اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152244 / تحميل: 9440
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإذا كان الأفراد العاجزون بطبيعتهم عن العمل منفصلين عن الصراع الطبقي بين الرأسماليين والعمال ، وبالتالي عن الطبقة العاملة التي تسيطر على وسائل الإنتاج في المرحلة الاشتراكية ، فلا يوجد أيّ تفسير علمي على الطريقة الماركسية يبرّر نصيب هؤلاء من التوزيع ، وحقّهم في الحياة وفي الثروة التي سيطرت عليها الطبقة العاملة ، ما داموا خارج نطاق الصراع الطبقي ، وهكذا لا تستطيع الماركسية أن تبرّر بطريقتها الخاصة ضمان حياة الفئة الثالثة ومعيشتها في المرحلة الاشتراكية .

وأمّا الإسلام فهو لا يحدّد عملية التوزيع على أساس الصراع الطبقي في المجتمع، وإنّما يحدّدها في ضوء المثل الأعلى للمجتمع السعيد ، وعلى أساس من القيم الخُلُقية الثابتة التي تفرض توزيع الثروة بالشكل الذي يضمن تحقيق تلك القيم وإيجاد ذلك المُثل ، وتقليص آلام الحرمان بأكبر درجة ممكنة

وعملية التوزيع التي ترتكز على هذه المفاهيم تتّسع بطبيعة الحال للفئة الثالثة بوصفها جزءاً من المجتمع الإنساني الذي يجب أن توزّع فيه الثروة بشكل يقلّص آلام الحرمان إلى أبعد حدٍّ ممكن ؛ تحقيقاً للمثل الأعلى للمجتمع السعيد ، وللقيم الخُلُقية التي يقيم الإسلام العلاقات الاجتماعية عليها ويصبح من الطبيعي عندئذٍ أن تعتبر حاجة هذه الفئة المحرومة سبباً كافياً لحقّها في الحياة ، وأداة من أدوات التوزيع :( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (١) .

الحاجة في نظر الإسلام والرأسمالية :

وأمّا الاقتصاد الرأسمالي بشكله الصريح فهو على النقيض من الإسلام تماماً في موقفه من الحاجة ، فإنّ الحاجة في المجتمع الرأسمالي ليست من الأدوات الإيجابية للتوزيع ، وإنّما هي أداة ذات صفة مناقضة ودور إيجابي معاكس لدورها في المجتمع الإسلامي فهي كلّما اشتدت عند الأفراد انخفض نصيبهم من التوزيع ، حتى يؤدّي الانخفاض في نهاية الأمر إلى انسحاب عددٍ كبيرٍ منهم عن مجال العمل والتوزيع ؛ والسبب في ذلك : أنّ انتشار الحاجة وشدّتها يعني : وجود كثرة من القوى العاملة المعروضة في السوق الرأسمالية تزيد عن الكمّية التي يطلبها أرباب الأعمال ، ونظراً إلى أنّ الطاقة الإنسانية سلعة رأسمالية تتحكّم في مصيرها قوانين العرض والطلب ، كما تتحكّم في سائر سلع السوق ، فمن الطبيعي أن ينخفض أجر العمل تبعاً لزيادة العرض على الطلب ، ويستمر الانخفاض وفقاً لهذه الزيادة ، وحين ترفض السوق الرأسمالية امتصاص كلّ الكمّية المعروضة من القوى العاملة ، ويُمنى عدد كبير من ذوي الحاجة بالبطالة ، نتيجة لذلك يتحتّم على هذا العدد الكبير أن يفعل المستحيل في سبيل أن يبقى حياً ، أو يتحمّل آلام الحرمان والموت جوعاً

ـــــــــــــــ

(١) سورة المعارج : ٢٤ ـ ٢٥ .

٣٠١

وهكذا فإنّ الحاجة لا تعني شيئاً إيجابياً في التوزيع الرأسمالي ، وإنّما تعني وفرة في المعروض من القوى العاملة ، وليس أمام كلّ سلعة تُمنى بزيادة العرض على الطلب إلاّ أن ينخفض ثمنها ويجمد إنتاجها حتى تستهلك ، وتصحّح النسبة بين العرض والطلب .

فالحاجة في المجتمع الرأسمالي تعني : انسحاب الفرد من مجال التوزيع وليست أداةً للتوزيع

الملكية الخاصة :

حينما قرر الإسلام : أنّ العمل سبب للملكية وفقاً للميل الطبيعي في الإنسان إلى تملك نتائج عمله ، واتخذ من العمل على هذا الأساس أداة رئيسية للتوزيع ، انتهى من ذلك إلى أمرين :

أحدهما : السماح بظهور الملكية الخاصة على الصعيد الاقتصادي فإنّ العمل إذا كان أساساً للملكية فمن الطبيعي أن توجد للعامل ملكية خاصة للسلع التي تدخّل في إيجادها وجعلها مالاً ، مثل : المزروعات والمنسوجات وما شاكلها

ونحن حين نقرر : أنّ تملك الإنسان العامل للأموال التي أنتجها تعبير عن ميل طبيعي فيه نعني بذلك : أن في الإنسان ميلاً طبيعياً إلى الاختصاص بنتائج عمله عن الآخرين ، الأمر الذي يُعبّر عنه في المدلول الاجتماعي : بالتملّك وأمّا نوعية الحقوق التي تترتّب على هذا الاختصاص فلا تقرّر وِفقاً لميلٍ طبيعي ، وإنّما يقرّرها النظام الاجتماعي وِفقاً لما يتبنّاه من أفكار ومصالح فمثلاً : هل من حقّ العامل الذي تملّك السلعة بالعمل أن يبذّر بها ما دامت مالاً خاصاً به ؟ أو هل من حقّه أن يستبدلها بسلعة أخرى ، أو أن يتّجر بها وينمّي ثروته عن طريق جعلها رأس مال تجاري أو ربوي ؟

إنّ الجواب على هذه الأسئلة وما شاكلها يقرّره النظام الاجتماعي الذي يحدّد للملكية الخاصة حقوقها ، ولا يتّصل بالفطرة والغريزة

ولأجل هذا تدخّل الإسلام في تحديد حقوق الاختصاص هذه ، فأنكر بعضها واعترف بالبعض الآخر ، وِفقاً للمُثل والقِيم التي تبنّاها فقد أنكر مثلاً حقّ المالك في التبذير بماله أو الإسراف به في مجال الإنفاق ، وأقرّ حقّه في الاستمتاع به دون تبذير أو إسراف ، وأنكر حقّ المالك في تنمية أمواله التي يملكه عن طريق الرِّبا ، وأجاز له تنميتها عن طريق التجارة ضمن حدود وشروط خاصة وتبعاً لنظرياته العامة في التوزيع ، التي سوف ندرسها في الفصول المقبلة إن شاء الله .

٣٠٢

[ تحديد الملكية الخاصة : ]

والأمر الآخر الذي يستنتج من قاعدة ( أنّ العمل سبب الملكية ) : هو تحديد مجال الملكية الخاصة وِفقاً لمقتضيات هذه القاعدة فإنّ العمل إذا كان هو الأساس الرئيسي للملكية الخاصة فيجب أن يقتصر نطاق الملكية الخاصة على الأموال التي يمكن للعمل أن يتدخّل في إيجادها أو تركيبها ، دون الأموال التي ليس للعمل فيها أدنى تأثير

وعلى هذا الأساس تنقسم الأموال بحسب طبيعة تكوينها وإعدادها إلى ثروات خاصة وعامة .

فالثروات الخاصة : كلّ مال يتكوّن أو يتكيف طبقاً للعمل البشري الخاص المنفق عليه ، كالمزروعات والمنسوجات ، والثروات التي أنفق عملٌ في سبيل استخراجها من الأرض والبحر أو اقتناصها من الجو ، فإنّ العمل البشري يتدخّل هنا : إمّا في تكوين نفس المال كعمل الزراع بالنسبة إلى الناتج الزراعي ، وإمّا في تكييف وجوده وإعداده بالصورة التي تسمح بالاستفادة منه ، كالعمل المبذول في استخراج الكهرباء من القوى المنتشرة في الطبيعة ، أو إخراج الماء أو البترول من الأرض فالطاقة الكهربائية والكميات المستخرجة من الماء أو البترول ليست مخلوقة للعمل البشري ، ولكن العمل هو الذي كيّفها وأعدّها بالصورة التي تسمح بالاستفادة منها .

وهذه الثروات التي يدخل العمل البشري في حسابها هي المجال المحدد في الإسلام للملكية الخاصة ، أي : النطاق الذي سمح الإسلام بظهور الملكية الخاصة فيه ؛ لأنّ العمل أساس الملكية ، وما دامت تلك الأموال ممتزجة بالعمل البشري فللعامل أن يتملّكها ، ويستعمل حقوق التملّك من استمتاع واتّجار وغيرهما .

وأمّا الثروات العامة فهي : كلّ مالٍ لم تتدخّل اليد البشرية فيه كالأرض ، فإنّها مالٌ لم تصنعه اليد البشرية والإنسان وإن كان يتدخّل أحياناً في تكييف الأرض بالكيفية التي تجعلها صالحة للزراعة والاستثمار ، غير أنّ هذا التكييف محدود مهما فرض أمده ، فإنّ عمر الأرض أطول منه ، فهو لا يعدو أن يكون تكييفاً لفترة محدودة من عمر الأرض وتشابه الأرض في ذلك رقبة المعادن والثروات الطبيعية الكامنة فيها ، فإنّ مادّة هذه المعادن الكامنة في الأرض ليست مدينة للعمل البشري في تكوينها أو تكييفها ، وإنّما يتدخّل العمل في الكمّيات المستخرجة منها ، التي ينفق جهد في سبيل إخراجها وفصلها عن بقية المواد الأرضية .

٣٠٣

وهذه الثروات العامة بحسب طبيعتها ـ أو عنوانها الأولي كما يقول الفقهاء ـ ليست مملوكة ملكية خاصة لفرد من الأفراد ؛ لأنّ أساس الملكية الخاصة هو العمل ، فالأموال التي لا يمتزج بها العمل لا تدخل في المجال المحدّد للملكية الخاصة ، وإنّما هي أموال مباحة إباحة عامة أو مملوكة ملكية عامة

فالأرض مثلاً ـ بوصفها مالاً لا تدخّل للعمل البشري فيه ـ لا تملك ملكية خاصة والعمل الذي يبذل في إحياء الأرض وإعدادها لَمّا كان تكييفاً مؤقّتاً بمدّة محدودة أقصر من عمر الأرض فهو لا يدرج الأرض في مجال الملكية الخاصة ، وإنّما يجعل للعامل حقاً في الأرض يسمح له بالانتفاع بها ، ومنع الآخرين من مزاحمته في ذلك ، لأنّه يمتاز عليهم بما أنفق على الأرض من طاقة فمن الظلم أن يساوي بين الأيدي التي عملت وتعبت وبين أيدٍ أخرى لم تعمل في الأرض ولم تتعب في سبيلها فلأجل ذلك ميز العامل بحقٍّ في الأرض دون أن يسمح له بتملّكها ، ويستمر هذا الحقّ مادامت الأرض متكيّفة وفقاً لعمله ، فإذا أهمل الأرض سقط حقّه الخاص

وهكذا يتّضح أنّ القاعدة العامة هي : أنّ الملكية الخاصة لا تظهر إلاّ في الأموال التي امتزجت في تكوينها وتكييفها بالعمل البشري ، دون الأموال والثروات الطبيعية التي لم تمتزج بالعمل ، لأنّ سبب الملكية الخاصة هو العمل ، فما لم يكن المال مندرجاً ضمن نطاق العمل البشري لا يدخل في مجال الملكية الخاصة .

وللقاعدة بالرغم من ذلك استثناءاتها ؛ لاعتبارات تتعلّق بمصلحة الدعوة الإسلامية ، كما سنشير إليه فيما يأتي .

الملكية أداة ثانوية للتوزيع :

ويأتي بعد العمل والحاجة دور الملكية بوصفها أداة ثانوية للتوزيع وذلك أنّ الإسلام حين سمح بظهور الملكية الخاصة على أساس العمل خالف الرأسمالية والماركسية معاً في الحقوق التي منحها للمالك ، والمجالات التي فسح له بممارستها فلم يسمح له باستخدام ماله في تنمية ثروته سماحاً مطلقاً دون تحديد ، كما صنعت الرأسمالية فأجازت كلّ ألوان الربح ولم يغلق عليه فرصة الربح نهائياً ، كما تفعل الماركسية إذ تحرّم الربح والاستثمار الفردي للمال بمختلف أشكاله ، وإنّما وقف الإسلام موقفاً وسطاً ؛ فحرّم بعض ألوان الربح كالربح الرَّبوي ، وسمح ببعض آخر كالربح التجاري.

٣٠٤

وهو في تحريمه لبعض ألوان الربح يعبّر عن خلافه الأساسي مع الرأسمالية في الحرية الاقتصادية ، التي مرّ بنا نقدها في بحث (مع الرأسمالية ) ، بوصفها أساساً للتفكير المذهبي الرأسمالي وسوف ندرس في بحوث مقبلة بعض ألوان الربح المحرم في الإسلام، كالربح الربوي، ووجهة نظر الإسلام، في إلغائه(١) .

كما أنّ الإسلام في سماحه بالربح التجاري يعبّر عن خلافه الأساسي مع الماركسية ، في مفهومها عن القيمة والقيمة الفائضة ، وطريقتها الخاصة في تفسير الأرباح الرأسمالية ، كما مرّ بنا في دراستنا للمادّية التأريخية

وباعتراف الإسلام بالربح التجاري أصبحت الملكية بنفسها أداة لتنمية المال ، عن طريق الاتجار وفقاً للشروط والحدود الشرعية ، وبالتالي أداة ثانوية للتوزيع ، محدودة بحدود من القيم المعنوية والمصالح الاجتماعية التي يتبنّاها الإسلام

هذه هي الصورة الإسلامية للتوزيع ، نستخلصها ممّا سبق ضمن هذه السطور :

ـ العمل أداة رئيسية للتوزيع بوصفه أساساً للملكية ، فمن يعمل في حقل الطبيعة يقطف ثمار عمله ويتملّكها .

ـ الحاجة أداة رئيسية للتوزيع بوصفها تعبيراً عن حقّ إنساني ثابت في الحياة الكريمة ، وبهذا تُكفل الحاجات في المجتمع الإسلامي ويضمن إشباعها

ـ الملكية أداة ثانوية للتوزيع عن طريق النشاطات التجارية التي سمح بها الإسلام ضمن شروط خاصة لا تتعارض مع المبادئ الإسلامية للعدالة الاجتماعية ، التي ضمن الإسلام تحقيقها كما سيأتي في شرح التفاصيل .

ـــــــــــــــ

(١) سيأتي في مبحث : القانون العام لمكافأة المصادر المادّية للإنتاج .

٣٠٥

التداول

التداول (المبادلة ) أحد الأركان الأساسية في الحياة الاقتصادية ، وهو لا يقلّ أهمية عن الإنتاج والتوزيع ، وإن كان متأخراً عنهما تأريخياً فإنّ الوجود التأريخي للإنتاج والتوزيع يقترن دائماً بالوجود الاجتماعي للإنسان ، فمتى وجد مجتمع إنساني فمن الضروري ـ ليواصل حياته ويكسب معيشته ـ أن يمارس لوناً من ألوان الإنتاج ، وأن يوزّع الثروة المنتجة على أفراده بأيّ شكلٍ من أشكال التوزيع التي يتّفق عليها ، فلا حياة اجتماعية للإنسان دون إنتاج وتوزيع .

وأمّا المبادلة فليس من الضروري أن توجد في حياة المجتمع منذ البدء ؛ لأنّ المجتمعات في بداية تكوينها تعيش على الأغلب لوناً من الاقتصاد البدائي المقفل ، الذي يعني : قيام كلّ عائلة في المجتمع بإنتاج كلّ ما تحتاج إليه دون الاستعانة بمجهودات الآخرين وهذا اللون من الاقتصاد المقفل لا يفسح مجالاً للمبادلة ، مادام كلّ منتوج يستوعب بإنتاجه كل حاجاته البسيطة ويكتفي بما ينتجه من سلع ، وإنّما تبدأ المبادلة دورها الفعّال على الصعيد الاقتصادي ، حين تتنوّع حاجات الإنسان وتنمو وتتعدّد السلع التي يحتاجها في حياته ، ويصبح كلّ فرد عاجزاً بمفرده عن إنتاج كلّ ما يحتاجه من تلك السلع بأنواعها وأشكالها المختلفة ، فيضطر المجتمع إلى تقسيم العمل بين أفراده ، ويأخذ كلّ مُنتِجٍ ـ أو فِئة من المُنتجِين ـ بالتخصّص في إنتاج سلعة معيّنة من السلع المختلفة التي يحسن إنتاجها أكثر من غيرها ، ويشبع حاجاته الأخرى بمبادلة الفائض من السلع التي ينتجها بما يحتاجه من السلع التي ينتجها الآخرون ، فتبدأ المبادلة في الحياة الاقتصادية بوصفها وسيلة لإشباع حاجات المُنتجِين ، بدلاً عن تكليف كلّ منتج بإشباع حاجاته كلّها بإنتاجه المباشر

وهكذا تنشأ المبادلة تيسيراً للحياة ، وتجاوباً مع اتساع الحاجات واتجاه الإنتاج إلى التخصّص والتطوّر .

وعلى هذا الأساس نعرف :

أنّ المبادلة في الحقيقة تعمل في الحياة الاقتصادية للمجتمع بوصفها واسطة بين الإنتاج والاستهلاك، أو بتعبير آخر بين المنتجين والمستهلكين فالمنتج يجد دائماً عن طريق المبادلة المستهلك الذي يحتاج إلى السلعة التي ينتجها ، وهذا المستهلك بدوره ينتج سلعة من نوع آخر ويحصل في المبادلة على المستهلك الذي يشتريها .

٣٠٦

ولكن ظُلم الإنسان ـ كما يعبّر القرآن الكريم(١) ـ الذي حرم الإنسانية من بركات الحياة وخيراتها ، وتدخّلٌ في مجال التوزيع على حساب هذا الحقّ أو ذاك سرى أيضاً إلى المبادلة حتى طوّرها وصيّرها أداة استغلال وتعقيد ، لا أداة إشباع للحاجات وتيسير للحياة ، وواسطة بين الإنتاج والادخار لا بين الإنتاج والاستهلاك فنشأ عن الوضع الظالم للمبادلة من المآسي وألوان الاستغلال نظير ما نشأ عن الأوضاع الظالمة للتوزيع في مجتمعات الرقّ والإقطاع ، أو في مجتمعات الرأسمالية والشيوعية .

ولكي نشرح وجهة نظر الإسلام عن المبادلة لا بدّ لنا أن نعرف رأي الإسلام في السبب الأساسي الذي جعل من المبادلة أداة ظالمة للاستغلال ، وما هي النتائج التي تمخّض عنها ، ثمّ ندرس الحلول التي تقدّم بها الإسلام للمشكلة ، وكيف أعطى للمبادلة صيغتها العادلة وقوانينها التي تواكب أغراضها الرشيدة في الحياة ؟

[ أشكال المبادلة : ]

وقبل كلّ شيء يجب أنْ نلاحظ أنّ للمبادلة شكلين :

أحدهما: المبادلة على أساس المقايضة

والآخر: المبادلة على أساس النقد .

فالمبادلة على أساس المقايضة مبادلة سلعة بأخرى ، وهذا الشكل هو أسبق أشكال المبادلة تأريخياً ، فقد كان كلّ منتج ـ في المجتمعات الآخذة بالتخصّص وتقسيم العمل ـ يحصل على السلع التي لا ينتجها نظير الفائض من السلعة التي اختص بإنتاجها فمن ينتج مئة كيلو من الحنطة يحتفظ بنصف المبلغ مثلاً لإشباع حاجته ، ويستبدل خمسين كيلو من الحنطة بمبلغ معيّن من القطن الذي ينتجه غيره.

ـــــــــــــــ

(١) قال تعالى :( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) سورة إبراهيم : ٣٤ .

٣٠٧

ولكن هذا الشكل من المبادلة (المقايضة ) ، لم يستطع أن يُيَسّر التداول في الحياة الاقتصادية ، بل أخذ يزداد صعوبة وتعقيداً على مرّ الزمن كلّما ازداد التخصّص وتنوّعت الحاجات ؛ لأنّ المقايضة تضطر منتج الحنطة أن يجد حاجته من القطن عند شخص يرغب في الحصول على الحنطة ، وأمّا إذا كان صاحب القطن بحاجة إلى فاكهة لا إلى حنطة وليس لدى صاحب الحنطة فاكهة فسوف يتعذّر على صاحب الحنطة أن يحصل على حاجته من القطن وهكذا تتولّد الصعوبات من نُدرة التوافق بين حاجة المشتري وحاجة البائع .

أضف إلى ذلك صعوبة التوافق بين قيم الأشياء المعدّة للمبادلة فمن كان يملك فرساً لا يستطيع أن يحصل عن طريقها على دجاجة ، لأنّ قيمة الدجاجة أقلّ من قيمة الفرس ، وهو غير مستعدّ بطبيعة الحال للحصول على دجاجة واحدة نظير فرس كاملة ، ولا هي قابلة للقسمة حتى يحصل على دجاجة نظير جزء منها .

وكذلك أيضاً كانت عمليات المبادلة تواجه مشكلة أخرى ، هي : صعوبة تقدير قيم الأشياء المعدّة للمبادلة ، إذ لا بدّ لقياس قيمة الشيء الواحد من مقارنته بباقي الأشياء الأخرى حتى تعرف قيمته بالنسبة إليها جميعاً .

لهذه الأسباب بدأت المجتمعات التي تعتمد على المبادلة تفكّر في تعديل المقايضة بشكل يعالج تلك المشاكل ، فنشأت فكرة استعمال النقد بوصفه أداة للمبادلة بدلاً عن السلعة نفسها وظهر على هذا الأساس الشكل الثاني للمبادلة ، أي : المبادلة على أساس النقد فأصبح النقد وكيلاًُ عن السلعة التي كان يضطرّ المشتري إلى تقديمها للبائع في المقايضة ، فبدلاً عن تكليف صاحب الحنطة ـ في مثالنا ـ بتقديم الفاكهة إلى صاحب القطن نظير القطن الذي يشتريه منه ، يصبح بإمكانه أن يبيع حنطته نظير نقدٍ ، ثمّ يشتري بالنقد القطن الذي يرغب فيه ، وصاحب القطن بدوره يشترى الفاكهة التي يطلبها بما حصل عليه من نقود

[ آثار وكالة النقد عن السلعة في التداول : ]

ووكالة النقد عن السلعة في عمليات التداول كفلت حلّ المشاكل التي نجمت عن المقايضة وتذليل صعوباتها .

فصعوبة التوافق بين حاجة المشتري وحاجة البائع زالت ؛ إذ لم يعد من الضروري للمشتري أن يقدّم إلى البائع السلعة التي يحتاجها ، وإنّما يكفي أن يقدّم له النقد الذي يمكّنه من شراء تلك السلعة من منتجيها بعد ذلك .

٣٠٨

وصعوبة التوافق بين قيم الأشياء قد ذُلّلت ؛ لأنّ قيمة كلّ سلعة أصبحت تقدّر بالنسبة للنقود وهي قابلة للقسمة

كما أصبح من الميسور تقدير قيم الأشياء بسهولة ؛ لأنّها تقدّر كلّها بالنسبة لسلعة واحدة وهي النقد ، بوصفه المقياس العام للقيمة .

وكلّ هذه التسهيلات نتجت من وكالة النقد عن السلعة في مجالات التداول

وهذا هو الجانب المضيء المشرق من وكالة النقد عن السلعة الذي يشرح : كيف تؤدّي الوكالة وظيفتها الاجتماعية التي خُلقت لأجلها ، وهي تيسير عمليات التداول .

ولكن هذه الوكالة لم تقف عند هذا الحدّ على مرّ الزمن ، بل أخذت تلعب دوراً خطيراً في الحياة الاقتصادية ، حتى تمخّض ذلك عن صعاب ومشاكل لا تقلّ عن مشاكل المقايضة وصعابها ، غير أنّ تلك مشاكل طبيعية ، وأمّا المشاكل الجديدة التي نتجت عن وكالة النقد فهي مشاكل إنسانية تعبّر عن ألوان الظلم والاستغلال التي مهّدت لها وكالة النقد عن السلعة في مجالات التداول ولكي نعرف ذلك يجب أن نلاحظ التطوّرات التي حصلت في عمليات المبادلة نتيجة لتبدّل شكلها وقيامها على أساس النقد بدلاً عن قيامها على أساس المقايضة المباشرة .

ففي المبادلة القائمة على أساس المقايضة لم يكن يوجد حدّ فاصل بين البائع والمشتري ، فقد كان كلّ من المتعاقدين بائعاً ومشترياً في نفس الوقت ؛ لأنّه يدفع سلعة إلى صاحبه ويتسلّم نظيرها سلعة أيضاً ولهذا كانت المقايضة تشبع بصورة مباشرة حاجة المتعاقدين معاً ، فيخرجان من عملية التداول وقد حصل كلّ منهما على السلعة التي يحتاجها في استهلاكه أو إنتاجه ، كالحنطة أو المحراث وفي هذا الضوء نعرف : أنّ الشخص في عصر المقايضة لم يكن يتاح له أن يتقمّص شخصية البائع دون أن يكون مشترياً في نفس الوقت ، فلا بيع بدون شراء والبائع يدفع بإحدى يديه سلعته إلى المشتري بوصفه بائعاً ليستلّم منه بيده الأخرى سلعة جديدة بوصفه مشترياً والبيع والشراء مزدوجان في عملية واحدة

٣٠٩

وأمّا في المبادلات القائمة على أساس النقد فالأمر يختلف اختلافاً كبيراً ؛ لأنّ النقد يضع حدّاً فاصلاً بين البائع والمشتري ، فالبائع هو صاحب السلعة والمشتري هو الذي يبذل نقداً إزاء تلك السلعة والبائع الذي يبيع حنطة ليحصل على قطن ، بينما كان يستطيع أن يبيع حنطة ويحصل على حاجته من القطن في مبادلة واحدة على أساس المقايضة يصبح مضطراً الآن إلى القيام بمبادلتين ليحصل على طلبته ، يقوم في إحداهما بدور البائع فيبيع حنطته بنقدٍ معيّن ، ويقوم في الأخرى بدور المشتري فيشتري قطناً بذلك النقد وهذا يعني فصل البيع عن الشراء ، بينما كانا مزدوجين في المقايضة

وفصل البيع عن الشراء في عمليات المبادلة القائمة على أساس النقد ، فسح المجال لتأخير الشراء عن البيع ، فالبائع لم يعد مضطرّاً لكي يبيع حنطته أن يشتري من الآخر ما ينتجه من القطن ، بل يمكنه أن يبيع حنطته نظير نقدٍ معيّن ويحتفظ بالنقد لنفسه ويؤجّل شراء القطن إلى وقت آخر

وهذه الفرصة الجديدة التي وجدها البائعون بخدمتهم ـ فرصة تأخير الشراء عن البيع ـ غيّرت الطابع العام للبيوع والمبادلات فبينما كان البيع في عصر المقايضة يُستهدف منه دائماً شراء سلعة من السلع التي يحتاجها البائع ، أصبح للبيع في عصر النقد هدفٌ جديد فالبائع يتخلّص من سلعته في المبادلة لا ليظفر بسلعة أخرى ، بل ليحصل على مزيد من النقد بوصفه الوكيل العام عن السلع الذي يجعل بإمكانه شراء أيّ سلعة شاء في كلّ حين .

وهكذا تحوّل البيع للشراء إلى البيع لامتصاص النقود ، ونشأت عن ذلك ظاهرة اكتناز المال وتجميده مجسداً في تلك النقود ؛ لأنّ النقد ـ ونعني بوجه خاص النقود المعدنية والورقية ـ يمتاز على سائر السلع ؛ فإنّ أيّة سلعة أخرى لم يكن يجدي اكتنازها ؛ لأنّ أكثر السلع تنقص قيمتها على مرّ الزمن وقد يتطلّب الاحتفاظ بها وبجدتها إلى نفقات عديدة ، ومن ناحية أخرى : قد لا يتيّسر لمالك تلك السلعة المكتنزة الظفر بما يطلبه المكتنز من سلع أخرى في وقت الحاجة ، فلا يكون في اكتنازها ضمان الحصول على شتى الطلبات في كلّ حين

وعلى العكس من ذلك كلّه النقد ؛ فإنّه قابل للبقاء والادّخار ، ولا يكلّف اكتنازه شيئاً من النفقات ، كما أنّه بوصفه الوكيل العام عن السلع يضمن للمكتنز قدرته على شراء أيّ سلعة شاء في كلّ وقت

٣١٠

وهكذا توفّرت دواعي الاكتناز لدى المجتمعات التي بدأت المبادلة فيها تقوم على أساس النقود ، وعلى أساس النقود الذهبية والفضية بوجه خاص .

ونجم عن ذلك : أن تخلّت المبادلة عن وظيفتها الصالحة في الحياة الاقتصادية كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك ، وأصبحت واسطة بين الإنتاج والادخار فالبائع ينتج ويبيع ويبادل منتوجه بنقد ليدّخر هذا النقد ويضمه إلى ثروته المكتنزة ، والمشتري يقدّم النقد إلى البائع ليحصل على السلعة التي يبيعها ، ثمّ لا يتمكّن هو بعد ذلك أن يبيع منتوجه بدوره ؛ لأنّ البائع اكتنز النقد وسحبه من مجال التداول

ونتج عن ذلك أيضاً اختلال كبير في التوازن بين كمّية العرض وكمّية الطلب : ذلك أنّ العرض والطلب كانا يميلان إلى التساوي في عصر المقايضة ؛ لأنّ كلّ مُنتِج كان يُنتج لإشباع حاجاته واستبدال الفائض عن حاجته بسلع أخرى يحتاجها في حياته من غير النوع الذي ينتجه فالمنتوج دائماً يوازي حاجته ، أي : أنّ العرض دائماً يجد طلباً مساوياً له ، وبذلك تتّجه أثمان السوق إلى درجتها الطبيعية ، التي تعبّر عن القيم الحقيقية للسلع وأهمّيتها الواقعية في حياة المستهلكين .

وبعد أن بدأ عصر النقد وسيطر النقد على التجارة ، واتّجه الإنتاج والبيع اتجاهاً جديداً حتى أصبح الإنتاج والبيع لأجل اكتناز النقد وتنمية الملك لا لأجل إشباع الحاجة ، عند ذلك يختلّ طبعاً التوازن بين العرض والطلب ، وتلعب دواعي الاحتكار دورها الخطير في تعميق هذا التناقض بين العرض والطلب ، حتى أنّ المحتكر قد يخلق طلباً كاذباً فيشتري كلّ أفراد السلعة من السوق لا لحاجته إليها بل ليرفع ثمنها ، أو يعرض السلعة بأثمان دون كلفتها ؛ بقصد إلجاء المنتجين والبائعين الآخرين إلى الانسحاب من ميدان التنافس وإعلان الإفلاس وهكذا تتّخذ الأثمان وضعاً غير طبيعي ، ويصبح السوق تحت سيطرة الاحتكار ، ويتهاوى آلاف البائعين والمنتجين الصغار كلّ حين بين أيدي المحتكرين الكبار الذين سيطروا على السوق

٣١١

ثمّ ماذا بعد ذلك ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! ليس بعد ذلك إلاّ أن نرى الأقوياء في الحقل الاقتصادي يغتنمون هذه الفرص التي أتاحها لهم النقد ، فيتجهون نحو الاكتناز بكلّ قواهم ، نحو البيع لأجل الادخار ، فيظلّون ينتجون ويبيعون ليسحبوا النقد المتداول في المجتمع إلى كنوزهم ، ويمتصّوه بالتدريج ، ويعطّلوا وظيفة المبادلة كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك ، ويضطرّوا الكثرة الكاثرة إلى مهاوي البؤس والفقر ، وبالتالي يتوقّف الاستهلاك ؛ نظراً إلى انخفاض المستوى الاقتصادي للجمهور وعجزهم عن الشراء كما تتعطّل حركة الإنتاج ؛ لأنّ انعدام القدرة الشرائية عند المستهلكين أو انخفاضها يجرّد الإنتاج من أرباحه ، ويعمّ الكساد شُعب الحياة الاقتصادية كلّها

ولا تقف مشاكل النقد عند هذا الحدّ ، بل إنّ النقد قد أدّى إلى مشكلة قد تكون أخطر من المشاكل التي عرضناها فلم يقتصر النقد على أن يكون أداة اكتناز ، بل أصبح أداة تنمية للمال عن طريق الفائدة التي يتقاضاها الدائنون من مدينيهم ، أو يتقاضاها أصحاب الأموال من المصارف الرأسمالية التي يودعون أموالهم فيها وهكذا أصبح الاكتناز في البيئة الرأسمالية سبباً لتنمية الثروة بدلاً عن الإنتاج ، وانسحبت بذلك رؤوس أموال كثيرة من حقل الإنتاج إلى صناديق الادخار في المصارف ، وأصبح التاجر لا يقدم على مشروع من مشاريع الإنتاج والتجارة إلاّ إذا اطمأن إلى أنّ الربح الذي يدرّه المشروع عادة أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها عن طريق إقراض ماله ، أو إبداعه في المصارف .

وأخذت الأموال على أساس الفائدة الرَّبوية تتسرب إلى الصيارفة منذ بداية العصر الرأسمالي ، حيث أخذ هؤلاء يجذبون الكمّيات المكتنزة من النقد عند مختلف الأفراد عن طريق إغرائهم بالفائدة السنوية التي يتقاضاها زبائن المصرف عن أموالهم التي يودعونها فيه ، فتجمّعت تلك الكمّيات المختلفة في كنوز الصيارفة بدلاً عن استخدامها في الإنتاج المثمر ، وقامت على أساس هذا التجمع المصارف والبيوت المالية الكبيرة التي امتلكت زمام الثروة في البلاد ، وقضت على أيّ مظهر من مظاهر التوازن في الحياة الاقتصادية

٣١٢

[ الموقف الإسلامي من مشاكل التداول بالنقد : ]

هذا عرض سريع لمشاكل التداول أو المبادلة ، وهو يوضح بجلاء أنّ هذه المشاكل قد نبعت كلّها من النقد وسوء استخدامه في مجال التداول ، إذ اتُّخذ أداة اكتناز وبالتالي أداة تنمية للمِلك .

وقد يلقي هذا ضوءاً على ما جاء في الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( الدنانير الصفر والدراهم البيض مُهلِكاكُم كما أهلكا مَن كان قَبْلَكُم ) (١) .

وعلى أي حال فقد عالج الإسلام هذه المشاكل النابعة من النقد ، واستطاع أن يعيد إلى التداول وضعه الطبيعي ودوره الوسيط بين الإنتاج والاستهلاك وتتلخص النقاط الرئيسية في الموقف الإسلامي من مشاكل التداول فيما يلي :

أولاً : منع الإسلام من اكتناز النقد ، وذلك عن طريق فرض ضريبة الزكاة على النقد المجمّد بصورة تتكرّر في كلّ عام ، حتى تستوعب النقد المكتنز كلّه تقريباً إذا طال اكتنازه عدّة سنين (٢) ولهذا يعتبر القرآن اكتناز الذهب والفضة جريمة يعاقب عليها بالنار ؛ لأنّ الاكتناز يعني بطبيعة الحال التخلّف عن أداء الضريبة الواجبة شرعاً ؛ لأنّ هذه الضريبة لدى أدائها لا تفسح مجالاً أمام النقد للتجمّع والاكتناز ، فلا غروّ إذا هدّد القرآن الذين يكنزون الذهب والفضة وتوعّدهم بالنار قائلاً :

ـــــــــــــــ

(١) الأصول من الكافي ٢ :٣١٦ ، الحديث٦ ، مع اختلاف في اللفظ .

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ١٦٦ ، الباب ١٣ من أبواب زكاة النقدَين مع الشرائط في كلّ سنة وإن بقي المال بعينه ، الحديث الأوّل .

٣١٣

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) (١) .

وعن هذا الطريق ضمن الإسلام بقاء المال في مجالات الإنتاج والتبادل والاستهلاك ، وحال دون تسلّله إلى صناديق الاكتناز والادّخار .

وثانياً : حرّم الإسلام الرِّبا تحريماً قاطعاً لا هوادة فيه(٢) ، وبذلك قضي على الفائدة ونتائجها الخطيرة في مجال التوزيع ، وما تؤدّي إليه من إخلال بالتوازن الاقتصادي العام ، وانتزع من النقد دوره بوصفه أداة تنمية للملك مستقلّة بذاتها ، وردّه إلى دوره الطبيعي الذي يباشره بوصفه وكيلاً عاماً عن السلع ، وأداة لقياس قيمتها وتسهيل تداولها

وقد يظنّ كثير ممّن عاش التجربة الرأسمالية وأَلِف ألوانها وأشكالها : أنّ القضاء على الفائدة يعني القضاء على البنوك والمصارف ، وتعطيل أجهزة الحياة الاقتصادية وشلّ كلّ أعصابها وأوردتها التي تموّنها تلك البنوك والمصارف ولكنّ هذا الظن إنّما ينشأ عند هؤلاء نتيجة للجهل بواقع الدور الذي تؤدّيه البنوك والمصارف في الحياة الاقتصادية ، وبواقع الصورة الإسلامية للتنظيم الاقتصادي الكفيل بعلاج سائر المشاكل التي تنجم عن القضاء على الفائدة ، وهذا ما سندرسه بتفصيلٍ في بحثٍ مقبل

وثالثاً : أعطى لولي الأمر صلاحيات تجعل له الحقّ في الرقابة الكاملة على سير التداول والإشراف على الأسواق ، للحيلولة دون أيّ تصرّف يؤدّي إلى الضرر وزعزعة الحياة الاقتصادية ، أو يمهّد للتحكّم الفردي غير المشروع في السوق وفي مجال التداول وسوف نشرح هذه النقاط وندرسها بصورة موسّعة في البحوث المقبلة من الكتاب ، التي نعرض فيها لتفاصيل الاقتصاد الإسلامي

ـــــــــــــــ

(١) سورة التوبة : ٣٤ ـ ٣٥ .

(٢) قال الله تعالى :( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) ، سورة البقرة : ٢٧٥ ووسائل الشيعة ١٨ : ١١٧ ، الباب الأوّل من أبواب الرِّبا

٣١٤

الكتاب الثاني

المقدّمة

عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي

نظرية توزيع ما قبل الإنتاج

نظرية توزيع ما بعد الإنتاج

نظرية الإنتاج

مسئولية الدولة في الاقتصاد الإسلامي

الملاحق

[ مقدمّة الكتاب الثاني : ](١)

هذا الكتاب هو الحلقة الثالثة من السلسة التي بدأناها بـ (فلسفتنا ) والكتاب الثاني من (اقتصادنا ) ويحتوي على محاولة لاكتشاف مذهب اقتصادي إسلامي في ضوء تشريعات الإسلام ومفاهيمه التي ترتبط بالحقول الاقتصادية ؛ ولأجل ذلك كانت المحاولة تعبّر عن عمليتين إحداهما تقوّم أساس الأخرى :

الأولى : عملية تجميع عدد من التشريعات والمفاهيم التي يمكنها أن تلقي ضوءاً على عملية اكتشاف المذهب .

والأخرى : عملية تفسير تلك المجموعة من التشريعات والمفاهيم تفسيراً نظرياً موحّداً يبرز المحتوى المذهبي للاقتصاد الإسلامي وقد تحمّل الكتاب أعباء العملية الثانية ، بينما آثر بالنسبة للعملية الأولى أن يقوم بدور تجميع الأحكام ، وانتقاء التشريعات التي تساعد على إنجاح العملية الثانية ، دون أن يشترط في الأحكام إلي ينتقيها أن تكون متبنّاة شخصياً من الناحية الفقهية ؛ ولهذا فإنّ الأحكام التي يعرضها الكتاب ليست كلّها ممّا أتبنّاه فقهياً ، بل إنّ فيه أحكاماً لا أتبنّاها بالرغم من إسهامها بأدوار مهمّة في بحوث هذا الكتاب وحصولها على عناية خاصة في ملاحقه .

ـــــــــــــــ

(١) لم ترد هذه المقدّمة إلاّ في طبعة دار الفكر للكتاب .

٣١٥

ولأجل ذلك كان لزاماً عليّ أن أوضح هذه النقطة ؛ لئلا يعتبر ذكر حكمٍ من الأحكام في هذا الكتاب والتأكيد عليه دليلاً على أنّي أقول به فقهياً وأتبنّاه ، وأن أذكر المصادر التي استقى الكتاب منها أحكام الأراضي والمعادن والمياه والمعاملات وما إليها وأترك تفصيل الحديث عن هذه النقطة ، وعن الأسباب التي دعت الكتاب إلى الوقوف من العملية الأولى هذا الموقف إلى الفصل الأوّل من هذا الكتاب .

وبهذا الصدد يمكن ذكر المصادر الثلاثة التالية بوصفها الأساس لمجموعة الأحكام والتشريعات التي استعرضها الكتاب :

١ ـ الآراء الفقهية لعلمائنا الأبرار ، وقد استقى الكتاب من هذه المصادر الغالبية العظمى من الأحكام والتي استضاء بها في عملية الاكتشاف ، فإنّ كلّ واحد من تلك الأحكام تقريباً لا يعدم فقيهاً أو أكثر ممّن يتبنّاه ويفتي به .

٢ ـ الآراء الفقهية التي يتبنّاها الكاتب ويؤمن بصحّتها .

٣ ـ وجهات نظر فقهية يمكن الأخذ بها من الناحية الفنيّة على الصعيد البحث العلمي ، وإن كنّا لا نتبنّى نتائجها فقهياً للأسباب النفسيّة التي قد تمنع الباحث أحياناً عن تبني نتائج بحثه أو لاحتمال وجود أدلّة لبّية .

وللكتاب مصطلحات حدّدت في ( ص٤٧٩ ـ٤٨١ ) فيجب أن تُلاحظ وتُفهم على ضوئها البحوث الآتية عن الملكية الخاصة وملكية الدولة والملكية العامة والإباحة العامة وما إليها .

وقد اقتصر الكتاب وفقاً لمنهجه في البحث ـ كما سترون ـ على شرح الأحكام التي تتّصل بعملية اكتشاف المذهب الاقتصادي وتدخل في بنائه العلْوي ولهذا فإنّ عدداً من أحكام الملكية ونقلها وتنميتها لم يشرح في الكتاب ؛ لعدم الحاجة إليه في عملية الاكتشاف ، وتحتّم علينا لأجل ذلك أن نتناوله بالدرس والتوضيح في فرصة مقبلة بإذن الله تعالى .

كما أنّ عدداً من الآراء ووجهات النظر الفقهية التي نستعرضها في بحوث الكتاب لم تشرح في نفس الكتاب على أساليب البحث العلمي ـ بالرغم من حاجتها إلى ذلك ـ حرصاً على تيسير بحوث الكتاب ووحدتها في الأسلوب والصياغة ولهذا آثرنا دراسة تلك الآراء الفقهية بصورة علمية في الملاحق التي أردفناها بالكتاب ، واستخدمنا فيها الأساليب وطريقة التعبير الخاصة بالبحث الفقهي التي لا يتاح لغير المتخصّصين في البحوث الفقهية استيعابها بصورة كاملة .

٣١٦

وأخيراً فإنّي أرجو أن تكون هذه المحاولة المتواضعة التي مارسها هذا الكتاب منطلقاً لبحوث كثيرة أوسع وأكثر نجاحاً في الكشف عن المذهب الاقتصادي للإسلام ، واستلهام الشريعة الإسلامية أسرارها الكبرى في كلّ ميادين الحياة .

محمّد باقر الصدر

النجف الأشرف

٣١٧

الكتاب الثاني ١

عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي

المذهب الاقتصادي والإسلام

عملية اكتشاف وعملية تكوين

المذهب الاقتصادي

[ مفهوم المذهب الاقتصادي : ]

من الأفضل قبل كلّ شيء ـ ما دمنا نحاول دراسة مذهب اقتصادي معيّن ـ أن نتّفق منذ البدء على المفهوم الذي نعنيه من كلمة (المذهب ) بالضبط ، لِنَتَبيَّن في بداية الطريق معالم الهدف ونوعية المضمون ، الذي يجب على أيّ بحثٍ في المذهب الاقتصادي أن يجليه ويحدّده فماذا تعنيه كلمة المذهب ؟ وما هو الفارق بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ؟ وما هي المجالات التي تعالج مذهبياً ؟

وعلى أساس الجواب على هذه الأسئلة الذي يحدّد معالم المذهب الاقتصادي بشكل عام ، سوف نحدد طبيعة البحث الذي نمارسه في المذهب الاقتصادي الإسلامي .

وبهذا الصدد يجب أن نستذكر ما قلناه عن مفهومي المذهب والعلم في بحثٍ سابق(١) ، فقد جاء فيه : أنّ المذهب الاقتصادي للمجتمع عبارة عن الطريقة التي يفضّل المجتمع إتباعها في حياته الاقتصادية وحلّ مشاكلها العملية ، وعلم الاقتصاد هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها، وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة التي تتحكّم فيها .

ـــــــــــــــ

(١) في الكتاب الأوّل من اقتصادنا ، ( مقدّمة الطبعة الأولى )

٣١٨

وهذا القدر من التمييز بين المذهب والعلم وإن كان يشير إلى الفارق الجوهري بينهما ، ولكنّه لم يعد يكفي في الوقت الذي نحاول أن نكتشف مذهباً اقتصادياً معيّناً بالذات ، أو أن نكوّن عنه فكرة محدّدة فقد استخدمنا ذلك التمييز الأساسي بين المذهب والعلم لنتيح للقارئ أن يعرف نوعية الاقتصاد الإسلامي الذي ندرسه ، ويدرك في ضوء ذلك التمييز أنّ الاقتصاد الإسلامي مذهب وليس علماً ، لأنّه الطريقة التي يفضّل الإسلام إتباعها في الحياة الاقتصادية ، وليس تفسيراً يشرح فيه الإسلام أحداث الحياة الاقتصادية وقوانينها .

ولتحقيق هذا الغرض والتأكيد على الطابع المذهبي للاقتصاد الإسلامي كان يكفي أن نقول عن المذهب : أنّه طريقة وعن العلم : أنّه تفسير لنعرف أنّ الاقتصاد الإسلامي مذهب لا علم .

حسناً ، ولكنّا الآن يجب أن نعرف عن المذهب الاقتصادي أكثر من هذا ، لنستطيع أن نضبط في ضوء مفهومنا عنه المجالات التي يعمل فيها ، ثمّ نفحص كلّ ما يتّصل من الإسلام بتلك المجالات .

ففي أيّ حقل يعمل المذهب الاقتصادي ؟ وإلى أيّ مدى يمتدّ ؟ وما هي الصفة العامة التي نجدها في كلّ فكرٍ اقتصادي مذهبي ، لنجعل من تلك الصفة علامة فارقة للأفكار المذهبية في الإسلام ، التي نحاول جمعها وتنسيقها في اطراد واحد ؟

إنّ هذه الأسئلة تتطلّب أن نعطي للمذهب المتميّز عن العلم مفهوماً محدّداً قادراً على الجواب عن كلّ هذه الأسئلة ، ولا يكفي بهذا الصدد القول : بأنّ المذهب مجرّد طريقة .

[ مجالات علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي : ]

إنّ هناك من يعتبر مجال المذهب مقتصراً على توزيع الثروة فحسب ، فلا علاقة للمذهب بالإنتاج، لأن عملية إنتاج الحنطة أو النسيج مثلاً تتحكم فيها القوانين العلمية، ومستوى المعرفة البشرية بعناصر الإنتاج وخصائصها وقواها، ولا تختلف عملية إنتاج الحنطة أو النسيج باختلاف طبيعة المذهب الاقتصادي. فعلم الاقتصاد هو: علم قوانين الإنتاج. والمذهب الاقتصادي هو: فن توزيع الثروة. وكل بحث يتعلق بالإنتاج وتحسينه وإيجاد وسائله وتحسينها فهو من علم الاقتصاد، وذو صفة عالمية لا تتفاوت فيه الأمم تبعاً لاختلاف مبادئها ومفاهيمها الاجتماعية، ولا يختص به مبدأ دون مبدأ. وكل بحث يبين الثروة وتملكها والتصرف فيها فهو بحث مذهبي، ومن النظام الاقتصادي وليس من علم الاقتصاد ولا يرتبط به، وإنما يرتبط بإحدى وجهات النظر في الحياة التي تتبناها المذاهب المختلفة من رأسمالية واشتراكية وإسلام.

٣١٩

وهذا الفصل بين العلم والمذهب_ علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي_ على أساس اختلاف المجال الذي يمارسه أحدهما عن مجال الآخر. ينطوي على خطأ كبير، لأنه يؤدي إلى اعتبار الصفة المذهبية والصفة العلمية نتيجتين لنوعية المجال المدروس. فإذا كان البحث في الإنتاج فهو بحث علمي، وإذا كان في التوزيع فهو بحث مذهبي. مع أن العلم والمذهب مختلفان في طريقة البحث وأهدافه، لا في موضوعه ومجالاته. فالبحث المذهبي يظل مذهبياً ومحافظاً على طابعه ما دام يلتزم طريقته وأهدافه الخاصة، ولو تناول الإنتاج نفسه. كما أن البحث العلمي لا يفقد طبيعته العلمية إذا تكلم عن التوزيع ودرسه بالطريقة والأهداف التي تتناسب مع العلم.

ولأجل ذلك نجد أنّ فكرة التخطيط المركزي للإنتاج ـ التي تتيح للدولة الحقّ في وضع سياسة الإنتاج والإشراف عليه ـ هي إحدى النظريات المذهبية المهمّة ، التي تعتبر من مقوّمات بعض المذاهب أو الأنظمة الاشتراكية ، أو ذات الاتجاه الاشتراكي ، مع أنّنا نعلم أنّ التخطيط المركزي للإنتاج والسماح لهيئة عُليا ـ كالدولة ـ بممارسة هذا التخطيط لا يعني تملّك تلك الهيئة لوسائل الإنتاج ، ولا يتّصل بمسألة توزيع هذه الوسائل على الأفراد .

ففكرة التخطيط المركزي للإنتاج ـ إذن ـ فكرة مذهبية ، تتّصل بالمذهب الاقتصادي وليست بحثاً علمياً ، بالرغم من أنّها تعالج الإنتاج لا التوزيع .

وعلى العكس قد نجد كثيراً من الأفكار التي تعالج قضايا التوزيع تندرج في علم الاقتصاد بالرغم من صلتها بالتوزيع دون الإنتاج فـ (ريكاردو ) حين كان يقرّر مثلاً : أنّ نصيب العمّال من الثروة المُنتَجة ، الذي يتمثّل فيما يتقاضونه من أجور ، لا يزيد بحالٍ من الأحوال عن القدر الذي يتيح لهم معيشة الكفاف لم يكن يقصد بذلك أن يقرّر شيئاً مذهبياً ولا أن يطلب من الحكومات فرضه نظاماً اقتصادياً للأجور ، كنظام الملكية الخاصة والحرّية الاقتصادية ، وإنّما كان يحاول أن يشرح الواقع الذي يعيشه العمّال والنتيجة الحتمية لهذا الواقع ، بالرغم من عدم تبّني الدولة لفرض حدٍ أعلى من الأجور ، وإيمانها بالحرية الاقتصادية بوصفها دولة رأسمالية .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الفصل السابع

بعض مُنجَزَات الإمام المهدي (ع)

على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي

لعلَّ من الواضح أنَّ الاطِّلاع على التفاصيل الكاملة لهذه المـُنجزات مُتعذِّر تماماً لإنسان ما قبل الظهور، مهما كان عبقرياً، غير أنَّ المـُهمَّ هو مُحاولة الاطِّلاع على بعض هذه المـُنجزات في حدود ما تدلُّنا عليه القواعد العامة الإسلامية من ناحية، والأخبار الخاصة الدالة على هذه المـُنجزات في الدولة العالمية، من ناحية أخرى.

ونحن نبدأ بسرد الأخبار الخاصة أولاً من دون ترتيب، فإنَّ الخبر الواحد قد يحتوي على عدَّة مُنجزات يمتُّ كلٌّ منها إلى حقل من حقول الحياة، ثمَّ نتحدَّث بعد ذلك عن الفهم العام لها وترتيبها مُطبَّقة على القواعد العامة، ثمَّ نذكر لهذا الفصل خاتمتين:

إحداهما: حول المـُنجزات القضائية والعسكرية والفقهية للإمام المهدي.

والأخرى: حول المـُنجزات التي تُسمَّى بـ (العلمية) في الإصلاح الحديث، ونسرد عدداً من الأخبار الدالة على أنَّ المهدي يستعمل آخر مُنجزات العلم الحديث في دولته.

وينبغي أن يقع الكلام في هذا الفصل ضمن عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في إيراد الأخبار المـُتضمِّنة لأهمِّ ما ورد من مُنجزات الإمام في دولته على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وقد تحدَّثت عن ذلك أخبار الفريقين بغزارة.

فمن أخبار العامة في ذلك:

ما أخرجه البخاري(1) ، بسنده عن أبي موسى عنه، عن النبي (ص) قال:

____________________

(1) ج2 ص136.

٥٤١

( ليأتينَّ على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثمَّ لا يجد أحداً يأخذها... ) الحديث.

وما أخرجه أيضاً(1) ، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله (ص) قال: ( لا تقوم الساعة... - وعدَّ علامات كثيرة حتى قال: - وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهمَّ ربُّ المال مَن يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أربَ لي به ).

وما أخرجه مسلم(2) ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ( والله، لينزلنَّ ابن مريم... - إلى أن قال: - ليدعونَّ إلى المال، فلا يقبله أحد ).

وما أخرجه أيضاً(3) ، بسنده عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً، لا يعدُّه عدَّاً ).

وفي خبر آخر، عن أبي سعيد، وجابر بن عبد الله، قالا: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ولا يعدُّه ).

وذكر له مسلم سندين، وأخرج الحاكم في مُستدركه(4) بهذا المضمون أكثر من حديث واحد.

وأخرجه الحاكم أيضاً(5) ، عن أبي سعيد في حديث النبي (ص) يقول فيه: (... فيبعث الله رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يرضى ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاَّ أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلاَّ صبَّته عليهم مدراراً... تتمنَّى الأحياء والأموات ممَّا صنع الله عزَّ وجلَّ بأهل الأرض من خيره ).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

____________________

(1) ج9 ص74.

(2) ج1ص94.

(3) ج8ص185.

(4) ج4ص454.

(5) ج4ص465.

٥٤٢

وأخرجه أيضاً(1) ، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص ): ( يكون في أُمَّتي المهدي، إن قصر فسبع وإلاَّ فتسع، تنعم أُمَّتي فيه نعمةً لم ينعموا مثلها قطُّ، تؤتي الأرض أُكُلها لا تدخر عنهم شيئاً، والمال يومئذ كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خُذْ ).

وأخرج أيضاً(2) عن ابن عباس، في حديث، قال: وأمَّا المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً، كما مُلئت جوراً، تأمن البهائم والسباع، وتُلقي الأرض أفلاذ أكبادها.

قال: قلت: وما أفلاذ أكبادها؟

قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضَّة.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ولم يُخرجاه.

وأخرج أيضاً(3) عن أبي سعيد: أنَّ رسول الله (ص) قال: ( يخرج في آخر أُمَّتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية وتعظم الأُمَّة... ) الحديث.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

وأخرج الترمذي(4) ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ( تقيء الأرض أفلاذ أكبادها أمثال الأسطوان من الذهب والفضَّة - قال: - فيجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي. ويجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت. ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي. ثمَّ يُدعونه ولا يأخذون منه شيئاً ).

وأخرج القندوزي في الينابيع(5) ، عن الترمذي، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) - في قصَّة المهدي -: (... فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، أعطني، أعطني

____________________

(1) ج4 ص558.

(2) ج4ص514.

(3) ج4ص558.

(4) ج3ص334.

(5) ص517 ط النجف.

٥٤٣

- قال: - فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ).

وأخرج أيضاً(1) ، عن أحمد والماوردي أنَّه (ص) قال: ( أبْشِروا بالمهدي! رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويُقسِّم المال بالسويَّة، ويملأ قلوب أُمَّة محمد غناه ويسعهم عدله، حتى إنَّه يأمر مُنادياً فيُنادي: مَن له حاجة إلى المال يأتيه. فما يأتيه أحد، إلاَّ رجل واحد يأتيه، فيقول له المهدي: ائت السادن حتى يؤتيك.

فيأتيه فيقول: أنا رسول المهدي، أرسلني إليك لتُعطيني.

فيقول: اُحثُ. فيحثو، فلا يستطيع أن يحمله، فيخرج، فيندم، فيقول: أنا كنت أجْشع الأُمَّة نفساً، كلُّهم دُعيَ إلى هذا المال فتركوه غيري، فيردُّ عليه، فيقول السادن: إنَّا لا نقبل شيئاً أعطيناه... ) الحديث.

وقال في الينابيع(2) : وفي بعض الآثار... أنَّه يبلُغ سلطانه المشرق والمغرب، وتظهر له الكنوز، ولا يبقى في الأرض خراب إلاَّ يُعمَّر.

أقول: وانظر هذه المضامين في عدد آخر من المصادر العامة، كمسند أبي داود، وابن ماجة، وأحمد، والبيان للكنجي، والصواعق لابن حجر، ونور الإبصار للصبَّان، وإسعاف الراغبين للشبلنجي وغيرها.

وأمَّا أخبار المصادر الخاصة، فهي كما يلي:

فمن ذلك: ما أخرجه المفيد في الإرشاد(3) ، عن أبي جعفر (ع) أنَّه ذكر المهدي (ع) وخُطبته الأُولى في مسجد الكوفة، وقال: ( فإذا كانت الجمعة الثانية، سأله الناس أن يُصلِّي بهم الجمعة، فيأمر أن يُخطَّ له مسجد على الغريِّ، ويُصلِّي بهم هناك، ثمَّ يأمر مَن يحفر من ظهر مشهد الحسين (ع) نهراً يجري إلى الغريَّين، حتى ينزل الماء في النجف،

____________________

(1) ص562 وما بعدها، وانظر الحاوي للسيوطي ج2 ص124.

(2) ص563.

(3) ص341.

٥٤٤

ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكْتَل فيه بُرٌّ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري ).

وأخرج عن المفضل بن عمر(1) ، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إذا قام قائم آل محمد (ع) بَنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء ).

وأخرج عنه(2) قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها... - إلى أن قال: - وتُظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم مَن يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله ).

وأخرج(3) عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( إذا قام القائم (ع)، هدم المسجد الحرام حتى يردَّه إلى أساسه، وحوَّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه ).

وأخرج أيضاً(4) عنه، عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل أنَّه قال: ( إذا قام القائم (ع) سار إلى الكوفة، فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبقَ مسجد على وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، لا ويترك بدعة إلاَّ أزالها ولا سنَّة إلاَّ أقامها ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(5) ، بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها، واستغنى الناس... ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف

____________________

(1) ص342.

(2) نفس الصفحة.

(3) ص343.

(4) ص344.

(5) ص280، وكذلك الخبر الذي يليه.

٥٤٥

باب، وتتَّصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء بالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يُدركها ).

وفي حديث آخر، عن أبي جعفر (ع) يقول فيه: (... فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب، يسع الناس عليه أصيص، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين (ع) لهم نهراً يجري إلى الغريِّين، حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته قناطر وأرحاء على السبيل، وكأنِّي بالعجوز وعلى رأسها مِكْتل فيه بُرٌّ حتى تطحنه بكربلاء ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟ فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب ).

وأخرج الراوندي في الخرايج والجرايج(2) نحوه، في حديث طويل عن علي بن الحسين (ع).

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(3) ، والطبرسي في إعلام الورى(4) ، عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (ع) يقول: ( القائم منَّا، منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز... ولا يبقى في الأرض خراب إلاَّ عُمِّر ).

وأخرج الطبرسي أيضاً(5) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله يقول: ( إنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً... - إلى أن قال: - وإنَّ الله سيُجري سنَّته في القائم من وُلْدي... ويُظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب، ويملأ الأرض به عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلماً ).

وأخرج أيضاً(6) ، عن علي بن عقبة عن أبيه، قال:

____________________

(1) ص 277.

(2) ص196.

(3) انظر المصدر المخطوط.

(4) ص433.

(5) ص413.

(6) ص432.

٥٤٦

وأخرج المجلسي في البحار(1) ، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه - في حديث -: (... ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاَّ على النبات وعلى رأسها زينتها، لا يُهيجها سبع ولا تخافه ).

فهذه نُخبة من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الصدد.

وكثرة الأخبار بهذا الصدد تُنتِج لنا أمرين:

الأمر الأول: اتِّضاح مدى اهتمام قادة الإسلام - النبي (ص) فمن بعده - إيضاح خصائص دولة المهدي وما يقوم به من أعمال، وما يُنتجه من خيرات، كيف لا؟ وهو يُمثِّل القمَّة لجهودهم والثمرة الطيِّبة لأعمالهم، والنتيجة الكبرى للتخطيط الإلهي الطويل.

الأمر الثاني: إنَّنا نستطيع بهذا السرد أن نؤدِّي حساب كل حادثة من الحوادث المنقولة بشكل أكثر وأدقّ، ونوفِّر لها المـُثبتات بشكل أكثر؛ لوضوح أنَّ الروايات كلَّما زادت على الحادثة الواحدة، كانت آكد وأوضح في الذهن، وأقوى ثبوتاً من الناحية التاريخية.

والآن، لابدَّ أن نأخذ كل رواية من الروايات العامة المنقولة من هذه الأخبار، لنرى مقدار ثبوتها وموافقتها للقواعد العامة والقرائن المـُثبتة، وذلك ضمن الجهات الآتية:

الجهة الثانية (*) : المسلك الشخصي للإمام المهدي بصفته رئيساً للدولة العالمية العادلة، وهو ما صرَّحت به بعض هذه الأخبار، من أنَّ لباسه الخشن الغليظ، وطعامه الشعير

____________________

(1) ج13 ص182.

* هكذا وردت في الكتاب من غير ذكر الجهة الأُولى. [ الشبكة ]

٥٤٧

الجَشِب، وفي الخبر إيراد القسم على ذلك.

وهذا هو المسلك الصحيح لرئيس الدولة الإسلامية العادلة على طول الخطِّ، فإنَّه قد أخذ الله تعالى على كل إمام عادل يتولَّى الحكم الفعلي في المجتمع، أن يعيش في طعامه ولباسه على شكل أو أسلوب أقلِّ أفراد شعبه، والحِكْمَة من ذلك، أوضح من أن تخفى، وهو أن لا يدعوه المنصب الكبير والمال الوفير إلى تناسي الفقراء من أبناء شعبه ومحكوميه.

وهذا المسلك هو الذي طبَّقه رسول الله (ص) على نفسه، حين تولَّى رئاسة الدولة الإسلامية بعد فتح مكَّة، واتَّخذه الخلفاء الأوائل الذين حكموا بعده إلى عصر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

وكذلك سوف يكون الإمام المهدي (ع) حين يُمارس الحُكم العالمي العادل؛ لأنَّه سيكون من الواجب عليه أن يكون في عيشه مُماثلاً لأقلِّ فرد جائع ومسكين في العالم كله.

وسيكون أيضاً على هذا المسلك أصحابه الخاصة، الذين يوزِّعهم حكَّاماً على الأرض؛ لأنَّ الفرد منهم سيكون رئيساً عادلاً لمنطقة من الأرض، فيجب عليه أن يكون في حياته مُماثلاً لأقلِّ فرد في منطقته.

وقد سبق أن سمعنا في أخبار بيعة الإمام في المسجد الحرام لأول مرَّة، أنَّه (ع) يشترط على هؤلاء الخاصة شروطاً، يعود عدد منها إلى الحفاظ والتقيد من الناحية الشخصية، والعدد الآخر إلى العدل في المسلك الاجتماعي.

ففيما يعود إلى الناحية الشخصية يشترط عليهم أن (... لا يتمنطقوا بالذهب، ولا يلبسوا الخزَّ، ولا يلبسوا الحرير، ولا يلبسوا النعال الصرارة... ويلبسون الخشن من الثياب، ويوسِّدون التراب على الخدود، ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل ) الخ الخبر(1) .

وحيث لا يكون ذلك واجباً على كل المسلمين، نعرف أنَّ الإمام المهدي (ع) إنَّما يشترط ذلك عليهم باعتبارهم سيُصبحون بعد فترة غير طويلة ريثما فتح العالم واستتباب الدولة العادلة، حكَّاماً على أقاليم الأرض، أو مشاركين في الحكومة المركزية معه. وهذا المضمون من الواضح في القواعد الإسلامية العامة، بحيث لا يحتاج إلى خبر خاص يُعرب عنه.

وأمَّا الخبر الوارد بهذا الصدد، والذي سمعناه يقول: ( فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ،

____________________

(1) انظر الملاحم والفتن ص122.

٥٤٨

وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب... )، فهو بالرغم من مُطابقته لهذه القواعد العامة يواجه سؤالين، لابدَّ من عرضهما مع مُحاولة الجواب عنهما.

السؤال الأول: أنَّ ما تقتضيه القواعد العامة، هو أن يعيش الرئيس في حياته الخاصة كأقلِّ فرد من محكوميه، وبعد أن نعرف طبقاً للروايات المـُستفيضة عموم الرفاه، وكثرة المال في دولة المهدي العالمية، نعرف نتيجةً لذلك أنَّ الواجب عليه سيتغيَّر؛ لأنَّ أقلَّ الأفراد في العالم سيعيش مرفَّهاً عالي الدخل، فيكون للإمام المهدي (ع) أن يتوسَّع في حياته الخاصة إلى حدٍّ كبير، وكذلك أصحابه الخاصُّون تماماً؟

وجواب ذلك من عدَّة وجوه، نذكر منها اثنتين:

الوجه الأول: أنَّ الرواية لم تدلَّ على بقاء هذا المسلك للمهدي (ع) طيلة أيام حكمه، بل يكفي في صدقها كونه على ذلك فترة من الزمن في أول حكمه؛ لأنَّ العدل إنَّما يؤثِّر تدريجاً في نشر الرفاه في الأرض، والسعادة بين أبناء البشر أجمعين، وما لم يعمَّ الرفاه كل العالم بشكل حقيقي كامل، يبقى الفرد البائس موجوداً في بعض زويا العالم بطبيعة الحال، وما دام هذا الفرد موجوداً، يبقى المسلك المـُشار إليه في الرواية واجباً على الإمام المهدي (ع).

الوجه الثاني: إنَّنا نحتمل - على أقلِّ تقدير - أنَّ تدريجية تأثير العدل في نشر الرفاه في العالم بكامله، سوف تستمرُّ طيلة حياة المهدي شخصياً، وإنَّما سيتحقَّق هذا الهدف الكبير بعده طبقاً لنظامه الذي يسنُّه هو (ع) للحكَّام العالميين الذين يخلفونه، ومن الصحيح أنَّ الأعم الأغلب من مناطق العالم ستكون مرفَّهة؛ ومن هنا يكتسب العالم كلُّه سِمة الرفاه والسعادة، في حياة المهدي، غير أنَّه من الممكن وجود الفرد البائس في مناطق نائية أو مُتخلفة حضارياً من العالم، الأمر الذي يُحتِّم عليه بقاؤه على هذا المسلك طيلة حياته، وإنَّما تستطيع الدولة العالمية العادلة اجتثاث ذلك، على أيدي خلفائه.

السؤال الثاني: أنَّ الرواية تقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟! فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب )، مع أنَّ هذا المسلك الحياتي الذي يتَّخذه لا يُنافي استعجال ظهوره (ع)؛ لأمرين:

أحدهما: إنَّ الفرد المؤمن يتمنَّى ظهور الإمام (ع) لأجل المصلحة العامة، وهي

٥٤٩

تطبيق العدل في العالم كله، وتنفيذ الهدف الرئيس من خلق البشرية، حتى وإن أوجب ذلك اتخاذ الفرد مسلك الزهد والتقشُّف، أو أوجب الإجهاز على مصالحه الشخصية.

ثانيهما: إنَّ الفرد لو كان يتمنَّى ظهور الإمام (ع)، من أجل مصالحه الشخصية لرفع ظلاماته وترفيه عيشه، فهذا متوفِّر له على أيِّ حال، لما عرفناه من أنَّ هذا المسلك خاص غير عام، وسيكون الفرد الاعتيادي مُرفَّهاً سعيداً طيلة حياة المهدي (ع) وما بعده، ولن يكون هذا الفرد مسؤولاً عن اتخاذ ذلك المسلك؛ لأنَّه لا يكون مُمارساً للحكم في أيِّ منطقة من الأرض.

ومعه؛ يكون مؤدَّى الاستفهام الاستنكاري حين يقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟!... )، غامضاً مجهول القصد.

وجواب ذلك: إنَّنا ينبغي أن نفهم مَن هم المـُخاطبون بقوله: ( ما تستعجلون... )، لننطلق من ذلك إلى الجواب.

ولا شكَّ أنَّ الإمام أبا عبد الله الصادق (ع) كان يُخاطب قواعده الشعبية بهذا لكلام، تلك المجموعة التي كانت تُعاني من الظلم الأُموي والعباسي أشدَّ العذاب، وكان الفرد منهم ينتظر خروج القائم (ع) من أجل رفع الظلامات وتطبيق العدل، ومن ثمَّ من أجل الحصول على السعادة والرفاه، وهذه المجموعة تنقسم إلى قسمين رئيسين:

القسم الأول: خاصة الإمام الصادق (ع) وطلاَّبه المـُرتفعو الدرجة في العلم والإيمان.

القسم الثاني: الشعب الاعتيادي الموالي للأئمة المعصومين (ع)، والفرد من كلا القسمين يتمنَّى ظهور القائم المهدي بسرعة... وخطاب الإمام الصادق واستنكاره لذلك يمكن أن يشملهما معاً، فيكون لكل قسم فكرته الخاصة في الجواب.

أما القسم الأول، فمن الواضح أنَّه لو حصل التمنِّي وظهر المهدي (ع) يومئذ - بغضِّ النظر عن شرائط الظهور وعلاماته التي كان يجهلها الفرد منهم -، فإنَّ المهدي (ع) سوف يخصُّ أفراد هذا القسم بالاهتمام، ولن يجد غيرهم في التوزيع على مناطق العالم حكَّاماً وقضاةً، وإذا أصبحوا حاكمين كانوا مشمولين لوجوب مسلك التقشُّف كما قلنا.

ومن ثَمَّ لم يحصل السبب المـُهمُّ في التمنِّي لسرعة الظهور، وهو الحصول على الحياة المرفَّهة السعيدة، فكان الاستفهام الاستنكاري عليهم من قِبل الإمام الصادق (ع) في محلِّه جدَّاً؛ لانطلاق جملة منهم من زاوية المصلحة الخاصة في هذا التمنِّي، كما يعرفه الإمام

٥٥٠

الصادق نفسه من أصحابه.

وأمَّا القسم الثاني من الأفراد، فإنَّ الفرد الاعتيادي يومئذ باعتبار بساطته في الإيمان والعلم نسبياً، وعدم مروره بعصور التمحيص الطويلة، التي تصرَّمت بعد ذلك، يتخيَّل نفسه كامل الإيمان عميق الفهم، ويتوقَّع من المهدي (ع) - لو ظهر يومئذ - أن يُقرِّبه ويُمجِّد به؛ ومن هنا نعود إلى نفس التسلسل الفكري الذي عرفناه في القسم الأول.

إنَّ هذا الفرد الاعتيادي، لو حصل ما يتمنَّى وظهر المهدي (ع)، فإن أبعده واعتبره فرداً اعتيادياً من شعبه، فسوف يحصل على الرفاه إلاَّ أنَّ توقُّعه القُرب من المهدي (ع) سوف يتخلَّف، وهي صدمة عنيفة بلا شكٍّ، وأمَّا إذا قرَّبه المهدي (ع) إليه، واعتبره خاصته، فقد حصل توقُّعه من إمامه، إلاَّ أنَّه سيُرسِل هذا الفرد حاكماً في بعض أقاليم العالم، على أحسن تقدير، ومعه يكون مشمولاً لوجوب الزهد والتقشُّف، ولن يحصل على مصلحته الخاصة بحال، ومعه يكون الاستفهام الاستنكاري من قِبل الإمام الصادق (ع) في محلِّه تماماً.

والغرض الرئيسي من هذا الاستفهام سيكون هو أنَّ تمنِّي الظهور، لا ينبغي أن يكون من زوايا المصلحة الخاصة أساساً، وإنَّما يجب أن ينطلق من زاوية المصلحة العامة، التي هي تطبيق العدل العالمي، وتنفيذ الغرض الإلهي... وإلاَّ كان من المتوقَّع تخلُّف هذه المصلحة الخاصة أساساً.

الجهة الثالثة: في السياسة الزراعية التي يتَّبعها الإمام المهدي (ع) في دولته.

نستطيع أن نُحيط علماً ببعض نتائجها وأساليبها من الأخبار السابقة، حيث نصَّت على أنَّ الأرض تُؤتي أُكُلها لا تدخر منه شيئاً، وهو كناية عن أنَّ إنبات الأرض للنبات سيكون إلى أكبر حدٍّ ممكن يتحمَّله وجه البسيطة ( حتى تمشي المرأة بين العراق والشام، لا تضع قدميها إلاَّ على النبات، ومن يخفى عليه حال هذه الصحراء التي تتوسَّط العراق والأردن والشام ونجد... إنَّها صحراء ضخمة موحِشة وجافَّة، لكنَّها ستُصبح يانعة بالأشجار والثمار في أقلِّ مدَّة ممكنة.

وما هذا إلاَّ مثال واحد من العالم كله، وإنَّما نصَّت عليه الأخبار، باعتبار قربه إلى أذهان المجتمع السامع لهذه النصوص في عصر صدورها، وليس ذلك باعتبار الانحصار.

فإذاً دولة المهدي (ع) عالمية، وجهوده وجهود المـُخلصين في دولته، شاملة لكل العالم على حدٍّ سواء، فمن الطبيعي أن نتصوَّر أنَّ هذه الصحراء ليست هي الصحراء الوحيدة التي

٥٥١

ستُصبح خضراء، وإنَّما ستخضرُّ كل الصحاري في العالم، بما فيها الربع الخالي، والصحراء الكبرى في شمال إفريقيا وغيرها.

وإذا كان هذا هو شأن الصحاري، فما هو شأن الأراضي التي كانت خصبة منذ عهد ما قبل الظهور، وما هو مقدار إنتاجها وإسباغ النعمة منها. إنَّ هذا لا يمكن لمـُفكِّر بشري سابق على الظهور أن يُقدِّره.

وعلى أيِّ حال، فما هو العنصر المـُسبِّب لهذا الانقلاب الزراعي الشامل؟ نستطيع أن نوعز - بعد عنصر التساوق بين التشريع والتكوين الذي الذي سنتحدَّث في جهة قادمة من هذا الفصل - نستطيع أن نوعزه إلى الإخلاص الحقيقي في العمل.

فمن السخف أن يُقال: إنَّ البشرية متَّجهة نحو المجاعة، وإنَّ زيادة النسل يؤدِّي حتماً إلى قلَّة الأرزاق في العالم، إنَّ ذلك إنَّما يتحقَّق، حين يكون الإخلاص ضئيلاً والتشريع ظالماً، كما هو الحال في عصر ما قبل الظهور، وأمَّا حين توجد الدولة المـُخلصة والتشريع العادل والأيدي العاملة المـُجدَّة والعمل المـُنظَّم عالمياً، فسوف يمكنه أن يحفظ للبشرية أرزاقهم مهما تزايدت وتكاثرت، بل يمكنها أن تزيد الإنتاج إلى أضعاف الدخل الفردي لكل البشر، بشكل لا مثيل له في ما سبق من تاريخ.

وأمَّا المنهج التفصيلي التشريعي والعملي، الذي يتَّبعه المهدي (ع) في دولته لنيل هذه النتائج الزراعية الرائعة، فالتعرُّف عليه موكول إلى وعي ما بعد الظهور، وإنَّما المـُستطاع التعرُّف على بعض فقراته من خلال ما بين أيدينا من قواعد وأخبار، وهذا ما سنتوفَّر عليه في الكتاب القادم من هذه الموسوعة.

إنَّ نفس الأخبار التي سمعناها تُعطينا بعض الحقائق التي تُفيدنا بهذا الصدد، فالإمام المهدي (ع) سيأمر بحفر نهر خلال الصحراء الواقعة بين كربلاء والنجف، حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير - يعني الجسور والأرحاء - وهو جمع أرحية، وهي المطحنة القديمة للحبِّ؛ ومن هنا قال في الرواية: ( فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكْتَل فيه بُرٌّ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري )، أي بدون أجرة.

فإذا علمنا أنَّ ذلك ليس إلاَّ مُجرَّد مثال، ذُكِر طبقاً للفهم القديم، استطعنا أن نتصوَّر مقدار الأنهر والقنوات ممدودة في الصحراء للريِّ، ومقدار التجهيز الآلي الزراعي المـُباح التصرُّف فيه للناس مجَّاناً؛ ليُساعد على سرعة الإنتاج وضخامته، وعلى سرعة التوزيع والتسويق.

٥٥٢

وستؤدِّي هذه الثورة الزراعية طبقاً لأيدولوجية الدولة المهدوية، إلى عدَّة نتائج مُهمَّة، نفهم بعضها:

منها: توفُّر الأطعمة والثمار لدى الناس، مع رخص قيمتها السوقية، بل توفُّرها مجَّاناً للكثير من الناس.

ومنها: توفير العمل المـُنتج للعديد من الأيدي العاملة، وبالتالي إشباع الملايين من العوائل التي كانت فقيرة ومُضطهدة في عهد ما قبل الظهور.

ومنها: توفير الفرص الكبيرة لإزجاء الحاجات الحياتية مجَّاناً، وبدون عوض.

وبذلك نستطيع أن نتصوُّر حصول النتيجة المـُهمَّة الكبرى المطلوبة، وهي توفير السعادة والرفاه في ربوع المجتمع البشري.

الجهة الرابعة: في السياسة العُمرانية في دولة المهدي (ع).

ونحن نرى نتائج السياسة واضحة فيما سمعنا من الأخبار، فبيوت الكوفة سوف تتَّصل بكربلاء والحيرة، ويكون الجميع بلدةً واحدةً، وهي من السعة بحيث لو ركب شخص بغلة سفواء - أي سريعة السير - من صبح يوم الجمعة قاصداً المسجد الذي تُقام فيه صلاة الجمعة ظهراً لأجل حضور هذه الصلاة، لم يُدركها، وإذا كان هذا الشخص قد توجَّه من أحد أطراف هذه المدينة، فالمسجد على أيِّ حال، ليس في طرفها الآخر، بل في وسطها؛ ومن هنا نعرف أنَّ هذه المسافة التي يمشيها هذه الرجل ببغلته السريعة، ليست إلاَّ قسماً من البلدة، ولا يُمثِّل أكثرها فضلاً عن جميعها.

وهذا أيضاً من التنبُّؤات الطريفة في الأخبار، فإنَّ سعةَ المـُدن بهذا المقدار، لم تكن معروفة بأيِّ حال في الزمن القديم، بل لعلَّ مُجرَّد تصوُّرها كان فوق الخيال، وأما الآن، فهو يُعتبر أمراً طبيعياً، خاصة في العواصم الأخرى، كيف والكوفة ستُصبح عاصمة للعالم كله، تحت راية الدولة المهدوية؟! فمن الطبيعي لها أن تتَّسع بهذا المقدار.

ولعلَّنا نستطيع أن نفهم من هذا، مقدار تركيز الدولة واهتمامها بالعُمران في سائر البلدان، وليس في العاصمة فقط، فلئن كانت العاصمة بالتحديد الذي سمعناه، يزيد طولها على الثمانين كيلو متراً، فليكن غيرها مقارباً لذلك أو بمقدار نصفه مثلاً... حسب

٥٥٣

ظروف كل بلدة وموقعها الجغرافي وأهمِّيتها الاجتماعية.

وستنال المساجد اهتماماً خاصاً من قِبل الإمام المهدي (ع)، باعتبارها مراكز إسلامية رئيسية.

فالمسجد الحرام الذي فيه الكعبة المـُشرّفة في مكّة المـُكرَّمة، سوف يشطب على كل توسيعاته، ويهدمها ويردُّ المسجد إلى أساسه الذي كان عليه في صدر الإسلام؛ احتراماً لهذا الأساس الذي كان في زمن رسول الله (ص)، وستترتَّب على هذا التغيير بعض النتائج التي قد نُشير إليها في خاتمة هذا الفصل.

ويُحوِّل المهدي (ع) مقام إبراهيم من موضعه الحالي، ويردَّه إلى مكانه الذي كان عليه مُلاصقاً للكعبة المـُشرّفة، بعد أن كان قد فُصِل عنها عدَّة أمتار، ولا زال مفصولاً عنها إلى العصر الحاضر.

إنَّ فكرة مقام إبراهيم - أساساً - تعني المكان الذي وقف عليه إبراهيم الخليل (ع) حين بنى الكعبة المـُشرّفة، وبطبيعة الحال يقف الباني إلى جنب الجدار الذي يبنيه، ولا معنى أن يقف بعيداً عنه بعدَّة أمتار، ومعه الموضع الطبيعي لمقام إبراهيم هو جوار الكعبة المـُشرَّفة، كما تقتضيه طبائع الأشياء.

وهو أيضاً يهدم في الكوفة، أربعة مساجد من دون تجديد، على ما هو ظاهر الأخبار، باعتبارها لم تُبنَ على التقوى، الذي هو الشرط الأساسي لمشروعية بناء المسجد في الإسلام، فإذا بنى على غير التقوى وجب هدمه لا محالة، ولم تكن قبل ظهور المهدي (ع) قوَّة مؤمنة قادرة على ذلك، ومن ثَمَّ وجب على دولة المهدي المـُبادرة إلى إزالة آثار الانحراف والعدوان.

وأمَّا المسجد الذي يأمر المهدي (ع) ببنائه في ظهر الكوفة، أي خلفها من ناحية النجف، فهو الذي له ألف باب، وقد دلَّ على وجوده عدد من الأخبار، وهذا الرقم وإن لم يكن مقصوداً بنفسه، إلاَّ أنَّه يدلُّ على كثرة كبيرة جدَّاً من الأبواب، تلك الكثرة المـُستلزمة لسعة ضخمة في المسجد.

فإنَّنا لو فرضنا هذا لمسجد مُربَّعاً، وكان في كل ضلع منه مئتان وخمسون باب، وكان بين كل باب وباب عشرة أمتار على الأقل، لأنَّ طول الضلع ألفي متر وخمسمئة متر، وهذا معناه أنَّ سعة المسجد لا تقلُّ عن ستِّ ملايين وربع من الأمتار المربَّعة، وهو مسجد لم

٥٥٤

يسبق له مثيل قبل عهد الظهور يُبنى؛ لكي يُناسب الوضع الإسلامي في الدولة العالمية.

وإنَّما تنبثق الحاجة إلى ذلك، باعتبار صلاة الجمعة التي يُقيمها الإمام (ع) في كل أسبوع، والتي يجب شرعاً أن يحضرها الأعمُّ الأغلب من الذكور من سكَّان العاصمة، وما حواليها من الضواحي، إلى جانب كل مَن يرغب بالحضور للتشرُّف بالصلاة من خلف الإمام المهدي (ع)، وثمَّ سوف يكون التجمُّع كبيراً جدَّاً بحيث يمكن أن يجمعهم جامع الكوفة الكبير الذي يخطب فيه لأول مرَّة كما سمعنا، فاقتضت المصلحة إيجاد مثل هذا المسجد الضخم ليسدَّ هذه الحاجة الإسلامية المـُلحَّة.

ومن هنا ذكرت الأخبار، أنَّ الإمام المهدي (ع) في أوَّل جمعة من وروده إلى العراق يخطب خُطبته الأُولى هناك، وهي التي سبق أن تعرَّضنا لها قال الخبر: ( فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا بن رسول الله، الصلاة خلفك تُضاهي الصلاة خلف رسول الله (ص)، والمسجد لا يسعنا.

فيقول: أنا مُرتاد لكم.

فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب، يسع الناس )(1) .

والمسجد الذي لا يسع المـُصلِّين، هو جامع الكوفة الكبير الذي كان أمير المؤمنين (ع) يُصلِّي فيه، والغريُّ هو النجف الأشرف الواقع جنوب الكوفة، وقوله: ( مرتاد لكم )، أي طالب ومُترقَّب لإجابة طلبكم.

ومن هنا نعرف أنَّ هذا المسجد يكون من أولى مُنجزاته العمرانية في العالم.

وهو يهتمُّ في كل مسجد أن يُطبِّق عليه الحكم الإسلامي الصحيح، حتى لو كان الحكم استحباباً غير إلزامي، حيث ينبغي أن يتربَّى المجتمع تدريجياً على الالتزام بالواجبات والمـُستحبَّات معاً، ليبلغ في نهاية المطاف درجة العصمة المطلوبة، فهو (ع) يهدم كل مسجد عالي البناء، ويقتصر منه على المقدار الراجح في الشريعة العادلة، قال الخبر: ( ولم يبقَ على وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء ).

ومن جملة الأعمال العُمرانية للمهدي (ع) في دولته - كما في الخبر - أنَّه يُوسِّع الطريق الأعظم، والمراد به الطريق الذي بين بلدتين، وليس في الخبر إشارة إلى طريق مُعيَّن، وإنَّما المراد أنَّه يقوم بتوسيع الطُّرقات المـُهمَّة التي تصل بين المدن عموماً.

____________________

(1) انظر غيبة الشيخ ص281، وإعلام الورى ص430.

٥٥٥

وإنَّنا في عصرنا الحاضر لنُدرك أهمِّيَّة هذا التوسيع، وجسامة العمل المـُنتج له أكثر من أيِّ وقت مضى.

ومن تشريعاته العُمرانية أنَّه يمنع الأجنحة إلى الطُّرقات، ويهدم الموجود منها.

والجناح في اللغة هو الروشن أو الكوَّة(1) ، فيكون المراد بها الشبابيك التي تُطلُّ من المنازل على الطُّرق، فتكشف ما في داخل المنزل ما لا يصحُّ كشفه في الشريعة العادلة، فيكون من الواجب إزالتها، وإبدال سبب التهوية بشيء جديد.

وقد يُفهم من الجناح أمر آخر، وهو البروز الذي يجعل عادة في البناء إلى جانب الطريق أو الشارع، أمَّا عن طريق الأعمدة أو بدونها، وهذا أنسب باستعارة الجناح ذوقاً، وإن لم يُنصَّ عليه لغةً، والمفهوم تقليدياً أنَّ المهدي (ع) يُحرِّم هذا النوع من البناء... غير أنَّه ليس من معاني الجناح لغةً.

ومن تشريعاته العُمرانية - كما نصَّ الخبر -: أنَّه يُبطل أي يمنع الكُنُف والمآزيب إلى الطُّرقات، والكُنُف بضمَّتين جمع كنيف، وهو البالوعة، والمراد بها مواسير المياه القذرة.

والمآزيب جمع ميزاب وهو معروف، وكلاهما مُستعمل بكثرة في عصرنا الحاضر، وهما موجبان لاتِّساخ الطُّرق وإزعاج المارَّة؛ ومن هنا يقوم الإمام (ع) بمنعها... ولابدَّ لأهل البيوت من تصريف مياههم بأساليب أكثر نظافة وتهذيباً.

الجهة الخامسة: في أهمَّية التعدين في الدولة المهدوية.

نصَّت الأخبار الواردة بطرق الفريقين، بأنَّ الأرض تُظهر معادنها وكنوزها على سطحها حتى يراها الناس، وتُلقي بأفلاذ أكبادها كأمثال الأُسطوانات من الذهب والفضَّة.

وهذا يمكن فَهْمه على أساس إعجازي، بمعنى يفترض أنَّ ظهور المعادن على سطح الأرض يكون عن طريق المعجزة، تأييداً من الله تعالى للمهدي ودولته.

وهذا الفهم المـُحتمل، على ما سوف يأتي... إلاَّ أنَّه ليس فَهْماً مُنحصراً، بل يمكن تقديم فَهْمٍ آخر، لا يكون الفهم الإعجازي بالقبول منه على أقل تقدير.

وهو أن نفهم الشكل الطبيعي لظهور المعادن، وهو استخراجها بالآلة، عن طريق تخطيط مُعيَّن، واهتمام خاصٍّ من قِبل الدولة، حتى تتوفَّر المعادن بأيدي الكثيرين للقيام بها في الصناعات، وإزجاء مُختلف الحاجات.

____________________

(1) انظر اقرب الموارد.

٥٥٦

ولا يخفانا في هذا الصدد، أنَّ تطبيق الحُكم الإسلامي على المعادن يجعلها مملوكة للأفراد لا للدولة، بخلاف القوانين الوضعية التي تعتبرها جميعاً ملكاً للدولة، كما أنَّه يجعلها مُنتشرة بأيدي الآلاف لا بأيدي عدد قليل من الناس.

وذلك، بأن نفترض أنَّ الدولة المهدوية هي التي توفِّر آلات الاستخراج الضخمة، مع تطبيق الحُكم الإسلامي القائل: إنَّ كل مَن استخرج شيئاً من المعدن يجب عليه أن يدفع خُمسه إلى الفقراء، وهو يملك المقدار الباقي، فيُنتج أنَّ آلاف العمَّال العاملين في المعادن سوف يملكون كمِّيات ضخمة من المعدن المـُستخرَج، وملايين من الفقراء سوف تنسدُّ حاجاتهم عن طريق دفع خُمس المقدار المـُستخرَج إليهم.

فإذا ضممنا إلى ذلك الحُكم الإسلامي القائل: بأنَّه لا يجوز للمـُستخرِج أن يزيد مقدار ما يستخرجه وما يملكه من المعدن، على قوت سنته، عرفنا أنَّه ليس من حقِّ أيِّ فرد من العاملين في المعدن أن يُثرى على حساب الآخرين، وإنَّما بمُجرَّد أن تصل ثروته إلى حدٍّ مُعيَّن، يفي بحاجته السنوية له ولعياله بما يُناسب حاله اجتماعياً، منعته الدولة عن الحصول على مقدار الزائد من المعدن، فإمَّا أن يعتزل العمل ويسمح لغيره بالاستخراج، لكي يملك من المعدن بهذا المقدار أيضاً، أو أن يعمل ويكون الناتج للدولة مباشرة.

وعلى أيِّ حال، فالدولة تملك الكمِّية الفائضة من المعادن عن كمِّيات العمَّال، وهي كمِّيات كبيرة، قد تزيد على ما ملكه العمَّال جميعاً بأضعاف كثيرة، وهذه الكمِّيات تستخدمها الدولة في صناعاتها وسدِّ احتياجات العمل فيها.

ومن هنا؛ تكون المعادن تحت الحُكم العادل قد أفادت - بطريق مباشر وغير مباشر - ملايين الناس، وأغنت ملايين العوائل في العالم.

الجهة السادسة: في السياسة المالية للدولة المهدوية، كما أشارت الأخبار، واقتضتها القواعد الإسلامية العامة.

وأول ما يواجهنا في الأخبار المـُستفيضة من الفريقين، هو ما نصَّت عليه من وفرة المال وكثرته، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وأنَّ الأفراد كلَّهم يكونون من الغنى المالي، بحيث قد يكون للرجل زكاة أو صدقة، فيبحث عن الفقير لكي يُعطيها فلا يجد، فيعرضها على الناس فيرفضون أخذها استغناءً، وأنَّ الإمام المهدي (ع) يعرض الأموال أمام الناس، ويُعلن التوزيع المجَّاني، لكي يحمل كل فرد منهم ما يستطيع حمله، إلاَّ أنَّ الناس لا يرغبون به ولا يأخذون منه شيئاً،

٥٥٧

غير واحد يأتي ويأخذ ثمَّ يندم؛ لأنَّه أصبح الوحيد الطامع بالمال، ثمَّ يُحاول إرجاعه فيرفض طلبه.

وكلا هاتين الصورتين المعروضتين في الأخبار، صريحتان في شمول الغنى المالي الواسع لكل الناس في المجتمع، وأنَّ المال والذهب والفضَّة والأحجار الكريمة قد سقطت عن الرغبة الاجتماعية، باعتبار توفُّرها كالماء والتراب.

هذا، ولكنَّ هذه الأخبار تواجه بعض الأسئلة يحسن عرضها ومُحاولة الجواب عليها، وسنذكر كل سؤال في ناحية مُستقلَّة.

الناحية الأُولى: ما سبب تكدُّس المال وكثرته في الدولة المهدوية، سواء على مستوى الدولة أم الأفراد؟

وللجواب على ذلك عدَّة أُطروحات مُحتملة، لا بدَّ من عرضها وتمحيصها.

الأُطروحة الأُولى: توفُّر المال عن طريق المعجزة، ببركة الإمام (ع) ودعائه.

ولكنَّ هذه الأُطروحة لا تتمُّ لعدَّة اعتراضات، نذكر منها اثنين.

أولاً: إنَّها خلاف قانون المعجزات؛ من حيث إنَّه مهما أمكن توفُّر المال بالطريق الطبيعي لم يجز حمله على الوجود بسبب إعجازي، وإمكان فَهْم توفُّر المال بالطريق الطبيعي واضح، بعد الاطِّلاع على الأُطروحتين التاليتين.

ثانياً: إنَّ السياق العام لهذه الأخبار التي تذكر تكدُّس المال وكثرته، يُشير إلى عدالة النظام واستقامة الأمور إلى حدٍّ يتوفَّر المال بهذه الكثرة، ومن الواضح أنَّ افتراض توفُّر المال عن طريق المعجزة يُنافي هذا السياق، لإمكان وجود المعجزة - مع اقتضاء المصلحة - في أشدِّ الأنظمة ظلماً وفساداً.

وبتعبير آخر: إنَّ المال سوف يكون نتيجةً للمعجزة لا للنظام العادل، وهو خلاف ظاهر الأخبار؛ ومعه لا تكون هذه الأُطروحة صحيحة.

الأُطروحة الثانية: إنَّ المال يتوفَّر لدى الدولة، عن طريق ما تقوم به في الزراعة والصناعة والتعدين وغيرها من استثمارات، توجب توفُّر المال للدولة والفرد معاً.

وبهذه المشاريع يتوفَّر لدى الدولة المهدوية العالمية الاكتفاء الذاتي، بل زيادة المـُنتجات على الحاجات من ناحية، ويتوفَّر فيها زيادة على ذلك كمِّيَّة ضخمة من النقد، ليس لها مُنفِّذ ومصدر للصرف مُعيَّن، فإنَّ مصادر استهلاك المال - مهما تعدَّدت - فهي تعود إلى الحاجة،

٥٥٨

فحين تكون الحاجة مُنتفية في كل العالم، والدولة واحدة، والأمن مُستتبٌّ، والأُخوَّة عامة بين البشر، والحاجات الأوَّلية والثانوية والتربوية كلها مُستوفات، فيكون المال الزائد بلا مصدر مُعيَّن للصرف.

نعم، يمكن أن يذخر هذا المال لإنقاذ أيِّ منطقة من العالم، قد تُصبح محتاجة نتيجةً لظروف طبيعية طارئة، كالفيضان، أو الزلازل، أو الوباء أو غيرها، إلاَّ أنَّ نسبة حدوث ذلك سوف يكون أقلَّ بكثير من نسبة تزايد المال وتوفُّر النقد.

وهذه الأُطروحة صحيحة لا مانع من القول بصحَّتها.

الأُطروحة الثالثة: إنَّ توفُّر المال يكون عن طريق السيطرة على البنوك الكبرى في العالم، حيث يُعتبر أكثر المال الذي خُزِن فيها مغضوباً وحراماً غير مشروع لمَن سُجِّلت باسمه، من الناحية الإسلامية.

ومن ثَمَّ تقوم الدولة المهدوية بعدَّة خطوات في هذا الطريق، أهمُّها تأسيس نظام مصرفي جديد، قائم على الإيمان بحرمة الربح الربوي من ناحية، وعلى عدم تقبُّل المال ما لم يُحرز كونه مالاً حلالاً من الناحية الإسلامية لصاحبه، من ناحية ثانية.

ثمَّ تقوم الدولة بجرد البنوك التي كانت في عصر ما قبل الظهور، وتصفية حساب الأموال المذخورة فيها، فإن كانت الشرائط الجديدة غير مُتوفِّرة، أُخرج المال من البنك وصادرته الدولة؛ باعتبار كونه مجهول المالك، وهو يعود إلى الدولة الإسلامية في حُكم الإسلام، وإذا ثبت في مال أنَّه مُسجَّل لغير مالكه الحقيقي أُعيد إلى المالك.

إلاَّ أنَّ الأموال التي تحصل عليها الدولة عن هذا الطريق كثيرة، وقد تَرْبُو على عشرات الملايين، وإن كانت هناك كمِّيَّات ضخمة أُخرى، تبقى مُسجَّلة لأصحابها، باعتبارها مُستجمعة للشرائط المطلوبة.

وهذه الأُطروحة أيضاً لا مانع من القول بصحَّتها.

والظاهر أنَّ الدولة تحصل على الأموال عن كلا الطريقين، المـُبيَّنين في الأُطروحتين الثانية والثالثة، والمـُعتقَد أنَّ الأموال الفائضة نتيجةً للأُطروحة الثانية، ستكون أكثر بكثير من الأموال التي تحصل عليها الدولة نتيجةً للأُطروحة الثالثة، بالرغم من كثرتها في نفسها؛ ومعه تكون العمدة في كثرة الأموال هو الأُطروحة الثانية.

٥٥٩

الناحية الثانية: ما هو الهدف الذي يتوخَّاه الإمام المهدي (ع) من عرض الأموال للناس وتوزيعها عليهم مجَّاناً، كما أخبرتنا الأخبار؟

ويمكن أن نتصوَّر لذلك إحدى أُطروحتين مُحتملتين:

الأُطروحة الأُولى: أنَّ كمِّيَّة ضخمة من المال - كما سمعنا - تبقى من دون أن يتوقَّع لها مُنفِّذ مُعيَّن؛ ومن هنا يكون من المنطقي أن تُرصد للمـُحتاجين أفراداً ومجتمعات، على طول الخطِّ، يأخذ منها المحتاج - أيَّاً كان - بدون مقابل وبدون شروط، وبدون تحديد كمِّيَّة مُعيَّنة، مادام المقدار معقولاً ومنطقياً.

غير أنَّ الأخبار دلَّت - بوضوح - على عدم إقدام الناس للحصول على شيء من هذا المال؛ لعدم وجود المحتاج بأيِّ شكل من أشكاله في الدولة المهدوية العادلة، حتى إنَّ هذا الفرد الذي يأخذ المال ثمَّ يندم عليه، سيكون دافعه للأخذ هو الطمع وليس الحاجة؛ ومن هنا أمكنه التفكير بإرجاعه بدون حرج.

الأُطروحة الثانية: إنَّ دولة المهدي (ع) بعد أن تستتبَّ أساليبها وبرامجها في إغناء الناس وإسعادهم، حتى لا يبقى فقير على الإطلاق ولا مُشتاق على المال أصلاً، عندئذ تتعلَّق المصلحة ببيان ذلك، وإيضاحه أمام البشر أجمعين والتاريخ، وذلك بالقيام بتخطيط مُعيَّن مؤقَّت، وهو أن تُعدَّ الأموال الفائضة، ويُعلَن في الناس إعلاناً عاماً، بأنَّ مَن يريد أن يحصل على المال، فإنَّه يستطيع بمقدار ما يشاء، وحين لا يقبل الناس على أخذ المال، غير واحد فقط، يثبت بالضرورة أنَّ جميع الأفراد قد أصبحوا أغنياء ومُرفَّهين إلى حدٍّ انقطعت أطماعهم وتحقَّقت كل آمالهم.

فإذا استطعنا أن نتصوَّر أنَّ هذا التخطيط المـُعيَّن في كثير من بُلدان العالم، يبدأ به المهدي (ع) في العاصمة المركزية، ويُطبِّقه الحُكَّام المـُوزَّعون على الأرض كلٌّ في إقليمه... وإذا كانت الاستجابة من الناس هي نفسها أو مُقاربة في كل البلدان، حتى التي كانت مُعتادة على الجَشَع الرأسمالي... حينئذ نستطيع أن نُدرك كيف ولماذا أصبحت هذه التجربة هي المزيَّة الرئيسية للإمام المهدي (ع)، لم يستطع أحد قبله على الإطلاق أن يؤدِّيها، أو أن يُفكِّر فيها، فضلاً عن أن ينجح في أدائها... مهما كانت دعاوى العقائد المـُنحرفة السابقة على الظهور، ذات ضجيج وعجيج.

ومن هنا؛ نصَّت جملة من الأخبار على هذه المزيَّة بالتعيين، ولم تصف المهدي (ع) إلاَّ بها، كالذي أخرجه مسلم: ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدُّه ). وما

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741