اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152714 / تحميل: 9473
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

[ التمييز بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي : ]

فالمذهب والعلم يدخلان في كلّ تلك المجالات ويدرسان الإنتاج والتوزيع معاً ، ولكن هذا يجب أن لا يؤدّي بنا إلى عدم التمييز بينهما أو الخلط بينالطابع العلمي والمذهبي في البحث الاقتصادي ، الأمر الذي مُني به بعض أولئك الذين يؤكّدون على عدم وجود اقتصاد في الإسلام ، إذ لم يتح لهم أن يميّزوا بشكل حاسمٍ بين العلم والمذهب ، فظنّوا أنّ القول بوجود اقتصاد إسلامي يستهدف ادعاء أنّ الإسلام سبق المفكّرين الغربيين في الإبداع العلمي للاقتصاد السياسي ، وظنّوا أيضاً أنّ القول بوجود اقتصاد إسلامي يعني أنّنا سوف نجد لدى الإسلام فكراً اقتصادياً ، وبحثاً علمياً في قوانين الحياة الاقتصادية ؛ من إنتاجٍ وتوزيعٍ وغيرهما ، نظير ما نجد في بحوث ( آدم سميث) و( ريكاردو ) ومَن إليهما من أقطاب الاقتصاد السياسي ، ولمّا كنا لا نجد في الإسلام بحوثاً من هذا القبيل فليس الاقتصاد الإسلامي إلاّ أسطورة وخيالاً مجنحاً .

ويمكن لهؤلاء أن يتنازلوا عن تأكيدهم على عدم وجود اقتصاد إسلامي إذا عرفوا ـ بوضوحٍ ـ : الفرقَ بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ، أو ما يسمّى بالاقتصاد السياسي وعرفوا : أنّ الاقتصاد الإسلامي مذهبٌ وليس علماً .

فالمذهب الاقتصادي يشمل كلّ قاعدة أساسية في الحياة الاقتصادية ، تتّصل بفكرة : (العدالة الاجتماعية ) .

والعلم يشمل كلّ نظرية تفسّر واقعاً من الحياة الاقتصادية بصورة منفصلةٍ عن فكرة مسبقة أو مَثلٌ أعلى للعدالة .

ففكرة العدالة هي الحدّ الفاصل بين المذهب والعلم ، والعلامة الفارقة التي تميّز بها الأفكار المذهبية عن النظريات العلمية ؛ لأنّ فكرة العدالة نفسها ليست علمية ، ولا أمراً حسيّاً قابلاً للقياس والملاحظة ، أو خاضعاً للتجربة بالوسائل العلمية ، وإنّما العدالة تقدير وتقويم خُلُقي فأنت حين تريد أن تعرف مَدى العدالة في نظام الملكية الخاصة ، أو تصدر حكماً على نظام الفائدة الذي تقوم على أساسه المصارف بأنّه نظام عادل أو ظالم لا تلجأ إلى نفس الأساليب والمقاييس العلمية التي تستخدمها حينما تريد قياس حرارة الجو ، أو درجة الغليان في مائعٍ معيّن ؛ لأنّ الحرارة والتبخّر ظاهرتان طبيعيتان يمكن إخضاعهما للحسّ العلمي ، وأمّا العدالة فتلجأ في تقديرها إلى قيم خُلُقية ومُثُل عُليا خارجة عن حدود القياس المادّي .

٣٢١

فالعدالة إذن ليست فكرة علمية بذاتها ، وهي لذلك حين تندمج بفكرة تدمغها بالطابع المذهبي وتميّزها عن التفكير العلمي فمبدأ الملكية الخاصة ، أو الحرّية الاقتصادية ، أو إلغاء الفائدة ، أو تأميم وسائل الإنتاج كلّ ذلك يندرج في المذهب ؛ لأنّه يرتبط بفكرة العدالة ، وأمّا قانون تناقض الغلّة ، وقانون العرض والطلب ، أو القانون الحديدي للأجور فهي قوانين علميّة ؛ لأنّها ليست بصدد تقويم تلك الظواهر الاقتصادية فقانون تناقص الغلّة لا يحكم بأنّ هذا التناقض عادل أو ظالم ، وإنّما يكشف عنه بوصفه حقيقة موضوعية ثابتة ، كما أنّ قانون العرض والطلب لا يبرّر ارتفاع الثمن بسبب قلّة العرض أو زيادة الطلب على أساس مفهوم معيّن عن العدالة ، وإنّما يبرز الترابط موضوعياً بين الثمن وكمّية العرض والطلب ، باعتباره ظاهرة من الظواهر الحتميّة للسوق الرأسمالية ، وكذلك الأمر في قانون الأجور الحديدي ، فهو يشرح الواقع المحتوم للعمّال الذي يجعلهم دائماً لا يحصلون في المجتمع الرأسمالي إلاّ على معيشة الكفاف ، بقطع النظر عمّا إذا كانت ضآلة نصيب العمّال في التوزيع تتّفق مع العدالة أو لا .

فكلّ القوانين العلمية لا ترتكز على فكرة العدالة ، وإنّما ترتكز على استقراء الواقع وملاحظة مختلف ظواهره المتنوعة وعلى العكس من ذلك القواعد المذهبية التي تجسّد دائماً فكرة معيّنة للعدالة.

وهذا الفصل الحاسم بين البحث المذهبي والبحث العلمي لا يمنع عن اتخاذ المذهب إطاراً للبحث العلمي في بعض الأحيان ، كما في قوانين العرض والطلبأو قانون الأجور الحديدي للعمّال ، فإن أمثال هذه القوانين إنّما تصدّق علمياً وتنطبق على الواقع الذي تفسّره في مجتمع رأسمالي يطبق الرأسمالية المذهبية ، فهي قوانين علمية ضمن إطار مذهبي معيّن ، وليست علمية ولا صحيحة ضمن إطار آخر ، كما أوضحنا ذلك بكلّ تفصيلٍ في بحثٍ سابقٍ من هذا الكتاب (١) .

وبمجرّد أن نضع هذا الفصل الحاسم بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ، نعرف أنّ القول بوجود مذهب اقتصادي في الإسلام لا يعني أنّ الإسلام يبحث في قوانين العرض والطلب ، ويحدّد مدى تأثير زيادتهما أو انكماشهما على الثمن في السوق الحرّة ، وإنّما يبحث بدلاً عن ذلك في توفير الحرّية للسوق ، فيدعو إلى توفيرها له وصيانتها ، أو إلى الإشراف على السوق والتحديد من حرّيته ، تبعاً للصورة التي يتبنّاها للعدالة .

ـــــــــــــــ

(١) راجع مبحث : القوانين العلمية في الاقتصاد الرأسمالي ذات إطار مذهبي .

٣٢٢

وكذلك لا يبحث الإسلام في العلاقة وردود الفعل بين الفائدة والربح ، أو بين حركة رأس المال الرَّبوي والتجارة ، ولا في العوامل التي تؤدّي إلى زيادة الفائدة أو انخفاضها ، وإنّما يقوّم نفس الفائدة والربح ، ويصدر حكمه على الاستثمار الرَّبوي والتجاري بما يتّفق مع مفاهيمه عن العدالة .

ولا يبحث الإسلام أيضاً في ظاهرة تناقص إنتاج الغلّة وأسبابها ، وإنّما يبحث عمّا إذا كان من الجائز ومن العدل أن يوضح الإنتاج تحت إشراف هيئة مركزية عُليا .

نعرف من ذلك كلّه : أنّ وظيفة المذهب الاقتصادي هي وضع حلول لمشاكل الحياة الاقتصادية ترتبط بفكرته ومُثُله في العدالة وإذا أضفنا إلى هذهالحقيقة : أنّ تعبيرَي ( الحلال والحرام) في الإسلام تجسيدان للقِيَم والمُثُل التي يؤمن بها الإسلام ، فمن الطبيعي أن ننتهي من ذلك إلى اليقين بوجود اقتصاد مذهبي إسلامي ؛ لأنّ قصّة الحلال والحرام في الإسلام تمتد إلى جميع النشاطات الإنسانية ، وألوان السلوك ؛ سلوك الحاكم والمحكوم ، وسلوك البائع والمشتري ، وسلوك المستأجر والأجير ، وسلوك العامل والمتعطّل ، فكلّ وحدة من وحَدات هذا السلوك هي إمّا حرام وإمّا حلال ، وبالتالي هي إمّا عدل وإمّا ظلم ؛ لأنّ الإسلام إن كان يشتمل على نصٍّ يمنع عن سلوك معيّن سلبي أو إيجابي فهذا السلوك حرام ، وإلاّ فهو حلال .

وإذا كانت كلّ ألوان النشاط في الحياة الاقتصادية خاضعة لقضية الحلال والحرام ، بما تعبّر عنه هذه القضية من قِيم ومُثل، فمن حقّ البحث في الإسلام أن يدعونا إلى التفكير في استخلاص وتحديد المذهب الاقتصادي ، الذي تعبّر عنه قضية الحلال والحرام بقِيَمها ومُثُلها ومفاهيمها .

العلاقة بين المذهب والقانون :

كما عرفنا أنّ المذهب الاقتصادي يختلف عن علم الاقتصاد ، كذلك يجب أن نعرف الفرق بين المذهب الاقتصادي والقانون المدني أيضاً ، فإنّالمذهب هو : مجموعة من النظريات الأساسية التي تعالج مشاكل الحياة الاقتصادية .

٣٢٣

والقانون المدني هو : التشريع الذي ينظّم تفصيلات العلاقات المالية بين الأفراد وحقوقهم الشخصية والعينية وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يعتبر المذهب الاقتصادي لمجتمعٍ نفس قانونه المدني فالرأسمالية مثلاً بوصفها المذهب الاقتصادي لدول كثيرة في العالم ليست هي نفس القوانين المدنية في تلك الدول ، ولذا قد تختلف دولتان رأسماليتان في تشريعاتهما القانونية ؛ تبعاً لاتجاهات رومانية وجرمانية ـ مثلاًً ـ مختلفة في التشريع ، بالرغم من وحدة المذهب الاقتصادي فيهما ؛ لأنّ تلك التشريعات القانونية ليست من المذهب الرأسمالي فليس من الرأسمالية ـ باعتبارها مذهباً اقتصادياً ـ الأحكام التي يُنظِّم بها القانونُ المدني في الدولة الرأسمالية عقودَ المقايضة من بيعٍ وإيجارٍ وقرضٍ مثلاً فلو قدّمت هذه الأحكام باعتبارها المضمون الرأسمالي للمذهب ، كان ذلك ينطوي على التباس وخلطٍ بين النظريات الأساسية والتفصيلات التشريعية ، بين المذهب والقانون ، أي بين النظريات الأساسية للرأسمالية في حرّية التملّك وحرّية التصرّف وحرّية الاستثمار ، وبين التشريعات القانونية التي ترتكز على أساسها تلك المبادئ الرأسمالية في الحرّية .

ولأجل هذا يكون من الخطأ أن يقدّم الباحث الإسلامي مجموعة من أحكام الإسلام ـ التي هي في مستوى القانون المدني حسب مفهومه اليوم ـ ويعرضها طبقاً للنصوص التشريعية والفقهية بوصفها مذهباً اقتصادياً إسلامياً ، كما يصنع بعض الكتّاب المسلمين حين يحاولون دراسة المذهب الاقتصادي في الإسلام ، فيتحدثون عن مجموعة من تشريعات الإسلام التي نظّم بها الحقوق المالية والمعاملات ، كالأحكام الشرعية بشأن البيع والإيجار والشِّركة والغش والقمار وما إليها من تشريعات ، فإنّ هؤلاء كمن يريد أن يدرس ويحدّد المذهب الاقتصادي للمجتمع في (إنكلترا ) ـ مثلاً ـ فيقتصر في دراسة على القانون المدني لتلك البلاد وما يضمّه من تشريعات ، بدلاً عن استعراض الرأسمالية ومبادئها الأساسية في حرّية التملّك والتصرّف والاستثمار ، وما تعبّر عنه هذه المبادئ من مفاهيم وقِيم .

ونحن حين نؤكّد على ضرورة التمييز بين الكيان النظري للمذهب الاقتصادي ، وبين القانون المدني ، لا نحاول بذلك قطع الصلة بينهما ، بل نؤكّد في نفس الوقت على العلاقة المتينة التي تربط المذهب بالقانون ، بوصفهما جزءين من بناء نظريٍّ كامل للمجتمع فليس المهم فقط أن نرتفع إلى مستوى التمييز بين المذهب الاقتصادي والقانون المدني ، بل لا بدّ أنّ ندرك باستيعاب أيضاً الروابط التي تشدّ أحدهما إلى الآخر ؛ باعتبارهما مندمجين في مركّبٍ عضوي نظري واحد .

٣٢٤

فالمذهب الاقتصادي بنظريّاته وقواعده يشكل قاعدة لبناء فوقي من القانون ، ويعتبر عاملاً مهمّاً في تحديد اتجاهه العام وكون المذهب قاعدة نظرية للقانون لا ينفي اعتبار المذهب بدوره بناءً عُلْوياً لقاعدة يرتكز عليها ، فإنّ البناء النظري الكامل للمجتمع يقوم على أساس نظرة عامة ، ويضمّ طوابق متعدّدة يرتكز بعضها على بعض ، ويعتبر كلّ طابق متقدّم أساساً قاعدة للطابق العُلْوي المشاد عليه فالمذهب والقانون طابقان من البناء النظري ، والقانون هو الطابق العُلْوي منهما الذي يتكيف وفقاً للمذهب ، ويتحدّد في ضوء النظريات والمفاهيم الأساسية التي يعبّر عنها ذلك المذهب .

ولنأخذ لأجل التوضيح مثالاً على ذلك من المذهب الرأسمالي الحرّ في الاقتصاد ، وعلاقاته بالقوانين المدنية على صعيدها النظري والواقعي ، لتتجسّد لنا الصلة بين المذهب والقانون ، ومدى تأثّر القانون نظرياً وواقعياً بالنظريات المذهبية .

ففي مجال الحقوق الشخصية من القانون المدني نستطيع أن نفهم أثر المذهب فيه إذا عرفنا أنّ نظرية الالتزام ـ وهي حجر الزاوية في القانون المدني ـ قد استمدّت محتواها النظري من طبيعة المذهب الرأسمالي ، في الفترة التي طغت فيها الأفكار الرأسمالية على الحرّية الاقتصادية ، وسيطرت مبادئ الاقتصاد الحرّ على التفكير العام ، فكان من نتيجة ذلك ظهور مبدأ سلطان الإرادة في نظرية الالتزام ، الذي يحمل الطابع المذهبي للرأسمالية ، إذ يؤكّد ـ تبعاً لإيمان الرأسمالية بالحرّية واتجاها الفردي ـ على أنّ الإرادة الخاصة للفرد هي وحدها مصدر جميع الالتزامات والحقوق الشخصية ، ويرفض القول بوجود أيّ حقّ لفردٍ على آخر ، أو لجماعة على فردٍ ، ما لم تكمن وراءه إرادة حرّة يتقبّل الفرد بموجبها ثبوت الحقّ عليه بملء حرّيته .

ومن الواضح أنّ رفض أيّ حقٍ على الشخص ما لم يُنشئ ذلك الشخص الحقّ على نفسه بملء إرادته ، ليس إلاّ نقلاً أميناً للمضمون الفكري للمذهب الرأسمالي ـ وهو الحرّية الاقتصادية ـ من الحقل المذهبي الاقتصادي إلى الحقل القانوني ، ولذا نجد أنّ نظرية الالتزام حين تقام على أساس مذهبي آخر في الاقتصاد، تختلف عن ذلك ، وقد يتضاءل دور الإرادة فيها حينئذٍ إلى حدٍ بعيد .

٣٢٥

ومن مظاهر نقل المضمون النظري للمذهب الرأسمالي إلى التفصيلات التشريعية على الصعيد القانوني : سماح القانون المدني القائم على أساس رأسمالي في تنظيماته ، لعقود البيع والقرض والإيجار ، ببيع كمّية عاجلة من الحنطة بكمّية أكبر منها تدفع بعد ذلك ، وبإقراض المال بفائدة معيّنة بنسبة مئوية ، وباستئجار الرأسمالي عمّالاً يستخدمهم في استخراج البترول من الأرض بالوسائل التي يملكها لكي يتملّك ذلك البترول إنّ القانون حين يجيز كلّ ذلك إنّما يستمدّ في الحقيقة مبرّرات هذا الجواز من النظريات الرأسمالية للمذهب الذي يرتكز القانون عليه .

والأمر نفسه نجده أيضاً في مجال الحقوق العينية من القانون المدني : فحقّ الملكية وهو الحقّ العيني الرئيسي ، ينظّمه القانون وفقاً للموقف العام الذي يتّخذه المذهب الاقتصادي من توزيع الثروة ، فالرأسمالية المذهبية حين آمنت بحرّية التملّك ، وكانت تنظر إلى الملكية بوصفها حقّاً مقدّساً فرضت على الطابق الفوقي في البناء الرأسمالي أن يسمح للأفراد بملكية المعادن تطبيقاً لحرّية التملّك ، وأن يقدّم مصلحة الفرد في الانتفاع بما يملك على أيّ اعتبار آخر ، فلا يمنع الفرد عن ممارسة أمواله بالطريقة التي تحلو له مهما كان أثر ذلك على الآخرين ، ما دامت الملكية والحرّية حقاً طبيعياً للفرد ، وليست وظيفة اجتماعية يمارسها الفرد ضمن الجماعة .

وحين أخذ دور الحرّية الاقتصادية يتضاءل ، ومفهوم الملكية الخاصة يتطوّر ، بدأت القوانين المدنية تمنع عن تملك الفرد لبعض الثروات أو المرافق الطبيعية ، ولا تسمح له بالإساءة في استعمال حقه في التصرّف والانتفاع بماله .

فهذا كلّه يجلي علاقة التبعية بين القانون المدني والمذهب إلى درجة يجعل من الممكن التعرّف على المذهب وملامحه الأصيلة عن طريق القانون المدني ، فالشخص الذي لم يتح له الإطلاع المباشر على المذهب الاقتصادي لبلدٍ ما ، يمكنه أن يرجع إلى قانونه المدني ، لا بوصفه المذهب الاقتصادي ، فإنّ المذهب غير القانون ، بل باعتباره البناء العُلْوي للمذهب والطابق الفوقي الذي يعكس محتوى المذهب وخصائصه العامة ، ويمكنه عندئذِ في ضوء دراسة القانون المدني للبلد أن يعرف بسهولة كون البلد رأسمالياً أو اشتراكياً ، بل وحتى الدرجة التي يؤمن البلد بها من الرأسمالية والاشتراكية .

٣٢٦

تلخيص:

تحدّثنا حتى الآن عن الفرق بين المذهب الاقتصادي بشكلٍ عامٍ وعلم الاقتصاد ، والفرق بين المذهب الاقتصادي والقانون المدني ، وعرفنا على هذه الأساس أنّ من الخطأ أن نتحدّث عن المذهب الاقتصادي الإسلامي بوصفه علماً ، أو باعتباره مجموعة من التشريعات في مستوى القانون المدني الذي ينظّم أحكام المعاملات وما إليها .

وليس هذا فقط ، فقد عرفنا إلى ذلك أيضاً طبيعة العلاقة بين المذهب والقانون ، وسوف يكون لهذه العلاقة أثرها الكبير في العملية التي نمارسها في هذا الكتاب ، كما سنرى إن شاء الله تعالى .

والآن وقد اتّفقنا على وجود المذهب الاقتصادي في الإسلام بتمييزه عن علم الاقتصاد ، وفرّقنا بين المذهب والقانون مع إدراك نوع العلاقة بينهما ، فلنتحدّث عن العلمية التي نمارسها في هذا الكتاب بشأن الاقتصاد الإسلامي ، ونحدّد نوعيتها ومعالمها الرئيسية ، ونشرح منهجنا في ممارستها على ضوء المعلومات السابقة عن المذهب بشكلٍ عامٍ وتميزه عن العلم والقانون ، وعلى ضوء نوع العلاقة التي تربط القانون المدني بالمذهب .

عملية اكتشاف وعملية تكوين

إنّ العملية التي نمارسها في دراستنا للمذهب الاقتصادي الإسلامي تختلف عن طبيعة العمل الذي مارسه الرواد المذهبيّون الآخرون ؛ فإنّ الباحث الإسلامي يحسّ منذ البدء بالفارق الأساسي بين موقفه من المهمّة التي يحاول إنجازها ، وموقف أيّ باحثٍ مذهبيٍّ آخر ممّن مارسوا عملية البحث المذهبي في الاقتصاد ، وبشّروا بمذاهب اقتصادية معيّنة كالرأسمالية والاشتراكية .

وهذا الفارق الجوهري هو الذي يحدّد لكلّ من البحثين ، الإسلامي وغيره ، معالم الطريق ونوع العملية التي يجب أن يمارسها البحث ، وطابعها المميّز كما سنرى بعد لحظات .

فالمفكّر الإسلامي أمام اقتصاد مُنجز تمّ وضعه ، وهو مدعو إلى تمييزه بوجهه الحقيقي ، وتحديده بهيكله العام ، والكشف عن قواعده الفكرية ، وإبرازه بملامحه الأصيلة ، ونفض غبار التأريخ عنها ، والتغلب بقدر الإمكان على كثافة الزمن المتراكم والمسافات التأريخية الطويلة ، وإيحاءات التجارب غير الأمينة التي مارست ـ ولو اسمياً ـ عملية تطبيق الإسلام ، والتحرر من أُطر الثقافات غير الإسلامية التي تتحكّم في فهم الأشياء ، وفقاً لطبيعتها واتجاهها في التفكير .

٣٢٧

إنّ محاولة التغلّب على كلّ هذه الصعاب واجتيازها للوصول إلى اقتصاد إسلامي مذهبي هي وظيفة المفكّر الإسلامي .

وعلى هذا الأساس يمكن القول : بأنّ العملية التي نمارسها هي عملية اكتشاف وعلى العكس من ذلك المفكّرون المذهبيّون الذين بشّروا بمذاهبهم الرأسمالية والاشتراكية ، فإنّهم يمارسون عملية تكوين المذهب وإبداعه .

ولكلّ من عملية الاكتشاف وعملية التكوين خصائصها ومميّزاتها ، التي تنعكس في البحث المذهبي الذي يمارسه المكتشفون الإسلاميون والمبدعون الرأسماليون والاشتراكيون وأهم تلك الخصائص والمميّزات تحديد سير العملية ومنطلقها ففي عملية تكوين المذهب الاقتصادي ، وعندما يراد تشييد بناء نظري كامل للمجتمع ، تأخذ الفكرة اطّرادها وسيرها الطبيعي ، فتمارس بصورة مباشرة وضع النظريات العامة للمذهب الاقتصادي ، وتجعل منها أساساً لبحوث ثانوية وأبنية عُلْوية من القوانين التي ترتكز على المذهب ، وتعتبر طابقاً فوقياً بالنسبة إليه ، كالقانون المدني الذي عرفنا سابقاً تبعيّته للمذهب وقيامه على أساسه فالتدرج في عملية تكوين البناء تدرّج طبيعي من الأساس إلى التفريعات ، ومن القاعدة إلى البناء العُلْوي ، وبكلمة أخرى : من الطابق المتقدّم في البناء النظري العام للمجتمع إلى طابق أعلى منه .

وأمّا في عملية الاكتشاف للمذهب الاقتصادي ، فقد ينعكس السير ويختلف المنطلق ، وذلك حينما نكون بصدد اكتشاف مذهب اقتصادي لا نملك له أو لبعض جوانبه صورة واضحة ، ولا صيغة محدّدة من قبل واضعيه ، كما إذا كنّا لا نعرف أنّ المذهب يؤمن بمبدأ الملكية العامة أو مبدأ الملكية الخاصة ، أو لا نعرف الأساس النظري للملكية الخاصة في المذهب هل هو الحاجة أو العمل أو الحرّية ؟ ففي هذه الحالة ، ما دمنا لا نملك نصّاً محدّداً لواضعي المذهب الذي يراد اكتشافه يبدّد الغموض الذي يكتنف المذهب فلا بدّ من الفحص عن طريقة أخرى لاستخدامها في اكتشاف المذهب ، أو النواحي المظلمة منه .

وهذه الطريقة يمكننا تحديدها في ضوء علاقة التبعية التي شرحناها سابقاً بين المذهب والقانون ، فما دام القانون المدني طابقاً فوقياً بالنسبة إلى المذهب ، يرتكز عليه ويستمدّ منه اتّجاهاته ، فمن الممكن اكتشاف المذهب عن طريق القانون ، إذا كنّا على علمٍ بالقانون الذي يرتكز على ذلك

٣٢٨

المذهب المجهول وهكذا يصبح من الواجب على عملية الاكتشاف أن تفتّش عن إشعاعات المذهب في المجال الخارجي ، أي : عن أبنيته العُلْوية وآثاره التي ينعكس ضمنها في مختلف الحقول ، لتصل عن طريق هذه الإشعاعات والآثار إلى تقدير محدّد لنوعية الأفكار والنظريات في المذهب الاقتصادي ، الذي يختفي وراء تلك المظاهر .

وبهذا يتعيّن على عملية الاكتشاف أن تسلك طريقاً معاكساً للطريق الذي سلكته عملية التكوين ، فتبدأ من البناء العُلْوي إلى القاعدة ، وتنطلق من جمع الآثار وتنسيقها إلى الظفر بصورة محددة للمذهب، بدلاً عن الانطلاق من وضع المذهب إلى تفريع الآثار.

وهذا تماماً هو موقفنا في عملية الاكتشاف التي نمارسها من الاقتصاد الإسلامي أو من جزءٍ كبيرٍ منه بتعبيرٍ أصح ؛ لأنّ بعض جوانب المذهب الاقتصادي في الإسلام وإن كان بالإمكان استنباطها مباشرة من النصوص ، ولكن هناك من النظريّات والأفكار الأساسية التي يتكوّن منها المذهب الاقتصادي ليس من الميسور الحصول عليها في النصوص مباشرة ، وإنّما يتعيّن الحصول عليها بطريق غير مباشر ، أي على أساس اللبنات الفوقية في الصرح الإسلامي ، وعلى هدى الأحكام التي نظم بها الإسلام العقود والحقوق فنحن ننطلق من الطابق العُلْوي وندرج منه إلى الطابق المتقدّم ؛ لأنّنا نمارس عملية اكتشاف وأمّا أولئك الذين يمارسون عملية التكوين ويحاولون تشييد البناء لا اكتشافه ، فهم يصعدون من الطابق الأوّل إلى الثاني ؛ لأنّهم يمارسون عملية بناء وتكوين ، والطابق الثاني لا يكون في عملية البناء إلاّ أخيراً .

هكذا نختلف في موقفنا منذ البدء عن موقف الروّاد المذهبيين من الرأسماليين والاشتراكيين ، بل نختلف أيضاً حتى عن أولئك الذين يدرسون المذاهب الرأسمالية والاشتراكية دراسة اكتشاف وتحديد ؛ لأنّ هؤلاء بإمكانهم دراسة هذه المذاهب عن طريق الاتصال بها مباشرة وفقاً لصيغها العامة التي بشّر بها روّاد تلك المذاهب ، فليس التعرّف على المذهب الاقتصادي لـ (آدم سميث ) مثلاً متوقّفاً على أن ندرس أفكاره القانونية في المجال المدني ، والطريقة التي يفضّلها في تنظيم الالتزامات والحقوق ، بل يمكننا الاندماج ابتداءً مع فكره المذهبي في المجال الاقتصادي

وعلى العكس من ذلك حين نريد أن نتعرّف على كثيرٍ من محتوى المذهب الاقتصادي الذي يؤمن به الإسلام ، فإنّنا ما دمنا لا نستطيع أن نجد الصيغة المحدّدة لذلك في مصادر الإسلام ، كما نجدها عند (آدم سميث ) فسوف نضطر بطبيعة الحال إلى تتبع الآثار واكتشاف المذهب بصورة غير مباشرة، عن طريق معالمه المنعكسة في لبنات فوقية من الصرح الإسلامي .

٣٢٩

وهذا هو الذي يجعل عملية الاكتشاف التي يمارسها المفكر الإسلامي تظهر أحياناً بشكل مقلوب ، بل قد يبدو أنّها لا تميّز بين المذهب والقانون المدني حين تستعرض أحكاماً إسلامية في مستوى القانون المدني ، وهي تريد أن تدرس المذهب الاقتصادي في الإسلام ، ولكنّها في الواقع على حّق ما دامت تستعرض تلك الأحكام بوصفها بناءً عُلْوياً للمذهب قادراً على الكشف عنه ، لا باعتبار أنّها هي المذهب الاقتصادي والنظريّات الاقتصادية نفسها .

النظام المالي كالقانون المدني :

ومن الضروري بهذا الصدد أن نضيف إلى القانون المدني النظام المالي أيضاً ؛ بوصفه أحد الأبنية العُلْوية للمذهب الاقتصادي ، التي تعكس ملامحه وتتكيف بمقتضياته فكما يمكن الاستفادة في عملية الاكتشاف من إشعاعات المذهب المنعكسة على القانون المدني ، كذلك يمكن الاستفادة من إشعاعات مذهبية مماثلة في النظام المالي .

وإذا أردنا أن نضرب مثلاً لهذا التأثير من المذهب الاقتصادي على التنظيم المالي بوصفه بناءً عُلْوياً للمذهب ، فيمكننا أن نجد هذا المثال في صلة المذهب الرأسمالي بالمالية العامة ، كما استعنّا سابقاً بتحديد صلته بالقانون المدني على فهم العلاقة بين المذهب والقانون ، فإنّ من مظاهر الصلة بين الرأسمالي والمالية العامة : تأثّر فكرة (الدومين )(١) بالناحية المذهبية والدومين يعتبر في المالية أحد المصادر الرئيسية لإيرادات الدولة ، فقد تضاءلت فكرة الدومين وانكمش نطاق المشروعات التي تملكها الدولة وكادت أن تختفي من التنظيم المالي ؛ تحت تأثير مبدأ الحرّية الاقتصادية حينما طغى المذهب الرأسمالي وساد التفكير المذهبي للرأسمالية ، الذي كان من مقتضاه عدم تدخّل الدولة في النشاط الإنتاجي ؛ حفاظاً على الحرّية الاقتصادية للأفراد ، إلاّ في الحدود الضئيلة التي يعجز النشاط الفردي عن القيام بها وكان من الطبيعي لأجل ذلك أن تعتمد الدولة الرأسمالية في ماليتها العامة على الضريبة ونحوها من مصادر الإيرادات الأخرى ثمّ استأنف الدومين وجوده بوصفه مصدراً مهمّاً واتسع نطاقه بعد ظهور الاتجاهات الاشتراكية نحو التأميم ، وتزلزل مبدأ الحرّية الاقتصادية في التفكير الاقتصادي العام .

ـــــــــــــــ

(١) يراد بالدومين : تلك الأموال التي تكون مملوكة للدولة كالأراضي والغابات والمصانع التي تملكها الدولة وتدرّ عليها إيراداً ، كما تدرّ الأرضي والغايات والمصانع التي يملكها الأفراد ملكيّة خاصة أرباحاً مختلفة على مالكيها ( المؤلّف قدّس سرّه ) راجع دراسات في المالية العامّة : ٨٢ و ٨٦ و ٨٩ ودائرة معارف القرن العشرين ٤ : ٩٤ .

٣٣٠

ومن مظاهر الصلة بين المذهب والمالية العامة : أنّ إيرادات الدولة اختلفت وظيفتها تبعاً لنوع الأفكار الاقتصادية المذهبية التي تأثّرت بها ، ففي الفترة التي ساد فيها المذهب الرأسمالي بأفكاره عن الحرّية ، كانت الوظيفة الأساسية للإيرادات هي تغطية نفقات الدولة ، بوصفها جهازاً لحماية الأمن في البلاد والدفاع عنها ، وعندما بدأت الأفكار الاشتراكية تغزو الصعيد المذهبي أصبح للإيرادات مهمّة أخرى أضخم ، وهي علاج سوء التوزيع والتقريب بين الطبقات وإقامة العدالة الاجتماعية وفقاً للأفكار المذهبية الجديدة ولم تعد الدولة تكتفي من الإيرادات أو الضرائب بالقدر الذي يغطّي نفقاتها كجهاز ، بل توسّعت في ذلك بقدر ما تفرضه المهمّة الجديدة .

فهذه المظاهر تبرهن على تكييف المالية العامة للمجتمع تبعاً لقاعدته المذهبية كما يتكيّف القانون المدني ، الأمر الذي يجعل منها رصيداً لعملية الاكتشاف ، بوصفها طابقاً عُلْوياً يشرف المكتشف منه على الطابق المتقدّم ، أي على المذهب الاقتصادي .

تلخيص واستنتاج :

على أساس ما تقدّم يصبح من الضروري أن ندرج عدداً من أحكام الإسلام وتشريعاته التي تعتبر بناءً فوقياً للمذهب في نطاق عملية اكتشاف المذهب ، وإن لم تكن داخلة كلها في صميم المذهب ذاته .

ولأجل هذا سوف يتّسع البحث في هذا الكتاب لكثير من أحكام الإسلام في المعاملات والحقوق التي تنظّم العلاقات المالية بين الأفراد ، كما يتّسع لبعض أحكام الشريعة في تنظيم العلاقات المالية بين الدولة والأمة ، وتحديد موارد الدولة وسياستها العامة في إنفاق تلك الإيرادات ؛ لأنّ هذا الكتاب ليس كتاب عرض للمذهب الاقتصادي فحسب ، وإنّما هو كتاب يحاول أن يمارس عملية اكتشاف لهذا المذهب ، ويحدّد لهذه العملية أسلوبها وسيرها ومضمونها ونتائجها .

ولهذا أيضاً سوف نقتطف وننسّق من أحكام الإسلام في المعاملات والحقوق والضرائب ما يُعد بناءً عُلْوياً للمذهب ، ويلقي ضوء عليه في عملية الاكتشاف ، وأمّا الأحكام التي لا تساهم في هذا الضوء فهي خارجة عن مجال البحث .

٣٣١

فعلى سبيل المثال نذكر الرِّبا ، والغش ، وضريبة التوازن ، وضريبة الجهاد فإنّ الإسلام قد حرّم الرِّبا في المعاملة كما حرّم الغشّ أيضاً ، غير أنّ تحريم الرِّبا والمنع عن القرض بفائدة يساهم في عملية الاكتشاف ؛ لأنّه جزء من بناء عُلْوي لنظرية توزيع الثروة المنتجة ، فهو يكشف عن القاعدة العامة للتوزيع في الإسلام كما سيأتي في بحث توزيع ما بعد الإنتاج وأمّا حرمة الغشّ فليس لها إطار مذهبي ، ولذلك قد تتّفق عليها قوانين جميع البلاد المختلفة في مذاهبها الاقتصادية .

وكذلك الأمر في ضريبتي التوازن والجهاد ، فإنّ الضريبة التي يشرّعها الإسلام لحماية التوازن ـ كالزكاة مثلاً ـ تدخل في عملية الاكتشاف دون ضريبة الجهاد التي يأمر بها الإسلام لتمويل جيش المجاهدين ، فإنّها تتّصل بدور الدعوة في الدولة الإسلامية ، لا بالمذهب الاقتصادي في الإسلام .

 [ الذاتية في الاجتهاد وأسبابها : ]

ولأجل تعاظم خطر الذاتية على العملية التي يمارسها ، كان لزاماً علينا كشف هذه النقطة بوضوح ، وتحديد منابع هذا الخطر وبهذا الصدد يمكننا أن نذكر الأسباب الأربعة التالية بوصفها أهم المنابع لخطر الذاتية :

أ ـ تبرير الواقع .

ب ـ دمج النصّ ضمن إطار خاص .

ج ـ تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه .

د ـ اتخاذ موقف معني بصورة مسبقة تجاه النصّ .

٣٣٢

أ ـ تبرير الواقع :

إنّ عملية تبرير الواقع هي المحاولة التي يندفع فيها الممارس ـ بقصد أو بدون قصد ـ إلى تطوير النصوص وفهمها فهماً خاصاً يبرّر الواقع الفاسد الذي يعيشه المُمارس ، ويعتبره ضرورة واقعة لا مناص عنها ، نظير ما قام به بعض المفكّرين المسلمين ممن استسلم للواقع الاجتماعي الذي يعيشه وحاول أن يُخضع النصّ للواقع بدلاً عن التفكير في تغيير الواقع على أساس النص ، فتأوّل أدلّة حرمة الرِّبا والفائدة ، وخرج من ذلك بنتيجة تواكب الواقع الفاسد ، وهي : أنّ الإسلام يسمح بالفائدة إذا لم تكن أضعافاً مضاعفة ، وإنّما ينهى عنها إذا بلغت مبلغاً فاحشاً ، يتعدّى الحدود المعقولة كما في الآية الكريمة :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) . والحدود المعقولة هي الحدود التي ألفها هذا المتأوّل من واقعه في حياته ومجتمعه وقد منعه واقعه عن إدراك غرض هذه الآية الكريمة ، التي لم تكن تستهدف السماح بالفائدة التي لا تضاعف القرض ، وإنّما كانت تريد لفت نظر المرابين إلى النتائج الفظيعة التي قد يسفر عنها الرِّبا إذ يصبح المدين مثقلاً بأضعاف ما استقرضه ؛ لتراكم فوائد الرِّبا ، ونموّ رأس المال الرَّبوي نموّاً شاذّاً باستمرار ، يواكبه تزايد بؤس المَدِين وانهياره في النهاية .

ولو أراد هذا المتأوّل أن يعيش القرآن خالصاً وبعيداً عن إيحاءات الواقع المعاش وإغرائه ، لقرأ قوله تعالى :( وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ) (٢) . ويفهم أنّ المسألة ليست مسألة حرب مع نوعٍ خاصٍّ من الرِّبا الجاهلي ، الذي يضاعف الدَّين أضعافاً مضاعفة ، وإنّما هي مسألة مذهب اقتصادي له نظرته الخاصة إلى رأس المال ، التي تحدّد له مبررات نموّه ، وتشجب كلّ زيادة له منفصلة عن تلك المبرّرات مهما كانت ضئيلة ، كما يقرره إلزام الدائن بالاكتفاء برأس ماله ، لا يَظلم ولا يُظلم .

ـــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : ١٣٠ .

(٢) سورة البقرة : ٢٧٩ .

٣٣٣

ب ـ دمج النص ضمن إطار خاص :

وأمّا عملية دمج النصّ ضمن إطار معيّن ، فهي : دراسة النصّ في إطار فكريٍّ غير إسلامي وهذا الإطار قد يكون منبثقاً عن الواقع المعاش ، وقد لا يكون ، فيحاول الممارس أن يفهم النصّ ضمن ذلك الإطار المعيّن ، فإذا وجده لا ينسجم مع إطاره الفكري أهمله ، واجتازه إلى نصوص أخرى تواكب إطاره ، أو لا تصطدم به على أقلّ تقدير .

وقد رأينا سابقاً كيف أهملت نصوص تحدّ من سلطة المالك ، وتسمح أحياناً بانتزاع الأرض منه ، وفضلّ عليها غيرها ؛ لمجرّد أنّ تلك النصوص لا تتّفق مع الإطار الفكري الذي يشعّ بتقديس الملكية الخاصة بدرجة يجعلها فوق سائر الاعتبارات .

وقد كتب فقيه ـ معلقاً على النصّ القائل : بأنّ الأرض إذا لم يعمرها صاحبها أخذها منه ولي الأمر واستثمرها لحساب الأمّة ـ :( إنّ الأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية ؛ فإنّها تخالف الأصول والأدلّة العقلية ) (١) . وهو يعنيبالأدلّة العقلية : الأفكار التي تؤكّد قدسية الملكية ، بالرغم من أنّ قدسية الملكية ودرجة هذه القدسية يجب أن تؤخذ من الشريعة ، وأمّا حين تقرّر بشكلٍ مسبق ، وبصورة تتيح لها أن تتحكّم في فهم النصّ التشريعي فهذا هو معنى الاستنباط في إطار فكري مستعار ، وإلاّ فأي دليل عقليّ على قدسية الملكية بدرجة تمنع عن الأخذ بالنصّ التشريعي الآنف الذكر ؟!

وهل الملكية الخاصة إلاّ علاقة اجتماعية بين الفرد والمال ؟! والعلاقة الاجتماعية افتراض واعتبار يشرّعه المجتمع بين الفرد والمال ؟! والعلاقة الاجتماعية افتراض واعتبار يشرّعه المجتمع أو أي مشرّع آخر لتحقيق غرض معيّن ، فهو لا يدخل في نطاق البحث العقلي المجرّد ، ولا العقلي التجريبي .

وكثيراً ما نجد بعض الممارسين يستدلّ في مثل هذا المجال على حرمة انتزاع المال من المالك : بأنّ الغصب قبيح عقلاً وهو استدلال عقيمٌ ؛ لأنّ الغصب هو انتزاع المال بدون حقّ ، والشريعة هي التي تحدّد ما إذا كان هذا الانتزاع بحقٍّ أم لا ، فيجب أن نأخذ منها ذلك دون أن نفرض عليها فكرة سابقة فإذا قرّرت : أنّ الانتزاع بغير حقّ ، كان غصباً ، وإذا فرضت لشخص حقّاً في الانتزاع لم يكن الانتزاع غصباً، وبالتالي لم يكن قبيحاً .

ـــــــــــــــ

(١) السرائر ١ : ٤٧٧ .

٣٣٤

وكتب فقيه آخر يستدل على تشريع الملكية الخاصة في الأرض :( أنّ الحاجة تدعو إلى ذلك وتشتد الضرورة إليه ؛ لأنّ الإنسان ليس كالبهائم ، بل هو مدني بالطبع ، لا بدّ له من مسكن يأوي إليه ، وموضع يختصّ به ، فلو لم يشرّع لزم الحرج العظيم ، بل تكليف ما لا يطاق )(١) .

وكلنا نعترف ـ طبعاً ـ بوجود الملكية الخاصة في الإسلام ، وفي الأرض بوجه خاص أيضاً ، ولكنّ الشيء الذي لا نقرّه هو أن يستمدّ الحكم في الشريعة الإسلامية من الرسوخ التأريخي لفكرة الملكية ، كما اتفق لهذا الفقيه الذي لم تمتد أبعاده الفكرية وتصوّراته عن الماضي والحاضر والمستقبل خارج نطاق التأريخ الذي عاشته الملكية الخاصة ، فكان يجد وراء كلّ اختصاص في تأريخ حياة الإنسان شبح الملكية الخاصة يبرّره ويفسّره ، حتى لم يعد يستطيع أن يميّز بين الواقع والشبح ، فأخذ يعتقد أنّ الإنسان ما دام بحاجة إلى الاختصاص بمسكن يأوي أليه ـ على حدّ تعبيره ـ فهو بحاجة إذن إلى أن يتملّكه ملكية خاصة ، ليختصّ به ويأوي إليه ولو استطاع هذا الممارس أن يميّز بين سكنى الإنسان مسكناً خاصاً وبين تملّكه لذلك المسكن ملكيّة خاصة ، لما خُدع بالتشابك التأريخي بين الأمرين ، ولأمكنه أن يدرك بوضوح : أن تكليف ما لا يطاق إنّما هو في منع الإنسان من اتخاذ مسكن خاص ، لا في عدم منحه الملكية الخاصة لذلك المسكن فالطلاب في مدينة جامعية أو الأفراد في مجتمع اشتراكي يأوي كلّ منهم إلى مسكن خاصّ دون أن يتملّكه ملكيّة خاصة .

وهكذا نجد أن فقيهنـا هـذا اتخذ ـ بدون قصـد ـ من الجـلال التأريخي للملكية الخاصة ، وما يوحي به من أفكار عن ضرورتها للإنسانية ، إطاراً لتفكيره الفقهي .

ـــــــــــــــ

(١) مفتاح الكرامة ٧ : ٣ .

٣٣٥

ومن الإطارات الفكرية التي تلعب دوراً فعّالاً في عملية فهم النصّ الإطار اللغوي ، كما إذا كانت الكلمة الأساسية في النصّ لفظاً مشحوناً بالتأريخ ، أي ممتدّاً ومتطوّراً عبر الزمن ، فمن الطبيعي أن يبادر الممارس بصورة عفوية إلى فهم الكلمة كما تدل عليه في واقعها ، لا في تأريخها البعيد وقد يكون هذا المدلول حديثاً في عمر الكلمة ، ونتاجاً لغوياً لمذهب جديد ، أو حضارة ناشئة ولأجل ذلك يجب عند تحديد معنى النصّ الانتباه الشديد إلى عدم الاندماج في إطار لغوي حادث لم يعش مع النصّ منذ ولادته .

وقد يتفق أن تساهم عملية الإشراط الاجتماعي للملكية في تضليل الممارس للنصّ عن الفهم الصحيح ، فالكلمة حتى إذا كانت محتفظة بمعناها الأصيل على مرّ الزمن ، قد تصبح ـ خلال ملابسات اجتماعية معيّنة بين مدلولها فكر خاص أو سلوك معين ـ مشروطة بذلك الفكر أو السلوك ، حتى ليطغى أحياناً مدلولها السيكولوجي ـ على أساس عملية الإشراط التي ينتجها وضع اجتماعي معين ـ على مدلولها اللغوي الأصيل ، أو يندمج على أقلّ تقدير ، المعطى اللغوي للكلمة بالمعطى الشرطي النفسي الذي هو في الحقيقة نتيجة وضع اجتماعي يعيشه الممارس أكثر من كونه نتيجة للكلمة ذاتها .

وخذ إليك مثلاً كلمة : (الاشتراكية ) فقد أشرطت هذه الكلمة خلال مذاهب اجتماعية حديثة عاشها الإنسان المعاصر بكتلة من الأفكار والقيم والسلوك ، وأصبحت هذه الكتلة تشكّل إلى حدّ ما جزءاً مهماً من مدلولها الاجتماعي اليوم ، وإن لم تكن على الصعيد اللغوي المجرّد تحمل شيئاً من هذا الكتلة .

ويناظرها كلمة : (الرعية ) التي حمّلها تأريخ الإقطاع تبعة كبيرة ، وأشرطها بسلوك الإقطاعي صاحب الأرض مع الأقنان الذين يزرعون له أرضه فإذا جئنا إلى نصوص تشتمل على كلمة الاشتراكية ، أو كلمة الرعية ، كالنص القائل :الناس شركاء في الماء والنار والكلأ . والنصّ القائل :إنّ للوالي على الرعية حقّاً نواجه خطر الاستجابة للإشراط الاجتماعي في تلك الكلمات ، وإعطائها المعنى الاجتماعي الذي عاشته بعيداً عن جوّ النصّ ، بدلاً عن إعطائها المعنى اللغوي الذي ترمز إليه .

٣٣٦

ج ـ تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه :

تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه ، هو عملية تمديد للدليل دون مبرّر موضوعي وهذه العملية كثيراً ما ترتكب في نوع خاص من الأدلة الشرعية ، وهو ما يطلق عليه فقهياً اسم : (التقرير ) ونظراً إلى أنّ هذا النوع من الأدلّة له أثر كبير على عملية الاجتهاد في الأحكام والمفاهيم ، التي تتّصل بالمذهب الاقتصادي ، فمن الضروري أن نبرز الخطر الذي يتهدّد هذا الدليل نتيجة لتجريده عن ظروفه وشروطه .

ولنشرح أوّلاً معنى (التقرير ) : إنّ التقرير مظهر من مظاهر السنة الشريعة ، ونعني به سكوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام ، عن عمل معيّن يقع على مرأى منه ومسمع ، سكوتاً يكشف عن سماحه به وجوازه في الإسلام .

والتقرير على قسمين : لأنّهتارة يكون تقريراً لعمل معيّن يقوم به فرد خاص ، كما إذا شرب أحدٌ الفقاع أمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسكت عنه ، فإنّ هذا السكوت يكشف عن جواز شربه في الإسلاموأخرى : يكون تقريراً لعمل عام يتكرر صدوره من الناس في حياتهم الاعتيادية ، كما إذا عرفنا من عادة الناس في عهد التشريع الإسلامي قيام الإفراد باستخراج الثروات المعدنية وتملّكها بسبب استخراجها ، فإنّ سكوت الشريعة عن هذه العادة وعدم معارضتها يعتبر تقريراً منها ودليلاً على سماح الإسلام للفرد باستخراج المادة الطبيعية وتملّكها وهذاما يطلق عليه في البحث الفقهي اسم : العرف العام أو ( السيرة العقلائية ) ومردّه في الحقيقة إلى اكتشاف موافقة الشريعة على سلوك عام معاصر لعهد التشريع ، عن طريق عدم ورود النهي عنه في الشريعة ، إذ لو لم تكن الشريعة موافقة على ذلك السلوك الذي عاصرته لنهت عنه ، فعدم النهي دليل الموافقة .

ويتوقف هذا الاستدلال من الناحية الفقهية على عدّة أمور :

فأوّلاً : يجب التأكّد من وجود ذلك السلوك تأريخياً في عصر التشريع ، إذ لو كان السلوك متأخّراً زمنياً عن عصر التشريع لم يكن سكوت الشريعة عنه دليلاً على رضاها به ، وإنّما يستكشف الرضا من السكوت إذا عاش السلوك عصر التشريع .

وثانياً : يجب التأكّد من عدم صدور النهي من الشريعة عن ذلك السلوك ، ولا يكفي عدم العلم بصدوره ؛ فما لم يجزم الباحث بعدم صدور النهي ليس من حقّه أن يستكشف سماح الإسلام بذلك السلوك ؛ ما دام من المحتمل أن تكون الشريعة قد نهت عنه .

٣٣٧

وثالثاً : يجب أخذ جميع الصفات والشروط الموضوعية المتوفّرة في ذلك السلوك بعين الاعتبار ؛ لأنّ من الممكن أن يكون لبعض تلك الصفات والشروط أثر في السماح بذلك السلوك وعدم تحريمه فإذا ضبطناً جميع الصفات والشروط التي كانت تكتنف ذلك السلوك الذي عاصر التشريع ، أمكننا أن نستكشف من سكوت الشريعة عنه : سَمَاحَها بذلك السلوك متى ما وجد ضمن تلك الصفات والشروط التي ضبطناها .

نستطيع الآن في ضوء هذا الشرح أن نفهم كيف يتسرّب العنصر الذاتي إلى هذا الدليل ، متمثّلاً في تجريد السلوك من ظروفه وشروطه .

وعملية التجريد هذه تتّخذ شكلين :

[ الشكل الأوّل : ] ففي بعض الأحيان يجد الممارس نفسه يعيش واقعاً عامراً بسلوك اقتصادي معيّن ، ويحسّ بوضوح هذا السلوك وأصالته وعمقه إلى درجة يتناسى العوامل التي ساعدت على إيجاده ، والظروف الموقّتة التي مهّدت له ، فيخيّل له أنّ هذا السلوك أصيل ، وممتدٌ في التأريخ إلى عصر التشريع ، بينما هو وليد عوامل وظروف معيّنة حادثة ، أو من الممكن أن يكون كذلك على أقل تقدير .

ولنذكر لذلك على سبيل المثال : الإنتاج الرأسمالي في الأعمال والصناعات الاستخراجية فإنّ الواقع اليوم يغص بهذا اللون من الإنتاج ، الذي يتمثّل في عمل أُجراء يستخرجون المواد المعدنية من ملح أو نفط ، ورأسمالي يدفع إليهم الأجور ، ويعتبر نفسه لأجل ذلك مالكاً للمادّة المستخرجة

وعقد الإجارة ـ هذا الذي يقوم بين الرأسمالي والعمّال ـ يبدو الآن طبيعياً في مضمونه ونتائجه الآنفة الذكر ـ أي تمّلك العامل للأجرة ، وتمّلك الرأسمالي للمادة ـ إلى درجة قد تتيح للكثير أن يتصوّروا هذا النوع من الاتفاق قديماً ، بقدم اكتشاف الإنسان للمعادن واستفادته منها ، ويؤمنون على أساس هذا التصوّر : بأنّ هذا النوع من الإجارة كان موجوداً في عصر التشريع ومن الطبيعي أن ينتج عن ذلك التفكير في الاستدلال على جواز هذه الإجارة ، وتمّلك الرأسمالي للمادة المستخرجة ؛ بدليل التقرير ، فيقال : إنّ سكوت الشريعة عن هذه الإجارة وعدم نهيها عنها دليل على سماح الإسلام بها .

٣٣٨

ولا نريد هنا أن نقول شيئاً عن هذا الإجارة ومقتضياتها من الناحية الفقهية ، ولا عن أقوال الفقهاء الذين يشكّون فيها أو في مقتضياتها ، فإننا سوف ندرس الحكم الشرعي لهذه الإجارة ومقتضياتها بكلّ تفصيل في بحثٍ مقبل ، ونستعرض جميع الأدلّة التي يمكن الاستناد إليها في الموضوع إيجابياً أو سلبياً ، وإنّما نريد هنا أن ندرس فقط الاستدلال على تلك الإجارة ومقتضياتها بدليل التقرير ، لنبرز شكلاً من تجريد السلوك عن شروطه وظروفه .

فإنّ هؤلاء الذين يستدلون بدليل التقرير على صحّة تلك الإجارة ومقتضياتها لم يعيشوا عصر التشريع ليتأكّدوا من تداول هذا النوع من الإجارة في ذلك العصر ، وإنّما شهدوا تداولها في واقعهم المعاش وأدّى رسوخها في النظام الاجتماعي السائد إلى الإيمان بأنّها ظاهرة مطلقة ، ممتدّة تأريخياً إلى عصر التشريع وهذا هو الذي نعنيه بتجريد السلوك من ظروفه وشروطه دون مبرّر موضوعي ، وإلاّ فهل نملك دليلاً حقّاً على أنّ هذا اللون من الإجارة كان موجوداً وشائعاً في عصر التشريع الإسلامي ؟! وهل يعلم هؤلاء الذين يؤكّدون على وجوده في ذلك العصر : أنّ هذا الإجارة هي المظهر القانوني للإنتاج الرأسمالي ، الذي لم يوجد تأريخياً على نطاق واسع ـ خصوصاً في ميادين الصناعة ـ إلاّ متأخراً ؟!

وليس معنى هذا الكلام الجزم بنفي وجود الإنتاج الرأسمالي للمواد المعدنية في عصر التشريع ، أيّ العمل بأجرة في استخراجها ، ولا تقديم دليل على هذا النفي ، بل مجرّد الشك في ذلك ، وأنّه كيف تتأصل ظاهرة معيّنة وتبدو طبيعية حتى توحي باليقين بعمقها وقدمها لمجرد أنّها راسخة في الواقع المعاش ، مع عدم توفّر أدلّة منطقية كاملة على قدمها تأريخياً ، وانفصالها عن ظروف مستجدّة .

هذا هو الشكل الأوّل من عملية التجريد ـ تجريد السلوك المعاش عن ظروفه الواقعية ـ وتمديده تأريخياً إلى عصر التشريع .

[ الشكل الثاني : ] وأمّا الشكل الآخر من عملية التجريد في دليل التقرير فهو ما يتّفق عندما ندرس سلوكاً معاصراً لعهد التشريع حقّاً ، ونستكشف سماح الإسلام به من سكوت الشريعة عنه فإنّ الممارس في هذه الحالة قد يقع في خطأ التجريد عندما يجرّد ذلك السلوك المعاصر لعهد التشريع عن خصائصه ، ويعزله عن العوامل التي قد تكون دخيلة في السماح به ، ويعمّم القول : بأنّ هذا

٣٣٩

السلوك جائز وصحيح إسلامياً في كلّ حال مع أنّ من الضروري لكي يكون الاستدلال بدليل التقرير موضوعياً : أنّ ندخل في حسابنا كلّ حالة من المحتمل تأثيرها في موقف الإسلام من ذلك السلوك فحين تتغيّر بعض تلك الحالات والظروف يصبح الاستدلال بدليل التقرير عقيماً ، فإذا قيل لك مثلاً : إنّ شرب الفقاع في الإسلام جائزٌ ؛ بدليل أنّ فلان ـ حين مرض على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ شرب الفقاع ، ولم ينهَ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك .

كان لك أن تقول : إنّ دليل التقرير هذا وحده لا يكفي دليلاً على سماح الإسلام بشرب الفقاع لكلّ فرد ، ولو كان سليماً ؛ لأنّ من الممكن أن تكون بعض الأمراض مجوّزة لشربه بصورة استثنائية فمن الخطأ إذن أن نعزل السلوك المعاصر لعهد التشريع عن ظروفه وخصائصه ، ونعمم حكم ذلك السلوك بدون مبرّر لكلّ سلوك مشابه ، وإن اختلف في الخصائص التي قد يختلف الحكم بسببها بل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار جميع الحالات الفردية والأوضاع الاجتماعية ، التي تكتنف السلوك المعاصر لعهد التشريع .

د ـ اتخاذ موقف معيّن بصورة مسبقة تجاه النصّ :

ونقصد باتخاذ موقف معين تجاه النص : الاتجاه النفسي للباحث ، فإنّ للاتجاه أثره الكبير على عملية فهم النصوص ولكي تتّضح فكرة الموقف نفترض شخصين يمارسان دراسة النصوص ، يتّجه أحدهما نفسياً إلى اكتشاف الجانب الاجتماعي وما يتّصل بالدولة من أحكام الإسلام ومفاهيمه ، بينما ينجذب الآخر لاتجاه نفسي نحو الأحكام التي تتّصل بالسلوك الخاص للأفراد فإنّ هذين الشخصين بالرغم من أنّهما يباشران نصوصاً واحدة ، سوف يختلفان في المكاسب التي يخرجان بها من دراستهما لتلك النصوص ، فيحصل كلّ منهما على مكاسب أكبر فيما يتّصل باتجاهه النفسي وموقفه الخاص ، وقد تنطمس أمام عينيه معالم الجانب الإسلامي الذي لم يتّجه إليه نفسياً .

وهذا الموقف النفسي الذي تفرضه ذاتية الممارس لا موضوعية البحث ، لا يقتصر تأثيره على إخفاء بعض معالم التشريع ، بل قد يؤدّي أحياناً إلى التضليل في فهم النصّ التشريعي ، والخطأ في استنباط الحكم الشرعي منه ، وذلك حينما يريد الممارس أن يفرض على النصّ موقفه الذاتي الذي اتخذه بصورة مسبقة ، فلا يوفق حينئذٍ إلى تفسيره بشكلٍ موضوعي صحيح والأمثلة على هذا من الفقه عديدة .

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

من الجزء ٦ من مسنده) من حديث أم سلمة عن عبدالله أو أبي عبدالله(٧٧١) قال: " دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله فيكم ؟ !. قال قلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " من سب عليا فقد سبني "(٧٧٢) .

____________________

(٧٧١) هذه هو الصحيح وهو أبو عبد الله الجدلي أحد عظماء التابعين ومن كبار رجالات الشيعة نص على توثيقه أحمد بن حنبل وكان صاحب راية المختار وقد أنقذ محمد بن الحنفية وبني هاشم من الحرق بالنار والحصار الذي وضعه عليهم عبدالله بن الزبير. راجع: الميزان للذهبي ج ٤ / ٥٤٤، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٦ / ١٥٩، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٩٠ ط بيروت، المعارف لابن قتيبة ص ٦٢٤. وقد روى عنه في سنن أبى داود ج ٣ / ١٨٠ ح ٣٠٨١.

(٧٧٢) المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢١، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٨٤ ح ٦٦٠، فرائد السمطين ج ١ / ٣٠٢ ح ٢٤٠، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٢٤ ط التقدم وص ٩٩ ط الحيدرية وص ٣٩ ط بيروت، المناقب للخوارزمي ص ٨٢ و ٩١، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٠، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤١ ط العثمانية وص ١٥٦ ط السعيدية، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٨ و ١٨٧ و ٢٤٦ و ٢٨٢ ط اسلامبول، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط العثمانية، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٧٤ ط الميمنية وص ١٢١ ط المحمدية، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٢٠ ط ٢، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٤٥، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٠، الفتح الكبير للنبهاني ج ٣ / ١٩٦.

وعن ابن عباس في حديث طويل ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على منخريه في النار " =>

٥٢١

وقال ابن عبد البر في ترجمة علي من استيعابه ما هذا لفظه: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله "(٧٧٣)

والصحاح في ذلك متواترة ولاسيما من طرقنا عن العترة الطاهرة(٧٧٤) . على ان من البديهيات ان " سباب المسلم فسق "(٧٧٥) بإجماع أهل القبلة وفي صحيح مسلم: " سباب المسلم فسق وقتاله كفر "(٧٧٦)

(ألا لعنة الله على الكافرين).

____________________

=> راجع: فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٣٠٢ ح ٢٤١، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ٣٩٤ ح ٤٤٧، كفاية الطالب للكنجي ص ٨٣ ط الحيدرية وص ٢٧ ط الغرى، الرياض النضرة ج ٢ / ٢١٩ ط ٢، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١١١، أخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص ٣٠ ط الحيدرية، ذخائر العقبى ص ٦٦، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٠٥ ط اسلامبول، نور الأبصار ص ١٠٠، المناقب للخوارزمي ص ٨١، نظم درر السمطين للزرندي ص ١٠٥.

(٧٧٣) ذخائر العقبى ص ٦٥. وتقدم صدره ووسطه تحت رقم (٧٢٨ و ٧٣٣).

(٧٧٤) راجع البحار للعلامة المجلسي، غاية المرام للبحراني، بصائر الدرجات للصفار ط تبريز، كشف الغمة للأربلي ج ١ / ٩٠ وما بعدها.

(٧٧٥) حديث مروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقي، والطبري، والدارقطني، والخطيب، وغيرهم من طريق: ابن مسعود، وأبى هريرة، وسعد بن أبى وقاص، وجابر، وعبد الله بن مغفل، وعمرو بن النعمان. راجع: الغدير ج ١٠ / ٢٦٧، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ١٥٠ و ١٥١.

(٧٧٦) الغدير ج ١٠ / ٢٧٢، الفتح الكبير ج ٢ / ١٥٠ و ١٥١، أسنى المطالب للحوت ص ١٦٨ ح ٧٤٦، الجامع الصغير ح ٤٦٣٤، صحيح الجامع الصغير ح ٣٥٨٠ التمييز بين الخبيث والطيب ح ٧٠٢، تاريخ بغداد ج ٥ / ١٤٤ وج ١٠ / ٨٦ و ج ١٣ / ١٨٥، صحيح البخاري ج ٧ / ٧٦٩ ك الأدب، حلية الأولياء ج ٥ / ٢٣ و ٢٤ وج ٦ / ٢٠٤ و ٣٤٣ وج ٨ / ١٢٣ و ٣٥٩ وج ١٠ / ٢١٥.

٥٢٢

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥٠٢: -

[ المورد - (٩٥) -: حربه عليا ]

زحف مغيرا بطغام أهل الشام على أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد انعقاد البيعة له. فأججها نارا حامية، أثار بها كمين ضغنه، وبعث دفين حقده، ماضيا فيها على غلوائه، مطلقا لنفسه عنان هواه. وأمير المؤمنينعليه‌السلام يدعوه إلى الله تعالى، ومعه البقية الباقية من أهل بدر وأحد والأحزاب، وبيعة الرضوان، وجم غفير من صالحي المؤمنين(٧٧٧) ، وكلهم دعاة إلى الله عزوجل، والى طاعة أمير

____________________

(٧٧٧) كان مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في حرب صفين (١٠٠) من البدريين كما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٢٣٨، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٤٧٤ ط ١ وج ٥ / ١٩١ بتحقيق أبو الفضل، الغدير ج ٢ / ٣٦٢. و (٨٠٠) من أهل بيعة الشجرة قتل منهم (٣٦٠) نفسا. راجع: الإصابة ج ٢ / ٣٨١ ط مصطفى محمد وج ٢ / ٣٨٩ ط السعادة، الاستيعاب بذيل الإصابة في ترجمة عمار ج ٢ / ٤٧١ ط مصطفى محمد، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٠٤، الغدير ج ٩ / ٣٦٢.

وقد استشهد منهم خلق كثير منهم :

١ - عمار بن ياسر، ٢ - ثابت بن عبيد الأنصاري، ٣ - خزيمة ذو الشهادتين، ٤ - أبو الهيثم بن التيهان

٥ - أبو عمرة الأنصاري، ٦ - أبو فضالة الأنصاري، ٧ - بريدة الاسلمي، ٨ - جندب بن زهير الازري

٩ - حازم بن أبى حازم الاحمسي، ١٠ - سعد ابن الحارث الأنصاري، ١١ - سهل بن عمرو الأنصاري

١٢ - صفر بن عمرو بن محصن، ١٣ - عائذ المحاربي الجسري، ١٤ - عبدالله بن بديل الخزاعي

١٥ - عبدالله بن كعب المرادي، ١٦ - عبدالرحمن بن بديل الخزاعي، ١٧ - عبدالرحمن الجمحي

١٨ - الفاكه ابن سعد الأنصاري، ١٩ - قيس بن المكشوح المرادي، ٢٠ - محمد بن بديل الخزاعي

٥٢٣

المؤمنينعليه‌السلام . لكن في اذني معاوية وقرا عن دعوتهم فهو أصم عنهم اصلخ(١) مصر على بغيه، لا يألو في ذلك، ولا يدخر وسعا، حتى قتل يومئذ من المسلمين(٢) عدة ما قتل مثلها من قبل في فتنة أصلا(٧٧٨) .

وقد قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما(٣) -: " سباب المسلم فسق، وقتاله كفر "(٧٧٩) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله - فيما أخرجه مسلم في باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو

____________________

=> ٢١ - المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومى ٢٢ - هاشم المرقال ٢٣ - أبوشحر الابرهى ٢٤ - أبو ليلى الأنصاري. وغيرهم.

راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٤٤٥)، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٢. وقد ذكر العلامة الأميني ١٤٥ اسما من أسماء الصحابة الذين كانوا مع الإمام أمير المؤمنين في حرب صفين. راجع الغدير ج ٩ / ٣٦٢ - ٣٦٨.

(١) يقال في توكيد الصمم: أصم أصلخ. وأصم أصلج (منه قدس).

(٧٧٨) وفى جملة المقتولين كثير من أهل السوابق في الإسلام من وجوه أصحاب الرسول (منه قدس).

عدد القتلى في صفين: من أهل العراق: خمسة وعشرون ألف. ومن أهل الشام: سبعون ألف. وقيل غير ذلك. راجع: تذكرة خواص الأئمة للسبط بن الجوزي ص ٨١.

(٣) راجع من صحيح البخاري باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، من كتاب الفتن آخر ص ١٤٧ من جزئه الرابع. وراجع من صحيح مسلم كتاب الإيمان ص ٤٤ من جزئه الأول (منه قدس).

(٧٧٩) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم (٧٧٦) فراجع. (*)

٥٢٤

مجتمع من كتاب الامارة من صحيحه -: " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. آه(٧٨٠) .

وقال ابن عبد البر - في ترجمة علي من الاستيعاب - ما هذا لفظه: وروي من حديث علي، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيوب الأنصاري - يعني عليا - أمر بقتال الناكثين - يوم الجمل - والقاسطين - يوم صفين - والمارقين - يوم النهروان -(٧٨١)

وروي عنه أنهعليه‌السلام قال: " ما وجدت

____________________

(٧٨٠) صحيح مسلم ج ٦ / ٢٣، سنن البيهقي ج ٨ / ١٦٩، تيسير الوصول ج ٢ / ٣٥، المحلى لابن حزم ج ٩ / ٦٣٠، الغدير ج ١٠ / ٢٨، الفتح الكبير للنبهاني ج ٣ / ١٤٦.

(٧٨١) هذا الحديث ورد عن عدة من الصحابة منهم :

١ - أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٥٨ ح ١١٩٥ - ١٢٠٢، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٥ و ٤٣٧، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٨ وج ٥ / ١٨٦، إحقاق الحق ج ٦ / ٦٨، المناقب للخوارزمي ص ١٢٥، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٠٥، تاريخ بغداد ج ٨ / ٣٤٠ وج ١٢ / ١٨٧، كنز العمال ج ١٥ / ٩٨ ط ٢ وج ٦ / ٣٩٢ ط ١، الغدير ج ٣ / ١٩٣، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٣٧٩ ح ٢١٧ و ٢٢٤، المعيار والموازنة للاسكافي ص ٣٧ و ٥٤ ط بيروت، أعلام النبوة لأبي حاتم الرازي ص ٢١٠.

٢ - عن عبدالله بن مسعود: راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٦٢ ح ١٢٠٣ و ١٢٠٤، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٨، إحقاق الحق ج ٤ / ٢٤٤، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٥٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٠ ط ١، تاريخ ابن كثير ج ٧ / ٣٠٥ مطالب السئول ص ٢٤، كنز العمال ج ٦ / ٣٩١، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٢٨٢ ح ٢٢٣ و ٢٥٧ =>

٥٢٥

إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله تعالى " آه(٧٨٢) .

وحسبهعليه‌السلام في قتاله لمعاوية وغيره قوله عز سلطانه( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) (٧٨٣) .

____________________

=> ٣ - عن عبدالله بن عباس: كفاية الطالب للگنجى ص ١٦٧ ط الحيدرية وص ٦٩ ط الغرى، فرائد السمطين ج ١ / ١٥٠ ح ١١٣

٤ - عن أبى أيوب الأنصاري: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٦٨ ح ١٢٠٦ و ١٢٠٧ و ١٢٠٨، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٢٨١ ح ٢٢١ و ٢٢٢، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ٢٠٧، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٠٦، كنز العمال ج ٦ / ٨٨، الغدير ج ٣ / ١٩٢ وج ١ / ٣٣٧، تاريخ بغداد ج ١٣ / ١٨٧، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٥٣، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٣٩، الخصائص للسيوطي ج٢ / ١٣٨.

٥ - عن أبى سعيد الخدري: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٦٨ ح ١٢٠٥، المناقب للخوارزمي ص ١٢١، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٢٨١ ح ٢٢٠، كفاية الطالب للگنجى ص ٧٢ ط الغرى وص ١٧٢ ط الحيدرية، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٠٥، الغدير ج ٣ / ١٩٢.

٦ - عن عمار بن ياسر: مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٨، شرح ابن أبى الحديد ج ٣ / ٢٩٣، الغدير ج ٣ / ١٩٢، المعيار والموازنة للاسكافي ص ١١٩.

(٧٨٢) فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٢٧٩ ح ٢١٧، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٧٤ ح ١٢١١ و ١٢١٢، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١١٥، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٢٣٦ ط ١، المعيار والموازنة للاسكافي ص ٥٤.

(٧٨٣) سورة الحجرات: ٩. (*).

٥٢٦

ولا ريب ببغي معاوية وأصحابه، فان بغيهم مما أجمعت الأمة عليه. وقد أنذر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما صح عنه من حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسح عن رأسه الغبار وقال: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله تعالى ويدعونه إلى النار "(٧٨٤) .

____________________

(٧٨٤) أخرجه البخاري بهذا الإسناد وبهذه الألفاظ في باب مسح الغبار عن الناس في السبيل من كتاب الجهاد والسير ص ٩٣ من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه أيضا بهذا الإسناد في باب التعاون في بناء المساجد من كتاب الصلاة ص ٦١ من الجزء الأول من صحيحه إلا ان لفظه هنا: يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار (منه قدس).

وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وعن الرسول الأعظم كما نص عليه ابن حجر في الإصابة وابن عبد البر في الاستيعاب، وهو من الأحاديث عن الأخبار بالغيب. فبالإضافة إلى رواية أبى سعيد الخدري رواه جملة من الصحابة: كعثمان بن عفان، عمرو بن العاص، معاوية بن أبى سفيان، حذيفة بن اليمان، عبدالله بن عمر، خزيمة بن ثابت، كعب بن مالك، جابر بن عبدالله، عبدالله بن عباس، أنس بن مالك، أبى هريرة، عبدالله بن مسعود، أبى أمامة، أبى رافع، أبى قتادة، زيد بن أبى أوفى، عمار بن ياسر، عبدالله بن أبى هذيل، أبى اليسر، زياد بن الفرد، جابر بن سمرة، عبدالله بن عمرو بن العاص، أم سلمة، عائشة. راجع: صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٣٣ ح ٣٨٨٨، المستدرك للحاكم ج ٢ / ١٤٨ و ١٤٩ وج ٣ / ٣٨٦ و ٣٨٧ و ٣٩١ و ٣٩٧، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ١٣٢ - ١٣٥ ط الحيدرية وص ٦٧ - ٦٩ ط بيروت، حلية الأولياء ج ٤ / ١٧٢ و ٣٦١ وج ٧ / ١٩٧ و ١٩٨، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٤٠ و ٢٤٢ و ٢٤٤ وج٩ / ٢٩٥ وحكم بصحة جل طرقه، تاريخ الطبري ج ٥ / ٣٩ و ٤١ وج ١٠ / ٥٩، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤ و ١٤٣ و ٢١٧ وج ٤ / ٤٦، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ١١٧ ط مصطفى محمد، تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٦٤ ط الغرى، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٣١٣ و ٣١٤ و ٣١٧، وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٤١ و ٣٤٣، العقد الفريد ج ٤ / ٣٤١ و ٣٤٣، المناقب للخوارزمي =>

٥٢٧

وناهيك في معاوية أن يكون بحكم هذا الحديث من مصاديق قوله تعالى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (١) ) .

يا لها نصوصا صريحة من كتاب الله عزوجل وسنن نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة، لا ريب فيها هدى للمتقين. فأمعن معي أيها المؤمن ولك الخيار في رأيك فيها.

ولا تنس قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " حرب علي حربي وسلمه سلمي "(٧٨٥)

____________________

=> ص ٥٧ و ١٢٣ و ١٢٤ و ١٥٩ و ١٦٠، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣ / ٣١٠ و ٣١١، أحكام القرآن لابن عربي ج ٤ / ١٧٠٥ ط ٢، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٢٨ و ١٢٩ ط ١ اسلامبول وص ١٥١ و ١٥٢ ط الحيدرية وج ١ / ١٢٨ و ١٢٩ ط العرفان، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٩٣ و ٩٤، كفاية الطالب للگنجى ص ١٧٢ - ١٧٥ ط الحيدرية وص ٧١ - ٧٣ ط الغرى، نور الأبصار ص ١٧ و ٨٩ ط السعيدية، سيرة ابن هشام ج ٢ / ١٠٢ ط دار الجيل، شرح ابن أبى الحديد للنهج ج ٨ / ١٠ و ١٧ و ١٩ و ٢٤ وج ١٥ / ١٧٧ بتحقيق أبو الفضل وج ٢ / ٢٧٤ ط ١، المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ١٨٧ الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ / ٢٥١ و ٢٥٢، الغدير للأميني ج ٩ / ٢١، إحقاق الحق ج ٨ / ٤٢٢، الإصابة لابن حجر ج ٢ / ٥١٢ ط السعادة وج ٢ / ٥٠٦ ط مصطفى محمد، الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج ٢ / ٤٣٦ ط السعادة، المعيار والموازنة للاسكافي ص ٩٦، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٠٨ ط بيروت، الفتح الكبير ج ٣ / ٣٠٤.

(١) الآيتان في سورة القصص: ٤١ و ٤٢ (منه قدس).

(٧٨٥) حرب على حرب الرسول وسلمه سلم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٥٠ ح ٧٣ و ٢٨٥، المناقب للخوارزمي ص ٧٦، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٢٢١ ط ١ ونقل ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام في ألف مقام " أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت " وج ١٧ / ٢٤ بتحقيق محمد أبو الفضل ولكن في هذه الطبعة يوجد تحريف حيث أزيد قبل قول النبي كلمة " لو " وهو خطأ، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٢٣٣ (*).

٥٢٨

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم جلل الخمسة بالكساء :" أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم "(٧٨٦)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في علي: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله "(٧٨٧) إلى مالا يحصى من أمثال هذه النصوص المتواترة في كل خلف من هذه الأمة.

____________________

(٧٨٦) تقدم هذا الحديث بضمير الخطاب وبضمير الغائب تحت رقمي (١٢٦ و ١٢٧) فراجع.

(٧٨٧) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٣ ح ٥٠٨ و ٥١٣ و ٥١٤ و ٥١٥ و ٥٢٣ و ٥٤٤ و ٥٦٢ و ٥٦٩، كفاية الطالب ص ٦٣ ط الحيدرية وص ١٧ ط الغرى، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٣ ط ١ وج ١٥ / ١١٥ ح ٣٣٢ و ٤٠٢ ط ٢، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٥٧ ح ٢١١ وص ١٩٢ ح ٢٥٠، مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ / ١٠٥، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥١ ط السعيدية وص ١٣٧ ط العثمانية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٩٦ ط الحيدرية وص ٢٦ و ٢٧ ط التقدم بمصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٦٣ ط بيروت وطبع بهامش الفصل لابن حزم ج ١ / ٢٢٠ ط مصر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢٠٩ و ٢٨٩ ط ١ بمصر وج ٢ / ٢٨٩ وج ٣ / ٢٠٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٢، نظم درر السمطين للزرندي ص ١١٢ ط النجف، المناقب للخوارزمي ص ٨٠، و ٩٤ و ١٣٠، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٤٩ ط اسلامبول وص ٢٩٧ ط الحيدرية أسنى المطالب للجزري ص ٤٨ و ٤٩ قال: وهو أيضا متواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٢٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥٠٩: -

[ المورد - ٩٦ -: وضع الحديث في ذم أمير المؤمنين (ع) ]

ذكر شيخ المعتزلة الإمام أبو جعفر الاسكافيرحمه‌الله تعالى - فيما نقله عنه ابن أبي الحديد(١) -: ان معاوية حمل قوما من الصحابة، وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليعليه‌السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا له ما أرضاه.

(قال): منهم أبو هريرة(٧٨٨)

____________________

(١) في شرح قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : أما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم يدعوكم إلى مسبتى والبراءة منى ص ٣٥٨ والتي بعدها من ج ١ من شرح النهج (منه قدس).

(٧٨٨) أبو هريرة: لم يختلف الناس في اسم أحد - في الجاهلية والإسلام - كما اختلفوا في اسم " أبى هريرة " فلا يعرف أحد على التحقيق الاسم الذي سماه به أهله ليدعى بين الناس به. كما انه لم يعلم عن نشأته وأصله شئ. قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة - ٧ ه‍ - في شهر صفر. وبقى في الصفة إلى شهر ذي القعدة سنة ٨ ه‍ ثم انتقل إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي فيكون مدة إقامته في المدينة سنة وتسعة أشهر وكان في البحرين مع العلاء بن الحضرمي مؤذنا حيث لا يحسن غيره ومات سنة ٥٩ ه‍ ومع هذا فقد كان أكثر الصحابة رواية فقد ذكر ابن مخلد الأندلسي في مسنده لأبي هريرة (٥٣٧٤) حديثا روى منها البخاري (٤٤٦).

وكان كبار الصحابة يكذبونه في أحاديثه وعلى رأسهم عمر بن الخطاب فانه كان سيئ الرأي فيه حتى ضربه بالدرة على روايته للأحاديث ولم يتمكن أبو هريرة أن يحدث في زمان عمر ولو مات أبو هريرة في زمان عمر لما وصلتنا الآلاف من أحاديثه.

وكذلك أكذبه على أمير المؤمنينعليه‌السلام وعثمان وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه لتطاول عمرها وعمره. وكان مؤيدا ومشايعا لبنى أمية وبالخصوص معاوية بن أبى سفيان فكان يضع الحديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مدحه وفضائله ويضع الذم والقدح في سيد الوصيين وإمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وكان أبو هريرة: أول راوية اتهم في الإسلام، كما قال ابن قتيبة. هذا ما استخلصناه من كتاب، شيخ المضيرة أبو هريرة للعلامة الشيخ محمود أبو رية وهو أحسن كتاب ألف في دراسة شخصية " أبى هريرة " الطبعة الثالثة طبع دار المعارف بمصر. ولأجل التوسع في " أبى هريرة " راجع: كتاب " أبو هريرة " للسيد عبد الحسين شرف الدين طبع عدة طبعات، أضواء على السنة المحمدية لأبي رية ص ١٩٤ - ٢٢٣ (*).

٥٣٠

وعمرو بن العاص(٧٨٩) والمغيرة بن شعبة(٧٩٠) ومن التابعين :

____________________

(٧٨٩) ابن النابغة: وهو عمرو بن العاص بن وائل أبو محمد وأبو عبد الله. أبوه: هو الأبتر بنص الذكر الحكيم (ان شانئك هو الابتر) كما ذكره الرازي في تفسيره: روى ان العاص بن وائل كان يقول: ان محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه.

أمه: ليلى وتسمى النابغة وكانت أشهر بغى بمكة وأرخصهن أجرة ولما وضعته ادعا خمسة كلهم أتوها غير ان ليلى ألحقته بالعاص لكونه أقرب شبها به وأكثرهم نفقة عليها. والذين وقعوا عليها في طهر واحد: العاص وأبو سفيان وأبو لهب وأمية بن خلف وهشام بن المغيرة فولدت عمروا فاختلفوا فيه فلحقته بالعاص. وقد انتحل الإسلام لأغراض دنيوية ولم يعتنق الدين اعتناقا صحيحا.

فقد كان متصفا بالرذائل ومساوئ الأخلاق متصفا بالوضاعة والغواية والغدر والنفاق والمكر والحيلة والخيانة والفجور ونقض العهد وكذب القول وخلف الوعد وقطع الآل والحقد والوقاحة والحسد والرياء والشح والبذاء والسفه والوغد والجور والظلم والمراء والدناءة واللئم والملق والجلافة والبخل والطمع واللدد وعدم الغيرة على حليلته. وهذه ان دلت فانما تدل على عدم الإسلام المستقر وانتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلا غرو حينئذ أن يكون زائغا عن الإسلام ناكبا عن الصراط المستقيم منحرفا عن سيد الوصيينعليه‌السلام يضع فيه الأحاديث الباطلة زورا وبهتانا.

وقد كان سببا في خذلان الحق وأضعافه ومشيدا لأركان الباطل واسناده وقد قتل عشرات الآلاف من المسلمين فجرائمه وبوائقه لا تعد ولا تحصى يكل عنها اللسان وتعجز عنها الأقلام وتجل عنها الكتب والمؤلفات. راجع: مخازيه ولئمه ونفاقه ورذائله في كتاب: الغدير للعلامة الأميني ج ٢ / ١٢٠ - ١٧٦ فقد بسط القول في ترجمته.

(٧٩٠) وهو من شيعة بني أمية والمؤيدين لهم في جرائمهم ولما تولى الإمام أمير المؤمنين الخلافة الظاهرية بعد قتل عثمان أشار عليه المغيرة أن يبقى معاوية أميرا على الشام ولكن الإمام لم يوافقه في ذلك ولم يرضى ببقائه ولا ساعة واحدة لانها مساعدة

٥٣١

عروة بن الزبير(٧٩١)

(قال) وروى الزهري: ان عروة بن الزبير حدثه فقال: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ أقبل العباس وعلي، فقال ليصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي. أو

____________________

=> للظالم في ظلمه. وكان المغيرة قد غدر بجماعة في سفر كان معهم فيه كما ذكره ابن سعد في طبقاته ج ٤ / ٢٨٦. وكان أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب فزنا بأم جميل من بني هلال وجاء الشهود وشهدوا عليه بالزنا ولكن الخليفة حاول أن يدرأ عنه الحد بتشكيك الشاهد الرابع وبالأحرى الاشارة إليه بعدم ذكر الشهادة تامة كما تقدم تحت رقم (٥٠٨ و ٥٠٩).

كما انه من المتحاملين على إمام المتقين وسيد الوصيين الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فكان يسب الإمام ويلعنه جهرة على المنابر كما تقدم تحت رقم (٧٦١). والذي خبث لا يخرج إلا نكدا فلا عجب أن يختلق الأحاديث في ذم أمير المؤمنينعليه‌السلام والتقليل من شأنه ومقامه. راجع: الغدير ج ٦ / ١٣٧ - ١٤٤.

(٧٩١) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى بن كلاب. وأمه: أسماء ابنة أبى بكر. وقد تمتع بها الزبير وأولدها عبدالله كما ذكره الراغب الاصفهانى في المحاضرات ج ٢ / ٩٤، وابن أبى الحديد في شرح النهج ج ٢٠ / ١٣٠، مروج الذهب ج ٣ / ٨١ وقد تقدم ص ٢١٥ عن عدة مصادر.

وكان عروة من المنحرفين عن إمام المتقينعليه‌السلام وتأييده لخالته عائشة في جميع أفعالها ومنها خروجها على إمام زمانها وعداوتها له. وكان بينه وبين ابن عباس محاورات ومحاججات في المتعتين وكان يستدل على حرمتهما بقول أبى بكر وعمر وابن عباس يستدل على حليتهما بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفعله. راجع: مقدمة العقول ج ١ / ٢٤٢. فهو على شاكلة أخيه عبدالله في قتاله لإمام زمانه أمير المؤمنينعليه‌السلام توفى عروة سنة ٩٤ كما في الطبقات لابن سعد ج ٥ / ١٨٢ (*).

٥٣٢

قال: على غير ديني "(٧٩٢) .

[ قال ] وروى عبد الرزاق عن معمر قال: كان عند

____________________

(٧٩٢) كيف يصح مثل هذا القول في العباس عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتضور لأجل أنين العباس عند أسره يوم بدر ولما هدد أبو حذيفة بن عتبة بقتل العباس تأذى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . راجع ما تقدم تحت رقم (٤٥٠ و ٤٥١ و ٤٥٢ و ٤٥٣).

وكيف يصح هذا القول في أخي النبي وابن عمه ووصيه وأبى ولده وسبطيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين وأنه منه بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العين من الرأس وبمنزلة هارون من موسى غير النبوة وفيه وفى ذريته نزلت سورة هل أتى وآية التطهير وآية المودة وهو أحد الثقلين الذي أمرنا أن نتمسك بهما، وغير ذلك من الآيات والروايات. وقد صح فيه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " أنا وهذا - يعنى عليا - حجة على أمتي يوم القيامة " راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥٨٦) عن مصادر متعددة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مخاطبا عليا: " ان الأمة ستغدر بك بعدى وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وان هذه ستخضب من هذا - يعنى لحيته من رأسه ". راجع: كنز العمال ج ٦ / ١٥٧، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٧ واعترف بصحته، تلخيص المستدرك للذهبي واعترف بصحته أيضا، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٣٥، إحقاق الحق ج ٧ / ٢٣٧، فضائل الخمسة ج ٣ / ٥٢، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥٩٣).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى أيضا: " أما أنك ستلقى بعدي جهدا، قال في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك ". راجع: المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٠ واعترف بصحته، تلخيص المستدرك للذهبي واعترف بصحته أيضا، نظم درر السمطين ص ١١٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج٥ / ٣٤، فضائل الخمسة ج ٣ / ٥٢، إحقاق الحق ج ٧ / ٣٢٩، فرائد السمطين ج ١ / ٣٧٧ ح ٣١٨. وغيرها من مئات الأحاديث.

٥٣٣

الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في عليعليه‌السلام فسألته عنهما يوما فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما ؟. الله أعلم بهما وبحديثهما أني لاتهمهما في بني هاشم. قال: فأما الحديث الأول فقد ذكرناه.

وأما الحديث الثاني فهو: ان عروة زعم ان عائشة حدثته قالت: كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل العباس وعلي. فقال: يا عائشة ان سرك ان تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب "(٧٩٣)

(قال) وأما عمرو بن العاص فروى فيه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما وليي الله وصالح المؤمنين "(٧٩٤) .

(قال) وأما أبو هريرة فروى عنه الحديث الذي معناه ان علياعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسخطه، فخطبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر وقال: لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله أبي جهل، ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، وليفعل ما يريد(٧٩٥) (قال) والحديث مشهور في رواية الكرابيسي. (قال) قلت: وهذا

____________________

(٨٩٣) هذا القول كسابقه في دلالته على نفاق قائله وزندقته.

(٧٩٤) هذا القول يراد به الانتقاص والتقليل من شأن سيد الوصيين (ع) وأبيه حام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أبى طالبعليه‌السلام ، وقد بكى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمه أبى طالب وحزن عليه حزنا شديدا كما تقدم في مورد البكاء. وسمى ذلك العام الذي توفى فيه عام الحزن بالإضافة إلى ذلك فبطلانه من أوضح الواضحات.

(٧٩٥) أصل الحادثة لم تقع وانما يراد تشويه سمعة الإمام أمير المؤمنين ومحاولة دفع غضب فاطمة على أبى بكر وعمر باختلاق هذه الأكاذيب. وإلا فان فاطمة أجل من أن تعترض على حق من حقوق زوجها شرعا. كما ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يشرع الجواز =>

٥٣٤

الحديث مخرج أيضا في صحيح مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري فقد ذكره المرتضى في كتابه المسمى - تنزيه الأنبياء والأئمة -(٧٩٦) وذكر انه من رواية حسين الكرابيسي(٧٩٧) ، وانه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (ع) وعدواتهم والمناصبة لهم فلا تقبل روايته، - إلى ان قال أبو جعفر - وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال: يا أهل العراق أتزعمون إني أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار ؟.

والله لقد سمعت رسول الله يقول: ان لكل نبي حرما وان المدينة حرمي، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين [ قال ]: وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها ؟ فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة. المدينة. أه‍. ؟(٧٩٨) .

وروى سفيان الثوري - كما في ص ٣٦٠ من المجلد الأول من شرح النهج عن عبدالرحمن بن قاسم عن عمر بن عبد الغفار: ان أبا هريرة لما قدم الكوفة

____________________

=> لغيره ثم لا يقبل به على ابنته وهذا في الحقيقة يراد به الطعن في علي بن أبي طالب (ع) وهو طعن في سيدة نساء العالمين وأبيها خاتم المرسلين.

(٧٩٦) تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ص ط الحيدرية.

(٧٩٧) أبو علي الحسين بن علي الكرابيسى الشافعي المتوفى ٢٤٥ ه‍ أو ٢٤٨ ه‍ وكان من المتحاملين حتى على أحمد بن حنبل فضلا عن أهل البيتعليهم‌السلام فقد تكلم على إمام الحنابلة ويقول لما سمع قوله في القرآن: ايش نعمل بهذا الصبى ؟ ان قلنا القرآن مخلوق. قال: بدعة، وان قلنا: غير مخلوق قال: بدعة. راجع: تاريخ بغداد للخطيب ج ٨ / ٦٤، الغدير ج ٥ / ٢٨٧.

(٧٩٨) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٤ / ٦٣ - ٧٣ ط مصر بتحقيق أبو الفضل، شيخ المضيرة أبو هريرة ص ٢٣٦، قبول الأخبار لأبي قاسم البلخي (مخطوط) (*).

٥٣٥

مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاءه شاب من الكوفة - لعله الاصبغ بن نباتة - فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ؟، فقال: اللهم نعم. قال فأشهد بالله لقد واليت عدوه، وعاديت وليه. ثم قام عنه وانصرف(٧٩٩) .

وبالجملة فان معاوية لم يدع طريقا من ظلم أمير المؤمنينعليه‌السلام إلا سلكه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥١٥: -

[المورد - (٩٧) -:نقض العهود والمواثيق التي أعطاها لسيد شباب أهل الجنة يوم الصلح]

وذلك أنه دعا الحسن إلى الصلح، فلم يجد الحسن بدا من اجابته، وكان التسليم أقل الشرين، وأهون المحذورين المحظورين(١) ولاسيما بعد

____________________

(٧٩٩) وهذا الاحتجاج نقله ابن أبى الحديد عن كتاب المعارف لابن قتيبة الدينوري ولكن الأيدي الأثيمة قد لعبت بكتاب المعارف عند طبعه وحذفت هذه المناشدة كما قد لعبت في مواضع أخرى منه. راجع: الغدير ج ١ / ١٩٢ و ٢٠٤. وقد تزلف كثير من أهل الحديث الذين يعبدون المادة فينعقون مع كل ناعق فيضعون الأحاديث تقولا وزورا وكذبا واختلافا على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله . راجع: الغدير للأميني ج ٥ / ٢٠٨ - ٣٥٦ وج ٧ / ٨٧ - ١١٤ وص ٢٣٧ - ٣٢٩ وج ٨ / ٣٠ - ٩٦ وج ٩ / ٢١٨ - ٣٩٦ وج ١٠ / ٦٧ - ١٣٧ وج ١١ / ٧٤ - ١٩٥، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٣٥٨ وج ٣ / ١٥ و ٢٥٨ ط ١ بمصر وج ٤ / ٦٣ وج ١١ / ٤٤ وج ١٣ / ٢١٩ بتحقيق أبو الفضل، كتاب " أبو هريرة " للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ١٣٢. (*)

(١) كما فصلناه فيما صدرنا به كتاب - صلح الحسن - لسماحة شيخنا الإمام المقدس الشيخ راضي آل ياسين. فليراجع ثمة ما فصلناه بامعان (منه قدس).

٥٣٦

أن أعطاه معاوية في صلحه ما شاء من شرط يعاهد الله عليه، وقد ابتدأه في ذلك في كلا المصرين، الشام والعراق.

وقد روى كثير من المؤرخين - فيهم ابن جرير(١) وابن الأثير(٢) -: أن معاوية أرسل إلى الحسن صحيفة بيضاء مختوما على أسفلها بخاتمه، وكتب إليه: أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.

وأرسل كتابه هذا والصحيفة إلى الحسن عليه مع عبدالله بن عامر فلم يشأ الحسن عليه أن تكون الشروط التي يشترطها على معاوية مكتوبة بخطهعليه‌السلام ، فأملاها على عبدالله بن عامر وعبد الله بن عامر كتبها كما أملاها عليه. فكتب معاوية جميع ذلك بخطه، وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة والإيمان المغلظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام، ووجه به إلى عبدالله بن عامر، فأوصله إلى الحسن(٨٠٠) .

وختم هذه المعاهدة بقوله: وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى الله من نفسه(٨٠١) .

لكن معاوية كان بالاستخفاف بما عاهد الله عليه أولى منه بالوفاء به، لذلك جعل العهود والمواثيق تحت قدميه، وسب عليا والحسن بمحضر من سيدي

____________________

(١) ص ٩٣ من الجزء ٦ من كتابه الأمم والملوك (منه قدس).

(٢) في ج ٣ / ١٦٢ من تاريخه (منه قدس).

(٨٠٠) روى هذا كله ابن قتيبة في ص ٢٠٠ من كتابه الإمامة والسياسة فليراجع (منه قدس). وراجع نص المعاهدة في كتاب صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين ص ٢٥٩ - ٢٦١، الغدير ج ١١ / ٦، مقاتل الطالبيين ص ٤٣ ط الحيدرية.

(٨٠١) صلح الحسن ص ٢٦٢ (*).

٥٣٧

شباب أهل الجنة في مسجد الكوفة، وهو إذ ذاك غاص بالمجتمعين احتفالا بالصلح(٨٠٢) .

ثم تتابعت سياسته تتفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة، كل منكر في الإسلام. قتلا للأبرار، وهتكا للأعراض، وسلبا للأموال، وسجنا للأحرار وتشريدا للمصلحين، وتأميرا للمفسدين، الذين جعلهم وزراء دولته: كابن العاص، وابن شعبة، وابن سعيد، وابن أرطاة، وابن جندب وابن السمط، وابن الحكم الوزغ ابن الوزغ، وابن مرجانة، وابن عقبة، وابن سمية الذي نفاه عن أبيه الشرعي عبيد، وألحقه بالمسافح أبيه أبي سفيان ليجعله صنوه، يسلطه على الشيعة في العراق يسومهم سوء العذاب، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويشردهم عباديد تحت كل كوكب، ويحرق بيوتهم، ويصطفي أموالهم، لا يألو جهدا في ظلمهم. يعين معاوية على الوفاء للحسن بشروطه ؟ !.(٨٠٣) .

____________________

(٨٠٢) فاجأ الناس بهذا المنكر استخفافا منه بهم، بل بالدين وسيد المرسلين، بل برب العالمين جل جلاله، لكن الحسنعليه‌السلام لم تنل من صبره هذه الوقاحة، ورقى بعدها المنبر، فلم يدع ولم يذر، مما يحق به الحق وأهله، ويبطل به الباطل ودونكم الخطبة في آخر ص ٢٧٩ وما بعدها إلى ص ٢٨٢ من كتاب - صلح الحسن - لشيخنا الإمام المقدس الشيخ راضي آل ياسين فلا تفوتكم، وامعنوا في مراميها السامية وأهدافها الشريفة (منه قدس). صلح الحسن ص ٢٨٥، الغدير ج ١١ / ٧، مقاتل الطالبيين لابن الفرج الاصفهانى ص ٤٥ ط الحيدرية.

ثم خطب الإمام السبط خطبة رائعة في الرد على معاوية راجعها في: صلح الحسن ص ٢٨٦ - ٢٨٩، الغدير ج ١١ / ٨، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٤ / ١٦ ط ١، مقاتل الطالبيين ص ٤٦ ط الحيدرية. راجع ما تقدم تحت رقم (٧٦٢ و ٧٦٣).

(٨٠٣) فساد معاوية وظلمه وهتكه لحرمات الإسلام وقتله للصالحين كثيرة بل =>

٥٣٨

وختم معاوية منكراته هذه بسم الحسن الزكي. تمهيدا لسلطان سكيره المتهتك فكانت منه تلك الفظائع والفجائع في المدينة الطيبة، وفي مكة المعظمة، وفي طف كربلاء، وفي كل يوم من أيام حياته الموبوءة المملوءة بمحاربة الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٨٠٤)

نعوذ بالله، ونبرأ إلى الله تعالى منك وممن ملكك - على علم - رقاب المسلمين( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ) (٨٠٥) .

____________________

=> جرائمه لا تعد ولا تحصى وقد تقدم شطر كبير منها. وراجع أيضا: الغدير للأميني ج ١٠ و ١١، صلح الحسن لشيخ راضي آل ياسين، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية لمحمد بن عقيل، تقوية الإيمان في الرد على تزكية ابن أبى سفيان أيضا لمحمد بن عقيل، المراجعات لشرف الدين مع التتمة تحت رقم (٧٠٠ و ٧٠١ و ٧٠٣)، شيخ المضيرة أبو هريرة لأبي رية المصري ط مصر، دلائل الصدق ج ٣ ق ١ / ٢٠٩ وما بعدها وق ٢ ج ٣ / ٤ وما بعدها.

(٨٠٤) الغدير للأميني ج ١١، صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين، مقتل الحسين للمقرم ط النجف، شيخ المضيرة أبو هريرة ص ١٧٤ - ٢٠٠، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهانى ص ٧٣ تحقيق احمد صقر.

(٨٠٥) سورة مريم: ٨٩ (*).

٥٣٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥١٩: -

[ الفصل السابع ] [ ما فعله جمهور الأمة ] [ المورد - (٩٨) -: احتجاج الجمهور بمطلق من صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مسلما ]

نعم هذا دأبهم، وعليه سيرتهم، كأن الصحبة - بما هي من حيث هي - تعصم الصحابي عما ينافي العدالة(٨٠٦) وتوجد له إياها، لذلك اطمأنوا بكل

____________________

(٨٠٦) قال النووي في شرح صحيح مسلم بهامش الارشاد ج ٨ / ٢٢: ان الصحابة رضي ‌الله ‌عنهم كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم وإنما جاء التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة. الغدير ج ١٠ / ٢٦٧.

وحول عدالة الصحابة قاطبة أو في الجملة. راجع: أضواء على السنة المحمدية فصل عدالة الصحابة ص ٣٣٩ ط ٥ دار المعارف بمصر، شيخ المضيرة أبو هريرة ص ٢٨٨ ط ٣ كلا الكتابين تأليف الشيخ محمود أبو رية المصري، دلائل الصدق ج ٣ ق ٢ / ٤.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741