اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152689 / تحميل: 9467
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

هذا.. ولسوف نرى أن أحمد أمين المصري يأخذ برأي ابن القفطي هذا. لكنه ينظر فيه إلى خصوص أئمة أهل البيتعليه‌السلام ، كما سيأتي بيانه، وبيان مدى خلطه وفساده في الفصل التالي.

وفيه دلالة على أن الفضل كان مخدوعاً، وعلى أن المأمون لم يكن مخلصاً فيما أقدم عليه..

د ـ : إنه لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن أكثر ثورات العلويين، التي قامت ضد المأمون ـ قبل البيعة للرضاعليه‌السلام طبعاً ـ كانت من بني الحسن، وبالتحديد من أولئك الذين يتخذون نحلة الزيدية، فأراد المأمون أن يقف في وجههم، ويقضي عليهم، وعلى نحلتهم تلك نهائياً، وإلى الأبد، فأقدم على ما أقدم عليه من البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد.

هذا.. وقد كانت نحلة الزيدية هذه ـ شائعة في تلك الفترة، وكانت تزداد قوة يوماً عن يوم، وكان للقائمين بها نفوذ واسع، وكلمة مسموعة، حتى إن المهدي قد استوزر يعقوب بن داوود، وهو زيدي، وآخاه، وفوضه جمع أمور الخلافة(١) .

وعلى حد تعبير الشبراوي: (.. فولاه الوزارة، وصارت الأوامر كلها بيديه، واستقل يعقوب حتى حسده جميع أقرانه..)(٢) .

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ / ١٤٧، وغيره من كتب التاريخ، فراجع فصل: مصدر الخطر على العباسيين.

(٢) الإتحاف بحب الأشراف ص ١١٢.

٢٠١

بل كان: (لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل، فيجوز، حتى يكتب يعقوب إلى أمينه وثقته بإنفاذه.)(١) .

وقد بلغ من نفوذ يعقوب هذا.. أن قال فيه بشار بن برد أبياته المشهورة، التي قدمناها، والتي يقول فيها: (إن الخليفة يعقوب ابن داوود).

وقد سعي بيعقوب هذا إلى المهدي: وقيل له: (.. إن الشرق والغرب في يد يعقوب، وأصحابه، وإنما يكفيه أن يكتب إليهم ؛ فيثوروا، في يوم واحد، فيأخذوا الدنيا)(٢) .

وذلك لأنه قد: (أرسل يعقوب هذا إلى الزيدية، وأتى بهم من كل أوب، وولاهم من أمور الخلافة في المشرق والمغرب كل جليل، وعمل نفيس، والدنيا كلها في يديه..)(٣) .

وإذا ما عرفنا أن معاوني يعقوب إنما كانوا هم: متفقهة الكوفة، والبصرة، وأهل الشام(٤) .. فإننا نعرف أن الاتجاه الزيدي سوف يؤثر كثيراً، وكثيراً جداً على الثقافة العامة، والاتجاهات الفكرية في ذلك العصر ـ كما حدث ذلك فعلاً.. حتى لقد صرح ابن النديم بأن:

(أكثر علماء المحدثين إلا قليلاً منهم، وكذلك قوم من الفقهاء، مثل: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كانوا من الشيعة الزيدية.)(٥) وقد صرح المؤرخون أيضاً: بأن أصحاب الحديث جميعهم، قد

____________

(١) الطبري ج ١٠ / ٤٨٦، والكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٠، ومرآة الجنان ج ١ / ٤١٨.

(٢) الكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٦، ٦٧.

(٣) الطبري ج ١٠ / ٥٠٨، طبع ليدن، والوزراء والكتاب للجهشياري ص ١٥٨، والكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٦.

(٤) الطبري، طبع ليدن ج ١٠ / ٤٨٦.

(٥) الفهرست لابن النديم ص ٢٥٣.

٢٠٢

خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، أو أفتوا بالخروج معه(١) .

وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا بيانه هنا: هو أن المأمون كان يريد

____________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٣٧٧، وغيرها من الصفحات، وغيرها من الكتب. ويرى بعض أهل التحقيق: أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة. ولكن الظاهر أن المراد: الجميع مطلقاً، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين وغيره.

والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا: هو أن فرقة من الزيدية، وفرقة من أصحاب الحديث، قد قالوا بالإمامة على النحو الذي يقول به الشيعة الإمامية، عندما جعل المأمون (الرضا)عليه‌السلام ولياً لعهده. لكنهم بعد وفاة الرضاعليه‌السلام رجعوا عن ذلك: قال النوبختي في فرق الشيعة ص ٨٦:

(.. وفرقة منهم تسمى (المحدثة) كانوا من أهل الإرجاء، وأصحاب الحديث، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة، رغبة في الدنيا وتصنعاً. فلما توفي علي بن موسىعليه‌السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه.

وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء، والبصراء، فدخلوا في إمامة علي بن موسىعليه‌السلام ، عندما أظهر المأمون فضله، وعقد بيعته، تصنعاً للدنيا، واستكانوا الناس بذلك دهراً. فلما توفي علي بن موسىعليه‌السلام رجعوا إلى قومهم من الزيدية.) وقد تقدم قول الشيبي: إنه قد التف حول الرضاعليه‌السلام (المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته..) وغير ذلك. والذي نريد أن نقوله هنا هو: أن (الإرجاء دين الملوك) على حد تعبير المأمون (على ما نقله عنه في ضحى الإسلام ج ٣ / ٣٢٦)، نقلاً عن طيفور في تاريخ بغداد.

وفي البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٧٦: أن المأمون قال للنضر بن شميل: ما الإرجاء؟. قال: (دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم) قال: صدقت الخ. وليراجع كتاب بغداد ص ٥١، وعمدة القول بالإرجاء (القديم) هو: المغالاة في الشيخين، والتوقف في الصهرين، فالإرجاء والتشيع، وخصوصاً القول بإمامة موسى بن جعفر، وولده علي الرضا على طرفي نقيض ومن هنا كانت المساجلة الشعرية بين المأمون المظهر لحب علي وولده، وابن شكلة المرجي، يقول المأمون معرضا بابن شكلة:

إذا المرجي سرك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فـجدد عـنده ذكرى علي

وصل على النبي وآل بيته

أما ابن شكلة فيقول معرضاً بالمأمون:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرك أن يبوح بذات نفسه

فصل على النبي وصاحبيه

وزيـريه وجاريه برمسه

٢٠٣

= راجع: مروج الذهب ج ٣ / ٤١٧، والكنى والألقاب ج ١ / ٣٣١، وبعد هذا. فإنه لمن غرائب الأمور حقاً، الانتقال دفعة واحدة من القول بالإرجاء إلى التشيع، بل إلى الرفض (وهو الغلو في التشيع حسب مصطلحهم، والذي يتمثل بالقول بإمامة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام ) وأغرب من ذلك العودة إلى الإرجاء بعد موت علي الرضاعليه‌السلام .

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تأثير السياسة والمال في هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم ـ بادعائهم ـ مسؤولية الحفاظ على الدين والذود عن العقيدة، فإنهم كانوا في غاية الانحطاط الديني، يتلونون ـ طمعاً بالمال والشهرة ـ ألواناً، حتى إن ذلك يحملهم على القول بعقيدة، ثم القول بضدها، ثم الرجوع إلى المقالة الأولى، إذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك، ويميل إليه، ولهذا أسموا بـ‍ (الحشوية) يعني: أتباع وحشو الملوك، وأذناب كل من غلب، ويقال لهم أيضاً (وهم في الحقيقة أهل الحديث): (الحشوية، والنابتة، والغثاء، والغثر) على ما في كتاب: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٨٠.

وراجع أيضاً فرق الشيعة، ورسالة الجاحظ في بني أمية، وغير ذلك.

بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ (الحشوية) في مناقشته المشهورة للفقهاء والعلماء المذكور في العقد الفريد والبحار، وعيون أخبار الرضا وغير ذلك. وقال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب والنحل، ومعتنقيها:

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يـقولون تيس ليس يدري ويفهم

ويقابل كلمة (الحشوية) كلمة (الرافضة) التي شاع إطلاقها على الشيعة الإمامية.

ومعناها في الأصل: جند تركوا قائدهم. فحيث إن الشيعة لم يكونوا قائلين بإمامة أولئك المتغلبين، سموهم ب‍ـ (الرافضة) ولذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦١: أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص:

 (أما بعد. فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة الخ..). ومثل ذلك ما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٤، فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه، فسمي الشيعة بالرافضة، لأنهم ـ كما قلنا ـ رفضوا الانقياد لأولئك الحكام المتغلبين.

٢٠٤

= يقول السيد الحميري على ما جاء في ديوانه وغيره ـ يهجو البعض:

أبـوك ابن سارق عنز النبي

وأمـك بـنت أبـي جحدر

ونحن على رغمك الرافضون

لأهـل الـضلالة والـمنكر

ولكن قد جاء في الطبري، مطبعة الاستقامة ج ٦ ص ٤٩٨، والبداية والنهاية ج ٩ ص ٣٣٠، ومقدمة ابن خلدون ص ١٩٨، ومقالات الإسلاميين ج ١ ص ١٣٠، وغاية الاختصار ص ١٣٤: أن سبب تسمية الشيعة بـ‍ (الرافضة) هو أنهم عندما تركوا نصرة زيد بن علي في سنة ١٢٢ ه‍. قال لهم زيد: رفضتموني، رفضكم الله، وهذا كذب راج على بعض الشيعة أيضاً حيث ذكروا وذكر الطبري في نفس الصفحة المشار إليها آنفاً: أن التسمية كانت من المغيرة بن سعيد، لما رفضته الشيعة.. وكانت قضيته سنة ١١٩ ه‍.

ولكن الحقيقة هي أن التسمية بالرافضة كانت قبل سنتي ١٢٢ ه‍ و ١١٩ ه‍. فقد جاء في المحاسن للبرقي ص ١١٩ طبع النجف، باب الرافضة: أن الشيعة كانوا يشكون إلى الباقر المتوفى سنة ١١٤ أن الولاة قد استحلوا دماءهم وأموالهم باسم: (الرافضة) الخ.

وجاء في ميزان الاعتدال طبع سنة ١٩٦٣ م. ج ٢ ص ٥٨٤ بعد ذكره لإسناد طويل أن الشعبي المتوفى سنة ١٠٤ ه‍. قال لأحدهم: (ائتني بشيعي صغير، أخرج لك منه رافضياً كبيراً).

وفي كتاب: روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ص ٤٠، أن الشعبي قال: (أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً، وأثبت وعيد الله، ولا تكن مرجئياً.). بل لدينا ما يدل على أن تسمية الشيعة بـ‍ (الرافضة) كان قبل سنة المئة، فقد جاء في المحاسن والمساوي للبيهقي ص ٢١٢، طبع دار صادر وأمالي السيد المرتضى ج ١ ص ٦٨ هامش: أن لما أنشد الفرزدق أبياته المشهورة في الإمام زين العابدين، المتوفى سنة ٩٥ ه‍ قال عبد الملك بن مروان المتوفى سنة ٨٦ ه‍ للفرزدق: (أرافضي أنت يا فرزدق؟!). وعلى كل حال: فإن ذلك كله قد كان قبل قضيتي زيد والمغيرة ابن سعيد بزمان بعيد.

٢٠٥

أن يقضي على الزيدية، ويكسر شوكتهم بالبيعة للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، ولهذا نرى أنه قد طبق اللقب، الذي طالما دعا إليه الزيدية، واعترف به العباسيون، بل ودعوا إليه في بدء دعوتهم ودولتهم، ألا وهو لقب: (الرضا من آل محمد)، طبقه على علي ابن موسىعليه‌السلام ، فسماه: (الرضا من آل محمد)(١) . فأصبحت بذلك حجته قوية على الزيدية، بل لم يعد لهم حجة أصلاً. وأصبح يستطيع أن ينام قرير العين، إذ قد أصبح (الرضا من آل محمد) موجوداً، فالدعوة إلى غيره ستكون لا معنى لها البتة. ولسوف تكون مرفوضة من الناس جملة وتفصيلا. وكان ذلك بطبيعة الحال السبب الرئيسي في إضعاف الزيدية، وكسر شوكتهم، وشل حركتهم.

والذي ساهم إلى حد كبير في إضعافهم، وشل حركتهم، هو اختياره الإمامعليه‌السلام بالذات، حيث إنه الرجل الذي لا يمكن لأحد كائناً من كان أن ينكر فضله، وعلمه، وتقواه، وسائر صفاته ومزاياه، التي لم تكن لأحد في زمانه على الإطلاق، فليس لهم بعد طريق للاعتراض عليه: بأن الذي اختاره لولاية عهده، والخلافة من بعده، ليس أهلاً لما أهله له. ولو أنهم ادعوا ذلك لما صدقهم أحد، ولكانت الدائرة حينئذ في ذلك عليهم، والخسران لهم دون غيرهم.

____________

(١) راجع: الفخري في الآداب السلطانية، ص ٢١٧، وضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٤، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٧، والطبري، وابن الأثير، والقلقشندي وأبو الفرج. والمفيد وكل من تعرض من المؤرخين لولاية العهد. بل لقد صرح نفس المأمون بذلك في وثيقة ولاية العهد، وهذا يكفي في المقام.. ولقد قال دعبل:

أيا عجباً منهم يسمونك الرضا

ويـلقاك منهم كلحة وغضون

وهناك نصوص أخرى مفادها: أنه سمي الرضا، لرضا أعدائه، وأوليائه به، وعزى الشيبي في كتابه: الصلة بين التصوف والتشيع ص ١٣٨: عزا رضا أعدائه به إلى قوة شخصيتهعليه‌السلام .. أما نحن فنقول: إنه ليس من اليسير أبداً، أن تنال شخصية رضا كل أحد، حتى أعدائها. اللهم إلا إذا كان هناك سر إلهي، اختصت به تلك الشخصية، دون غيرها من سائر بني الإنسان..

٢٠٦

فذلكة لا بد منها:

هذا.. ولا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى أن المأمون، لم يخترع أسلوباً جديداً للتصدي للزيدية، والحد من نفوذهم، وكسر شوكتهم، ببيعته للرضاعليه‌السلام ، إذ أنه كان قد استوحى هذه الفكرة من سلفة المهدي، الذي كان قد استوزر يعقوب بن داوود الزيدي، ليحد من نشاط الزيدية، ويكسر شوكتهم. وكان قد نجح في ذلك إلى حد ما: إذ لا يحدثنا التاريخ عن تحركات زيدية خطيرة ضد المهدي، بعد استيزاره ليعقوب، وتقريبه للزيدية، كتلك الأحداث التي حدثت ضد المنصور، وخصوصاً ثورة محمد وإبراهيم ابني عبد الله. كما يلاحظ أن تقريب العباسيين للزيدية في عصر المهدي، وتسليطهم على شؤون الدولة وإداراتها، لم يؤثر في الوضع العام أثراً يخشاه العباسيون، وذلك بلا شك مما يشجع المأمون على الإقدام على ما كان قد عقد العزم عليه، بجنان ثابت وإرادة راسخة.

يضاف إلى ذلك: أن سهولة إبعاد العباسيين لهم عن مراكز القوة، ومناصب الحكم على يد المهدي نفسه، الذي نكب يعقوب بن داوود، الوزير الزيدي، حيث لم تصاحبه ردة فعل، ولا نتج عنه أية حادثة تذكر ضد العباسيين، لا حقيرة، ولا خطيرة.. هو الذي شجع المأمون على أن يستوحي نفس الفكرة، ويلعب نفس اللعبة، ويتبع نفس طريقة المهدي. في مواجهتهم، وكسر شوكتهم، بالبيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده. وعلى كل حال، فإن هذا أسلوب قديم اتبعه العباسيون في دعوتهم الأولى أيضاً، حيث بايعوا للعلويين، وأظهروا أن الدعوة لهم وباسمهم..

ثم كانت النتيجة هي ما يعلمه كل أحد، حيث انقلبوا عليهم يوسعونهم قتلاً وعسفاً، وتشريداً عندما خافوهم. فلم يعودوا بحاجة إليهم.

ه‍ ـ : أضف إلى ذلك ما تقدم أن المأمون كان يعلم قبل أي شخص آخر بطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الأئمةعليهم‌السلام ، وبين الزيدية، حيث إنها كانت على درجة من السوء والتدهور. وكان عدم التفاهم، والانسجام فيما بينهم واضحاً للعيان..

٢٠٧

حتى لقد شكى الأئمةعليهم‌السلام منهم، وصرحوا: بأن الناس قد نصبوا العداوة لشيعتهم، أما الزيدية فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم(١) ، وفي الكافي رواية مفادها: إنه عليه‌السلام قال إنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم كانوا لا يطيعونهم فكيف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا إلى الحكم وتبوءوا كرسي الرئاسة.

وقد رأينا: أن عبد الله بن الحسن، عندما جاء يعرض على الإمام الصادقعليه‌السلام كتاب أبي سلمة، الذي يدعوه فيه للقدوم إلى الكوفة، لتكون الدعوة له، وباسمه، فنهاه الإمامعليه‌السلام عن ذلك ـ رأيناه ـ ينازع الإمام الصادق الكلام، حتى قال له:

____________

(١) راجع: الوافي للفيض ج ١ ص ١٤٣، باب: الناصب ومجالسته.

هذا. ولا يمنع ذلك ما ورد عنهم عليهم‌السلام من أن خروج الزيدية وغيرهم على الحكام يدرؤا به عنهم، وعن شيعتهم: فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص ٤٧٦ أنه: (ذكر بين يدي أبي عبد الله من خرج من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عليه‌السلام : ((لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد ..)) إلخ وذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام إليهم، ويفسح المجال أمام أهل البيت وشيعتهم إلى حد ما. ولم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة وشيعتهم بالتواطؤ معهم، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة وبين الزيدية، وغيرهم من الثائرين وسلبية كل فريق منهما تجاه الآخر..

وأخيراً.. فلا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن ثورات العلويين، سواء على الحكم الأموي، أو الحكم العباسي، قد ساهمت في أن يبقى حق العلويين في الحكم متحفظاً بقوته وحيويته في ضمير الأمة، ووجدانها. ولم تؤثر عليه حملات القمع والتضليل، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم، وضد هذا الحق الثابت لأهل البيتعليهم‌السلام بالنص.

٢٠٨

(والله، ما يمنعك من ذلك إلا الحسد) إلخ وقد انصرف عبد الله آخر الأمر مغضباً(١) .

ورأينا أيضاً أنه في موقف آخر له مع الإمام الصادقعليه‌السلام يتهمه بنفس هذه التهمة، ويصمه بعين هذه الوصمة، وذلك عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وأبدى الإمامعليه‌السلام رأيه في ذلك. ذلك الرأي الذي كشفت الأيام عن صحته وسداده(٢) .

بل لقد كان عيسى بن زيد يقول لمحمد بن عبد الله: (.. من خالفك من آل أبي طالب، فأمكني أضرب عنقه.)(٣) وقد تجرأ عيسى هذا أيضاً على الإمام الصادق بكلام لا نحب ذكره.

وأما موقف محمد بن عبد الله نفسه مع الإمام الصادقعليه‌السلام ، فأشهر من أن يذكر، حيث إنه سجن الإمامعليه‌السلام ، واستصفى أمواله، وأسمعه كلاماً قاسياً، لا يليق بمقام الإمام وسنه(٤) .

إلى آخر ما هنالك مما يدل على كرههم، وحقدهم على الأئمةعليهم‌السلام . أو بالأحرى حسدهم لهم..

____________

(١) راجع: مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٤، ٣٥٥، وغيره من المصادر.

(٢) الصواعق المحرقة ص ١٢١، وينابيع المودة للحنفي ص ٣٣٢، ٣٦١، ومقاتل الطالبيين ص ٢٥٥، ٢٥٦، ٢٧٠، وغير ذلك.. وفي هذا الأخير: أن عبد الله ابن الحسن لم يرض باستدعاء الإمام، ولا وافق عليه، عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وبعد أن أقنعوه، وحضر الإمام، جرى بينهما ما جرى.

(٣) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٧٠.

(٤) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٧٠، و ج ٨ ص ٢٤٢، ٢٤٣ والبحار ج ٤٧ ص ٢٨٤، ٢٥٨.

٢٠٩

والمأمون.. كان يعلم بذلك كله، ويدركه كل الإدراك، ولهذا فإننا لا نستبعد أنه ـ وهو الداهية الدهياء ـ قد أراد أيضاً في جملة ما أراد: أن يوقع الفتنة بين آل علي أنفسهم. أي: بين الأئمة، والمتشيعين لهم، وبين الزيدية، ويقف هو في موقف المتفرج المتربص حتى إذا أضعف كل واحد من الفريقين الفريق الآخر، ولم يعد فيهما بقية.. انقض هو عليهما، وقضى عليهما بأهون سبيل.

بل إن بعض الباحثين يرى: أنه أراد من لعبته هذه: (.. ضرباً للثائرين العلويين من إخوة علي بن موسى بأخيهم.)(١) .

ولو أننا استبعدنا كل ذلك، فلا أقل ـ كما قلنا ـ من أن حجته أصبحت قوية على الزيدية، وعلى كل من يدعو إلى (الرضا من آل محمد)، ولم يعد يخشى أحداً منهم، بعد أن أصبح (الرضا من آل محمد) موجوداً.

الهدف التاسع:

كما أنه ببيعته للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، وقبول الإمامعليه‌السلام بذلك.. يكون قد حصل على اعتراف من العلويين، على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية، ولقد صرح المأمون بأن ذلك، كان من جملة أهدافه، حيث قال: (.. فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا..) وسنتكلم حول تصريحات المأمون هذه بنوع من التفصيل في فصل: مع بعض خطط المأمون، وغيره إن شاء الله تعالى.

نعود إلى القول: إن تصريح المأمون هذا يعطينا: أن قبول الإمام بأن يكون ولي عهد المأمون، إنما يعني بالنسبة للمأمون: أن الإمام يكون قد أقر بأن الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويين دون غيرهم، وأنه كما يمكن أن يكون هو جديراً بها، وأهلا لها، وكذلك غيره يمكن أن يكون كذلك. وليتمكن المأمون بذلك من محاربة العلويين بنفس السلاح الذي بأيديهم، وليصير ـ من ثم ـ من الصعب استجابة الناس لهم، إذا دعوا لأية ثورة ضد حكم اعترفوا هم بشرعيته، وأيدوه، وتعاونوا معه من قبل، وعلى أعلى مستوى ومن أعظم شخصية فيهم.

____________

(١) هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه: الصلاة بين التصوف والتشيع ص ٢١٩.

٢١٠

بل لقد كان يريد أن يحصل من العلويين على اعتراف بأن الحكم حق للعباسيين فقط. أما هم، فليس لهم فيه أدنى نصيب، وما فعله المأمون من إسناد ولاية العهد لواحد منهم، ما كان إلا تفضلاً وكرماً، ومن أجل أن يجمع شمل البيتين العلوي والعباسي، وتصفو القلوب ويمحو ما كان من أمر الرشيد وغيره من أسلافه مع العلويين.

ولقد حاول المأمون أن ينتزع من الإمام اعترافا بأن الخلافة حق للعباسيين، شفاهاً أيضاً فكانت النتيجة عكس ما أراد المأمون، وذلك عندما عرض بالمن على الإمام بأن جعله ولي عهده، فأجابه الإمامعليه‌السلام : بأن هذا الأمر لم يزده في النعمة شيئاً، وأنه وهو في المدينة كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب.

كما أن المأمون قد قال لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين: (.. وليعتقد فيه المفتونون به، بأنه ليس مما ادعى في قليل، ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.) ولسوف يأتي الكلام عن هذه التصريحات إن شاء الله كما قلنا.

وبعد.. فإنه لا يكون من المبالغة في شيء لو قلنا: إن حصول المأمون على اعتراف من العلويين، ومن الإمام الرضاعليه‌السلام خاصة، بشرعية خلافته، وخلافة، بني أبيه أخطر على العلويين من الأسلوب الذي انتهجه أسلافه من أمويين وعباسيين ضدهم،: من قتلهم، وتشريدهم، وسلب أموالهم، إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور.

الهدف العاشر:

يضاف إلى ذلك، أنه يكون قد حصل على اعتراف ضمني من الإمام بشرعية تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وليعطي الناس ـ من ثم ـ الصورة التي يريدها عن الحكم والحاكم، وليؤكد للملأ أجمع: أن الحاكم هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته: من كان، ومهما كان، وإذن فليس لهم بعد حق في أن يتطلعوا إلى حكومة أحد على أن بها شيئاً جديداً، ولا أن ينظروا إلى جهة على أنها يمكن أن يكون بها المنقذ لهم، والمخرج من الظلمات إلى النور، حتى ولو كانت تلك الجهة هي آل بيت نبيهم، فإنه من الطبيعي أن يتبع السياسيون أساليب، ويتكلموا بأشياء كثيرة، ينسبونها بمجرد وصولهم إلى الحكم، وتسلمهم لازمة السلطة، فإن تلك لا تعدو كونها تكتيكات، ووعودا انتخابية، يحتاجون إليها في ظروف معينة، ثم يستغنون عنها.. كما كانت الحال في وعود المأمون، التي أشرنا إليها فيما تقدم.

٢١١

وهكذا.. فيكون سكوت الإمام في فترة ولاية العهد، عن تصرفات الهيئة الحاكمة، دالا على رضاه بها، ويعتبر إمضاء لها.. وبعد هذا.

فلا يجب أن يكون من العسير على الناس أن يتصوروا طبيعة وماهية حكم الإمام، وكل من يقدر له أن يصل الحكم والسلطان، سواء من العلويين، أو من غيرهم.

وإذا كانت الصورة واحدة، والجوهر واحد، والاختلاف إنما هو فقط في الاسم والعنوان، فليس لهم بعد حق، أو على الأقل ما الداعي لهم، لأن يطلبوا حكماً أفضل، أو حكاماً أعدل، فإنه طلب لغير موجود، وسعي وراء مفقود.

الهدف الحادي عشر:

هذا.. وبعد أن يكون المأمون قد حصل على كل ما قدمناه، وحقن دماء العباسيين، واستوثقت له الممالك، ولم يعد هناك ما يعكر صفو حياته(١) ، وقوي مركزه، وارتفع بالخلافة من الحضيض المهين، الذي أوصلها إليه أسلافه إلى أوج العظمة، والتمكن والمجد. وأعطاها من القوة والمنعة، ووهبها من الحياة في ضمير الأمة ووجدانها ما هي بأمس الحاجة إليه.. ولتتمكن من ثم من الصمود في وجه أية عاصفة، وإخماد أية ثورة، ومقاومة كل الأنواء، وذلك هو حلمه الكبير، الذي طالما جهد في تحقيقه إنه بعد أن يكون قد حصل على كل ذلك وسواه مما قدمناه:

____________

(١) لقد صرح الذهبي في الجزء الأول من كتابه (العبر) بأنه في سنة ٢٠٠ ه‍. استوثقت الممالك للمأمون. وهذه هي نفس السنة التي أتي فيها بالإمامعليه‌السلام من المدينة إلى مرو.. ولكن اليافعي في مرآة الجنان ج ٢ ص ٨: قد جعل ذلك في سنة ٢٠٣: أي في السنة التي تخلص فيها المأمون من الإمام الرضاعليه‌السلام بواسطة السم الذي دسه إليه.. وفي اليعقوبي ج ٢ ص ٤٥٢ طبع صادر: أنه في السنة التي غادر فيها المأمون خراسان: (لم تبق ناحية من نواحي خراسان يخاف خلافها).

٢١٢

يكون قد أفسح لنظام حكمه المجال ـ تلقائيا ـ لتصفية حساباته مع خصومه، أياً كانوا. وبأي وسيلة كانت، وبهدوء، وراحة فكر واطمئنان إن اقتضى الأمر ذلك.

كما أنه يكون قد مهد الطريق لتنفيذ الجزء الثاني ـ ولعله الأهم ـ من خطته الجهنمية، بعيداً عن الشبهات، ودون أن يتعرض لتهمة أحد، أو شك من أحد..

ألا وهو: القضاء على العلويين بالقضاء على أعظم شخصية فيهم. وليكون بذلك قد قضى نهائياً، وإلى الأبد، على أكبر مصدر للخطر، يمكن أن يتهدده، ويتهدد خلافته ومركزه.

إنه يريد زعزعة ثقة الناس بهم، واستئصال تعاطفهم معهم، وليحوله ـ إن استطاع ـ إلى كره ومقت، بالطرق التي لا تمس العواطف والمشاعر، ولا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.

يظهر ذلك في محاولاته إسقاط الإمام إجتماعياً، والوضع منه قليلاً قليلاً، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر، وليدبر فيه في نهاية الأمر بما يحسم عنه مواد بلائه.. كما صرح لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين، وسنتكلم بنوع من التفصيل عن محاولات المأمون هذه، التي باءت كلها بالفشل الذريع، وعادت عليه بالخسران، لأن الإمامعليه‌السلام كان قد أحبطها عليه، بل لقد كان لها من النتائج العكسية بالنسبة إليه ما جعله يتعجل بتصفية الإمام جسديا، بعد أن أشرف هو منهعليه‌السلام على الهلاك.. بالطريقة التي حسب أنها سوف لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.

ملاحظة لا بد منها:

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن المأمون كان يقدر أن مجرد جعل ولاية العهد للإمام، سوف يكون كافيا لتحطيمه إجتماعياً، وإسقاطه نهائياً من أعين الناس، حيث يظهر لهم بالعمل ـ لا بالقول: أن الإمام رجل دنيا فقط، وأن تظاهره بالزهد والتقوى ما هو إلا طلاء زائف، لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ولسوف تكون النتيجة هي تشويه سمعة الإمامعليه‌السلام ، وزعزعة ثقة الناس به، وذلك بسبب الفارق الكبير بالسن، بين الخليفة الفعلي، وبين ولي عهده، إذ إن ولي العهد لا يكبر الخليفة الفعلي بسنتين، أو ثلاثة، أو خمسة، لا.. بل أكثر من ذلك بكثير، إنه يكبره بـ‍(٢٢) سنة،

٢١٣

وإنه لمن الأمور غير الطبيعية أبداً: أن يقبل ولاية العهد، وهو يكبر الخليفة الفعلي بهذا المقدار الكبير من السنين، ولسوف يكون قبوله لها ـ مع هذا الفارق بينهما ـ موجبا لجعله عرضة لشكوك الناس، وظنونهم، ولسوف يتسبب بوضع علامات استفهام كبيرة حوله.. كما كان الحال، بالنسبة لسؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان المتقدم.. ولسوف يفسر(١) ذلك من أولئك الذين لا يدركون حقيقة ما يجري، وما يحدث، ـ وما أكثرهم ـ بتفسيرات تنسجم مع رغائب المأمون، وأهدافه. لأنهم سوف يرون أن زهدهعليه‌السلام بالدنيا، ليس إلا ستاراً تختفي وراءه مطامعه فيها، وحبه المستميت لها، حتى إنه ليطمع أن يعيش إلى ما بعد الخليفة الفعلي، الذي هو أصغر من ولده، ويصل إلى الحكم.. وباختصار نقول:

إنه يريد أن: (.. يعتقد فيه المفتونون به بأنه: ليس ما ادعى في قليل ولا كثير.) حسبما صرح به هو نفسه.. وعلى حد قول الإمام نفسه، الذي كان يدرك خطة المأمون هذه: (.. أن يقول الناس: إن علي بن موسى، لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا بالخلافة؟!.). كما سيأتي.

____________

(١) ولكنا، مع ذلك نجد: أن قسما من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، ممن كانوا يراقبون الأحداث بوعي ودراية، كانوا يدركون نوايا المأمون وأهدافه هذه ففي البحار ج ٤٩ ص ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩: أنه قد سئل أبو الصلت: (كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟! فقال: إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده، ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، جلب عليه إلخ.).

٢١٤

وعن الريان قال: دخلت على الرضا، فقلت: يا ابن رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد، مع إظهارك الزهد في الدنيا؟!، فقالعليه‌السلام :((قد علم الله كراهتي..)) (١) وقد أشرنا إلى سؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان فيما تقدم.

وعلى أي شيء يبكي المأمون، ومن أجل أي شيء يشقى ويتعب، ويسهر الليالي، ويتحمل المشاق.. إلا على هذا.. إن هذا هو أجل أمنياته وأغلاها.

سؤال وجوابه:

قد يدور بخلد القارئ أن ما ذكرناه هنا: فيما يتعلق بالفارق الكبير بالسن، ينافي ما تقدم من أن المأمون كان يريد الحصول على قاعدة شعبية، والارتفاع بالخلافة من الحضيض الخ.

ولكن الحقيقة هي:

أنه لا منافاة هناك.. ويمكن للمأمون أن يقصد كل ذلك من البيعة، لأن مقدار التفاوت بالسن بين الإمامعليه‌السلام والمأمون، لم يكن مما يعرفه الكثيرون، ولا مما يلتفت إليه عوام الناس في بادئ الأمر، لأنهم يأخذون الأمور على ظواهرها، ولا يتنبهون إلى مثل ذلك، إلا بعد تنبيه وتذكير، فللوهلة الأولى تجوز عليهم الخدعة، ويقدرون خطوة المأمون هذه، وتنتعش الآمال في نفوسهم بالحياة الهنيئة السعيدة، تحت ظلم حكم بدا أنه يتخذ العدل ديدنا، والإنصاف طريقة..

____________

(١) علل الشرايع ص ٢٣٨، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٠، وأمالي الصدوق ص ٤٤، ٤٥.

٢١٥

ثم.. وبعد أن يجند المأمون أجهزة إعلامه، من أجل تسميم الأفكار، يجد أن نفوس الناس مهيأة ومستعدة لتقبل ما يلقى إليها. ويكون لديه ـ باعتقاده ـ من الحجج ما يكفي لإسقاط الإمام، وزعزعة ثقة الناس به. ولا يؤثر ذلك بعد ذلك على الحكم، فإن الحكم يكون قد استنفذ أغراضه من البيعة. وحصل على ما يريد الحصول عليه منها.. هذا ولا بد لنا هنا من ملاحظة أن المأمون وأجهزة إعلامه كانوا في مقابل وصم الإمام بالرغبة بالدنيا والتفاني في سبيلها.. يشيعون بين الناس عن المأمون عكس ذلك تمام، فيطلب المأمون من وزيره أن يشيع عنه الزهد، والورع والتقوى(١) .. وأنه لا يريد مما أقدم عليه الأخير الأمة ومصلحتها، حيث قد اختار لولاية عهده أفضل رجل قدر عليه، رغم أن ذلك الرجل هو من ذلك البيت الذي لا يجهل أحد موقفه من حكم العباسيين، وموقف العباسيين منه كما يتضح ذلك من وثيقة ولاية العهد، وغيرها.

رأي الناس فيمن يتصدى للحكم:

لعل من الواضح أن كثيراً من الناس كانوا يرون ـ في تلك الفترة من الزمن ـ لقصر نظرهم، وقلة معرفتهم: أن هناك منافاة بين الزهد والورع، والتقوى، وبين المنصب، وأنهما لا يتفقان، ولا يجتمعان.

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ ص ٢٦١.

٢١٦

وقد رأينا الكثيرين يمتنعون على تولي المناصب للحكام، لما يرونه من المنافاة المشار إليها.

ولعل سر فهمهم هذا: هو أنهم كانوا قد اعتادوا من الحكام التجاوز على الحقوق، والدماء، والأموال، وعلى أحكام الدين، والنواميس الإنسانية، بشكل عام. والزهد والورع لا يتلائم مع ذلك كله، ولا ينسجم معه.

ولكن الحقيقة هي: أن لا منافاة بينهما أبداً، فإن الحكم إذا كان وسيلة لإيصال الخير إلى الآخرين، ورفع الظلم عنهم، وإشاعة العدل، إقامة شريعة الله تعالى، فيجب السعي إليه، والعمل من أجله، وفي سبيله.. بل إذا لزم من ترك السعي إليه، تضييع الحقوق، وانهيار صرح العدل، والخروج على أحكام الدين، فإن ترك السعي هذا، يكون هو المنافي للزهد والورع والتقوى..

ولقد قاد النبيعليه‌السلام الأمة، وقبله قادها سليمان بن داوود، وغيره، وبعده الإمام علي بن أبي طالب، وولده الحسن، ثم الحسين، وهكذا..

وحال هؤلاء في الزهد والورع، لا يحتاج إلى مزيد بيان، وإقامة برهان، بل لم يكن على ظهرها أزهد، ولا أتقى، ولا أفضل، ولا أورع منهم، عدوهم يعرف منهم ذلك تماماً كما يعرفه منهم صديقهم. فعدا عن الأنبياء الذين كانوا القمة في الورع والزهد والتقوى، نرى الإمام عليعليه‌السلام قمة في ذلك أيضاً، وقد رقع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وكان راقعها هو ولده (الإمام الحسنعليه‌السلام )(١) . وكان يصلي في بيت المال ركعتين شكراً لله، بعد فراغ المال منه. وكان يقول:((إليك عني يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت؟!..)) الخ وهو الذي قال فيه عدوه معاوية: (لو كان له بيتان: بيت من تبر، وآخر من تبن، لأنفق تبره قبل تبنه.). إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه..

____________

(١) راجع: الدرة النجفية ص ٣٠٣، طبعة حجرية.

٢١٧

العلويون يدركون نوايا المأمون:

إن نوايا المأمون تجاه العلويين، ومحاولاته لإسقاطهم إجتماعياً، وابتزازهم سياسياً.. حتى إذا أخفق في ذلك راح يختلهم واحداً فواحداً، كلما واتاه الظرف، وسنحت له الفرصة.. لم يكن العلويون يجهلونها، بل كانوا يدركونها كل الإدراك، ولم تكن تخدعهم تلك الشعارات والأساليب المبهرجة. وحسبنا هنا أن نذكر في مقام التدليل على هذا: أن المأمون كتب لعبد الله بن موسى، بعد وفاة الرضا، يعده بأنه يجعله ولي عهده، ويقول له: (ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا).

فأجابه عبد الله يقول: (وصل إلي كتابك، وفهمته، تختلني فيه عن نفسي مثل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال، القاصد لسفك دمي. وعجبت من بذلك العهد، ولايته لي بعدك، كأنك تظن: أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي غرتك حلاوته؟!.

إلى أن يقول: أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟!).

ويقول له أيضاً ـ والظاهر أنه نص آخر للرسالة ـ: (هبني لا ثأر لي عندك، وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا، فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم، بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً،

____________

(١) ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٥٨ ـ ٦٠.

٢١٨

فواحداً منا الخ..)(١) .

ولا بد من ملاحظة: منافاة وعده هذا لعبد الله بن موسى بأن يجعل له ولاية العهد.. للرسالة التي أرسلها إلى العباسيين في بغداد، فور وفاة الرضاعليه‌السلام ، ويعدهم فيها بأن يجعل ولاية العهد فيهم، وسنشير إلى رسالته لهم في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله وعلى كل حال.. فإننا نستطيع أن نفهم من هذه الرسالة التي لعبد الله بن موسى أموراً، نشير إلى بعضها:

أولاً: إن المأمون كان قد جعل ولاية العهد وسيلة لختل الشخصيات التي كان يخشاها، والغدر بها، إذ إن من المقبول والطبيعي ـ كما يرى البعض ـ أن يكون ولي العهد هو الذي يتآمر، ويدبر للتخلص من الخليفة الفعلي، ليختصر المسافة، ويصل إلى الحكم، الذي ينتظر الوصول إليه، والحصول عليه بفارغ الصبر. وليس من الطبيعي، ولا من المقبول أن يتآمر الخليفة على ولي عهده، إلا إذا كان يريد أن يجعل الخلافة لمن هو أعز عليه منه، وهذا ما نفاه المأمون عن نفسه في أكثر من مناسبة.

وهكذا.. فإن النتيجة تكون: أن الخليفة الفعلي يكون آخر من يتهم في ولي العهد، إذا ما راح ضحية التآمر والاغتيال، وعرف الناس ذلك. وهذا بلا شك من جملة ما كان يريده المأمون، ويسعى إليه.

ثانياً: إن المأمون رغم الصعوبات التي واجهها في فترة تولية الرضاعليه‌السلام العهد.. يبدو أنه كان يعتبر نفسه منتصراً وناجحاً في لعبته تلك، ولذلك نرى أنه قد حاول تكرار نفس اللعبة مع عبد الله بن موسى. ولكن يقظة هذا الأخير، الذي كانت ظروفه تختلف عن ظروف الإمامعليه‌السلام قد فوتت عليه الفرصة، وأعادته. بخفي حنين.

____________

(١) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص ٦٢٨، إلى ص ٦٣١، وسنورد الرسالة في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله.

٢١٩

كما أننا لا نستبعد أن المأمون قد أراد بالإضافة إلى ذلك التستر على غدره بالرضاعليه‌السلام ، بعد أن كان قد افتضح واشتهر، رغم محاولاته الجادة للتستر والكتمان.

ثالثاً: ما تقدمت الإشارة إليه من أن إكرامه للعلويين، والرضا بهم، والتستر لمحنهم، ما كان منه إلا ضمن خطة مرسومة، وإلا سياسة منه ودهاء، من أجل أن يأمن العلويون جانبه، ويطمئنوا إليه، كما يدل عليه قوله لعبد الله بن موسى: (ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا) وقد قدمنا أنه أشار إلى ذلك أيضاً في كتابه للعباسيين، فلا نعيد..

رابعاً: أنه لم يستطع أن يخفي عن العلويين ـ كما لم يستطع أن يخفي عن غيرهم ـ غدره بالإمام الرضاعليه‌السلام ، وسمه له بالعنب، وكذلك غدره بغيره من العلويين. وسر ذلك واضح، فإن جميع الدلائل والشواهد كانت متوفرة على ذلك، كما سيأتي بيان جانب من ذلك في فصول هذا الكتاب بنوع من التفصيل.

موقف الإمام في مواجهة مؤامرات المأمون:

لقد رأينا كيف أن المأمون أراد من لعبته تلك، التغلب على المشاكل التي كان يواجهها، والاستفادة في تقوية دعائم خلافته، وخلافة العباسيين بشكل عام.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف الإمامعليه‌السلام نفسه من لعبة المأمون تلك، وخططه، وأهدافه؟، وهل أفسح المجال للمأمون ليحقق كل ما يريد تحقيقه، ويصل إلى ما

كان يريد الوصول إليه؟.. وهل كانت لديه خطط من نوع معين، وأهداف معينة كان يسعى من أجل الوصول إليها، والحصول عليها؟!.

الحقيقة هي: أن الإمامعليه‌السلام قد استطاع، بما اتبعه من خطة حكيمة، وسلوك مثالي: أن يضيع على المأمون كافة الفرص، ويجعله يبوء بالخيبة والخسران، ويمنى بالفشل الذريع، حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك، وبدا الارتباك واضحاً في كل تصرفاته، وأقواله، وأفعاله..

وسيأتي في الفصول الآتية في القسمين: الثالث، والرابع بيان بعض ما يتعلق بذلك إن شاء الله.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

الموضوعي ، الذي ينقح موضوعه وهو عدم وجود رب للأرض .

وثانياً : أنّ في نصوص ملكية الإمام ما يدلّ على الاستيعاب بالعموم ، نحو قوله :( كلّ أرض مَيتَة فهي للإمام ) (١) وأمّا نصوص الأرض الخراجية فهي بالإطلاق والعام يقدّم على المطلق حين تعارضهما بنحو العموم من وجه .

وثالثاً : أنّا لو سلّمنا تساقط الطرفين بالمعارضة ، تعيّن الرجوع إلى العام الفوقي الدالّ على : أنّ الأرض كلّها ملك للإمام(٢) ، فإنّ هذا العام يصلح للمرجعية بعد تساقط النصوص المتعارضة .

ورابعاً : أنّه لو تساقطت الطائفتان ، وقطعنا النظر عن المرجع الفوقي ، أمكن الرجوع إلى الاستصحاب ؛ لأنّ الأرض المَيتَة قبل فتحها إسلامياً ملكٌ للإمام ، وفقاً لنصوص مالكية الإمام للأراضي المَوات ، وإنّما يحتمل مالكية المسلمين لها بالفتح ففي فرض تساقط إطلاق النصوص بالمعارضة ، تستصحب مالكية الإمام وهذا الوجه إنّما يتمّ في الأرض التي فتحت بعد تشريع مالكية الإمام للمَوات ، ليكون هناك يقين سابق بمالكيته حتى يستصحب كما أنّ بعض الوجوه السابقة لا تتمّ أيضاً إلاّ في بعض الفروض التي يختلف الحال فيها باختلاف التوقيت التأريخي لتشريع مالكية الإمام للأنفال وتشريع مالكية المسلمين للأرض المفتوحة وتحقّق الفتح خارجاً ، ممّا لا يسع المقام لتفصيله .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٣٤ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ٣٢ ، مع اختلاف .

(٢) المصدر السابق ٣٥ : ٤١٤ ، الباب ٣ من أبواب كتاب إحياء المَوات ، الحديث ٢ .

٦٨١

أثر التحجير شرعاً ( ٣ )

يرى كثير من الفقهاء : أنّ التحجير يعتبر سبباً لوجود حقٍّ خاصّ للفرد المحتجز في الأرض التي احتجزها وحجّرها(١) ، ويستندون في ذلك إلى روايات غير صحيحة من ناحية السند ، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها فإذا لم يكن هناك دليل لبّي تعبّدي في الموضوع يمكن القول : بأنّ التحجير لا يعتبر سبباً للحقّ الخاص بوصفه عملية مستقلة منفصلة ، وإنّما يعتبر كذلك بوصفه شروعاً في الإحياء ، وبداية لعملية عمران الأرض وإحيائها .

ـــــــــــــــ

(١) راجع المهذّب ٢ : ٣٢ وشرائع الإسلام ٣ : ٢٧٤ وقواعد الأحكام ٢ : ٢٦٨ وجواهر الكلام ٣٨ : ٧٤ .

٦٨٢

بحثٌ في : أنّ أثر إحياء الأرض هو الملكيّة أو الحقّ ( ٤ )

وخلافاً لهذه الطائفة من النصوص الدالة ـ بصراحة ـ على بقاء الأرض المحياة ملكاً للإمام وحقّه في الخراج توجد طائفتان تدلاّن على تملّك المُحيي للأرض التي أحياها ، وعدم كونه مسئولاً عنها بشيء :إحداهما تعطي هنا المعنى على مستوى الظهور ،والأخرى تدلّ عليه بصراحة .

أمّا الطائفة الأولى : فهي نظير ما جاء في رواية محمد بن مسلم عن أهل البيت (عليهم السلام) :( أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض فهم أحقّ بها وهي لهم ) (١) . لأنّ اللام في كلمة : ( لهم ) ، تدلّ على الاختصاص ، وظاهر إطلاقها الاختصاص بنحو الملكيّة .

وأمّا الطائفة الثانية : فهي نظير خبر عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : ( سُئل وأنا حاضر عن رجلٍ أحيى أرضاً مواتاً فكرى فيها نهراً ، وبنى فيها بيوتاً ، وغرس نخلاً وشجراً فقال :هي له ، وله أجر بيوتها ، وعليه فيها العشر (أي : الزكاة)) (٢) . فإنّ اقتصاره على ذكر الزكاة في مقام تحديد ما عليه ، كالصريح في نفي الخراج وانقطاع صلة الإمام برقبة الأرض ولا بدّ للمعارضة بين هاتين الطائفتين وبين الطائفة المشار إليها في المتن الدالّة على بقاء الأرض على ملكية الإمام بعد الإحياء من علاج .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث الرابع .

(٢) المصدر السابق : ٤١٢ ـ ٤١٣ ، الحديث ٨ .

٦٨٣

قد يقال : إنّ هذه الطائفة ممّا لا محصّل لها بعد استقرار السيرة القطعية على عدم إعطاء المُحيي للخراج منذ زمان الأئمّة إلى زماننا هذا ، كما لا معنى لحملها على زمان ظهور الحجّة ، فلا بدّ من رفع اليد عنها .

ونجيب على ذلك : بمنع جدوى السيرة المشار إليها ؛ لأنّه إن أريد سيرة المتعبّدين بنصوص أهل البيت ، فلعل عدم إعطائهم للأجرة بلحاظ أخبار التحليل لا باعتبار انقطاع صلة الأرض بالإمام رأساً بعد الإحياء وإن أريد سيرة غيرهم من المسلمين ، فإنّ ذلك لأجل مشيهم على أساس فقهي آخر .

وقد يقال : إنّ هذه الطائفة ـ الدالّة على بقاء ملكية الإمام ـ قد اعرض عنها الأصحاب فتسقط عن الحجيّة .

والجواب أوّلاً : أنّ إعراض الجميع غير ثابت ، وتسالم الجميع على عدم وجوب الطَّسق بالفعل لأجل أخبار التحليل ، لا يدلّ على إعراض الجميع عن مفادها .

وثانياً : أنّه لو سلّم إعراضهم عن مفادها فلعلّه لإعمال قواعد باب التعارض وترجيح المعارض ، لا لخللٍ خاصٍ فيها .

وعلى هذا فلا بدّ من حلّ للتعارض ، ويتصوّر لذلك وجوه :

الأوّل : حمل الطائفة الآمرة بالخراج على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما هو كالصريح في عدم وجوبه .

ويرد عليه : أنّ هذا خلط بين الأحكام التكليفية والوضعية ؛ لأنّ هذا الجمع إنّما يصح في الأحكام التكليفيّة ، حيث يحمل الأمر فيها إذا وردت الرخصة على الاستحباب ، دون الأحكام الوضعية ؛ لأنّ نكتة صحّة الجمع هناك غير موجودة هنا فإنّ الوجه في حمل دليل الأمر التكليفي على الاستحباب بعد مجيء

٦٨٤

الرخصة : أمّا بناء على مبنى المحقّق النائيني(١) في دلالة الأمر على الوجوب ، فلأنّ الوجوب والاستحباب على هذا المبنى ليس مدلولين للفظ ، إنّما ينتزع الوجوب من حكم العقل بلزوم إيجاد مطلوب المولى ، ما لم ترد الرخصة منه ، فإذا جاءت الرخصة ارتفع موضوع الوجوب حقيقة ، وثبت بضمّها إلى جامع الطلب المدلول للفظ الاستحباب.

وأمّا بناءً على كون الوجوب ثابتاً بإطلاق مدلول الأمر(٢) ، فيرجع الحمل على الاستحباب إلى تقييد الإطلاق الذي هو منشأ الوجوب ، والتقييد على مقتضى القاعدة

وأمّا بناء على كون الوجوب مدلولاً وضعياً بنحو من الإنحاء(٣) ، فالحمل على الاستحباب يتوقّف على دعوى وجود ظهور ثانوي للصيغة في الاستحباب ، تصل النوبة إليه بعد رفع اليد عن ظهورها الأوّلي في الوجوب ، ليكون الاستحباب ثابتاً بالظهور لا بالتأويل .

وكلّ هذه الوجوه لا تتمّ في الأمر الظاهر في بيان حكم وضعي كما في المقام ؛ حيث أنّ قوله :( فليؤد طسقها ) أو( فعليه طسقها ) بيان عرفاً للاستحقاق الوضعي للإمام ، وليس مجرّد طلب تكليفي صرف ، فلا يتّجه الحمل على الاستحباب .

الثاني : أنّ الطائفة الدالّة بالصراحة على بقاء مالكية الإمام ، تسقط بالمعارضة مع الطائفة الصريحة في ارتفاعها ، وتنتهي النوبة إلى الطائفة الأخرى الظاهرة في ارتفاعها ، وتملك المحيي للرقبة بالإطلاق .

والوجه في ذلك : أنّ هذه الطائفة الظاهرة لا يعقل أن تكون طرف للمعارضة

ـــــــــــــــ

(١) راجع : فوائد الأصول ١ : ١٣٦ .

(٢) راجع : كفاية الأصول : ٨٣ .

(٣) يراجع بحوث في علم الأصول ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ .

٦٨٥

مع الطائفة الصريحة في بقاء مالكية الإمام ؛ لأنّ الظهور الإطلاقي لا يعارض الصراحة ، بل يكون الصريح مقيّداً له .

وعليه فالمعارضة في المرتبة السابقة تقع بين الصريحين ، وتصل النوبة إلى الظهور الإطلاقي بلا معارض .

وتقوم الفكرة في هذا البيان على قاعدة عامة في باب التعارض ، وهي : أنّه متى تعارضت طائفتان من الأخبار ، وكانت إحداهما صريحة كلّها في النفي مثلاً ، وكان في الطائفة الأخرى ما هو صريح في الإثبات وما هو ظاهر فيه ، فلا يلتزم بسقوط الجميع في درجة واحدة ؛ لأنّ ما هو ظاهر في الإثبات لا يمكن أن تعارض ما هو صريح في النفي ، إذا كانت الصراحة بدرجة تصلح للقرينية عرفاً فالصريح في النفي يعارض الصريح في الإثبات فقط ، وبعد التساقط يرجع إلى الظاهر في النفي ، بدون معارض في درجته .

وهذه القاعدة العامّة وإن لم تكن مقرّرة عملياً عند الفقهاء ، ولكنّها في الحقيقة تمديد لقاعدة مقرّرة عندهم نظرياً وعملياً ، وهي الرجوع إلى العام الفوقي بعد تساقط الخاصّين ، فإنّ نفس الفكرة التي تبرهن على أنّ العامّ لا يقع طرفاً للمعارضة في مستوى الخاصّين ، تدل على ذلك بالنسبة إلى أمثال المقام .

وهذا الوجه يتوقّف على تعيين تساقط الصريحين ، وعدم ترجيح أحدهم ، وسيأتي بيان المرجّح .

الثالث : مبني على انقلاب النسبة(١) ، بدعوى : أنّ النصّين متعارضان بنحو التباين ، وأخبار التحليل تقيّد النصّ الدالّ على عدم تملّك المحيي وثبوت الخراج

ـــــــــــــــ

(١) راجع : لتوضيح نظرية انقلاب النسبة : دروس في علم الأصول ٢ : ٥٤٢ وبحوث في علم الأصول ٧ : ٢٨٨ .

٦٨٦

عليه ، وتخرج من تحته الأفراد الذين شملهم التحليل ، فيصبح النصّ بسبب ذلك أخصّ مطلقاً من النصّ النافي للخراج مطلقاً ، وترتفع المعارضة بالتخصيص .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى الإشكال في كبرى انقلاب النسبة ـ : أنّ انقلاب النسبة بين العامّين المتباينين إنّما يتمّ إذا ورد خاص موافق لأحدهم مخالف للآخر ، ليحمل العام الموافق على مورد الخاص وفي المقام أخبار التحليل وإن كانت مخالفة أو مخصّصة لما دلّ على ثبوت الخراج ، إلاّ أنّها ليست موافقة للعام النافي للخراج ، والدالّ على تملّك المحيي لرقبة الأرض ، لأنّ ظاهر العام النافي هو بيان الحكم الإلهي الكلّي لا التحليل المالكي كما هو مفاد أخبار التحليل .

ويؤيّد ذلك ورود بعض روايات الطائفة النافية في مورد اليهودي والنصراني(١) ، الذي لا يشمله التحليل المالكي المجعول في أخبار التحليل قطعاً ، الأمر الذي يدلّ على أنّ الطائفة النافية بصدد بيان حكم إلهي لا إذن شخصي مالكي فلا يمكن حملها على مورد أخبار التحليل بانقلاب النسبة .

الرابع : أنّ النصّين متعارضان ويرجّح النصّ الدالّ على تملّك المُحيي لرقبة الأرض : أمّا للشهرة ، وإمّا لموافقته لعمومات السنّة القطعية ، حيث إنّ جملة :( من أحيى أرضاً فهي له ) ، متواترة إجمالاً عنهم (عليهم السلام) ، وهي دالّة بإطلاق اللام على الملكيّة ، فتكون مرجّحاً للنصّ الدالّ على تملّك المُحيي للأرض .

والجواب ما ذكرناه في الأصول : من أنّ شهرة الخبر بالدرجة التي لا تؤدي إلى القطع بصدوره ليست مرجّحة ، وكذلك موافقة السنة القطعية(٢) ، مضافاً إلى أنّ السنّة لم تصل إلى حدّ التواتر في المقام .

ـــــــــــــــ

(١) راجع : وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٦ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢ .

(٢) راجع : بحوث في علم الأصول ٤ : ٣٢٢ ، و ٧ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ .

٦٨٧

الخامس : أنّ النصّ الدال على عدم تملّك المحيي للرقبة ، وبقائها على ملكية الإمام ، هو المرجع في مقام التعارض ، وذلك لأنّ الآخر المعارض له ، مخالف لعموم الكتاب ومظنّة للتهمة أمّا العموم الكتابي فهو قوله تعالى :( لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) (١) . فإنّ هذه الآية حكمت بأنّ كلّ سبب للتملّك والأكل باطل ، إلاّ التجارة عن تراض ومن الواضح أن تملّك مال الإمام بالإحياء ليس تجارة عن تراض ، فهو باطل بإطلاق الآية الكريمة فيكون ما دلّ على عدم تملّك المحيي لرقبة الأرض موافقاً لإطلاق الكتاب ، فيقدم كما أنّ أصالة الجهة فيه قطعية ، دون ما دلّ على تملّك المحيي ، فتدبّر جيداً .

السادس : أنّ رواية عبد الله بن سنان صريحة في نفي الخراج وظاهرة في أنّ هذا النفي حكم شرعي وليس نفياً ناشئاً من الإسقاط والتحليل من صاحب الحقّ ، لأنّ ظهور رجوع السائل إلى الإمام وهو غير مبسوط اليد رجوعه إليه بما هو مُفتٍ لا بما هو ولي الأمر والطائفة الأخرى صريحة في عدم النفي الشرعي ، وظاهرة في عدم الإسقاط من قبل صاحب الحقّ ، والتعارض إنّما هو بين ظهور رواية ابن سنان وأمثالها في النفي الشرعي للخراج وصراحة الطائفة الأخرى في ثبوته الشرعي ، ومقتضى الجمع العرفي حينئذٍ ـ بقرينة أظهرية هذه الطائفة في الثبوت الشرعي للخراج ـ حمل النفي في أمثال رواية ابن سنان على نفي فعلية الخراج المناسب مع الإسقاط أيضاً .

ـــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٢٩ .

٦٨٨

بحثٌ في : جواز بيع الأرض المحياة على رأي الشيخ الطوسي ( ٥ )

قد يقال : إنّ هذا الرأي الفقهي الذي ينكر تملّك الفرد لرقبة الأرض التي أحياها يعجز عن تفسير بيعه لها فقهياً ؛ لأنّ الفرد على أساس هذا الرأي لا يملك رقبة الأرض فلا يجوز له بيعها ، وإنّما له حقّ فيها مع أنّ جواز بيع كلّ فرد لما أحياه من الأرض ثابت بديهياً في الشريعة .

والجواب : أنّ البيع يتكفّل منح المشتري نفس العلاقة التي كانت تربط المال بالبائع ، في مقابل حصول البائع على نفس العلاقة التي كانت تربط الثمن بالمشتري ، سواء كانت العلاقة على مستوى ملكيّة ، أو على مستوى حقّ فالفرد الذي أحيى أرضاً يجوز له بيعها ؛ لأنّه يتمتّع بعلاقة خاصة بالأرض وهي ما نصطلح عليه باسم الحقّ ، فيكون بإمكانه بيع الأرض بمعنى منح هذه العلاقة للمشتري ، في مقابل حصوله على علاقة المشتري بالثمن وبذلك يصبح المشتري صاحب الحقّ في الأرض بدل عن البائع الذي كان له الحقّ بسبب الإحياء ، ويصبح البائع مالكاً للثمن الذي كان يملكه المشتري قبل البيع .

وقد يفسّر بيع الفرد للأرض التي أحياها على وجه آخر ، وهو : أنّ المحيي يبيع حقّه في الأرض لا نفس الأرض ولكنّ هذا التفسير يمكن أن يعترض عليه بأنّ بيع شيء يعني منح البائع العلاقة الاعتبارية التي تربطه بذلك الشيء للمشتري ، فلا بدّ إذن من افتراض علاقة اعتبارية تربط المبيع بالبائع ، ليمنحها البائع إلى المشتري والحقّ حكم شرعي ، وليس لصاحب الأرض علاقة اعتبارية

٦٨٩

مع الحكم كعلاقة مع سائر أمواله ، فهو لا يملك الحكم الشرعي مثلاً

وبتعبير آخر : أنّ الحكم الشرعي لا يمكن أن يكون مبيعاً ؛ لعدم وجود إضافة وعلاقة اعتبارية له بالبائع ، والحقّ ليس إلاّ حكم شرعياً فلا يجوز بيعه .

أضف إلى ذلك : أنّ نتيجة بيع الحقّ ـ لو أمكن ـ هو أن يتملّكه المشتري ، لا أن يكون المشتري صاحب الحقّ ، كما هو المقصود ، بمعنى أنّ حقّ البائع في الأرض لو افترضناه شيئاً مملوكاً للبائع كسائر أمواله فبيعه يؤدّي إلى تملّك المشتري حقّ البائع ، لا إلى اكتسابه هذا الحقّ ، وكم فرق بين أن يملك المشتري حقّ البائع وبين أن يثبت له ذلك الحقّ ؟

والذي يبدو أنّ هذا الاعتراض ليس متّجهاً ، وإن تفسير بيع الفرد للأرض على أساس أنّ المحيي يبيع حقّه في الأرض أمر مقبول ، وذلك لأنّ دعوى عدم تعقّل بيع الحقّ إن كانت تقوم على أساس أنّ الحقّ ليس مضاف إلى صاحبه بعلاقة اعتبارية ولا بدّ في البيع من علاقة اعتبارية تربطه بالبائع ، فالجواب عنها : أنّ الحقّ مضاف إلى صاحبه إضافة حقيقية ؛ لأنّ الحقّ حقّه واقعاً والإضافة الحقيقية مصحّحة للنقل والتمليك كما في تمليك الأجير الحرّ لعمله ، مع أنّ عمله ليس مملوكاً له بالملكية الاعتبارية ، بل بنحو من الإضافة الواقعية .

وإن كانت الدعوى المذكورة تقوم على أساس أنّ المبيع لا بدّ أن يكون محفوظاً بعد البيع ، وهذا إنّما يصدق على الأرض وأمّا حقّ المحيي في الإحياء فيسقط وينشأ بدلاً عنه حقّ المشتري في الأرض المحياة ، وذلك لأنّ الحقّ يتشخّص بطرفه ومع تبدّل الطرف يستحيل بقاء الحقّ بشخصه

فالجواب عنها : أنّ الحقّ من الناحية التكوينية وإن كان كذلك لأنّه اعتبار والاعتبار يتشخّص بطرفه لكن بالنظر العرفي الذي يراه مالاً نجد له جانباً موضوعي قابلاً للانتقال على حدّ انتقال سائر الأموال ، ولهذا يقال عرفاً : انتقل حقّ الشفعة مثلاً من فلان إلى وارثه بدون عناية .

٦٩٠

وإن كانت الدعوى المذكورة تقوم على أساس أنّ البيع لا يصدق إلاّ حيث يكون المبيع عيناً خارجية والحقّ ليس عيناً خارجية .

فالجواب عنها: أنّ اعتبار كون المبيع عيناً خارجية في صدقّ البيع لو سلم فهذا إنّما ينفي صفة البيع الحقيقي عن تمليك المحيي لحقّه في الأرض بعوضه ولا ينفي صحة هذه المعاملة بعمومات الإمضاء والصحّة هذا على أنّ اعتبار كون المبيع عيناً قد لا يكون إلاّ بمعنى كون ما بإزاء المبيع خارجاً عيناً خارجية وهذا حاصل في المقام ، وإن كان المبيع الحقّ لا العين فإنّ حصيلة نقل هذا الحقّ هي تسلّم المشتري للأرض ويكفي ذلك في صدق البيع .

٦٩١

امتلاك الأراضي بالحيازة(١) ( ٦ )

وعلى هذا الأساس لا يتكوّن للفرد حقّ خاص في رقبة الأرض المفتوحة عَنوة من الغابات وما إليها ، كما لا يتكوّن الحقّ الخاص في رقبة الأرض الخراجية العامرة بالإحياء قبل الفتح .

وقد يقال : إنّ الأرض العامرة بطبيعتها تمتلك على أساس الحيازة ، بمعنى أنّ الحيازة تقوم في الأراضي العامرة طبيعياً بنفس الدور الذي يقوم به الإحياء في الأراضي المَيتة بطبيعتها ويستند هذا القول في إثبات الملكية بسببب الحيازة إلى الأخبار الدالة على :( أنّ مَن حاز مَلك ) ، ويلاحظ على هذا القول :

أولاً : أنّ بعض هذه الأخبار ضعيف السند ، ولهذا لا حجيّة له ، ومنها ما لا يدلّ على القول ؛ لأنّه مسوق لبيان أماريّة اليد وجعل الحيازة أمارة ظاهرية على الملكية لا سبب لها ومنها ما كان واردا في موارد خاصة ، كقوله :( لليد ما أخذت ، وللعين ما رأت ) ، الواردة في الصيد .

وثانياً : أنّ أخبار الحيازة لو سلّمت مختصة بالمباحات الأوّلية ممّا لا يكون مملوكاً شرعاً لجهة أو فرد ، فلا تشمل المقام ، إذ المفروض أنّ الغابة ملك الأمّة أو الإمام .

ـــــــــــــــ

(١) أثبتنا هذا الملحق من طبعة دار الفكر للكتاب ، وقد حذف من سائر الطبعات .(لجنة التحقيق)

٦٩٢

لا تمييز بين أنواع الأرض التي أسلم عليها أهلها ( ٧ )

يمكن لأحدٍ أن يتصوّر إمكان التمييز بين نوعين من الأرض التي أسلم عليها أهلها وهي عامرة :

أحدهما : ما كان العمران فيه ممتدّاً تأريخياً إلى ما قبل تشريع ملكية الإمام الأرض المَيتَة .

والنوع الآخر : الأراضي التي كانت مَيتة عند تشريع ملكية الإمام للمَوات ، ثمّ عمّرها الكفّار ، وأسلموا بعد ذلك عليها طوعاً .

فكلّ أرض من النوع الأوّل تعتبر ملكاً لأصحابها ، ولا تندرج في ملكية الإمام ؛ لأنّها لم تكن مَواتاً عند تشريع ملكية الإمام للمَوات ، وبإسلام أصحابها عليها تحفظ لهم ؛ لأنّ الإسلام يحقن الدم والمال .

وأمّا الأراضي من النوع الثاني فهي ملك للإمام ؛ نظراً إلى أنّها كانت مَيتَة عند تشريع ملكيّة الإمام للمَوات ، فاندرجت في نطاق مِلكيته وإحياؤها من قبل الكفار بعد ذلك ، لا يوجب انتزاع ملكيّتها من الإمام ، وإنّما يؤدّي إلى ثبوت حقّ لهم في الأرض فإذا أسلموا على الأرض حفظ لهم هذا الحقّ دون أن تصبح رقبة الأرض مِلكاً لهم ، لأنّ الإسلام يحقن المال وبحفظه ، ولا يزيد المال أو يجعل غير المالك مالكاً .

ونتيجة ذلك : أنّ الأرض التي أسلم صاحبها عليها تكون ملكاً له إذ كان عمرانها قبل تشريع ملكية الإمام للموات ، ولا يملكها إذا كان العمران بعد ذلك ،

٦٩٣

وإن كان يحتفظ لنفسه بحقّ خاص فيها وهذا التفصيل يشابه التفصيل الذي اختاره صاحب الجواهر في أراضي الفتح العامرة ، كما مرّ بن في الملحق(١) ، حيث ذكر : أنّ عمرانها إذا كان قبل تشريع ملكيّة الإمام للمَوات فهي للمسلمين ، وإلاّ فهي ملك للإمام ، ولا يملكها المسلمون .

ومبرّرات التفصيل في الأراضي التي أسلم عليها أهلها طوعاً ، أنّ الأرض المَيتَة في عصر التشريع ، يشملها مبدأ ملكية الإمام ، ولا دليل على أنّها تصبح بعد ذلك مَلكاً لمن عمّرها من الكفار وأسلم عليها طوعاً لا بسبب الأعمار ، ولا بسبب الإسلام أمّا الأعمار فهو لا يمنح المُحيي ملكية رقبة الأرض ، بناء على أنّ الأحياء يفيد الاختصاص فقط وأمّا الإسلام ، فلا نجد ما يدلّ على أنّه سبب في تملّك الشخص للأرض التي أسلم عليها ، وجميع ما يقدّم من أدلّة على ذلك يمكن أن يناقض فيه :

أ ـ فقد يستدلّ على تملّك الفرد للأرض بسبب إسلامه عليها طوعاً بإطلاق النصوص التي تقول : أنّ الأرض إذا أسلم عليها أهلها طوعاً تركت في أيديهم وكانت لهم ، وهي لإطلاقها تستوعب ما كان عامراً منها قبل تشريع ملكية الإمام للأرض المَيتة ، وما عمّر بعد ذلك .

والجواب : أنّ هذه النصوص تتحدّث عن السيرة المتّبعة في الأرض التي أسلم أصحابها عليها وأنّها تترك في أيديهم ، في مقابل الأرض المفتوحة عَنوة التي ينتزعها الإمام ، فلا يدل الترك على تملّكهم للرقبة ، بل على إقرار ما هو ثابت قبلاً من علاقة لهم بالأرض هي علاقة تقوم على أساس حقّ الإحياء .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٧ ، الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو ، الحديث ١ و ٢ .

٦٩٤

ب ـ وقد يستدلّ بالنصوص العامة ، الدالة على أنّ الإسلام يحقن الدموالمال (١) ومن مظاهر حقن الإسلام للمال منح الأرض لصاحبها إذا أسلم عليها طوعاً .

والجواب : أنّ المفهوم من هذه النصوص هو : أنّ إسلام الشخص يحقن من ماله ويحرم منه ، ما كان يباح لولا إسلامه ؛ لأنّ هذا الجانب من النصوص يوازي الجانب الآخر ، الذي يشرح أحكام الكافر الحربي وكلّ الجانبين ـ ككلّ ـ يوضح : أنّ الكافر إذا حارب الدعوة ، أبيحت أرضه وأمواله ودمه ، وإذا أسلم طوعاً حقن ذلك كلّه فما هو المحقون بالإسلام هو نفس المباح للمسلمين الاستيلاء عليه إذا لم يسلم الشخص وحارب الدعوة فلكي نعرف أنّ الشخص إذا أسلم ماذا يحقن له ؟ وعلى أيّ شيء يحصل ؟ يجب أن نعرف أنّه إذا لم يسلم وحارب الدعوة ، فماذا سوف يباح من ماله ويمنح للمسلمين .

وبهذا الصدد لا بدّ أن نستذكر ما مرّ بنا في الملحق(١) ، من أنّ الأرض التي لا يسلم عليها أهلها بل تفتح عنوة ، إذا كانت معمورة قبل تشريع ملكية الإمام للأرض المَيتة فهي ملك المسلمين ، وإذا كان عمرانه بعد ذلك ، فلا يتاح للمسلمين تملّكها ، لأنّها لم تكن قبل الحرب ملكاً للكافر ، وإنّما هي ملك للإمام ، وكان للكافر قبل الحرب حقّ فيها ، بسبب الإحياء ، فينتقل هذا الحقّ للمسلمين .

وعلى هذا الضوء نعرف في المقام : أنّ الأرض التي أسلم عليها أهله طوعاً ، لا يملكونها إلاّ إذا كان عمرانها قبل تشريع ملكية الإمام للأرض المَيتَة ، لأنّ المسلمين لا يملكونها على تقدير الحرب إلاّ في هذا الفرض .

وعلى الجملة : إذا عرفنا أنّ الموضوع الذي حقن بالإسلام هو نفس ما يغنم بالحرب ، نظراً إلى أن حقن الدم والمال بالإسلام في النصوص يوازي إباحتهما

ـــــــــــــــ

(١) راجع : الأصول من الكافي ٢ : ٢٤ ، الحديث الأوّل .

٦٩٥

للمسلمين على تقدير الحرب ، وجمعنا إلى ذلك : أنّ الأرض المفتوحة عَنوة لا يباح للمسلمين تملّك رقبتها إذا كان عمرانها بعد تشريع ملكيّة الإمام ، وإنّما يباح لهم نفس الحقّ الذي كان الكافر قد اكتسبه بسبب الإحياء ، فنخرج من ذلك بالتفصيل المدَّعى في المقام ، وهو : أنّ من يسلم على أرضه التي عمرت بعد تشريع ملكيّة الإمام للمَوات ، يحقن بإسلامه حقّه الذي كان المفروض أن ينتقل إلى المسلمين لو حارب ، ولا يتملّك الأرض ، وإنّما يتملّكها إذا كان عمرانها قبل عصر التشريع .

وبكلمة أخرى : أنّ مبدأ حقن الإسلام للمال لا يزيد من حقّ الشخص ، ولا يمنحه ملكيّة جديدة لم تكن له ، وإنّما يحفظ له ما كان يتمتّع به من حقوق أو ملكيّات وحيث إنّ الأرض التي يعمرها الكافر بعد تشريع ملكية الإمام للمَوات لا يملكها الكافر ، وإنّما يكتسب حقّاً فيها مع كونها مِلكاً للإمام ، فبإسلامه طوعاً يحفظ حقّه ، ويبقى كما كان .

ج ـ وقد يستدلّ بالسيرة النبوية ؛ لأنّ سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جرت على : ترك الأرض بيد أهلها إذا أسلموا عليها طوعاً ، وعدم مطالبتهم بالطَّسق ، دون تدقيق في تأريخ عمارة الأرض(١) الأمر الذي يدلّ على أنّ الإسلام يمنح ـ دائماً ـ ملكية الأرض لمن أسلم عليها طوعاً .

والجواب : أنّ هذه السيرة الشريفة ثابتة بلا شك ، ولكنّها لا تبرهن على أنّ رقبة الأرض ملك لمن أسلم عليها طوعاً ، وخارجة عن نطاق ملكيّة الإمام ؛ لأنّ الفارق العملي بين ملكية الأرض لمن أسلم عليها طوعاً ، وبين كونها مِلكاً للإمام ، مع وجود حقّ خاص لمن أسلم عليها ، إنّما يظهر في فرض الخراج ، لأنّ الأرض إذا

ـــــــــــــــ

(١) لاحظ : جواهر الكلام ٢١ : ١٧٥ .

٦٩٦

كانت مِلكاً لمن أسلم عليها من أصحابه فلا مبرّر لفرض الخراج عليهم ، وإذا كانت حقّاً لهم مع بقائها على ملكية الإمام ، فله فرض الطَّسق عليهم وهذا الفارق العملي لا موضع له في السيرة النبوية ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعفو عن الطَّسق فلا يمكن أن يعتبر عدم أخذ الطَّسق ، دليلاً على الملكية الخاصة لرقبة الأرض .

وهكذا يتّضح : أنّ هذا التفصيل في الأرض ، التي أسلم عليها أهلها طوعاً : بين العامر قبل تشريع ملكية الإمام ، وبين العامر بعده وإن كان لا يخلو عن وجاهة من ناحية فقهية ، إذ لم يحل دون الأخذ به الإجماع على خلافه .

بل بالإمكان توسيع نطاق الفكرة في هذا التفصيل ـ إذا صحّت ـ وتعميمها على كلّ الأراضي التي أسلم عليها أهلها وذلك بناءً على ما تقدّم في الملحق الأوّل من أنّ دليل ملكية الإمام للمَوات والأنفال يكشف عن ثبوت ملكية الإمام لما كان مَواتاً قبل ورود الدليل أيضاً ، فإنّ هذا يعني أنّ أيّ أرض يحييها الكافر تعتبر رقبتها مِلكاً للإمام ، وللمحيي فيها حقّ الإحياء ، وأدلّة حفظ الإسلام للمال لا تقتضي حقّاً جديداً لمن أسلم على أرضه ، بل احتفاظه بالحقّ السابق .

٦٩٧

حكم العيون النابعة في الأرض المملوكة  ( ٨ )

الرأي الفقهي المشهور يرى : أنّ العيون النابعة بطبيعتها في أرض شخصٍ تعتبر مِلكاً له ؛ لأنّها نماء في مِلكه ولأجل ذلك عد الشيخ الطوسي هذا القسم من المصادر الطبيعية المكشوفة للماء موضعاً للخلاف ، فقال : ( وأما المختلف في كونه مملوكاً ، فهو كلّ ما نَبَع في مِلكه من بئرٍ أو عينٍ ، فقد اختلف فيه على وجهين ،أحدهما : أنّه مملوك ،والثاني : أنّه ليس مملوكاً )(١) .

والواقع أنّا لا نجد دليلاً من نصوص الكتاب والسنّة على الملكيّة ، ولعلّ أقوى ما يستدلّ به أنصار القول بالملكيّة هو : أنّ العين نماء في مِلكه ، والنصوص الشرعية تدلّ على أنّ نماء المال يتبع أصله في الملكيّة(٢) .

والجواب على هذا الدليل : أنّ العين ليست في الحقيقة نماءً في مِلكه بمعنى كونها ثمرة لمال يملكه ، ليملك الثمرة بملكية للأصل وإنّما هي ثروة في جوف ثروة فحالها حال الظرف والمظروف ، لا الشجرة والثمرة ، وملكيّة الظرف لا تستدعي ملكيّة المظروف .

وعلى هذا الضوء نعرف : أنّ الرأي الفقهي المشهور القائل بالملكيّة ، إنّما يجب الأخذ به إذا دعمه دليل لبّي ، من إجماع تعبّدي أو سيرة عُقلائية تتوفّر فيها الشروط التي أوضحناها في بحث سابق من هذا الكتاب وأمّا إذ لم يدعم بشيءٍ من هذا القبيل ، فلا يوجد في أدلّته الخاصة ما يبرّر الأخذ به .

ـــــــــــــــ

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٢ .

(٢) راجع : وسائل الشيعة ١٨ : ١٩ ـ ٢٠ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ١ و ٣ .

٦٩٨

بحثٌ في : تملّك الفرد للعين التي يستنبطها ( ٩ )

ما مرّ في هذا الكتاب ، من أنّ الفرد إذا استنبط عيناً بالحفر لا يملكها ، كان يقوم على أساس وجه يخالف الرأي المشهور القائل : بأنّه يملكها ويختصّ بها اختصاصاً ملكيّاً ، لا حقّياً فحسب(١) .

وهذا الرأي المشهور يجب الأخذ به إذا تمّ إجماع تعبّدي عليه وإذ لم يتمّ إجماع كذلك ، فبالإمكان فقهيّاً المناقشة في الأدلّة التي سيقت لإثباته وهي متعدّدة كما يلي :

أ ـ إن العين نماء ملكه ، فالإنسان إذا حفر أرضاً فاكتشف فيه عيناً ، كانت العين ملكاً له شرعاً ؛ لأنّها نماء الأرض ، وما دامت الأرض له فيكون نماؤها له أيضاً

والجواب : أنّ عين الماء لا تعتبر من نماء الأرض ، وإنّما هي ثروة موجودة فيها ، فالعلاقة بينهما علاقة المظروف والظرف ، فلا تقاس بالثمرة الطبيعية التي دلّت القواعد الشرعية على تملّكها ، تبعاً لملكيّة أصلها ، كالبيضة بالإضافة إلى الدجاجة ، والزرع بالإضافة إلى البذر .

ب ـ فحوى النصوص : الدالّة على جواز بيع الشرب ، كرواية سعيد الأعرج

ـــــــــــــــ

(١) راجع : المبسوط ٣ : ٢٨٠ وما بعدها ومفتاح الكرامة ٧ : ٥١ .

٦٩٩

التي أجاز فيها الإمام بيع القناة(١) ، ولو لم تكن ملكاً لم جاز بيعها .

والجواب : أنّ جواز البيع أعمّ من الملكية ؛ لأنّ الحقيقة تكفي لتصحيح البيع فقد يكون بيعها بلحاظ الحقّ الذي يكون للفرد في القناة ، بحيث ينتقل هذا الحقّ بالبيع إلى المشتري فيصبح أولى بالقناة من غيره ، كما كان البائع كذلك وإضافة البيع إلى نفس الأرض لا تنافي ذلك ؛ لأنّ البيع سواء كان في موارد الحقّ أو الملكيّة إنّما يتعلّق بالمستَّحقّ والمملوك ، لا بنفس الحقّ والملكيّة ، كما هو واضح فروايات جواز بيع القناة إذ تمّت في نفسها لا تدلّ على أكثر من الحقّية .

ج ـ أنّ كشف العين إحياء للأرض بالسراية .

ويرد عليه : أنّ نصوص من أحيى أرضاً فهي له ، إنّما تدلّ على كون الإحياء سبباً لاختصاص المُحيي بالأرض ، لا بما تضمّ من ثروات لا يصدق عليها اسم الأرض كالماء أضف إلى ذلك : أنّها لا تفيد أكثر من منح المُحيي حقّاً في الأرض ، على رأي الشيخ الطوسي ، كما عرفت سابقاً .

د ـ أنّ كشف العين حيازة لها ، وكلّ مال طبيعي يمتلك بالحيازة .

والجواب : هو عدم وجود نصّ صحيح يدلّ على أنّ كلّ حيازة سبب للملكيّة .

هـ ـ السيرة العُقلائية القائمة على ذلك .

والجواب : أنّ بالإمكان منع قيام السيرة في أيام الأئمة (عليهم السلام) ، على أكثر من الأحقّية والأولويّة ، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك أضف إلى هذا : أنّ السيرة ليست حجّة بذاتها وإنّما هي حجّة باعتبار كشفها عن إمضاء الشارع لها ولا طريق لاكتشاف إمضاء الشارع عادة إلاّ من ناحية عدم الردع ، حيث يقال : بأنّه

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب إحياء المَوات ، الحديث الأوّل .

٧٠٠

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741