اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152653 / تحميل: 9466
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

ويدل على ذلك أيضاً : ما ورد في كتاب الأموال لأبي عبيد، عن ابن طاووس ، عن أبيه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( عادي الأرض لله ولرسوله ، ثمّ هي لكم ) (١) فقد حكم هذا النص بملكية الرسول لعادي الأرض ، والجملة الأخيرة :( ثمّ هي لكم ) تقرّر حقّ الإحياء الذي سنشير إليه فيما بعد .

وقد جاء في كتاب الأموال : أنّ عادي الأرض هي كلّ أرض كان لها ساكن في آباد الدهر ، فلم يبقَ منها أنيس ، فصار حكمها إلى الإمام وكذلك كلّ أرض مَوَات لم يحيها أحد ، ولم يملكها مسلك ولا معاهد(٢) .

وفي كتاب الأموال أيضاً ، عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قدم المدينة جعلوا له كلّ أرض لا يبلغها الماء يصنع بها ما يشاء(٣) . وهذا النصّ لا يؤكّد مبدأ ملكية الدولة للأراضي المَوَات البعيدة عن الماء فحسب ، بل يؤكّد ممارسة النبيّ السيطرة الفعلية على الأراضي المَوَات ، الأمر الذي تعتبر تطبيقاً عملياً لمبدأ ملكية الدولة لها ، فقد ورد في كتاب الإمام الشافعي أنّه ( لمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة أقطع الناس الدور ، فقال حيٌّ من بني زهرة ـ يقال لهم : بنو عبد بن زهرة ـ : نكب عنّا ابن أمّ عبد فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فلم ابتعثني الله إذا ؟! إنّ الله لا يقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيهم

ـــــــــــــــ

(١) الأموال : ٣٤٧ ، الحديث ٦٧٦ ، ومستدرك الوسائل ١٧ : ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب كتاب إحياء المَوَات ، الحديث ٥ .

(٢) الأموال : ٣٥٤ ، الحديث ٦٩٢ .

(٣) المصدر السابق : ٣٥٨ ، الحديث ٦٩٥ .

٣٨١

حقّه) (١) وقد علّق الشافعي على ذلك قائلاً :( وفي هذا دلالة على أنّ ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه ، وما لم يقارب من المَوَات ، سواء ؛ في أنّه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممّن سأله من المسلمين ) (٢) .

فالأرضان ـ العامرة والمَوَات من أراضي الفتح ـ طبّق عليهما شكلان تشريعيان من أشكال المِلكية ، وهما : المِلكية العامة للأرض العامرة ، ومِلكية الدولة للمَوَات .

نتيجة اختلاف شَكلَي المِلكية :

وهاتان الملكيتان ـ الملكية العامة للأمّة ، وملكية الدولة ـ وإن اتفقتا في المغزى الاجتماعي إلاّ أنّهما يعتبران شكلين تشريعيين مختلفين ؛ لأنّ المالك في أحد الشكلين هو الأمّة ، والمالك في الشكل الآخر هو المنصب ، الذي يباشر حكم تلك الأمّة من قبل الله وينعكس الفرق بين الشكلين في الأمور التالية :

أوّلاً : طريقة استثمار كلّ من المِلكيتين والدور الذي تؤدّيه للمساهمة في بناء المجتمع الإسلامي ، فالأراضي والثروات التي تملك ملكية عامة لمجموع الأمّة يجب على وليّ الأمر استثمارها للمساهمة في إشباع حاجات مجموع الأمّة ، وتحقيق مصالحها العامة التي ترتبط بها ككلّ ؛ نحو إنشاء المستشفيات ، وتوفير وتهيئة مستلزمات التعليم ، وغير ذلك من المؤسّسات الاجتماعية العامة التي تخدم مجموع الأمّة .

ولا يجوز استخدام الملكية العامة لمصلحة جزء معيّن من الأمّة ، ما لم ترتبط مصلحته بمصلحة المجموع ، فلا يسمح بإيجاد رؤوس أموال ـ مثلاً ـ لبعض الفقراء

ـــــــــــــــ

(١) و(٢) الأُمّ ٤ : ٥٠ .

٣٨٢

من ثمار تلك الملكية ما لم يصبح ذلك مصلحة وحاجة لمجموع الأمّة ، كما إذا توقّف حفظ التوازن الاجتماعي على الاستفادة من الملكية العامة في هذا السبيل وكذلك لا يسمح بالصرف من ريع الملكية العامة للأمّة على النواحي التي يعتبر وليّ الأمر مسئولاً عنها من حياة المواطنين الذين في المجتمع الإسلامي وأمّا أملاك الدولة فهي كما يمكن أن تستثمر في مجال المصالح العامة لمجموع الأمّة كذلك يمكن استثمارها لمصلحة معيّنة مشروعة(١) ، كإيجاد رؤوس أموال منها لمن هو بحاجة إلى ذلك من أفراد المجتمع الإسلامي ، أو أيّ مصلحة أخرى من المصالح التي يعتبر وليّ الأمر مسئولاً عنها .

ثانياً: أنّ الملكية العامة لا تسمح بظهور حقّ خاص للفرد ، فقد رأينا فيما سبق أنّ الأرض المفتوحة عنوة والتي تعود ملكيتها للأمّة لا يكسب الفرد فيها حقّاً خاصاً ولو مارس عليها عملية الأحياء ، خلافاً لملك الدولة فإنّ الفرد قد يكتسب في ممتلكاتها حقّاً خاصاً على أساس العمل بالقدر الذي تأذن به الدولة ، فمن يُحيي أرضاً مَيتَة للدولة بإذن من الإمام يكتسب حقّاً خاصاً فيها وإن لم يملك رقبتها ، وإنّما هو حقّ يجعله أولى من الآخرين بها مع بقاء رقبتها ملكاً للدولة على ما يأتي .

ثالث : أنّ ما يدخل في نطاق الملكية العامة للأمّة لا يجوز لولي الأمر بوصفه ولياً للأمر نقل ملكيته إلى الأفراد ببيع أو هبة ونحو ذلك ، خلافاً لما يدخل في نطاق ملكية الدولة فإنّه يجوز فيه ذلك وفقاً لما يقدّره الإمام من المصلحة العامة(٢) .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث الأوّل .

(٢) جواهر الكلام ٣٨ : ١٧ ، ٥٤ ، ٦١ .

٣٨٣

وهذا الفارق بين المِلكِيَتين يقرّب هذين المصطلحين الفقهيين نحو مصطلحي الأموال الخاصة للدولة والأموال العامة لها في لغة القانون الحديث(١) ، فما نطلق عليه اسم ملكية الدولة يوازي من هذه الناحية ما يعبر عنه قانونياً بالأموال الخاصة للدولة ، بينما يناظر الملكية العامّة للأمّة ما يطلق عليه القانون اسم الأموال العامة للدولة غير أنّ مصطلح الملكية العامة للأمّة يتميّز عن مصطلح الأموال العامة للدولة بأنّه يستبطن النصّ على أنّ الأموال العامة التي يشملها هي ملك الأمّة ودور الدولة فيها دور الحارس الأمين ، بينما ينسجم التعبير القانوني بالأموال العامة للدولة مع هذا كما ينسجم مع كونها ملكاً للدولة نفسها .

دور الإحياء في الأراضي المَيتَة :

وكما تختلف الأرض المَيتَة والأرض العامرة في شكل الملكية ، كذلك تختلفان أيضاً من ناحية الحقوق التي يسمح للأفراد باكتسابها في الأرض

فالشريعة لا تمنح الفرد حقّاً خاصاً في رقبة الأرض العامرة حال الفتح ، ولو جدد عمرانها بعد خراب ، كما مر بنا سابقاً .

وأمّا الأرض المَيتَة عند الفتح ، فقد سمحت الشريعة للأفراد بممارسة إحيائها وإعمارها ، ومنحتهم حقّاً خاصاً فيها ، على أساس ما يبذلون من جهد في سبيل إحياء الأرض وعمارتها وفي الروايات ما يقرّر هذه الحقيقة ، إذ جاء عن أهل البيت أنّ :( من أحيا أرضاً فهي له وهو أحقّ بها ) (٢) وورود في صحيح

ـــــــــــــــ

(١) راجع معجم الاقتصاد : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، مادّة : ( أموال عامّة ) ، والمِلكية في النظام الاشتراكي : ٣٨٨ .

(٢) عوالي اللآلئ ٣ : ٢٥٩ ، مع اختلاف .

٣٨٤

البخاري عن عائشة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( من أعمر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحقّ ) (١) .

وعلى هذا الأساس نعرف : أنّ الملكيّة العامة للأرض في الشريعة لا تنسجم مع الحقّ الخاص للفرد ، فلا يحصل الفرد علي حقّ خاص في أرض الملكية العامة ، مهما قدّم لها من خدمات أو جدّد عمرانها بعد الخراب ، بينما نجد ملكية الدولة للأرض تنسجم مع اكتساب الأفراد حقّاً خاصاً فيها .

والمصدر الأساسي للحقوق الخاصة في أراضي الدولة هو الأحياء والتعمير فممارسة هذا العمل أو البدء بالعمليات التمهيدية له يمنح الممارس حقّاً خاصاً في الأرض ، وبدون ذلك لا تعترف الشريعة بالحقّ الخاص إطلاقاً(*) بوصفه عملية مستقلّة منفصلة عن الإحياء لا تكون سبباً لاكتساب حقّ خاص في الأرض ، وقد جاء في الرواية عن عمر بن الخطاب أنّه قال : ليس لأحدٍ أن يتحجّر(٢) .

والسؤال المهم فقهياً بهذا الشأن ، يرتبط بطبيعة الحقّ الذي يستمدّه الفرد من عملية الإحياء : فما هو هذا الحقّ الذي يحصل عليه الفرد ، نتيجة لعمله في الأرض المَيتَة وإحيائها ؟

هذا هو السؤال الذي يجب علينا أن نجيب عليه ، في ضوء مجموع النصوص التي تناولت عملية الإحياء ، وشرحت أحكامها الشرعية .

وجواب الكثير من الفقهاء على هذا السؤال : أنّ مردّ الحقّ الذي يستمدّه

ـــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، باب مَن أحيا أرضاً مَواتاَ .

(*) راجع الملحق رقم ٣ .

(٢) الأُمّ ٤ : ٤٦ .

٣٨٥

الفرد من إحياء الأرض إلى تملّكه لها مِلكية خاصة ، فتخرج الأرض بسبب الإحياء عن نطاق ملكية الدولة إلى نطاق الملكية الخاصة ، ويملك الفرد الأرض التي أحياها نتيجة لعمله المنفق عليها ، الذي بعث فيها الحياة(١) .

وهناك رأي فقهي آخر يبدو أكثر انسجاماً مع النصوص التشريعية ، يقول : إنّ عملية الإحياء لا تغيّر من شكل مِلكية الأرض ، بل تظلّ الأرض مِلكاً للإمام أو لمنصب الإمامة ، ولا يسمح للفرد بتملّك رقبتها وإن أحياها ، وإنّما يكتسب بالإحياء حقّاً في الأرض دون مستوى الملكية ، ويخولّ له بموجب هذا الحقّ استثمار الأرض والاستفادة منها ، ومنع غيره مِمَن لم يشاركه جهده وعمله من مزاحمته وانتزاع الأرض منه ما دام قائماً بواجبها

وهذا القدر من الحقّ لا يعفيه من واجباته تجاه منصب الإمامة بوصفه المالك الشرعي لرقبة الأرض ، فللإمام أن يفرض عليه الأُجرة أو الطَّسق ـ كما جاء في الحديث(٢) ـ بالقدر الذي يتناسب مع المنافع التي يجنيها الفرد من الأرض التي أحياها .

وقد أخذ بهذا الرأي الفقيه الكبير الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي في بحوث الجهاد من كتابه المبسوط في الفقه ، إذ ذكر : أنّ الفرد لا يملك رقبة الأرض بالإحياء وإنّما يملك التصرّف ، بشرط أن يؤدّي إلى الإمام ما يلزمه عليها وإليكم نصّ عبارته .

( فأمّا المَوَات فإنّها لا تُغنم وهي للإمام خاصة ، فإن أحياها أحدٌ من المسلمين كان أولى بالتصرّف فيها ، ويكون للإمام طَسْقها ) (٣) .

ـــــــــــــــ

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ٩

(٢) سيأتي في الصفحة القادمة .

(٣) المبسوط ٢ : ٢٩ .

٣٨٦

ونفس الرأي نجده في بلغة المحقّق الفقيه السيد محمّد بحر العلوم ، إذ مال إلى :

( منع إفادة الإحياء التملّك المجّاني ، من دون أن يكون فيه حقّ ، فيكون للإمام فيه بحسب ما يقاطع المحيي عليها في زمان حضوره وبسط يده ، ومع عدمه فله أجرة المثل ولا ينافي ذلك نسبة الملكية إلى المحيي في أخبار الأحياء ـ أي في قولهم :( من أحيى أرضاً فهي له ) ـ وإن هي إلاّ جارية مجرى كلام الملاّكين للفلاحين في العرف العام ، عند تحريضهم على تعمير الملك : من عمّرها أو حفر أنهارها وكرى سواقيها فهي له ، الدّالة على أحقّيته من غيره ، وتقدّمه على من سواه ، لا على نفي الملكية من نفسه ، وسلب الملكية عن شخصه فالحصة الراجعة إلى الملاّك ـ المعبّر عنها بالملاّكة ـ مستحقة له غير منفيّة عنه ، وإن أضاف الملك إليهم عند الترخيص والإذن العمومي ) (١) .

وهذا الرأي الفقهي الذي يقرّره الشيخ الطوسي والفقيه بحر العلوم ، يستند إلى عدّة نصوص ثابتة بطرقٍ صحيحةٍ عن أئمّة أهل البيت ، علي وآله (عليهم السلام) ، فقد جاء في بعضها :( مَن أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طَسْقها ) (٢) وجاء في بعضها الآخر :( مَن أحيى من الأرض من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام ، وله ما أكل منها ) (٣) .

فالأرض في ضوء هذه النصوص لا تصبح مِلكاً خاصّاً لمن أحياها وإلاّ لَمَا صحّ أن يكلّف بدفع أُجرة عن الأرض للدولة ، وإنّما تبقى رقبة الأرض مِلكاً للإمام ، ويتمتّع الفرد بحقّ في رقبة الأرض يمكّنه من الانتفاع بها ومنع الآخرين

ـــــــــــــــ

(١) بلغة الفقيه ١ : ٢٧٤ .

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٥٤٩ ، الباب الرابع من أبواب الأنفال ، الحديث ١٣ .

(٣) تهذيب الأحكام ٧ : ١٥٢ ، الحديث ٢٣ .

٣٨٧

عن انتزاعها منه وللإمام في مقابل ذلك فرض الطَّسق عليه(*) .

وهذا الرأي الفقهي الذي يعطي لملكية الإمام مدلولها الواقعي ، ويسمح له بفرض الطَّسق على أراضي الدولة لا نجده لدى فقهاء من شيعة أهل البيت ـ كالشيخ الطوسي فحسب ، بل إنّ له بذوراً وصيغاً متنوّعة في مختلف المذاهب الفقهية في الإسلام ، فقد ذهب أحمد بن حنبل إلى أنّ الغامر الميّت من أرض السواد يعتبر أرضاً خراجية أيضاً ، وللدولة فرض الخراج عليه بوصفه مِلكاً لعامة المسلمين ، واستند في ذلك إلى ما صنعه عمر من مسح العامر والغامر من أرض السواد ووضع الخراج عليهما معاً(١) . وبعض الفقهاء جعل مَوَات المفتوح عَنوة مطلقاً للمسلمين(٢) .

وذكر الماوردي عن أبي حنيفة وأبي يوسف : أنّ الفرد إذا أحيا أرضاً من المَوَات وساق إليها ماء الخراج كانت أرض خراج ، وكان للدولة فرض الخراج عليها(٣) ، ويريدان بماء الخراج الأنهار التي فتحت عنوة كدجلة والفرات والنيل ، فكل أرض مَيتَة تُحيا بماء الخراج تصبح خراجية وداخلة في نطاق ولاية الدولة على وضع الخراج ، وإن لم تكن الأرض نفسها مفتوحة عَنوة وجاء في كتاب الأموال لأبي عبيد أنّ أبا حنيفة كان يقول : أرض الخراج هي كلّ أرض بلغها ماء الخراج(٤) .

ـــــــــــــــ

(*) راجع الملحق رقم ٤ .

(١)الأحكام السلطانية ١ : ١٦٦ .

(٢) انظر مستمسك العروة الوثقى : ٩ : ٥٩٩ .

(٣) الأحكام السلطانية ١ : ٢١١ ، الهامش رقم ٢

(٤) الأموال : ٩٢ .

٣٨٨

وأمّا محمّد بن الحسن الشيباني فقد اعترف بدوره أيضاً بمبدأ فرض الخراج على ما يُحيى من الأرض المَوَات ، ولكنّه اختار تفصيلاً آخر غير ما سبق عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، فقد قال : إن كانت الأرض المحياة على أنهار حفرتها الأعاجم فهي أرض خراج ، وإن كانت على أنهار أجراها الله عز وجل فهي أرض عشر(١) .

وعلى أيّ حال فإنّ مبدأ فرض الخراج على الأرض المحياة تجده بصورة أو أخرى في اتجاهات فقهية مختلفة .

ونلاحظ أنّ كلمات الفقهاء غير الأماميين هذه لم تصل إلى الدرجة التي بلغتها فتوى الشيخ الطوسي وعدد آخر من فقهاء الإمامية ؛ لأنّها لم تتجاوز بصورة صريحة عن كونها تعبيرات متفاوتة عن حدود الأرض الخراجية وأنّها تشمل قسماً من الأراضي المَوَات كمَوَات السواد أو المَوَات التي تُحيى بماء الخراج ، غير أنّها على أيّ حال تجعلنا نجدُ مبدأ فرض الخراج على الأرض المحياة بصورة أو أخرى في اتجاهات فقهية مختلفة ، ولا يوجد ما يمنع عن اعتباره مبرّراً مبدئياً في الشريعة الإسلامية لفرض الخراج من الإمام على الأراضي المحياة .

ومن المواقف الفقهية الملتقية إلى درجة كبيرة مع رأي الشيخ الطوسي وغيره من علماء الإمامية موقف لبعض فقهاء المذهب الحنفي كأبي القاسم البلخي وغيره ممن تكلّم عن الأرض التي أحياها شخص ثمّ خربت فاستأنف أحياءها شخص آخر ، إذ قالوا : بأنّ الثاني أحقّ بها ؛ لأنّ الأوّل ملك استغلالها لا رقبتها ، فإذا تركها كان الثاني أحقّ بها(٢) . وهذا الكلام وإن كان لا ينصّ على ملكية الدولة

ـــــــــــــــ

(١) الأحكام السلطانية ١ : ٢١١ ، الهامش رقم ٢ .

(٢) راجع شرح فتح القدير ٩ : ٤ ، وشرح العناية على الهداية ، في هامش الصفحة نفسها .

٣٨٩

للأرض المَيتَة وحقّها في فرض الخراج على ما يحيى منها ، ولكنّه يلتقي مع موقف الشيخ الطوسي وغيره من علماء الإمامية في القول : بأنّ الأرض المَيتَة لا تُملك ملكية خاصة ولا تدخل رقبتها في نطاق ملكية المستولي عليها ولو مارس فيها عملية الإحياء والاستثمار(*) .

ونحن حين نقتبس من فقه الشيخ الطوسي مبدأ ملكية الإمام ، بهذا المعنى الذي يسمح له بفرض الخراج على ما يحيى من الأراضي المَيتَة إنّما ندرس الموقف على الصعيد النظري فحسب ، إذ توجد من الناحية النظرية ـ كما عرفنا ـ مبررات لاستنباط هذا المبدأ من النصوص التشريعية .

وأمّا على صعيد التطبيق فلم يؤخذ بهذا المبدأ عملياً في الإسلام ، بل جمّد في المجال التطبيقي ورفع بصورة استثنائية عن بعض الأشخاص وفي بعض الأزمنة ، كما تدلّ عليه أخبار التحليل(١) وتجميد المبدأ هذا على صعيد التطبيق وفي السيرة النبوية المقدسة لا يمكن أن يعتبر دليلاً على عدم صحته نظرياً ؛ فإنّ من حقّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العفو عن الطَّسق ، وممارسته لهذا الحقّ لا تعني عدم السماح لإمام متأخّر بالعمل بهذا المبدأ أو تطبيقه ، حين تزول الظروف التي كانت تمنع عن ذلك كما أنّ النصوص التي ترفع مفعول هذا المبدأ عن بعض الأشخاص بصورة استثنائية لا تمنع عن اعتباره قاعدة يمكن الأخذ بها في غير مجالات استثنائها ، التي شرحتها أخبار التحليل .

وما دمنا في دراستنا هذه نحاول التعرّف على النظرية الاقتصادية في الإسلام فمن حقّنا أن نستوعب في دراستنا هذا المبدأ ما دام له أساسٌ إسلامي

ـــــــــــــــ

(*) راجع الملحق رقم ٥ .

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٤٣ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال .

٣٩٠

من الناحية النظرية ، فهو جزء من الصورة الكاملة التي تعبّر عن النظرية الإسلامية في المجال الذي ندرسه سواء أخذ نصيبه من التطبيق أو اضطرّت ظروف قاهرة أو مصلحيّة لإهماله .

وعلى ضوء ما قدمناه ، يتبيّن الفرق بين المزارع الذي يعمل في قطاع الملكية العامة ، والمزارع الذي يعمل في قطاع ملكية الدولة ؛ فإنّهما وإن كانا معاً لا يملكان رقبة الأرض ، ولكنّهما يختلفان في مدى علاقتهما بالأرض ، فالمزارع الأوّل ليس إلاّ مستأجر فحسب ـ كما أكدّ الفقيه المحقق الإصفهاني في تعليقه على المكاسب(١) ـ فمن حقّ الإمام أن ينتزع منه الأرض ويعطيها لفردٍ آخر متى انتهت مدّة الإجارة ، وأمّا المزارع الثاني فهو يتمتّع بحقّ في الأرض يخوّله الانتفاع بها ، ويمنع الآخرين من انتزاعها منه ، ما دام قائماً بحقّها وعمارتها .

وعملية الإحياء في قطاع الدولة حرّة يجوز لكلّ فرد ممارستها دون إذن خاص من وليّ الأمر ؛ لأنّ النصوص الآنفة الذكر أذنت لجميع الأفراد بالإحياء دون تخصيص ، فيعتبر هذا الإذن نافذ المفعول ما لم ترَ الدولة في بعض الأحايين المصلحة في المنع وهناك في الفقهاء من يرى أنّ الإحياء لا يجوز ولا يمنح حقّاً ما لم يكن بإذن خاص من ولي الأمر ، ولا يكفي الإذن الصادر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله :( من أعمر أرضاً فهو أحقّ بها ) (٢) ، لأنّ هذا الإذن صدر من النبيّ بوصفه حاكما ورئيساً للدولة الإسلامية ، لا باعتباره نبياً ، فلا يمتدّ مفعوله مع الزمن ، بل ينتهي بانتهاء حكمه .

ـــــــــــــــ

(١) حاشية المكاسب ٣ : ٢١ ، ٤٩ .

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، من أحيا أرضاً مَوَاتاً .

٣٩١

وعلى أي حال فلا شكّ أنّ لولي الأمر أنّ يمنع عن إحياء بعض أراضي الدولة ، وأن يحدّد الكميّة التي يباح لكلّ فردٍ إحياؤها من تلك الأراضي إذا اقتضت المصلحة العامّة ذلك .

ونخلص من أحكام الأراضي الموات إلى النقاط الآتية :

أوّلاً : أنّها تعتبر ملكاً للدولة .

ثانياً : أنّ إحياءها من قبل الأفراد جائز مبدئياً ما لم يمنع عنه ولي الأمر .

ثالثاً : أنّ الفرد إذا أحيا أرضاً للدولة وعمّرها ، كان له الحقّ فيها الذي يخوّله الانتفاع بها ، ويمنع الآخرين من مزاحمته فيها ، دون أن تصبح الأرض ملكاً خاصاً له

رابعاً : للإمام أن يتقاضى من الفرد المحيي للأرض خراجاً ؛ لأنّ رقبة الأرض ملكه ، ويفرض هذا الخراج وفقاً للمصلحة العامة والتوازن الاجتماعي وللإمام أيضاً أن يعفو عن الخراج في ظروف معيّنة ولاعتبارات استثنائية نجد ذلك في السيرة النبوية المقدسة(١) .

وعلى ضوء ما تقدّم يمكننا أن نميّز بوضوح بين الحقّ الخاص الذي ذكرنا أنّ الفرد يكسبه بالإحياء ، وبين الملكية الخاصة لرقبة الأرض التي نفينا حصولها بالإحياء ويمكن تلخيص أهم ما يميّز هذا الحقّ عن ملكيّة رقبة الأرض فيما يلي :

أوّلاً : أنّ هذا الحقّ يسمح للدولة بأخذ الأجرة من الفرد صاحب الحقّ لقاء انتفاعه بالأرض ؛ لأنّ رقبتها تظلّ ملكاً للدولة ، بينما لا مبرّر لهذه الأجرة في حالة

ـــــــــــــــ

(١) انظر : المبسوط للشيخ الطوسي ٢ : ٢٩ ، ووسائل الشيعة ٩ : ٥٢٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ١ و٢ ، والسيرة النبوية ٣ : ٣٥٢ .

٣٩٢

قيام ملكية خاصة لرقبة الأرض .

ثانياً : أنّ هذا الحقّ حقّ الأولية من الآخرين ، بمعنى أنّ المحيي أولى بالأرض التي أحياها ممّن لم يُحيها ، ولا يعني ذلك أنّه أولى بها من الإمام نفسه المالك الشرعي للأرض ، فهو حقّ نسبيي يتمتّع به المحيي أمام الآخرين لا أمام المالك نفسه ، ولهذا كان من حقّ الإمام أن ينتزعها منه وفقاً لمّا يقدّره من المصلحة العامة ، كما تشير إلى ذلك رواية الكابلي(١) .

ثالثاً : قد يقال : إنّ هذا الحقّ يختلف عن الملكية موضوعاً ، فإنّ الملكية الخاصة لرقبة الأرض موضوعها الأرض نفسها ، وأمّا هذا الحقّ فهو حقّ الإحياء(٢) ، وبهذه المناسبة يكون حقّاً في حياة الأرض التي أوجدها المحيي فيها لا في الأرض نفسها ، ويترتب على ذلك أن هذه الحياة إذا زالت وعادت الأرض مَيتَة سقط هذا الحق بصورة طبيعية ؛ إذ ينتفي موضوعه ، أمّا الملكية المتعلّقة برقبة الأرض فيحتاج سقوطها إلى دليل ؛ لأنّ موضوعها لا يزال ثابتاً

ج ـ الأرض العامرة طبيعياً حال الفتح :

يرى كثير من الفقهاء : أنّ الأراضي العامرة طبيعياً ـ بما فيها الأراضي العامرة طبيعياً حال الفتح ـ كالغابات وأمثالها تشترك مع الأراضي المَوَات التي مر الحديث عنها قبل لحظة في الشكل التشريعي للملكية ، فهم يرون أنّها ملك للإمام(٣) ، ويستندون في ذلك إلى النصّ التشريعي المأثور عن الأئمّة عليهم السلام الذي

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٤ ، الباب الثالث من أبواب إحياء المَوَات ، الحديث ٢ .

(٢) انظر المبسوط ٣ : ٢٩ ، وجواهر الكلام ٣٨ : ١٠ .

(٣) انظر : جواهر الكلام ٣٨ : ١٩

٣٩٣

يقرر أنّ :( كلّ أرضٍ لا ربَّ لها هي للإمام ) (١) . فإن هذا النصّ يعطي للإمام ملكية كلّ أرض ليس لها صاحب ، والغابات وأمثالها من هذا القبيل ؛ لأنّ الأرض لا يكون لها صاحب إلاّ بسبب الإحياء ، والغابات حيّة طبيعياً دون تدّخل إنسان معيّن في ذلك ، فهي لا صاحب لها في الشريعة ، بل تندرج في نطاق الأراضي التي لا ربّ لها ، وتخضع بالتالي لمبدأ ملكية الدولة .

وقد يلاحظ على هذا الرأي أنّ تطبيق مبدأ ملكية الدولة (الإمام) على الغابات ونظائرها من الأراضي العامرة بطبيعتها ، إنّما يصحّ في الغابات التي دخلت دار الإسلام بدون حرب ؛ لأنّها لا ربّ لها وأمّا الغابات والأراضي العامرة بطبيعتها ، التي تفتح عَنوة وتنتزع من أيدي الكفار فهي ملك عام للمسلمين ؛ لأنّها تندرج في النصوص التشريعية التي أعطت المسلمين ملكية الأرض المفتوحة عَنوة وإذا دخلت الغابات في نطاق الملكية العامة بموجب هذه النصوص ، أصبحت أرضاً لها صاحب ، وصاحبها هو مجموع الأمّة ، ولا يوجد مبرّر بعد ذلك لإدراجها ضمن الأراضي التي لا ربَّ لها ، لكي يستوعبها النصّ القائل :( كلّ أرضٍ لا ربّ لها للإمام ) .

وبتعبير آخر : أنّ نصوص الأراضي الخَراجية بإطلاقها حاكمة(٢) على نصوص الأرض التي لا ربّ لها ، وهذا الحكومة تتوقّف على أن يكون موضوع نصوص

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٤ ، الباب الأول من أبواب الأنفال ، الحديث ٤ ، ٢٠ ، ٢٨ .

(٢) الحكومة مصطلح أصولي يقصد به : أحد الدليلين وتقديمه على الدليل الآخر ، كما في : ( لا رِبا بين الوالد وولده ) الحاكم على دليل حرمة الرِّبا ونكتة التقديم هي : أنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ، وهذا النظر ظاهر في أنّ المتكلِّم قد أعدّه لتفسير كلامه الآخر فيكون قرينة راجع دروس في علم الأصول ٢ : ٥٣٧ (لجنة التحقيق)

٣٩٤

الأرض الخَراجية :( ما أخذ بالسيف ممّا كان تحت استيلاء الكفار ) ، لا خصوص ما أخذ ممّا كان ملكاً للكفار ؛ إذ على التقدير الثاني لا يكون موضوعها شاملاً للغابات بخلافه على الأوّل كما هو واضح كما تتوقّف الحكومة أيضاً على أن يكون عدم المالك المأخوذ في نصّ مالكيّة الإمام ملحوظاً حدوثاً وبقاءً والظاهر من النصوص التي تجعل الأرض التي لا ربّ لها مُلكاً للإمام أنها تتناول كلّ أرضٍ ليس لها مالك بطبيعتها ، فيكفي عدم المالك حدوثاً لكي تكون مِلكاً للإمام .

فالصحيح أنّ الأرض العامرة بطبيعتها ملك للدولة ، دون فرق بين ما كان منها مفتوحاً عَنوة وما لم يكن كذلك .

وعلى هذا الأساس لا يتكوّن للفرد حقّ خاص في رقبة الأرض المفتوحة عَنوة من الغابات وما إليها ، كما لا يتكون الحقّ الخاص في رقبة الأرض الخَراجية العامرة بالإحياء قبل الفتح وقد يقال : أنّ الأرض العامرة بطبيعتها تُمتلك على أساس الحيازة ، بمعنى أنّ الحيازة تقوم في الأراضي العامرة طبيعياً بنفس الدور الذي يقوم به الإحياء في الأراضي المَيتَة بطبيعتها ، ويستند هذا القول في إثبات الملكيـة بسبب الحيازة إلى الأخبار الدالة على أنّ من حاز مَلَك(١) .

ويلاحظ على هذا القول :

أوّلاً : أنّ بعض هذه الأخبار(٢) ضعيف السند ، ولهذا لا حجية له ، ومنها :

ـــــــــــــــ

(١) المكاسب ٤ : ١٦ .

(٢) كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سبق إلى ما لا يسبقه إليه أحدٌ فهو أحقّ به ) ، فإنّه حديث مرسل ، راجع مستدرك وسائل الشيعة ١٧ : ١١١ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء المَوَات ، الحديث ٤ (لجنة التحقيق)

٣٩٥

ما لا يدلّ على هذا القول لأنّه مسوق لبيان أماريّة اليد ، وجعل الحيازة أمارة ظاهرية على الملكيّة لا سبباً لها ومنها ما كان وارداً في موارد خاصة كقوله :( لليد ما أخذت وللعين ما رأت ) (١) الوارد في الصيد .

وثانياً : أنّ أخبار الحيازة ـ لو سلّمت ـ مختصةٌ بالمُباحات الأوّلية ممّا لا يكون مملوكاً شرعاً لجهةٍ أو فرد ، فلا تشمل المقام ، إذ المفروض أنّ الغابة ملك الأمّة أو الإمام .

وانطلاقاً مع هذا يجب أن يطبّق على المفتوح عَنوة من الغابات والأراضي العامرة بطبيعتها نفس الأحكام التي تطبق على أراضي الفتح التي كانت عامرة بالإحياء والجهد البشري(*) .

٢ ـ الأرض المسلمة بالدعوة :

الأراضي المسلمة بالدعوة : هي كلّ أرض دخل أهلها في الإسلام ، واستجابوا للدعوة دون أن يخوضوا معركة مسلّحة ضدّها(٢) ، كأرض المدينة المنوّرة ، وإندونيسيا ، وعدّة نقاط متفرّقة في العالم الإسلامي .

وتنقسم الأراضي المسلمة بالدعوة ـ كما تنقسم الأراضي المسلمة بالفتح ـ إلى أرضٍ عامرةٍ قد أحياها أهلها وأسلموا عليها طوعاً ، وأرض عامرة طبيعياً كالغابات ، وأرض دخلت في الإسلام طوعاً وهي مَيتَة .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣٩١ ، الباب ٣٨ ، من أبواب الصيد ، الحديث الأوّل ، مع اختلاف يسير .

(*) راجع الملحق رقم ٦

(٢) انظر : جواهر الكلام ٢١ : ١٧٥ .

٣٩٦

أمّا المَوَات من الأرض المسلمة بالدعوة فهي كالمَوَات من أراضي الفتح ، يطبّق عليها مبدأ ملكية الدولة ، وجميع الأحكام التي مرّت بنا في مَوَات الفتح ؛ لأنّ الأرض المَيتَة بشكلٍ عامّ تعتبر من الأنفال ، والأنفال مِلك الدولة .

وكذلك الأرض العامرة طبيعياً المنضمّة إلى حوزة الإسلام بالاستجابة السلميّة ، فهي مِلك للدولة أيضاً ، تطبيقاً للمبدأ الفقهي القائل :( كلّ أرضٍ لا ربّ لها هي من الأنفال ) (١) .

ولكنّ الفرق بين هذين القسمين ، المَيتَة والعامرة طبيعياً ـ بالرغم من كونهما معاً ملكاً للدولة ـ ، هو أنّ الفرد يمكنه أن يكتسب حقّاً خاصاً في الأرض المَيتَة عن طريق إحيائها ، وتثبت له من الأحكام ما مرّ من تفصيلات تشريعية عن عملية الإحياء التي يمارسها الفرد في المَيْتِ من أراضي الفتح ، وأمّا الأراضي العامرة بطبيعتها التي دخلت في دار الإسلام طوعاً ، فلا سبيل إلى اكتساب الفرد حقّاً فيها بسبب الإحياء ؛ لأنّها عامرة وحيّة بطبيعتها ، وإنّما يباح للأفراد الانتفاع بتلك الأرض وإذا مارس الفرد انتفاعه فلا تنتزع الأرض منه لحساب فردٍ آخر ما دام يمارس الأوّل انتفاعه ، إذ لا ترجيح لفردٍ على فردٍ ، ويسمح للآخر بالانتفاع في حدود لا تزاحم انتفاع الأوّل ، أو فيما إذا كفّ الأوّل عن انتفاعه بالأرض واستثماره لها(٢) .

وأمّا الأرض العامرة التي أسلم عليها أهلها طوعاً فهي لهم ؛ لأنّ الإسلام يمنح المسلم على أرضه وماله طوعاً ، جميع الحقوق التي كان يتمتّع بها في الأرض والمال قبل إسلامه فيتمتع أصحاب الأرض المسلمون طوعاً بالحقّ في الاحتفاظ

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٤ .

(٢) انظر : الروضة البهيّة ٤ : ٤٦ .

٣٩٧

بأرضهم ، وتملكها ملكية خاصة ، ولا خراج عليهم كما كانوا قبل الدخول في الإسلام تماماً(*) .

وعلى أيّ حال : فلا شكّ أنّ لوليّ الأمر أن يمنع عن إحياء بعض أراضي الدولة ، وأن يحدّد الكمّية التي يباح لكلّ فرد أحياؤها من تلك الأراضي ، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك .

٣ ـ أرض الصلح :

وهي الأرض التي هجم عليها المسلمون لفتحها فلم يسلم أهلها ، ولا قاوموا الدعوة بشكل مسلّح ، وإنّما ظلّوا على دينهم ، ورضوا أن يعيشوا في كنف الدولة الإسلامية مسالمين فالأرض تصبح أرض صلح في العرف الفقهي ، ويجب تطبيق ما تمّ عليه الصلح بشأنها ، فإذا كان عقد الصلح ينصّ على أنّ الأرض لأهلها فهي على هذا الأساس تعتبر مِلكاً لهم ، وليس لمجموع الأمّة حقّ فيها ، وإذا تمّ الصلح على تمّلك الأمّة للأرض مِلكية عامة وجب التقيّد بذلك ، وخضعت الأرض لمبدأ الملكية العامة وفرض عليها الخَراج(١) .

ولا يجوز الخروج عن مقرّرات عقد الصلح ؛ فقد جاء في كتاب الأموال عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( إنّكم لعلكم تقاتلون قوماً فيتّقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ، ويصالحونكم على صلح ، فلا تأخذوا منهم فوق ذلك ؛ فإنّه لا يحلّ لكم ) (٢) . وورد في سُنن أبي داود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ألاَ مَن ظلم معاهداً أو نقصه ، أو كلّفه فوق طاقته ، أو أَخذ منه شيئاً بغير طِيب نفسه ، فأنا حجيجه يوم القيامة ) (٣) .

ـــــــــــــــ

(*) راجع الملحق رقم ٧ .

(١) انظر : الروضة البهية ٤ : ٤٨ .

(٢) الأموال : ١٨٩ ، الحديث ٣٨٨ .

(٣) سنن أبي داود ٣ : ١٧٠ ، الحديث ٣٠٥٢ .

٣٩٨

وأمّا مَوَات أرض الصلح ، فالقاعدة فيها هي مِلكية الدعوة كمَوَات الأراضي المفتوحة ، ومَوَات الأراضي المسلمة بالدعوة وكذلك أيضاً الغابات من أراضي الصلح وما إليها من الأراضي العامرة طبيعياً ، ما لم يكن قد أدرجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقد الصلح ، فتطبّق عليها حينئذٍ مقتضيات العقد(١) .

٤ ـ أراضي أخرى للدولة :

وتوجد أنواع أخرى من الأرض تخضع لمبدأ ملكية الدولة ، كالأراضي التي سلّمها أهلها للدولة الإسلامية دون هجوم من المسلمين تسليماً ابتدائياً فإنّ هذه الأراضي من الأنفال التي تختص بها الدولة ، أو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام بتعبير آخر(٢) ، كما قرّره القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) .

وقد نصّ الماوردي على أنّ هذه الأراضي التي يتمّ انجلاء الكفّار عنها خوفاً ، تصير بالاستيلاء عليها وقفاً(٤) ، وهذا يعني دخولها في نطاق الملكية العامة .

ومن أراضي الدولة أيضاً الأرض التي باد أهلها وانقرضوا ، كما جاء في حديث حمّاد بن عيسى عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام :( أنّ للإمام الأنفال ،

ـــــــــــــــ

(١) انظر : جواهر الكلام ٢١ : ١٧١ .

(٢) المصدر السابق ١٦ : ١١٦ .

(٣) سورة الحشر : ٦ .

(٤) الأحكام السلطانية ٢ : ١٣٧ .

٣٩٩

والأنفال ، كلّ أرض بادَ أهلها إلخ ) (١) .

وكذلك أيضاً الأراضي المستجدة في دار الإسلام ، كما إذا ظهرت جزيرة في البحر أو النهر مثلاً ، فإنّها تندرج في نطاق ملكية الدولة ، تطبيقاً للقاعدة الفقهية القائلة ، أنّ كلّ أرض لا ربّ لها هي للإمام(٢) .

وذكر الخرشي في شرحه على المختصر الجليل : أنّ الأرض إذا كانت غير مملوكة لأحد كالفيافي أو ما انجلى عنها أهله ،ا فحكمها أنّها للإمام اتفاقاً ، قال البعض : يريد أهل المذهب ما انجلى منها أهلها الكفّار ، وأمّا المسلمون فلا يسقط ملكهم عن أراضيهم بانجلائهم(٣) .

الحدّ من السلطة الخاصة على الأرض :

يمكننا أن نستخلص من التفصيلات السابقة : أنّ اختصاص الفرد بالأرض والحقّ الشخصي فيها ينشأ من أحد أسباب ثلاثة :

١ـ أحياء الفرد لشيء من أراضي الدولة .

٢ـ إسلام أهل البلاد واستجابتهم للدعوة طوعاً .

٣ـ دخول الأرض في دار الإسلام بعقد صلحٍ ينصّ على منح الأرض للمصالحين .

ويختلف السبب الأوّل عن الأخيرين ، في نوع العلاقة الخاصة التي تنجم عنه فالسبب الأوّل ، وهو إحياء الفرد لشيء من أراضي الدولة، لا يدرج الأرض

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٢٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٤ .

(٢) انظر : جواهر الكلام ١٦ : ١١٦ .

(٣) الخُرَشي على مختصر سيدي خليل ٢ : ٢٠٨ ، زكاة المعدن .

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741