اقتصادنا

اقتصادنا0%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف: الصفحات: 741
المشاهدات: 146491
تحميل: 8781

توضيحات:

اقتصادنا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146491 / تحميل: 8781
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويدل على ذلك أيضاً : ما ورد في كتاب الأموال لأبي عبيد، عن ابن طاووس ، عن أبيه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( عادي الأرض لله ولرسوله ، ثمّ هي لكم ) (١) فقد حكم هذا النص بملكية الرسول لعادي الأرض ، والجملة الأخيرة :( ثمّ هي لكم ) تقرّر حقّ الإحياء الذي سنشير إليه فيما بعد .

وقد جاء في كتاب الأموال : أنّ عادي الأرض هي كلّ أرض كان لها ساكن في آباد الدهر ، فلم يبقَ منها أنيس ، فصار حكمها إلى الإمام وكذلك كلّ أرض مَوَات لم يحيها أحد ، ولم يملكها مسلك ولا معاهد(٢) .

وفي كتاب الأموال أيضاً ، عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قدم المدينة جعلوا له كلّ أرض لا يبلغها الماء يصنع بها ما يشاء(٣) . وهذا النصّ لا يؤكّد مبدأ ملكية الدولة للأراضي المَوَات البعيدة عن الماء فحسب ، بل يؤكّد ممارسة النبيّ السيطرة الفعلية على الأراضي المَوَات ، الأمر الذي تعتبر تطبيقاً عملياً لمبدأ ملكية الدولة لها ، فقد ورد في كتاب الإمام الشافعي أنّه ( لمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة أقطع الناس الدور ، فقال حيٌّ من بني زهرة ـ يقال لهم : بنو عبد بن زهرة ـ : نكب عنّا ابن أمّ عبد فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فلم ابتعثني الله إذا ؟! إنّ الله لا يقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيهم

ـــــــــــــــ

(١) الأموال : ٣٤٧ ، الحديث ٦٧٦ ، ومستدرك الوسائل ١٧ : ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب كتاب إحياء المَوَات ، الحديث ٥ .

(٢) الأموال : ٣٥٤ ، الحديث ٦٩٢ .

(٣) المصدر السابق : ٣٥٨ ، الحديث ٦٩٥ .

٣٨١

حقّه) (١) وقد علّق الشافعي على ذلك قائلاً :( وفي هذا دلالة على أنّ ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه ، وما لم يقارب من المَوَات ، سواء ؛ في أنّه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممّن سأله من المسلمين ) (٢) .

فالأرضان ـ العامرة والمَوَات من أراضي الفتح ـ طبّق عليهما شكلان تشريعيان من أشكال المِلكية ، وهما : المِلكية العامة للأرض العامرة ، ومِلكية الدولة للمَوَات .

نتيجة اختلاف شَكلَي المِلكية :

وهاتان الملكيتان ـ الملكية العامة للأمّة ، وملكية الدولة ـ وإن اتفقتا في المغزى الاجتماعي إلاّ أنّهما يعتبران شكلين تشريعيين مختلفين ؛ لأنّ المالك في أحد الشكلين هو الأمّة ، والمالك في الشكل الآخر هو المنصب ، الذي يباشر حكم تلك الأمّة من قبل الله وينعكس الفرق بين الشكلين في الأمور التالية :

أوّلاً : طريقة استثمار كلّ من المِلكيتين والدور الذي تؤدّيه للمساهمة في بناء المجتمع الإسلامي ، فالأراضي والثروات التي تملك ملكية عامة لمجموع الأمّة يجب على وليّ الأمر استثمارها للمساهمة في إشباع حاجات مجموع الأمّة ، وتحقيق مصالحها العامة التي ترتبط بها ككلّ ؛ نحو إنشاء المستشفيات ، وتوفير وتهيئة مستلزمات التعليم ، وغير ذلك من المؤسّسات الاجتماعية العامة التي تخدم مجموع الأمّة .

ولا يجوز استخدام الملكية العامة لمصلحة جزء معيّن من الأمّة ، ما لم ترتبط مصلحته بمصلحة المجموع ، فلا يسمح بإيجاد رؤوس أموال ـ مثلاً ـ لبعض الفقراء

ـــــــــــــــ

(١) و(٢) الأُمّ ٤ : ٥٠ .

٣٨٢

من ثمار تلك الملكية ما لم يصبح ذلك مصلحة وحاجة لمجموع الأمّة ، كما إذا توقّف حفظ التوازن الاجتماعي على الاستفادة من الملكية العامة في هذا السبيل وكذلك لا يسمح بالصرف من ريع الملكية العامة للأمّة على النواحي التي يعتبر وليّ الأمر مسئولاً عنها من حياة المواطنين الذين في المجتمع الإسلامي وأمّا أملاك الدولة فهي كما يمكن أن تستثمر في مجال المصالح العامة لمجموع الأمّة كذلك يمكن استثمارها لمصلحة معيّنة مشروعة(١) ، كإيجاد رؤوس أموال منها لمن هو بحاجة إلى ذلك من أفراد المجتمع الإسلامي ، أو أيّ مصلحة أخرى من المصالح التي يعتبر وليّ الأمر مسئولاً عنها .

ثانياً: أنّ الملكية العامة لا تسمح بظهور حقّ خاص للفرد ، فقد رأينا فيما سبق أنّ الأرض المفتوحة عنوة والتي تعود ملكيتها للأمّة لا يكسب الفرد فيها حقّاً خاصاً ولو مارس عليها عملية الأحياء ، خلافاً لملك الدولة فإنّ الفرد قد يكتسب في ممتلكاتها حقّاً خاصاً على أساس العمل بالقدر الذي تأذن به الدولة ، فمن يُحيي أرضاً مَيتَة للدولة بإذن من الإمام يكتسب حقّاً خاصاً فيها وإن لم يملك رقبتها ، وإنّما هو حقّ يجعله أولى من الآخرين بها مع بقاء رقبتها ملكاً للدولة على ما يأتي .

ثالث : أنّ ما يدخل في نطاق الملكية العامة للأمّة لا يجوز لولي الأمر بوصفه ولياً للأمر نقل ملكيته إلى الأفراد ببيع أو هبة ونحو ذلك ، خلافاً لما يدخل في نطاق ملكية الدولة فإنّه يجوز فيه ذلك وفقاً لما يقدّره الإمام من المصلحة العامة(٢) .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث الأوّل .

(٢) جواهر الكلام ٣٨ : ١٧ ، ٥٤ ، ٦١ .

٣٨٣

وهذا الفارق بين المِلكِيَتين يقرّب هذين المصطلحين الفقهيين نحو مصطلحي الأموال الخاصة للدولة والأموال العامة لها في لغة القانون الحديث(١) ، فما نطلق عليه اسم ملكية الدولة يوازي من هذه الناحية ما يعبر عنه قانونياً بالأموال الخاصة للدولة ، بينما يناظر الملكية العامّة للأمّة ما يطلق عليه القانون اسم الأموال العامة للدولة غير أنّ مصطلح الملكية العامة للأمّة يتميّز عن مصطلح الأموال العامة للدولة بأنّه يستبطن النصّ على أنّ الأموال العامة التي يشملها هي ملك الأمّة ودور الدولة فيها دور الحارس الأمين ، بينما ينسجم التعبير القانوني بالأموال العامة للدولة مع هذا كما ينسجم مع كونها ملكاً للدولة نفسها .

دور الإحياء في الأراضي المَيتَة :

وكما تختلف الأرض المَيتَة والأرض العامرة في شكل الملكية ، كذلك تختلفان أيضاً من ناحية الحقوق التي يسمح للأفراد باكتسابها في الأرض

فالشريعة لا تمنح الفرد حقّاً خاصاً في رقبة الأرض العامرة حال الفتح ، ولو جدد عمرانها بعد خراب ، كما مر بنا سابقاً .

وأمّا الأرض المَيتَة عند الفتح ، فقد سمحت الشريعة للأفراد بممارسة إحيائها وإعمارها ، ومنحتهم حقّاً خاصاً فيها ، على أساس ما يبذلون من جهد في سبيل إحياء الأرض وعمارتها وفي الروايات ما يقرّر هذه الحقيقة ، إذ جاء عن أهل البيت أنّ :( من أحيا أرضاً فهي له وهو أحقّ بها ) (٢) وورود في صحيح

ـــــــــــــــ

(١) راجع معجم الاقتصاد : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، مادّة : ( أموال عامّة ) ، والمِلكية في النظام الاشتراكي : ٣٨٨ .

(٢) عوالي اللآلئ ٣ : ٢٥٩ ، مع اختلاف .

٣٨٤

البخاري عن عائشة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( من أعمر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحقّ ) (١) .

وعلى هذا الأساس نعرف : أنّ الملكيّة العامة للأرض في الشريعة لا تنسجم مع الحقّ الخاص للفرد ، فلا يحصل الفرد علي حقّ خاص في أرض الملكية العامة ، مهما قدّم لها من خدمات أو جدّد عمرانها بعد الخراب ، بينما نجد ملكية الدولة للأرض تنسجم مع اكتساب الأفراد حقّاً خاصاً فيها .

والمصدر الأساسي للحقوق الخاصة في أراضي الدولة هو الأحياء والتعمير فممارسة هذا العمل أو البدء بالعمليات التمهيدية له يمنح الممارس حقّاً خاصاً في الأرض ، وبدون ذلك لا تعترف الشريعة بالحقّ الخاص إطلاقاً(*) بوصفه عملية مستقلّة منفصلة عن الإحياء لا تكون سبباً لاكتساب حقّ خاص في الأرض ، وقد جاء في الرواية عن عمر بن الخطاب أنّه قال : ليس لأحدٍ أن يتحجّر(٢) .

والسؤال المهم فقهياً بهذا الشأن ، يرتبط بطبيعة الحقّ الذي يستمدّه الفرد من عملية الإحياء : فما هو هذا الحقّ الذي يحصل عليه الفرد ، نتيجة لعمله في الأرض المَيتَة وإحيائها ؟

هذا هو السؤال الذي يجب علينا أن نجيب عليه ، في ضوء مجموع النصوص التي تناولت عملية الإحياء ، وشرحت أحكامها الشرعية .

وجواب الكثير من الفقهاء على هذا السؤال : أنّ مردّ الحقّ الذي يستمدّه

ـــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، باب مَن أحيا أرضاً مَواتاَ .

(*) راجع الملحق رقم ٣ .

(٢) الأُمّ ٤ : ٤٦ .

٣٨٥

الفرد من إحياء الأرض إلى تملّكه لها مِلكية خاصة ، فتخرج الأرض بسبب الإحياء عن نطاق ملكية الدولة إلى نطاق الملكية الخاصة ، ويملك الفرد الأرض التي أحياها نتيجة لعمله المنفق عليها ، الذي بعث فيها الحياة(١) .

وهناك رأي فقهي آخر يبدو أكثر انسجاماً مع النصوص التشريعية ، يقول : إنّ عملية الإحياء لا تغيّر من شكل مِلكية الأرض ، بل تظلّ الأرض مِلكاً للإمام أو لمنصب الإمامة ، ولا يسمح للفرد بتملّك رقبتها وإن أحياها ، وإنّما يكتسب بالإحياء حقّاً في الأرض دون مستوى الملكية ، ويخولّ له بموجب هذا الحقّ استثمار الأرض والاستفادة منها ، ومنع غيره مِمَن لم يشاركه جهده وعمله من مزاحمته وانتزاع الأرض منه ما دام قائماً بواجبها

وهذا القدر من الحقّ لا يعفيه من واجباته تجاه منصب الإمامة بوصفه المالك الشرعي لرقبة الأرض ، فللإمام أن يفرض عليه الأُجرة أو الطَّسق ـ كما جاء في الحديث(٢) ـ بالقدر الذي يتناسب مع المنافع التي يجنيها الفرد من الأرض التي أحياها .

وقد أخذ بهذا الرأي الفقيه الكبير الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي في بحوث الجهاد من كتابه المبسوط في الفقه ، إذ ذكر : أنّ الفرد لا يملك رقبة الأرض بالإحياء وإنّما يملك التصرّف ، بشرط أن يؤدّي إلى الإمام ما يلزمه عليها وإليكم نصّ عبارته .

( فأمّا المَوَات فإنّها لا تُغنم وهي للإمام خاصة ، فإن أحياها أحدٌ من المسلمين كان أولى بالتصرّف فيها ، ويكون للإمام طَسْقها ) (٣) .

ـــــــــــــــ

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ٩

(٢) سيأتي في الصفحة القادمة .

(٣) المبسوط ٢ : ٢٩ .

٣٨٦

ونفس الرأي نجده في بلغة المحقّق الفقيه السيد محمّد بحر العلوم ، إذ مال إلى :

( منع إفادة الإحياء التملّك المجّاني ، من دون أن يكون فيه حقّ ، فيكون للإمام فيه بحسب ما يقاطع المحيي عليها في زمان حضوره وبسط يده ، ومع عدمه فله أجرة المثل ولا ينافي ذلك نسبة الملكية إلى المحيي في أخبار الأحياء ـ أي في قولهم :( من أحيى أرضاً فهي له ) ـ وإن هي إلاّ جارية مجرى كلام الملاّكين للفلاحين في العرف العام ، عند تحريضهم على تعمير الملك : من عمّرها أو حفر أنهارها وكرى سواقيها فهي له ، الدّالة على أحقّيته من غيره ، وتقدّمه على من سواه ، لا على نفي الملكية من نفسه ، وسلب الملكية عن شخصه فالحصة الراجعة إلى الملاّك ـ المعبّر عنها بالملاّكة ـ مستحقة له غير منفيّة عنه ، وإن أضاف الملك إليهم عند الترخيص والإذن العمومي ) (١) .

وهذا الرأي الفقهي الذي يقرّره الشيخ الطوسي والفقيه بحر العلوم ، يستند إلى عدّة نصوص ثابتة بطرقٍ صحيحةٍ عن أئمّة أهل البيت ، علي وآله (عليهم السلام) ، فقد جاء في بعضها :( مَن أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طَسْقها ) (٢) وجاء في بعضها الآخر :( مَن أحيى من الأرض من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام ، وله ما أكل منها ) (٣) .

فالأرض في ضوء هذه النصوص لا تصبح مِلكاً خاصّاً لمن أحياها وإلاّ لَمَا صحّ أن يكلّف بدفع أُجرة عن الأرض للدولة ، وإنّما تبقى رقبة الأرض مِلكاً للإمام ، ويتمتّع الفرد بحقّ في رقبة الأرض يمكّنه من الانتفاع بها ومنع الآخرين

ـــــــــــــــ

(١) بلغة الفقيه ١ : ٢٧٤ .

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٥٤٩ ، الباب الرابع من أبواب الأنفال ، الحديث ١٣ .

(٣) تهذيب الأحكام ٧ : ١٥٢ ، الحديث ٢٣ .

٣٨٧

عن انتزاعها منه وللإمام في مقابل ذلك فرض الطَّسق عليه(*) .

وهذا الرأي الفقهي الذي يعطي لملكية الإمام مدلولها الواقعي ، ويسمح له بفرض الطَّسق على أراضي الدولة لا نجده لدى فقهاء من شيعة أهل البيت ـ كالشيخ الطوسي فحسب ، بل إنّ له بذوراً وصيغاً متنوّعة في مختلف المذاهب الفقهية في الإسلام ، فقد ذهب أحمد بن حنبل إلى أنّ الغامر الميّت من أرض السواد يعتبر أرضاً خراجية أيضاً ، وللدولة فرض الخراج عليه بوصفه مِلكاً لعامة المسلمين ، واستند في ذلك إلى ما صنعه عمر من مسح العامر والغامر من أرض السواد ووضع الخراج عليهما معاً(١) . وبعض الفقهاء جعل مَوَات المفتوح عَنوة مطلقاً للمسلمين(٢) .

وذكر الماوردي عن أبي حنيفة وأبي يوسف : أنّ الفرد إذا أحيا أرضاً من المَوَات وساق إليها ماء الخراج كانت أرض خراج ، وكان للدولة فرض الخراج عليها(٣) ، ويريدان بماء الخراج الأنهار التي فتحت عنوة كدجلة والفرات والنيل ، فكل أرض مَيتَة تُحيا بماء الخراج تصبح خراجية وداخلة في نطاق ولاية الدولة على وضع الخراج ، وإن لم تكن الأرض نفسها مفتوحة عَنوة وجاء في كتاب الأموال لأبي عبيد أنّ أبا حنيفة كان يقول : أرض الخراج هي كلّ أرض بلغها ماء الخراج(٤) .

ـــــــــــــــ

(*) راجع الملحق رقم ٤ .

(١)الأحكام السلطانية ١ : ١٦٦ .

(٢) انظر مستمسك العروة الوثقى : ٩ : ٥٩٩ .

(٣) الأحكام السلطانية ١ : ٢١١ ، الهامش رقم ٢

(٤) الأموال : ٩٢ .

٣٨٨

وأمّا محمّد بن الحسن الشيباني فقد اعترف بدوره أيضاً بمبدأ فرض الخراج على ما يُحيى من الأرض المَوَات ، ولكنّه اختار تفصيلاً آخر غير ما سبق عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، فقد قال : إن كانت الأرض المحياة على أنهار حفرتها الأعاجم فهي أرض خراج ، وإن كانت على أنهار أجراها الله عز وجل فهي أرض عشر(١) .

وعلى أيّ حال فإنّ مبدأ فرض الخراج على الأرض المحياة تجده بصورة أو أخرى في اتجاهات فقهية مختلفة .

ونلاحظ أنّ كلمات الفقهاء غير الأماميين هذه لم تصل إلى الدرجة التي بلغتها فتوى الشيخ الطوسي وعدد آخر من فقهاء الإمامية ؛ لأنّها لم تتجاوز بصورة صريحة عن كونها تعبيرات متفاوتة عن حدود الأرض الخراجية وأنّها تشمل قسماً من الأراضي المَوَات كمَوَات السواد أو المَوَات التي تُحيى بماء الخراج ، غير أنّها على أيّ حال تجعلنا نجدُ مبدأ فرض الخراج على الأرض المحياة بصورة أو أخرى في اتجاهات فقهية مختلفة ، ولا يوجد ما يمنع عن اعتباره مبرّراً مبدئياً في الشريعة الإسلامية لفرض الخراج من الإمام على الأراضي المحياة .

ومن المواقف الفقهية الملتقية إلى درجة كبيرة مع رأي الشيخ الطوسي وغيره من علماء الإمامية موقف لبعض فقهاء المذهب الحنفي كأبي القاسم البلخي وغيره ممن تكلّم عن الأرض التي أحياها شخص ثمّ خربت فاستأنف أحياءها شخص آخر ، إذ قالوا : بأنّ الثاني أحقّ بها ؛ لأنّ الأوّل ملك استغلالها لا رقبتها ، فإذا تركها كان الثاني أحقّ بها(٢) . وهذا الكلام وإن كان لا ينصّ على ملكية الدولة

ـــــــــــــــ

(١) الأحكام السلطانية ١ : ٢١١ ، الهامش رقم ٢ .

(٢) راجع شرح فتح القدير ٩ : ٤ ، وشرح العناية على الهداية ، في هامش الصفحة نفسها .

٣٨٩

للأرض المَيتَة وحقّها في فرض الخراج على ما يحيى منها ، ولكنّه يلتقي مع موقف الشيخ الطوسي وغيره من علماء الإمامية في القول : بأنّ الأرض المَيتَة لا تُملك ملكية خاصة ولا تدخل رقبتها في نطاق ملكية المستولي عليها ولو مارس فيها عملية الإحياء والاستثمار(*) .

ونحن حين نقتبس من فقه الشيخ الطوسي مبدأ ملكية الإمام ، بهذا المعنى الذي يسمح له بفرض الخراج على ما يحيى من الأراضي المَيتَة إنّما ندرس الموقف على الصعيد النظري فحسب ، إذ توجد من الناحية النظرية ـ كما عرفنا ـ مبررات لاستنباط هذا المبدأ من النصوص التشريعية .

وأمّا على صعيد التطبيق فلم يؤخذ بهذا المبدأ عملياً في الإسلام ، بل جمّد في المجال التطبيقي ورفع بصورة استثنائية عن بعض الأشخاص وفي بعض الأزمنة ، كما تدلّ عليه أخبار التحليل(١) وتجميد المبدأ هذا على صعيد التطبيق وفي السيرة النبوية المقدسة لا يمكن أن يعتبر دليلاً على عدم صحته نظرياً ؛ فإنّ من حقّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العفو عن الطَّسق ، وممارسته لهذا الحقّ لا تعني عدم السماح لإمام متأخّر بالعمل بهذا المبدأ أو تطبيقه ، حين تزول الظروف التي كانت تمنع عن ذلك كما أنّ النصوص التي ترفع مفعول هذا المبدأ عن بعض الأشخاص بصورة استثنائية لا تمنع عن اعتباره قاعدة يمكن الأخذ بها في غير مجالات استثنائها ، التي شرحتها أخبار التحليل .

وما دمنا في دراستنا هذه نحاول التعرّف على النظرية الاقتصادية في الإسلام فمن حقّنا أن نستوعب في دراستنا هذا المبدأ ما دام له أساسٌ إسلامي

ـــــــــــــــ

(*) راجع الملحق رقم ٥ .

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٤٣ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال .

٣٩٠

من الناحية النظرية ، فهو جزء من الصورة الكاملة التي تعبّر عن النظرية الإسلامية في المجال الذي ندرسه سواء أخذ نصيبه من التطبيق أو اضطرّت ظروف قاهرة أو مصلحيّة لإهماله .

وعلى ضوء ما قدمناه ، يتبيّن الفرق بين المزارع الذي يعمل في قطاع الملكية العامة ، والمزارع الذي يعمل في قطاع ملكية الدولة ؛ فإنّهما وإن كانا معاً لا يملكان رقبة الأرض ، ولكنّهما يختلفان في مدى علاقتهما بالأرض ، فالمزارع الأوّل ليس إلاّ مستأجر فحسب ـ كما أكدّ الفقيه المحقق الإصفهاني في تعليقه على المكاسب(١) ـ فمن حقّ الإمام أن ينتزع منه الأرض ويعطيها لفردٍ آخر متى انتهت مدّة الإجارة ، وأمّا المزارع الثاني فهو يتمتّع بحقّ في الأرض يخوّله الانتفاع بها ، ويمنع الآخرين من انتزاعها منه ، ما دام قائماً بحقّها وعمارتها .

وعملية الإحياء في قطاع الدولة حرّة يجوز لكلّ فرد ممارستها دون إذن خاص من وليّ الأمر ؛ لأنّ النصوص الآنفة الذكر أذنت لجميع الأفراد بالإحياء دون تخصيص ، فيعتبر هذا الإذن نافذ المفعول ما لم ترَ الدولة في بعض الأحايين المصلحة في المنع وهناك في الفقهاء من يرى أنّ الإحياء لا يجوز ولا يمنح حقّاً ما لم يكن بإذن خاص من ولي الأمر ، ولا يكفي الإذن الصادر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله :( من أعمر أرضاً فهو أحقّ بها ) (٢) ، لأنّ هذا الإذن صدر من النبيّ بوصفه حاكما ورئيساً للدولة الإسلامية ، لا باعتباره نبياً ، فلا يمتدّ مفعوله مع الزمن ، بل ينتهي بانتهاء حكمه .

ـــــــــــــــ

(١) حاشية المكاسب ٣ : ٢١ ، ٤٩ .

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، من أحيا أرضاً مَوَاتاً .

٣٩١

وعلى أي حال فلا شكّ أنّ لولي الأمر أنّ يمنع عن إحياء بعض أراضي الدولة ، وأن يحدّد الكميّة التي يباح لكلّ فردٍ إحياؤها من تلك الأراضي إذا اقتضت المصلحة العامّة ذلك .

ونخلص من أحكام الأراضي الموات إلى النقاط الآتية :

أوّلاً : أنّها تعتبر ملكاً للدولة .

ثانياً : أنّ إحياءها من قبل الأفراد جائز مبدئياً ما لم يمنع عنه ولي الأمر .

ثالثاً : أنّ الفرد إذا أحيا أرضاً للدولة وعمّرها ، كان له الحقّ فيها الذي يخوّله الانتفاع بها ، ويمنع الآخرين من مزاحمته فيها ، دون أن تصبح الأرض ملكاً خاصاً له

رابعاً : للإمام أن يتقاضى من الفرد المحيي للأرض خراجاً ؛ لأنّ رقبة الأرض ملكه ، ويفرض هذا الخراج وفقاً للمصلحة العامة والتوازن الاجتماعي وللإمام أيضاً أن يعفو عن الخراج في ظروف معيّنة ولاعتبارات استثنائية نجد ذلك في السيرة النبوية المقدسة(١) .

وعلى ضوء ما تقدّم يمكننا أن نميّز بوضوح بين الحقّ الخاص الذي ذكرنا أنّ الفرد يكسبه بالإحياء ، وبين الملكية الخاصة لرقبة الأرض التي نفينا حصولها بالإحياء ويمكن تلخيص أهم ما يميّز هذا الحقّ عن ملكيّة رقبة الأرض فيما يلي :

أوّلاً : أنّ هذا الحقّ يسمح للدولة بأخذ الأجرة من الفرد صاحب الحقّ لقاء انتفاعه بالأرض ؛ لأنّ رقبتها تظلّ ملكاً للدولة ، بينما لا مبرّر لهذه الأجرة في حالة

ـــــــــــــــ

(١) انظر : المبسوط للشيخ الطوسي ٢ : ٢٩ ، ووسائل الشيعة ٩ : ٥٢٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ١ و٢ ، والسيرة النبوية ٣ : ٣٥٢ .

٣٩٢

قيام ملكية خاصة لرقبة الأرض .

ثانياً : أنّ هذا الحقّ حقّ الأولية من الآخرين ، بمعنى أنّ المحيي أولى بالأرض التي أحياها ممّن لم يُحيها ، ولا يعني ذلك أنّه أولى بها من الإمام نفسه المالك الشرعي للأرض ، فهو حقّ نسبيي يتمتّع به المحيي أمام الآخرين لا أمام المالك نفسه ، ولهذا كان من حقّ الإمام أن ينتزعها منه وفقاً لمّا يقدّره من المصلحة العامة ، كما تشير إلى ذلك رواية الكابلي(١) .

ثالثاً : قد يقال : إنّ هذا الحقّ يختلف عن الملكية موضوعاً ، فإنّ الملكية الخاصة لرقبة الأرض موضوعها الأرض نفسها ، وأمّا هذا الحقّ فهو حقّ الإحياء(٢) ، وبهذه المناسبة يكون حقّاً في حياة الأرض التي أوجدها المحيي فيها لا في الأرض نفسها ، ويترتب على ذلك أن هذه الحياة إذا زالت وعادت الأرض مَيتَة سقط هذا الحق بصورة طبيعية ؛ إذ ينتفي موضوعه ، أمّا الملكية المتعلّقة برقبة الأرض فيحتاج سقوطها إلى دليل ؛ لأنّ موضوعها لا يزال ثابتاً

ج ـ الأرض العامرة طبيعياً حال الفتح :

يرى كثير من الفقهاء : أنّ الأراضي العامرة طبيعياً ـ بما فيها الأراضي العامرة طبيعياً حال الفتح ـ كالغابات وأمثالها تشترك مع الأراضي المَوَات التي مر الحديث عنها قبل لحظة في الشكل التشريعي للملكية ، فهم يرون أنّها ملك للإمام(٣) ، ويستندون في ذلك إلى النصّ التشريعي المأثور عن الأئمّة عليهم السلام الذي

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٤ ، الباب الثالث من أبواب إحياء المَوَات ، الحديث ٢ .

(٢) انظر المبسوط ٣ : ٢٩ ، وجواهر الكلام ٣٨ : ١٠ .

(٣) انظر : جواهر الكلام ٣٨ : ١٩

٣٩٣

يقرر أنّ :( كلّ أرضٍ لا ربَّ لها هي للإمام ) (١) . فإن هذا النصّ يعطي للإمام ملكية كلّ أرض ليس لها صاحب ، والغابات وأمثالها من هذا القبيل ؛ لأنّ الأرض لا يكون لها صاحب إلاّ بسبب الإحياء ، والغابات حيّة طبيعياً دون تدّخل إنسان معيّن في ذلك ، فهي لا صاحب لها في الشريعة ، بل تندرج في نطاق الأراضي التي لا ربّ لها ، وتخضع بالتالي لمبدأ ملكية الدولة .

وقد يلاحظ على هذا الرأي أنّ تطبيق مبدأ ملكية الدولة (الإمام) على الغابات ونظائرها من الأراضي العامرة بطبيعتها ، إنّما يصحّ في الغابات التي دخلت دار الإسلام بدون حرب ؛ لأنّها لا ربّ لها وأمّا الغابات والأراضي العامرة بطبيعتها ، التي تفتح عَنوة وتنتزع من أيدي الكفار فهي ملك عام للمسلمين ؛ لأنّها تندرج في النصوص التشريعية التي أعطت المسلمين ملكية الأرض المفتوحة عَنوة وإذا دخلت الغابات في نطاق الملكية العامة بموجب هذه النصوص ، أصبحت أرضاً لها صاحب ، وصاحبها هو مجموع الأمّة ، ولا يوجد مبرّر بعد ذلك لإدراجها ضمن الأراضي التي لا ربَّ لها ، لكي يستوعبها النصّ القائل :( كلّ أرضٍ لا ربّ لها للإمام ) .

وبتعبير آخر : أنّ نصوص الأراضي الخَراجية بإطلاقها حاكمة(٢) على نصوص الأرض التي لا ربّ لها ، وهذا الحكومة تتوقّف على أن يكون موضوع نصوص

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٤ ، الباب الأول من أبواب الأنفال ، الحديث ٤ ، ٢٠ ، ٢٨ .

(٢) الحكومة مصطلح أصولي يقصد به : أحد الدليلين وتقديمه على الدليل الآخر ، كما في : ( لا رِبا بين الوالد وولده ) الحاكم على دليل حرمة الرِّبا ونكتة التقديم هي : أنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ، وهذا النظر ظاهر في أنّ المتكلِّم قد أعدّه لتفسير كلامه الآخر فيكون قرينة راجع دروس في علم الأصول ٢ : ٥٣٧ (لجنة التحقيق)

٣٩٤

الأرض الخَراجية :( ما أخذ بالسيف ممّا كان تحت استيلاء الكفار ) ، لا خصوص ما أخذ ممّا كان ملكاً للكفار ؛ إذ على التقدير الثاني لا يكون موضوعها شاملاً للغابات بخلافه على الأوّل كما هو واضح كما تتوقّف الحكومة أيضاً على أن يكون عدم المالك المأخوذ في نصّ مالكيّة الإمام ملحوظاً حدوثاً وبقاءً والظاهر من النصوص التي تجعل الأرض التي لا ربّ لها مُلكاً للإمام أنها تتناول كلّ أرضٍ ليس لها مالك بطبيعتها ، فيكفي عدم المالك حدوثاً لكي تكون مِلكاً للإمام .

فالصحيح أنّ الأرض العامرة بطبيعتها ملك للدولة ، دون فرق بين ما كان منها مفتوحاً عَنوة وما لم يكن كذلك .

وعلى هذا الأساس لا يتكوّن للفرد حقّ خاص في رقبة الأرض المفتوحة عَنوة من الغابات وما إليها ، كما لا يتكون الحقّ الخاص في رقبة الأرض الخَراجية العامرة بالإحياء قبل الفتح وقد يقال : أنّ الأرض العامرة بطبيعتها تُمتلك على أساس الحيازة ، بمعنى أنّ الحيازة تقوم في الأراضي العامرة طبيعياً بنفس الدور الذي يقوم به الإحياء في الأراضي المَيتَة بطبيعتها ، ويستند هذا القول في إثبات الملكيـة بسبب الحيازة إلى الأخبار الدالة على أنّ من حاز مَلَك(١) .

ويلاحظ على هذا القول :

أوّلاً : أنّ بعض هذه الأخبار(٢) ضعيف السند ، ولهذا لا حجية له ، ومنها :

ـــــــــــــــ

(١) المكاسب ٤ : ١٦ .

(٢) كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سبق إلى ما لا يسبقه إليه أحدٌ فهو أحقّ به ) ، فإنّه حديث مرسل ، راجع مستدرك وسائل الشيعة ١٧ : ١١١ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء المَوَات ، الحديث ٤ (لجنة التحقيق)

٣٩٥

ما لا يدلّ على هذا القول لأنّه مسوق لبيان أماريّة اليد ، وجعل الحيازة أمارة ظاهرية على الملكيّة لا سبباً لها ومنها ما كان وارداً في موارد خاصة كقوله :( لليد ما أخذت وللعين ما رأت ) (١) الوارد في الصيد .

وثانياً : أنّ أخبار الحيازة ـ لو سلّمت ـ مختصةٌ بالمُباحات الأوّلية ممّا لا يكون مملوكاً شرعاً لجهةٍ أو فرد ، فلا تشمل المقام ، إذ المفروض أنّ الغابة ملك الأمّة أو الإمام .

وانطلاقاً مع هذا يجب أن يطبّق على المفتوح عَنوة من الغابات والأراضي العامرة بطبيعتها نفس الأحكام التي تطبق على أراضي الفتح التي كانت عامرة بالإحياء والجهد البشري(*) .

٢ ـ الأرض المسلمة بالدعوة :

الأراضي المسلمة بالدعوة : هي كلّ أرض دخل أهلها في الإسلام ، واستجابوا للدعوة دون أن يخوضوا معركة مسلّحة ضدّها(٢) ، كأرض المدينة المنوّرة ، وإندونيسيا ، وعدّة نقاط متفرّقة في العالم الإسلامي .

وتنقسم الأراضي المسلمة بالدعوة ـ كما تنقسم الأراضي المسلمة بالفتح ـ إلى أرضٍ عامرةٍ قد أحياها أهلها وأسلموا عليها طوعاً ، وأرض عامرة طبيعياً كالغابات ، وأرض دخلت في الإسلام طوعاً وهي مَيتَة .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣٩١ ، الباب ٣٨ ، من أبواب الصيد ، الحديث الأوّل ، مع اختلاف يسير .

(*) راجع الملحق رقم ٦

(٢) انظر : جواهر الكلام ٢١ : ١٧٥ .

٣٩٦

أمّا المَوَات من الأرض المسلمة بالدعوة فهي كالمَوَات من أراضي الفتح ، يطبّق عليها مبدأ ملكية الدولة ، وجميع الأحكام التي مرّت بنا في مَوَات الفتح ؛ لأنّ الأرض المَيتَة بشكلٍ عامّ تعتبر من الأنفال ، والأنفال مِلك الدولة .

وكذلك الأرض العامرة طبيعياً المنضمّة إلى حوزة الإسلام بالاستجابة السلميّة ، فهي مِلك للدولة أيضاً ، تطبيقاً للمبدأ الفقهي القائل :( كلّ أرضٍ لا ربّ لها هي من الأنفال ) (١) .

ولكنّ الفرق بين هذين القسمين ، المَيتَة والعامرة طبيعياً ـ بالرغم من كونهما معاً ملكاً للدولة ـ ، هو أنّ الفرد يمكنه أن يكتسب حقّاً خاصاً في الأرض المَيتَة عن طريق إحيائها ، وتثبت له من الأحكام ما مرّ من تفصيلات تشريعية عن عملية الإحياء التي يمارسها الفرد في المَيْتِ من أراضي الفتح ، وأمّا الأراضي العامرة بطبيعتها التي دخلت في دار الإسلام طوعاً ، فلا سبيل إلى اكتساب الفرد حقّاً فيها بسبب الإحياء ؛ لأنّها عامرة وحيّة بطبيعتها ، وإنّما يباح للأفراد الانتفاع بتلك الأرض وإذا مارس الفرد انتفاعه فلا تنتزع الأرض منه لحساب فردٍ آخر ما دام يمارس الأوّل انتفاعه ، إذ لا ترجيح لفردٍ على فردٍ ، ويسمح للآخر بالانتفاع في حدود لا تزاحم انتفاع الأوّل ، أو فيما إذا كفّ الأوّل عن انتفاعه بالأرض واستثماره لها(٢) .

وأمّا الأرض العامرة التي أسلم عليها أهلها طوعاً فهي لهم ؛ لأنّ الإسلام يمنح المسلم على أرضه وماله طوعاً ، جميع الحقوق التي كان يتمتّع بها في الأرض والمال قبل إسلامه فيتمتع أصحاب الأرض المسلمون طوعاً بالحقّ في الاحتفاظ

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٤ .

(٢) انظر : الروضة البهيّة ٤ : ٤٦ .

٣٩٧

بأرضهم ، وتملكها ملكية خاصة ، ولا خراج عليهم كما كانوا قبل الدخول في الإسلام تماماً(*) .

وعلى أيّ حال : فلا شكّ أنّ لوليّ الأمر أن يمنع عن إحياء بعض أراضي الدولة ، وأن يحدّد الكمّية التي يباح لكلّ فرد أحياؤها من تلك الأراضي ، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك .

٣ ـ أرض الصلح :

وهي الأرض التي هجم عليها المسلمون لفتحها فلم يسلم أهلها ، ولا قاوموا الدعوة بشكل مسلّح ، وإنّما ظلّوا على دينهم ، ورضوا أن يعيشوا في كنف الدولة الإسلامية مسالمين فالأرض تصبح أرض صلح في العرف الفقهي ، ويجب تطبيق ما تمّ عليه الصلح بشأنها ، فإذا كان عقد الصلح ينصّ على أنّ الأرض لأهلها فهي على هذا الأساس تعتبر مِلكاً لهم ، وليس لمجموع الأمّة حقّ فيها ، وإذا تمّ الصلح على تمّلك الأمّة للأرض مِلكية عامة وجب التقيّد بذلك ، وخضعت الأرض لمبدأ الملكية العامة وفرض عليها الخَراج(١) .

ولا يجوز الخروج عن مقرّرات عقد الصلح ؛ فقد جاء في كتاب الأموال عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( إنّكم لعلكم تقاتلون قوماً فيتّقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ، ويصالحونكم على صلح ، فلا تأخذوا منهم فوق ذلك ؛ فإنّه لا يحلّ لكم ) (٢) . وورد في سُنن أبي داود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ألاَ مَن ظلم معاهداً أو نقصه ، أو كلّفه فوق طاقته ، أو أَخذ منه شيئاً بغير طِيب نفسه ، فأنا حجيجه يوم القيامة ) (٣) .

ـــــــــــــــ

(*) راجع الملحق رقم ٧ .

(١) انظر : الروضة البهية ٤ : ٤٨ .

(٢) الأموال : ١٨٩ ، الحديث ٣٨٨ .

(٣) سنن أبي داود ٣ : ١٧٠ ، الحديث ٣٠٥٢ .

٣٩٨

وأمّا مَوَات أرض الصلح ، فالقاعدة فيها هي مِلكية الدعوة كمَوَات الأراضي المفتوحة ، ومَوَات الأراضي المسلمة بالدعوة وكذلك أيضاً الغابات من أراضي الصلح وما إليها من الأراضي العامرة طبيعياً ، ما لم يكن قد أدرجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقد الصلح ، فتطبّق عليها حينئذٍ مقتضيات العقد(١) .

٤ ـ أراضي أخرى للدولة :

وتوجد أنواع أخرى من الأرض تخضع لمبدأ ملكية الدولة ، كالأراضي التي سلّمها أهلها للدولة الإسلامية دون هجوم من المسلمين تسليماً ابتدائياً فإنّ هذه الأراضي من الأنفال التي تختص بها الدولة ، أو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام بتعبير آخر(٢) ، كما قرّره القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) .

وقد نصّ الماوردي على أنّ هذه الأراضي التي يتمّ انجلاء الكفّار عنها خوفاً ، تصير بالاستيلاء عليها وقفاً(٤) ، وهذا يعني دخولها في نطاق الملكية العامة .

ومن أراضي الدولة أيضاً الأرض التي باد أهلها وانقرضوا ، كما جاء في حديث حمّاد بن عيسى عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام :( أنّ للإمام الأنفال ،

ـــــــــــــــ

(١) انظر : جواهر الكلام ٢١ : ١٧١ .

(٢) المصدر السابق ١٦ : ١١٦ .

(٣) سورة الحشر : ٦ .

(٤) الأحكام السلطانية ٢ : ١٣٧ .

٣٩٩

والأنفال ، كلّ أرض بادَ أهلها إلخ ) (١) .

وكذلك أيضاً الأراضي المستجدة في دار الإسلام ، كما إذا ظهرت جزيرة في البحر أو النهر مثلاً ، فإنّها تندرج في نطاق ملكية الدولة ، تطبيقاً للقاعدة الفقهية القائلة ، أنّ كلّ أرض لا ربّ لها هي للإمام(٢) .

وذكر الخرشي في شرحه على المختصر الجليل : أنّ الأرض إذا كانت غير مملوكة لأحد كالفيافي أو ما انجلى عنها أهله ،ا فحكمها أنّها للإمام اتفاقاً ، قال البعض : يريد أهل المذهب ما انجلى منها أهلها الكفّار ، وأمّا المسلمون فلا يسقط ملكهم عن أراضيهم بانجلائهم(٣) .

الحدّ من السلطة الخاصة على الأرض :

يمكننا أن نستخلص من التفصيلات السابقة : أنّ اختصاص الفرد بالأرض والحقّ الشخصي فيها ينشأ من أحد أسباب ثلاثة :

١ـ أحياء الفرد لشيء من أراضي الدولة .

٢ـ إسلام أهل البلاد واستجابتهم للدعوة طوعاً .

٣ـ دخول الأرض في دار الإسلام بعقد صلحٍ ينصّ على منح الأرض للمصالحين .

ويختلف السبب الأوّل عن الأخيرين ، في نوع العلاقة الخاصة التي تنجم عنه فالسبب الأوّل ، وهو إحياء الفرد لشيء من أراضي الدولة، لا يدرج الأرض

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٤ .

(٢) انظر : جواهر الكلام ١٦ : ١١٦ .

(٣) الخُرَشي على مختصر سيدي خليل ٢ : ٢٠٨ ، زكاة المعدن .

٤٠٠