معطيات آية المودة

معطيات آية المودة0%

معطيات آية المودة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 102

  • البداية
  • السابق
  • 102 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17052 / تحميل: 6393
الحجم الحجم الحجم
معطيات آية المودة

معطيات آية المودة

مؤلف:
العربية

سلسلة من هدي الإسلام (١)

مُعطَيات

آية المودّة

السيّد محمود الهاشمي

١

مُشخّصات الكتاب:

اسم الكتاب: مُعطَيات آية المودّة.

المؤلف: السيّد محمود الهاشمي.

الناشر: مكتب السيّد محمود الهاشمي.

العدد: ١٠٠٠٠ نسخة.

المطبعة: نمونة.

عدد الصفحات: ١٠٤.

القياس: رقعي.

تاريخ النشر: ٢٠/١١/١٣٦٢

٢

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

تتضمّن هذه الحلقة المؤلّفة من مجموعة من المحاضرات لسماحة السيّد محمود الهاشمي، معانٍ عديدة، جاءت بها من خلال معالجة مفهوم (مودّة أهل البيت (عليهم السلام»، فقد بيّنت بجلاء أنّ المراد بهذه المودّة، إنّما هي المودّة الرسالية التي هي في الحقيقة مودّة ومحبّة لأصل الرسالة، وليست مودّة مرتبطة برباط عاطفي، أو عشائري خاص، إنّ هذه المودّة التي تأمر السماء بها، تُمثِل حبّاً وتعلقاً بأصل الرسالة وامتداداً حقيقياً للمودّة الإلهية، وهؤلاء يُمثِلون الثقل الإلهي في الأرض والرموز التي تُجسِّد القمّة في الكمال، ومن خلالهم سوف تتصل الأرض بالسماء، بالإضافة إلى أنّ إقامة العدل في الأرض بحاجة إلى رسالة صالحة، وإلى صيانة لهذه الرسالة، فإذا علمنا أنّ مصدر الرسالات السماء، فإنّ مسؤولية التنزيل والتأسيس للرسالة تقع على عاتق الرسول، ومسؤولية الصيانة من الانحراف يتكفّل بها خط الإمامة.

إنّ مودّة أهل البيت (عليهم السلام) في نفسها وسيلة وهدف، والالتزام بمستلزمات هذه المودّة، هي الانطلاقة الجادّة نحو تكريس الخط الإلهي في الحياة.

تقديم مكتب

السيّد محمود الهاشمي

٣

المُحاضرة الأُولى

١٤٠٣ هـ

٤

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

وأفضل الصلاة والسلام على قائد المسيرة الصالحة، محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين(عليهم السلام).

كنتُ أقرأ القرآن هذا اليوم فمررت بهذه الآية، ففكّرت أن أجعلها موضوع حديثنا هذه الليلة، وهي قوله تعالى:(قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المودّة فِي الْقُرْبَى) .

هذه الآية الواردة في سورة الشورى، وقعت مثاراً للبحث عند المُفسِرين، ولوحِظ عليها، أنّها رُبّما تكون منافية ومخالِفة مع ظاهر بعض الآيات الأخرى التي تقول:(لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِن أَجرٍ) ، حيث تنفي أن يكون للنبي أجرٌ على الرسالة، حتى ادُعي من قِبَل بعضهم أنّها منسوخة بتلك الآيات التي تنفي مُطلق الأجر.

وأيضاً لوحِظَ عليها، أنّ هذه الآية المباركة، ربّما بالتفسير الذي يفهمه الإنسان العُرفي واللُغوي الاعتيادي من الآية لا تكون مُناسِبة مع مقام النبوة، فكيف أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وهو في قمّة الموضوعية والفناء في الله سبحانه وتعالى، يُفتَرَض فيه أنّه يطلب على رسالته وتبليغه للرسالة أجراً، هو المودّة في قرباه الذي ربّما يُعطي نوعاً من الاهتمام بالأهل والعشيرة ونحو ذلك؟ هذه الأمور التي نحن نعلم أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أبعدَ الناس عنها، وعن التوهم في

٥

أن يتصدّى لتثبيت مكاسب من هذا القبيل لعشيرته، أو لأقربائه، أو لأرحامه، لكن هنا اتّجه بعض الشُذّاذ من المُفسِرين إلى تفسير الآية وتأويلها بشكل آخر، ففسّروها تارةً: بأنّ المقصود في المودّة في القربى، هو التودّد في القُرب إلى الله سبحانه وتعالى، القربى يعني: التقرُب إلى الله، فلا أسألُكم عليه أجراً إلاّ أن تتودّدوا في التقرب إلى الله، وتلحّون في التقرب إليه.

وفسّروها أُخرى: بأنّ المقصود بالمودّة في القربى، أنّ هذا الخطاب إلى المشركين القريشيين، الذين كانوا مُعارِضين للنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في مكّة، وسورة الشورى (هي من السور المكّية) فكأنّه خطاب لهؤلاء، لا أسألُكم عليه من أجرٍ إلاّ أن تَحفَظوا قَرَابتي منكم، وهناك تفسيرات أخرى، طبعاً هذه التفاسير، من الواضح أنّها على خلاف الظاهر القرآني الذي يستفيد منه الإنسان؛

أولاً: إنّ كلمة القربى بمعنى التقرُب غير مُستَعمَلة في اللغة العربية، لكي تُستعمَل كلمة القُربى في هذه الآية بمعنى التقرب إلى الله، وإنّما القربى تُستعمَل بمعنى الأقرباء.

وثانياً: سياق الآية سياق الأجر، ولا معنى أن تقول الآية: لا أسألُكم عليه من أجرٍ إلاّ التقرب إلى الله؛ لأنّ هذا ليس أجراً بحسب الحقيقة، وإنّما الذي يؤدي التقرُب إلى الله سبحانه وتعالى هو نفس

٦

الرسالة، نفس الأحكام التي وردت في الرسالة، فيها وبها التقرُب إلى الله، وهذا التقرُب إلى الله هو نفس الرسالة الإلهية التي جاء بها محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبلّغ بها، التي لا يسأل عليها أجراً، ولا يمكن أن يكون الأجر نفس المأجور عليه.

كما أنّ افتراض أنّ الآية تُخاطِب قريش، هذا من الناحية التاريخية غير صحيح؛ لأنّ هذه الآية بالذات من الآيات المدنيّة، من الآيات الواردة في أواخر الأيام في المدينة، في فترة وجود النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في المدينة، نعم أكثر آيات سورة الشورى هي مكّية، إلاّ أنّ هذه الآية، اعتبرها الكثير من المؤرخين والقرّاء من الآيات المدنيّة وليست من الآيات المكّية، بالإضافة إلى أنّه لا معنى لأن يُخاطِب النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قريش، الذين هم لم يكونوا يؤمنون بهذه الرسالة فيطلب منهم أجراً، إنّ هؤلاء الذين كانوا أعداء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ويعارضونه، ويمنعونه، عن التصديق برسالته، لا معنى لأن يقول لهم: لا أسألُكم عليه من أجرٍ إلاّ المودّة في القربى، فهذه التفاسير في الواقع، هي محاولات يستدِل بعض مَن لم يرق ولا يروق لهم معنى هذه الآية، يفكرون أن يُئوِّلوا، أو يُفسِّروا الآية بتفسير يُبعدها عن المعنى الحقيقي الظاهري للآية، سيّما إذا لاحظنا أنّ الروايات الواردة في كتب الفريقين السنّة والشيعة معاً، في تفسير هذه الآية أو منفصلة عن هذه الآية، لعلّها تكون متواترة بحيث لا يُمكن الخَدشَ والمُناقشةَ فيها،

٧

الروايات الواردة كثيرة، والمحاججات التي وقعت بين الأئمة (عليهم السلام) وبين بعض المُخالِفين، نظير قضية الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الشام، عندما يقول لذلك الشامي:

«هل قرأت القرآن؟

يقول: نعم.

فيتلو عليه الإمام هذه الآية، ويقول له:نحنُ القربى» أمثال هذه المحاورات والمحادَثات كثيرة في حياة الأئمة، هذه أيضاً من الأمور المُسلّمة، فمجموع الروايات الواردة والفهم الذي كان يستدل به الإمام (عليه السلام)، فإذا لم تكن لهذه الآية مفهوماً هو هذا المفهوم، إذن كيف يستطيع الإمام أن يُخاصِم به الطرف الآخر ويحتجّ به؟

معنى ذلك: أنّ الطرف الآخر كان يفهم أنّ معنى الآية، هو هذا المعنى (لا التقرب إلى الله)، وهذه في الواقع تمحّلات وتعسفّات من هؤلاء الذين يريدون أن يُحرِّفوا الآية، ويُحرِّفوا الكلم عن مواضعه، ويُفَسرون الآية بتفسير على خلاف ظاهرها، وخلاف ما تواترت الروايات وأكّدت أنّه هو المقصود، وهو المعنى الظاهر لهذه الآية، معنى الآية المودّة في قربى النبي، أي لا أسألُكم أجراً على الرسالة التي تصدّعتُ بها، إلاّ أن تَحفَظوا مودّتكم للقربى - يعني لأقرباء النبي - طبعاً وقد فَسّر وطَبّق النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بنفسه القربى أيضاً بروايات كثيرة واردة عنه، على أصحاب

٨

الكِساء الخمسة وعلى الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، هذا أيضاً وارد في روايات الطرفين، إذن فلا ينبغي أن نُنَاقِش في أنّ الآية تاريخياً، ظاهرها وسياقها هو هذا المعنى، وهذا هو الذي يُناسِب أن يكون أجراً على التصديع بالرسالة، وأيضاً الروايات في تفسير الآية تؤكد هذا المعنى في الآية، الروايات الواردة من قِبَل العامّة والخاصّة، وتاريخ تعامل الأئمة في مجتمع المسلمين، وفي محاججاتهم مع الأشخاص المُخالِفين، أيضاً يدل على أنّ هذا المعنى، هو الظاهِر والمتفاهَم من قِبَل عامّة المسلمين وعلمائهم في ذلك الزمن - زمن الأئمة (عليهم السلام) - ولم يَرِد من أحدٍ منهم في هذه المُباحثات والمُحاورات، الإشكال في أنّ هذه الآية ليس معناها ذلك، كانوا يُسَلِّمون أنّ الآية معناها المودّة في قربى الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وهم أهل بيته.

وما قيل أو يُقال: من أنّ هذا لا يُناسب النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأن يطلُب أجراً على رسالته على تصديعه برسالته، والأجر هو حفظ قَرابته والمودّة لأقربائه! هذه الشبهة أيضاً واضحة الجواب؛ باعتبار أنّ هذا الأجر في الواقع، وإن كان بحسب الظاهر والصورة أجراً للنبي حيث إنّ القربى قربى النبي، ولكن واقعاً أجراً يعود على المأجور لا على المُستَأجر، هذا نَفعهُ سوف يعود على المستأجَر لا على المأجور، على الطرف الآخر الذي يريد أن يدفع هذا الأجر؛ لأنّ المقصود

٩

من التودّد والمودّة للقربى، لم يكن هو تعظيم الجانب العشائري للنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، سيّما لو لاحظنا أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان له قربى مع كل بطن من بطون قريش.

كما ورد في بعض التواريخ، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من أُسرة عريقة، واسعة العلاقات والارتباطات والقرابات مع أكثر الطوائف، والنبي أصلاً لم يلتفت إلى أولئك، وقد ورد في ذمِ كثير من أعمامهِ، أو بني أعمامهِ، آيات وأحاديث وروايات، لم يكن يهتم بجانب القربى بهذا المعنى القَبَلي، وإنّما يقصد من القربى هذه، خصوص أهل البيت (عليهم السلام) - كما طبّقه النبي (عليه السلام) بنفسه على أهل الكساء - إذن فهذه الشبهة موضوعاً مُندَفعة؛ لأنّها إنّما ترِد لو كان المقصود واقعاً تثبيت الأرحام وتثبيت الأقرباء والأقوام، بينما ليس هذا المقصود، وإنّما المقصود هو تثبيت خصوص أُناس مُعَينين، وهو مَن عَبّرت عنهم الآية المباركة بأهل البيت، الذين أذهبَ الله عنهم الرِجس وطهّرَهم تطهيراً، فقد خصّتهم بذلك المعنى، وإنّ سائر الوشائِج والعَلائق القريبة، كلّها قد أهملها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولم يلتفت إليها، ولم يركِّز عليها، ولم يتوجّه إليها بأي توجّه، فهذه المحبّة للقربى ليس بعنوان كونهم قربى، وإلاّ فعَم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أيضاً قريبٌ له، ابن عباس أيضاً قريبٌ من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، زوجات النبي أيضاً

١٠

من أقرباء النبي بمعنى من المعاني، لا يوجد في حقّهِم أي تأكيد، وأي توجّه، وأيُ حُكمٍ من هذا القبيل، بل كانت حياة النبي وتربيته واضحة في مكّة والمدينة، أنّه لا يهتم في هذه الحيثيات القوميّة والقَبَليّة والعشائريّة، بل العكسُ صحيح؛

فقد ثار ضدّ هذه الأعراف، وضدّ هذه التقاليد والنَزَعات، التي قد تكون في المجتمعات الجاهلية القديمة والحديثة معاً بمختلف الأشكال والصور والصياغات، بل كان منذ البداية من أوليّات رسالته رفضٌ تام لهذه القضايا وشَجبِها، وجَعلَ المبدأ، والعقيدة، والتقرُب إلى الله، والالتزام بطاعة الله هو الأساس، التقوى هي الميزان في كرامة الإنسان، وفي القُرب والبُعد حتى يَجعل سلمان - الذي هو فارسي الأصل - مُحَمّدياً والرسول يصفه:«سلمانٌ مِنّا أهل البيت» .

إذن، فحياةُ النبي وسُلوكه وكلماته وتربيته، كانت قائمة على شَجب هذه الفكرة بهذا الشكل، فكيف يمكن أن يُبَين مطلباً يكون مُناقِضاً مع تلك الأُسس التي ربّى الناس عليها، وعلّم الناس بها، تلك المبادئ الإسلامية القيّمة؟

ولهذا، عندما وردت هذه الآية، لم يقع المسلمون في التناقض بين هذه الآية وبين تلك التربية والمبادئ، ولم يستشكلوا على النبي بأنّه كيف تطلب أجراً على رسالتك، هو تعظيم وتقدير طائفته مثلاً، لماذا؟ لأنّ الآية لا تريد القربى بذلك المعنى، إنّما القربى كان واضحاً في زمن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنّهم أُناسٌ مخصوصون، النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان دائماً يُعبِّر

١١

عنهم أنّهم القربى وأهل البيت، والروايات الواردة في التواريخ العامّة والخاصّة، تؤكد على أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان دائماً حريصاً على أن يُخَصِص هذا العنوان - عنوان القربى وعنوان أهل البيت (عليهم السلام) - بأهل البيت (يعني بأصحاب الكساء، بفاطمة الزهراء، والإمام علي بن أبي طالب، والحسنان عليهم السلام).

إذا نستعرض الروايات الواردة والتواريخ، ونجمعها من مواضعها المتفرِقة في التاريخ، والكتب الفقهية، وكُتب التراث، نجد أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان حريصاً جداً على أنّ هذا العنوان لا يُطبّقه، إلاّ على هؤلاء الخمسة، وكأنّه صار مُصطلحاً وعَلماً لهم، كما في علم الأصول يقولون: (حقيقة شرعيّة) هذا صار: (حقيقة نبويّة)، كلمة القربى، وأهل البيت في التراث الإسلامي والنبوي، أصبح مصطلحاً خاصّاً بأصحاب الكساء (أهل البيت).

إذن، فهذه الآية هي بحسب الحقيقة، تدل على أنّ أجر الرسالة إنّما هو مودّة ومحبّة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا الأجر، أمرٌ بحسب الحقيقة يرِد خيرهُ على نفس الناس، بأنّ الناس عندما يتودّدون ويُحِّبون أهل البيت (عليهم السلام)، بهذا يرتبطون بالنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبرسالته ارتباطاً أكثر، فأيضاً ترجع خيرات وبركات هذا الأجر إلى المسلمين، إلى مَن سأل منهم الأجر، فصورته أجر، وواقعه ليس بأجر، وإنّما عُبِّر عنه بأجر لنكتتين:

١٢

النكتة الأولى: أنّهم قربى النبي، وهم القربى المُصطَلح عليهم من قِبَل النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فمن المُناسِب أدبياً ولفظياً أن يُسمّى ويُصطَلح على مودّتهم بكلمة أجر، وإلاّ واقعاً ليس أجراً، بل هذا أيضاً شيء من قِبَل النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى الناس، لا من الناس إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، من قِبَل الله إلى الناس، وليس من قِبَل الناس إلى الله سبحانه وتعالى، الناس عندما يتحبّبون ويتودّدون إلى القربى، يستفيدون في تقرُبِهم من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، من الرسالة التي جاء بها (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فواقعاً ليس أجراً، وإنّما هو لطف آخر من الله سبحانه وتعالى، ومَنّه في حقهم، وهداية أخرى من قِبَل الله سبحانه وتعالى في حق الناس، إلاّ أنّه عُبِّر بأجرٍ؛ لأنّ ظاهر الحال، أنّ هؤلاء من أقرباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وممّن يودّهم النبي، ويتعلّق بهم ويُحبّهم حُبّاً شديداً، كما هو وارد وثابت، إذن فبهذه المناسبة، أدبياً يمكن أن يُصطَلح عليه أجر.

ومن هنا نعرف، أنّه لا منافاة بين هذه الآية وبين الآيات التي تقول:(لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ، الآيات الأخرى التي تنفي مُطلق السؤال عن الأجر، لا تُنَافي هذه الآية؛ لأنّ تلك تريد أن تقول: أنا بلغّتُ رسالة ربّي، وقمتُ بواجبي، ولا أسألُكم عليه أجراً، إن أجريَ إلاّ على الله - كما في آية أخرى - فهناك المنفي هو الأجر الحقيقي، وهذا أجر لفظي فقط، بمناسبة لفظية سُميَ بـ (أجر)،

١٣

وإلاّ واقعاً ليس هو بأجر، بل هو أيضاً شيء يرجع ببركاته وخيراته على الناس أنفسهم.

النكتة الثانية: وهي أنّ هذا الفعل، وهو محبّة القربى بحسب صورته وظاهره، يكون من فعل الناس والمجتمع تجاه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته، بل قد يُكلِّف الناس ثمناً باهضاً، كما كلفّت مودّة القربى المسلمين والمؤمنين حقاً ثمناً باهضاً، كلّفتهم حياتهم، كما كلّف أصحاب الأئمة والمُحبين للأئمة في التاريخ الإسلامي، هذا الحب وهذه المودّة كلّفتهم كثيراً، فلعلّ القرآن الكريم إنّما سمّاه أجراً؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يعلم أنّ هذه المودّة تُكلِف هؤلاء ثمناً باهضاً؛ لأنّ المسألة سوف تتطوّر وتدخل المدخل الذي دخلت فيه، وسوف تُكلِف مَن يريد أن يتودّد إلى الأئمة (عليهم السلام)، ومَن يريد أن يحب القربى أثماناً؛ لأنّ هذه المودّة صعبٌ تَحمُلها وتحمّل مسؤوليتها والقيام بها، تُكلِف هؤلاء بأكثر مما تَحمّله المسلمون حينما دخلوا في الإسلام، خصوصاً أهل المدينة الذين دخلوا في الإسلام من دون المشاكل التي ابتلى بها المسلمون الأوائل في مكّة، هؤلاء واجهوا معاناةً ومحناً وبلايا ومواجهات من قِبَل قريش، بينما مسلموا المدينة لم يواجهوا مثل هذه المواجهات الصعبة، فكأنّ الإسلام جاءهم سهلاً، ومن دون تعب، ومن دون جهد، جاءهم الإسلام وهداهم إلى النور،

١٤

هذا الجهد متى يبدأ؟

حينما يريدون أن يُتَمِموا المسيرة، ويُتَمِموا العملية، ويُتمِموا الرسالة بحب الأئمة والتعلّق والارتباط بهم؛ لأنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يعلم أنّ هؤلاء في هذا العمل الثاني سوف يواجهون الإرهاب وغيره، المسائل التي واجهوها بالفعل في تاريخ الإسلام من الداخل، إذن فمودّة القربى وإن كانت تعود على الأمة بالفائدة، إلاّ أنّها حيث إنّ فيها جُهداً ونَصَباً وتضحية، فمن هذه الناحية يُناسِب أن يُعبّر عنها بأجر للرسالة أو للرسول، فأنت تجعل أجر الرسالة بأن تتحمّل المسيرة إلى النهاية، بأن تود القربى، وتحبّهم، وتتعلّق بالأئمة (عليهم السلام)، وهذا سُمِيَ أجراً؛ لأنّه سوف يُكلِفك نَصَباً وعناءً وجهداً، ويُكلِفك أن تبذل دمَك في هذا السبيل، كما بذلوا دمائهم في هذا السبيل.

هذه إذن مناسَبة أُخرى للتعبير عن مودّة القربى بالأجر، سُميَ أجراً؛ لما فيه من المشاقّ والصعوبات والتضحيات التي لابد وأن يقوم بها مَن يريد تلك المودّة القربى، فالآية لا ينبغي أن تكون في دلالتها مُناقَشة، وهي تدل على هذه الحقيقة، والنظرية القرآنية الإسلامية التي تُعتبر من أصول معتقداتنا نحن الشيعة، وهي أنّه لابدّ ويجب مودّة قربى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)،

١٥

لا بمعنى مُطلَق القريب الذي له رَحمية، أوصِلةٍ بسببٍ، أو نسبٍ مع النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بل خصوص أهل البيت، كما طبّق وحصر النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مصداق القربى ومصداق أهل البيت في هؤلاء، وهذا أحد أصول الإسلام ومن أهم أصول العقيدة الإسلامية، وهذا الأصل الذي استفدناه من الآية، ونستفيده من الروايات المتواترة والواردة عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعن الأئمة، هذا الأصل ما هو مضمونه؟ وما هي معطياته؟ ولماذا هذه المودّة في القربى؟ مودّة أهل البيت والمحبّة لأهل البيت، ماذا تتضمن من معاني أو أبعاد أو معطيات؟ هذا هو المُهم بحسب الحقيقة، فلهذا الأصل مُعطَيات منها:

المُعطَى الأول: في الواقع أول مُعطَى من مُعطَيات هذا الأصل هو: تثبيت الإمامة للأئمة، ولهذا هذه الآية يمكن أن تُجعل إحدى الآيات التي يُستدل بها على إمامة أئمة أهل البيت؛ وذلك باعتبار أنّ هذه الآية تحصر المودّة الواجبة بحكم الآية الكريمة بالقربى، تقول:(إِلاّ المودّة فِي الْقُرْبَى) ، نلاحظ لم يقل إلاّ المودّة القربى، لماذا لم تقل الآية إلاّ المودّة للقربى؟ قالت: إلاّ المودّة في القربى، هذا التبديل: تبديل اللام بفي، من ناحية، من أجل أن يُشعِر أنّ هذه المودّة لكم وليس لهم، صحيحٌ أنّكم تُحِبونهم، لكن أليس اللام تفيد المِلك؟

هذه المودّة لا تزيد القربى مقاماً، أو منزلة، أو شيئاً، نَفعُ هذه المودّة ليس للقربى، القربى هم مُستَغنون عنكم، وهم خِيرة الناس، وهم مقاماتهم عند الله محفوظة، وهم مُستَغنين عنكم، نحنُ المُحتاجون إليهم، ليسوا هم المُحتاجين لمودّتكم، أو لمحبّتكم، ولهذا لم يُعبِّر بلام؛ حتى لا يوحي أنّ

١٦

هذه المودّة كأنّها شيء ترجع لهم، وتفيدهم فائدة، وتعود عليهم بنفع، فليست المودّة لهم، بل لكم، أي أنّ فوائدها ونتائجها لكم، ولكن المودّة فيهم، هم محلّ المودّة، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى، تُشعِر بالحصر أنّ هذه المودّة، لابد وأن يكون محلّها وموطنها ومكانها القربى، لا مكاناً آخر، فكأنّه عندما يقال: أنّ هذه المودّة ينبغي أن تكون في هذا الموضع، يعني لا تكون في موضع آخر، تُشعِر بشيء ما من الإشعار والدلالة، بأنّ هذه المودّة لابد وأن تُحصَر في هؤلاء.

ومن الواضح أنّ المحبّة والمودّة إذا أصبحت من الواجبات، فسوف يدل بالالتزام على أنّ هؤلاء لهم منزلة خاصة، ولهم مقام الولاية على الأمة؛ لأنّ الشريعة في نص القرآن الكريم توجِب المودّة في القربى، وتجعله أجراً للرسالة، يعني هذه المرتبة - من الاهتمام بالمودّة لأهل البيت، وجَعلْ هذه المودّة أجراً لتصديع النبي بهذه الرسالة - لا يُمكن أن تكون إلاّ أن يكون الشخص الذي قد حُصِرت المودّة فيه، وأُمرِنا بالمودّة والمحبّة في حقه، هذا على مقامٍ ومنزلةٍ كبيرة، كمقام النبوة فتتشكّل دلالة التزامية عُرفية بيّنة واضحة في هذه الآية، على أنّ هؤلاء القربى الذين قد أَمَرت الآية بمودّتهم

١٧

ومحبّتهم وحَصَرَتها فيهم، لهم مقام ومنزلة عظيمة في الرسالة وعند الله سبحانه وتعالى، ولا تكون إلاّ كمقام النبوة، الذي أيضاً نحنُ مُكَلَفين بحب صاحبها، والمودّة إليه، والتعلّق به.

ونحن نعلم أنّ الرسالة لا تأمر بالمودّات والمحبّات لقضايا شخصيّة جزئيّة وخارجية، إذ ليس ذلك من شؤون الرسالة، وليس هذا أدب الأحاديث، فكيف بالقرآن الكريم إذن؟ فأيُ عناية من هذا القبيل وارد في القرآن في حق القربى؟

هذه العناية لا يمكن أن تُفسّر، ولا يمكن أن توجّه إلاّ بتفسير وتوجيه واحد، وإلاّ في حالة واحدة وهي: أنّ هؤلاء على منزلة عظيمة، بمعيار أدبيات الرسالة الإسلامية، ومن خلال مقاييس الرسالة الإسلامية ومعاييرها، على منزلة عظيمة وكبيرة، بمثابة منزلة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، غير أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو الرسول المُصدِع، وهؤلاء هم داخل إطار الرسالة الإسلامية، فتدل هذه الآية بالدلالة الالتزامية على أنّ منزلتهم منزلة قادة الرسالة وحُماتها، وهذه هي الإمامة، نحن ماذا نريد بالإمامة؟

هذه التعابير: (إمامة، ولاية، خلافة) هذه تعابير من باب: (عباراتُنا شتّى وحُسنُك واحد)، واقع المسألة أنّ هؤلاء لهم امتياز على سائر الناس، وامتيازهم رسالي، امتياز مربوط بالله سبحانه وتعالى، امتياز خاص كامتياز النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهم مِحوَر الرسالة، وهم أصحاب الرسالة وحامليها، والمسؤولين عنها وحُماتها، وحينئذٍ قد يُعبّر عنها بالإمامة، أو الخلافة،

١٨

أو الولاية، واقع المسألة هذا التمحور الخاص، وهذه الميزة الخاصّة في هؤلاء، والالتصاق الخاص لهؤلاء بالرسالة والسماء باعتبار أنّ الرسالة رسالة السماء، ورسالة الله سبحانه وتعالى.

إذن، فأوّل مُعطَيات هذا الأصل الذي استفدناه من هذه الآية: أنّ القربى يعني أهل البيت (عليهم السلام)، وهم يملكون منزلة خاصّة عند الله سبحانه وتعالى كمنزلة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، مَنزِلة مِحورية وامتياز مِحوري، لا يكون إلاّ لهم بالخصوص، وللنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الذي هو صاحب هذه الرسالة، وحامل هذا اللواء، هذه الدلالة الأولى لهذا الأصل، ومن هنا من الصحيح أن يُستدل كما أستدلّ بعض علماء الشيعة بهذه الآية الكريمة، على مبدأ الإمامة والولاية والخلافة لأهل البيت (عليهم السلام)، وأنا أجد أنّ هذه الدلالة دلالة واضحة بينّة في هذه الآية الكريمة.

المُعطَى الثاني: إنّ هذه الآية تدل على مبدأ الولاية وزيادة - هذه الزيادة سوف تكون هي المُعطَى الثاني - وهي أنّه إضافةً إلى تثبيت منزلة خاصّة، لا تكون إلاّ للقائد، ولا تكون إلاّ للولي وللإمام، إضافةً إلى ذلك تُعطي لنفس المحبّة والمودّة أهمية، حيث توجِب المودّة والمحبّة لهؤلاء، وهذا بُعد

١٩

آخر في هذا الأصل، أو في هذه الآية، أنّ هؤلاء تارةً نؤمِن بهم كأئمة، وكقادة، وكخلفاء، وأنّهم خلفاء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، الذين كان ينبغي أن يَخلِفوا النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والذين أقصوهم عن هذا المقام غاصبون، نؤمِن بذلك كحقيقة مرتبطة بنظريّة الحكم في الإسلام، أو نظريّة القيادة الإسلامية، وهذه مرتبة من الإيمان بالأئمّة، أنّنا نؤمِن بهم، يعني نؤمن بعصمتهم، وولايتهم، وهم الخُلفاء المُحِقون بعد النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهم الذين كان ينبغي أن يَحكُموا، إلاّ أنّ الغاصبين والمارِقين والناكِثين أقصَوهم، هذه مرتبة من الإيمان بالأئمّة (عليهم السلام).

هذه الآية تريد أكثر من هذه المرتبة، تريد أن تقول: أنّ هؤلاء ليس فقط يجب أن تفترضهم هم الخُلفاء، وهم الأئمّة والقادة، وهُم مَن لهم حق الحاكمية والحُكم، بل إضافةً على ذلك، لابد أن تَودّوهم وتُحِبّوهم، هذا مبدأ إضافي - مبدأ حُب هؤلاء والتودّد لهم - هذا الحب والولاء لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بُعد آخر، ومُعطَى آخر من مُعطَيات هذا الأصل، ولهذا المُعطَى الجديد آثاره، ونتائجه، ودوره الذي سوف نشرحه إنشاء الله تعالى في الليلة القادمة، في تربية الإنسان وتثقيفه، وجَعْله يستطيع أن يأخذ الرسالة من مصدرها الصحيح، وشد المجتمع والأمّة بالمِحور القيادي الصحيح، بحيث لولا هذا البُعد والمُعطَى الثاني، يبقى المُعطَى الأول مُعطَى نظري غير قابل للتجسّد

٢٠