اقتصادنا

اقتصادنا0%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف: الصفحات: 741
المشاهدات: 146480
تحميل: 8781

توضيحات:

اقتصادنا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146480 / تحميل: 8781
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لو لم يمضها لردع عنها فلا بدّ إذن ـ لدى الاستدلال بالسيرة العقلائية ـ من الجزم بعدم صدور الردع ؛ ليتحقّق العلم بالإمضاء، والجزم بعدم صدور الردع لا يتحقّق مع وجود ما يحتمل دلالته في الأخبار على الردع ، ولو لم يكن تامّاً سنداً ؛ لأنّ مجرد احتمال وروده بنحو الردع من الشارع يكفي لعدم حصول الجزم بالإمضاء فالخبر الضعيف وإن لم يكن حجّة ولكنّه يكفي ـ في جملة من الموارد ـ لإسقاط حجيّة السيرة ، والمنع عن الجزم بالإمضاء وهذه نكتة عامة يجب أن تلاحظ في جملة من موارد الاستدلال بالسيرة العقلائية .

وبناء عليها نقول في المقام : إنّ الروايات العديدة والواردة تارة بلسان : أنّ الناس شركاء في الماء(١) ، وأخرى : بلسان : النهي عن منع فضل الماء ، وثالثة بلسان : النهي عن بيع القناة بعد الاستغناء عنها تؤدّي على أقلّ تقدير إلى احتمال ورود الردع عن الاختصاص المطلق ، المسمّى بالملكيّة

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٧ من أبواب إحياء المَوات ، الحديث الأوّل ، الصفحة ٤١٩ ، الباب ٧

٧٠١

بحثٌ في : وجوب إعارة القناة عند الاستغناء عنها( ١٠ )

وهناك من يوقع المعارضة بين هذه الطائفة ، وبين ما دلّ على جواز بيع القناة، كخبر الكاهلي ، قال :( سأل رجل أبا عبد الله وأنا عنده : عن قناة بين قوم ، لكلّ رجل منهم شرب معلوم ، فاستغنى رجل منهم عن شربه ، أيبيع بحنطةٍ أو شعير ؟ قال : يبيعه بما شاء ، هذا ممّا ليس فيه شيء ) (١) .

وبعد إيقاع المعارضة ، يجمع بينهما بحمل الروايات الناهية على الكراهة .

ولكن التحقيق : أنّ هذا الجمع غير تامّ ؛ إذ لو فرض التعارض بينهما وورودهما في موضوع واحدٍ ، فكيف يوفّق بين النهي ولو بمعنى الكراهة ، وبين قوله :( هذا ممّا ليس في شيءٍ ) الظاهر جدّاً في خلوّه من كلّ حزازة وشبهةٍ ؟!

والتحقيق في الجمع بين الطائفتين : أنّ الطائفة الناهية ، كموثقة أبي بصير المذكورة في المتن ، تدلّ على أمرين :

أحدهما : وجوب الإعارة وبذل القناة مجّاناً لأجل أن ينتفع بها المستعير عند إشباع صاحب القناة حاجته

والثاني : عدم جواز بيعها والطائفة الثانية ، التي منها خبر الكاهلي المتقدّم آنفاً ، لا تنافي الأمر الأوّل بوجه ، لأنّها تدلّ على عدم وجوب إعارة القناة للغير ، وإنّما تدل على جواز بيعها وجواز بيعها لا يستلزم عدم وجوب إعارتها .

ولا يتوهّم في المقام : الملازمة ، بدعوى : أنّه لو كان يجب إعارته مجّاناً لما كان هناك داع لاشترائها ، ولم يبقَ موضع لبيعها ، لأنّ من يريد اشتراءها يمكنه

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب إحياء المَوات ، الحديث ٢ .

٧٠٢

الاستغناء عن شرائها باستعارتها مجّاناً ، مادام صاحب القناة ملزماً بإعارتها مجّاناً فنفس فرض البيع والحكم بجوازه ، ملازم مع عدم وجوب الإعارة ، لكي يتحقّق الداعي العقلائي للشراء فإنّه يندفع هذا التوهّم بأنّ وجوب الإعارة لا يجعل الاشتراء لغواً ؛ لأنّ الشخص قد لا يكتفي بمجرّد الانتفاع المبذول له مجّاناً بالإعارة ، بل يريد أن يكون له حقّ الأولوية في القناة ، كما كان لصاحبها الذي استغنى عنها وهذا الحقّ إنّما ينقل بالبيع والشراء .

وعليه : فالطائفة الدالّة على جواز البيع لا تنافي وجوب الإعارة أصلاً نعم ، تقع المعارضة بين هذه الطائفة الدالّة على جواز البيع ، وبين الطائفة الناهية ؛ بلحاظ مدلولها الثاني ، وهو النهي عن بيع القناة وحلّ هذه المعارضة : أنّ الطائفة الناهية عن البيع والآمرة بالإعارة يحتمل في نهيها عن البيع وجهان :

أحدهما : أنّه نهي حقيقيٌ عن البيع بقول مطلق .

وثانيهما : أنّه نهي عن البيع في قِبال الإعارة بمعنى أنّ من يريد أن يستعير منك القناة لا تضطره إلى الشراء ، ولا تبعها عليه ، بل أعره إياها مجّاناً ، فهو نهي عن البيع في مورد طلب الإعارة ، لا نهي عن البيع مطلقاً ، حتى فيما إذا كان مقصود المشتري أن يكتسب حقّ الاختصاص بها ، كما يقرّبه جعله في قِبال الإعارة فإن كان النهي بالمعنى الأوّل ، وقعت المعارضة بينها وبين الطائفة الدالّة على جواز البيع وإن كان بالمعنى الثاني فلا معارضة .

وحينئذٍ ينبغي أن يقال : أنّ ظهور الطائفة الدالّة على الجواز ، أقوى من ظهور النهي عن البيع في الطائفة الأخرى في المعنى الأوّل ، لو كان له ظهوره في ذلك ولم نقل بتردّده بين المعنيين ، أو ظهوره في الثاني ، فيقدّم ظهور الجواز وينتج من مجموع الطائفتين وجوب إعارة الزائد على الحاجة من القناة مجّاناً للآخرين وجواز بيعها ، المنتج لانتقال حقّ الاختصاص والأولوية إلى المشتري .

٧٠٣

إلحاق المعدن بالأرض( ١١ )

نعني بذلك : أنّ المعدن كالأرض من هذه الناحية ، لأنّ دليل الحقّ أو التملّك الثابت في المعدن لبّي ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقه ، والاستصحاب يمكن منع جريانه لأكثر من وجه واحد .

فإن قيل : أنّ الأخبار الواردة في خمس المعدن التي تأمر المستخرج للمعدن بدفع الخمس تدلّ بالإطلاق أو الالتزام على كون المستخرج مالكاً لغير الخمس من المعدن ، وعليه يكون الدليل على تملّك الفرد للمعدن لفظياً لا لبّياً .

قلنا : إنّ تلك الأخبار ليست في مقام البيان من ناحية حكم المعدن ، وحقّ الشخص المستخرج فيه ، لتتمسّك بها لإثبات ذلك الحقّ في موارد الشكّ في ثبوته ، وإنّما هي بصدد بيان ثبوت الخمس ، في مورد يملك الفرد فيه المعدن بالاستخراج ، فلا يمكن إثبات نفس الملكيّة بقاءً أو حدوثاً في مورد الشكّ بها ، ومورد الكلام فيها المادّة المستخرجة لا رقبة المعدن .

٧٠٤

الطير يملك بالصيد وإن لم تتم حيازته ( ١٢ )

إنّ إطلاق قول الإمام الرضاعليه‌السلام في الصحيح :( من صاد ما هو مالك لجناحيه ، لا يَعرِف له طالباً فهو له ) (١) . يدلّ على ما تقدّم في الكتاب(٢) ؛ لأنّه يقرّر : أنّ الطير يحكم به للصائد بمجرّد تحقق عنوان الصيد ، سواء تحقّقت الحيازة أو لا فيشمل صورة انفكاك الصيد عن الحيازة ، كما في الفرضية التي بينّاها في الكتاب ومدلول ذلك أنّ الصيد بنفسه سبب كالحيازة ، ومردّ هذا من الناحية النظرية إلى تملّك الصياد للفرصة التي خلقها عمله .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣٨٨ ، الباب ٣٦ من أبواب الصيد ، الحديث الأوّل .

(٢) راجع مبحث : أساس التملّك في الثروات المنقولة .

٧٠٥

الفرق بين التملّك بالصيد والتملّك بالحيازة ( ١٣ )

والدليل الفقهي على ذلك إطلاق قول الإمام الصادق (ع) في الصحيح :( إذا ملك الطائر جناحيه فهو لمن أخذه ) (١) . فإنّ هذا الإطلاق يشمل ما إذ كان هذا الطائر المالك لجناحيه ، قد استحقّه قبل ذلك شخص آخر بالصيد ، ثمّ استرد امتناعه وطار .

فإنّ قيل : إنّ هذا الإطلاق مقيّد بما جاء في رواية محمّد بن الفضيل وغيرها :( قال : سألته عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهماً ، قال : إذا عرفت صاحبه فردّه عليه ) (٢) .

قلنا : إنّ هذا النصّ وأمثاله ، وإنّ كان مقيّداً للمطلق السابق ، ولكن مورده هو ما إذا كان الطير قد دخل في حيازة صاحبه السابق ، وذلك بقرينة قوله( رده عليه ) فإنّ الأمر بالردّ ظاهر في : أنّ المفروض هو العلم بسبق يد الغير عليه وأمّا فرض الاستحقاق بمجرّد الصيد ، دون الحيازة ، كما في الصورة التي بيناها ، فلا ينطبق عليه النصّ الوارد في الرواية محمّد بن الفضيل ، لعدم صدق عنوان الردّوعليه : فينتج ـ بعد ملاحظة المطلق مع رواية ابن الفضيل ـ التفضيل بين ما إذا كان الطير المالك لجناحيه قد حازه شخص سابقاً وملكه بالحيازة ، وبين ما إذا كان قد ملكه واستحقّه بمجرّد الصيد ففي الأوّل لا يحلّ الطير لمن يصطاده ثانياً ، وفي الثاني يحلّ

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣٨٩ ، الباب ٣٧ من أبواب الصيد ، الحديث الأوّل .

(٢) المصدر السابق : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، الباب ٣٦ من أبواب الصيد ، الحديث ٢ .

٧٠٦

بحثٌ في : تملّك الشخص لِما يحوزه المتبرّع أو الوكيل أو الأجير ( ١٤ )

يمكن تصنيف البحث إلى جهاتٍ ثلاث :

الجهة الأولى : فيما إذا حاز الفرد لآخر تبرّعاً دون وكالة أو إجارة ، فهل يملك الآخر أو لا ؟

والجواب على هذا : يجب أن يكون بعد الفراغ عن تعقّل إضافة الحيازة بوجه ما إلى غير المباشر ، وذلك بأنّ يقصد المباشر الاستيلاء على مال تمهيداً لاستيلاء الغير وانتفاعه به ، فتكون حيازة المباشر للمال ذات إضافة إلى ذلك الشخص تجعله يوصف بأنّه محازٌ له ، فيتّجه السؤال عن تملّك المُحاز له للمال المُحاز .

والجواب : بالنفي ؛ وذلك لعدم وجود شيء من العناصر التي يحتمل فقهياً أنّها تبرّر تملّك غير الحائز لمّا يحوزه من أموال بلا عقد إجارة ولا وكالة ، ونفس الحيازة إنّما تبرّر ملكيّة الحائز لا غيره ، والمُحاز له ليس حائزاً فلا يوجد بالإضافة إليه سبب الملكية ، سواء كان السبب مجرّد ممارسة عملية الحيازة ، أيّ المظهر المادّي لها ، أو الحيازة التي يمارسها الحائز بشكلٍ هادفٍ وبقصد الانتفاع بما يحوز ، فعلى كلاً التقديرين لا يوجد مبرّر لتملّك المُحاز له تلك الثروة التي حازها غيره .

أمّا على الأساس الأوّل ، الذي يجعل من الجانب المادّي للحيازة سبب كافياً للملكية ، فلأنّ المُحاز له لم يصدر منه أيّ استيلاء ليكتسب عن طريقه الملكية وإمّا على الأساس الثاني فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الاستيلاء عنصر أساسي في السبب المملّك على أيّ حال ، وهو لا يوجد في المُحاز له .

٧٠٧

وقصارى الفرق بين الأساسين : أنّ الحائز المباشر الذي قصد بالحيازة غيره يملك المال المُحاز على الأساس الأوّل ؛ لأنّ الجانب المادّي من الحيازة قد تحقّق منه ، وأمّا على الأساس الثاني فلا يملكه .

الجهة الثانية : فيما إذا وكّل فردٌ غيره في الحيازة له ، فحاز الوكيل لموكّله وهذا هو نفس الغرض السابق ، مع زيادة فرض الوكالة ، فبعد الفراغ عن عدم تملّك المُحاز له في الفرض السابق يتركّز الكلام هنا في سببية الوكالة ، لتملّك الموكّل لِما يحوزه الوكيل من ثروات الطبيعة .

وما يمكن أن يقال في تبرير هذه السببية هو : أنّ فعل الوكيل ينتسب بالوكالة إلى الموكّل ، فتكون حيازة الوكيل حيازة للموكِّل كما يكون بيع الوكيل بيعاً لموكِّله ، فيتمّ بذلك سبب الملكية بالنسبة إلى الموكّل .

والجواب على هذا البيان : أنّ انتساب فعل الوكيل إلى الموكّل إنّما هو في الأمور الاعتبارية كالبيع والهبة والإجارة لا في الأمور التكوينية التي يكون انتسابها تكوينياً فبالوكالة يصدق على الموكّل أنّه باع كتابه إذ باعه وكيله ، ولكن لا يصدق عليه أنه زار فلاناً إذا وكّل شخصاً في زيارته ؛ لأنّ انتساب الزيارة للزائر تكويني ، بخلاف انتساب البيع إلى البائع فإنّه اعتباري قابل للتوسعة عرفاً بالوكالة والحيازة بوصفها استيلاءً خارجياً هي من نوع الزيارة التي لا تنتسب إلى غير الزائر بمجرّد الوكالة ، وليست من قبيل البيع والهبة .

وعلى هذا الأساس نقول : إنّ صحّة الوكالة في الأمور الاعتبارية المشروعة بأدّلتها ، كالبيع ونحوه من المعاملات ، على وفق القاعدة ، ويكفي فيها نفس الأدلّة الأوّلية العامة كدليل صحّة البيع من المالك مثلاً ؛ لأنّ الوكالة ـ نظراً إلى أنّها تؤدّي إلى انتساب بيع الوكيل إلى الموكل ـ تحقّق بذلك مصداقاً لإطلاق الدليل الأوّلي الدالّ على صحّة البيع بلا حاجة إلى دليل شرعي خاص يدلّ على صحّة الوكالة .

وأمّا في غير الأمور الاعتبارية ، فحيث أنّ مجرّد الوكالة لا يحقّق توسعة في الانتساب التكويني ، فتحتاج صحّة الوكالة وتنزيل عمل الوكيل منزلة عمل الموكِّل في الآثار الشرعية إلى دليل خاص ، ولا يكفي الدليل الأوّلي الدالّ على ترتب تلك الآثار على أسبابها .

٧٠٨

وحيث إنّه لا إطلاق في أخبار الوكالة ، فالأصل يقتضي عدم ترتب آثار فعل الموكّل على فعل الوكيل في الأمور التكوينية ، ما لم يقم دليل خاص على التنزيل التعبّدي من قبل الشارع وفي باب الحيازة لم يقم دليل خاص من هذا القبيل ، فتلغوا بالوكالة فيها(١) .

ـــــــــــــــ

(١) فإن قيل : إنّ مردّ الوكالة في جميع الأمور الاعتبارية إلى تنزيل فعل الوكيل منزلة فعل الموكّل ، وإسناد بيع الوكيل إلى الموكِّل إنّما هو باعتبار هذا التنزيل ، فتتوقّف صحّة الوكالة في أيّ مورد سواء كان اعتبارياً كالبيع أو تكوينياً كالحيازة على قيام دليل على التنزيل الشرعي الابتدائي أو التنزيل العقلاني المُمضى شرعاً ولا يكفي التمسّك بنفس الأدلّة الأوّلية الدالّة على صحّة بيع المالك ، أو على التملّك بالحيازة فلا فرق ـ إذن ـ بين الأمور الاعتبارية والتكوينية من حيث الاحتياج إلى دليل آخر على ثبوت التنزيل الشرعي تأسيساً أو إمضاء .

قلنا : إنّ تصحيح الوكالة في موارد الأمور الاعتبارية والإنشائية كالبيع ونحوه ، ليس بملاك تنزيل فعل الوكيل وبيعه منزلة فعل الموكّل وبيعه ؛ وذلك لأنّنا في موارد الوكالة في الأمور الاعتبارية نرى صحّة إسناد البيع الصادر من الوكيل إلى المالك حقيقة ، فإذا بيع دار زيد من قبل وكيله ، صحّ لزيد أن يقول : بعت داري ، ولنا أن نقول : زيد باع داره ومن الواضح : أنّ تنزيل فعل الوكيل منزلة فعل الموكّل غاية أثره أنّه يكون حاكماً على الدليل الأوّلي الدالّ على بيع المالك ، وموسّعاً لموضوعه ، ومدرجاً لبيع الوكيل فيه بالتعبّد والحكومة ، ولا يوجب صحّة إسناد البيع إلى المالك حقيقة ؛ لأنّ باب التوسعة في دائرة الحكم غير باب التوسعة في دائرة الإسناد والاستعمال ، كما هو الحال في سائر موارد الأدلّة الحاكمة ، فالدليل الدالّ على تنزيل الاحتمال منزلة العلم ـ مثلاً ـ لا يصحّح إسناد العلم إلى الشاكّ حقيقة ، وإن أوجب توسعة دائرة أحكام العلم .

وهكذا نعرف : أنّ تصحيح الوكالة في الأمور الاعتبارية ليس من باب التنزيل ؛ لأنّ التنزيل لا يصحّح الإسناد والتوسعة في دائرة الاستعمال حقيقة ، فلا بدّ من الالتزام بوجه في معنى الوكالة في الأمور الاعتبارية يلتئم مع ما هو المرتكز عرفاً من صحة إسناد بيع الوكيل إلى المالك حقيقة وهذا الوجه هو : أن يكون مردّ التوكيل ـ بالارتكاز العرفي ـ إلى إنشاء مضمون المعاملة على سبيل التعليق .

فتوكيّل المالك في بيع داره ، معناه : إنشاء بيعها على تقدير بيع الوكيل للدار بحيث يكون إنشاء المالك للبيع فعلياً ، ومتضمّناً في نفس إنشاء التوكيل بالارتكاز ، ويكون المنشأ معلّقاً على حصول البيع من الوكيل فعلى هذا يصحّ إسناد البيع حينئذٍ إلى المالك حقيقة ، عند حصول البيع من الوكيل .

فإن قيل : إنّ التعليق في المنشأ يوجب البطلان في البيع ونحوه من المعاملات .

قلنا : إنّ كون التعليق موجباً للبطلان ليس له دليل لفظي ، وإنّما دليله أحد أمرين : إمّا الإجماع التعبّدي على ذلك ، وإمّا أنّ المعاملة المعلّقة في مقام الإنشاء مخالفة للارتكاز العرفي ، الذي يصبح سبباً في انصراف المطلقات نظير ـ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) ـ عنها وكلا الأمرين غير موجود في هذا التعليق الذي فسّرنا به الوكالة أمّا الإجماع فهو منعقد على صحّة الوكالة بمعناها الارتكازي ، والمفروض أنّ المعنى الارتكازي يتضمّن التعليق .

٧٠٩

الجهة الثالثة : فيما إذا استأجر فرد غيره لحيازة المباحات ، فهل يملك المستأجر ما يحوزه الأجير أو لا ؟

وهذه الجهة يمكن تقسيمها إلى فرعين .

أحدهما : فيما إذا تعلّقت الإجارة بحصّة خاصة من الحيازة ، وهي حيازة الأجير للمستأجر بحيث يملك المستأجر على الأجير هذه الحصّة من العمل .

والفرع الآخر : ما إذا تعلّقت الإجارة بطبيعي الحيازة .

أمّا الفرع الأوّل : وهو ما إذا تعلّقت الإجارة بالحيازة للمستأجر ، فتارة يفرض أنّ الأجير يحقّق حصّة أخرى من الحيازة ، كما إذا حاز لنفسه وأخرى يفرض أنّه يجوز للمستأجر وفقاً لما استأجره عليه .

ففي الفرض الأوّل لا ريب في عدم تملّك المستأجر لما حازه الأجير ؛ لأنّ الحيازة التي وقعت منه ليست مملوكة له ، ولا مستندة إلى عقد الإجارة ليتوهّم ملكيّته لنتائجها .

وأمّا الفرض الثاني من الفرع الأوّل : وهو ما إذا حاز الأجير للمستأجر وفقاً لعقد الإجارة ، فليس هناك ما يميّزه بالبحث فقهياً عن الفرع الثاني ، وهو ما إذا تعلّقت الإجارة بطبيعي الحيازة إذ لا يوجد فيه ما يحتمل كونه مبرّراً لتملّك المستأجر للثروة التي يحوزها الأجير إلاّ عقد الإجارة ، فلو قيل في هذا الفرض : بأنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره ، فإنّما ذلك على أساس عقد الإجارة وهذا الأساس بنفسه ثابت في الفرع الثاني أيضاً .

وهكذا يجب تركيز البحث عن الفرض الثاني من الفرع الأوّل ، وعن الفرع الثاني في هذه النقطة ، وهي : أنّ عقد الإجارة هل يكون سبباً لتملّك المستأجر الثروة الطبيعية التي يحوزها أجيره ؟

ومن الواضح فقهياً : أنّ المدلول الابتدائي لعقد الإجارة ودوره الأصيل هو : منح المستأجر ملكيّة منفعة العين المستأجرة ، كالسكنى في إجارة الدار ومنفعة الأجير في استئجار العامل ، ومنفعة الأجير هي عمله بما هو حيثية قائمة به كقيام حيثية الانتفاع بالسكنى بالدار المستأجرة.

وهذا يعني في موضوع البحث : أنّ ما يملكه المستأجر بصورة رئيسيّة إنّما هو فعل الأجير ، أيّ حيازته بما هي منفعة قائمة به وأمّا موضوع الحيازة ـ أي : الثروة المُحازة ـ فهو إن كان يملكه المستأجر فليس ذلك مدلولاً مباشراً لعقد الإجارة ، بل لا بدّ أن يكون نتيجة لتملّكه للحيازة ، كما إذا افترضنا أن تملّك الحيازة يلزم منه فقهياً تملّك موضوعها ، أي : المال المُحاز .

٧١٠

وهكذا يتعيّن علينا أن نبحث هذه الناحية فقهياً ؛ لكي نرى أنّ تملّك الحيازة هل يكون سبباً أو ملازماً بلون من الألوان لتملّك المال المُحاز ؟

وعلى الصعيد الفقهي عدّة أمور يمكن الاستناد إليها في تبرير هذه السببية ، والاستدلال على أنّ ملكيّة المستأجر لحيازة الأجير سبب في تملّكه لما يحوزه الأجير من أموال ، وهي كما يلي :

الأوّل : ما هو المعروف في كتاب الجواهر(١) وغيره(٢) ، من أنّ المُحاز نتيجة للحيازة التي يملكها المستأجر ، فيملك المال المُحاز بتبع ملكيته للحيازة ؛ لأنّ الذي يملك الأصل يملك نتائجه .

وهذا الدليل يبيّن ببيانين :

أحدهما : أنّ المال المُحاز نماء لعمل الحيازة المملوك للمستأجر ، فهو كنماء الشجرة ، فكما أنّ مالك الشجرة يملك ثمرتها بسبب ملكيته للشجرة ، كذلك المستأجر يملك الخشب الذي حازه أجيره من الغابة ، بسبب ملكيّته للحيازة التي مارسها الأجير .

والآخر : أنّ الحيازة كالخياطة ، فكما أنّ أثر الخياطة مملوك بملك الخياطة كذلك أثر الحيازة بعد جعل الشارع لها سبباً مملوك بملك الحيازة ، وكون الأثر تارة هيئة ، وأخرى عيناً ، غير فارق ؛ لأنّ منفعة كلّ شيء بحسبه .

أمّا البيان الأوّل : فهو غير صحيح ، لوضوح الفرق بين نسبة المال المُحاز إلى الحيازة ونسبة الثمرة إلى الشجرة فإنّ الثمرة نماء طبيعي للشجرة ، وأمّا الخشب المُحاز فهو ليس نماءً للحيازة بوجه من الوجوه ، وإنّما الذي ينتج عن الحيازة وقوع الخشب تحت السيطرة لا الخشب نفسه ، والدليل إنّما دلّ على أنّ من يملك شيئاً يملك نماءه الطبيعي ، كثمر الأشجار وبيض الدجاج ، وأمّا النماء بالمعنى المجازي الذي قد يطلق هنا على الخشب المُحاز فلا دليل على تملّكه بتملّك الحيازة .

وأمّا البيان الثاني فيرد عليه :

أوّلاً : أنّ اثر الخياطة ليس مملوكاً بنفس عقد الإجارة ، فلو أنّ شخصاً

ـــــــــــــــ

(١) راجع : جواهر الكلام ٢٦ : ٣٣٤ .

(٢) انظر : مسالك الأفهام ٤ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ .

٧١١

استأجر الخياط لخياطة قطعة من الصوف قميصاً له ، فهو لا يملك أثر الخياطة ، وهو الهيئة الخاصة التي بها يكون الصوف قميصاً بسبب عقد الإجارة ، وإنّما يملك الهيئة بنفس ملكيّة للصوف الثابتة قبل عقد الإجارة ؛ لأنّ ملكيّة المادّة في الشرع هي ملكية لجميع ما يطرأ عليها من هيئات محضة ، وليس للهيئة ملكية مستقلّة .

ولهذا لو افترضنا أنّ قطعة الصوف ليست للمستأجر ، وإنّما هي لشخص آخر باح له التصرّف فيها لم يكن المستأجر يملك بعقد الإجارة هيئة الثوبية ، وهذا يعني أنّ أثر عمل الأجير ـ كهيئة الثوب مثلاً ـ إنّما يكون مِلكاً للمستأجر إذا حصل في مادّة مملوكة له في الدرجة السابقة على عقد الإجارة ، وفي موضع البحث حيث أنّ الخشب المُحاز لم يكن مملوك للمستأجر قبل الإجارة ، بل هو من المباحات العامة ، فقياسه بأثر الخياطة باطل لوجود الفارق .

وثانياً : أنّ أثر الحيازة المقابل للهيئة الناتجة عن الخياطة ، ليس هو نفس الخشب ، بل ملكيّة الخشب المترتبة شرعاً على الحيازة فملكية المال المُحاز في موارد الحيازة هي التي تقابل نفس الهيئة الحاصلة من الخياطة فلو أريد قياس الحيازة بالخياطة وقطعنا النظر عن الاعتراض الأوّل ، لكانت نتيجة ذلك أن يملك المستأجر ملكية الخشب ، لا نفس الخشب ، وهذا لا معنى له .

الثاني : أنّ حيازة الأجير لمّا كانت مملوكة للمستأجر فهي حيازته في الحقيقة ، فالمستأجر يملك الخشب المُحاز ، بوصفه حائزاً له بنفس حيازة أجيره .

واعتراضنا على هذا الوجه :

أوّلاً : إنّ ملكية المستأجر لحيازة الأجير تحقّق إضافة الحيازة إلى المستأجر بإضافة الملكية ، لا على حدّ إضافة الفعل إلى فاعله ، بحيث يكون المستأجر حائزاً بحيازة أجيره ، وما هو سبب تملّك فرد للمال إنّما هو كونه حائزاً له لا كونه مالكاً لحيازته .

٧١٢

وثانياً : لو سلّمنا انتساب نفس الفعل ـ وهو الحيازة ـ إلى المستأجر بسبب ملكيّته له ، فلا يجدي أيضاً ؛ لأنّ دليل التملّك بالحيازة ليس دليل لفظياً له إطلاق ليتمسّك بإطلاقه ، وإنّما هو دليل لبّي ، يقتصر فيه على القدر المتيقّن .

وأمّا دعوى الإجماع على أنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره فهي دعوى غير مقطوع بصحّتها ، ولو سلّمناها لَما كفى الإجماع المذكور لإثبات الملكية في موضع البحث ؛ لأنّ من المحتمل استناد كثير من المجمعين إلى الاعتقاد بأنّ قواعد الإجارة تقتضي ذلك ، إيماناً منهم بالملازمة بين ملكية الحيازة وملكية موضوعها وحيث إنّا لا نقرّ هذا الأساس ، فلا يكون الإجماع بالنسبة إلينا تعبّدياً .

الثالث : أنّ السيرة العقلانية ـ أو العرف العام ـ قائمة على تملّك المستأجر لِما يحوزه الأجير من الأموال .

ويمكن لأحد أن يقول : إنّ هذه السيرة لم تتوفّر لدينا الأسباب التي تكفي للعلم بوجودها وامتدادها وانتشارها في عصر التشريع ، إلى درجة يستكشف إمضاؤها من عدم وصول الردع عنها .

وإذا اعترفنا بهذه السيرة ، ووجاهة الاستدلال بها فهي إنّما تدلّ في الموارد التي يعلم بشمول السيرة لها ؛ لأنّها دليل لبي فلا يمكن الاستدلال بها ـ حينئذٍ ـ إلاّ فيما إذا قصد الأجير بالحيازة تملك المستأجر ، ولا تشمل صورة ما إذا لم يحز الأجير بنيّة المستأجر ؛ لأنّ هذه الصورة ليست متيقّنة من السيرة جزماً .

الرابع : دعوى دلالة عمومات وإطلاقات صحة الإجارة على المطلوب ، وذلك لأنّها تدلّ على صحة الإجارة في موضع البحث بالمطابقة ، وتدلّ على تملّك المستأجر لما يحوزه الأجير بالالتزام ، وإلاّ لكانت الإجارة لغواً ، وبل منفعة عائدة إلى المستأجر ، ولكانت لأجل ذلك باطلة فصحّتها ملازمة مع تملك المستأجر للمال المُحاز .

٧١٣

ويرد عليه :

أوّلاً : أنّ انتفاع المستأجر بعمل الأجير لا ينحصر بتملّكه للمال المُحاز ، بل قد يتعلّق غرض عقلائي بنفس الحيازة ، واقتطاع الخشب من الغابة أو بتملّك الأجير نفسه فالإجارة ليست سفهيّة على أيّ حال .

وثانياً : أنّه لو سلّم كون الإجارة سفهيّة ، وأنّ الإجارة السفهيّة خارجة تخصّصاً أو تخصيصاً عن أدلّة صحّة الإجارة ، فلا يصحّ التمسّك بهذه الأدلّة لإثبات صحّتها ، فضلاً عن إثبات تملّك المستأجر للمال المُحاز ؛ لأنّه من التمسّك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية .

أضف إلى ذلك إمكان التشكيك في وجود إطلاقات في أدلّة الإجارة ؛ لأنّ أخبار الباب الصحيحة ليس فيها ما يكون مسوقاً لبيان أصل صحّة الإجارة بقول مطلق ليتمسّك بإطلاقها وآية :( أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (١) تدلّ على اللزوم ، ولا تدلّ على الصحّة ، لا مطابقة ولا التزاماً وقوله :( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) (٢) ، مختصّ بالتجارة ، وهي ظاهرة في البيع والشراء ولا تشمل مطلق العقود التمليكية .

الخامس : ما جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام من أنّه قال :( من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق ) (٣) .

وهذا يدلّ على أنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره ، وإلاّ لما صحّ هذا الكلام على الإطلاق ، ولَمَا صدق على من آجر نفسه للحيازة ونحوها .

ـــــــــــــــ

(١) سورة المائدة : ١ .

(٢) سورة النساء : ٢٩ .

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٠٣ ، الباب ٢ من أبواب كتاب الإجارة ، الحديث الأوّل .

٧١٤

فإطلاق النصّ وشموله لكلّ أجير ، دليل على أنّ المال المُحاز يملكه المستأجر لا الأجير .

ويرد عليه : ـ إضافة إلى إمكان المناقشة في دلالة النصّ ـ : أنّ هذا النصّ لم يرد بسندٍ صحيح ، وطرقه كلّها غير صحيحة فيما أعلم(١) ، فلا يمكن الاعتماد عليه .

وهكذا نعرف ـ على ضوء جميع هذا المناقشات ـ : أنّ ملكية المستأجر لحيازة الأجير ليست سبباً في تملّكه للأموال التي يحوزها أجيره(٢) .

ـــــــــــــــ

(١) راجع وسائل الشيعة ١٧ : ٢٣٨ ، الباب ٦٦ من أبواب ما يكتسب به .

(٢) وقد يلاحظ على ما سبق : أنّ تملّك المستأجر للثروة التي يحوزها أجيره يكفي في ثبوته فقهياً عدم توفّر دليل على تملك الأجير الممارس للحيازة لها ؛ لأنّ الأجير وإن باشر الحيازة ولكن الدليل على أنّ الحيازة سبب للملكية ليس إلاّ السيرة العقلائية ـ لضعف الأخبار الواردة في هذا الباب دلالة وسنداً ـ ولا نعلم أنّ السيرة العُقلائية في عصر التشريع كانت تمنح الأجير ملكية الثروة المُحازة ، فإذا لم يثبت تملّك الأجير للثروة تعين أن يكون المستأجر هو المالك .

ولكن هذه الملاحظة لا تبرّر ملكية المستأجر للثروة حتى إذا تمّت وسلّمنا معها بعدم وجود دليل على ملكية الأجير ، فإنّ عدم توفّر هذا الدليل لا يعني توفّره من الناحية المقابلة .

ويمكن أن نضيف إلى ذلك :

أنّ هذا الملاحظة لا تطّرد في موارد الإحياء التي جاء فيها النصّ القائل : ( من أحيا أرض فهي له ) ؛ لأنّ الدليل هناك متوفّر على أنّ صاحب الحقّ هو المُحيي للأرض ، والمحيي هو الأجير ؛ لأنّه الذي مارس عملية الإحياء ، فيكون الحقّ له بموجب إطلاق النصّ فتأمّل (المؤلّف قدّس سرّه)

٧١٥

بحثٌ في : أنّ المالك بالحيازة هو المُحاز له لا الحائز ( ١٥ )

قد يكون من الأفضل القول : بأنّ الثروة الطبيعية إذا حازها الشخص لفردٍ آخر مَلكها ذلك الفرد المُحاز له ، لا على أساس أنّ المباشر للحيازة وكيل عنه أو أجير له ، بل مجرّد كونه مُحازاً له هو السبب في تملّكه ؛ لأنّ الدليل على التملّك بالحيازة إنّما هو السيرة ، التي يمكن أن يقال : أنّها قائمة على تُملِّك المُحاز له سواء كان هو الحائز أو غيره فتملُّك المُحاز له ليس بوصفه حائزاً ليعترض عليه بما تقدّم ـ في الجهة الأولى من الملحق السابق ـ من أنّ المُحاز له ليس حائزاً بوصفه موكّلاً أو مستأجراً ، ليعترض عليه بما مرّ ـ في الجهتين الأخيرتين من الملحق السابق ـ من أنّ عقد الوكالة أو عقد الإجارة لا يقتضي ذلك .

وإذا تمّ هذا فمعناه أنّ غير الممارس للحيازة إنّما يملك الثروة المُحازة في صورة واحدة ، وهي : ما إذا قصد الممارس أن يحوز له ، وأمّا في غير هذه الصورة فلا يملك غير الممارس الثروة المُحازة ، ولا يبرّر تملّكه له كون المباشر وكيلاً عنه أو أجيراً له ؛ لأنّا عرفنا في الملحق السابق أنّ صحّة الوكالة في الأمور التكوينية تحتاج إلى دليل خاص وهو ليس موجودا ً. وإنّ عقد الإجارة إنّما يقتضي تملّك المستأجر لحيازة الأجير بما هي عمل من أعماله لا لموضوع الحيازة ، أي : الثروة المُحازة .

٧١٦

الجُعالة في كتاب اقتصادنا(١) ( ١٦ )

الجُعالة هي كما يقال عادةً : الالتزام بعوضٍ على عملٍ ، كما إذا قال صاحب المال : من خاطَ ثوبي فله درهم ، ومن فتّش عن كتابي الضائع فله دينار فالخياطة والتفتيش عن الكتاب الضائع عملان يلتزم صاحب الثوب والكتاب بالمكافأة عليهما بدرهم أو بدينار ، وإذا مارسها شخص استحقّ العوض المفروض في الجُعالة ، بمعنى أنّ العامل يملك في موارد الجُعالة العوض بالعمل وأمّا صاحب المال فهو لا يملك العمل على العامل ، ولهذا يختلف عن المستأجر الذي يملك عمل أجيره بموجب عقد الإجارة ، كما أوضحنا ذلك في الكتاب الثاني من اقتصادنا ، الصفحة ٦٧٦ .

وقد قلنا في ذلك الكتاب ( ص ٦٨٨ ) : إنّ العامل قد يفرض له في الجُعالة عوض منفتح مرتبط بأرباح الجاعل ، كما إذا كان الجاعل من منتجي الأسِرّة الخشبيّة فيجعل لكلّ من يعمل من ألواحه سريراً نصف ما سوف يجنيه من الأرباح ، فترتبط مكافأة العامل بنتائج العمليّة وأرباحها ارتفاعاً وانخفاضاً .

كما قلنا أيضاً : إنّ تاجر الأسِرّة الخشبيّة هذا لا يمكن أن يفرض مكافأة من هذا القبيل لأدوات الإنتاج ، فلا يصحّ أن يقول : من أعانني بجهازٍ لتقطيع الخشب فله عليّ كذا .

ـــــــــــــــ

(١) لم يطبع هذا الملحق في كتاب اقتصادنا وقد كتبه المؤلّف الشهيد نظراً إلى بعض الأسئلة التي تلقّاها بهذا الشأن ، فأدرجناه هنا إتماماً للفائدة (لجنة التحقيق) .

٧١٧

ونظراً إلى بعض الأسئلة التي تلقّيتها بهذا الشأن أردت أن أوضّح الفكرة من الناحية الفقهيّة في كلٍّ من هاتين النقطتين:

أمّا النقطة الأولى ـ وهي علاقة تاجر الأسِرّة بالعامل في الجُعالة ـ فتوضيحها : أنّ الجُعل الذي يفرضه تاجر الأسِرّة للعامل في الجُعالة يمكن تصويره بأنحاء :

١ ـ أن يجعل له نصف الخشب الذي يملكه التاجر فعلاً ، وذلك بأن يقول التاجر : من عمل سريراً من خشبي هذا فله نصف هذا الخشب وفي هذه الحالة يكون العوض شخصيّاً وعيناً خارجيّة معيّنة ولا إشكال فيه .

٢ ـ أن يجعل له مالاً في الذمّة يحدّد بكونه مساوياً لنصف الثمن أو الربح الذي سوف يحصل عليه التاجر عند بيع السرير لو أراد بيعه ، بمعنى : أنّ تاجر الأسرّة يقول : من عمل سريراً من خشبي هذا فله في ذمّتي مالٌ بقدر نصف الثمن الذي سوف يتاح الحصول عليه عند بيع السرير بعد إكمال صنعه .

وفي هذه الحالة يكون العوض أمراً في الذمّة ، ولا إشكال فيه إلاّ من ناحية أنّ العوض هنا غير محدّد تحديداً كاملاً ، فبناءً على عدم اشتراط تعيين العوض في باب الجُعالة ـ كتعيين الأجرة في الإجارة ـ لا مانع من الالتزام بصحّة هذه الجُعالة .

٣ ـ أن يجعل التاجر نصف الثمن الشخصي الذي سوف يحصل عليه عند بيع السرير ، لا مالاً في ذمّته يعادل النصف ، أو يفرض له نصف الربح العيني الذي سوف يوجد في البضاعة .

ولا بدّ لتحقيق هذه الصورة من الالتفات إلى شيء ، وهو : أنّ العامل في باب الجُعالة يملك الجعل بإتيانه للعمل ، ففيما إذا كان الجعل نصف الثمن الذي سوف يحصل عليه البائع لا نتصوّر ملكيّة العامل لشيء على التاجر ؛ لأنّ الجعل

٧١٨

ليس عيناً شخصيّة مملوكة للتاجر فعلاً ليملكها العامل بالعمل ، ولا مالاً في ذمّته ليعقل تملّك العامل له بعد إنجاز عمله .

وهذا الإشكال نظير الإشكال في إجارة الأرض وجعل الأجرة شيئاً من حاصلها ، فإنّ الأجرة في هذا الفرض ليست عيناً خارجيّةً وشيئاً خارجيّاً موجوداً في ملك المستأجر فعلاً ، ولا مالاً في ذمّته ليصبح بعقد الإجارة مِلكاً للمؤجّر ، فمن اختار بطلان الإجارة بهذا النحو لأجل هذا الإشكال لَزمه في محلّ الكلام أيضاً ؛ لأنّ الجعل في الصورة المشار إليها كالأجرة في تلك الإجارة ، لا هو أمرٌ خارجي مملوك فعلاً للجاعل ولا شيء في ذمّته ، فأيّ شيء يملك العامل على الجاعل بالعمل ؟ ومن لم يأخذ بهذا الإشكال بعين الاعتبار في باب الإجارة يمكنه البناء على صحّة الجُعالة في المقام أيضاً .

هذا هو ملخّص الكلام في النقطة الأولى .

وأمّا النقطة الثانية ـ وهي علاقة تاجر الأسرّة بأداة الإنتاج ـ فتوضيحها : أنّ الجُعالة هنا تتصوّر على أنحاء أيضاً بلحاظ ما يجعل بإزائه الجعل :

الأوّل : أن يكون الجعل بإزاء منفعة أداة الإنتاج ، بأن يقول تاجر الأسرّة : إنّي أجعل ديناراً لمن انتفع بالأداة التي يملكها في تقطيع الخشب ، وهذا الجُعالة باطلة ؛ لأنّ الجُعالة لا بدّ أن تتضمّن جعلاً على عمل لا على منافع لأموال ، فلا يمكن فرض المجعول له منفعة أداة الإنتاج .

الثاني : بأن يكون الجعل بإزاء تمليك صاحب الأداة منفعة أداته لتاجر الأسرّة ، والفرق بين هذا وسابقه : أنّ الجعل هنا يكون على عمل ، وهو تمليك المنفعة من قبل صاحب الأداة ، لا على منفعة المال ولكنّ الإشكال في تصوّر تمليك المنفعة من قبل صاحب الأداة ، فإنّه إن كان تمليكاً مجّانيّاً بعنوان الهبة فهو يتوقّف على القول بصحّة الهبة في المنافع وعدم اختصاصها بالأعيان ، كما هو

٧١٩

المعروف وإن كان تمليكاً بعنوان الإجارة فهو خلاف المفروض ونظيره : أن يفرض الجعل على إباحة مالك الأداة للتصرّف فيها والانتفاع بها لا على تمليك منافعها وعلى أيّ حال لا يكون الجعل بإزاء مساهمة أداة الإنتاج في العمليّة ، بل بإزاء عمل يصدر من مالك الأداة ، وهو التمليك أو الإباحة ، ولهذا يستحقّه ولو لم تساهم الأداة في الإنتاج أصلاً .

الثالث : أن يكون الجاعل هو مالك الأداة لا تاجر الأسرّة ، بأن يقول مالك الأداة : من أعطاني نصف هذا الخشب فله منفعة هذه الأداة جعلاً ، بحيث تكون منفعة الأداة والعمل الذي جعل له هذا الجعل هو إعطاء تاجر الأسرّة نصف الخشب لمالك الأداة ، أي تمليكه نصف الخشب ، ولا يأتي فيه الإشكال السابق في هبة المنافع ؛ لأنّ هذا يدخل في باب هبة الأعيان لا المنافع ، ولكنّ منفعة الأداة في هذا الفرض تكون بنفسها مكافأة ، والكلام إنّما هو في تحديد نوع مكافأتها لا في صيرورتها مكافأة على شيءٍِ آخر .

٧٢٠