد الأوروبي ويؤثّر أيضاً على منحنى العرض والطلب وفي الكفاية الإنتاجية للعامل ، إلى غير ذلك من عناصر الاقتصاد

فالإسلام إذن لا يقتصر ـ في مذهبه وتعاليمه ـ على تنظيم الوجه الخارجي للمجتمع ، وإنّما ينفذ إلى أعماقه الروحية والفكرية ؛ ليوفّق بين المحتوى الداخلي وما يرسمه من مخطّط اقتصادي واجتماعي ولا يكتفي في طريقته أن يتّخذ أيّ أسلوب يكفل تحقيق غاياته ، وإنّما يمزج هذا الأسلوب بالعامل النفسي والدافع الذاتي الذي ينسجم مع تلك الغايات ومفاهيمها

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٦ ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، و ٩ : ٣١٢ ، الباب ٥٦ من أبواب المستحقّين للزكاة

٢٥٧

٢ ـ الاقتصاد الإسلامي جزءٌ من كُلّ

إنّنا في وعينا للاقتصاد الإسلامي لا يجوز أن ندرسه مجزّأً بعضه عن بعض ، نظير أن ندرس حكم الإسلام بحرمة الرِّبا ، أو سماحه بالملكية الخاصة ، بصورة منفصلة عن سائر أجزاء المخطّط العام كما لا يجوز أيضاً أن ندرس مجموع الاقتصاد الإسلامي بوصفه شيئاً منفصلاً وكياناً مذهبياً مستقلاً عن سائر كيانات المذاهب : الاجتماعية والسياسية الأخرى ، وعن طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الكيانات وإنّما يجب أن نعي الاقتصاد الإسلامي ضمن الصيغة الإسلامية العامة التي تنظّم شتّى نواحي الحياة في المجتمع فكما ندرك الشيء المحسوس ضمن صيغة عامّة تتألّف من مجموعة أشياء ، وتختلف النظرة إلى الشيء ضمن الصيغة العامة عن النظرة إليه خارج تلك الصيغة ، أو ضمن صيغة أخرى ، حتى لقد يبدو الخطّ قصيراً ضمن تركيب معيّن من الخطوط ، ويبدو أطول من ذلك إذا تغير تركيب الخطوط كذلك أيضاً تلعب الصيغ العامة للمذاهب الاجتماعية دوراً مهمّاً في تقدير مخطّطاتها الاقتصادية فمن الخطأ أن لا نعير الصيغة الإسلامية العامة أهمّيتها ، وأن ندخل في الحساب طبيعة العلاقة بين الاقتصاد وسائر أجزاء المذهب ، والتأثير المتبادل بينها في كيانه العضوي العام .

كما يجب أيضاً أن لا نفصل بين المذهب الإسلامي بصيغته العامة ، وبين أرضيته الخاصة التي أعدت له وهُيئَ فيها كلّ عناصر البقاء والقوّة للمذهب فكما ندرك الصيغ المحسوسة على أرضيات مختلفة وينسجم كلّ شكل مع أرضية معيّنة ، فقد لا تصلح أرضية لشكل آخر ، ولا يصلح ذلك الشكل لأرضية أخرى كذلك الصيغة العامة للمذهب ـ أيَّ مذهب كان ـ تحتاج إلى أرضية وتربة تتّفق مع طبيعتها ، وتمدّها بالعقيدة والمفاهيم والعواطف التي تلائمها ، فلا بدّ لدى تقدير الصيغة العامة للمذهب أن ندرسها على أساس التربة والأرضية المعدّة لها ، أي ضمن إطارها العام

وهكذا يتّضح أنّ الاقتصاد الإسلامي مترابط في خطوطه وتفاصيله ، وهو بدوره جزء من صيغة عامة للحياة ، وهذه الصيغة لها أرضية خاصة بها ، ويوجد المجتمع الإسلامي الكامل حين يكتسب الصيغة والأرضية معاً ، حين يحصل على النبتة والتربة كليهما ويستقيم منهج البحث في الاقتصاد الإسلامي حين يدرس الاقتصاد الإسلامي بما هو مخطّط مترابط ، وبوصفه جزءاً من الصيغة الإسلامية العامة للحياة التي ترتكز بدورها على التربة والأرضية التي أعدّها الإسلام للمجتمع الإسلامي الصحيح.

٢٥٨

[ أرضية المجتمع الإسلامي : ]

وتتكوّن التربة أو الأرضية للمجتمع الإسلامي ، ومذهبه الاجتماعي ، من العناصر التالية :

أوّلاً: العقيدة ، وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي التي تحدّد نظرة المسلم الرئيسية إلى الكون بصورة عامة .

وثانياً : المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء على ضوء النظرة العامة التي تبلورها العقيدة .

وثالثاً : العواطف والأحاسيس التي يتبّنى الإسلام بثّها وتنميتها ، إلى صف تلك المفاهيم ، لأنّ المفهوم ـ بصفته فكرة إسلامية عن واقع معيّن ـ يفجّر في نفس المسلم شعوراً خاصاً تجاه ذلك الواقع ، ويحدّد اتجاهه العاطفي نحوه فالعواطف الإسلامية وليدة المفاهيم الإسلامية ، والمفاهيم الإسلامية بدورها موضوعة في ضوء العقيدة الإسلامية الأساسية ولنأخذ لذلك مثلاً من التقوى ، ففي ظلّ عقيدة التوحيد ينشأ المفهوم الإسلامي عن التقوى القائل : إنّ التقوى هي ميزان الكرامة والتفاضل بين أفراد الإنسان(١) ، وتتوّلد عن هذا المفهوم عاطفة إسلامية بالنسبة إلى التقوى والمتّقين ، وهي عاطفة الإجلال والاحترام .

فهذه هي العناصر الثلاثة : العقيدة ، والمفاهيم ، والعواطف ، التي تشترك في تكوين التربة الصالحة للمجتمع

ثمّ يأتي ـ بعد التربة ـ دور الصيغة الإسلامية العامة للحياة كلاًّ لا يتجزّأ يمتد إلى مختلف شُعب الحياة وعندما يستكمل المجتمع الإسلامي تربته وصيغته العامة ، عندئذ فقط نستطيع أن نترقّب من الاقتصاد الإسلامي أن يقوم برسالته الفذّة في الحياة الاقتصادية ، وأن يضمن للمجتمع أسباب السعادة والرفاه ، وأن نقطف منه أعظم الثمار .

ـــــــــــــــ

(١) قال تعالى :( إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) سورة الحجرات : ١٣ .

٢٥٩

وأما أن ننتظر من الرسالة الإسلامية الكبرى أن تحقّق كلّ أهدافها من جانب معيّن من جوانب الحياة إذا طبقت في ذلك الجانب بصورة منفصلة عن سائر شعب الحياة الأخرى فهذا خطأ ؛ لأنّ الارتباط القائم في التصميم الإسلامي الجبّار للمجتمع بين كلّ جانب منه وجوانبه الأخرى يجعل شأنه شأن خريطة يضعها أبرع المهندسين لإنشاء عمارة رائعة ، فليس في إمكان هذه الخريطة أن تعكس الجمال والروعة ـ كما أراد المهندس ـ إلاّ إذا طبّقت بكاملها ، وأمّا إذا أخذنا بها في بناء جزء من العمارة فقط فليس من حقّنا أن نترقّب من هذا الجزء أن يكون كما أراد المهندس في تصميمه للخريطة كلّها

وكذلك التصميم الإسلامي فإنّ الإسلام اشترع نهجه الخاصّ به ، وجعل منه الأداة الكاملة لإسعاد البشرية ، على أن يطبق هذا النهج الإسلامي العظيم في بيئة إسلامية قد صيغت على أساس الإسلام في وجودها وأفكارها وكيانها كلّه ، وأن يطبّق كاملاً غير منقوص يشدّ بعضه بعضاً .

فعزل كلّ جزء من النهج الإسلامي عن بيئته ـ وعن سائر الأجزاء ـ معناه عزله عن شروطه التي يتاح له في ظلّها تحقيق هدفه الأسمى ، ولا يعتبر هذا طعناً في التوجيهات الإسلامية ، أو تقليلاً من كفاءتها وجدارتها بقيادة المجتمع ؛ فإنّها في هذا بمثابة القوانين العلمية التي تؤتى ثمارها متى توافرت الشروط التي تقضيها هذه القوانين

[ نماذج من الارتباط بين الاقتصاد الإسلامي وسائر عناصر الإسلامية : ]

ونحن لا نستطيع في عرضنا هذا ، أن نبرز جميع أوجه الارتباط في الاقتصاد الإسلامي ، وأوجه الارتباط والتفاعل بينه وبين سائر ما يتّصل به من خصائص وعناصر إسلامية أخرى ، وإنّما نقتصر على نماذج من ذلك كما يلي :

١ ـ ارتاط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة التي هي مصدر التموين الروحي للمذهب فإنّ العقيدة تدفع المسلم إلى التكيّف وفقاً للمذهب بوصفه نابعاً من تلك العقيدة ، وتضفي على المذهب طابعاً إيمانياً وقيمة ذاتية بقطع النظر عن نوعية النتائج الموضوعية التي يسجّلها في مجال المذهب ، باعتباره منبثقاً عن تلك العقيدة التي يدين بها فقوّة ضمان التنفيذ والطابع الإيماني والروحي والاطمئنان النفسي كلّ تلك الخصائص يتميّز بها الاقتصاد الإسلامي عن طريق العقيدة الأساسية التي يرتكز عليها ويتكوّن ضمن إطارها العام ، وهي لذلك لا تظهر لدى البحث إلاّ إذا دُرس الاقتصاد الإسلامي على ضوء العقيدة ومدى تفاعله بها

٢٦٠